المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما تجب فيه الزكاة وشرائط وجوبها فيه - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: ‌باب ما تجب فيه الزكاة وشرائط وجوبها فيه

‌كتاب الزَّكَاة

‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

(تجب الزَّكَاة فِي خَمْسَة أَشْيَاء الْمَوَاشِي والأثمان والزروع وَالثِّمَار وعروض التِّجَارَة)

الزَّكَاة فِي اللُّغَة النمو وَالْبركَة وَكَثْرَة الْخَيْر يُقَال زكا الزَّرْع إِذا نما وزكا فلَان أَي كَثْرَة بره وخيره

وَهِي فِي الشَّرْع اسْم لقدر من المَال مَخْصُوص يصرف لأصناف مَخْصُوصَة بشرائط وَسميت بذلك لِأَن المَال يَنْمُو ببركة إخْرَاجهَا ودعا الْآخِذ قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَأُولَئِك هم المضعفون}

ثمَّ وجوب الزَّكَاة ثَابت بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} وَمن السّنة حَدِيث

(بني الْإِسْلَام على خمس) وَمِنْهَا الزَّكَاة وَلِهَذَا كَانَت أحد أَرْكَان الْإِسْلَام

فَمن جَحدهَا كفر إِلَّا أَن يكون قريب عهد بِالْإِسْلَامِ فَيعرف وَمن منعهَا وَهُوَ يعْتَقد وُجُوبهَا أخذت مِنْهُ قهرا

ثمَّ الزَّكَاة نَوْعَانِ

أَحدهَا يتَعَلَّق بِالْبدنِ وَهِي زَكَاة الْفطر وَسَتَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي محلهَا

ص: 168

وَالثَّانِي يتَعَلَّق بِالْمَالِ وَهِي هَذِه الْأُمُور الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ وَسَتَأْتِي مفصلة فِي محلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم قَالَ

(فَأَما الْمَوَاشِي فَتجب الزَّكَاة فِي ثَلَاثَة أَجنَاس مِنْهَا وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم)

دَلِيل وُجُوبهَا فِي هَذِه الثَّلَاثَة الاجماع وَغَيره وَالْمعْنَى فِي تخصيصها كثرتها وَكَثْرَة نمائها وَكَثْرَة الِانْتِفَاع بهَا مَعَ كَونهَا مأكولة فاحتملت الْمُوَاسَاة بِخِلَاف غَيرهَا وَبِأَن الأَصْل عدم وُجُوبهَا فِي غَيرهَا إِلَّا مَا ثَبت بِدَلِيل خَاص قَالَ

(وشرائط وُجُوبهَا سِتَّة أَشْيَاء الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب والحول والسوم)

مَتى اجْتمعت هَذِه الشُّرُوط فَلَا نزاع فِي وجوب الزَّكَاة وَلَعَلَّ الاجماع مُنْعَقد على ذَلِك

وَاحْترز الشَّيْخ بِالْإِسْلَامِ عَن الْكفْر فالكافر إِن كَانَ أَصْلِيًّا فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ لمَفْهُوم قَول الصّديق رضي الله عنه هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْمُسلمين وَلِأَن الْكَافِر لَا يُطَالب بهَا فِي حَال الْكفْر وَلَا بعد الْإِسْلَام فَأَشْبَهت الصَّلَاة وَأما الْمُرْتَد فَلَا يسْقط عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَام وَإِن حَال الْحول على مَاله وَهُوَ مُرْتَد فَفِيهِ خلاف الصَّحِيح أَنه يَبْنِي على أَقْوَال ملكه وَالصَّحِيح أَن مَاله مَوْقُوف فَإِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام وَجَبت وَإِلَّا فَلَا

وَاحْترز الشَّيْخ بِالْحُرِّيَّةِ عَن الرّقّ فَلَا تجب الزَّكَاة على العَبْد لِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ وَلَو ملكه السَّيِّد أَو غَيره مَالا لَا يمكلكه

على الصَّحِيح وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد كالقن وَأما الْمكَاتب فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ أَيْضا لِأَن ملكه ضَعِيف وَلَا على السَّيِّد لِأَن الْمكَاتب مَعَ قدرته على التَّصَرُّف فِي المَال لَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فَلِأَن لَا تجب على السَّيِّد أولى فَإِن عتق وَفِي يَده مَال ابْتَدَأَ الْحول فَإِن عجز نَفسه وَصَارَ مَاله لسَيِّده ابْتَدَأَ السَّيِّد الْحول عَلَيْهِ

وَاحْترز الشَّيْخ بِالْملكِ التَّام عَن الْملك الضَّعِيف فَلَا تجب فِيهِ الزَّكَاة

وَيظْهر ذَلِك بِذكر صور فَإِذا وَقع مَاله فِي مضيعة أَو سرق أَو غصب أَو أودعهُ عِنْد شخص فجحده فَهَل تجب الزَّكَاة فِيهِ خلاف الْقَدِيم لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة لضعف الْملك بِمَنْع التَّصَرُّف فَأشبه مَال الْمكَاتب والجديد الْأَظْهر أَنَّهَا تجب لِأَن ملكه مُسْتَقر عَلَيْهِ فعلى هَذَا لَا تجب إِخْرَاج الزَّكَاة قبل عود المَال حَتَّى لَو تلف فِي زمَان الْحَيْلُولَة بعد مُضِيّ أَحْوَال سَقَطت الزَّكَاة وَمن الصُّور الدّين الثَّابِت على الْغَيْر وَله أَحْوَال أَحدهَا أَن لَا يكون لَازِما كَمَال الْمُكَاتبَة فَلَا زَكَاة فِيهِ لضعف الْملك

ص: 169

الْحَالة

الثَّانِيَة أَن يكون لَازِما وَهُوَ مَاشِيَة بِأَن أقْرضهُ أَرْبَعِينَ شَاة أَو أسلم إِلَيْهِ فِيهَا وَكَذَا النّصاب فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَمضى عَلَيْهِ حول قبل قَبضه فَلَا زَكَاة لِأَن السّوم شَرط وَمَا فِي الذِّمَّة لَا يَتَّصِف بالسوم وَلِأَن الزَّكَاة إِنَّمَا تجب فِي المَال النامي والماشية فِي الذِّمَّة لَا تنمو بِخِلَاف الدَّرَاهِم الثَّابِتَة فِي الذِّمَّة فَإِن سَبَب الزَّكَاة فِيهَا كَونهَا معدة للصرف

الْحَالة الثَّالِثَة أَن يكون الدّين دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو عرُوض تِجَارَة فَفِي وجوب الزَّكَاة قَولَانِ الْقَدِيم لَا زَكَاة فِي الدّين بِحَال لضعف التَّصَرُّف فِيهِ فَأشبه مَال الْكِتَابَة وَالْمذهب الصَّحِيح الْمَشْهُور وجوب الزَّكَاة فِيهِ فِي الْجُمْلَة وتفصيلة إِن كَانَ مُتَعَذر الِاسْتِيفَاء لإعسار من عَلَيْهِ أَو جحوده وَلَا بَيِّنَة لَهُ عَلَيْهِ أَو مطله أَو غيبته فَهُوَ كالمغصوب وَقد مر وَإِن لم يتَعَذَّر الِاسْتِيفَاء بِأَن كَانَ على ملىء باذل أَو على جَاحد عَلَيْهِ بَيِّنَة فَإِن كَانَ حَالا وَجَبت الزَّكَاة وَوَجَب إخْرَاجهَا فِي الْحَال لِأَنَّهُ مَال حَاضر وَإِن كَانَ مُؤَجّلا فَهُوَ كالمغصوب وَلَا يجب الْإِخْرَاج حَتَّى يقبضهُ على الْأَصَح

(فرع) قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب لَو اشْترى مَالا زكوياً فَلم يقبضهُ حَتَّى مضى الْحول وَهُوَ فِي يَد البَائِع فَالْمَذْهَب وجوب الزَّكَاة على المُشْتَرِي وَبِه قطع الْجُمْهُور لتَمام الْملك وَقيل لَا تجب قطعا لضَعْفه وتعرضه للإنفساخ وَمنع تفرقه وَقيل فِيهِ الْخلاف فِي الْمَغْصُوب

وَمن الصُّور المَال الْمُلْتَقط فِي السّنة الأولى بَاقٍ على ملك الْمَالِك فَلَا زَكَاة فِيهِ على الْمُلْتَقط وَفِي وُجُوبهَا على الْمَالِك الْخلاف فِي الْمَغْصُوب والضال وَهَذَا إِذا لم يعرفهَا فَإِن عرفهَا وَمضى الْحول وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إِن الْمُلْتَقط لَا بُد من اخْتِيَاره للتَّمَلُّك بعد التَّعْرِيف نظر إِن لم يتملكها فَهِيَ بَاقِيَة على ملك الْمَالِك وَفِي وجوب الزَّكَاة عَلَيْهِ طَرِيقَانِ أصَحهمَا على الْقَوْلَيْنِ كالسنة الأولى وَالثَّانِي لَا زَكَاة قطعا لتسلط الْمُلْتَقط عَلَيْهَا فِي التَّمَلُّك

وَمن صور الدّين وَنَذْكُر مَا يَتَّضِح بِهِ عدم الْملك التَّام ونشير إِلَيْهِ فَإِذا كَانَ شخص لَهُ مَال تجب فِيهِ الزَّكَاة وَعَلِيهِ دُيُون قدر مَاله أَو أَكثر فَهَل يمْنَع الدّين أَو لَا ولوجوب الزَّكَاة فِيهِ أَقْوَال أظهرها وَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي أَكثر كتبه الجديدة أَنه لَا يمْنَع وُجُوبهَا سَوَاء كَانَ الدّين مُؤَجّلا أَو حَالا وَسَوَاء كَانَ من جنس المَال أم لَا فعلى هَذَا لَو حجر عَلَيْهِ القَاضِي فِي مَاله وَحَال الْحول فِي الزَّمن الْحجر فَهُوَ كالمغصوب فَفِيهِ الْخلاف وَهَذَا إِذا لم يعين القَاضِي لكل غَرِيم شَيْئا فَإِن عين وسلطه على أَخذه فَلم يتَّفق الْآخِذ حَتَّى حَال الْحول فَالْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور أَنه لَا زَكَاة عَلَيْهِ لضعف ملكه بتسلط الْغُرَمَاء وَقيل فِيهِ خلاف الْمَغْصُوب وَهنا صور كَثِيرَة لَا نطول بذكرها إِذْ الْكتاب مَوْضُوع على افيجاز وَإِلَّا فَفِي الْقلب شَيْء من عدم الْبسط هُنَا وَفِي غَيره وَالله أعلم

ص: 170

وَأما النّصاب فَفِيهِ احْتِرَاز عَمَّا إِذا ملك دون النّصاب فَهَذَا لَا زَكَاة فِيهِ فَلَا تجب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم حَتَّى يكمل النّصاب من كل نوع على مَا يَأْتِي

وَأما الْحول فَفِيهِ احْتِرَاز عَمَّا إِذا ملك نِصَابا أَو أَكثر وَلم يحل عَلَيْهِ الْحول فَإِنَّهُ لَا تجب أَيْضا الزَّكَاة لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول) وَأجْمع عَلَيْهِ التابعون وَالْفُقَهَاء قَالَ الماوري وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْأَصْحَاب وَسمي حولا لِأَنَّهُ ذهب وأتى غَيره

الشَّرْط السَّادِس السّوم وَهُوَ الرَّعْي فِي الْكلأ الْمُبَاح وَاحْتج لَهُ بِكِتَاب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

(فِي صَدَقَة الْغنم وَفِي سَائِمَة الْغنم إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة) فَدلَّ بمفهومه على أَنه لَا زَكَاة فِي المعلوفة وَوجه الْوُجُوب فِي السَّائِمَة أَن مؤنتها لما توفرت بالسوم احتملت الْمُوَاسَاة بِخِلَاف المعلوفة ثمَّ إِن علفت مُعظم الْحول فَلَا زَكَاة لِكَثْرَة الْمُؤْنَة وَإِن علفت النصق فَمَا دونه فَالصَّحِيح إِن علفت قدرا تعيش بِدُونِهِ بِلَا ضَرَر بَين وَجَبت الزَّكَاة لحلفة الْمُؤْنَة وَإِن كَانَت لَا تعيش بِدُونِهِ أَو تعيش وَلَكِن بِضَرَر بَين فَلَا زَكَاة لظُهُور الْمُؤْنَة ثمَّ مَحل الْخلاف إِذا علفت بِلَا قصد فَإِن علفت على قصد قطع السّوم فَيَنْقَطِع بِهِ بِلَا خلاف وَإِن قل وَقد نَص على ذَلِك الشَّافِعِي وَلَو اعتلفت السَّائِمَة الْقدر الْمُؤثر من الْعلف فَلَا زَكَاة لحُصُول الْمُؤثر وَقيل تجب لِأَنَّهُ لم يَقْصِدهُ

وَاعْلَم أَن الصَّحِيح اشْتِرَاط قصد السّوم دون الْعلف فاعرفه وَلَو علف سَائِمَة لِامْتِنَاع الرَّعْي بالثلج وَنَحْوه وَقصد الاسامة عِنْد الْإِمْكَان فَلَا زَكَاة على الْأَصَح لحُصُول الْمُؤْنَة والسائمة العاملة فِي حرث أَو نضح أَو نقل أَمْتعَة أَو نَحْو ذَلِك لَا زَكَاة فِيهَا لِأَنَّهَا معدة لاستعمال مُبَاح فَأَشْبَهت ثِيَاب الْبدن وَلَا فرق بَين أَن تعْمل للْمَالِك أَو بِالْأُجْرَةِ وَالله أعلم قَالَ

(وَأما الأثملن فشيئان الذَّهَب وَالْفِضَّة وشرائط وجوب الزَّكَاة فيهمَا خمس الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب والحول) من ملك نِصَابا من الْفضة أَو الذَّهَب حولا كَامِلا وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة عِنْد وجود هَذِه الشُّرُوط وَنصب الْفضة مِائَتَا دِرْهَم قَالَ ابْن الْمُنْذر بِالْإِجْمَاع وَقد ورد

(لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ

ص: 171

صَدَقَة وَكَانَت الْأُوقِيَّة فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ وَقد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث وَلَا فرق فِي الْفضة بَين المضروبة وَغَيرهَا كالقراضة والتبر والسبائك وَبَعض الْحل على مَا يَأْتِي وَالله أعلم وَأما الذَّهَب فنصابه عشرُون مِثْقَالا وَيَأْتِي تَتِمَّة هَذَا عِنْد الْموضع الَّذِي يذكرهُ الشَّيْخ قَالَ

(وَأما الزروع فَتجب فِيهَا الزَّكَاة بِثَلَاثَة شَرَائِط أَن يكون مِمَّا يزرعه الآدميون وَأَن يكون قوتاً مدخراً وَأَن يكون نِصَابا)

تجب الزَّكَاة فِي الْحُبُوب بِشَرْط أَن تكون مِمَّا يقتات فِي حَال الِاخْتِيَار والقوت عبارَة عَمَّا يسْتَمْسك فِي الْمعدة وَأَن يكون مِمَّا ينبته الآدميون أَي يزرع جنسه الآدميون وَكَذَا الَّذِي ينْبت بِنَفسِهِ كَمَا إِذا تناثر حب لمن تلْزمهُ الزَّكَاة أَو حمله المَاء أَو الْهَوَاء وَإِن لم يزرعه الْآدَمِيّ ذَلِك كالحنطة وَالشعِير والذرة والدخن والأرز والماش والعدس وَمَا أشبه ذَلِك وَكَذَا القطنية أَي القطاني كالعدس والحمص والماش والباقلاء وَهِي الفول واللوبيا والهريظان وَهُوَ الجلبان وَقد ثَبت وجوب الزَّكَاة فِي بعض هَذَا وقسنا عَلَيْهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} وَوجه اخْتِصَاص وُجُوبهَا بِمَا يقتات لِأَن الاقتيات ضَرُورِيّ لَا حَيَاة بِدُونِهِ فَلذَلِك أوجب الشَّارِع صلى الله عليه وسلم مِنْهَا شَيْئَيْنِ لأرباب الضرورات بِخِلَاف مَا لَا يقتات من الإبزار كالكمون والكراويا وَكَذَا الخضروات كالقثاء والبطيخ وَنَحْو ذَلِك فَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ لِأَن أكله تتمات وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من وجوب النّصاب وَقدر النّصاب يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَول الشَّيْخ مدخراً كَذَا شَرطه الْعِرَاقِيُّونَ وَالله أعلم قَالَ

(وَأما الثِّمَار فَتجب الزَّكَاة شَيْئَيْنِ مِنْهَا ثَمَر النّخل وثمر الْكَرم وشرائط وجوب الزَّكَاة فِيهَا أَرْبَعَة أَشْيَاء الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب)

من ملك من ثَمَر النّخل وَالْكَرم مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ متصف بِهَذِهِ الشُّرُوط وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع قَالَ بعض الشُّرَّاح وَفِي الحَدِيث

(أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يخرص الْعِنَب كَمَا يخرص النّخل وَتُؤْخَذ زَكَاته زبيباً كَمَا تُؤْخَذ صَدَقَة النّخل تَمرا) وَقدر النّصاب سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَوجه اخْتِصَاص التَّمْر وَالزَّبِيب أَنَّهُمَا يقتاتان فأشبها الْحبّ بِخِلَاف غَيرهمَا من الثِّمَار فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُؤْكَل تلذذاً أَو تنعماً أَو تأدماً فَلَيْسَ بضروري فَلَا تلِيق بِهِ الْمُسَاوَاة الْوَاجِبَة وَذَلِكَ كالكمثرى

ص: 172

وَالرُّمَّان والخوخ والسفرجل والتين قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة لَا تجب فِي التِّين بِلَا خلاف

قلت الْجَزْم بِعَدَمِ الْوُجُوب فِي التِّين مَمْنُوع فَفِيهِ مقَالَة بِالْوُجُوب بل هُوَ فِي معنى الزَّبِيب بل أولى لِأَنَّهُ قوت أَكثر من الزَّبِيب فَإِن صَحَّ الحَدِيث فِي الْعِنَب فالتين فِي مَعْنَاهُ وَإِن لم يَصح وَهُوَ الَّذِي ادّعى غير التِّرْمِذِيّ أَنه مُنْقَطع بل قَالَ البُخَارِيّ إِنَّه غير مَحْفُوظ لِأَنَّهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيقين وَفِي كل مِنْهُمَا قَادِح وَحِينَئِذٍ فَإِن ألحق الْعِنَب بِالنَّخْلِ فالتين مثله وَأولى وَلَا يمْتَنع ذَلِك أَلا ترى أَنا ألحقنا بِالْحِنْطَةِ الشّعير وَمَا اشْترك مَعَهُمَا فِي القوتية وَإِن لم يكن فِيهِ قُوَّة الاقتيات الَّتِي فيهمَا وَقد يُجَاب بِأَن التِّين لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْخرص وَالله أعلم وَلَا تجب فِي الْجَوْز واللوز والموز والمشمش وَكَذَا الزَّيْتُون على الْجَدِيد الصَّحِيح وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم قَالَ

(وَأما عرُوض التِّجَارَة فَتجب الزَّكَاة فِيهَا بالشرائط الْمَذْكُورَة فِي الْأَثْمَان)

الْعرُوض مَا عدا النَّقْدَيْنِ فَكل عرض أعد للتِّجَارَة بشروطها وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة وَاحْتج لوُجُوب الزَّكَاة بقوله تَعَالَى {أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} قَالَ مُجَاهِد نزلت فِي التِّجَارَة وَفِي السّنة أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ

(فِي الْبَز صدقتها) والبز يُطلق على الثِّيَاب الْمعدة للْبيع عِنْد البزازين وَزَكَاة الْعين لَا تجب فِي الثِّيَاب فَتعين الْحمل على زَكَاة التِّجَارَة وَالله أعلم

وَاعْلَم أَنه يشْتَرط مَعَ مَا ذكره الشَّيْخ من الشُّرُوط أَنه لَا بُد من كَون الْعرُوض تصير مَال تِجَارَة وَأَن يقْصد الاتجار عِنْد اكْتِسَاب ملك الْعرُوض وَلَا بُد أَن يكون الْملك بمعاوضة مَحْضَة فَلَو كَانَ فِي ملكه عرُوض قنية فَجَعلهَا فِي التِّجَارَة لم تصر عرُوض تِجَارَة على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الجماهير سَوَاء دخلت فِي ملكه بِإِرْث أَو هبة أَو شِرَاء وَقَوْلنَا بمعاوضة مَحْضَة يَشْمَل مَا إِذا دخل فِي ملكه بِالشِّرَاءِ سَوَاء اشْترى بِعرْض أَو نقد أَو دين حَال مُؤَجل وَإِذا ثَبت حكم التِّجَارَة لَا يحْتَاج فِي كل مُعَاملَة إِلَى نِيَّة جَدِيدَة وَفِي معنى الشِّرَاء لَو صَالح على دين لَهُ فِي ذمَّة إِنْسَان على عرُوض بنية التِّجَارَة فَإِنَّهُ يصير مَال تِجَارَة لقصد التِّجَارَة وَقت دُخُوله فِي ملكه بمعاوضة مَحْضَة بِخِلَاف الْهِبَة الْمَحْضَة الَّتِي لَا ثَوَاب فِيهَا وَكَذَا الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وَالْإِرْث فَلَيْسَتْ من أَسبَاب التِّجَارَة وَلَا أثر لاقتران النِّيَّة بذلك وَكَذَلِكَ الرَّد بِالْغَيْبِ والاسترداد حَتَّى لَو بَاعَ عرضا للْقنية بِعرْض للْقنية ثمَّ وجد بِمَا أَخذه عَيْبا فَرده وَقصد الْمَرْدُود عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ للتِّجَارَة لم يصر مَال تِجَارَة وَكَذَا لَو كَانَ عِنْده ثوب للْقنية فَاشْترى بِهِ عبدا للتِّجَارَة ثمَّ رد عَلَيْهِ الثَّوْب بِالْعَيْبِ انْقَطع حول التِّجَارَة وَلم يكن الثَّوْب الْمَرْدُود مَال تِجَارَة بِخِلَاف مَا لَو كَانَ للتِّجَارَة فَإِنَّهُ يبْقى حكم التِّجَارَة وَكَذَا لَو تبَايع

ص: 173