الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية
ركائز الثقافة الإسلامية
الحقائق اليقينية الهادية
…
ركائز الثقافة الإسلامية
1-
الحقائق اليقينية الهادية:
إن للإسلام مفاهيم صحيحة سليمة كاملة في كل شأن من شئون الكون والإنسان والحياة، وإذا كانت المفاهيم عن هذه الشئون لدى العقائد المحرفة، ولدى كثير من الفلاسفة والمفكرين وواضعي النظم من البشر تتسم بالغموض والتعقيد تارة، أو يجانبها الصدق والعمق تارة أخرى، أو تصدر عن الفرض والتخمين حينًا، وعلى الأساطير والأوهام حينًا آخر؛ فإنها بذلك لا ترتكز على الحقائق الناصعة الثابتة، ولا تقوم على قواعد يقينية جازمة.
أما مفاهيم الإسلام؛ فهي مبرأة من هذه الآفات كلها؛ لأنها ليست منبعثة عن نظرة بشرية محدودة، لا تستوعب ذاتها فضلًا عن أن تستوعب غيرها، وهي تُسَفِّهُ المنطق السطحي، وتهدم الظن والوهم وتعده زرايةً بالعقل، واستهانة بكرامة الإنسان. أما الأساطير التي تصدر عنها تلك العقائد والتصورات فهي -في مفاهيم الإسلام- أشلاء ممزقة ميتة لا يصدقها أو يتعلق بها من أوتي حظًا من نظر وتفكير، وهي سذاجة ضالة مردية لا تليق بحقيقة هذا الإنسان الذي حباه الله العقل، وأرشده إلى دلائل المعرفة الصحيحة، وزوده بوسائل النظر السديد. إن مفاهيم الإسلام منبثقة عن عقيدة ربانية شاملة لا ترتكز إلا على
الحقائق الجلية الثابتة، ولا تقوم إلا على اليقين الجازم، وهي متسمة بالوضوح والصدق والعمق، وتقيم -من حيث الاعتقاد والتفكير- لدى البشر جميعًا.. التصور الصحيح الدقيق المتكامل للكون والإنسان والحياة.
إن منهج الإسلام -في ارتكازه على الحقائق اليقينية الهادية- يربط الحقائق المفردة في الكون والحياة ربطًا يصلها بأجل حقيقة وأكبرها وهي العقيدة..؛ وبذلك لا يدع هذه الحقائق المبثوثة أمام العقل الإنساني والشعور والضمير، ضروبًا من المعرفة الجامدة، والمعلومات المجردة، التي لا روح فيها ولا حياة لها -كما تحاول خرافة "المنهج العلمي" أن تصنع- بل يبث منهج الإسلام في هذه المعارف والمعلومات، والحقائق الظاهرة والمضمرة حياة تفتح البصائر، وروحًا توقظ الضمائر، ويزودها بالتأثير العجيب الذي يعمق أوثق أواصر الصلة بين الحقائق الهادية، والعقول المستنيرة، والقلوب المتفتحة للإيمان والخير.
"وهذه الوصلة بين القلب البشري وإيقاعات هذا الكون الهائل الجميل.. هذه هي الوصلة التي تجعل للنظر في كتاب الكون والتعرف إليه أثرًا في القلب البشري، وقيمة في الحياة البشرية، هذه هي الوصلة التي يقيمها القرآن بين المعرفة والعلم، وبين الإنسان الذي يعرف ويعلم، وهي التي تهملها مناهج البحث التي يسمونها "علمية" في هذا الزمان؛ فتقطع ما وصل الله من وشيجة بين الناس والكون الذي يعيشون فيه. فالناس قطعة من هذا الكون لا تصح حياتهم ولا تستقيم إلا حين تنبض قلوبهم على نبض هذا الكون، وإلا حين تقوم الصلة وثيقة بين قلوبهم وإيقاعات هذا الكون الكبير"1.
وإذا كنا نلح اليوم على هذه المفاهيم الإسلامية، ونلقي المزيد من النور على حقائقها الكبرى؛ فليست الغاية من ذلك توسيع آفاق المعرفة بها فحسب، وتثقيف العقول برصيدها الفكري الضخم.
1 سيد قطب: "في ظلال القرآن" ج26 ص158