الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحرير العقل من التعطل:
1-
إنها تحرر العقل من سلطان الخرافة والوهم، والجمود والتقليد، ومن وسائلها في ترسيخ الحقائق في العقول ودحض منطق الانحراف والضلال تنبيه هذا الإنسان إلى مشاهد هذا الكون، بإثارة نزوعه الفطري الأصيل، نحو التأمل المنتج والتدبر الهادف فيما خلق الله في هذا الكون من مخلوقات تحيط بالإنسان من كل جانب، وتدل بروعة إنشائها ودقة إحكامها، وكمال تناسقها، ووحدة نواميسها على عظمة بارئها، وقدرة مصورها، وفي ذلك أعمق إيحاء وأجل برهان على وحدانية الله تبارك وتعالى، واستحقاقه للعبادة والخضوع والشكر.
1 الشورى: "29".
2 الشورى: "32-33".
وملاك الأمر في هذه القضية أن توحيد الله تبارك وتعالى هو مفرق الطريق في حياة الإنسان بين ما يجب أن يكون عليه من رعاية للعمل العقلي السليم، والمنطق السديد الذي يحقق الدقة والنظام، في أخطر شأن من شئون البشر -وهو العقيدة- وبين ما لاينبغي له ولا يليق به من استخفاف بما يحكم به العقل السوي، وما يحمل عليه المنطق الصحيح، وما يؤدي إليه الاستخفاف من اضطراب وفوضى في العقيدة. بسبب الانسياق وراء الخرافات الباطلة والأوهام الزائفة، التي يأباها العقل، ويرفضها المنطق.
2-
وإذا كانت النظم التي لا غنى عنها للبشر في حياة صالحة سليمة قويمة، ترتكز في بواعثها ومقوماتها، وروحها وضوابطها على العقيدة التي يؤمن بها الإنسان، ويُحْكَمُ على هذه النظم بالصحة أو بالفساد، وبالنظام أو بالفوضى، في ضوء العقيدة التي تقوم هذه النظم عليها، وتنبعث منها، وتتلاءم مع مقتضاها وتوجيهاتها، فإن من المقطوع به -عقلاً ومنطقًا وتجربة- أن أي نظام اجتماعي أو سياسي، أو اقتصادي أو دولي،
1 "الزخرف: 22-25".
لا يمكن أن يوصف بالصحة والدقة، وتحقيق الطمأنينة والخير، للفرد والجماعة، إذا كان منبثقًا من عقيدة لا ترجح في ميزان العقل، ولا تثبت أمام المنطق السليم، ومن هنا كان توحيد الله تبارك وتعالى هو حقًّا مفرق الطريق بين النظام والفوضى في حياة الإنسان عقيدة وسلوكًا ونظمًا، ذلك أن توحيد الله عز وجل هو وحده الذي يحرر العقل الإنساني من التعطل المزري، والانسياق وراء الأهواء والأوهام والخرافات، والأساطير الغامضة الباطلة.
إنه ليس في المنهج الإسلامي أوهام وأسرار وخرافات تصطدم مع العقل السليم والمنطق الصحيح، بل لقد جعل هذا المنهج الرباني العقل الإنساني هاديًا إلى الحق، وأمر بالاحتكام إليه في حقائق الوجود، وجعله مناط الفصل في حسم الجدال بين الملحدين والمؤمنين، حول أي قضية يثور النزاع فيها بين الشك واليقين.
3-
بهذا المنهج الذي يهدم الخرافة والوهم والتقليد، وينبه العقل للتأمل والتفكير، تسقط كل ضروب الأساطير وأنواع الخرافات مهما اختلفت في مظاهرها وصورها، وتعددت أشكالها بتعدد الأمم والأجناس التي تضمها فترة زمنية معينة، ثم لا يسمح لها بعد ذلك أن تحيا في المجتمع الإسلامي الذي يحرر العقل ويحترمه، ويدعو إلى البحث الدقيق، ويحث على التفكير العميق، ويدفع إلى تقصي الحقائق، ويصون الكيان الفكري من آفات الجهل والخرافة، والوهم والانحراف.
قال تعالى في الحث على التفكير والثناء عليه:
1 "يونس: 24".
2 "الرعد: 3".
{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 2.
وقال سبحانه وتعالى في إعلاء شأن العقل والدعوة إلى إعماله في فهم آيات الله، وإدراك دلائل الهداية في الكون والحياة:
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} 3.
{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} 4.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} 5.
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} 6.
ويقرر هذا المنهج أن الذي يُعْمِلُ عقله فيعلم الحق ويوقن به، هو الإنسان السوي البصير، وأن الجاهل الذي يعطل عقله فلا يعلم ولا يهتدي، هو الأعمى المطموس البصيرة، المشلول الإدارك، كما قال عز وجل:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} 7.
1 "النحل: 44".
2 "الحشر: 21".
3 "البقرة: 242".
4 "آل عمران: 118".
5 "الأنعام: 151".
6 "يوسف: 2".
7 "الرعد: 19".