الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَصَائِصُ العقيدة
العقيدة قوة هدم وبناء:
1-
إن الإيمان بالله تبارك وتعالى هو الغذاء الوافي لقوى النفس في الإنسان، وهو المداد الخالد لحيويتها وتفتحها وإشراقها، وليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوته، أو تدانيه في ضمان استقامة الفرد ويقظة ضميره ومتانة خلقه، ثم تماسك المجتمع وتضامن أبنائه وتعاونهم على الخير والبر. وسر ذلك أن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره، وليست أنظمة الأمم والجماعات -مهما بلغت من الدقة والإحكام، ولا سلطان الحكومات والهيئات، مهما بالغت في المراقبة والتنظيم- بكافيتين وحدهما بمعزل عن العقيدة؛ لإقامة حياة فاضلة كريمة تحترم فيها الحقوق وتُؤَدِّي الواجبات على وجه مرضيٍّ مقبول، فإن الذي يقوم بواجبه رهبةً من السوط أو خشية من العقاب؛ لا يلبث أن يسيطر عليه الإهمال متى اطمأن إلى أنه سينجو من العقاب، ويفلت من قبضة القانون.
من أجل هذا كان لا بد من العقيدة في الحياة؛ لتملأها بالخير والحق والصدق والاستقامة، بل إن الحياة بغير عقيدة ضياع وعبث، وفراغ نفسي، وخواء روحي، وقلق دائم، واضطراب مستمر، وغرق في لجج
المتاعب والأزمات، ودخول في المعركة بلا سلاح. ثم نهاية بائسة، ومصير مرير، قال تعالى في بيان شأن العقيدة في الحياة، وأثرها في مهمة الإنسان منذ خلقه لعمارة الأرض:
2-
ليست العقيدة -كما قررها الإسلام- موجة عاطفة تهز القلوب وتثير المشاعر فحسب، بل هي قوة عقلية ووجدانية معًا، تهدم وتبني، تهوي على جذوع الخرافة والوهم والشك بالحجة والعلم والمنطق، فتهدم آفة التقليد الأعمى الذي يغل الفكر، ويخنق الحرية، ويشوه معالم الشخصية المتطلعة نحو المثل العليا.
وفي المنهج القرآني آيات كثيرة تحض على التأمل والتدبر والتفكير، وتسوق أمام العقل المدرك والبصيرة الواعية دلائل كثيرة على قدرة الله، ومشاهد متعددة من بديع صنعه، فإذا نظر فيها الإنسان بإمعان، وفكَّر فيها بعمق، واستعمل ما آتاه الله من وسائل الحواس، وما هداه إليه من أجهزة العلم الاستعمال الصحيح، فإنه يزاداد إيمانًا بالله ويقينًا بقدرته وسجودًا لعظمته.. وفي ذلك يقول سبحانه:
1 طه: "123-127".
{وَفِي الأرض آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 1.
ويقول عز وجل:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 2.
ولقد أثنى الله تبارك وتعالى على الذين يستعملون عقولهم فيما خلقت له فيبحثون ويفكرون ويمحِّصُون الأمور ويزنونها بميزان الفكر السليم، ويخلصون للحقائق، ويستجيبون للحق، ويستمعون أحسن القول.. وفي ذلك يقول عز وجل:
وفي مقابل الثناء على أولي الألباب الذين يفكرون فيحملهم التفكير على الإيمان وصدق الاستجابة وحسن الاتباع، يجيء التنديد -في كتاب الله- بالذين يَجْمُدُون على ميراث الباطل الذي تلقوه عن ضلال الآباء والأجداد، أولئك الذين لم يستعملوا عقولهم فيما خلقت له، فتركوا النظر في دلائل الحق وآيات الهدى، وجمدوا على ما ألِفُوُه في جاهليتهم، وما وجدوا عليه آباءهم مما لا يصح في عقل، ولايستقيم في منطق. وفي ذلك يقول عز وجل:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا
1 الذاريات: "20-21".
2 فصلت: "53".
3 الزمر: "17-18".
أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} 1.
1-
إن العقيدة حين تهدم كل زيف في فكر الإنسان وضميره وروحه؛ تبني صروح المُثُل الرفيعة الطيبة، التي تجعل من المؤمن إنسانًا سويَّ التفكير، طاهر الضمير، طيب السريرة، يقظ البصيرة، يستعمل طاقته الفكرية في وظيفتها الصحيحة المجدية؛ فينظر ويتأمل في هذا الكون ليتعرف على مظاهر عظمة الله، وجليل حكمته، ونفوذ قدرته، وشمول علمه، وتفرده بالخلق والإبداع.
قال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} 2.
وقال عز وجل:
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة} 3.
فإذا انطلق الإنسان من قاعدة الإيمان الراسخ والعمل الطيب والسلوك القويم؛ كان داعية خير وصانع حضارة ورمز سلام، يكافح في الحياة لا من أجل الخبز وزيادة الإنتاج وفتح الأسواق، ومناطق النفوذ، والتسلط على الناس، واستعمار الشعوب، واستثمار الخيرات، وسيادة طبقة على طبقة، وتَحَكُّمِ فئة في رقاب فئة، كما هو حال من استعبدتهم
1 البقرة: "170".
2 سبأ: "46".
3 البقرة "219-220".
المادة، فانحرفوا عن سبيل الإيمان، وضلوا سواء السبيل، وظلموا أنفسهم، وكانوا عناصر شر وتخريب، وفساد مدمرٍ رهيب.
1-
إن كفاح الإنسان الذي بَنَتْهُ العقيدة الحقة على ركائز الإيمان والاستقامة وصدق العزيمة، وصفاء النفس، وصحة الاتجاه؛ لا يمكن أن تشغله سفاسف الأمور عن معاليها، فهو يكافح حتى يقيم على هذه الأرض المنهج الإلهي القويم، الذي تسود به وحده شرعة الحق، ومُثُل العدالة والحرية والمساواة.. في إنسانية نموذجية رائدة، لا تعرف الحقد والشر، ولا تضمر لبني البشر -إذا لم يعيقوا سير دعوته، ويقفوا في طريقها، ويبدؤُوها بالعدوان- إلا كل حب ورعاية، وعدل وتسامح، وكرامة وإحسان.
قال تعالى:
وقال عز وجل:
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
1 آل عمران: "81-83".