الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجعلهم صلة للتفاهم بين الشرقي والغربي، كما كانت الإسنكدرية في أيام عظمتها في عهد البطالسة"1.
1 محمد محمد حسين "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" ص267-268.
مدارس الإرساليات التبشيرية:
1-
لقد أدرك الغرب المستعمر الزاحف على الشرق المسلم بضراوة وحقد وتعصب أن أكثر الوسائل جدوى وقوة وتأثيرًا؛ لتحقيق غايته هي التركيز على الجانب التربوي والتعليمي.
وحول هذا الجانب يقول "هنري جيب": "إن التعليم في مدارس الإرساليات المسيحية إنما هو واسطة إلى غاية فقط، هذه الغاية هي قيادة الناس إلى المسيح، وتعليمهم حتى يصبحوا أفرادًا مسيحيين وشعوبًا مسيحية، ولكن حينما يخطو التعليم وراء هذه الحدود ليصبح غاية في نفسه، وليخرج لنا خيرة علماء الفلك وطبقات الأرض وعلماء النبات وخير الجراحين والأطباء في سبيل الزهو العلمي، فإننا لا نتردد حينئذ في أن نقول: إن رسالةً مثل هذه قد خرجت عن المدى التبشيري المسيحي إلى مدى علماني محض"1.
2-
ويرى المبشرون -ومن ورائهم الدوائر الاستعمارية الصليبية- أن المدارس ليست غاية في ذاتها، وأنها لا تعدو أن تكون وسائل بالغة التأثير الذي يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يومًا ما قادة في أوطانهم2.
ومن هنا فقد ركز الغرب اهتمامه على فتح المدارس على كافة المستويات،
1 انظر: "الغارة على العالم الإسلامي" ص17-20.
2 انظر "التبشير والاستعمار" ص66-67.
من رياض الأطفال حتى الجامعات.. بالإضافة إلى التفاته إلى البعثات التي تفد إلى دياره.. ويتضح بذلك أن تنفيذ هذه الوسيلة قد أخذ طابع الاحتواء الكامل لكل أنواع المؤسسات التعليمية والثقافية والتوجيهية، بالإضافة إلى المؤسسات الطبية والمراكز الاجتماعية وغيرها.
3-
ويرفض المبشرون في مدارسهم التابعة لإرسالياتهم الأجنبية أن يتقيدوا بالمناهج الرسمية؛ لأن هذا التقيد يفقد مدارسهم صفتها التبشيرية المسيحية ويجعلها في عداد المدارس الوطنية فتبطل الغاية من وجودها، ويتفق المبشرون جميعًا على أن التعليم أفضل الطرق التبشيرية، كما يتفقون على أن المقصود الأول بالتبشير من طريق التعليم هم المسملون، ولهذه الأسباب يعمل المبشرون على استغلال الجهل بين الشعوب الإسلامية لينفذوا من ذلك إلى غاياتهم.
كتب "بنيامين ماراي" مقالاً في مجلة العالم الإسلامي -وهي مجلة فرنسية خاصة بأعمال المبشرين الكاثوليك- وكان موضوع المقال: "شمالي نيجيرية ميدان للتبشير" وقد استعرض فيه حالة تلك البلاد وما عليه من التأخر العلمي على الأخص؛ إذ إن الذين يحسنون القراءة والكتابة أو شيئًا من الكتابة لا يتجاوز اثنين ونصف بالمائة، ثم قال:"وهذا يتيح فرصة عظيمة للتعليم التبشيري المسيحي"1.
4-
ولقد بدأ المبشرون بإنشاء مدارسهم في البلاد الإسلامية في وقت مبكر جدًّا، فأنشئوا أول مدرسة للبنات في بيروت عام 1830م. وعلى الرغم من أن اهتمامهم قد انصرف أولاً إلى الأطفال والبنات في سن مبكرة، وأنشئوا لهذا الغرض مئات المدارس في البلاد العربية -وبخاصة سورية ولبنان ومصر- كما أنشئوا كذلك ألوفًا من مدارسهم في البلاد الإسلامية
1 المرجع السابق ص70.
الأخرى في إفريقية وآسيا.. فإنهم كانوا يرون أن التعليم العالي لا يقل أهمية عن سائر درجات التعليم؛ لأنه يساعدهم على الوصول إلى الطبقات المثقفة لنشر آرائهم ومفاهيمهم بين هذه الطبقات حتى تتسرب بواسطتهم إلى جميع أفراد المجتمع الإسلامي.
وعلى هذا الأساس أنشأ المبشرون البروتستانت كلية في بيروت عام 1862 وأطلقوا عليها "الكلية السورية الإنجيلية"التي أصبحت اليوم "الجامعة الأميركية" في بيروت. ولم يكتفوا ببيروت، بل أرادوا أن يكون ثمة كلية في القاهرة إلى جانب الجامع الأزهر كما أنشئوا كلية "روبرت" في "استانبول"، وأنشأ الفرنسيون كلية لهم في مدينة "لاهور"1.
5-
يجدر بنا -نحن المسلمين- أن نعي أبعاد قضيتنا الثقافية في هذا المعترك الكبير.. فهي قضية وجودنا كله، قضية ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، قضية بقائنا أو فنائنا.. وإن أخطر ما نواجهه بصددها: الغفلة عنها، والجهل بها، والتغاضي عن الأخطار المحدقة بها، والتواني عن العمل لها والعناية بها، وترك زمام أمورنا للأيدي الغريبة العدوة ما بين يهودية وصليبية وملحدة -لتفسد العقول وتلوث الضمائر، وتحطم الأخلاق، وتصوغ الأجيال صياغة ضالة منحرفة، تقطع صلتها بعقيدتها وتاريخها وتراثها، ومقوماتها الأصيلة كلها، وتحقق حلمها القديم الذي كانت الحروب الصليبية تعبيرًا صارخًا داميًا له، ثم كان الاستعمار في العصر الحديث صورة تعبيره الآخر الذي اتخذ أشكالاً كثيرة وضم وسائل متعددة.. وإذا تركنا -جانبًا- احتلال الأرض، واستغلال الخيرات، ونهب الثروات، والسيطرة على الإدارة الوطنية في البلاد المحتلة، ونشر الفتن، وإثارة الخلاف، وإشاعة الانقسام بين المسلمين، وتمزيق عرى الوحدة فيما بينهم.
1 انظر المرجع السابق ص77-80.