الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة
بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد
فصل مَا قدر على ذَكَاته فذكاته فِي حلقه ولبته وَمَا لَا يقدر على ذَكَاته فذكاته حَيْثُ قدر عَلَيْهِ
الأَصْل فِي الصَّيْد قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وَهُوَ أَمر إِبَاحَة لِأَنَّهُ أَمر بعد التَّحْرِيم إِذْ الْقَاعِدَة الْأُصُولِيَّة أَن الْأَمر بعد الْحَظْر للْإِبَاحَة وَالْأَصْل فِي الذَّبَائِح قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وَلَا شكّ أَن المذكي من الطَّيِّبَات وأجمعت الْأمة عَلَيْهَا وَأما السّنة فكثيرة فِي ذَلِك وسنوردها فِي محلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَذَا نذْكر أَمر الضَّحَايَا والأطعمة
إِذا عرفت هَذَا فالحيوان الَّذِي يحل بالذكاة تَارَة يقدر على ذَكَاته وَتارَة لَا يقدر فَإِن قدر على ذَكَاته فَلَا بُد مِنْهَا والذكاة الذّبْح وَمحله الْحُلْقُوم واللبة فَلَا بُد فِي حل الْحَيَوَان من قطع جَمِيع الْحُلْقُوم والمريء بِآلَة لَيست عظما وَلَا ظفرا وَسَيَأْتِي إِيضَاح هَذَا وَأما مَا لَا يقدر على ذبحه فِي الْمحل الْمَذْكُور فَهُوَ نَوْعَانِ
أَحدهمَا الصيود وَسَتَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
النَّوْع الثَّانِي غير الصيود بِأَن ند الْبَعِير أَو الجاموس أَو شَردت الشَّاة وَتعذر الْوُصُول إِلَيْهَا لإفضائها إِلَى مهلكة أَو مسبعَة أَو وَقعت بَهِيمَة فِي بِئْر وَنَحْوهَا وَتعذر إخْرَاجهَا حَيَّة وَلم يتَمَكَّن من ذَبحهَا فَحكمه حكم البعر المتوحش فَيحل عقر ذَلِك كُله سَوَاء أصَاب المذبح أم لَا وَصَارَت كلهَا منحرا وَقد ورد عَن أبي العشراء عَن أَبِيه أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أما تكون الذَّكَاة إِلَّا فِي الْحلق واللبنة
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَو طعنت فِي فَخذهَا أَجْزَأَ عَنْك قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَا يَصح إِلَّا فِي المتردية والمتوحش وَورد أَنه عليه الصلاة والسلام أصَاب نهباً فند مِنْهَا بعير وَلم يكن مَعَهم خيل فَرَمَاهُ رجل بِسَهْم فحبسه أَي فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لهَذِهِ الْبَهَائِم أوابد كأوابد الْوَحْش فَمَا فعل مِنْهَا هَكَذَا فافعلوا بِهِ مثل ذَلِك وروى وَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا والأوابد هِيَ الَّتِي تأبدت أَي توحشت وَهل يشْتَرط فِي الْجرْح الَّذِي يُفِيد الْحل فِي المتردية والناد أَن يكون مذففاً أم يَكْفِي جرح مدم يجوز وُقُوع الْقَتْل فِيهِ فِيهِ وَجْهَان وَالصَّحِيح الثَّانِي لِأَنَّهُ يحصل الْمَقْصُود بِخُرُوجِهِ عَن كَونه ميتَة وَلَو أرسل كَلْبا على الناد حل وَلَو أرْسلهُ على المتردي فَوَجْهَانِ صحّح النَّوَوِيّ التَّحْرِيم وَنقل ابْن الرّفْعَة عَن النَّوَوِيّ أَنه صحّح الْحل وَهُوَ سَهْو وَالله أعلم
(فرعان) أَحدهمَا تردى بعير فَوق بعير فغرز رمحاً فِي الأول فنفذ إِلَى الثَّانِي قَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن كَانَ عَالما بِالثَّانِي حل وَكَذَا إِن كَانَ جَاهِلا على الْمَذْهَب كَمَا لَو رمى صيدا فنفذ مِنْهُ وَأصَاب الآخر
(فرع الثَّانِي) إِذا صال عَلَيْهِ صيد أَو بعير فَدفعهُ عَن نَفسه وجرحه فَقتله قَالَ القَاضِي حُسَيْن فَالظَّاهِر الْحل إِن أصَاب المذبح وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالله أعلم قَالَ
(وَكَمَال الذَّكَاة أَرْبَعَة أَشْيَاء قطع الْحُلْقُوم والمريء والودجين والمجزئ مِنْهَا شَيْئَانِ قطع الْحُلْقُوم والمريء)
الذَّكَاة فِي اللُّغَة التَّطَيُّب من قَوْلهم رَائِحَة ذكية أَي طيبَة فَسُمي بهَا الذّبْح لتطيب أكله بِالْإِبَاحَةِ وَفِي الشَّرْع قطع مَخْصُوص قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ معنى الذَّكَاة فِي اللُّغَة التتميم فَمَعْنَى ذَكَاة الشَّاة ذَبحهَا التَّام الْمُبِيح وَمِنْه فلَان ذكي أَي تَامّ الْفَهم
إِذا عرفت أَن الذَّكَاة فِي الشَّرْع قطع مَخْصُوص فَهَذَا الْمَقْطُوع تَارَة يكون مُعْتَبرا للفضيلة وَتارَة يكون مُعْتَبرا لأجل الْأَجْزَاء فَالْمُعْتَبر لأجل الْأَجْزَاء قطع جَمِيع الْحُلْقُوم والمريء فالحلقوم هُوَ مجْرى النَّفس خُرُوجًا ودخولاً والمريء مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب وَهُوَ تَحت الْحُلْقُوم وراءهما عرقان فِي صفحتي الْعُنُق يحيطان بالحلقوم وَقيل بالمرىء يُقَال لَهما الودجان فَيُسْتَحَب قطع الودجين مَعَ
الْحُلْقُوم والمريء لِأَنَّهُ أُوحِي وَالْغَالِب أَنَّهُمَا ينقطعان بِقطع الْحُلْقُوم والمريء فَإِن تَركهمَا جَازَ وَلَو ترك شَيْئا يَسِيرا من الْحُلْقُوم أَو المريء وَمَات الْحَيَوَان فَهُوَ ميتَة وَكَذَا لَو انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح فَقطع الْمَتْرُوك فَهُوَ ميتَة وَفِي وَجه أَن الْيَسِير لَا يضر وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ وَالصَّحِيح الأول وَقَالَ الاصطخري يَكْفِي قطع الْحُلْقُوم أَو المريء لِأَن الْحَيَاة تفقد بفقد أَحدهمَا وَهُوَ ضَعِيف وَلَا بُد من قطع جَمِيعهَا كَمَا تقدم لِأَن مَا قَالَه تَعْذِيب للحيوان وَالْمَقْصُود تَعْجِيل التَّوْجِيه بِلَا تَعْذِيب وَالله أعلم
(تَنْبِيه) لَا بُد فِي الْمَذْبُوح أَن يكون فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَلَو انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح لم يحل وَإِن ذبح وَقطع مِنْهُ جَمِيع الْحُلْقُوم والمريء فَإِن قلت فَمَا الْحَيَاة المستقرة وَمَا حَرَكَة الْمَذْبُوح فَالْجَوَاب قَالَ النَّوَوِيّ ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَابْن الصّباغ والعمراني وَغَيرهم أَن الْحَيَاة المستقرة مَا يجوز أَن يبْقى مَعَه الْحَيَوَان الْيَوْم واليومين فَإِن ذكيت حلت وَقَالَ قبل ذَلِك إِذا جرح السَّبع شَاة أَو انْهَدم سقف على بَهِيمَة فذبحت إِن كَانَ فِيهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة حلت وَإِن تَيَقّن أَنَّهَا تهْلك بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَإِن لم تكن فِيهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة لم تحل على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَإِن شكّ هَل فِيهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة أم لَا فَالصَّحِيح التَّحْرِيم للشَّكّ فِي الذَّكَاة المبيحة وَمن العلامات الدَّالَّة على الْحَيَاة المستقرة الْحَرَكَة الشَّدِيدَة وانفجار الدَّم وتدفقه بعد الذّبْح المجزي وَصحح أَنه تَكْفِي الْحَرَكَة الشَّدِيدَة وَحدهَا
قلت قَالَ ابْن الصّباغ بِأَن الْحَيَاة المستقرة بِحَيْثُ لَو تركت لبقيت يَوْمًا أَو بعض يَوْم وَغير المستقرة أَن تَمُوت فِي الْحَال قَالَ ابْن الرّفْعَة وَقَالَ غَيره أَن لَا يَنْتَهِي إِلَى حَرَكَة المذبوحين وَقَالَ فِي المرشد يعرف بشيئين أَن يكون عِنْد وُصُول السكين إِلَى الْحُلْقُوم تطرف عينه ويتحرك ذَنبه وَأما حَرَكَة الْمَذْبُوح بِأَن يَنْتَهِي الْآدَمِيّ إِلَى حَالَة لَا يبْقى مَعهَا إبصار ونطق وحركة اختيارية لِأَن الشَّخْص قد يقد نِصْفَيْنِ وَيتَكَلَّم بِكَلَام مُنْتَظم إِلَّا أَنه غير صادر عَن روية وَاخْتِيَار وَالله أعلم
(مَسْأَلَة) مَرضت شَاة وَصَارَت إِلَى أدنى الرمق وذبحت حلت قطعا لِأَنَّهُ لم يُوجد سَبَب يُحَال عَلَيْهِ الْهَلَاك وَلَو أكلت شَاة نباتاً مضراً فَصَارَت إِلَى أدنى الرمق فذبحت قَالَ القَاضِي حُسَيْن مرّة فِي حلهَا وَجْهَان وَجزم مرّة بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ وجد سَبَب يُحَال عَلَيْهِ الْهَلَاك فَصَارَ كجرح السَّبع قَالَ
(وَيجوز الِاصْطِيَاد بِكُل جارحة معلمة من سِبَاع الْبَهَائِم وجوارح الطير وشرائط تعليمها أَربع أَن تكون إِذا أرْسلت استرسلت وَإِذا زجرت انزجرت وَإِذا قتلت لم تَأْكُل مِنْهُ ويتكرر ذَلِك مِنْهَا فَإِن عدمت إِحْدَى الشَّرَائِط لم يحل إِلَّا أَن يدْرك حَيا فيذكى)
يجوز الِاصْطِيَاد بجوارح السبَاع كَالْكَلْبِ والفهد والنمر وَغَيرهَا وبجوارح الطير كالصقر
والشاهين والباز لقَوْله تَعَالَى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الْآيَة قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما الْجَوَارِح الْكلاب والطيور المعلمة مُشْتَقَّة من الْجرْح وَهُوَ الْكسْب لكسب أَهلهَا بهَا وَمِنْه {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أَي كسبتم وَقيل من الْجراحَة وَقَوله مُكَلِّبِينَ قيل من التكليب وَهُوَ الإغراء وَقيل من التضرية يُقَال تكلب إِذا ضرى ورد عَنهُ عدي بن حَاتِم قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد صيد الباز فَقَالَ مَا أمسك عَلَيْك فَكل ورد عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أرْسلت كلبك فاذكر اسْم الله فَإِن أمسك عَلَيْك فَأَدْرَكته حَيا فاذبحه وَإِن أَدْرَكته قد قتل وَلم يَأْكُل مِنْهُ فَكل وَقيل لَا يحل صيد الْكَلْب الْأسود البهيم لأَمره صلى الله عليه وسلم بقتْله وَالْمذهب الأول وَالْخَبَر مَحْمُول على غير الْمعلم أَو الْعَقُور
وَاعْلَم أَن المُرَاد بِجَوَاز الِاصْطِيَاد بهَا أَن مَا أَخَذته وجرحته وأدركه صَاحبهَا مَيتا أَو فِي حَرَكَة مَذْبُوح أَنه يحل أكله وَيقوم إرْسَال الصَّائِد وجرح الْجَارِح فِي أَي مَوضِع كَانَ مقَام الذّبْح وَيشْتَرط فِي كَون الْكَلْب معلما أُمُور مِنْهَا أَن يكون بِحَيْثُ أَن يسترسل بإرساله وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا أغراه بالصيد هاج وَمِنْهَا أَن يكون بِحَيْثُ إِذا زَجره انزجر وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَمِنْهَا أَنه إِذا أمْسكهُ لم يَأْكُل مِنْهُ على الْمَشْهُور ويحسبه على صَاحبه وَلَا يخليه
ثمَّ هَذِه الْأُمُور يشْتَرط تكررها فِي التَّعْلِيم ليغلب على الظَّن تأدب الْجَارِحَة وَالرُّجُوع فِي عدد ذَلِك إِلَى أهل الْخِبْرَة على الصَّحِيح وَقيل يشْتَرط تكَرر ذَلِك ثَلَاثًا وَقيل مرَّتَيْنِ وَلَو ظهر أَنه معلم ثمَّ أكل من صيد قبل قَتله أَو بعده فَفِي حل ذَلِك الصَّيْد قَولَانِ الْأَظْهر لَا يحل قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وددت لَو فصل مفصل بَين أَن يكف زمَان لم يَأْكُل وَبَين أَن يَأْكُل بِنَفس الْأكل لَكِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام قَالَ النَّوَوِيّ وَقد فصل الجرحاني وَغَيره فَقَالُوا إِن أكل عقب الْقَتْل فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَإِلَّا فَيحل قطعا وَالله أعلم وَإِذا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف التَّعْلِيم وَلَا يَنْعَطِف التَّحْرِيم على مَا اصطاده من قبل وَلَو أكل حَشْو الصَّيْد فَفِيهِ قَولَانِ قيل لَا يضر لِأَنَّهَا غير مَقْصُودَة وَالصَّحِيح أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي الْأكل من اللَّحْم وَلَو لعق الدَّم لم يضر على الْمَذْهَب وَلَو أَرَادَ الصَّائِد أَخذ الصَّيْد مِنْهُ فَامْتنعَ وَصَارَ يضارب وَيُقَاتل دونه فَهُوَ كَالْأَكْلِ قَالَه الْقفال وَالله أعلم
وَقَوله فَإِن عدمت إِحْدَى الشَّرَائِط لم يحل لِأَن الْمَشْرُوط يفوت بِفَوَات شَرطه وَالشّرط الْمركب يفوت بِفَوَات جُزْء من أَجْزَائِهِ فَإِذا أدْركهُ حَيا وذبحه حل 2 كَسَائِر الصيود الْمَقْدُور عَلَيْهَا وَالله أعلم
(فرع) مَوضِع عض الْكَلْب من الصَّيْد نجس يجب غسله سبعا مَعَ التعفير بِالتُّرَابِ كَغَيْرِهِ فَإِذا غسل حل أكله هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور وَقيل إِنَّه نجس مَعْفُو عَنهُ وَقيل طَاهِر وَقيل نجس لَا يُمكن تَطْهِيره بل يجب تقوير ذَلِك الْموضع ورميه لِأَنَّهُ تشرب لعاب الْكَلْب فَلَا يتخلله المَاء وَقيل غير ذَلِك وَالله أعلم
(فرع يُؤْخَذ مِمَّا تقدم إِلَّا أَنا نقصد إيضاحه) إِذا قتلت الْجَارِحَة الصَّيْد بثقلها وَمَات فَفِي حلّه قَولَانِ أَحدهمَا يحرم لمَفْهُوم قَوْله عليه الصلاة والسلام مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلُوا وَالصَّحِيح الْحل لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} وَلِأَنَّهُ يعز تَعْلِيمه بِأَن لَا يقتل إِلَّا جرحا وطرد الْخلاف فِيمَا لَو عض وَلم يجرحه أَو ضمه فَمَاتَ قَالَ مجلي وطرد بَعضهم الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو مَاتَ الصَّيْد فَزعًا من الْجَارِحَة قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون كموته تبعا فَإِنَّهُ لَا يحل قطعا وَالله أعلم قَالَ
(وَتجوز الذَّكَاة مَا يجرح إِلَّا بِالسِّنِّ وَالظفر)
يجوز الذّبْح بِكُل مَاله حد يقطع سَوَاء كَانَ من الْحَدِيد كالسيف والسكين وَالرمْح أَو من الرصاص أَو النّحاس أَو الذَّهَب أَو الْخشب المحدد أَو الْقصب أَو الزّجاج أَو الْحجر فَيحل الذّبْح بذلك كُله وَيحل الصَّيْد الْمَقْتُول بهَا إِلَّا السن وَالظفر وَبَقِيَّة الْعِظَام فَإِنَّهُ لَا يحل بهَا سَوَاء فِي ذَلِك عظم الْآدَمِيّ أَو غَيره وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمُنْفَصِل والمتصل وَاحْتج لذَلِك بِحَدِيث رَافع بن خديج قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّا نلقى الْعَدو غَدا وَلَيْسَ مَعنا مدى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا لم يكن سنا أَو ظفراً أما السن فَعظم وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة فِي حَدِيث طَوِيل وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا قتلته الْجَارِحَة كَلْبا كَانَ أَو غَيره بسنها أَو ظفرها فَإِنَّهُ يحل للْحَاجة وَقيل يحل الذّبْح بسن مَا يُؤْكَل لَحْمه لِأَنَّهُ لَهُ حدا يقطع وَهُوَ شَاذ ضَعِيف وَالْمذهب الأول وَالله أعلم
(فَائِدَة) اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم أما السن فَعظم فَعَن الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه قَالَ للشَّرْع علل تعبدنا بهَا كَمَا أَن لَهُ أحكاماً تعبدنا بهَا وَقَالَ غَيره ورد الشَّرْع بِمَنْع الِاسْتِنْجَاء بالعظم لكَونه زَاد الْجِنّ وَمَا ذَاك إِلَّا للنَّجَاسَة وَالدَّم بِهَذِهِ المثابة وَقَالَ ابْن الرّفْعَة الَّذِي
يظْهر أَنه كَانَ الذّبْح عِنْدهم بالعظم لَا يجوز وَأَن حكمته أَن لَا يكون موت الْحَيَوَان بِبَعْضِه مبيحاً لَهُ على أَن سِيَاق حَدِيث رَافع يدل على أَن الْمَعْهُود عِنْدهم أَنه لَا ذَكَاة إِلَّا بالمدية وَالله أعلم قَالَ
(وَيحل ذَكَاة كل مُسلم وكتابي وَلَا يحل ذَكَاة مَجُوسِيّ وَلَا وَثني)
يعْتَبر فِي الذَّابِح لحل الذَّبِيحَة إِمَّا كَونه مُسلما أَو كتابيا سَوَاء كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا وَسَوَاد ذبح مَا هُوَ حَلَال عندنَا وَعِنْدهم أَو مَا هُوَ حَلَال عندنَا دونهم كَالْإِبِلِ
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وَقَوله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَالْمرَاد بِالطَّعَامِ هُنَا الذَّبَائِح وَأما تَحْرِيم ذَبَائِح الْمَجُوس فالدليل عَلَيْهِ قَوْله عليه الصلاة والسلام سنوا بهم سنة أهل الْكتاب غير آكِلِي ذَبَائِحهم وناكحي نِسَائِهِم والوثني لَا كتاب لَهُ وَكَذَا الْمُرْتَد وَلِهَذَا لَا تعقد لَهُم الْجِزْيَة فهما أَسْوَأ حَالا من الْمَجُوس وَكَذَا لَا يحل ذبح نَصَارَى الْعَرَب وهم نَجْرَان وتنوخ وتغلب لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نهى عَن ذبح نَصَارَى الْعَرَب وَقَالَ عمر رضي الله عنه لَيْسَ نَصَارَى الْعَرَب بِأَهْل كتاب وَلَا تحل لنا ذَبَائِحهم وَلَا تحل لنا ذَبَائِح بني تغلب لأَنهم لم يَأْخُذُوا من دين أهل الْكتاب إِلَّا شرب الْخمر وَأكل الْخِنْزِير
وَاعْلَم أَن الزَّنَادِقَة كالمجوس وَكَذَا الدروز لَا تحل ذَبَائِحهم والقريشة المصنوعة من ذَبَائِحهم لَا تحل وَالله أعلم
(فرع) تحل ذَبِيحَة الصَّبِي الْمُمَيز على الصَّحِيح وَفِي غير الْمُمَيز وَالْمَجْنُون والسكران قَولَانِ الصَّحِيح عِنْد الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَجَمَاعَة عدم الْحل لأَنهم لَا قصد لم فأشبهوا النَّائِم إِذا كَانَت بِيَدِهِ سكين فَوَقَعت على حلقوم شَاة فَإِنَّهَا لَا تحل وَإِن قطعته مَعَ المريء وَالثَّانِي الْحل وَبِه قطع الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كمن قطع حلق شَاة يَظُنّهُ خَشَبَة فَإِنَّهَا تحل لِأَن لَهُم قصدا وَإِرَادَة فِي الْجُمْلَة بِخِلَاف النَّائِم وَالصَّحِيح فِي الْمُحَرر وَزِيَادَة الرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذّب الْحل والأخرس إِن كَانَ لَهُ إِشَارَة مفهمة حلت ذَبِيحَته وَإِلَّا فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْأَكْثَرُونَ الْحل وَكَذَا تحل ذَكَاة الْأَعْمَى وَالْمَرْأَة وَإِن كَانَ حَائِضًا وَاحْتج لحل ذَبحهَا بِمَا ورد أَن جَارِيَة لآل كَعْب كَانَت ترعى غنما لَهُم فمرضت شَاة مِنْهَا فَكسرت مروة وذبحتها فَسَأَلَ مَوْلَاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأجَاز لَهُم أكلهَا والمروة الْحجر الْأَبْيَض وَفِيه دلَالَة على جَوَاز الذّبْح بِهِ وَالله أعلم قَالَ
(وذكاة الْجَنِين بِذَكَاة أمه وَإِن وجد حَيا فيذكى
الْجَنِين الَّذِي يُوجد فِي بطن أمه المذكاة مَيتا أَو فِيهِ حَيَاة غير مُسْتَقِرَّة يحل وَإِن لم يذك ظَاهرا لقَوْله صلى الله عليه وسلم ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة امهِ وَهُوَ بِرَفْع الذَّكَاة فيهمَا كَمَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَتكون ذَكَاة أمه ذَكَاة لَهُ وَيُؤَيّد ذَلِك مَا روى مُسَدّد قَالَ كُنَّا يَا رَسُول الله نَنْحَر النَّاقة وننحر الْبَقَرَة وَالشَّاة فنجد فِي بَطنهَا الْجَنِين أنلقيه أم نأكله فَقَالَ كلوا إِن شِئْتُم فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه وَهَذَا يبعد رِوَايَة نصب الذَّكَاة الثَّانِيَة يَعْنِي ذَكَاته مثل ذَكَاة أمه فَيذْبَح إِن أمكن وَإِلَّا حرم وَلَو خرج رَأس الْجَنِين مَيتا فذبحت أمه قبل انْفِصَاله حل قَالَه الْبَغَوِيّ لأَنا تحققنا أَنه لَا حَيَاة فِيهِ وَفِي كَلَام الإِمَام مَا يدل على عدم حلّه وَلَو خرج الْجَنِين وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة يَتَّسِع مَعهَا الزَّمَان لذبحه فَلم يذبح وَلَو كَانَ مَعَ فقد الْآلَة حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يحل وَإِن لم يَتَّسِع الزَّمَان للذبح حل وَلَو خرج بعضه والحياة فِيهِ فَفِي حلّه بِذبح الْأُم خلاف صحّح النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الْحل وَهُوَ مُقْتَضى تَصْحِيح الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْعدَد وَالْيَد الشلاء من الْمَأْكُول إِذا ذبح فَفِي حل أكلهَا وَجْهَان أصَحهمَا الْحل والوجهان مبنيان على أَنَّهَا كالميتة أم لَا وَالله أعلم قَالَ
(وَمَا قطع من حَيّ فَهُوَ ميت إِلَّا الشُّعُور المنتفع بهَا فِي المفارش والملابس وَغَيرهمَا)
الأَصْل فِي ذَلِك
حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن جباب أسنمة الْإِبِل وأليات الْغنم فَقَالَ مَا قطع من حَيّ فَهُوَ ميت وَفِي رِوَايَة مَا قطع من بَهِيمَة وَهِي حَيَّة فَهُوَ ميت ويستثى من عُمُوم ذَلِك شعر الْمَأْكُول وريشه وصوفه ووبره إِذا انْفَصل فِي حَيَاته بِقطع أَو قصّ فَإِنَّهُ طَاهِر وَكَذَا مَا تناثر أَو نتف فِي الْأَصَح لِأَن لنا فِي ذَلِك أثاثاً ومتاعاً إِلَى حِين وَقَول الشَّيْخ إِلَّا الشُّعُور يُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْقرن والظلف وَالسّن والعظم إِذا انْفَصل فِي الْحَيَاة أَنه لَيْسَ كَذَلِك وَفِي ذَلِك كُله طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا كالشعور فَتكون طَاهِرَة من الْمَأْكُول نَجِسَة من غَيره وأصحهما أَنه نَجِسَة لِأَنَّهَا