الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحة الإيمان الحق، وعاشوا في ظل التوحيد الوارف الندي، لاختفى ما يعانونه من هذا الشقاء المدمر، والواقع النكد، والفراغ الخطير.. ذلك أن الرجوع إلى منهج الله وحكمه القويم وشرعه الحكيم، يرد كل شيء إلى أصول ثابتة، وقواعد خيرة وموازين عادلة، وبذلك وحده ينتهي التصادم والانقسام، وتتناسق حياة الإنسان مع سنن الله في الكون، وفطرته التي فطر الناس عليها، وبهذا التناسق تنعم الإنسانية بالسعادة والطمأنينة، وتتفيأ ظلال الأمن والخير.. قال تعالى:
1 الروم: "30".
العقيدة ومصير الأمم:
1-
تتوالى في كتاب الله تبارك وتعالى آيات التذكير والتحذير، المقترنة بالوعد والوعيد؛ لتوقظ القلوب وتربي الضمائر بحقيقة العقيدة، وموقعها في حياة البشر، مقررة أنها أضخم حقيقة، وأجلها وأعمقها في حياة الإنسان، وأبعدها مدى في تاريخه على هذه الأرض، ومصيره فيها، ثم نهايته الأخيرة بعد أن تنقضي هذه الحياة، وتنتهي إلى أجلها المحتوم، ويرث الله الأرض ومن عليها.. وهي النهاية الدائمة التي لا انقضاء لها، ولا مهرب منها، ولا تخلف عنها، وهي إما شقاء الأبد أو الخلود في النعيم، وحين يدرك الإنسان هذه الحقيقة الراسخة الكبرى عبر ما تحمله آيات الله تبارك وتعالى من تذكير وتحذير ووعد ووعيد؛ يصبح أكثر يقظة،
وأوضح بصيرة، فتتضح لديه معالم الرؤية، وتنكشف أمامه السبل، فيدرك معنى إنسانيته، ويعي حقيقة مهمته، ولا يني -مهما طال الطريق وصعب المسير- عن سعيه لبلوغ غايته، وبهذا وحده يستوعب الإنسان معنى وجوده الحق، فيستقيم على الطريقة المثلى، فكرًا وشعورًا وسلوكًا، ويحقق الطمأنينة في حياته.
2-
وفي نموذج من التحذير المقترن بالوعيد تسوق الآيات الكريمة أبلغ عظة، وأجل عبرة، في مصير أولئك الذين عَتَوْا عن أمر ربهم بالتمرد والعصيان، والاستكبار والطغيان، حين خالفوا أمر الله، فلم يستجيبوا لدعوة التوحيد، ولم يتبعوا المنهج الإلهي في حياتهم، وكذبوا الرسل الذين جاءوهم بالهدى والنور؛ فكان عاقبة موقفهم الجاحد الظالم، حساب الله العسير، وعذابه النكير، حيث ذاقوا في الدنيا وبال أمرهم، فسادًا وانحلالاً، وذلاً ونكالاً، وترديًا في الأوضاع، وفوضى في النظم، وشقاء متواصلاً، وقلقًا وفقرًا، وجزعًا وجدبًا، ثم انتهوا إلى الدمار والانهيار.. ولهم في الآخرة -فوق هذا- أشد العذاب.
وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى:
3-
هذه هي الحقيقة التي يؤكدها المنهج القرآني في مواطن عدة من كتاب الله عز وجل، ويقص -في مناسبات عدة- ما جرى في حياة الأمم الماضية والقرون الغابرة من خير أو شر أو سعادة أو شقاء؛ نتيجة لموقف هذه الأمم من العقيدة.. مقررًا أن مصير هذه الأمم التي بعث فيها الأنبياء بعقيدة التوحيد كان متعلقًا بمدى الاستجابة لها، والعمل بمقتضاها
1 الطلاق: "8".
والانطواء تحت لوائها.. فحين اتبعوها وتمسكوا بأهدابها سادوا وعزوا، وأكرمهم الله تبارك وتعالى أجلَّ إكرام، وحين أعرضوا عنها وجانبوا سبيلها؛ إيثارًا للهوى الجامح أو صلفًا وعنادًا كانت عاقبتهم الذل والهوان والإخفاق التام، وتلك عقوبة الله تبارك تعالى للزائغين المنحرفين، ولهم في الآخرة أشد العذاب..
4-
لقد ساق الله تبارك وتعالى لهذه الأمم من الآيات الدالة على قدرته، والمشاهد الناطقة بجليل حكمته، ما فيه زاجر عن الضلال إذا تذكروا، وحافز إلى الإيمان إذا تدبروا، وأنعم عليهم بوسائل الهداية، وبسط أمام عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم أدلتها القوية، وصورها الموحية، وسبلها النيرة، ولم يدعهم سبحانه -فضلاً منه ورحمة- في مفاوز التيه والضياع، تفترسهم الحيرة، وترديهم الجهالة، بل رسم لهم سبل المعرفة الحقة، ودعاهم إلى سلوكها، وأكرمهم برسله الأبرار، مذكرين ومرشدين، ومبشرين ومنذرين، فلا حجة بعد ذلك لمنحرف، ولا عذر لأي أحد في ضلال..
وكان مما ذكر سبحانه -في مواضع كثيرة من القرآن الكريم- أن هؤلاء المشركين من العرب لم تُجْدِ فيهم الزواجر، ولم تغنهم النذر، بل كانوا إذا رأوا آية من آيات الله أنكروها، ولجُّوا في الباطل، وأصروا على الكفر، اتباعًا للأهواء، وجمودًا على ترهات الآباء..
وفي ذلك يقول عز وجل:
1 القمر: "2-5".