الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، وسلك سبيله، واتبع سنته، وجاهد في الله حق جهاده
…
وبعد:
فهذه "لمحات في الثقافة الإسلامية" ترمي إلى تزويدنا بثقافة نافعة عن إسلامنا، تؤدي إلى ترسيخ مبادئه، والإيمان بمثله وفهم نظمه، ورد الشبهات عنه، وإحباط المكائد التي تحاك ضده من أعدائه -وبخاصة في المضمار الفكري والثقافي- ومؤامرات أعداء الإسلام ودسائسهم في الماضي والحاضر، تعمل بدأب وإصرار لتحقيق هدف خطير وهو: فك ارتباط المسلمين بإسلامهم، وإعاقة الدعوة إلى استئناف حياة إسلامية، في مجتمع متماسك متين تحكمه عقيدة الإسلام وشريعته ونظامه الفريد..؛ فإذا انتهت جهود هؤلاء الأعداء
الماكرين -التي ما زالت منذ قرون- إلى النجاح، أصبح الطريق أمامهم مفتوحًا لافتراس المسلمين بالمبادئ المنحرفة، والنظم الضالة، والروابط الزائفة، ثم القضاء نهائيًّا على الوجود الإسلامي الحق، الذي يخشون إقامته، وترهبهم يقظته، ويجدون فيه الخطر الكبير على حضارتهم المادية الفاسدة، ومحاولتهم السيطرة على مقدارت البشر ومستقبلهم..
والحديث في الثقافة الإسلامية أثير لنفس المسلم حبيب إليها؛ فهو وثيق الصلة بالعقل والقلب والفكر والشعور، مرتبط أتم ارتباط بالماضي الزاهر، والحاضر القلق، والمستقبل المنشود.. إنه -في أقرب أهدافه الكثيرة- يزود العقول بالحقائق الناصعة عن هذا الدين وسط ضباب كثيف من أباطيل الخصوم، ويربي فيها ملكة النقد الصحيح التي تقوم المبادئ والنظم والمذاهب التقويم السليم، وتميز -في نزعات الفكر والسلوك- بين الغث والسمين؛ فتأخذ النافع الخير، وتطرح الضار الفاسد، ملتزمة في ذلك التوجيه النبوي الكريم:
"الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها" 1
وليست جولة هذه الثقافة في آفاق المعرفة العقلية لونًا من رياضة الذهن، أو ضربًا من الاستزادة من المعارف، أو فنًا من القول المنمق والأسلوب الممتع الجميل؛ فتلك كلها غايات تأتي تبعًا لا قصدًا، وهي متوافرة في طائفة كثيرة من العلوم والفنون، أما الحديث في الثقافة الإسلامية فإنه يتجازو حدود المعرفة العقلية البحتة، لينفذ إلى القلب فيحرك المشاعر، ويفجر في روح المؤمن تلك الطاقة الحية العالية، التي تشده شدًّا محكم الأواصر إلى عقيدته الحقة النيرة، وشريعته الكاملة القويمة، تتعمق فيه روح الولاء لأمته الرائدة القائدة التي أكرمها الله بهذه الرسالة الهادية..
وحين يتلاقى العقل والقلب، والفكر والشعور، على فهم الإسلام،
1 رواه الترميذي في باب العلم.
ووعي قضيته، والولاء لأمته، والتفاعل مع مبادئه ونظمه.. وحين يكون ذلك الفهم والوعي والولاء والتفاعل عميقًا قويًّا شاملًا؛ فلا بد أن تنبثق من ذلك روح جديدة تتسم بالإيمان الصادق، والعمل المنتج، والعزيمة القوية، وبذلك تتجدد ثقة المسلمين بمهمتهم القيادية الكبرى، وتتلاشى عوامل الانهزام الفكري والنفسي، وتزول أعراض ذلك المرض العضال من الشعور بالنقص، وشيوع الضعف والخور، والإخلاد إلى الراحة، والاستكانة إلى المتاع العاجل، والتعلق بالأهواء والشهوات، والخضوع لسلطة الأقوياء، والانبهار بحضارة الأعداء.. وتتقد -من جديد- جذوة الكفاح الصامد لنشر الدعوة، ومواجهة التحدي، وقيادة الركب الحضاري النير الذي فتح العقول والقلوب، ورفع لواء الكرامة والعدالة والحرية، وبسط راية العلم والمعرفة والسلام في أرجاء المعمورة..
ذلك هو الأمل الذي نرجو أن يحققه الحديث في الثقافة الإسلامية في كل جوانبها المشرقة الوضيئة، ومع مصادرها الحية الوفيرة، ومنهجها المتكامل القويم، وتوجيهها السوي السليم، وبنائها شخصية الفرد والمجتمع، وتحريرها الإنسان من ركام الجهل والتخلف والضياع، وتطهيرها لروحه ونفسه وضميره من دنس الشر والانحراف والفساد..
وهو أمل حمل القائمين على "الكليات والمعاهد العلمية" بالمملكة العربية السعودية وغيرها من الجامعات والكليات على تقرير تدريس مادة "الثقافة الإسلامية" فلقيت هذه الخطوة الطيبة المشكورة ما كان منتظرًا من تجاوب الطلاب معها تجاوبًا كبيرًا؛ ذلك أن شبابنا هم -في الحقيقة- موضع هذا الأمل الكبير، والغرس الطيب لذلك المستقبل المنشود.. وقد تجلى هذا التجاوب في الإقبال على البحث في الثقافة الإسلامية؛ جمعًا لمصادرها وقراءة لمراجعها، ودرسًا لموضوعاتها، وحماسةً طيبةً مبرورةً في ذلك كله..
أعدت هذه الفصول استجابة لمطلب ملح، وتلبيةً لرغبة صادقة.. وهي لا تعدو أن تكون -بحق- صُوىً تدل على الطريق وترشد إليه.. ولا غنى
للباحث في الثقافة الإسلامية عن الجوع إلى مصادرها الأصلية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتتبع موضوعاتها -بصبر وأناة- في أمهات الكتب التي ألفها سلفنا الصالح -أجزل الله ثوابهم-، كما لا بد من دراسة ما كتبه أعلام الفكر الإسلامي في هذا العصر من كتب ورسائل، في أمور العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع والنظم، وما عقدوه من موازنات وافية بين الإسلام والمذاهب الفكرية والاجتماعية الأخرى.. ولدى الباحث -بحمد الله- رصيد طيب من هذه الكتب القيمة الغنية بالفكر الرصين، والبحث العميق، والتوجيه الطيب، وهي عامرة كذلك بحرارة الدعوى وروح الإخلاص، تشهد لمؤلفيها بجهادهم الصادق المبرور في هذا الميدان العظيم..
والله تبارك وتعالى نسأل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه فهو حسبنا ونعم الوكيل..
عمر عودة الخطيب
الرياض
15 صفر 1392هـ