الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 1.
وقال:
وقال:
1 المنافقون: "9".
2 البقرة: "281".
3 النجم: "39-42".
3-
وحدتها المترابطة المتناسقة:
أ- من خصائص الثقافة الإسلامية أنها كلٌّ متَّحد مترابط متناسق، يؤخذ جملة وتفصيلًا دون اصطفاء أو استهواء، أو اعتبار لما يوافق الهوى أو يصادمه؛ فالثقافة الإسلامية بمفاهيمها العامة الشاملة ليست أجزاء متفرقة لا رابطة بينها، تعرض كما تعرض السلع في المتاجر؛ ليختار الإنسان منها ما يلائمه، ويوافق مزاجه، ويدع ما لا يرغب فيه لعدم توافقه مع ذوقه أو لغلاء ثمنه.
"إن الاسلام كلٌّ لا يتجزأ؛ فإما أن يؤخذ جملة، وإما أن يترك جملة، أما أن يستفتى الإسلام في صغار الشئون، وأن يهمل في الأسس العامة التي تقوم عليها الحياة والمجتمع؛ فهذا هو الصَّغار الذي لا يجوز لمسلم أن يقبله للإسلام.
إن جواب أي استفتاء عن مشكلة جزئية من مشكلات المجتمعات التي لا تدين بالإسلام، ولا تعترف بشريعته أن يقال: حكِّموا الإسلام أولاً في الحياة كلها، ثم اطلبوا بعد ذلك رأيه في مشكلات الحياة التي ينشئها هو، لا التي أنشأها نظام آخر مناقض للإسلام..
إن الإسلام يربِّي الناس تربية خاصة، ويحكمهم وفق شريعة خاصة، وينظم شئونهم على أسس خاصة، ويخلق مقومات اجتماعية واقتصادية وشعورية خاصة؛ فأولاً طبقوا الإسلام جملة، في نظام الحكم، وفي أسس التشريع، وفي قواعد التربية، ثم انظروا هل تبقى هذه المشكلات التي تسألون عنها، أم تزول من نفسها، أما قبل ذلك فما للإسلام وما لهذه القضايا التي لا يعرفها المجتمع الإسلامي الصحيح؟ "1.
ب- إن مناط الأمر في هذه القضية قائم على فهم المعنى الحقيقي الشامل لانتماء الإنسان للإسلام؛ فالانتماء للإسلام يقتضي من المسلم أن يذعن بأن الحاكمية لله عز وجل، وأن حكم الله تبارك وتعالى فوق كل رأي من آراء الأشخاص أو الجماعات، أو الأهواء أو المصالح، ولا يعد هذا الانتماء الإسلامي صحيحًا إذا أصابته التجزئة بسائق المنافع والمصالح والرغبات؛ فالمسلم مطالب بأن يقيد حريته الخاصة، ورغبته الذاتية بقيود الشريعة، حتى يصح أن يوصف بأنه قد سلك صراط الله المستقيم، وصدق في الانتماء لهذا الدين. ولا بد مع الإذعان لحكم الله والتسليم له، وصدق الاتباع لأمره من اليقين الكامل بأحقية هذا النظام الإسلامي، وأنه وحدة النظام الذي يحقق السعادة الكاملة للإنسان في الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
1 سيد قطب: "دراسات إسلامية" ص88. وانظر فصل "خذوا الإسلام بتمامه" ص86.
ج- إن وحدة الثقافة الإسلامية المترابطة المتناسقة ترتكز من وجهة نظر الإسلام على أساس منطقي قوي وهو: أن الحقائق لا يمكن أن تكون متناقضة. ولما كان الإسلام قد قدَّم للبشرية الحقائق كاملة. وحسم بذلك كل المنازعات والخلافات التي ثارت حول كثير من قضايا الإنسان والكون والحياة؛ فإنه قد أرسى دعامة الوحدة الفكرية والروحية على قاعدة المنهج الرباني الذي هدم الخرافات والأوهام والتناقضات، برد الأمر في هذه القضايا إلى الله عز وجل.
ومن هنا لم يستطع أعداء الإسلام أن ينفذوا إلى كيانه الاعتقادي والفكري والروحي والتشريعي، المرتكز على الوحدة الدينية الأصلية، التي تستجيب لها القلوب، وتنشرح الصدور، وتتفاعل العقول ليهدموه جملة؛ بل لجئوا إلى أسلوب التفريق والتمزيق.. تفريق المسلمين إلى شيع وطوائف وأحزاب، وتمزيق وحدة عقيدتهم ونظامهم، بإثارة الشبهات، ونشر الافتراءات، وتشويه حقيقة الإسلام، بالإلحاح المتواصل على إقصاء الدين عن الحياة، وحصره في نطاق محدود، يسلبه عنصر التأثير والتوجيه والتنظيم لقضايا الإنسان الفكرية والمادية والسياسية والاجتماعية..
قال تعالى في تقرير هذه الوحدة الدينية الأصلية وإقامتها والنهي عن تمزيقها:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا
1 النساء: "65".
فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} 1.
وفي كشف دعاة هذا التفريق والتمزيق، وفضح نواياهم الخبيثة الحاقدة، وأساليبهم التي تحركها مصالحهم الذاتية وأهواؤهم الفاسدة..
يقول عز وجل:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} 2.
ويقول سبحانه:
ويقول:
{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 4.
ويقول:
د- وتقوم هذه الوحدة المترابطة المتناسقة على أساس خاصة الشمول في العقيدة الإسلامية، وهي خاصة تجعل العقيدة الإسلامية هي وحدة العقيدة
1 الشورى: "13".
2 الأنعام: "159".
3 البقرة: "75".
4 البقرة: "146".
5 البقرة: "109".
المثلى للإنسان، منفردًا ومجتمعًا، وعاملًا لروحه أو عاملًا لجسده، وناظرًا إلى دنياه أو ناظرًا إلى آخرته، ومسالمًا ومحاربًا، ومعطيًا حق نفسه أو معطيًا حق حاكمه وحكومته، وليس يقبل -في منطق هذه العقيدة- أن يطلب الإنسان الدنيا ويغفل عن الآخرة، كما لا يقبل منه كذلك أن يكون سلبيًا تجاه الحياة، وما تقتضيه من عمل وجد وجهاد، بدعوى السمو بالروح وطلب الآخرة، وليس مقبولًا أصلًا -بمنطق هذه العقيدة- أن يصحب الإنسان إسلامه في حالة، ويدعه في حالة أخرى؛ فالعقيدة بالنسبة للمسلم روحه الحية الدائمة، المتحركة في وجدانه وسلوكه وعمله، في جميع حالاته وجميع حالاتها؛ سواء تفرد وحده أو جمعته بالناس أواصر الاجتماع.
إن شمول العقيدة في ظواهرها الفردية، وظواهرها الاجتماعية هو المزية الخاصة في العقيدة الإسلامية، وهو المزية التي توحي إلى الإنسان أنه "كلُّ" شامل؛ فيستريح من فصام العقائد التي تشطر السريرة شطرين، ثم تعيا بالجمع بين الشطرين على وفاق.
وكما لا يقبل أن ينقسم الإنسان قسمين بين الدنيا والآخرة، أو بين الجسد والروح، أو بين خصائصه الفردية ونزعاته الاجتماعية؛ لأن في هذا الانقسام فصامًا يشق على النفس احتماله، ويدفع الإنسان إلى الحيرة والقلق والاضطراب؛ فكذلك لا بد له إزاء هذا الشقاء من عقيدة تشفيه من آفات هذا الفصام الذي يباعد المسافة بين الروح والجسد، والدنيا والآخرة، والفرد والجماعة. ولن يجد الإنسان هذا الشفاء إلا في عقيدة الإسلام وحدها التي تعصمه من الحيرة والانقسام، ولا تشطر سريرته وحياته أشطارًا مختلفة؛ بل تقيم نفسه ووجوده على ركيزة الوحدة الكاملة في أمر وجدانه وعمله ودنياه وآخرته، ووحدته واجتماعه1.
1 انظر "الإسلام في القرن العشرين": عباس محمود العقاد ص27/ 33.