المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الدماء الواجبة في الإحرام - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: ‌باب الدماء الواجبة في الإحرام

يتَوَقَّف الْحَج عَلَيْهِ لِأَن مَاهِيَّة الْحَج لَا تحصل إِلَّا بِجَمِيعِ أَرْكَانه والماهية تفوت بِفَوَات جزئها وكما لَو تَمَادى فِي الصَّلَاة قبل الاتيان بِتمَام أَرْكَانهَا فَإِنَّهُ لَا يخرج مِنْهَا إِلَّا بِجَمِيعِ ماهيتها وَالله أعلم

‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

فصل والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام خَمْسَة أَشْيَاء أَحدهَا الدَّم الْوَاجِب بترك نسك وَهُوَ على التَّرْتِيب شَاة فَإِن لم يجد فَصِيَام عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله

اعْلَم أَن الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْمَنَاسِك سَوَاء تعلّقت بترك وَاجِب أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ أَي فعل حرَام فواجبها شَاة إِلَّا فِي الْجِمَاع فَالْوَاجِب بَدَنَة وَلَا يُجزئ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِلَّا مَا يُجزئ فِي الْأُضْحِية إِلَّا فِي جَزَاء الصَّيْد فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْمثل فِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الْكَبِير كَبِير ثمَّ هَذِه الْكَفَّارَات قد يكون فِيهَا مَا يجب فِيهِ التَّرْتِيب وَقد يكون فِيهَا مَا يجب فِيهِ التَّخْيِير وَمعنى التَّرْتِيب أَنه يجب عَلَيْهِ الذّبْح وَلَا يجوز الْعُدُول عَنهُ إِلَى غَيره إِلَّا إِذا عجز عَنهُ وَمعنى التخييز أَنه يجوز لَهُ الْعُدُول عَنهُ إِلَى غَيره مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ ثمَّ إِن الدَّم قد يجب على سَبِيل التَّقْدِير مَعَ ذَلِك يَعْنِي أَن الشَّرْع قدر الْبَدَل المعدول إِلَيْهِ ترتيباً كَانَ أَو تخييراً لَا يزِيد وَلَا ينقص وَقد يجب الدَّم على سَبِيل التَّعْدِيل وَمعنى التَّعْدِيل أَنه أَمر فِيهِ بالتقويم والعدول إِلَى غَيره بِحَسب الْقيمَة إِذا عرفت هَذَا فالدم الْمُتَعَلّق بترك المأمورات وَهُوَ معنى قَول الشَّيْخ بترك نسك كَتَرْكِ الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَترك الرَّمْي وَالْمَبِيت بِمُزْدَلِفَة لَيْلَة الْعِيد وكذل ترك الْمبيت بمنى ليَالِي التَّشْرِيق وَطواف الْوَدَاع وَفِي هَذَا الدَّم أَرْبَعَة أوجه الصَّحِيح وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَكثير من غَيرهم أَنه دم تَرْتِيب وَتَقْدِير كَدم التَّمَتُّع وَالْقرَان وَالتَّرْتِيب كَمَا ذكره الشَّيْخ أَنه يجب عَلَيْهِ شَاة فَإِن لم يجدهَا أَلْبَتَّة أَو وجدهَا بِثمن غال عدل إِلَى الصَّوْم وَهُوَ عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله وَالْمرَاد الرُّجُوع إِلَى الوطن والأهل فَإِن توطن بِمَكَّة بعد فَرَاغه من الْحَج صَامَ بهَا وَإِن لم يتوطنها لم يجز صَوْمه بهَا وَلَا يجوز صَومهَا فِي الطَّرِيق على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَا يَصح صَوْم شَيْء من السَّبْعَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق بِلَا خلاف وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا قَابِلَة للصَّوْم لِأَنَّهُ يعد فِي الْحَج وَلَو لم يتَّفق أَنه صَامَ الثَّلَاثَة فَرجع لزمَه صَوْم الْعشْرَة وَيجب التَّفْرِيق أَيْضا على الصَّحِيح وَفِي قدره أَقْوَال الرَّاجِح أَنه يفرق بأَرْبعَة أَيَّام وَمُدَّة إِمْكَان السّير إِلَى أَرض الوطن فَلَو لم يصم وَكَانَ قد تمكن مِنْهُ حَتَّى مَاتَ فَقَوْلَانِ الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه كَصَوْم رَمَضَان والجديد يطعم عَنهُ من تركته لكل يَوْم مدا فَإِن كَانَ تمكن من الْعشْرَة أَيَّام فعشرة أَمْدَاد وَإِلَّا فبالقسط وَهَذَا معنى التَّقْدِير وَلَا يتَعَيَّن صرف الأمداد إِلَى فُقَرَاء الْحرم على الْأَظْهر وَقد صحّح فِي الْمُحَرر وَتَبعهُ فِي الْمِنْهَاج أَن هَذَا الدَّم دم تَرْتِيب وتعديل فَتجب الشَّاة فَإِن عجز اشْترى بِقِيمَة الشَّاة طَعَاما وَتصدق بِهِ فَإِن عجز صَامَ عَن كل مد يَوْمًا

ص: 226

وَهَذَا خلاف مَا فِي الشرحين وَالرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذّب فاعرفه وَالله أعلم قَالَ

(وَالثَّانِي الدَّم الْوَاجِب بِالْحلقِ والترفه وَهُوَ على التَّخْيِير شَاة أَو صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام أَو التَّصَدُّق بِثَلَاثَة آصَع على سِتَّة مَسَاكِين)

من حلق جَمِيع رَأسه أَو ثَلَاث شَعرَات أَو فعل فِي الْأَظْفَار مثل ذَلِك لزمَه الْفِدْيَة بِدَم وَهُوَ دم تَخْيِير وَتَقْدِير فَيتَخَيَّر بَين أَن يذبح شَاة وَبَين أَن يتَصَدَّق بِثَلَاثَة آصَع على سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع من طَعَام وَبَين أَن يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام

هَذَا هُوَ الْمَذْهَب فِي وَجه لَا يتَقَدَّر مَا يعْطى كل مِسْكين وَالْأَصْل فِي التَّخْيِير قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} التَّقْدِير فحلق شعر رَأسه ففدية ثمَّ إِن كل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة قد ورد بَيَانه فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ

(أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك قَالَ نعم قَالَ انسك شَاة أَو صم ثَلَاثَة أَيَّام أَو أطْعم فرقا من الطَّعَام على سِتَّة مَسَاكِين) وَالْفرق بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء الْمُهْملَة ثَلَاثَة آصَع فقد ورد النَّص فِي الشّعْر والقلم فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا بَقِيَّة الاستمتاعات كالطيب والادهان واللبس ومقدمات الْجِمَاع على الْأَصَح لإشتراك الْكل فِي الترفه وَالله أعلم قَالَ

وَالثَّالِث الدَّم الْوَاجِب بالإحصار فيتحلل وَيهْدِي شَاة)

الْحَاج أَو الْمُعْتَمِر إِذا حصر أَي منع من إتْمَام نُسكه كَانَ فِي الْحل أَو الْحرم وَلم يجد طَرِيقا غَيره وَسَوَاء كَانَ الْمَانِع مُسلما أَو كَافِرًا تحلل وَيشْتَرط نِيَّة التَّحَلُّل ويذبح هَديا حَيْثُ أحْصر وَأقله شَاة تُجزئ فِي الْأُضْحِية لقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} تَقْدِير الْآيَة فَإِن أحصرتم فلكم التَّحَلُّل وَعَلَيْكُم مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه عليه الصلاة والسلام تحلل بِالْحُدَيْبِية لما صده الْمُشْركُونَ وَكَانَ محرما بِالْعُمْرَةِ وكما يشْتَرط نِيَّة التَّحَلُّل فِي ذبح الْهدى فَكَذَا الْحلق إِذا جَعَلْنَاهُ نسكا وَهُوَ الْأَصَح وَلَا بُد من تَقْدِيم الذّبْح على الْحلق لقَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وَقد صرح بذلك الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره وَالله أعلم قَالَ

(وَالرَّابِع الدَّم الْوَاجِب بقتل الصَّيْد وَهُوَ على التَّخْيِير إِن كَانَ الصَّيْد مِمَّا لَهُ مثل أخرج مثله

ص: 227

من النعم وَالْغنم وَإِن لم يكن لَهُ مثل قومه وَأخرج بِقِيمَتِه طَعَاما وَيتَصَدَّق بِهِ فَإِن لم يجد صَامَ عَن كل مد يَوْمًا)

الصَّيْد إِذا قَتله الْمحرم وَكَانَ مثلِيا تخير بَين ذبح مثله وَالتَّصَدُّق بِهِ على مَسَاكِين الْحرم وَبَين أَن يقوم الْمثل دَرَاهِم وَيَشْتَرِي بهَا طَعَاما لَهُم أَو يَصُوم عَن كل مد يَوْمًا لقَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} وَهَذَا فِي الَّذِي يُسمى دم تَخْيِير وتعديل أما التَّخْيِير فَوَاضِح وَأما التَّعْدِيل فَقَوله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} هَذَا فِي الْمثْلِيّ

أما غير الْمثْلِيّ فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يتَصَدَّق بِقِيمَتِه طَعَاما أَو يَصُوم عَن كل مد يَوْمًا كالمثلي فتخييره بَين هَاتين الخصلتين وَالْعبْرَة فِي هَذِه الْقيمَة بِموضع الْإِتْلَاف لَا بِمَكَّة على الْأَصَح قِيَاسا على كل متْلف بِخِلَاف الصَّيْد الْمثْلِيّ فَإِن الْأَصَح فِيهِ إعتبار الْقيمَة بِمَكَّة يَوْم الْإِخْرَاج لِأَنَّهَا مَحل الذّبْح فَإِذا عدل عَنهُ إِلَى الْقيمَة إعتبرنا مَكَانَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت وَقَول الشَّيْخ من النعم وَالْغنم المُرَاد بِالنعَم الْبدن وَإِن كَانَ اسْم النعم يصدق عَلَيْهَا وعَلى الْبَقر وَالْغنم كَمَا مر فِي الزَّكَاة وَفِي الغزال غزال وَيدل لذَلِك الْآيَة الْكَرِيمَة وَفعل الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَلا ترى قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فَلَمَّا قيد سبحانه وتعالى بِالنعَم انْصَرف عَن الْجِنْس إِلَى الصُّورَة من النعم وَقد حكم جمع من الصَّحَابَة فِي غير مرّة فِي النعامة ببدنة وَفِي حمَار الْوَحْش وبقرة ببقرة وَقد قضى بذلك الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَقيل إِنَّمَا قضوا بِهِ فِي الْحمار وقيست الْبَقَرَة عَلَيْهِ وَفِي الضبع كَبْش أخبر بِهِ جَابر رضي الله عنه عَن قَضَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَذَا قضى بِهِ جمع من الصَّحَابَة والضبع الْأُنْثَى وَلَا يُقَال ضبعة وَالذكر ضبعان بِكَسْر الضَّاد وَإِسْكَان الْبَاء وقضت الصَّحَابَة فِي الغزال بعنز وَفِي الأرنب عنَاق حكم بذلك عمر رضي الله عنه وَعَطَاء والعناق الانثى من الْمعز إِذا لم يكمل سنة وَالذكر جدي وَفِي

ص: 228

الصَّغِير صَغِير وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الذّكر ذكر وَفِي الأثنى أُنْثَى وَفِي الصَّحِيح صَحِيح وَفِي المكسور مكسور رِعَايَة فِي كل ذَلِك للمماثلة الَّتِي اقتضتها الْآيَة وَالله أعلم قَالَ

(وَالْخَامِس الدَّم الْوَاجِب بِالْوَطْءِ وَهُوَ على التَّرْتِيب بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فسبع من الْغنم فَإِن لم يجد قوم الْبَدنَة وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا طَعَاما وَيتَصَدَّق بِهِ فَإِن لم يجد صَامَ عَن كل مد يَوْمًا)

هَذَا هُوَ الدَّم الْخَامِس وَهُوَ دم الْجِمَاع وَفِيه اخْتِلَاف كثير جدا للأصحاب وَالْمذهب أَنه دم تَرْتِيب وتعديل فَتجب الْبَدنَة أَولا فَإِن عجز عَنْهَا فبقرة فَإِن عجز عَنْهَا فسبع من الْغنم فَإِن عجز قوم الْبَدنَة بِدَرَاهِم وَالدَّرَاهِم بِطَعَام وَتصدق بِهِ فَإِن عجز صَامَ عَن كل مد يَوْمًا وَاحْتج لوُجُوب الْبَدنَة بِأَن عمر وَابْنه عبد الله رضي الله عنهما أفتيا بذلك وَكَذَا ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنهما وَأما الرُّجُوع إِلَى الْبَقَرَة والسبع من الْغنم لِأَنَّهُمَا فِي الْأُضْحِية كالبدنة وَأما الرُّجُوع إِلَى الْإِطْعَام فَلِأَن الشَّرْع عدل فِي جَزَاء الصَّيْد من الْحَيَوَان إِلَى الْإِطْعَام فَرجع إِلَيْهِ هُنَا عِنْد الْعذر فَلَو تصدق بِالدَّرَاهِمِ لم يجزه وَبِأَيِّ مَوضِع تعْتَبر الْقيمَة فِيهِ أوجه قيل بمنى وَقيل بِمَكَّة فِي أغلب الْأَوْقَات وَالثَّالِث بِموضع مُبَاشرَة السَّبَب وَالَّذِي جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَنه بِسعْر مَكَّة فِي حَال الْوُجُوب وَأما الَّذِي يدْفع إِلَى كل مِسْكين فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا فِي الرَّوْضَة أَنه غير مُقَدّر كَاللَّحْمِ

وَاعْلَم أَن وجوب الْبَدنَة مَحَله فِي الْجِمَاع الْمُفْسد لِلْحَجِّ أَو الْعمرَة أما إِذا جَامع بَين التحللين وَقُلْنَا لَا يفْسد الْحَج بذلك فَإِنَّهُ لَا يلْزمه بَدَنَة بل شَاة لِأَنَّهُ محرم لم يحصل بِهِ إِفْسَاد فَأشبه الاستمتاعات وَالله أعلم قَالَ

(وَلَا يُجزئهُ الْهَدْي وَلَا الْإِطْعَام إِلَّا فِي الْحرم وَيجزئهُ أَن يَصُوم حَيْثُ شَاءَ)

اعْلَم أَن الْهَدْي قد يكون عَن إحصار وَقد يكون عَن غَيره فَإِن كَانَ عَن إحصار فَلَا يشْتَرط بعث الدَّم الْوَاجِب بِسَبَبِهِ إِلَى الْحرم بل يذبحه حَيْثُ أحْصر لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذبح بِالْحُدَيْبِية وَهُوَ من الْحل وَمَا سَاقه من الْهَدْي حكمه حكم دم الاحصار وَأما الدَّم الْوَاجِب بِفعل حرَام أَو ترك وَاجِب فَيخْتَص ذبحه بِالْحرم فِي الْأَظْهر لقَوْله تَعَالَى {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

ص: 229

وَيجب صرف لَحْمه إِلَى مَسَاكِين الْحرم لِأَن الْمَقْصُود اللَّحْم إِذا لاحظ لَهُم فِي إِرَاقَة الدَّم وَلَا فرق فِي الْمَسَاكِين بَين المقيمين والطارئين نعم الصّرْف إِلَى المتوطنين أفضل فَلَو ذبح فِي الْحرم وسرق اللَّحْم سقط حكم الذّبْح وَبَقِي اللَّحْم فإمَّا أَن يذبح شَاة ثَانِيًا وَإِمَّا أَن يَشْتَرِي اللَّحْم وَلَو كَانَ يتَصَدَّق بالاطعام بَدَلا عَن الذّبْح وَجب تَخْصِيصه أَيْضا بمساكين الْحرم لِأَنَّهُ بدل اللَّحْم بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ حَيْثُ شَاءَ وَالْفرق أَنه لَا غَرَض للْمَسَاكِين فِي الصّيام فِي الْحرم بِخِلَاف الاطعام

وَأَقل مَا يَجْزِي أَن يدْفع الْوَاجِب إِلَى ثَلَاثَة من مَسَاكِين الْحرم إِن قدر فَإِن دفع إِلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَة على ثَالِث ضمن وَفِي قدر الضَّمَان وَجْهَان قيل الثُّلُث وَقيل مَا يَقع عَلَيْهِ الإسم وَتلْزَمهُ النِّيَّة عِنْد التَّفْرِقَة فَإِن فرق الطَّعَام فَهَل يتَعَيَّن لكل مِسْكين مد الرَّاجِح أَنه لَا يتَعَيَّن بل يجوز الزِّيَادَة على مد وَالنَّقْص مِنْهُ وَالله أعلم

(تَنْبِيه) كثير من المتفقهة وغالب المتصوفة وَجل الْعَوام يَعْتَقِدُونَ أَن عَرَفَات يجوز الذّبْح بهَا فَيذبحُونَ دم الْحَيَوَانَات بهَا وَكَذَا دم الْمُتَمَتّع وَالْقُرْآن ثمَّ ينقلون اللَّحْم إِلَى الْحرم وَهَذَا الذّبْح غير جَائِز فَلَا يَجْزِي فَليعلم ذَلِك وَالله أعلم قَالَ

(وَلَا يجوز قتل صيد الْحرم وَلَا قطع شَجَره للمحل وَالْمحرم مَعًا)

صيد حرم مَكَّة على الْمحرم والحلال وَكَذَا يحرم قطع نَبَاته كاصطياد صَيْده فَيحرم التَّعَرُّض لشجره بِالْقطعِ أَو الْقلع إِذا كَانَ رطبا غير مؤذ واحترزنا بالرطب عَن الْيَابِس فَإِنَّهُ لَا يحرم وَلَا جَزَاء فِيهِ كَمَا لَو قد صيدا مَيتا نِصْفَيْنِ واحترزنا بِقَيْد غير مؤذ عَن كل شَجَرَة ذَات شوك فَإِنَّهُ يجوز كالحيوان المؤذي فَلَا يتَعَلَّق بِقطع ضَمَان على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَالْحجّة على ذَلِك قَوْله صلى الله عليه وسلم يَوْم فتح مَكَّة

(إِن هَذَا الْبَلَد حرَام بِحرْمَة الله لَا يعضد شَجَره وَلَا ينفر صَيْده وَلَا تلْتَقط لقطته إِلَّا من عرفهَا وَلَا يخْتَلى خلاه قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول اله إِلَّا الأذخر فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم وَبُيُوتهمْ قَالَ إِلَّا الْإِذْخر) قَوْله عليه الصلاة والسلام

(لَا يعضد) مَعْنَاهُ لَا يقطع وَقَوله

(وَلَا يخْتَلى خلاه) مَعْنَاهُ لَا ينتزع بِالْأَيْدِي وَغَيرهَا كالمناجل والقين الْحداد وَمعنى كَونه لبيوتهم أَنهم يسقفونها بذلك فَوق الْخشب وَذَلِكَ يحث على فضل سكناهَا وَقَول الشَّيْخ وَلَا قطع شَجَره يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه يجوز أَخذ الْوَرق وَهُوَ كَذَلِك لَكِن لَا يخبطها مَخَافَة أَن يُصِيب قشورها وَلَو

ص: 230

أَخذ غصنا وَلم يخلق فَعَلَيهِ الضَّمَان وَإِن أخلف فِي تِلْكَ السّنة لكَون الْغُصْن لطيفاً كالسواك وَغَيره فَلَا ضَمَان كالأوراق وكما يحرم قطع الشّجر كَذَا يحرم قطع نَبَات الْحرم الَّذِي لَا يستنبت لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(وَلَا يخْتَلى خلاه) والخلا هُوَ الرطب من الْحَشِيش وَإِذا حرم الْقطع حرم الْقلع من بَاب أولى نعم يجوز تَسْرِيح الْبَهَائِم فِيهِ لترعى فَلَو أَخذه لعلف الْبَهَائِم جَازَ على الْأَصَح كَمَا يجوز تسريحها فِيهِ وَقيل لَا يجوز لظَاهِر الحَدِيث فعلى الْأَصَح لَو قطعه شخص ليَبِيعهُ مِمَّن يعلفه لم يجز قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَيسْتَثْنى مَا إِذا أَخذه للدواء أَيْضا على الْأَصَح لِأَن هَذِه الْحَاجة أهم من الْحَاجة إِلَى الأذخر وَيجوز قطع الغذخر لحَاجَة السقوف وَغَيرهَا للْحَدِيث الصَّحِيح وَهل يلْحق بَقِيَّة الْحَشِيش بالأذخر لأجل السّقف وَنَحْوه قَالَ الْغَزالِيّ فِيهِ الْخلاف فِي قطعه للدواء وَمُقْتَضَاهُ رُجْحَان الْجَوَاز وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الْحَاوِي الصَّغِير فَإِنَّهُ جوز الْقطع للْحَاجة مُطلقًا وَلم يَخُصُّهُ بالدواء وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة قل من تعرض لَهَا وَالله أعلم

(فرع) الْأَصَح أَنه يحرم نقل تُرَاب الْحرم وأحجاره إِلَى الْحل وَكَذَا حرم الْمَدِينَة قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي أَوَاخِر صفة الْحَج وَجزم بِهِ إِلَّا أَنه نقل عَن الْأَكْثَرين فِي مَحْظُورَات الْإِحْرَام أَنه يكره يَعْنِي تُرَاب الْمَدِينَة وأحجارها قَالَ الأسنائي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم على الْمَسْأَلَة وَقَالَ إِنَّه يحرم فالفتوى بِهِ وَالله أعلم قَالَ

ص: 231