الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الْقِسْمَة
فصل ويفتقر الْقَاسِم إِلَى سَبْعَة شَرَائِط الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة والذكورة وَالْعَدَالَة والحساب فَإِن تراضى الشريكان بِمن يقسم بَينهمَا لم يفْتَقر إِلَى ذَلِك
الأَصْل فِي الْقِسْمَة الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} وَقَالَ عليه الصلاة والسلام الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم الحَدِيث وَقسم عليه الصلاة والسلام الْغَنَائِم وَكَذَا الْخُلَفَاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده ثمَّ الْقِسْمَة تَارَة يتولاها الشُّرَكَاء بِأَنْفسِهِم وَتارَة يتولاها مَنْصُوب القَاضِي فَإِن تولاها مَنْصُوب القَاضِي فَيشْتَرط فِيهِ الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة والذكورة وَالْعَدَالَة لِأَنَّهَا ولَايَة وَمن لم يَتَّصِف بذلك فَلَيْسَ أَهلا للولاية وَيشْتَرط أَيْضا أَن يكون عَالما بِالْقِسْمَةِ يَعْنِي بِالْحِسَابِ والمساحة لِأَنَّهُمَا آلَة الْقِسْمَة وَاعْتبر الْمَاوَرْدِيّ وَالْبَغوِيّ مَعَ ذَلِك أَن يكون نزهاً قَلِيل الطمع وَهل يشْتَرط أَن يكون عَالما بالقيم لاحتياجه إِلَى ذَلِك أم يسْتَحبّ وَجْهَان وَلَو نصب الشُّرَكَاء من يقسم بَينهم فَإِن جَعَلُوهُ وَكيلا فَلَا يشْتَرط ذَلِك بل يجوز أَن يكون عيدا أَو فَاسِقًا صرح بِهِ جمَاعَة قَالَ الرَّافِعِيّ كَذَا أَطْلقُوهُ وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي العَبْد الْخلاف فِي تَوْكِيله فِي البيع وَإِن نَصبه الشُّرَكَاء حكما فقد أطلق الْبَنْدَنِيجِيّ وَأَبُو الطّيب وَغَيرهمَا أَنه يعْتَبر فِيهِ صِفَات قَاسم الْحَاكِم قَالَ ابْن الصّباغ بعد ذكره ذَلِك يَنْبَغِي إِذا قُلْنَا بِاعْتِبَار الرِّضَا بعد الْقرعَة أَنه لَا يشْتَرط عَدَالَته وحريته وَقَالَ ابْن الرّفْعَة بل يَنْبَغِي اشتراطهما وَإِن اعْتبرنَا الرِّضَا بعد الْقرعَة لِأَن الْقَائِل بِهِ يَجْعَل تَمام التَّحْكِيم مَوْقُوفا على هَذَا الرِّضَا فَهِيَ حِينَئِذٍ بعد الرِّضَا قسْمَة من حَاكم فاشترطت فِيهِ صِفَات الْحَاكِم كَمَا اشترطناها فِي التَّحْكِيم فِي الْأَمْوَال وَإِن لم يلْزم حكمه فِيهَا إِلَّا بِالرِّضَا بعده عِنْد هَذَا الْقَائِل وَهَذَا كُله إِذا لم يكن فِي الْقِسْمَة تَقْوِيم فَإِن كَانَ فَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم قَالَ
(وَإِذا كَانَ فِيهَا تَقْوِيم لم يقْتَصر فِيهَا على أقل من اثْنَيْنِ)
اعْلَم أَن الْأَمْلَاك الْمُشْتَركَة قسمتهَا على نَوْعَيْنِ عِنْد الْعِرَاقِيّين قسْمَة فِيهَا رد وَقِسْمَة لَا رد فِيهَا وَعند المراوزة على ثَلَاثَة أَنْوَاع قسْمَة فِيهَا رد وَقِسْمَة تَعْدِيل وَقِسْمَة إِفْرَاز فقسمة الْإِفْرَاز
تسمى قسْمَة المتشابهات وَإِنَّمَا تجْرِي فِي الْحُبُوب وَالدَّرَاهِم والأدهان وَسَائِر الْمِثْلِيَّات وَكَذَا تجْرِي فِي الدَّار المتفقة الْأَبْنِيَة وَالْأَرْض المتشابهة الْأَجْزَاء وَمَا فِي مَعْنَاهَا فتعديل الانصباء فِي الْمكيل بِالْكَيْلِ وَفِي الْمَوْزُون بِالْوَزْنِ وَالْأَرْض المتساوية تجزأ أَجزَاء مُتَسَاوِيَة بِعَدَد الْأَنْصِبَاء إِن تَسَاوَت بِأَن كَانَت لثَلَاثَة أَثلَاثًا فَيجْعَل ثَلَاثَة أَجزَاء مُتَسَاوِيَة ثمَّ يُؤْخَذ ثَلَاث رقاع مُتَسَاوِيَة وَيكْتب على كل رقْعَة اسْم شريك أَو جُزْء من الْأَجْزَاء ويميز بَعْضهَا عَن بعض بِحَدّ أَو جِهَة أَو غَيرهمَا وتدرج فِي بَنَادِق مُتَسَاوِيَة وزنا وشكلاً من طين أَو شمع وَنَحْوهمَا وَتجْعَل فِي حجر رجل لم يحضر الْكِتَابَة والإدراج فَإِن كَانَ صَبيا أَو أعجمياً كَانَ أولى ثمَّ يُؤمر بِإِخْرَاج رقْعَة أُخْرَى على الْجُزْء الأول من كتب اسماء الشُّرَكَاء فَمن خرج اسْمه أَخذه ثمَّ يُؤمر بإخراخ رقعه أُخْرَى على الجزىء الَّذِي يَلِي الأول فَمن خرج اسْمه أَخذه وَتعين الْبَاقِي للثَّالِث وكما تجوز الْقِسْمَة بالرقاع المدرجة تجوز بالعصى والحصا وَنَحْوهمَا وَإِذا طلب أحد الشُّرَكَاء فِي هَذِه الْقِسْمَة فَامْتنعَ أجبر الْمُمْتَنع على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا ضَرَر ويتخلص من سوء الْمُشَاركَة وَتسَمى هَذِه قسْمَة إِجْبَار كَمَا تسمى قسْمَة إِفْرَاز
النَّوْع الثَّانِي قسْمَة التَّعْدِيل والمشترك الَّذِي تعدل سهامه تَارَة يكون شَيْئا وَاحِدًا وَتارَة يكون شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا فَإِن كَانَ شَيْئا وَاحِدًا كالأرض تخْتَلف أجزاؤها لاختلافها فِي قُوَّة النَّبَات والقرب من المَاء وَنَحْو ذَلِك فَيكون ثلثهَا لجودته كثلثيها بِالْقيمَةِ مثلا فَيجْعَل هَذَا سَهْما وَهَذَانِ سَهْما إِن كَانَت بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَإِن كَانَت شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا فَإِن كَانَت عقارا كدارين أَو حانوتين متساويي الْقيمَة فَطلب أَحدهمَا الْقِسْمَة بِأَن يَجْعَل لهَذَا دَارا وَلِهَذَا دَارا لم يجْبر الْمُمْتَنع سَوَاء تجاور الحانوتان أَو الداران أم لَا لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض باخْتلَاف الْمحَال والأبنية فَلَو كَانَت دكاكين صغَارًا متلاصقة لَا يحْتَمل آحادها الْقِسْمَة وَيُقَال لَهَا العضائد فَطلب أَحدهمَا الْقِسْمَة أعياناً فَهَل يجْبر الْمُمْتَنع وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كالمتفرقة وكالدور وأصحهما نعم يجْبر للْحَاجة وَكَذَا حكم الخان الْمُشْتَمل على بيُوت ومساكن وَلَو كَانَت دَار بَين اثْنَيْنِ لَهَا علو وسفل فَطلب أَحدهمَا قسمتهَا علوا أَو سفلاً أجبر الآخر عِنْد الْإِمْكَان وَإِن طلب أَحدهمَا أَن يَجْعَل الْعُلُوّ لوَاحِد والسفل لآخر لَا يجْبر كَذَا أطلقهُ الْأَصْحَاب وَإِن كَانَ غير عقار كَأَن اشْتَركَا فِي دَوَاب أَو أَشجَار أَو ثِيَاب وَنَحْوهَا فَإِن كَانَت من نوع وَاحِد وَأمكن التَّسْوِيَة بَين الشَّرِيكَيْنِ عددا فَالْمَذْهَب أَنه يجْبر على قسمتهَا أعياناً لقلَّة اخْتِلَاف الْأَغْرَاض فِيهَا بِخِلَاف الدّور وَإِن لم تمكن التَّسْوِيَة كثلاثة أعبد بَين اثْنَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَن أحدهم يُسَاوِي الآخرين فِي الْقيمَة فَإِن قُلْنَا بالإجبار عِنْد اسْتِوَاء الْقيمَة وَهُوَ الْمَذْهَب فَهُنَا قَولَانِ كالأرض الْمُخْتَلفَة الْأَجْزَاء وَإِن كَانَت الشّركَة لَا ترْتَفع إِلَّا عَن بعض الْأَعْيَان كعبدين بَين اثْنَيْنِ قيمَة أَحدهمَا مائَة وَقِيمَة الآخر مِائَتَان فَطلب أَحدهمَا الْقِسْمَة ليختص من خرجت لَهُ الْقِسْمَة بالخسيس وَيكون لَهُ فِي النفيس ربعه فَفِيهِ خلاف والأرجح لَا إِجْبَار هُنَا لِأَن الشّركَة لَا ترْتَفع بِالْكُلِّيَّةِ وَإِن كَانَت
الْأَعْيَان أجناساً كدواب وَثيَاب وحنطة وشعير وَنَحْو ذَلِك أَو أنواعاً كجمل بخْتِي وعربي وضأن ومعز وثوبين كتَّان وقطن وَنَحْو ذَلِك فَطلب أَحدهمَا أَن يقسم أجناساً أَو أنواعاً لم يجْبر الآخر وَإِنَّمَا يقسم بِالتَّرَاضِي وَكَذَا لَو اخْتلطت الْأَنْوَاع وَتعذر التَّمْيِيز كتمر جيد ورديء فَلَا قسْمَة إِلَّا بِالتَّرَاضِي على مَا قطع بِهِ الْجُمْهُور وَهُوَ الْمَذْهَب
النَّوْع الثَّالِث قسْمَة الرَّد وَصورتهَا أَن يكون فِي أحد جَانِبي الأَرْض بِئْر أَو شجر أَو فِي الدَّار بَيت لَا يُمكن قسمته فتضبط قيمَة مَا اخْتصَّ ذَلِك الْجَانِب بِهِ وتقسم الأَرْض وَالدَّار على أَن يرد من يَأْخُذ ذَلِك الْجَانِب تِلْكَ الْقيمَة وَهَذِه لَا إِجْبَار عَلَيْهَا بِلَا خلاف لِأَنَّهُ دخل فِي ذَلِك مَا لَا شركَة فِيهِ وَكَذَا لَو كَانَ بَينهمَا عَبْدَانِ وَنَحْوهمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقِيمَة أَحدهمَا ألف وَقِيمَة الآخر سِتّمائَة واقتسما على أَن يرد أحد النفيس مِائَتَيْنِ ليستويا هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور نعم لَو تَرَاضيا بقسمة الرَّد جَازَ وَبِالْجُمْلَةِ فالراجح أَن قسْمَة الرَّد وَالتَّعْدِيل بيع وَقِسْمَة الْأَجْزَاء إِفْرَاز على الرَّاجِح وَيشْتَرط الرَّد فِي الرِّضَا بعد خُرُوج الْقرعَة وَكَذَا لَو تَرَاضيا بقسمة مَا لَا إِجْبَار فِيهِ اشْترط الرِّضَا بعد الْقرعَة على الرَّاجِح كقولهما رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَة أَو بِمَا أخرجته الْقرعَة إِذا عرفت هَذَا فَإِن لم يكن فِي الْقِسْمَة تَقْوِيم وَقد أَمر الْحَاكِم بهَا جبرا جَازَ قَاسم وَاحِد لِأَن قسمته تلْزم بِنَفس قَوْله فَأشبه الْحَاكِم وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَبِه قطع جمَاعَة وَإِن كَانَ فِي الْقِسْمَة تَقْوِيم لم يكف إِلَّا قاسمان لِأَن التَّقْوِيم لَا يثبت إِلَّا بِاثْنَيْنِ كَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ والبندنيجي وَالْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَالْبَغوِيّ وَصَاحب الْكَافِي وتبعهم النَّوَوِيّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَقَضيته أَن الْحَاكِم لَو فوض لوَاحِد سَماع الْبَيِّنَة بالتقويم وَأَن يحكم بِهِ لَا يَكْفِي وَقد قَالَ الإِمَام إِن ذَلِك سَائِغ وَعبارَة الرَّوْضَة إِن كَانَ تَقْوِيم اشْترط اثْنَان وَللْإِمَام أَن ينصب قاسماً يَجعله حَاكما فِي التَّقْوِيم ويعتمد فِي التَّقْوِيم على عَدْلَيْنِ وَقَالَ ابْن الرّفْعَة إِن تعلّقت بصبي أَو مَجْنُون اشْترط اثْنَان وَإِلَّا فَلَا وَقَضِيَّة كَلَام ابْن الرّفْعَة أَن ذَلِك يجْرِي فِيمَا لَا تَقْوِيم فِيهِ وَاعْلَم أَنه لَو فوض الشُّرَكَاء الْقِسْمَة إِلَى وَاحِد بِالتَّرَاضِي جَازَ بِلَا خلاف قَالَه الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَالله أعلم قَالَ
(وَإِذا دعِي أحد الشَّرِيكَيْنِ إِلَى قسْمَة مَالا ضَرَر فِيهِ لزم الآخر إجَابَته)
الْأَعْيَان الْمُشْتَركَة إِذا طلب أحد الشَّرِيكَيْنِ أَو الشُّرَكَاء قسمتهَا وَامْتنع الآخر ينظر إِن كَانَ لَا ضَرَر فِي الْقِسْمَة أجبر الْمُمْتَنع وَذَلِكَ كالثياب الغليظة الَّتِي لَا تنقص بقطعها والأراضي والدور والحبوب وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ لَا ضَرَر وَإِن كَانَ عَلَيْهَا ضَرَر كالجواهر وَالثيَاب النفيسة الَّتِي تنقص بقطعها أَو الرَّحَى أَو الْبِئْر أَو الْحمام الصَّغِير لم يجْبر الْمُمْتَنع لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار