الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحفظ السعي ويوقظ الضمير مثل معرفة الله {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} 1.
وهي أيضًا تحصن الفرد من غوائل الهوى ودوافع الشهوة، فيسعى في الأرض يتفكر بخلق السماء، ويتطلع إلى السماء بجميل السعي في الأرض، وهي كذلك تقيم المساواة بين العباد جميعًا؛ فتجعلهم أمام الله سواء، يتفاضلون بالتقوى والعمل الصالح. فتنتفي مع هذه العقيدة عصبية الدم واللون والجنس، وتحيا عصبية الإخاء والإيمان والحب"2.
وتفي بهذه الخصائص كذلك عباداته وآداب السلوك والأخلاق والمعاملة فيه؛ بحيث يتضح أن معجزة هذا الدين هي معجزة الحقائق القائمة، والأصول الثابتة، والآيات الباقية، معجزة التفاعل مع هذا الكون والتآخي معه، معجزة الفطرة في بساطتها، والسلوك في اعتداله، والسعي في استقامته، معجزة العدل مع العدو والصديق، والوفاء مع القريب والبعيد، والصدق في الشدة والرخاء، ومعرفة الله في السراء والضراء. وكلها حقائق قائمة ثابتة مع الزمان والمكان يستضيء بها الوجود الإنساني، ويرتبط معها كيانه، كما يستضيء الكون بضوء الشمس، وتنجذب إليها كواكبه ونجومه، حقائق يرحب بها العقل، ويشاركه في الترحيب بها القلب والوجدان.. أفلا تكون تلك هي الرحمة المهداة شريعة العالمين وهداية الرحمن؟ 3.
1 النازعات: "19".
2 محمد الراوي: "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية" ص46.
3 انظر: المرجع السابق ص47-50.
مبادئ الإسلام في العلاقات بين الناس:
1-
من روح هذه القواعد وعلى أساس من هذه المبادئ؛ جاء الإسلام
بنظام لعلاقات الناس بعضهم ببعض في حالات السلم والحرب، وفي رأس القواعد في هذا النظام أن الأصل في صلات الدول والشعوب هو السلام، وأن الحرب وإن كانت إحدى الظواهر الطبيعية في حياة البشر؛ إلا أنه لا ينبغي اللجوء إليها في حل المشكلات وحسم المنازعات إلا بوصفها العلاج الحاسم الأخير، الذي تفرضه الضرورة حين تخفق كل الحلول الأخرى في مقاومة الطغيان، ورد العدوان، وإزاحة العقبات التي تحول دون استجابة الناس للهدى ودين الحق طواعيةً واختيارًا دون قسر أو إكراه.
وإذا كانت العلاقات قبل الإسلام قائمة على العداوة والبغضاء، والخصومة والشر، وفقدان روح الفضيلة والأخلاق، وتحكيم نزعة القوة والبطش، وانعدام أي رعاية للحق والعدل والسلام؛ فإن الإسلام قد جاء بالمبادئ التي تضمن أسمى تشريع أخلاقي وإنساني في علاقات الدول بعضها ببعض، وهي مبادئ ترتكز على صياغة كرامة الإنسان وحريته، وعلى ضمان العدالة والمساواة له.
ولما كانت الأمة الإسلامية هي الأمة التي تحمل مبادئ الحياة العليا. وتحمل أمانة توطيدها وإقرارها في العالم. فقد عنى الإسلام بتربية العنصر الأخلاقي والإنساني لدى كل فرد مسلم، فجاءت مبادئه -في الميدان الدولي- هدمًا لكل مظاهر الفساد والتجاوز على المثل الإنسانية العليا، سواء أكان ذلك فسادًا في العقيدة، أو كان ظلم شعب لآخر، أو استغلال طبقة لأخرى، أو تحكم أمة في أمة، فحيثما كان الفساد فإن الأمة الإسلامية ملزمة بمكافحته وإزالة قواه. وتوفير الحرية والعدالة والكرامة لكل إنسان.
2-
ولقد وضع الإسلام للحياة قاعدة أساسية ترتكز على طمأنينة الإنسان واستقراره وتوفير السلام له "ولكن الإسلام مع هذا دين يواجه الواقع
ولا يفر منه، وما دامت في الدنيا نفوس لها أهواء ونوازع ومطامع، وما دام هناك هذا الناموس الذي يطبق على الأفراد والجماعات على السواء، ناموس تنازع البقاء، فلا بد إذن من الاشتباك والحرب، وحين تكون الحرب لردع المعتدي، وكف الظالم، ونصرة الحق، والانتصاف للمظلوم، تكون فضيلة من الفضائل، وتنتج الخير والبركة والسمو للناس، وحين تكون تحيزًا وفسادًا في الأرض، واعتداء على الضعفاء؛ تكون رذيلة اجتماعية، وتنتج السوء والشر والفساد في الناس. ومن هنا جاء الإسلام يقرر هذا الواقع ويصوره فيقول القرآن الكريم:
كما يقول في آية أخرى:
وبذلك كانت أولى نظرات الإسلام إلى الحرب أنها ضرورة اجتماعية، أو شر لا بد منه إلا لما يرجى من ورائه من خير"3.
1 البقرة: "251".
2 الحج: "40-41".
3 حسن البنا: "السلام في الإسلام" ص50. وانظر: "منهج القرآن في التربية" تأليف: محمد شديد ص202.
3-
فإذا كان لا بد من وقوع الحرب؛ فإن الإسلام -وهو يحيطها بهذا الإطار الفريد- يوجب إعلانها وعدم أخذ الناس بها على حين غرة، تجنبًا للغدر والبدء بالعدوان، كما ينهى عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء، ويحذر المحاربين من أي سلوك يقع فيه التجاوز على المبادئ الإنسانية والروح الأخلاقية وكرامة بني الإنسان.
قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 1.
ولم يدع الإسلام الحرب تشتعل وتمتد؛ فتسيطر على النفوس والعقول، وتدفعها في تيارها اللاهب المدمر، وتقذفها في أتون الحقد والكراهية بغير وازع من رحمة، أو رادع من خلق، أو رعاية لحق الإنسان في الحياة، أو حفاظ على نفسه وماله وكرامته وحريته.. بل وضع للحرب أغراضًا لا يصح تجاوزها، وأخلاقًا لا يجوز التفريط بها، وقواعد وأحكامًا لا يقبل من المسلم أن يتعدى حدودها وإلا كان مسئولًا عن ذلك محاسبًا ومعاقبًا عليه.. وبذلك لم يدع الإنسان المحارب الذي يجاهد في سبيل الله لنزعات نفسه، وسلطان هواه، ولم يدع للحرب -بطبيعتها القاسية الضارية- أن توجهه وتتحكم فيه؛ بحيث يباح له في ظروف الحرب أن يظلم ويعتدى، وينفك عن الرحمة، وينخلع من
1 البقرة: "190".
2 البقرة: "194".