المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْوَجْهَانِ قَالَ النَّوَوِيّ وَيرجع إِلَى عَادَة من تقدم النَّاظر من - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: الْوَجْهَانِ قَالَ النَّوَوِيّ وَيرجع إِلَى عَادَة من تقدم النَّاظر من

الْوَجْهَانِ قَالَ النَّوَوِيّ وَيرجع إِلَى عَادَة من تقدم النَّاظر من النظار إِن اتّفقت عَادَتهم وَلَو عرفنَا الْوَقْف وَلم نَعْرِف أَرْبَاب الْوَقْف قَالَ الْغَزالِيّ وَغَيره جعل كوقف لم يذكر مصرفه فَيكون كوقف مُطلق كَذَا نَقله النَّوَوِيّ عَن الْغَزالِيّ وَهُوَ سَهْو وَإِنَّمَا قَالَ الْغَزالِيّ إِنَّه كمنقطع آخر فَيكون الْوَقْف صَحِيحا والحاقه بِالْوَقْفِ الْمُطلق يَقْتَضِي عدم الصِّحَّة لِأَن الْأَصَح فِي الْوَقْف الْمُطلق أَنه لَا يَصح وَالله أعلم

(فرع) هَل يَصح أَن يُوقف الشَّخْص على نَفسه وَإِن ذكر بعده مصرفاً قَالَ جمَاعَة من الْأَصْحَاب بِالصِّحَّةِ مِنْهُم الزبيرِي وَابْن سُرَيج وَاسْتَحْسنهُ الرَّوْيَانِيّ وَاحْتَجُّوا لذَلِك بِأَن عُثْمَان رضي الله عنه لما وقف بِئْر رومة قَالَ دلوي فِيهَا كدلاء الْمُسلمين وَالصَّحِيح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي أَنه لَا يجوز لِأَن معنى الْوَقْف تمْلِيك الْمَنْفَعَة قطعا والشخص لَا يملك نَفسه بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء وَلِهَذَا لَا يَصح أَن يَبِيع من نَفسه وَالْجَوَاب أَن عُثْمَان رضي الله عنه لم يقل ذَلِك شرطا وَلَكِن أخبر أَن للْوَاقِف أَن ينْتَفع بالأوقاف الْعَامَّة كَالصَّلَاةِ فِي الْبقْعَة الَّتِي جعلهَا مَسْجِدا وَالْفرق بَين الْأَوْقَاف الْعَامَّة والخاصة الْعَامَّة عَادَة إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْإِبَاحَة بِخِلَاف الْخَاصَّة وَالله أعلم قَالَ

‌بَاب الْهِبَة

فصل فِي الْهِبَة وكل مَا جَازَ بَيْعه جَازَت هِبته

اعْلَم أَن التَّمْلِيك بِغَيْر عوض أَن تمحض فِيهِ طلب الثَّوَاب فَهُوَ صَدَقَة وَإِن حمل إِلَى المملك إِكْرَاما وتودداً فَهُوَ هَدِيَّة وَإِلَّا فَهُوَ هبة وَهل من شرك الْهَدِيَّة أَن يكون بَين الْمهْدي وَالْمهْدِي إِلَيْهِ رَسُول وَجْهَان الرَّاجِح لَا وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا لَو حلف لَا يهدي إِلَيْهِ فوهبه شَيْئا يدا بيد فَفِي الْحِنْث وَجْهَان

وَالْهِبَة مَنْدُوبَة بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَالْهِبَة بر ومعروف وَأما السّنة الْكَرِيمَة فكثيرة مِنْهَا حَدِيث بَرِيرَة رضي الله عنها فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام

(هُوَ لَهَا صَدَقَة وَلنَا هَدِيَّة) وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه عليه الصلاة والسلام

(كَانَ إِذا أُتِي بِطَعَام سَأَلَ عَنهُ فَإِن قيل هَدِيَّة أكل مِنْهَا وَإِن قيل صَدَقَة لم يَأْكُل مِنْهُ)

ص: 307

وَاعْلَم أَن كل صَدَقَة وهدية هبة وَلَا تنعكس إِذا عرفت هَذَا فالشيء الْمَوْهُوب هُوَ أحد أَرْكَان الْهِبَة وَهُوَ مُعْتَبر بِالْبيعِ فَإِن الْهِبَة تمْلِيك ناجز كَالْبيع فَمَا جَازَ بَيْعه جَازَت هِبته وَمَا لَا يجوز بَيْعه كالمجهول كَقَوْلِه وَهبتك أحد عَبِيدِي لَا يَصح وَكَذَا لَا تصح هبة الْآبِق والضال كَمَا لَا يَصح بيعهمَا وَيجوز هبة الْمَغْصُوب لغير الْغَاصِب إِن قدر على الانتزاع وَإِلَّا فَلَا وَتجوز هبة الْمشَاع للشَّرِيك وَغَيره وَكَذَا تجوز هبة أَرض يَزْرَعهَا وكل مَا يَصح بَيْعه فَلَا تجوز هبة الْمَرْهُون وَالْكَلب وَجلد الْميتَة قبل دبغه كَذَا الدّهن النَّجس وَالصَّدَََقَة بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ يَنْبَغِي الْقطع بِصِحَّة الصَّدَقَة بِهِ

وَاعْلَم أَن هبة الدّين للْمَدِين إِبْرَاء وَلَا يحْتَاج إِلَى قبُول على الْمَذْهَب وَلغيره بَاطِل على الْمَذْهَب وَلَو وهب لفقير دينا عَلَيْهِ بنية الزَّكَاة لم يَقع عَنْهَا وَلَو قَالَ تَصَدَّقت بِمَالي عَلَيْك برِئ قَالَه ابْن سُرَيج وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالله أعلم

(فرع) إِذا ختن شخص وَلَده وَعمل وَلِيمَة فَحملت إِلَيْهِ الْهَدَايَا وَلم يسم أَصْحَابهَا الْأَب وَلَا الابْن فَهَل هِيَ للْأَب أَو للِابْن وَجْهَان صحّح النَّوَوِيّ أَنَّهَا للْأَب وَأجَاب القَاضِي حُسَيْن أَنَّهَا للإبن وَتقبل للْأَب قلت يَنْبَغِي أَمر ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن كَانَ الْمهْدي مِمَّا يصلح للصَّبِيّ دون أَبِيه كشيء من ملبوس الصغار فَهُوَ للصَّبِيّ وَإِن كَانَ لَا يصلح للصَّغِير فَهُوَ للْأَب وَإِن احتملهما فَهُوَ مَوضِع التَّرَدُّد لعدم الْقَرِينَة المرجحة وَالله أعلم

(الْمَسْأَلَة) كتب شخص إِلَى آخر كتابا فَهَل يملك الْمَكْتُوب إِلَيْهِ القرطاس قَالَ الْمُتَوَلِي إِن استدعى مِنْهُ الْجَواب على ظَهره لم يملكهُ وَعَلِيهِ رده وَإِلَّا فَهُوَ هَدِيَّة يملكهَا الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَصحح النَّوَوِيّ هَذَا وَقَالَ غير الْمُتَوَلِي إِنَّه يبْقى على ملك الْكَاتِب وللمكتوب إِلَيْهِ الِانْتِفَاع بِهِ إِبَاحَة وَالله أعلم قَالَ

(وَلَا تلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ وَإِذا قبضهَا الْمَوْهُوب لَهُ لم يكن للْوَاهِب أَن يرجع فِيهَا إِلَّا أَن يكون والداً)

لَا تلْزم الْهِبَة وَلَا تملك إِلَّا بِالْقَبْضِ لِأَن الصّديق رضي الله عنه نحل عَائِشَة رضي الله عنها جذاذ عشْرين وسْقا فَلَمَّا مرض قَالَ ودتت أَنَّك حُزْتِيهِ أَو قبضتيه وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال الْوَارِث فلولا توقف الْملك على الْقَبْض لما قَالَ إِنَّه ملك الْوَارِث وَقَالَ عمر رضي الله عنه لَا تتمّ النحلة حَتَّى

ص: 308

يجوزها المنحول وروى مثل ذَلِك عَن عُثْمَان رضي الله عنه وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأنس وَعَائِشَة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَلَا يعرف لَهُم مُخَالف وَلِأَنَّهُ عقد إرفاق يَقْتَضِي الْقبُول فافتقر إِلَى الْقَبْض كالقرض وَسَائِر الهبات حَتَّى لَو أرسل هَدِيَّة ثمَّ استرجعها قبل أَن تصل أَو مَاتَ لم يملكهَا الْمهْدي إِلَيْهِ وَلَا يشْتَرط فِي الْقَبْض الْفَوْر نعم لَا يَصح الْقَبْض إِلَّا بِإِذن الْوَاهِب لِأَنَّهُ سَبَب نقل الْملك فَلَا يجوز من غير رضى الْمَالِك وبالقياس على الرَّهْن فَمَتَى أذن لَهُ فِي الْقَبْض فَقبض كفى صرح بِهِ القَاضِي حُسَيْن وَغَيره وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ لَا بُد من إقباض من الْوَاهِب أَو وَكيله وَلَا يَكْفِي الْإِذْن وَفِي قَول قديم إِن الْملك فِي الْمَوْهُوب يحصل بِنَفس العقد وَإِن لم يَقع قبض وَفِي قَول ثَالِث أَنه مَوْقُوف فَإِذا قبض بَان أَنه ملكه من وَقت العقد وَقد جزم الرَّافِعِيّ فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء بِمَا حَاصله القَوْل الثَّالِث وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي فَوَائِد الْمَوْهُوب من الثَّمَرَة وَاللَّبن وَغَيرهمَا وَكَذَا فِي الْمُؤَن من نَفَقَة وَغَيرهَا وَكَيْفِيَّة الْقَبْض مُعْتَبرَة بِالْعرْفِ كقبض الْمَبِيع والمرهون وَلَو مَاتَ الْوَاهِب قبل الْقَبْض لم يبطل العقد لِأَنَّهُ عقد يؤول إِلَى اللُّزُوم فَلم يَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ كَالْبيع الْمَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص وَالْوَارِث بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبض وَإِن شَاءَ لم يقبض لِأَنَّهُ قَائِم مقَام مُوَرِثه وَالله أعلم ثمَّ إِذا حصل الْقَبْض الْمُعْتَبر لَزِمت الْهِبَة وَلَيْسَ للْوَاهِب الرُّجُوع فِيهَا كَسَائِر الْعُقُود اللَّازِمَة إِلَّا أَن يكون الْوَاهِب أَبَا أَو أما أَو جدا وَإِن علا وَكَذَا الْجدّة بِشَرْط أَن يكون الْمَوْهُوب خَالِيا عَن حق الْغَيْر كَمَا إِذا رهن وأقبض وَغير ذَلِك وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل لرجل أَن يُعْطي عَطِيَّة أَو يهب هبة فَيرجع فِيهَا إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطي لوَلَده فَإِذا دخل الْجد فِي اسْم الْأَب فَلَا كَلَام وَإِلَّا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا الْجدَّات لِأَنَّهُنَّ كَالْأَبِ فِي الْعتْق وَوُجُوب النَّفَقَة وَسُقُوط الْقصاص فِي قَتله وَقيل لَا رُجُوع إِلَّا للْأَب فَقَط لِأَنَّهُ مورد النَّص وَقيل للْأَب وَالأُم فَقَط

وَاعْلَم أَن الْهَدِيَّة كَالْهِبَةِ وَلَو تصدق على ابْنه فَهَل لَهُ الرُّجُوع وَجْهَان صَحَّ الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب أَن لَهُ الرُّجُوع فِي الشَّرْح الْكَبِير وَصحح فِي الشَّرْح الصَّغِير أَنه لَا يرجع وبعدم الرُّجُوع جزم فِي الشَّرْح الْكَبِير فِي بَاب الْعَارِية وَكَأن الْفرق أَن الْمَقْصُود من الصَّدَقَة ثَوَاب الْآخِرَة وَقد حصل فَلَا رُجُوع لَهُ مَعَ الثَّوَاب بِخِلَاف الْهِبَة وَلَو كَانَ لَهُ على وَلَده دين فَأَبْرَأهُ فَهَل لَهُ أَن يرجع قَالَ الرَّافِعِيّ إِن قُلْنَا إِن الْإِبْرَاء تمْلِيك رَجَعَ وَإِن قُلْنَا إِسْقَاط فَلَا يرجع قَالَ النَّوَوِيّ يَنْبَغِي أَن لَا يرجع على التَّقْدِيرَيْنِ وَالله أعلم

(فرع) وهب لأبنه شَيْئا فوهبه الابْن لِابْنِهِ فَهَل للْجدّ الرُّجُوع فِيهِ وَجْهَان فَلَو مَاتَ الابْن الموهب بعد مَا وهبه من ابْنه أَو بَاعه لَهُ فَهَل للْجدّ أَيْضا الرُّجُوع فِيهِ خلاف وَالأَصَح فِي الْكل

ص: 309

الْمَنْع وَلَو وهب الابْن لِأَخِيهِ الْعين الْمَوْهُوبَة فَهَل للْأَب الرُّجُوع قَالَ العمراني يَنْبَغِي أَنه لَا يجوز للْأَب الرُّجُوع قطعا لِأَن الْوَاهِب وَهُوَ الْأَخ لَا يملك الرُّجُوع فالأب أولى وَالله أعلم قَالَ

(وَإِذا أعمر شَيْئا أَو أرقبه كَانَ للمعمر أَو المرقب ولورثته من بعده)

إِذا قَالَ شخص لآخر أعمرتك هَذِه الدَّار مثلا حياتك أَو مَا حييت أَو مَا عِشْت ولعقبك من بعْدك صَحَّ لقَوْله عليه الصلاة والسلام

(أَيّمَا رجل أعمر عمرى لَهُ ولعقبه فَقَالَ أعطيتكها وَعَقِبك مَا بقى مِنْكُم أحد فَهِيَ لمن أَعْطَاهَا وعقبه لَا ترجع إِلَى صَاحبهَا من أجل أَنه أعْطى عَطاء وَقعت فِيهِ الْمَوَارِيث) وَلِأَن هَذَا معنى الْهِبَة وَإِن لم يذكر الْعقب بل قَالَ أعمرتكها حياتك صَحَّ أَيْضا فِي حَيَاته ولعقبه من بعده على الْجَدِيد لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(الْعمريّ جَائِزَة) وَلَو قَالَ أعمرتكها حياتك فَإِذا مت عَادَتْ إِلَيّ فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أرقبتك هَذِه الدَّار أَو هِيَ لَك رقبى فَهِيَ كالعمري لقَوْل صلى الله عليه وسلم

(الْعمريّ جَائِزَة والرقبى جَائِزَة لأَهْلهَا) نعم لَو قَالَ جَعلتهَا لَك عمري أَو حَياتِي لم تصح فِي الْأَصَح وَالله أعلم

(فرع) وهب شخص لآخر دَارا فَقبل نصفهَا أَو عيدين فَقبل أَحدهمَا فَفِي صِحَة الْهِبَة وَجْهَان حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ بِلَا تَرْجِيح وَكَذَا حَكَاهُمَا النَّوَوِيّ بِلَا تَرْجِيح وَفِي نَظِيره فِي البيع لَا يَصح قطعا قَالَ الاسنائي الْمُرَجح أَنه لَا يَصح لِأَنَّهُ لَو وهب لاثْنَيْنِ شَيْئا فَقبل أَحدهمَا نصفه كَانَ كَالْبيع لَا يَصح على الْأَصَح ذكره الرَّافِعِيّ فِي الرُّكْن الرَّابِع ومسألتنا أولى بِعَدَمِ الصِّحَّة لِأَن الْهِبَة لاثْنَيْنِ صفقتان ومسألتنا صَفْقَة وَاحِدَة وَالله أعلم تمّ الْجُزْء الأول ويليه الْجُزْء الثَّانِي وأوله فصل فِي اللّقطَة كِفَايَة الأخيار فِي حل غَايَة الِاخْتِصَار الْجُزْء الثَّانِي

ص: 310

من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين (حَدِيث شرِيف) بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

فصل فِي اللّقطَة

قَالَ (وَإِذا وجد لقطَة فِي موَات أَو طَرِيق فَلهُ أَخذهَا أَو تَركهَا وَأَخذهَا أولى إِذا كَانَ على ثِقَة من الْقيام بهَا)

اللّقطَة بِفَتْح الْقَاف على الْمَشْهُور وَهِي الشَّيْء الملقوط قَالَ الْأَزْهَرِي وَأجْمع عَلَيْهِ أهل اللُّغَة وَكَذَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَالْفراء وَابْن الْأَعرَابِي وَقَالَ الْخَلِيل هِيَ بِفَتْح الْقَاف الْوَاجِد لِأَن فعلة للْفَاعِل مثل ضحكة وفعلة بالاسكان للْمَفْعُول فَتكون للملقوط قَالَ الْأَزْهَرِي وَهُوَ الْقيَاس

والالتقاط فِي الشَّرْع هُوَ أَخذ مَال مُحْتَرم من مضيعة ليحفظه أَو ليتملكه بعد التَّعْرِيف وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يخرج مِنْهُ الْكَلْب الْمعلم وَلَا شكّ فِي جَوَاز الْتِقَاطه للْحِفْظ فَيَنْبَغِي أَن يُقَال أَخذ شَيْء ليختص بِهِ لِأَن الشَّيْء يعم كل جنس وَقَوْلنَا ليختص لِأَن الْكَلْب لَا يملكهُ

(فَائِدَة) هَل الْمُغَلب فِي اللّقطَة حكم الْأَمَانَة أَو حكم الِاكْتِسَاب قَولَانِ وَالله أعلم وَالْأَصْل فِيهَا أَحَادِيث مِنْهَا

حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِي الله ((عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن لقطَة الذَّهَب وَالْوَرق فَقَالَ اعرف وكاءها وعفاصها ثمَّ عرفهَا سنة فَإِن لم تعرفها فاستبقها ولتكن عنْدك وَدِيعَة فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن ضَالَّة الْإِبِل فَقَالَ مَالك وَلها دعها فَإِن مَعهَا حذاءها وسقاءها ترد المَاء وتأكل الشّجر حَتَّى يلقاها رَبهَا وَسَأَلَهُ عَن الشَّاة فَقَالَ

ص: 313

خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب وَأجْمع الْمُسلمُونَ على الْجَوَاز فِي الْجُمْلَة وَهل تسْتَحب أَو تجب أَو كَيفَ الْحَال ينظر إِن كَانَ الْوَاجِد فَاسِقًا كره الِالْتِقَاط وَمن الْأَصْحَاب من مَنعه الِالْتِقَاط وَهُوَ قوي وَإِذا الْتقط نزعت من يَده كَمَا ينتزع مَال وَلَده وَإِن كَانَ الْوَاجِد حرا رشيدا وَهُوَ مِمَّن يَأْمَن على نَفسه عدم الْخِيَانَة فِيهَا نظر إِن وجدهَا فِي مَوضِع يَأْمَن عَلَيْهَا لأمانة أَهله وَلَيْسَ الْموضع مَمْلُوكا وَلَا دَار شرك فَالْأولى فِي حَقه أَن يَأْخُذهَا لقَوْله صلى الله عليه وسلم ((وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه)) وَإِن كَانَت فِي مَوضِع لَا يَأْمَن عَلَيْهَا فَهَل يلْزمه أَخذهَا فِيهِ خلاف قيل يجب لقَوْله تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فَيلْزم بَعضهم حفظ مَال بعض كَمَا أَو ولي مَال الْيَتِيم يلْزمه حفظ مَاله وَقيل لَا يلْزمه الِالْتِقَاط بل يسْتَحبّ وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الِالْتِقَاط إِمَّا أَمَانَة أَو كسب وَلَا يجب شَيْء مِنْهُمَا فَإِذا قُلْنَا بِالْوُجُوب فَلم يَأْخُذهَا حَتَّى تلفت لم يضمنهَا لِأَن المَال لم يحصل فِي يَده كَمَا لَو رأى مَال شخص يغرق أَو يَحْتَرِق وَأمكنهُ خلاصه فَلم يفعل وَكَذَا لَو لم يطعم الْمُضْطَر حَتَّى مَاتَ لَا يلْزمه ضَمَانه وَإِن كَانَ عَاصِيا وَقَول الشَّيْخ فِي موَات أَو طَرِيق احْتَرز بذلك عَمَّا إِذا وجدهَا فِي ملك شخص فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ أَخذهَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا لصَاحب الْملك وَقَوله وَكَانَ على ثِقَة يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ لَا يَثِق بِنَفسِهِ أَن الأولى أَن لَا يَأْخُذ وَهُوَ كَذَلِك بل فِي جَوَاز أَخذه لَهَا وَجْهَان حَكَاهُمَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَالله أعلم

(فرع) لَيْسَ للْعَبد الِالْتِقَاط على الرَّاجِح لِأَن الِالْتِقَاط أَمَانَة أَو ولَايَة فِي الِابْتِدَاء وتملك بالانتهاء وَالْعَبْد لَيْسَ أَهلا لذَلِك فَلَا يعْتد بتعريفه فَإِن تلفت ضمنهَا فِي رقبته إِن لم يعلم السَّيِّد سَوَاء كَانَ بتفريط أَو غَيره لِأَنَّهُ مَال لزمَه بِغَيْر رضى مُسْتَحقّه فَأشبه أرش جِنَايَته فَإِن علم بهَا السَّيِّد فَأَخذهَا مِنْهُ فَهِيَ لقطَة فِي يَد السَّيِّد وَيسْقط الضَّمَان عَن العَبْد وَإِن لم يَأْخُذهَا مِنْهُ وأقرها فِي يَد العَبْد صَحَّ واستحفظه ليعرفها فَإِن كَانَ العَبْد خائناً فالسيد مُتَعَدٍّ وَإِن كَانَ العَبْد أَمينا فَلَا وَهل يسْقط الضَّمَان الْأَصَح فِي النِّهَايَة أَنه لَا يسْقط وَقِيَاس كَلَام الْجُمْهُور السُّقُوط وَإِن أهمله السَّيِّد

ص: 314

فَفِيهِ خلاف الرَّاجِح تعلق الضَّمَان بِالْعَبدِ وَسَائِر أَمْوَال السَّيِّد حَتَّى لَو أفلس السَّيِّد قدم صَاحب اللّقطَة على سَائِر الْغُرَمَاء وَالله أعلم قَالَ

(وَإِذا أَخذهَا وَجب عَلَيْهِ أَن يعرف سِتَّة أَشْيَاء وعاءها وعفاصها ووكاءها وجنسها وعددها ووزنها ويحفظها فِي حرز مثلهَا)

من جَازَ لَهُ الِالْتِقَاط فالتقط فَعَلَيهِ أَن يعرف مَا ذكره الشَّيْخ قَالَ الْمُتَوَلِي وَهُوَ على الْفَوْر أما معرفَة العفاص والوكاء فللحديث السَّابِق وَأما الْعدَد فَلَمَّا ورد عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه قَالَ ((وجدت صرة فِيهَا مائَة دِينَار فَأتيت بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عرفهَا حولا فعرفتها حولا ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ عرفهَا حولا فعرفتها حولا ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ عرفهَا حولا فعرفتها حولا ثمَّ أَتَيْته الرَّابِعَة فَقَالَ اعرف عدتهَا ووكاءها ووعاءها فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فاستمتع بهَا)) وَبَاقِي الصِّفَات بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهَا صِفَات تتَمَيَّز بهَا فَأَشْبَهت الْمَنْصُوص عَلَيْهِ والوعاء الْإِنَاء والعفاص السدادة وَيُطلق على الْوِعَاء مجَازًا وَالْجُمْهُور على أَن العفاص الْوِعَاء وَلَكِن جمع الشَّيْخ بَينهمَا والوكاء هُوَ الْخَيط الَّذِي يشد بِهِ وَبَاقِي الصِّفَات مَعْرُوفَة وَيجب عَلَيْهِ أَن يحفظها فِي حرز مثلهَا فَإِنَّهَا أَمَانَة فَأَشْبَهت سَائِر الْأَمَانَات وَلَا يجب الْإِشْهَاد عَلَيْهَا على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لم يتَعَرَّض لَهُ وَقيل يجب وَفِيه حَدِيث وَهُوَ مَحْمُول على النّدب عِنْد الْقَائِلين بِالْمذهبِ وَالله أعلم قَالَ

(ثمَّ إِذا أَرَادَ تَملكهَا عرفهَا سنة على أَبْوَاب الْمَسَاجِد وَفِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ فَإِن لم يجد صَاحبهَا كَانَ لَهُ أَن يتملكها بِشَرْط الضَّمَان)

أَخذ اللّقطَة إِن قصد حفظهَا على مَالِكهَا لم يلْزمه التَّعْرِيف لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب لأجل التَّمَلُّك وَلَا يملك عِنْد إِرَادَة الْحِفْظ والْحَدِيث إِنَّمَا ألزمهُ التَّعْرِيف لِأَنَّهُ جعلهَا لَهُ بعده وَهَذَا مَا ذكره الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهمَا وَقيل يلْزمه التَّعْرِيف وَصَححهُ الإِمَام وَغَيره قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ الْأَقْوَى وَالْمُخْتَار قَالَه فِي الرَّوْضَة وَمُقْتَضَاهُ أَنه الصَّحِيح لِأَن الْمُخْتَار فِي الرَّوْضَة بِمَنْزِلَة الرَّاجِح كَمَا تقدم وَإِن أَرَادَ أَن يتملكها عرفهَا سنة للْحَدِيث الْمُتَقَدّم وَالْمعْنَى فِيهِ أَن السّنة لَا تتأخر عَن القوافل إِذْ الظفر بصاحبها قريب التوقع ثمَّ إِذا وَجب التَّعْرِيف فَهَل يجب على الْفَوْر أم يَكْفِي تَعْرِيف سنة مَتى أَرَادَ وَجْهَان أصَحهمَا لَا يجب على الْفَوْر وَيكون التَّعْرِيف على

ص: 315

أَبْوَاب الْمَسَاجِد عِنْد خُرُوج النَّاس مِنْهَا وَفِي الاسواق لِأَنَّهَا مظان الِاجْتِمَاع وَكَذَا فِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ لِأَن صَاحبهَا يتعهد وَلِأَن هَذِه الْمَوَاضِع أقرب إِلَى وجود مَالِكهَا فِيهَا وَقَوله على أَبْوَاب الْمَسَاجِد يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه لَا يعرف فِي الْمَسَاجِد لقَوْله صلى الله عليه وسلم ((أَنْت الفاقد وَغَيْرك الْوَاجِد)) فِيهِ النَّهْي عَنهُ صَحَّ وَهُوَ كَذَلِك قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَا تعرف فِي الْمَسَاجِد كَمَا لَا تستطلب الضَّالة فِيهِ إِلَّا أَن الشَّاشِي قَالَ إِن أصح الْوَجْهَيْنِ جَوَاز التَّعْرِيف فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِخِلَاف سَائِر الْمَسَاجِد وَذكر مثله النَّوَوِيّ وَابْن الرّفْعَة وَمُقْتَضَاهُ التَّحْرِيم فِي بَقِيَّة الْمَسَاجِد إِلَّا أَن النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب نقل الْكَرَاهَة فاعرفه وَكَيْفِيَّة التَّعْرِيف أَن يَقُول من ضَاعَ مِنْهُ شَيْء وَلَا يجب عَلَيْهِ ذكر الْأَوْصَاف وَيسْتَحب ذكر بَعْضهَا وَقيل يجب ذكر بعض الْأَوْصَاف قَالَ الإِمَام وَلَا يستوعب الْأَوْصَاف لِئَلَّا يتعمدها الْكَاذِب فَإِن استوعبها فَهَل يضمن وَجْهَان صحّح النَّوَوِيّ الضَّمَان وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمِنْهَاج وَيذكر بعض أوصافها وَقَول الشَّيْخ عرفهَا سنة يَقْتَضِي إِطْلَاقه أَنه لَا يجب التَّرْتِيب فِي السّنة حَتَّى لَو عرف شَهْرَيْن أَو أقل أَو أَكثر فِي كل سنة كفى وَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ وَقيل يجب التَّرْتِيب لِأَن الْمَقْصُود أَن يبلغ الْخَبَر الْمَالِك والتفريق لَا يحصل هَذَا الْمَقْصُود وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَن فِي الْمُحَرر وَصَححهُ الإِمَام وَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ صَححهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَاعْلَم أَنه لَا يجب اسْتِيعَاب السّنة بالتعريف بل يعرف أَولا فِي كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات ثمَّ فِي كل يَوْم مرّة ثمَّ فِي كل أُسْبُوع مرّة ثمَّ فِي كل شهر مرّة بِحَيْثُ لَا ينسى أَنه تكْرَار لما مضى وَلَو قطع الْمُوَالَاة الْوَاجِبَة وَجب اسْتِئْنَاف السّنة وَفِي صَيْرُورَته ضَامِنا خلاف وَالله أعلم

(فرع) إِذا وجد مَالا يتمول كزبيبة وَنَحْوهَا فَلَا يعرف ولواجده الاستبداد بِهِ وَإِن تمول وَهُوَ قَلِيل فَالْأَصَحّ أَنه لَا يعرف سنة بل يعرف زَمنا يظنّ أَن فاقده يعرض عَنهُ غَالِبا وَضَابِط الْقَلِيل مَا يغلب على الظَّن أَن فاقده لَا يكثر أسفه عَلَيْهِ وَلَا يطول طلبه غَالِبا وَالله أعلم فَإِذا عرف التَّعْرِيف الْمُعْتَبر وَكَانَ قد قصد التَّمْلِيك وَلم يجد الْمَالِك وَاخْتَارَ التَّمْلِيك ملك لِأَنَّهُ تمْلِيك مَال يُبدل فتوقف على الِاخْتِيَار كَالْبيع وَسَوَاء فِي ذَلِك الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَقيل يملك بالتعريف وَإِن لم يرض لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فادفعها إِلَيْهِ وَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك وَالصَّحِيح الأول فَعَلَيهِ أَن يَقُول تملكتها أَو نَحْو ذَلِك كَالْبيع وَإِذا ملكهَا صَارَت قرضا عَلَيْهِ فَإِن هَلَكت قبل التَّمْلِيك لم يضمنهَا لِأَنَّهَا مَحْفُوظَة لصَاحِبهَا وَلم يفرط فِيهَا كَالْمُودعِ وَإِذا ملكهَا وَجَاء صَاحبهَا إِن كَانَت مثلية ضمنهَا بِالْمثلِ وَإِلَّا فبالقية وَقت التَّمْلِيك جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَغَيره وَفِي وَجه وَقت طلب صَاحبهَا فَإِن

ص: 316

اخْتلفَا فِي قدرهَا صدق الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ غَارِم وَلَو لم تتْلف وَلَكِن تعيبت استردها مَعَ الْأَرْش على الْأَصَح وَقيل يقنع بهَا بِلَا أرش وَقيل غير ذَلِك وَالله أعلم

(فرع) أَخذ الْمُلْتَقط اللّقطَة بِقصد الْخِيَانَة فِيهَا صَار ضَامِنا فَلَو عرف بعد ذَلِك وَأَرَادَ التَّمَلُّك بعده لم يكن لَهُ ذَلِك على الْمَذْهَب وَلَو قصد الْأَمَانَة أَولا ثمَّ قصد الْخِيَانَة بِلَا تعرف فَالْأَصَحّ أَنه لَا يصير ضَامِنا بِمُجَرَّد قصد الْخِيَانَة كَالْمُودعِ وَالله أعلم

(فرع) إِذا جَاءَ صَاحبهَا بعد التَّمَلُّك أَخذهَا مَعَ زيادتها الْمُتَّصِلَة دون الْمُنْفَصِلَة وَالله أعلم قَالَ

(وَجُمْلَة اللّقطَة أَرْبَعَة أضْرب

أَحدهَا مَا يبْقى على الدَّوَام كالذهب وَالْفِضَّة وَهَذَا حكمه

وَالثَّانِي مَالا يبْقى كالطعام الرطب فَهُوَ مُخَيّر بَين أكله وغرمه أَو بَيْعه أَو حفظ ثمنه

وَالثَّالِث مالايبقى إِلَّا بعلاج كالرطب فيفعل مَا فِيهِ الْمصلحَة من بَيْعه وَحفظ ثمنه أَو تجفيفه وَحفظه)

اللّقطَة تَارَة تكون حَيَوَانا وَتارَة تكون غَيره فَإِن كَانَت حَيَوَانا فَسَيَأْتِي وَإِن كَانَت غير حَيَوَان فَتَارَة تكون مِمَّا يُؤْكَل وَتارَة تكون مِمَّا لَا يُؤْكَل فَإِن كَانَت لَا تُؤْكَل وَلها بَقَاء فِي نَفسهَا كالنقود وَنَحْوهمَا فَهُوَ الَّذِي تقدم من اشْتِرَاط التَّعْرِيف وَغَيره مُتَعَلق بِهَذِهِ اللّقطَة وَإِن كَانَت مِمَّا يُؤْكَل فَتَارَة تكون مِمَّا يفْسد فِي الْحَال كالأطعمة والشواء والبطيخ وَالرّطب الَّذِي لَا يتتمر والبقول فالواجد فِيهَا بِالْخِيَارِ بَين أَن يأكلها وَيغرم قيمتهَا وَبَين أَن يَبِيع وَيَأْخُذ الثّمن وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فَإِن أكل عزل قيمتهَا من التَّعْرِيف وَعرف اللّقطَة سنة ثمَّ يتَصَرَّف فِيهَا لِأَن الْقيمَة قَائِمَة مقَام اللّقطَة وَلَو لم يقدر على البيع فَلَا خلاف فِي جَوَاز الْأكل وَهل يجب إِفْرَاز الْقيمَة فِيهِ خلاف الْأَظْهر فِي الرَّافِعِيّ لَا يجب لِأَن مَا فِي الذِّمَّة لَا يخْشَى هَلَاكه فَإِذا أفرز صَار أَمَانَة فِي يَده وَالله أعلم

وَإِن كَانَت اللّقطَة مِمَّا لَا يفْسد وَيقبل العلاج كالرطب الَّذِي يتتمر وَالْعِنَب الَّذِي يتزبب وَاللَّبن الَّذِي يصنع مِنْهُ الْجُبْن وَنَحْوهَا روعي فِي ذَلِك الْحَظ والمصلحة للْمَالِك فَإِن كَانَ الْحَظ فِي البيع بَاعه وَإِن كَانَ فِي التجفيف جففه ثمَّ إِن تبرع الْوَاجِد بتجفيفه فَذَاك وَإِلَّا بَاعَ بعضه وأنفقه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمصلحَة فِي حق الْمَالِك وَهَذَا بِخِلَاف الْحَيَوَان حَيْثُ يُبَاع جَمِيعه لِأَن النَّفَقَة فِي الْحَيَوَان تَتَكَرَّر فتؤدي إِلَى أَن تَأْكُل اللّقطَة نَفسهَا وَالله أعلم قَالَ

(وَالرَّابِع مَا يحْتَاج إِلَى النَّفَقَة كالحيوان وَهُوَ ضَرْبَان حَيَوَان لَا يمْتَنع بِنَفسِهِ فَهُوَ مُخَيّر فِيهِ

ص: 317

بَين أكله وَغرم ثمنه أَو تَركه والتطوع بالانفاق عَلَيْهِ أَو بَيْعه وَحفظ ثمنه وحيوان يمْتَنع بِنَفسِهِ فَإِن وجده فِي الصَّحرَاء تَركه وَإِن وجده فِي الْحَضَر فَهُوَ مُخَيّر بَين الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فِيهِ)

غير الْآدَمِيّ من الْحَيَوَان ضَرْبَان

الأول مَا لَا قُوَّة لَهُ تَمنعهُ من صغَار السبَاع كالغنم والعجول والفصلان من الْإِبِل وَفِي مَعْنَاهَا الكسير من كبار الْإِبِل وَالْبَقر إِذا وجده من يجوز الْتِقَاطه جَازَ لَهُ أَخذه إِن شَاءَ للْحِفْظ وَإِن شَاءَ للتَّمَلُّك لِأَنَّهَا لَو لم تلْتَقط لضاعت بَيْننَا وَبَين السبَاع وَرُبمَا أَخذهَا خائن وَلِهَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ضَالَّة الْغنم ((هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب)) فَإِذا الْتقط

فَإِن كَانَ الِالْتِقَاط من مضيعة فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين الْخِصَال الثَّلَاث الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ وَالْأولَى أَن يمْسِكهَا ويعرفها ثمَّ يَليهَا البيع أَو الْحِفْظ وخصلة الْأكل مُتَأَخِّرَة فِي الْفَضِيلَة

وَلقَائِل أَن يَقُول تقدم فِيمَا يُمكن تجفيفه أَنه يجب مُرَاعَاة مصلحَة الْمَالِك فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك وَإِن كَانَ الِالْتِقَاط فِي الْعمرَان تخير بَين خَصْلَتَيْنِ فَقَط على الصَّحِيح الْإِمْسَاك وَالْبيع وَلَا يَأْكُل لِإِمْكَان البيع وَكَلَام الشَّيْخ مَحْمُول على الِالْتِقَاط من المضيعة وَإِن أطلق كَلَامه وَالله أعلم

الضَّرْب الثَّانِي مَاله قُوَّة تَمنعهُ من صغَار السبَاع إِمَّا بقوته كَالْإِبِلِ أَو بعدوه كالخيل وَكَذَا البغال وَالْحمير قَالَه الرَّافِعِيّ أَو بطيرانه كالحمام وَنَحْو ذَلِك ينظر إِن كَانَ وجدهَا فِي مضيعة كالبرية لم يجز للواجد أَن يلتقطها للتَّمَلُّك وَتجوز للْحِفْظ لقَوْله عليه الصلاة والسلام فِي ضَالَّة الْإِبِل ((مَالك وَلها مَعهَا سقاؤها)) الحَدِيث وَقس على الْإِبِل مَا فِي مَعْنَاهَا فَإِن التقطها للتَّمَلُّك ضمنهَا لَو تلفت للتعدي نعم يبرأ بِالدفع إِلَى القَاضِي قلت يشْتَرط عَدَالَة القَاضِي وَإِلَّا فَلَا يسْقط عَنهُ الضَّمَان ولصاحبها مُطَالبَة كل مِنْهُمَا أما الْمُلْتَقط فلتعديه بِالْأَخْذِ وَأما القَاضِي فلتعديه على الشَّرِيعَة المطهرة وَالله أعلم وَإِن وجدهَا فِي الْعمرَان أَو قَرِيبا مِنْهَا جَازَ أَخذهَا للْحِفْظ وَهل يجوز أَخذهَا للتَّمَلُّك فِيهِ خلاف قيل لَا يجوز لإِطْلَاق الْخَبَر وَالرَّاجِح الْجَوَاز

وَالْفرق بَين الْبَريَّة والعمران أَنَّهَا فِي الْعمرَان تتطرق إِلَيْهَا أَيدي النَّاس فَلَا تتْرك فَرُبمَا

ص: 318