المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يلزم الميت - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: ‌باب ما يلزم الميت

‌كتاب الْجَنَائِز

‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

(فصل وَيلْزم فِي الْمَيِّت أَرْبَعَة أَشْيَاء غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه)

لَا خلاف أَن الْمَيِّت الْمُسلم يلْزم النَّاس الْقيام بأَمْره فِي هَذِه الْأَرْبَعَة وَالْقِيَام بِهَذِهِ الْأَرْبَعَة فرض كِفَايَة بِالْإِجْمَاع ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهمَا وَفِيه شَيْء وَالْفرق بَين فرض الْعين والكفاية أَن الْخطاب فِي فرض الْعين يتَعَلَّق بِكُل وَاحِد بِعَيْنِه كالصلوات الْخمس وَأما فرض الْكِفَايَة فَهُوَ الَّذِي يتَنَاوَل بَعْضًا غير معِين كالجهاد وَسمي فرض كِفَايَة لِأَن فعل الْبَعْض كَاف فِي تَحْصِيل الْمَقْصُود إِذا عرفت هَذَا فَمَتَى تحقق موت الْمُسلم اسْتحبَّ الْمُبَادرَة إِلَى تَجْهِيزه وَأَقل الْغسْل اسْتِيعَاب بدنه بِالْغسْلِ بعد إِزَالَة النَّجَاسَة لِأَن ذَلِك هُوَ الْوَاجِب فِي حق الْحَيّ فِي غسل الْجَنَابَة وَهل تشْتَرط نِيَّة الْغَاسِل فِي غسل الْمَيِّت وَجْهَان الْأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر لَا يجب لِأَن الْمَقْصُود من غسل الْمَيِّت النَّظَافَة وَهِي تحصل بِلَا نِيَّة وَلِأَن الْمَيِّت لَيْسَ من أهل النِّيَّة بِخِلَاف الْحَيّ فعلى هَذَا يَكْفِي غسل الْكَافِر وَلَا الغريق لحُصُول النَّظَافَة وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط النِّيَّة فعلى هَذَا لايكفي غسل الْكَافِر وَلَا الغريق وَعلل بِأَنا مأمورون بِغسْلِهِ وَصحح النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وجوب غسل الغريق بعد تَصْحِيحه عدم اشْتِرَاط النِّيَّة وَالْعجب أَن الرَّافِعِيّ رجح فِي شرحيه وجوب غسل الغريق وَيسْتَحب أَن يوضئه الْغَاسِل كوضوء الْحَيّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَو خرج مِنْهُ شَيْء بعد الْغسْل وَجب إِزَالَته فَقَط دون الْوضُوء وَالْغسْل على الصَّحِيح وَلَو تحرق بِحَيْثُ لَو غسل تهري يمم وَإِن كَانَ بِهِ قُرُوح وَخيف من تغسيله تسارع البلى بعد الدّفن غسل لأَنا صائرون إِلَيْهِ وَلَا يختتن الْمَيِّت على الْمَذْهَب وَالله أعلم

وَأما الْكَفَن فأقله ثوب وَاحِد فِي حق الرجل وَالْمَرْأَة لقصة مُصعب بن عُمَيْر وَهِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحكم الصَّلَاة يَأْتِي وَأما الدّفن فأقله حُفْرَة تكْتم رَائِحَة الْمَيِّت وتحرسه عَن السبَاع

ص: 159

بِحَيْثُ يتَعَذَّر نبش مثلهَا غَالِبا وَالله أعلم قَالَ

(وَاثْنَانِ لَا يغسلان وَلَا يصلى عَلَيْهِمَا الشَّهِيد فِي معركة الْكفَّار والسقط الَّذِي لم يستهل) وَيصلى عَلَيْهِ إِن اختلج اعْلَم أَن الشَّهِيد يصدق على كل من قتل ظلما أَو مَاتَ بغرق أَو حرق أَو هدم أَو مَاتَ مبطوناً أَو مطعوناً أَو مَاتَ عشقاً أَو كَانَت امْرَأَة وَمَاتَتْ فِي الطلق وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا من مَاتَ فَجْأَة أَو فِي دَار الْحَرْب قَالَه ابْن الرّفْعَة وَمَعَ صَدَقَة أَنهم شُهَدَاء فَهَؤُلَاءِ يغسلون وَيصلى عَلَيْهِم كَسَائِر الْمَوْتَى وَمعنى الشَّهَادَة لَهُم أَنهم أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ وَأما من مَاتَ فِي قتال الْكفَّار مُدبرا غير متحرف لقِتَال أَو متحيزاً إِلَى الفئة أَو كَانَ يُقَاتل رِيَاء وَسُمْعَة فَهَذَا شَهِيد فِي الحكم بِمَعْنى أَنه لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ شَهِيد فِي الدُّنْيَا دون الْآخِرَة وَأما من مَاتَ فِي قتال الْكفَّار بِسَبَب الْقِتَال على الْوَجْه المرضي فَهَذَا شَهِيد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كمن قتل مُشْرك أَو أَصَابَهُ سلَاح مُسلم خطأ أَو عَاد عَلَيْهِ سلَاح نَفسه أَو سقط عَن فرسه أَو رمحته دَابَّته أَو تردى فِي وهدة فَمَاتَ وَكَذَا لَو وجدنَا قَتِيلا عِنْد انكشاف الْحَرْب وَلم يعلم سَبَب مَوته سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ أثر دم أم لَا لِأَن الظَّاهِر أَنه مَاتَ بِسَبَب الْقِتَال فَهَذَا لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ سَوَاء فِي ذَلِك الْبَالِغ وَالصَّبِيّ وَالْحر وَالْعَبْد وَالرجل وَالْمَرْأَة كَمَا ورد عَن جَابر رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

(لم يغسل قَتْلَى أحد وَلم يُصَلِّي عَلَيْهِم) وَأما من مَاتَ حَال معركة الْكفَّار لَا بِسَبَب الْقِتَال بل بِمَرَض أَو فَجْأَة فَالْمَذْهَب أَنه لَيْسَ بِشَهِيد وَلَو جرح فِي الْقِتَال وَمَات بعد الْقِتَال وَمَات بعد الْقِتَال فَإِن قطع بوته من تِلْكَ الْجراحَة وَبَقِي فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة بعد انْقِضَاء الْحَرْب فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِشَهِيد وَإِن قصر الزَّمَان وَإِن بَقِي أَيَّامًا فَلَيْسَ بِشَهِيد بِلَا خلاف وَاعْلَم أَن ظَاهر إِطْلَاق الشَّيْخ يَشْمَل الشَّهِيد الْجنب وَهُوَ كَذَلِك فَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَحجَّة ذَلِك أَن حَنْظَلَة قتل يَوْم أحد فَلم يغسلهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ

(رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله) فَلَو كَانَ وَاجِبا لم يسْقط إِلَّا بفعلنا وَالله أعلم

وَأما السقط حالتان

الأولى أَن يستهل أَي يرفع صَوته بالبكاء أَو لم يستهل وَلَكِن شرب اللَّبن أَو نظر أَو تحرّك حَرَكَة كَبِيرَة تدل على الْحَيَاة ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يغسل وَيصلى عَلَيْهِ بِلَا خلاف لأَنا تَيَقنا حَيَاته وَفِي الحَدِيث

(إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث وَصلى عَلَيْهِ) قَالَ ابْن الْمُنْذر إِن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على الصَّلَاة

ص: 160

على مثل هَذَا وعَلى تغسيله وَفِي دَعْوَى الْإِجْمَاع شَيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة

الْحَالة الثَّانِيَة أَن لَا يتَيَقَّن حَيَاته بِأَن لَا يستهل وَلَا ينظر وَلَا يمتص وَنَحْوه فَينْظر إِن عرى عَن أَمارَة الْحَيَاة كالاختلاج وَنَحْوه فَينْظر أَيْضا إِن لم يبلغ حدا ينْفخ فِيهِ الرّوح وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر فَصَاعِدا لم يصل عَلَيْهِ بِلَا خلاف فِي الرَّوْضَة وَلَا يغسل على الْمَذْهَب لِأَن الْغسْل أخف من الصَّلَاة وَلِهَذَا يغسل الذِّمِّيّ وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَإِن بلغ أَرْبَعَة أشهر فَقَوْلَانِ الْأَظْهر أَنه أَيْضا لَا يصلى عَلَيْهِ لَكِن يغسل على الْمَذْهَب وَأما إِذا اختلج أَو تحرّك فيصلى عَلَيْهِ على الْأَظْهر وَيغسل على الْمَذْهَب وَاعْلَم أَن مَا لم تظهر فِيهِ خلقَة آدَمِيّ يَكْفِي فِيهِ المواراة كَيفَ كَانَ وَبعد ظُهُور خلقَة الْآدَمِيّ حكم التَّكْفِين حكم الْغسْل وَالله أعلم قَالَ

(وَيغسل الْمَيِّت وترا وَيكون فِي أول غسله سدر وَفِي آخِره شَيْء يسير من الكافور)

قد مر ذكر أقل الْغسْل وَأما أكمله فأمور كَثِيرَة مِنْهَا مَا ذكره الشَّيْخ فَيغسل بعد توضئته رَأسه ثمَّ لحيته بسدر وخطمي وَنَحْوهمَا وَيغسل الشق الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر ثَلَاثًا لما روى البُخَارِيّ عَن أم عَطِيَّة رضي الله عنها قَالَت دخل علينا رَسُول الله وَنحن نغسل ابْنَته فَقَالَ

(اغسلنها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن ذَلِك بِمَاء وَسدر واجعلن فِي الْآخِرَة كافوراً أَو شَيْئا من كافور وابدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا قَالَت فضفرنا شعرهَا ثَلَاثَة أَثلَاث قرنيها وناصيتها) وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ

(وألقيناها خلفهَا) وَيسْتَحب تَسْرِيح لحيته وَرَأسه إِن كَانَ عَلَيْهِمَا شعر بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان وَيكون بِرِفْق لِئَلَّا ينتف فَإِن انتتف شَيْء رده بعد غسله إِلَيْهِ وَوَضعه مَعَه فِي الْكَفَن إِكْرَاما لأجل الْآيَة كَذَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَعَن القَاضِي حُسَيْن أَنه يردهُ وَعنهُ أَنه يردهُ إِلَيْهِ

وَاعْلَم أَنه يجب الِاحْتِرَاز عَن كَبه على وَجهه فَإِذا غسله بالسدر وَنَحْوه أَزَال ذَلِك ثمَّ بعد زَوَاله يغسل بِالْمَاءِ القراح ثَلَاثًا وَيجْعَل فِي كل غسلة كافورا وَفِي غسلته الْأَخِيرَة آكِد وَليكن الكافور قَلِيلا لِئَلَّا يتَغَيَّر بِهِ المَاء فيلبه الطّهُورِيَّة فَلَا يَكْفِي ذَلِك فِي الْغسْل كَمَا لَا يَكْفِي المَاء الْمَخْلُوط بالسدر وَنَحْوه فليتنبه لذَلِك وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَة بقول الشَّيْخ شَيْء يسير من كافور وَالله أعلم قَالَ

(ويكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة)

ص: 161

تقدم أقل الْكَفَن وَيسْتَحب أَن يُكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب وأفضلها الْبيَاض وَلَا يكون فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة بل إِزَار ولفافتان فالإزار من سرته إِلَى ركبته وَالثَّانِي من عُنُقه إِلَى كَعبه وَالثَّالِث يستر جَمِيع بدنه وَأما الْمَرْأَة فَفِي خَمْسَة أَثوَاب إِزَار وخمار وقميص ولفافتان وَهَذِه الْأُمُور ثَابِتَة بِالسنةِ وَالله أعلم

وَاعْلَم أَن كل شخص يُكفن بِمَا يجوز لَهُ لبسه فِي حَيَاته فَيجوز تكفين الْمَرْأَة فِي الْحَرِير لَكِن يكره وَيحرم ذَلِك فِي حق الرجل وَيكرهُ المزعفر والمعصفر ثمَّ الْجَوْدَة والرداءة تتَعَلَّق بِحَال الْمَيِّت فَإِن كَانَ مكثراً فَمن جِيَاد الثِّيَاب وَإِن كَانَ متوسطاً فَمن وَسطهَا وَإِن كَانَ مقلا فَمن أخشن الثِّيَاب وَتكره المغالاة فِي الْكَفَن والمغسول أولى لِأَن الْجَدِيد أليق بالحي وَيكون صفيقاً غير رَقِيق لِأَن الْمَقْصُود بَقَاؤُهُ دون الزِّينَة وَالله أعلم قَالَ

(وَيكبر عَلَيْهِ أَربع تَكْبِيرَات يقْرَأ الْفَاتِحَة بعد الأولى وَيصلى على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد الثَّانِيَة وَيَدْعُو للْمَيت بعد الثَّالِثَة وَيسلم بعد الرَّابِعَة)

قد علمت أَن الصَّلَاة على الْمَيِّت فرض كِفَايَة فَيشْتَرط فِيمَن يُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور أَن يكون مَيتا مُسلما غير شَهِيد كَمَا مر

إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن للصَّلَاة على الْمَيِّت سَبْعَة أَرْكَان

الأولى النِّيَّة وَيشْتَرط التَّعَرُّض لذكر الْفَرْضِيَّة على الصَّحِيح ثمَّ إِن كَانَ الْمَيِّت وَاحِدًا نوى الصَّلَاة عَلَيْهِ وَإِن حضر موتى نوى الصَّلَاة عَلَيْهِم وَلَا يشْتَرط تعين الْمَيِّت بل لَو نوى الصَّلَاة على من صلى عَلَيْهِ الإِمَام كفى نعم لَو عين الْمَيِّت وَأَخْطَأ لم تصح وَتجب نِيَّة الِاقْتِدَاء

الْفَرْض الثَّانِي الْقيام عِنْد الْقُدْرَة

الرُّكْن الثَّالِث التَّكْبِيرَات وَهِي أَربع فَلَو كبر خمْسا لم تبطل صلَاته لثُبُوت ذَلِك فِي الصَّحِيح مُسلم وَلِأَنَّهُ ذكر

الرُّكْن الرَّابِع: السَّلَام

الْخَامِس قرائة الفاتحه بعد الأولى لما روى النَّسَائِيّ على شَرط الصَّحِيح عَن سهل قَالَ السّنة فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة أَن يقْرَأ فِي التكبيره الاولى بِأم الْقُرْآن مَخَافَة السِّرّ كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي التِّبْيَان إِنَّهَا تجب بعد التَّكْبِيرَة الأولى وَخَالف ذَلِك فِي الرَّوْضَة فَقَالَ تبعا للرافعي فِي الشَّرْح إِنَّه يجوز تَأْخِيرهَا إِلَى الثَّانِيَة وَخَالف ذَلِك فِي الْمِنْهَاج فَقَالَ

ص: 162

تجزيء بعد غير الأولى وَذكر نَحوه فِي شرح الْمُهَذّب وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تجوز بعد الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة وَالله أعلم

الرُّكْن السَّادِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد الثَّانِيَة لوروده فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَالصَّحِيح أَن الصَّلَاة على الْآل لَا تجب لِأَن صَلَاة الْجِنَازَة مَبْنِيَّة على التَّخْفِيف

الرُّكْن السَّابِع الدُّعَاء للْمَيت بعد التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة وَالْوَاجِب مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الدُّعَاء وَأما الْأَكْمَل فأدعيه كَثِيرَة جَامِعَة فأحسنها مَا رَوَاهُ مُسلم عَن عَوْف بن مَالك رضي الله عنه قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على جَنَازَة فَسَمعته يَقُول

(اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وعافه واعف عَنهُ وَأكْرم نزله ووسع مدخله واغسله بِمَاء الثَّلج وَالْبرد ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وأبدله دَار خيرا من دَاره وَأهلا خيرا من أَهله وزوجا خير من زوجه وقه فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار) قَالَ عَوْف فتمنيت أَن أكون أَنا الْمَيِّت وَيَقُول فِي الطِّفْل

(اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فرطا لِأَبَوَيْهِ وسلفاً وذخراً وعظةً واعتباراً وشفيعاً وَثقل بِهِ موازينهما وأفرغ الصَّبْر الْجَمِيل على قلوبهما) وَهُوَ مُنَاسِب لَائِق بِالْحَال وَيسن مَعَه

(وَلَا تفتنهما بعده وَلَا تحرمهما أُجْرَة) قَالَ النَّوَوِيّ وَيَقُول بعد الرَّابِعَة اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَصَحَّ أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ يَدْعُو بِهِ وَيسن أَن يزِيد واغفر لنا وَله وَالله أعلم

(فرع) الْمَأْمُوم الْمُوَافق إِذا تخلف عَن الإِمَام بِلَا عذر فَلم يكبر حَتَّى كبر الإِمَام أُخْرَى بطلت صلَاته لِأَن التَّخَلُّف بالتكبيرة كالتخلف بِرَكْعَة فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة وَأما الْمَسْبُوق فيكبر وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَإِن كَانَ الإِمَام فِي الصَّلَاة عِنْد الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو الدُّعَاء بل يُرَاعِي نظم صَلَاة نَفسه فَلَو كبر الإِمَام أُخْرَى قبل شُرُوعه فِي الْفَاتِحَة كبر مَعَه سَقَطت الْقِرَاءَة كَمَا لَو ركع الإِمَام فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ يرْكَع مَعَه وَلَا يقْرَأ وان كبر الإِمَام والمسبوق فِي الْفَاتِحَة ترك الْبَقِيَّة وَتَابعه على الْمَذْهَب مُحَافظَة على الْمُتَابَعَة فَإِذا سلم الإِمَام تدارك الْمَأْمُوم بَاقِي الصَّلَاة بتكبيراتها وأذكارها وَيسْتَحب أَن لَا ترفع الْجِنَازَة حَتَّى يتم المقتدون صلَاتهم وَلَا يضر رَفعهَا قبله وَيُصلي على الْغَائِب عَن الْبَلَد لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صلى على النَّجَاشِيّ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ وَلَو صلى على من مَاتَ فِي يَوْمه وَغسل

ص: 163

صَحَّ قَالَه الرَّوْيَانِيّ وَلَو صلى على من دفن صحت صلَاته لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صلى على قبر بعد مَا دفن رَوَاهُ الشَّيْخَانِ زَاد الدَّارَقُطْنِيّ بعد شهر وَالله أعلم قَالَ

(ويدفن فِي لحد مُسْتَقْبل الْقبْلَة ويسطح الْقَبْر بعد أَن يعمق وَلَا يبْنى عَلَيْهِ وَلَا يجصص)

تقدم أَن الدّفن فرض كِفَايَة وَأَن أَقَله حُفْرَة تمنع الرَّائِحَة وَالسِّبَاع وَيسْتَحب أَن يدْفن فِي اللَّحْد وَهُوَ أفضل من الشق لما ورد عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه قَالَ

(اتَّخذُوا لي لحداً وانصبوا عَليّ اللَّبن نصبا كَمَا فعل برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَة

(اللَّحْد لنا والشق لغيرنا) وَلَو كَانَت الأَرْض رخوة تعين الشق وَقَالَ الْمُتَوَلِي يلْحد بِالْبِنَاءِ واللحد أَن يحْفر فِي أَسْفَل الْقَبْر مِمَّا يَلِي الْقبْلَة حُفْرَة تسع الْمَيِّت والشق أَن يحْفر فِي وسط الْقَبْر كالنهر ويبنى جانباه وَيُوضَع الْمَيِّت بَينهمَا ويسقف بِاللَّبنِ وَيجب أَن يدْفن الْمَيِّت مُسْتَقْبل الْقبْلَة حَتَّى لَو دفن مستدبراً أَو مُسْتَلْقِيا فَإِنَّهُ ينبش وَيُوجه إِلَى الْقبْلَة مَا لم يتَغَيَّر وَيسْتَحب أَن يُوسع الْقَبْر ويعمق قدر قامة وبسطة لِأَن عمر رضي الله عنه أوصى بذلك وَالزِّيَادَة على هَذَا التعميق غير مأثورة وَالْمرَاد قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يَدَيْهِ مرفوعتين وَذَلِكَ ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف قَالَه الرَّافِعِيّ وَقيل أَرْبَعَة وَنصف وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَة وَنَقله عَن الْجُمْهُور وَقَالَ فِي الدقائق الأول غلط وَقيل الْمُسْتَحبّ قدر قامة فَقَط وَهُوَ ثَلَاثَة أَذْرع وَيرْفَع الْقَبْر قدر شبر فَقَط ليعرف فيزار ويحترم روى ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَن قبر صلى الله عليه وسلم كَذَلِك وَالصَّحِيح أَن تسطيحه أفضل من تسنيمه رُوِيَ أَن قَبره عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر الصّديق والفاروق رضي الله عنهما فَإِن قلت روى البُخَارِيّ عَن سُفْيَان التمار أَنه رأى قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مسنماً فَالْجَوَاب كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ أَنه كَانَ أَولا مسطحًا فَلَمَّا سقط الْجِدَار فِي زمن الْوَلِيد وَقيل فِي زمن ابْن عبد الْعَزِيز جعل مسنما وَالْمُسْتَحب أَن لَا يُزَاد فِي الْقَبْر على ترابه الَّذِي خرج مِنْهُ وَيكرهُ تجصيصه وَالْكِتَابَة عَلَيْهِ وَكَذَا الْبناء عَلَيْهِ فَلَو بنى عَلَيْهِ إِمَّا قبَّة أَو محوطاً وَنَحْوه نظر إِن كَانَ فِي مَقْبرَة مسْلبَةٌ هدم لِأَن الْبناء وَالْحَالة هَذِه حرَام قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا بِلَا خلاف وَهل يطين الْقَبْر قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ لَا وَلم يذكر جُمْهُور الْأَصْحَاب وَنقل التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ لَا بَأْس بالتطيين وَيسْتَحب أَن يرش على الْقَبْر مَاء وَأَن يوضع عَلَيْهِ حَصى وَأَن يوضع عِنْد رَأسه صَخْرَة أَو خَشَبَة وَنَحْوهَا وَيكرهُ أَن يضْرب عَلَيْهِ خيمة وَلَا بَأْس بِالْمَشْيِ بالنعل بَين الْقُبُور وَلَا يسْتَند أحد إِلَى قبر وَلَا يجلس عَلَيْهِ وَلَا يُوطأ لما ورد

(لَا تجلسوا على الْقُبُور وَلَا تصلوا عَلَيْهَا) وَفِي التِّرْمِذِيّ

ص: 164

النَّهْي عَن وَطئهَا وكل ذَلِك حرَام صرح بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَجزم بِهِ فِي آخر كتاب الْجَنَائِز وَإِن كَانَ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَنه مَكْرُوه وَالله أعلم قَالَ

(وَلَا بَأْس بالبكاء على الْمَيِّت من غير نوح وَلَا شقّ جيب وَلَا ضرب خد)

يجوز الْبكاء على الْمَيِّت قبل الْمَوْت وَبعده أما قبله فلرواية أنس رضي الله عنه قَالَ

(دَخَلنَا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِبْرَاهِيم وَلَده يجود بِنَفسِهِ فَجعلت عينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ) يَعْنِي تسيلان وَأما بعده فَلَمَّا رَوَاهُ أنس أَيْضا قَالَ شَهِدنَا دفن بنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

(فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ وَهُوَ جَالس على قبرها) وَورد عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه عليه الصلاة والسلام

(زار قبر أمه فَبكى وأبكى من حوله) وَاعْلَم أَن الأولى عدم الْبكاء بعد الْمَوْت وَقد قَالَ بَعضهم بِالْكَرَاهَةِ لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(إِذا وَجَبت فَلَا تبكين باكية) إِسْنَاده صَحِيح وَمعنى وَجَبت خرجت والبكا بِالْقصرِ الدمع وبالمد رفع الصَّوْت وَتحرم النِّيَاحَة على الْمَيِّت ولصاحبها عُقُوبَة عَظِيمَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

(النائحة إِذا لم تتب تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من جرب) وَالنوح رفع الصَّوْت بالندب وَالنَّدْب أَن تَقول الخاسرة واسنداه واقوة ظهراه واعزاه واظريف الشَّمَائِل وَنَحْو ذَلِك قَالَ عليه الصلاة والسلام

(مَا من ميت يَمُوت فَيقوم باكيهم فَيَقُول واجبلاه واسنداه وَنَحْو ذَلِك إِلَّا وكل بِهِ ملكان يلهزانه أهكذا كنت) واللهز ضرب الصَّدْر بِالْيَدِ وَهِي مَقْبُوضَة وَأما شقّ الجيب وَضرب الصَّدْر والخد ونثر الشّعْر وَالدُّعَاء بِالْوَيْلِ وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا كُله حرَام وَأمر جاهلي قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

(لَيْسَ منا من ضرب الخدود وشق الْجُيُوب ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ

(برىء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة) والصلق رفع الصَّوْت عِنْد الْمُصِيبَة وَالْمعْنَى فِي تَحْرِيم ذَلِك أَنه يشبه التظلم مِمَّن ظلمه والاستغاثة من ذَلِك وَذَلِكَ عدل من

ص: 165

الله سُبْحَانَهُ الْعَزِيز الْحَكِيم وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح

(إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ) فَلَو وَقعت هَذِه الْأُمُور هَل يعذب الْمَيِّت بِهَذِهِ الْأَفْعَال الْجَاهِلِيَّة ينظر إِن أوصى بذلك كَمَا يَفْعَله بعض أهل الثروة وَبَعض أهل الْبَوَادِي بِأَن يوصيهم بذلك وَيَقُول إِذا مت فنوحوا عَليّ يحزنهم بذلك فَهَذَا يعذب لِأَنَّهُ أوصى بِمَا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِهِ وإماتته وَإِن لم يوص بل فعل أَهله ذَلِك لَا بِرِضَاهُ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يعذب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم قَالَ

(ويعزى أَهله إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام من دَفنه)

التَّعْزِيَة فِي اللُّغَة التسلية عَمَّن يعزى عَلَيْهِ وَعند حمله الشَّرِيعَة الْحمل على الصَّبْر على الْمَيِّت بِذكر مَا وعد الله تَعَالَى من الثَّوَاب والتحذير من الْجزع الْمَذْهَب لِلْأجرِ والمكسب للوزر وَالدُّعَاء للْمَيت بالمغفرة وَلِصَاحِب الْمُصِيبَة بجبر مصيبته وَهِي سنة لما ورد عَن أُسَامَة رضي الله عنه قَالَ

(أرْسلت إِحْدَى بَنَات رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَدعُوهُ وَتُخْبِرهُ أَن ابْنا لَهَا فِي الْمَوْت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للرسول ارْجع إِلَيْهَا فَأَخْبرهَا أَن لله مَا أَخذ وَله مَا أعْطى وكل شَيْء عِنْده بِأَجل مُسَمّى فَمُرْهَا فَلتَصْبِر ولتحتسب) وَفِي هَذَا الحَدِيث فَائِدَتَانِ جليلتان من استعملهما بِإِيمَان قلبِي فقد ذاق حلاوة الْإِيمَان وَذَلِكَ أَن الشَّخْص إِذا ذاق طعم أَن لله مَا أعْطى وَله مَا أَخذ فَلَا ملك لَهُ فَلَا يشق عَلَيْهِ أَمر مصيبته فَإِن فَاتَهُ ذَلِك وَغلب عَلَيْهِ الْوَازِع الطبيعي دَفعه الْوَازِع الشَّرْعِيّ بِالصبرِ والاحتساب فَإِن فَاتَهُ ذَلِك تعدّدت مصيبته وَهَذَا إِنَّمَا ينشاً من فرَاغ النَّفس عَن الله تَعَالَى بِخِلَاف العامر بِهِ فَإِنَّهُ يرى الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد فتْنَة وبعداً عَن بغيته وَلِهَذَا لما تعجب أَصْحَاب ابْن مَسْعُود من حسن أَوْلَاده قَالَ لَهُم لَعَلَّكُمْ تتعجبون من حسنهم وَالله لفراغ يَدي من تربيتهم أحب إِلَيّ من بقائهم علم أَنهم مَظَنَّة قطعه عَن محبوبه فتآلى على ذَلِك خشيَة الشّغل بهم عَنهُ فيفوته الْمقَام الْأَسْنَى رضي الله عنه وَيسْتَحب أَن يعم بالتعزية أهل الْمَيِّت صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ ذكرهم وأنثاهم نعم لَا يعزي الشَّابَّة إِلَّا محارمها وَالْأولَى أَن تكون قبل الدّفن لِأَنَّهُ وَقت شدَّة الْحزن وَتَكون فِي ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن قُوَّة الْحزن لَا تزيد عَلَيْهَا فِي الْغَالِب وَبعد الثَّلَاثَة مَكْرُوه لِأَنَّهَا تجدّد الْحزن وَقد جعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نِهَايَة الْحزن ثَلَاثًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ

(لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) وَابْتِدَاء الثَّلَاثَة من

ص: 166

الدّفن جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَنَقله عَن الْأَصْحَاب نعم جزم الْمَاوَرْدِيّ أَنَّهَا من الْمَوْت وَبِه جزم ابْن الرّفْعَة وَصَححهُ الْخَوَارِزْمِيّ وَيسْتَثْنى مَا إِذا كَانَ المعزى أَو المعزي غَائِبا فَإِنَّهَا تمتد إِلَى قدوم الْغَائِب فَإِذا قدم هَل تمتد ثَلَاثَة أَيَّام أم تخْتَص بِحَالَة الْحُضُور قَالَ الإسنائي كَلَام الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ يُوهم مَشْرُوعِيَّة الثَّلَاث عِنْد قدوم الْغَائِب وَهُوَ كَذَلِك أم تخْتَص بِحَالَة الْحُضُور قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ شيخ مَكَّة لم أر فِيهِ نقلا وَالظَّاهِر مَشْرُوعِيَّة الثَّلَاثَة بعد الْحُضُور وَالله أعلم

ص: 167