الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْعتْق
الْعتْق فِي الشَّرْع عبارَة عَن إِزَالَة الْملك عَن الْآدَمِيّ لَا إِلَى مَالك تقرباً إِلَى الله تَعَالَى مَأْخُوذ من قَوْلهم عتق الْفرس إِذا سبق وَنَجَا وَعتق الفرخ إِذا طَار واستقل وَقَوي وَهُوَ قربَة مَنْدُوب إِلَيْهَا بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {فك رَقَبَة} وَورد أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ من أعتق رَقَبَة أعتق الله سُبْحَانَهُ بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّار حَتَّى فرجه بفرجه وَغير ذَلِك من الْأَخْبَار وخصت الرَّقَبَة بِالذكر لِأَن ملك السَّيِّد لَهُ كالحبل فِي رقبته فَهُوَ محبس بِهِ كَمَا تحبس الدَّابَّة بِحَبل فِي عُنُقهَا فَإِذا أعتق فَكَأَنَّهُ أطلق من ذَلِك لِأَن فِي الْعتْق فكاكاً من الذل وتكميلاً للْأَحْكَام وَالتَّصَرُّف فَكَانَ من أعظم الْقرب وأجزل النعم وَالله أعلم قَالَ
(وَيصِح الْعتْق من كل مَالك جَائِز الْأَمر)
شَرط صِحَة الْعتْق أَن يكون الْمُعْتق مُطلق التَّصَرُّف فِي مَاله سَوَاء كَانَ مُسلما أَو ذِمِّيا أَو حَرْبِيّا لِأَنَّهُ تصرف فِي المَال فِي حَال الْحَيَاة فَأشبه الْهِبَة أما من لَيْسَ بِمَالك وَلَا مَالك التَّصَرُّف فَلَا يَصح إِعْتَاقه لعدم سلطته على ذَلِك نعم لنا قَول فِي صِحَة عتق الْمُفلس وَيكون مَوْقُوفا على فك الْحجر وَلنَا وَجه فِي صِحَة عتق السَّفِيه وَالصَّبِيّ فِي مرض الْمَوْت إِذا جَوَّزنَا وصيتهما وَالله أعلم قَالَ
(بِصَرِيح الْعتْق وَالْكِنَايَة مَعَ النِّيَّة)
قَوْله بِصَرِيح الْبَاء مُتَعَلقَة بيصح وَالْكِنَايَة مَعْطُوف عَلَيْهِ وَتَقْدِير الْكَلَام وَيصِح الْعتْق بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة بِالنِّيَّةِ وَوَجهه أَنَّهَا أَلْفَاظ تفِيد قطع الْملك فَأَشْبَهت الطَّلَاق ثمَّ صَرِيح الْعتْق الْعتْق
وَالْحريَّة لِأَنَّهُ ثَبت لَهما عرف الشَّرْع والاستعمال فَإِذا قَالَ أَعتَقتك أَو أَنْت مُعتق أَو حررتك أَو أَنْت مُحَرر أَو أَنْت حر عتق وَإِن لم يقْصد بذلك إِيقَاع الْعتْق لِأَن هزله جد كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر وَالله أعلم
(فرع) لشخص أمة كَانَت تسمى حرَّة قبل الْعتْق فَقَالَ لَهَا سَيِّدهَا يَا حرَّة إِن قصد النداء لم تعْتق وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أشبههما لَا تعْتق كَذَا ذكره ابْن الرّفْعَة وَالَّذِي ذكره النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة إِذا لم يقْصد نداءها باسمها الْقَدِيم عتق وَإِن قصد لم تعْتق فِي الْأَصَح وَلَو كَانَ اسْمهَا فِي الْحَال حرَّة فَإِن قصّ النداء لم تعْتق وَإِن أطلق فَكَذَا لَا تعْتق فِي الْأَصَح وَالله أعلم
قلت لَو قصد توبيخها فَمَا الحكم لم أرها فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة وَهِي مَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع وَفِي بعض الشُّرُوح عَن القَاضِي حُسَيْن أَنَّهَا لَا تعْتق وَالله أعلم
وَأما أَلْفَاظ الْكِنَايَة فكقوله لَا ملك لي عَلَيْك وَلَا سُلْطَان لي عَلَيْك وَلَا سَبِيل لي عَلَيْك وَأَنت لله وَأَنت طَالِق وَأَنت حرَام وحبلك على غاربك وَمَا أشبه ذَلِك كَقَوْلِه لَا حكم لي عَلَيْك وَلَا أمرا وَلَا يدا وَلَا خدمَة وَكَذَا لَو قَالَ أَنْت سَيِّدي فَهُوَ كِنَايَة عِنْد الإِمَام ولغو عِنْد القَاضِي حُسَيْن وكل كنايات الطَّلَاق وصرائحه كنايات فِي الْعتْق وَالْكِنَايَة كل مَا احْتمل مَعْنيين فَصَاعِدا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رضي الله عنه فِي الْأُم وَالله أعلم
(فرع) قَالَ لأمته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فكناية فِي الْأَصَح وَقيل لَغْو وَلَو قَالَ مَلكتك نَفسك أَو وَهبتك نَفسك فَالَّذِي جزم بِهِ القَاضِي حُسَيْن وَالْبَغوِيّ أَنه إِن قبلت فِي الْمجْلس عتقت وَإِلَّا فَلَا وَفِي التَّتِمَّة أَن مَلكتك رقبتك كِنَايَة وَنَقله الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر عَن الإِمَام وَالله أعلم قَالَ
(وَإِذا أعتق بعض عبد عتق جَمِيعه)
يجوز للشَّخْص أَن يعْتق بعض العَبْد كَمَا أَن لَهُ يعْتق جَمِيعه فَإِذا عتق بعضه عتق كُله وَاحْتج لَهُ بِأَن شخصا أعتق شِقْصا من غُلَام فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَيْسَ لله شريك وَفِي رِوَايَة هُوَ حر كُله وَلِأَنَّهُ لَو ملك بعضه فَأعْتقهُ وَهُوَ مُوسر عتق عَلَيْهِ كُله كَمَا سَيَأْتِي فَإِذا ملك جَمِيعه كَانَ أولى وَالله أعلم قَالَ
(فَإِن أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَهُوَ مُوسر سرى الْعتْق إِلَى بَاقِيه وَعَلِيهِ قيمَة نصيب شَرِيكه)
إِذا أعتق شريك فِي عبد وحصت الشَّرِيك قَابِلَة لِلْعِتْقِ وَكَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا حَالَة الْعتْق بِنَصِيب الشَّرِيك قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه ويسري الْعتْق إِلَيْهِ وَإِن كَانَ مُعسرا عتق نصِيبه ورق الْبَاقِي