الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالمزارعة فِي كل شَيْء والمسلمون فِي جَمِيع الْأَمْصَار والأعصار مستمرون على الْعَمَل بالمزارعة وَقد قَالَ بِجَوَاز الْمُزَارعَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن أبي ليلى وَسَائِر الْكُوفِيّين والمحدثين وَالله أعلم
فَإِذا فرعنا على الْبطلَان فالطريق كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَن يستأجره بِأُجْرَة مَعْلُومَة نَقْدا كَانَ أَو غَيره وَمَا قَالَه الشَّيْخ فَحَمله كَمَا ذكره فِي الأَرْض خَاصَّة أما لَو دفع إِلَيْهِ أَرضًا فِيهَا أَشجَار فساقاه على النّخل وزارعه على الأَرْض فَإِنَّهُ يجوز وَتَكون الْمُزَارعَة تبعا للمساقاة بِشَرْط أَن يكون الْبذر من صَاحب الأَرْض على الْأَصَح وَلَا فرق بَين كَثْرَة الْأَشْجَار وقلتها وَعكس على الرَّاجِح لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أعْطى أهل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج مِنْهَا من ثَمَر أَو زرع وَإِنَّمَا اشْترط كَون الْبذر من الْمَالِك ليَكُون العقدان أَعنِي الْمُسَاقَاة والمزارعة واردين على الْمَنْفَعَة فتتحقق التّبعِيَّة وَلِهَذَا لَو أمكن سقِِي النخيل بِدُونِ سقِِي الأَرْض لم تجز الْمُزَارعَة وَالله أعلم
فَإِن قلت مَا الْحِيلَة فِي تَصْحِيح عقد يحصل بِهِ مَقْصُود الْمُزَارعَة إِذا لم يكن ثمَّ نخل
فَالْجَوَاب ذكر الْأَصْحَاب لذَلِك طرقاً فنقتصر مِنْهَا على مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَصُورَة ذَلِك أَن يكتري صَاحب الأَرْض نصفهَا بِنصْف عمل الْعَامِل وَنصف عمل الْآلَة وَيكون الْبذر مُشْتَركا بَينهمَا فيشتركان فِي الزَّرْع على حسب الِاشْتِرَاك فِي الْبذر وَالله أعلم قَالَ
بَاب احياء الْموَات
فصل وإحياء الْموَات جَائِز بِشَرْطَيْنِ أَن يكون المحيي مُسلما وَأَن تكون الأَرْض حرَّة لم يجر عَلَيْهَا ملك لمُسلم
الْموَات هِيَ الأَرْض الَّتِي لم تعمر قطّ
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله عليه الصلاة والسلام
(من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق) وَرَوَاهُ الْعرق مُضَافا ومنوناً
(فَائِدَة) الْعرق أَرْبَعَة الْغِرَاس وَالْبناء وَالنّهر والبئر
اعْلَم أَن الْإِحْيَاء مُسْتَحبّ لقَوْله صلى الله عليه وسلم من
(أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَلهُ أجر وَمَا أكله العوافي فَهُوَ لَهُ صَدَقَة) والعوافي الطير والوحش وَالسِّبَاع ثمَّ كل من جَازَ لَهُ أَن يتَمَلَّك الْأَمْوَال جَازَ لَهُ الْإِحْيَاء وَيملك بِهِ الْمحيا لِأَنَّهُ ملك بِفعل فَأشبه الِاصْطِيَاد والاحتطاب وَنَحْوهمَا وَلَا فرق فِي حُصُول الْملك لَهُ بَين أَن يَأْذَن الإِمَام أم لَا اكْتِفَاء بِإِذن سيد السَّابِقين واللاحقين مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيشْتَرط كَمَا ذكره الشَّيْخ أَنه لم يجر على الأَرْض ملك مُسلم فَإِن جرى ذَلِك حرم التَّعَرُّض لَهَا بالأحياء وَغَيره إِلَّا بِإِذن شَرْعِي فَفِي الْخَبَر عَن سيد الْبشر
(من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما فَإِنَّهُ يطوق بِهِ يَوْم الْقِيَامَة من سبع أَرضين) ثمَّ حَرِيم الْمَعْمُور لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ لِأَن مَالك الْمَعْمُور يسْتَحق مرافقه وَهل تملك تِلْكَ الْمَوَاضِع وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن لم يُحْيِيهَا وَالصَّحِيح نعم كَمَا يملك عَرصَة الدَّار بِبِنَاء الدَّار والحريم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لتَمام الِانْتِفَاع كطريق ومسيل المَاء وَنَحْوهمَا كموضع إِلْقَاء الرماد والزبالة وكما يشْتَرط أَن يكون الَّذِي يقْصد إحياءه مواتاً كَذَلِك يشْتَرط أَن يكون المحيي مُسلما فَلَا يجوز إحْيَاء الْكَافِر الذِّمِّيّ الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام لقَوْله صلى الله عليه وسلم
(عادي الأَرْض وروى موتان الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ ثمَّ هِيَ لكم مني) وَيُؤَيِّدهُ أَنه فِي رِوَايَة
(هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ) وَلِأَنَّهُ نوع تمْلِيك يُنَافِيهِ كفر الْحَرْبِيّ فنافاه كفر الذِّمِّيّ كَالْإِرْثِ من الْمُسلم وَيُخَالف الْإِحْيَاء الاحتطاب والاحتشاش حَيْثُ يجوز للذِّمِّيّ ذَلِك بِأَن يسْتَخْلف فَلَا يتَضَرَّر بِهِ الْمُسلمُونَ بِخِلَاف الْموَات فَلَو أَحْيَا الذِّمِّيّ فجَاء مُسلم فَوجدَ أثر عمَارَة فأحياه بِإِذن الإِمَام ملكه وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَوَجْهَانِ صحّح النَّوَوِيّ أَنه يملكهُ أَيْضا وَإِن ترك الْعِمَارَة الذِّمِّيّ مُتَبَرعا صرفهَا الإِمَام فِي الْمصَالح وَلَيْسَ لأحد تَملكهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَصفَة الْإِحْيَاء مَا كَانَ فِي الْعَادة عمَارَة للمحيي)
الْإِحْيَاء عبارَة عَن تهيئة الشَّيْء لما يُرِيد بِهِ المحيي لِأَن الشَّارِع صلى الله عليه وسلم أطلقهُ وَلَا حد لَهُ فِي
اللُّغَة فَرجع فِيهِ إِلَى الْعرف كالاحراز فِي السّرقَة وَالْقَبْض فِي الْبيُوع وَبَيَانه بصور مِنْهَا إِذا أَرَادَ الْمسكن فَيشْتَرط التحويط إِمَّا بحجارة أَو آجر أَو طين أَو خشب أَو قصب بسب الْعَادة وَيشْتَرط أَيْضا تسقيف الْبَعْض وَنصب الْبَاب على الصَّحِيح فيهمَا وَلَا يشْتَرط السُّكْنَى بِحَال وَقَالَ الْمحَامِلِي الإيواء إِلَيْهَا شَرط
قلت نصب الْأَبْوَاب مَفْقُود فِي كثير من قرى الْبَوَادِي وَقد اطردت عَادَتهم بتعريض خَشَبَة فَقَط فَالْمُتَّجه فِي مثل ذَلِك اتِّبَاع عَادَتهم وَلَعَلَّ من اشْترط نصب الْأَبْوَاب كَلَامه مَحْمُول على من اطردت ناحيتهم بذلك وَالله أعلم وَمِنْهَا إِذا أَرَادَ بستاناً أَو كرماً فَلَا بُد من تحويطه وَيرجع فِي تحويطه إِلَى الْعَادة قَالَ ابْن كج فَإِن كَانَت عَادَة تِلْكَ الْبَلَد بِنَاء الجدران اشْترط وَإِن كَانَ التحويط بقصب أَو شوك وَرُبمَا تَرَكُوهُ اعْتبرت عَادَتهم وَيعْتَبر غرس الْأَشْجَار على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ مُلْحق بالأبنية وَكَذَا بَقِيَّة الصُّور يعْتَبر فِيهَا الْعرف وَالله أعلم قَالَ
(وَيجب بذل المَاء بِثَلَاثَة شَرَائِط أَن يفضل عَن حَاجته وَأَن يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره لنَفسِهِ أَو لبهيمته وَأَن يكون مِمَّا يسْتَخْلف فِي بِئْر أَو عين وَنَحْوه)
اعْلَم أَن المَاء على قسمَيْنِ
أَحدهمَا مَا نبع فِي مَوضِع لَا يخْتَص بأحذ وَلَا صنع لآدَمِيّ فِي انباطه واجرائه كالفرات وجيحون وعيون الْجبَال وسيول الأمطار فَالنَّاس فِيهَا سَوَاء نعم إِن قل المَاء أَو ضَاقَ المشرع قدم السَّابِق وَإِن كَانَ ضَعِيفا لقَضَاء الشَّرْع بذلك فَإِن جاؤوا مَعًا أَقرع فَإِن جَاءَ وَاحِد يُرِيد السَّقْي وَهُنَاكَ مُحْتَاج للشُّرْب فَالَّذِي يشرب أولى قَالَه الْمُتَوَلِي وَمن أَخذ مِنْهُ شَيْئا فِي إِنَاء أَو حَوْض ملكه وَلم يكن لغيره مزاحمته فِيهِ كَمَا لَو احتطب هَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَالله أعلم
الْقسم الثَّانِي الْمِيَاه المختصة كالآبار والقنوات فَإِذا حفر الشَّخْص بِئْرا فِي ملكه فَهَل يكون مَاؤُهَا ملكا وَجْهَان أصَحهمَا نعم لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه فَأشبه ثَمَرَة شجرته وكمعدن ذهب أَو فضَّة خرج فِي ملكه وَقد نَص الشَّافِعِي على هَذَا فِي غير مَوضِع فعلى هَذَا لَيْسَ لأحد أَن يَأْخُذهُ لَو خرج عَن ملكه وَقد نَص لِأَنَّهُ ملكه فَأشبه لبن شاته وَقيل إِن المَاء لَا يملك لقَوْله صلى الله عليه وسلم
(الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي ثَلَاث المَاء والكلأ وَالنَّار) وَالْمذهب الأول والْحَدِيث وعَلى الْوَجْهَيْنِ لَا يجب على صَاحب الْبِئْر بذل مَا فضل عَن حَاجته لزرع غَيره على الصَّحِيح وَيجب بذله للماشية على الصَّحِيح لما روى