الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمر بِهِ وَفعله الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعده رضي الله عنهم وَمن جِهَة الْمَعْنى أَن الْيُمْنَى أقوى فالبداءة بهَا أقطع فِي الردع وَادّعى القَاضِي أَبُو الطّيب الاجماع على ذَلِك وتقطع من مفصل الْكُوع لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمر بِهِ فِي قطع السَّارِق رِدَاء صَفْوَان وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ الاجماع على ذَلِك سَوَاء كَانَ لَهُ يسرى أم لَا وَلَا يُضَاف إِلَى الْقطع التَّعْزِير وَعَن الفوراني أَنه يُعَزّر فَإِن عَاد قطعت رجله الْيُسْرَى لأَمره بِهِ عليه الصلاة والسلام وَكَذَا فعل أَبُو بكر وَعمر رضي الله عنهما وَلَا مُخَالف لَهما وَقِيَاسًا على قَاطع الطَّرِيق ولأنا لَو قَطعنَا الرجل الْيُمْنَى لاستوفينا حد الْجَانِبَيْنِ فيضعف فَيكون فِيهِ ضم عُقُوبَة إِلَى عُقُوبَة وَكَذَلِكَ لم تقطع يَده الْيُسْرَى لِئَلَّا يسْتَوْفى مَنْفَعَة الْجِنْس فتزداد الْعقُوبَة وتقطع من مفصل الْقدَم كَذَا فعله عمر وَشرط قطعهَا بعد اندمال الْيَد لِئَلَّا يُفْضِي بِهِ توالي الْقطع إِلَى الْهَلَاك بِخِلَاف قطع الْمُحَاربَة لِأَن قطعهمَا هُنَاكَ حد وَاحِد فَإِن عَاد قطعت الْيُسْرَى فَإِن عَاد قطعت الْيُمْنَى لأَمره عليه الصلاة والسلام بذلك وروى ذَلِك من فعل الصّديق فَإِنَّهُ جِيءَ بِرَجُل مَقْطُوع الْيَد وَالرجل فَقطع يَده الْيُسْرَى فَإِن عَاد بعد قطع الْأَرْبَعَة عزّر لِأَن الْقطع ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة وَلم يذكر بعده شَيْء آخر وَالسَّرِقَة مَعْصِيّة فعزر بِسَبَبِهَا قَالَ فِي الْكَافِي وَيحبس حَتَّى يَتُوب وَفِي الجيلي حَتَّى تظهر تَوْبَته وَعَن الْقَدِيم أَنه يقتل لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمر بِقطع السَّارِق فِي الْأَرْبَعَة وَقَالَ فِي الْخَامِسَة اقْتُلُوهُ وَالْمذهب أَنه يُعَزّر كَمَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ الزُّهْرِيّ إِن الْقَتْل مَنْسُوخ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رفع إِلَيْهِ فِي الْخَامِسَة فَلم يقْتله وَقَالَ الشَّافِعِي الْقَتْل مَنْسُوخ بِلَا خلاف بَين الْعلمَاء وَلِأَن كل مَعْصِيّة أوجبت حدا لم يُوجب تكرارها الْقَتْل كَالزِّنَا وَالْقَذْف وَالله أعلم قَالَ
بَاب حد قطاع الطَّرِيق
فصل فِي حد قطاع الطَّرِيق وقطاع الطَّرِيق على أَرْبَعَة أوجه إِن قتلوا وَلم يَأْخُذُوا المَال قتلوا وَإِن قتلوا وَأخذُوا المَال قتلوا وصلبوا وَإِن أخذُوا المَال وَلم يقتلُوا تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف فَإِن أخافوا وَلم يَأْخُذُوا مَالا وَلم يقتلُوا حبسوا وعزروا
قطاع الطَّرِيق سموا بذلك لانْقِطَاع النَّاس من الْمُرُور فِيهِ خوفًا مِنْهُم وعقوبتهم نَص عَلَيْهَا الْقُرْآن الْعَظِيم قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا} الْآيَة فقطاع الطَّرِيق طَائِفَة يترصدون فِي المكامن للرفقة فَإِذا رَأَوْهُمْ برزوا إِلَيْهِم قَاصِدين الْأَمْوَال معتمدين فِي ذَلِك على قُوَّة وقدرة يتغلبون بهَا وَفِيهِمْ شرعت هَذِه الْعُقُوبَات الغليظة وَاعْلَم أَنه لَا يشْتَرط فِي قطاع الطَّرِيق الذُّكُورَة وَلَا الْعدَد وَلَا كَونهم فِي غير الْعمرَان بل لَو كَانَ وَاحِد لَهُ فضل قُوَّة يغلب بهَا الْجَمَاعَة على النَّفس وَالْمَال مجاهرا بذلك فَهُوَ قَاطع طَرِيق فَإِذا علم الامام من رجل أَو من جمَاعَة أَنهم يخيفون السَّبِيل وَجب عَلَيْهِ الْمُبَادرَة إِلَى زجرهم وطلبهم ثمَّ ينظر إِن لم يَأْخُذُوا المَال وَلَا قتلوا نفسا عزرهم بِالْحَبْسِ وَغَيره فَإِن أخذُوا من المَال قدر نِصَاب السّرقَة قطعت أَيْديهم وأرجلهم الْيُسْرَى فَإِن عَادوا قطعت أَيْديهم الْيُسْرَى وأرجلهم الْيُمْنَى وَإِنَّمَا قطعُوا من خلاف لِئَلَّا يفوت جنس الْمَنْفَعَة فَإِن كَانَ المَال دون النّصاب فَلَا قطع على الرَّاجِح وَإِن قتل قَاطع الطَّرِيق قتل وَهُوَ قتل متحتم وَلَا يجوز تخليته وَلَا الْعَفو عَنهُ وَلَيْسَ سَبيله سَبِيل الْقصاص فلعنة الله على الظَّالِمين الَّذين يتربصون ويصدون عَن سَبِيل الله وَإِن جمع قَاطع الطَّرِيق بَين الْقَتْل وَأخذ المَال قتل وصلب وَقيل تقطع يَده وَرجله وَيقتل ويصلب فَإِذا صلب ترك مصلوبا ثَلَاث على الصَّحِيح الْمَنْصُوص فَإِن نزل ودكه نزل وَإِن لم ينزل فَفِيهِ خلاف الرَّاجِح أَنه لَا يبْقى وَقيل يتْرك حَتَّى ينزل صديده وَهُوَ الودك والصلب يكون على خَشَبَة وَنَحْوهَا وَقيل يطْرَح على الأَرْض حَتَّى يسيل صديده وَالله أعلم قَالَ
(وَمن تَابَ مِنْهُم قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سَقَطت عِنْد الْحُدُود وَأخذ بالحقوق)
قَاطع الطَّرِيق يجب على الامام طلبه فَإِن هرب يتبعهُ إِلَى أَن يظفر بِهِ أَو يَتُوب فَإِن ظفر بِهِ قبل التَّوْبَة أَقَامَ عَلَيْهِ مَا يسْتَوْجب من الْعُقُوبَات الْمَذْكُورَة فَإِن تَابَ بعد الْقُدْرَة عَلَيْهِ لم تسْقط عَنهُ الْعُقُوبَات لمَفْهُوم الْآيَة الْكَرِيمَة هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَإِن تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط عَنهُ مَا يخْتَص بِقطع الطَّرِيق من الْعُقُوبَات لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب فَإِن كَانَ قد قتل سقط عَنهُ انحتام الْقَتْل وللولي أَن يقْتَصّ وَيَعْفُو وَإِن كَانَ قد قتل وَأخذ المَال سقط الصلب وانحتام الْقَتْل وَبَقِي الْقصاص وَضَمان المَال وَإِن كَانَ قد أَخذ المَال سقط قطع الرجل وَكَذَا قطع الْيَد على الْمَذْهَب وَأخذ المَال وَهُوَ معنى قَول الشَّيْخ سقط عَنهُ الْحُدُود أَي انحتامها لِأَنَّهَا حُقُوق الله تَعَالَى وَبقيت حُقُوق الْآدَمِيّين من الْقصاص وَالْمَال فَإِنَّهَا لَا تسْقط إِن جعلنَا الْألف وَاللَّام فِي كَلَام الشَّيْخ للْعهد وَإِن جعلناها للْجِنْس وَكَانَ على قَاطع الطَّرِيق حُدُود أُخْرَى كَالزِّنَا وَشرب الْخمر فَهَل تسْقط عَنهُ أَيْضا فِيهِ قَولَانِ رجح جمَاعَة من