المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الردة وحكم المرتد - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: ‌باب الردة وحكم المرتد

يَا ابْن أم عبد مَا حكم من بغى من أمتِي قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ لَا يتبع مدبرهم وَلَا يُجهز على جريحهم وَلَا يقتل أسيرهم وَدخل الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنهما على مَرْوَان فَقَالَ مَا رَأَيْت أكْرم من أَبِيك مَا إِن ولينا ظُهُورنَا يَوْم الْجمل حَتَّى نَادَى مناديه أَلا لَا يتبع مُدبر وَلَا يذفف على جريح وَلِأَن الْمَقْصُود كف شرهم لأقتلهم وَتمسك الشَّافِعِي رضي الله عنه فِي ذَلِك بِالْآيَةِ الْكَرِيمَة فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وَفسّر الْفَيْء فِي الْآيَة الْكَرِيمَة بترك الْقِتَال وبالعود إِلَى الطَّاعَة أَو الْهَزِيمَة وَقَالَ أَيْضا أَمر الله بقتالهم لَا بِقَتْلِهِم وَإِنَّمَا يُقَال قَاتلُوا لمن يُقَاتل وَيُقَال للمنهزم اقْتُلُوهُ قلت وَكَذَا يُقَال للأسير والمثخن إِذْ لَا مقاتلة فيهمَا إِذْ هَذِه الصِّيغَة مفاعلة وضعا وَالله أعلم وَقَوله وَلَا يغنم مَالهم لأَنهم مُسلمُونَ وَلَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا عَن طيب قلب والآيات الْأَخْبَار فِي ذَلِك كَثِيرَة وَالله أعلم قَالَ

‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

فصل فِي الرِّدَّة وَمن ارْتَدَّ عَن الاسلام استتيب ثَلَاثًا فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل وَلم يغسل وَلم يصل عَلَيْهِ وَلم يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين

الرِّدَّة فِي اللُّغَة الرُّجُوع عَن الشَّيْء إِلَى غَيره وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} وَفِي الشَّرْع الرُّجُوع عَن الْإِسْلَام إِلَى الْكفْر وَقطع الْإِسْلَام وَيحصل تَارَة بالْقَوْل وَتارَة بِالْفِعْلِ وَتارَة بالاعتقاد وكل وَاحِد من هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِيهِ مسَائِل لَا تكَاد تحصر فَنَذْكُر من كل نبذة مَا يعرف بهَا غَيره أما القَوْل فَكَمَا إِذْ قَالَ شخص عَن عدوه لَو كَانَ رَبِّي مَا عبدته فَإِنَّهُ يكفر وَكَذَا لَو قَالَ لَو كَانَ نَبيا مَا آمَنت بِهِ أَو قَالَ عَن وَلَده أَو زَوجته هُوَ أحب إِلَيّ من الله أَو من رَسُوله وَكَذَا لَو قَالَ مَرِيض بعد أَن شفي لقِيت فِي مرضِي هَذَا مَا لَو قتلت أَبَا بكر وَعمر لم استوجبه فَإِنَّهُ يكفر وَذهب طَائِفَة من الْعلمَاء إِلَى أَنه يتحتم قَتله لِأَنَّهُ يتَضَمَّن قَوْله نِسْبَة الله تَعَالَى إِلَى الْجور وَقَضِيَّة هَذَا التَّعْلِيل أَن يلْتَحق بِهَذِهِ الصُّورَة مَا فِي مَعْنَاهَا لأجل تضمن هَذِه النِّسْبَة عَافَانَا الله تَعَالَى من ذَلِك وَكَذَا لَو ادّعى أَنه أُوحِي إِلَيْهِ وَإِن لم يدع النُّبُوَّة أَو ادّعى أَنه يدْخل الْجنَّة وَيَأْكُل من ثمارها وَأَنه يعانق الْحور الْعين فَهُوَ كفر بِالْإِجْمَاع وَمثل هَذَا وأشباهه كَمَا يَقُوله زنادقة المتصوفة قَاتلهم الله مَا أجهلهم وأكفرهم وأبلم من اعتقدهم وَلَو سبّ نَبيا من الْأَنْبِيَاء أَو استخف بِهِ فَإِنَّهُ يكفر بِالْإِجْمَاع وَمن صور الِاسْتِهْزَاء

ص: 493

مَا يصدر من الظلمَة عِنْد ضَربهمْ فيستغيث الْمَضْرُوب بِسَيِّد الْأَوَّلين والآخرين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَيَقُول خل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخلصك وَنَحْو ذَلِك وَلَو قَالَ شخص أَنا نَبِي وَقَالَ آخر صدق كفرا وَلَو قَالَ لمُسلم يَا كَافِر بِلَا تَأْوِيل كفر لِأَنَّهُ سمى الْإِسْلَام كفرا وَهَذَا اللَّفْظ كثيرا يصدر من التّرْك فليتفطن لذَلِك وَلَو قَالَ إِن مَاتَ ابْني تهودت أَو تنصرت كفر فِي الْحَال وَلَو سَأَلَهُ كَافِر يُرِيد الْإِسْلَام أَن يلقنه كلمة التَّوْحِيد فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يثبت كفر وَكَذَا إِن لم يلقنه التَّوْحِيد كفر وَلَو أَشَارَ على مُسلم أَن يكفر كفر وَلَو قيل لَهُ قلم أظفارك أَو قصّ شواربك فَإِنَّهُ سنة فَقَالَ لَا أفعل وَإِن كَانَ سنة كفر قَالَه الرَّافِعِيّ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة وتبعهم وَقَالَ النَّوَوِيّ الْمُخْتَار أَنه لَا يكفر إِلَّا أَن يقْصد استهزاء وَالله أعلم

وَلَو تقاول شخصان فَقَالَ أَحدهمَا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَقَالَ الآخر لَا حول وَلَا قُوَّة لَا تغني من جوع كفر وَلَو سمع أَذَان الْمُؤَذّن فَقَالَ إِنَّه يكذب كفر وَلَو قَالَ لَا أَخَاف الْقِيَامَة كفر وَلَو ابتلى بمصائب فَقَالَ أَخذ مَالِي وَوَلَدي وَكَذَا وَكَذَا وماذا يَفْعَله أَيْضا وَمَا بَقِي مَا يفعل كفر وَلَو ضرب غُلَامه وَولده فَقَالَ لَهُ شخص أَلَسْت بِمُسلم فَقَالَ لَا مُتَعَمدا كفر وَلَو قَالَ لَهُ شخص يَا يَهُودِيّ أَو يَا نَصْرَانِيّ فَقَالَ لبيْك كفر كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ وَسكت عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي هَذَا نظر إِن لم ينْو شَيْئا وَالله أعلم

وَلَو قَالَ معلم الصّبيان إِن الْيَهُود خير من الْمُسلمين بِكَثِير لأَنهم يقضون حُقُوق معلمي صبيانهم كفر كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة رضي الله عنه وَسكت عَلَيْهِ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ قلت وَهَذَا اللَّفْظ كثير الْوُقُوع من الصنائعية والمتعيشة وَفِي التَّكْفِير بذلك نظر ظَاهر إِذْ إِخْرَاج مُسلم عَن دينه بِلَفْظَة لَهَا محمل صَحِيح لَا سِيمَا عِنْد الْقَرِينَة الدَّالَّة على أَن المُرَاد أَن مُعَاملَة هَذَا أَجود من مُعَاملَة هَذَا لَا سِيمَا إِذا صرح بِأَن هَذَا مُرَاده فِي لفظ صَرِيح كالمسألة المنقولة وَالله أعلم

وَلَو عطس السُّلْطَان أَو نَحوه من الْجَبَابِرَة فَقَالَ رجل يَرْحَمك الله فَقَالَ آخر لَا تقل للسُّلْطَان هَذَا كفر نَقله الرَّافِعِيّ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة وأقرهم وَقَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه لَا يكفر بِمُجَرَّد هَذَا وَلَو قيل لرجل مَا الْإِيمَان فَقَالَ لَا أَدْرِي كفر كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة وأقرهم وَتَبعهُ النَّوَوِيّ قلت هَذِه الْمَسْأَلَة وأشباهها كَثِيرَة الْوُقُوع وَفِي التَّكْفِير بذلك نظر لَا يخفى وَلَو قَالَ مُسلم لمُسلم سلبه الله الايمان أهل يكفر أَو قَالَ لكَافِر لأرزقه الله الْإِيمَان قَالَ القَاضِي حُسَيْن عَن بعض الْأَصْحَاب فِي مَسْأَلَة سلب الْإِيمَان إِنَّه يكفر لِأَنَّهُ رَضِي بالْكفْر وَالْجُمْهُور لَا يكفر لِأَنَّهُ دَعَا بتَشْديد الْأَمر عَلَيْهِ والعقوبة بِهِ لأرضى بالْكفْر وَالله أعلم

وَأما الْكفْر بِالْفِعْلِ فكالسجود للصنم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وإلقاء الْمُصحف فِي القاذورات وَالسحر الَّذِي فِيهِ عبَادَة الشَّمْس وَكَذَا الذّبْح للأصنام والسخرياء باسم من أَسمَاء الله تَعَالَى أَو بأَمْره أَو وعيده أَو قِرَاءَة الْقُرْآن على ضرب الدُّف وَكَذَا لَو كَانَ يتعاطى الْخمر وَالزِّنَا وَيقدم اسْم الله تَعَالَى اسْتِخْفَافًا بِهِ فَإِنَّهُ يكفر وَنقل الرَّافِعِيّ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة أَنه لَو شدّ الزنار على وَسطه كفر قَالَ وَاخْتلفُوا

ص: 494

فِيمَن وضع قلنسوة الْمَجُوس على رَأسه وَالصَّحِيح أَنه يكفر وَلَو شدّ على وَسطه حبلاً فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ هَذَا زنار على أَنه يكفر وَسكت الرَّافِعِيّ على ذَلِك وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّوَاب أَنه لَا يكفر إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة وَمَا ذكره النَّوَوِيّ ذكره الرَّافِعِيّ فِي أول الْجِنَايَات فِي الطّرف الرَّابِع مَا حَاصله مُوَافقَة النَّوَوِيّ وَإِن لبس زِيّ الْكفَّار بِمُجَرَّدِهِ لَا يكون ردة وَنقل الرَّافِعِيّ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة أَن الْفَاسِق إِذا سقى وَلَده خمرًا فنثر أقرباؤه الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِنَّهُم يكفرون وَسكت الرَّافِعِيّ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّوَاب أَنهم لَا يكفرون وَلَو فعل فعلا أجمع الْمُسلمُونَ على أَنه لَا يصدر إِلَّا من كَافِر وَإِن كَانَ مُصَرحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فعله كالسجود للصليب أَو الْمَشْي إِلَى الْكَنَائِس مَعَ أَهلهَا بزيهم من الزنانير وَغَيرهَا فَإِنَّهُ يكفر وَلَو صلى شخص بِغَيْر وضوء مُتَعَمدا أَو فِي ثوب نجس أَو إِلَى غير الْقبْلَة هَل يكفر قَالَ النَّوَوِيّ مَذْهَبنَا وَمذهب الْجُمْهُور أَنه لَا يكفر إِن لم يستحله وَالله أعلم

وَأما الْكفْر بالاعتقاد فكثير جدا فَمن اعْتقد قدم الْعَالم أَو حُدُوث الصَّانِع أَو اعْتقد نفي مَا هُوَ ثَابت لله تَعَالَى بالاجماع أَو أثبت مَا هومفي عَنهُ بالاجماع كالألوان والاتصال والانفصال كَانَ كَافِرًا أَو اسْتحلَّ مَا هُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع أَو حرم حَلَالا بِالْإِجْمَاع أَو اعْتقد وجوب مَا لَيْسَ بِوَاجِب كفر أَو نفى وجوب شَيْء مجمع عَلَيْهِ علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ كفر كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ هَذَا لَكِن هُنَا تَنْبِيه هُوَ أَن المجسمة ملتزمون بالألوان والاتصال والانفصال وَكَلَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات يَقْتَضِي أَن الْمَشْهُور أَنا لَا نكفرهم وَتَبعهُ النَّوَوِيّ على ذَلِك إِلَّا أَن النَّوَوِيّ جزم فِي صفة الصَّلَاة من شرح الْمُهَذّب بتكفير المجسمة قلت وَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا محيد عَنهُ إِذْ فِيهِ مُخَالفَة صَرِيح الْقُرْآن قَاتل الله المجسمة والمعطله ماأجرأهم على مُخَالفَة من {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَفِي هَذِه الْآيَة رد على الْفرْقَتَيْنِ وَالله أعلم وَمن اسْتحلَّ الْخمر أَو لحم الْخِنْزِير أَو الزِّنَا أَو اللواط أَو أَن السُّلْطَان يحلل أَو يحرم ككثير من الظلمَة يعْتَقد أَن السُّلْطَان إِذا غضب على أحد وأنعم على آخر من دونه من مَاله أَنه يحل لَهُ ذَلِك وَيدخل على الْأَمْوَال والابضاع مستحلاً لَهُ بِإِذن السُّلْطَان وَكَذَا من اسْتحلَّ المكوس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع وَالرِّضَا بالْكفْر كفر والعزم على الْكفْر كفر فِي الْحَال وَكَذَا لَو تردد هَل يكفر كفر فِي الْحَال وَكَذَا تَعْلِيق الْكفْر بِأَمْر مُسْتَقْبل كفر فِي الْحَال وَلَو قَالَ شخص لخطيب أَو واعظ أُرِيد الْإِسْلَام فلقني كلمة الشَّهَادَة فَقَالَ اقعد حَتَّى أفرغ وألقنك كفر فِي الْحَال وَلَو تمنى شخص أَن لَا يحرم الله الْخمر أَو لَا يحرم المناكحة بَين الْأَخ وَالْأُخْت لَا يكفر بِخِلَاف مَا لَو تمنى أَن لَا يحرم الله الظُّلم وَالزِّنَا وَقتل النَّفس بِغَيْر حق فَإِنَّهُ يكفر وَالضَّابِط فِيهِ أَن مَا كَانَ حَلَالا فِي زمَان فتمنى حلّه لَا يكفر وَالله أعلم

(فرع) ارْتِكَاب كَبَائِر الْمُحرمَات لَيْسَ بِكفْر وَلَا يسلب اسْم الْإِيمَان وَالْفَاسِق إِذا مَاتَ وَلم يتب لَا يخلد فِي النَّار وَالله أعلم إِذا عرفت هَذَا فَمن ثبتَتْ ردته فَهُوَ مهدور الدَّم لِأَنَّهُ أَتَى بأفحش

ص: 495

أَنْوَاع الْكفْر وأغلظها حكما قَالَ الله تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} إِلَى قَوْله {خَالِدُونَ} وَهل تسْتَحب تَوْبَته أَو تجب قَولَانِ

أَحدهمَا تسْتَحب لقَوْله عليه الصلاة والسلام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَالصَّحِيح أَنَّهَا تجب لما رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها أَن امْرَأَة ارْتَدَّت يَوْم أحد فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن تستتاب فَإِن تابت وَإِلَّا قتلت وَلِأَن الْأَغْلَب فِي الرِّدَّة أَن تكون عَن شُبْهَة عرضت فَلم يجز الْقَتْل قبل كشفها والاستتابة مِنْهَا كَأَهل الْحَرْب فَإنَّا لَا نقتلهم إِلَّا بعد بُلُوغ الدعْوَة وَإِظْهَار المعجزة وَقيل لَا يقبل اسلام الزنديق وَهُوَ الَّذِي يخفي الْكفْر وَيظْهر الْإِسْلَام قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَالْعَمَل على هَذَا وَقيل إِن كَانَ من المتناهين فِي الخيث كدعاة الباطنية لَا تقبل تَوْبَته ورجوعه إِلَى الْإِسْلَام وَيقبل من عوامهم وَقيل إِن أَخذ ليقْتل لم تقبل تَوْبَته وَإِن جَاءَ ابْتِدَاء تَائِبًا وَظَهَرت أَمَارَات الصدْق قبلت وَقيل إِن تَكَرَّرت مِنْهُ الرِّدَّة لم تقبل تَوْبَته وَالصَّحِيح الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهَا تقبل تَوْبَته بِكُل حَال هُوَ يُمْهل قيل نعم وَيكون ثَلَاثًا لِأَنَّهُ قدم رجل على عمر رضي الله عنه من الشَّام فَقَالَ لَهُ هَل من معرفَة خبر قَالَ نعم رجل كفر بعد إِسْلَامه فقتلناه فَقَالَ عمر هلا حبستموه فِي بَيت ثَلَاثًا اللَّهُمَّ لم أحضر وَلم آمُرهُم وَلم أَرض إِذْ بَلغنِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك من دَمه وَالصَّحِيح أَن يُسْتَتَاب فِي الْحَال لحَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها وَغَيره وَلِأَنَّهُ حد فَلم يُؤَخر كَسَائِر الْحُدُود فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته لقَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَغير ذَلِك من الْآيَات وَالْأَخْبَار وَإِلَّا قتل لقَوْله لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الحَدِيث وَإِذا قتل فَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يدْفن مَعَ الْمُسلمين لِأَنَّهُ كَافِر لَا حُرْمَة لَهُ وَالله أعلم قَالَ

(وتارك الصَّلَاة إِن تَركهَا غير مُعْتَقد لوُجُوبهَا فَحكمه حكم الْمُرْتَد وَإِن تَركهَا مُعْتَقدًا لوُجُوبهَا فيستتاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل حدا وَحكمه حكم الْمُسلمين)

ص: 496

إِذا امْتنع شخص من فعل الصَّلَاة نظر إِن كَانَ لكَونه مُنْكرا لوُجُوبهَا وَهُوَ غير مَعْذُور لعدم إِسْلَامه ومخالطة الْمُسلمين كفر لِأَنَّهُ جحد أصلا مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا عذر لَهُ فِيهِ فتضمن جَحده تَكْذِيب الله تَعَالَى وَرَسُوله وَمن كذبهما فقد كفر وَيقتل لقَوْله عليه الصلاة والسلام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَحكمه حكم الْمُرْتَد فِيمَا تقدم وَإِن تَركهَا وَهُوَ يعْتَقد وُجُوبهَا إِلَّا أَنه تَركهَا تكاسلاً حَتَّى خرج الْوَقْت فَهَل يكفر قيل نعم لقَوْله عليه الصلاة والسلام بَين العَبْد وَبَين الْكفْر ترك الصَّلَاة رَوَاهُ مُسلم وَأخذ بِهِ خلائق مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَالسَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن الْمُبَارك وَكَذَا إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَهُوَ رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد وَالصَّحِيح وَبِه قَالَ الْجُمْهُور أَنه لَا يكفر لقَوْله عليه الصلاة والسلام لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر بعد إِيمَان وزنا بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر حق وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن عِيسَى عبد الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَأَن الْجنَّة حق وَأَن النَّار حق أدخلهُ الله الْجنَّة على مَا كَانَ من عمل وَلِأَن الْكفْر بالاعتقاد واعتقاده صَحِيح والْحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ من قَالَ بالتكفير مَحْمُول على جَاحد الْوُجُوب فعلى الصَّحِيح بيستتاب لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَسْوَأ حَالا من الْمُرْتَد فَإِن تَابَ وتوبته أَن يُصَلِّي وَإِلَّا قتل بِضَرْب عُنُقه على الْمَذْهَب لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَقيل يضْرب بالخشب إِلَى أَن يَمُوت وَقيل ينخس بحديدة إِلَى أَن يُصَلِّي أَو يَمُوت فَإِذا مَاتَ غسل وَصلي عَلَيْهِ وَدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين لِأَنَّهُ مُسلم وَقيل لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يرفع نعشه ويطمس قَبره اهانة لَهُ باهماله هَذَا الْفَرْض الَّذِي هُوَ شعار ظَاهر فِي الدّين وَالله أعلم

(فرع) تَارِك الْوضُوء وَالْغسْل يقتل على الصَّحِيح وَلَو ترك الْجُمُعَة وَقَالَ أَنا أُصَلِّي الظّهْر وَلَا عذر لَهُ قَالَ الْغَزالِيّ لَا يقتل لِأَن لَهَا بَدَلا وَتسقط بالأعذار وَجزم الشَّاشِي بِأَنَّهُ يقتل وَرجحه النَّوَوِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن الصّلاح وَالله أعلم

ص: 497