الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرض إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَاّ الصَّابِرُونَ، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ، تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} 1.
1 القصص: "76-83".
إقصاء العقيدة عدوان على الإنسان:
1-
إن أي محاولة لإقصاء الإيمان عن حياة الإنسان، وحجب أشعته عن أن تغمر الفرد والمجتمع بالضياء، ليتاح لطواغيت الأرض وأبالسة الشر إخضاعه لمنهج مادي، لا مكان فيه لأشواق الروح وقيم الخير ومثل
الحق في زحمة البحث عن الطعام، ولا سيطرة فيه لغير قيود التراب وضغط الآلة.. إن أي محاولة لا تقيم لغير المنهج المادي أي وزن أو اعتبار -كما يعمل على ذلك الماديون- لا تعدو أن تكون في حقيقتها وفيما تهدف إليه، عدوانًا صارخًا على الإنسان وتجاهلا لحقيقته، وزِرَايَةٍٍ خطيرة لمعنى الإنسانية فيه، وإيذاءً شديدًا له.. ذلك أن أي دعوة تتخطى حدود الله وتتجاوز شريعته، وتعادي منهجه الرباني المحكم العظيم، إنما تهبط بالإنسان من آفاق السمو والطهر والكرامة إلى حضيض الضعة والدنس والمهانة. إنها تدفعه في طريق التخلف والانهزام، وتجعله سادرًا في الضلال، غارقًا في الظلام، من حيث تزعم أنها تحرره وتفتح له منافذ النور، وتقوده في معركة انتصار كبير:
قال تعالى:
وقال تعالى في بيان حقيقة هذا المنهج المنحرف، وتقرير أنه من إيحاء الشيطان؛ ليوهن النفس ويصُدَّها عن الثقة بالله:
1 غافر: "60-63".
2 البقرة: "268".
ولقد صور القرآن الكريم أولئك الذين لم يؤمنوا بالله بأن ينبوع الرحمة قد غاض في قلوبهم وفقدوا معنى إنسانيتهم وكانوا مثلًا في الشح وقسوة القلب وموت الضمير.. وذلك حيث يقول عز وجل:
ولم يكف هؤلاء -وقد جف معين الإحسان في قلوبهم- أن يمتنعوا عن البذل، ويمسكوا أيديهم عن العطاء، بل راحوا يفلسفون بخلهم بإطار من الاستهزاء، ونزعة من الاستعلاء!
…
2-
ومن عجب أن هؤلاء الذين انعدم فيهم المعنى الإنساني، حين فقدوا الضمير المؤمن الذين يربط الإنسان بالله القوي القادر، الذي يعلم ما تخفي النفوس وما تكن السرائر، إن هؤلاء أكثر الناس ادعاءً بنمو الشعور الإنساني فيهم
…
فهم يتخذون من الفكرة الإنسانية المرتكزة على العمل العقلي وحده دستور الحياة، ويجعلونها مقياس الفضيلة والرذيلة، والمعيار الذي يحدد الخير من الشر، ويحاولون أن يخضعوا للعمل العقلي وحده كل شيء، والواقع أن وضع العقل موضع الحكم المطلق، وجعله القيِّم على حياة الإنسان، ليس سوى فرض لا يغني من الحق شيئًا، "ولايستطيع أصحابه أن يصلوا به إلى الحكمة المقصودة من خلق الإنسان، وجعله خليفة في الأرض، يعمرها وينميها وينشر فيها روح الأمن والطمأنينة والاستقرار، وقد جربته الإنسانية حينًا من الدهر، ولا تزال تتقلب في جمره بين حرب حامية تأكل الأخضر واليابس، وتدمر الجهود التي تبذل في بناء الحضارات وإقامة المنشآت،
1 يّس: "47".