الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحضر رَمَضَان آخر وَمن شرع فِي صَوْم تطوع لم يلْزمه إِتْمَامه وَيسْتَحب لَهُ الاتمام فَلَو خرج مِنْهُ فَلَا قَضَاء لَكِن يسْتَحبّ وَهل يكره أَن يخرج مِنْهُ نظر إِن خرج لعذر لم يكره وَإِلَّا كره وَمن الْعذر أَن يعز على من يضيفه امْتِنَاعه من الْأكل وَيكرهُ صَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَحده تَطَوّعا وَكَذَا إِفْرَاد يَوْم السبت وَكَذَا إِفْرَاد يَوْم الْأَحَد وَالله أعلم قَالَ
بَاب الِاعْتِكَاف
(فصل الِاعْتِكَاف مُسْتَحبّ وَله شَرْطَانِ النِّيَّة واللبث فِي الْمَسْجِد)
الِاعْتِكَاف فِي اللُّغَة الاقامة على الشَّيْء خيرا كَانَ أَو شرا وَفِي الشَّرْع إِقَامَة مَخْصُوصَة وَالْأَصْل فِي اسْتِحْبَابه الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} وَقد ثَبت اعْتِكَاف النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سنة مُؤَكدَة يَنْبَغِي الاعتناء بهَا وَيسْتَحب فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَفِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان آكِد اقْتِدَاء برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وطلباً لليلة الْقدر وَلَيْلَة الْقدر أفضل ليَالِي السّنة وَهِي بَاقِيَة بِفضل الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وكذهب جُمْهُور الْعلمَاء أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان وَفِي أوتاره أَرْجَى وميل الشَّافِعِي إِلَى أَنَّهَا لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين قَالَ ابْن خُزَيْمَة وتنتقل فِي كل سنة إِلَى لَيْلَة جمعا بَين الْأَدِلَّة قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ مَنْقُول عَن الْمُزنِيّ أَيْضا وَهُوَ قوي وَمذهب الشَّافِعِي أَنَّهَا تلْزم لَيْلَة بِعَينهَا وَالله أعلم
وأركانه أَرْبَعَة النِّيَّة لِأَنَّهُ عبَادَة فافتقر إِلَى النِّيَّة كَسَائِر الْعِبَادَات
الثَّانِي اللّّبْث فِي الْمَسْجِد أما اللّّبْث فِي الْمَسْجِد فَلَا بُد مِنْهُ على الصَّحِيح وَلَا يكفى قدر الطُّمَأْنِينَة فِي الصَّلَاة بل لَا بُد من زِيَادَة عَلَيْهِ بِمَا يُسمى عكوفاً وَإِقَامَة وَلَا يشْتَرط السّكُون بل يَصح الِاعْتِكَاف مَعَ التَّرَدُّد فِي أَطْرَاف الْمَسْجِد كَمَا يحرم ذَلِك على الْجنب وَكَذَا يَصح الِاعْتِكَاف قَائِما وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي أَن يعْتَكف يَوْمًا لِلْخُرُوجِ من الْخلاف فَإِن أَبَا حنيفَة ومالكاً لَا يجوزان الِاعْتِكَاف أقل من يَوْم وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَبنَا وَلَو كَانَ كلما دخل وَخرج نوى الِاعْتِكَاف صَحَّ على الْمَذْهَب وَلنَا وَجه أَنه يشْتَرط اللّّبْث وَيَكْفِي الْحُضُور كَمَا يَكْفِي مُجَرّد الْحُضُور فِي عَرَفَة وَأما اشْتِرَاط الْمَسْجِد فَلِأَنَّهُ الْمَنْقُول عَنهُ عليه الصلاة والسلام وَعَن أَصْحَابه ونسائه
الرُّكْن الثَّالِث الْمُعْتَكف وَشَرطه الْإِسْلَام وَالْعقل والنقاء من الْحيض وَالنّفاس والجنابة وَيصِح اعْتِكَاف العَبْد وَالْمَرْأَة بِإِذن السَّيِّد وَالزَّوْج فَإِن اعتكفا بِغَيْر إذنهما فَلَهُمَا إخراجهما وَلَا يَصح اعْتِكَاف السَّكْرَان لعدم النِّيَّة
الرُّكْن الرَّابِع الْمُعْتَكف فِيهِ وَشَرطه الْمَسْجِد كَمَا مر وَالْجَامِع أولى لِئَلَّا يحْتَاج إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْجُمُعَة وَلِأَن الْجَمَاعَة فِيهِ أَكثر وَقد اشْترط ذَلِك الزُّهْرِيّ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا يخرج الْمُعْتَكف من الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان أَو عذر من حيض أَو نِفَاس أَو مرض لَا يُمكن الْمقَام مَعَه وَيبْطل بِالْوَطْءِ)
قد علمت أَن الِاعْتِكَاف قربَة فَإِذا نَذره صَحَّ ثمَّ إِن نذر مُدَّة مُعينَة وقدرها بِأَن نذر اعْتِكَاف عشرَة أَيَّام من الْآن أَو هَذِه الْعشْرَة أَو شهر رَمَضَان أَو هَذَا الشَّهْر فَعَلَيهِ الْوَفَاء بذلك فَلَو أفسد آخِره بِعُذْر أَو غير عذر بِالْخرُوجِ لم يجب الِاسْتِئْنَاف وَلَو فَاتَهُ الْجَمِيع لم يجب التَّتَابُع فِي الْقَضَاء كقضاء رَمَضَان وَهَذَا كُله إِذا لم يُصَرح بالتتابع فَلَو صرح بِهِ فَقَالَ أعنكف هَذِه الْعشْرَة أَيَّام متتابعة وَجب الِاسْتِئْنَاف على الصَّحِيح لتصريحه بالتتابع ثمَّ إِذا نذر اعتكافاً مُتَتَابِعًا وَشرط الْخُرُوج إِن عرض عَارض صَحَّ شَرطه على الْمَذْهَب وَبِه قطع الْجُمْهُور وَلَو شَرط الْخُرُوج للجماع لم يَصح نَذره ثمَّ إِذا صَحَّ نَذره فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوج إِلَّا لعذر وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْخُرُوج لقَضَاء الْحَاجة وَالْمرَاد بهَا الْبَوْل وَالْغَائِط وَفِي مَعْنَاهُ الْغسْل من الِاحْتِلَام وَذَلِكَ لَا يضر قطعا وَمِنْهَا الْجُوع فَيجوز الْخُرُوج للْأَكْل على الأَصْل الْمَنْصُوص وَلَو عَطش فَإِن وجد المَاء فِي الْمَسْجِد فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوج وَالْفرق بَين الْأكل وَالشرب أَن الْأكل فِي الْجَامِع يستحيا مِنْهُ بِخِلَاف الشّرْب فَإِن لم يجده لَهُ الْخُرُوج وَاعْلَم أَنه فِي حَال خُرُوجه لقَضَاء الْحَاجة هُوَ معتكف فَلَو جَامع فِي ذَلِك الْوَقْت بَطل اعْتِكَافه على الْأَصَح
وَاعْلَم أَنه لَا يشْتَرط فِي جَوَاز الْخُرُوج شدَّة الْحَاجة وَإِذا خرج لَا يُكَلف الْإِسْرَاع بل يمشي على مشيته الْمَعْهُودَة فَلَو تأنى أَكثر من عَادَته بَطل اعْتِكَافه على الْمَذْهَب وَلَا يجوز الْخُرُوج لعيادة الْمَرِيض وَلَا لصَلَاة الْجِنَازَة وَإِذا خرج لقَضَاء الْحَاجة فَلهُ أَن يتَوَضَّأ خَارج الْمَسْجِد لِأَن ذَلِك يَقع تبعا بِخِلَاف مَا لَو احْتَاجَ إِلَى الْوضُوء من غير قَضَاء الْحَاجة فَإِنَّهُ لَا يجوز الْخُرُوج على الْأَصَح إِذا أمكن الْوضُوء فِي الْمَسْجِد وَمن الْأَعْذَار مَا إِذا حَاضَت الْمَرْأَة يلْزمهَا الْخُرُوج وَهل يَنْقَطِع التَّتَابُع نظر إِن كَانَت الْمدَّة الَّتِي نذرتها طَوِيلَة لَا تنفك عَن الْحيض غَالِبا لم يَنْقَطِع وَإِن كَانَت تنفك فالراجح أَنَّهَا تَنْقَطِع وَمِنْهَا أَي الْأَعْذَار الْمَرَض فَإِن كَانَ يشق مَعَه الْمقَام كحاجته إِلَى الْفراش وَالْخَادِم وَتردد الطَّبِيب فَيُبَاح لَهُ الْخُرُوج وَلَا يبطل بِهِ التَّتَابُع على الْأَظْهر وَكَذَا لَو خَافَ تلويث الْمَسْجِد كإدرار
الْبَوْل والإسهال وَالْمذهب أَنه يَنْقَطِع التَّتَابُع وَاحْترز الشَّيْخ بقوله لَا يُمكن الْمقَام مَعَه عَن الْمَرَض الْخَفِيف كالصداع والحمى الْخَفِيفَة فَلَا يجوز لَهُ الْخُرُوج بِسَبَب ذَلِك فَإِن خرج بَطل التَّتَابُع وَلَو خرج نَاسِيا أَو مكْرها لم يَنْقَطِع تتابعه على الْمَذْهَب وَمن أخرجه الظلمَة ظلما للمصادرة أَو غَيرهَا أَو خَافَ من ظَالِم فَخرج واستتر فكالمكره وَإِن خرج لحق وَجب عَلَيْهِ وَهُوَ مماطل بَطل لتَقْصِيره وَإِن حمل وَأخرج لم يبطل وَلَو دعِي لأَدَاء شَهَادَة فَإِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا بَطل اعْتِكَافه سَوَاء كَانَ التَّحَمُّل مُتَعَيّنا أم لَا لحُصُول الِاسْتِغْنَاء عَنهُ وَإِن تعين عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا نظر إِن لم يتَعَيَّن التَّحَمُّل بَطل تتابعه على الْمَذْهَب وَإِن تعين فَوَجْهَانِ أصَحهمَا من زِيَادَة الرَّوْضَة لَا يبطل وَلَو خرج لصَلَاة الْجُمُعَة بَطل اعْتِكَافه على الْأَظْهر لِإِمْكَان الِاعْتِكَاف فِي الْجَامِع وَلَو خَافَ فَوَات الْحَج خرج إِلَيْهِ وَبَطل اعْتِكَافه وَلَو جَامع بَطل اعْتِكَافه لِأَنَّهُ منَاف للاعتكاف وَهَذَا بِشَرْط كَونه مُخْتَارًا ذَاكِرًا للاعتكاف عَالما بِالتَّحْرِيمِ قَالَ الله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وَاعْلَم أَنه لَو بَاشر بلمس أَو قبْلَة بِشَهْوَة فَأنْزل بَطل اعْتِكَافه والاستمناء بِيَدِهِ مُرَتّب على الْمُبَاشرَة وَلَو بَاشر نَاسِيا فكجماع الصَّائِم وَلَو جَامع جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ فكنظيره من الصَّوْم وَيصِح اعْتِكَاف اللَّيْل وَحده وَالله أعلم