الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغرب بما كان يقوم به الملوك والأمراء في الماضي من الإغداق على المستشرقين وحبس الأوقاف والمنح على من يعملون في حقل الاستشراق"1.
1 المرجع السابق ص536.
دوافع الاستشراق:
إذا كان الاستشراق قد بدأ بدراسة العربية والإسلامية؛ فإن الدافع لذلك لم يكن دافعًا علميًا خالصًا لدى جمهرة المستشرقين؛ لأن من طبيعة الدافع العلمي أن يكون نزيهًا عادلاً، حريصًا على استجلاء الحقيقة بتجرد وصدق وإنصاف، لا تتحكم فيه موروثات أو رواسب ثقيلة مما صنعته البيئة الخاصة، أو أَمْلَتْهُ وقائع تاريخية معينة تتسم بتسجيل فترات الخصومات الدموية والنزاع العدواني.
ولكن هذه الشروط التي تجعل دراسة الاستشراق للإسلام وتاريخه واللغة العربية عملاً علميًا صحيحًا؛ ليست متوافرة للمستشرقين الأوربيين الذين اتجهوا للدراسات الإسلامية، ذلك أن موقف الأوروبي من الإسلام ليس "موقف كره في غير مبالاة فحسب، كما هي الحال في موقفه من سائر الأديان والثقافات، بل هو كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على صدور من التعصب الشديد. وهذا الكره ليس عقليًّا فحسب، ولكن يصطبغ أيضًا بصبغة عاطفية قوية، فقد لا تتقبل أوروبا تعاليم الفلسفة البوذية أو الهندوكية، ولكنها تحتفظ دائمًا -فيما يتعلق بهذين المذهبين- بموقف عقلي متزن ومبني على التفكير، إلا أنها حال ما تتجه إلى الإسلام يختل التوازن، ويأخذ الميل العاطفي بالتسرب. حتى إن أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العملي في كتاباتهم عن الإسلام. ويظهر في جميع بحوثهم -على الأكثر- كما لو أن الإسلام لم يمكن أن يعالج على أنه موضوع بحت في البحث
العلمي؛ بل على أنه متهم يقف أمام قضاته، إن بعض المستشرقين يمثلون دور المدعي العام الذي يحاول إثبات الجريمة، وبعضهم يقوم مقام المحامي في الدفاع، فهو مع اقتناعه شخصيًّا بإجرام موكله لا يستطيع أكثر من أن يطلب له مع شيء من الفتور اعتبار الأسباب المخففة. وعلى الجملة فإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين تذكرنا بوقائع دواوين التفتيش، تلك الدواوين التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية لخصومها في العصور الوسطى، أي إن تلك الطريقة لم يتفق لها أبدًا أن نظرت في القرائن التاريخية بتجرد، ولكنها كانت في كل دعوى تبدأ باستنتاج متفق عليه من قبل، قد أملاه عليها تعصبها لرأيها. ويختار المستشرقون شهودهم حسب الاستنتاج الذي يقصدون إليه مبدئيًّا. وإذا تعذر عليهم الاختيار العرفي للشهود، عمدوا إلى اقتطاع أقسام من الحقيقة التي شهد بها الشهود الحاضرون ثم فصلوها من المتن أو تأولوا الشهادات بروح غير علمي من سوء القصد من غير أن ينسبوا قيمة ما إلى عرض القضية من وجهة نظر الجانب الآخر، أي من قبل المسلمين أنفسهم.
وليست نتيجة هذه المحاكمة سوى صورة مشوهة للإسلام وللأمور الإسلامية تواجهنا في جميع ما كتبه مستشرقو أوروبا. وليس ذلك قاصرًا على بلد دون آخر -إنك تجده في إنكلترا وألمانيا، وفي روسيا وفرنسا، وفي إيطاليا وهولنده- وبكلمة واحدة: في كل صقع يتجه المستشرقون فيه بأبصارهم نحو الإسلام، ويظهر أنهم ينتشون بشيء من السرور الخبيث حينما تعرض لهم فرصة -حقيقية أو خيالية- ينالون بها من الإسلام عن طريق النقد"1.
ومن هنا نجد أن هنالك دافعًا رئيسيًّا للاستشراق لا يمكن أن يوصف بأنه دافع علمي؛ لأنه لا يحرص على الحقيقة، بل يحاول تشويهها، بباعث من تعصب راسخ عميق الجذور يعود إلى النزعة العدوانية الحاقدة التي دفعت
1 محمد أسد: "الإسلام على مفترق الطرق" ص52-54.
الأوربيين إلى الحروب الصليبية. وتأتي مع هذا الواقع الرئيسي دوافع أخرى فرعية نلحظها في بحوث المستشرقين وميادين عملهم.
1-
الدافع الديني التبشيري:
إن الدافع الأول للاستشراق عند الغربيين -كما رأينا- هو الدافع الديني، فقد بدأه الرهبان الذين كان يهمهم أن يطعنوا في الإسلام ويحرفوا حقائقه؛ ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدينية أن الإسلام -وقد كان يومئذ الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغربيين- دين لا يستحق الانتشار، وأن المسلمين قوم همج لصوص وسفاكو دماء، يحثهم دينهم على الملذات الجسدية ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي، ثم اشتدت حاجتهم إلى هذا الهجوم في العصر الحاضر بعد أن رأوا الحضارة الحديثة قد زعزت أسس العقيدة عند الغربيين، وأخذت تشككهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم فيما مضى، فلم يجدوا خيرًا من تشديد الهجوم على الإسلام لصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقيدة وكتب مقدسة، وهم يعلمون ما تركته الفتوحات الإسلامية الأولى ثم الحروب الصليبية ثم الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد ذلك في نفوس الغربيين من خوف من قوة الإسلام وكره لأهله، فاستغنوا هذا الجو النفسي وازدادوا نشاطًا في الدراسات الإسلامية.
وهنالك الهدف التبشيري الذي لم يناسوه في دراستهم العلمية وهم قبل كل شيء رجال دين، فأخذوا يهدفون إلى تشويه سمعة الإسلام في نفوس رواد ثقافتهم من المسلمين، لإدخال الوهن إلى العقيدة الإسلامية، والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية، وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث.
ومن العسير حقًّا على أي باحث أن يفرز العمل الاستشراقي عن الهدف
الديني التبشيري في جملة دراسة المستشرقين عن الإسلام، وإذا كان بعضهم يجهر بهذا الهدف بشكل واضح في كل مناسبة تقتضي ذلك، فإن فئة أخرى منهم تجنح إلى أسلوب الدس الخفي، وإخفاء الحقائق، وإبراز الشبهات، وبتر النصوص، وإثارة الشكوك.. في كل ما يتعلق بالدراسات عن الإسلام: عقيدته وأحكامه وتاريخه ورجاله..
يقول "لويس ماسينيون" -وهو أستاذ جامعة فرنسية في باريس والمبشر في قسم الشئون الشرقية في وزارة المستعمرات الفرنسية: "إن الطلاب الشرقيين الذين يأتون إلى فرنسا يجب أن يلونوا بالمدنية المسيحية"1.
ويتمنى "ماسينيون" -في إحدى مقالاته أن يعود الاعتقاد الإسلامي في رجوع عيسى ابن مريم فيتفق مع الحادث الثاني للمسيح النصراني.. ويقصد "ماسينيون" بكلمة ثانية أوضح أن يعود المسلمون عن قولهم عيسى ابن مريم إلى القول: عيسى ابن الله -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- وفحوى مقال "ماسينيون" كله أنه ما دام لدى المسلمين أخبار برجوع المسيح عيسى ابن مريم، فلماذا لا يكون هذا المسيح الراجع هو المسيح الذي يعتقد به النصارى اليوم؟ وجعل "ماسينيون" هذه الفكرة عمدة دعوته إلى أن يُحْمَلَ المسلمون على ترك دينهم حتى يسهل استعمارهم على أهل الغرب2.
وكان "ماسينيون" هذا زعيم الحركة الرامية إلى الكتابة العامية بالحرف اللاتيني تحقيقًا لهدف الحملة الاستعمارية التنصيرية التي ترى أن تقطيع أوصال العرب والمسلمين لا يمكن أن يتم ما دام هنالك لغة واحدة يتكلمها
1 التبشير والاستعمار ص89.
2 انظر: المرجع السابق ص83.
العرب، ويعبر بها العرب والمسلمون من آرائهم، وما دام هنالك حرف عربي يربط حاضر المسلمين إلى تراثهم الماضي، فإذا استطاعوا حمل المسلمين على التخلي عن الحرف العربي وإحلال الحرف اللاتيني مكانه، انقطعت صلة العرب والمسلمين بالقرآن الكريم وبتراثهم الإسلامي وذخائرهم اللغوية والأدبية والتاريخية والفكرية، وحينئذ يصبح العرب "وحدات" لغوية فكرية غير متعارفة، ثم تتنافر هذه الوحدات مع الزمن فيسهل إخضاعها بجهد يسير، ويسهل بعد ذلك صبغهم -على مراحل- بالنصرانية، وجعلهم شعوبًا تابعة للحضارة الغربية، ويتحقق لدى الغربيين ما يؤملون من القضاء على الإسلام والمسلمين.
ولقد حاول "ماسينيون" أن يثبت دعوته هذه في المغرب وفي مصر وفي سورية ولبنان خاصة، كما سعى لهذه الغاية أيضًا مستشرقون ومبشرون آخرون، ونقلها وتبناها عدد من تلامذة هؤلاء وأشياعهم وخلفائهم في مصر ولبنان، ولا يزالون حتى يومنا هذا، يحاولون -بوسائل عدة- الترويج لفكرتهم، وجمع الأنصار لها، تحقيقًا لمآرب خبيثة ومقاصد عدائية رهيبة لا تخفى على مسلم واعٍ بصير1.
وإذا كان "ماسينيون" وأمثاله من المستشرقين لا يحاولون إخفاء نزعتهم الدينية التبشيرية المعادية للإسلام.. فإن هنالك فريقًا آخر من المستشرقين يعملون على أن تسود بين المسلمين القيم الغربية عن طريق الإشادة بها والانتقاص من القيم الإسلامية، حتى يضل المسلمون عن أنفسهم، ويستسلموا لكل ما يَطْلُعُ به الغرب من قيم ومفاهيم وأخلاق فيتهافتوا عليها وينقادوا إليها.
ولعل أبرز هؤلاء المستشرق الإنكليزي "جيب" -الذي كان مستشارًا
1 انظر: المرجع السابق ص224. وانظر حول تطوير الدراسات اللغوية: "حصوننا مهددة من داخلها" تأليف: الدكتور محمد محمد حسين ص277.
لوزارة الخارجية البريطانية ومن كبار محرري دائرة المعارف الإسلامية -فقد جاء في مقدمته للكتاب الذي أصدرته جماعة من المستشرقين المختلفي الأجناس بعنوان: "إلى أين يتجه الإسلام؟ Whither Islam" قوله: "إن مشكلة الإسلام -بالقياس إلى الأوروبيين- لسيت مشكلة أكاديمية خالصة فحسب، فإن لتعاليم الدين الإسلامي من السيطرة على المسلمين في كل تصرفاتهم ما يجعل لها مكانًا بارزًا في أي تخطيط لاتجاهات العالم الإسلامي، فالإسلام ليس مجرد مجموعة من القوانين الدينية، ولكنه حضارة كاملة"1.
ويقرر "جيب" بعد ذلك أن هذه السيطرة لتعاليم الإسلام على تصرفات المسلمين لم تظل دائمًا في العصر الحديث وثيقة الصلة بالأصول الدينية، بل يسجل بكثير من التأكيد أن تأثير المسلمين بمفاهيم الغرب قد أصبح ظاهرة واضحة الدلالة على ما اعترى المفاهيم الإسلامية الأصيلة من تحول، فهو يقول:
"إنه قد يبدو للنظرة الأولى أن الجمهرة العظمى من المسلمين لم تتأثر بمؤثرات دينية أوروبية، وأن التفكير الديني الإسلامي قد ظل وثيق الصلة بأصوله الدينية التقليدية، ولكن ذلك ليس هو الحقيقة كلها، فالواقع أن التعاليم الدينية ومظاهرها عند أشد المسلمين محافظة على الدين وتمسكًا به قد أخذت في التحول ببطء خلال القرن الماضي"2.
ويرى "جيب" أن تأثر المسلمين بالأمور الشكلية والمظاهر الخارجية التي تأخذ لديهم طابع "التجديد" أمر ثانوي لا قيمة له، إذا لم يبلغ حد التغلغل التام والتفاعل الوثيق مع كيان المسلمين الجديد، بحيث لا يقتصر تحول المفاهيم الإسلامية الجديدة -بتأثير الفكر الغربي- على الاقتراب من الموازين المسيحية الغربية، بل يمتزج بها امتزاجًا تامًّا يبلغ حد الذوبان الكامل فيها، وأخذ صورتها
1 انظر: "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" تأليف: الدكتور محمد محمد حسين ج2 ص212.
2 انظر: المرجع السابق ص213.
وملامحها. ولا يعبر "جيب" عن أمنيته هذه بوضوح وأسلوب مكشوف، بل يلتمس لذلك تعبيرات لا تستطيع مهما بالغ صاحبها في المداورة واختيار الألفاظ أن تخفي الأمنية التي يطوي عليها صدره، والغاية التي يعمل على بلوغها.. فهو يقول:"والواقع أننا إذا أردنا أن نعرف المقياس الحقيقي للنفوذ الغربي، ولمدى تغلغل الثقافة الغربية في الإسلام، كان علينا أن ننظر إلى ما وراء المظاهر السطحية. علينا أن نبحث عن الآراء الجديدة والحركات المستحدثة التي ابتُكِرَتْ بدافعٍ من التأثير بالأساليب الغربية، بعد أن تهضم وتصبح جزءًا حقيقيًا من كيان هذه الدول الإسلامية، فتتخذ شكلاً يلائم ظروفها"1
2-
الدافع الاستعماري:
لما انتهت الحروب الصليبية بهزيمة الصليبين لم ييأس الغربيون من العودة إلى احتلال بلاد العرب فبلاد الإسلام، فاتجهوا إلى دراسة هذه البلاد في كل شئونها من عقيدة وعادات وأخلاق وثروات، ليتعرفوا إلى مواطن القوة فيها فيضعفوها، وإلى مواطن الضعف فيغتنموه، ولما تم لهم الاستيلاء العسكري والسيطرة السياسية؛ كان من دوافع تشجيع الاستشراق إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوسنا، وبث الوهن والارتباك في تفكيرنا، وذلك عن طريق التشكيك بفائدة ما في أيدينا من تراث، وما عندنا من عقيدة وقيم إنسانية، فنفقد الثقة بأنفسنا، ونرتمي في أحضان الغرب نستجدي منه المقاييس الأخلاقية والمبادئ العقائدية، وبذلك يتم لهم ما يريدون من خضوعنا لحضارتهم وثقافتهم خضوعًا لا تقوم لنا من بعده قائمة.
1 المرجع السابق ص216.
انظر إليهم كيف يشيعون في بلادنا القوميات التاريخية التي عفى عليها الزمن، واندثرت منذ حمل الغرب رسالة الإسلام، فتوحدت لغتهم وعقيدتهم وبلادهم، وحملوا هذه الرسالة إلى العالم فأقاموا بينهم وبين الشعوب روابط إنسانية وتاريخية وثقافية ازدادوا بها قوة وازدادت الشعوب بها رفعة وهداية، إنهم ما برحوا منذ نصف قرن يحاولون إحياء الفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا ولبنان وفلسطين، والآشورية في العراق وهكذا، ليتسنى لهم تشتيت شملنا كأمة واحدة، وليعوقوا قوة الاندفاع عن عملها في قوتنا وتحررنا وسيادتنا على أرضنا وثروتنا، وعودتنا من جديد إلى قيادة ركب الحضارة، ووحدتنا مع إخوتنا في العقيدة والمثل العليا والتاريخ والمصالح المشتركة.
وإذا كان السبب الرئيسي المباشر الذي دعا الأوروبيين إلى الاستشراق هو سبب ديني في الدرجة الأولى-كما أسلفنا- لما تركته الحروب الصليبية في نفوس الأوروبيين من آثار مرة عميقة، فقد أقبل الأوروبيون على الاستشراق ليتسنى لهم تجهيز المبشرين وإرسالهم للعالم الإسلامي، والتقت هنا مصلحة المبشرين مع أهداف الاستعمار -في نطاق حركة الاستشراق- فمكن الاستعمار لهؤلاء المستشرقين المبشرين، واعتمد عليهم في بسط نفوذه في الشرق، كما استطاع المبشرون المستشرقون إقناع زعماء الاستعمار بأن المسيحية ستكون قاعدة الاستعمار الغربي في الشرق، وبذلك سهل الاستعمار لهؤلاء مهمتهم وبسط عليهم حمايته، وزودهم بالمال والسلطان، وهذا هو السبب في أن الاستشراق قام في أول أمره على أكتاف المبشرين والرهبان ثم اتصل بالاستعمار1.
3-
الدافع السياسي:
وهنالك دافع آخر أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول
1 انظر: "الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي" تأليف: الدكتور محمد البهي ص533.
العربية والإسلامية، ففي كل سفارة من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول سكرتير أو ملحق ثقافي يحسن اللغة العربية، ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته، وكثيرًا ما كان لهذا الاتصال أثره الخطير في الماضي حين كان السفراء الغربيون -ولا يزالون في بعض البلاد العربية والإسلامية- يبثون الدسائس للتفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض، وبين الدول العربية والدول الإسلامية، بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة بعد أن درسوا تمامًا نفسية كثيرين من المسئولين في تلك البلاد، وعرفوا نواحي الضعف في سياستهم العامة، كما عرفوا الاتجاهات الشعبية الخطيرة على مصالحهم واستعمارهم.
4-
الدافع العلمي:
ومن المستشرقين نفر قليل جدًّا أقبلوا على الاستشراق بدافع من حب الاطلاع على حضارات الأمم وأديانها وثقافتها ولغاتها، وهؤلاء كانوا أقل من غيرهم خطأ في فهم الإسلام وتراثه؛ لأنهم لم يكونوا يتعمدون الدس والتحريف، فجاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العلمي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبة من المستشرقين، بل إن منهم من اهتدى إلى الإسلام وآمن برسالته. على أن هؤلاء لا يوجدون إلا حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الاستشراق بأمانة وإخلاص؛ لأن أبحاثهم المجردة عن الهوى، لا تلقى رواجًا، لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين، ومن ثمة فهي لا تدر عليهم ربحًا ولا مالاً، ولهذا ندر وجود هذه الفئة في أوساط المستشرقين.
5-
الدافع التجاري والشخصي:
وبجانب هذا كان هناك أسباب تجارية، وأخرى شخصية تتصل بالمزاج