المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المواقع الثقافية وحملات التشويه: - لمحات في الثقافة الإسلامية

[عمر عودة الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: في المدلول العام للثقافة

- ‌الثقافة في حياة الأمم

- ‌المفاهيم الأساسية

- ‌الثقافة والتغيرات الطارئة:

- ‌أمتنا على مفترق الطرق:

- ‌الثقافة ومشكلة التعريف

- ‌بين المدلولين: اللفظي والفكري

- ‌الثقافة في نطاق اللغة:

- ‌تعريف الأمور المعنوية:

- ‌الثقافة في اللغات الأجنبية:

- ‌الثقافة والمجتمع

- ‌الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية:

- ‌الثقافة وقيم المجتمع:

- ‌الثَّقَافَة وَالحَضَارَة

- ‌طبيعة العلاقة بين الثقافة والحضارة:

- ‌دلالة الثقافة والحضارة على مفاهيم واحدة:

- ‌الربط بين الثقافة والحضارة:

- ‌الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية

- ‌ركائز الثقافة الإسلامية

- ‌الحقائق اليقينية الهادية

- ‌ المنهج الإلهي الشامل:

- ‌رصيد الفطرة الإنسانية الأصلية

- ‌خصائص الثقافة الإسلامية

- ‌ موضع الثقة الكاملة:

- ‌ كمال تصورها للإنسان والحياة:

- ‌ وحدتها المترابطة المتناسقة:

- ‌ بثها روح التميز في الأمة:

- ‌ إيجابية في روحها:

- ‌ أخلاقية في دعوتها:

- ‌ رعايتها للوحدة الإنسانية والمثل العليا:

- ‌الفصل الثالث: الثقافة الإسلامية والقوى المعادية

- ‌معركة الإسلام في الحياة

- ‌معركة تصحيح شامل دائم

- ‌معركة تحديات وتبعات:

- ‌المعركة وأصالة البناء الثقافي:

- ‌طبيعة المعركة وصُوَر العَداء

- ‌المعركة في ماضيها وحاضرها:

- ‌صور العداء:

- ‌نظرة في التاريخ

- ‌أمة لا تذوب:

- ‌جاذبية المبادئ:

- ‌بين المد والجزر:

- ‌في العصر الأموي:

- ‌في العصر العباسي:

- ‌الصليبية والغزو الفكري:

- ‌الفصل الرابع: خطط المبشرين والمستشرقين

- ‌الغزو الاستعماري والتبشير

- ‌الغزو الفكري: أبعاده ومواجهته

- ‌الثقافة وهدف العداء:

- ‌المواقع الثقافية وحملات التشويه:

- ‌مدارس الإرساليات التبشيرية:

- ‌المناداة بتحرير المرأة:

- ‌نشر كتب الطعن على الإسلام:

- ‌الاستشراق والثقافة الإسلامية

- ‌بين المادحين والمشوهين:

- ‌تاريخ الاستشراق:

- ‌دوافع الاستشراق:

- ‌أهداف الدراسات الاستشراقية:

- ‌وسائل الاستشراق:

- ‌الفصل الخامس: الثقافة الإسلامية وآفاق الحياة الإنسانية

- ‌أفق البناء الفكري والخلقي

- ‌مدخل

- ‌تحرير العقل من التعطل:

- ‌الحَثّ على العلم:

- ‌السمو بالنفس وتطهير الضمير:

- ‌أفق البناء الاجتماعي والسياسي

- ‌إنشاء المجتمع الفاضل:

- ‌روح المسئولية في الدَّولة والحُكْم:

- ‌الروح الإنسانية في علاقات السلم والحرب

- ‌عالمية الإسلام وإنسانيته:

- ‌مبادئ الإسلام في العلاقات بين الناس:

- ‌أغراض الحرب في الإسلام:

- ‌قواعد الإسلام في الحرب:

- ‌الإحسان والتسامح مع المخالفين:

- ‌الوَفَاء بالعُهُودِ والمواثيق:

- ‌نماذج من الوفاء بالعهود:

- ‌بين وفاء المسلمين وغدر أعدائهم:

- ‌الدعوة إلى الجهاد والاستشهاد:

- ‌بين الإسلام والقانون الدولي العام:

- ‌الفصل السادس: في العقيدة

- ‌العقيدة والحياة

- ‌مدخل

- ‌العقيدة والواقع الإنساني:

- ‌العقيدة ومصير الأمم:

- ‌سنة الله في الأمم الجاحدة:

- ‌مثل من قصة بني إسرائيل:

- ‌عقيدة التوحيد في مواجهة الجاهلية:

- ‌العقيدة والإنسان

- ‌الإنسان بين الهداية والغواية:

- ‌طريقان لا تسوية بينهما:

- ‌العقيدة ذخيرة الخير:

- ‌العقيدة تحدد الهدف:

- ‌إقصاء العقيدة عدوان على الإنسان:

- ‌الإنسان في رحاب الإيمان:

- ‌الصلة بالله وأثرها في الطاقات الإنسانية

- ‌إنسان العقيدة:

- ‌خَصَائِصُ العقيدة

- ‌العقيدة قوة هدم وبناء:

- ‌العقيدة منهج القصد والاعتدال:

- ‌العقيدة رابطة أخوة وتراحم:

- ‌العقيدة علاج الأزمات:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌المواقع الثقافية وحملات التشويه:

الرجل الأبيض -مبشرًا وطبيبًا ومعلمًا- هي نسخة مكررة من رسالة المحارب الصليبي القديم الذي جاء إلى بلاد المسلمين بكل ما في صدره من حقد وضغينة "وهو يصغي إلى الريح التي تصفر من بعيد؛ من شواطئ رومه ومن شواطئ فرنسا وهو يردد: "إن الله يريدها" أي إن الله هو الذي أراد الحروب الصليبية1.

1 انظر: "التبشير والاستعمار" ص38 وانظر: "لا شيوعية ولا استعمار" تأليف: عباس محمود العقاد ص94-96.

ص: 171

‌المواقع الثقافية وحملات التشويه:

1-

ولقد شهدنا -في هذا العصر- مبلغ حرص الدول الاستعمارية على إنشاء المواقع الثقافية لها في البلاد الإسلامية؛ لتؤدي من خلالها مهمة استعمارية مزدوجة، وذلك بأن تنشر مفاهيمها الخاصة من جهة، وتشوه -من جهة أخرى- المفاهيم الإسلامية الأصيلة في حياة المسلمين، وبخاصة تلك المفاهيم التي يعتبرها المستعمرون من معوقات أهدافهم الاستعمارية البعيدة المدى.

إن المفاهيم الخاصة بهم التي يحرصون على غرسها في عقول أبناء المسلمين وتربيتهم عليها، وإنشائهم على التزامها، وصياغتهم للمستقبل على أساس منها، فهي المفاهيم النصرانية المحضة، التي تتراوح بين الغاية القصوى وهي: جعل المسلم نصرانيًّا في عقيدته، وبين ما دون ذلك من الغايات إذا تعذر إدارك الغاية القصوى، وتقوم هذه الغايات الأخرى على محور واحد وهو أن ينفك المسلم عن إسلامه بأي صورة من الصور، بدءًا من عاداته ومظاهر حياته، نهايةًً بعقيدته وتصوراته.

جاء في كلمة "شاتليه" عن إرساليات التبشير البروتستانتية: "ولا شك في

ص: 171

أن إرساليات التبشير -من بروتستانتية وكاثوليكية- تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأورربية، فبنشرها اللغات الإنكليزية والألمانية والهولندية والفرنسية، يتحكك الإسلام بصحف أوروبا، وتتمهد السبل لتقدم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التبشير لبناتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية، التي لن تحفظ لها كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها".

ويقول: "ولا ينبغي لنا أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعًا وخصائص أخرى إذا هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية؛ إذ إن الضعف التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية، وما يتبع هذا الضعف من الانتفاض والاضمحلال الملازم له سوف يفضي -بعد انتشاره في كل الجهات- إلى انحلال الروح الدينية من أساسها لا إلى نشأتها بشكل آخر.

ويدعو أخيرًا إلى أن يكتفي المبشرون من أهدافهم بانحلال الروح الإسلامية لدى المسلمين فيقول: "فلنقتصر إذن على القول بأن سير العالم الإسلامي تدرج نحو انحلال أفكاره الدينية وزوالها. وذلك أمر طبيعي ممكن التحقيق. أما فرض تدرج المسلمين إلى اعتناق المسيحية فخارج عن حد الإمكان"1.

2-

ولقد شكا المبشرون في عدد من المؤتمرات التبشيرية من إخفاقهم في تحويل المسلمين إلى النصرانية وقالوا: إنه لا يستجيب أحد من المسلمين للتبشير إلا أحد اثنين: طفل مخطوف من أهله وهو صغير فيربى على

1 انظر: "الغارة على العالم الإسلامي" ص17-20.

ص: 172

النصرانية وهو جاهل بأصل عقيدته، أو رجل معدم لا يجد سبيلًا للعيش إلا الدخول في النصرانية ليحصل على لقمة الخبز ويظل من المشكوك فيه أنه غيَّر عقيدته حقيقة.

إزاء هذه الشكوى قام القس "صموئيل زويمر" يقول في نهاية هذا المؤتمر: "إن الخطباء قد أخطئوا أيما خطأ، وإنه ليس الهدف الحقيقي للتبشير هو إدخال المسلمين في النصرانية، وإنما الهدف هو تحويل المسلمين عن التمسك بدينهم، وفي ذلك قد نجحنا نجاحًا باهرًا عن طريق مدارسنا الخاصة. وعن طريق المدارس الحكومية التي تتبع مناهجنا"1.

3-

وبدا واضحًا أن الغربيين الحاقدين -من مبشرين ومستشرقين وغيرهم- أدركوا إخفاقهم في تحويل المسلمين إلى نصارى، فلجئوا إلى خطتهم الرامية إلى تشويه المفاهيم الإسلامية بكل وسيلة، وركزوا اهتمامهم على تلوين المسلمين بالنصرانية والمفاهيم الغربية والمادية تلوينًا يبعدهم عن عقيدتهم الإسلامية، ثم يدينهم -فكرًا وخلقًا وولاءً وشعورًا- من الغرب.

يقول "جيب" في كتابه "إلى أين يتجه الإسلام؟ " موضحًا موقف التفكير الديني إزاء الثقافة الغربية: "إنه قد يبدو للنظرة الأولى أن الجمهرة العظمى من المسلمين لم تتأثر بمؤثرات دينية أوروبية، وأن التفكير الديني الإسلامي قد ظل وثيق الاتصال بأصوله الدينية التقليدية. ولكن ذلك ليس هو الحقيقة كلها. فالواقع أن التعاليم الدينية ومظاهرها -عند أشد المسلمين محافظة على الدين وتمسكًا به- قد أخذت في التحول ببطء خلال القرن الماضي. فإن دخول عناصر جديدة على الحياة الإسلامية

1 انظر: "معركة التقاليد" تأليف: محمد قطب ص181.

ص: 173

كان يقتضي إبراز بعض تعليمات الدين، وتوجيه عناية أكبر لها، ووضعها في المكان الأول، ووضع تعليمات أخرى في مرتبة غير أساسية، وإذا حدث هذا فمعناه: أن الموازين الدينية والتعاليم الأخلاقية في الإسلام آخذة في التحول، وأن هذا التحول يتجه نحو تقريبه من الموازين الغربية في الأخلاق، التي هي في الوقت نفسه متمثلة في التعاليم الأخلاقية للكنيسة المسيحية1.

4-

ولقد شن المبشرون والمستشرقون وغيرهم من أعداء الإسلام حملة شديدة على القرآن الكريم، وكان أول همهم أن يبحثوا لأوروبا عن سلاح غير أسلحة القتال لتخوض المعركة مع هذا الكتاب الذي سيطر على الأمم المختلفة الأجناس والألوان والألسنة، وجعلها أمة واحدة، تعد العربية لسانها، وتعد تاريخ العرب تاريخها، وقد لخص "وليم غيفورد بلغراف" الإنكليزي -الذي سُمّي "الحرباء" بسبب تحوله إلى راهب يسوعي بعد أن كان قسًّا بروتستانتيًّا، ثم عاد بعد ذلك إلى بروتستنتي كما كان -لخص "بلغراف" هذا عداء الغربيين للقرآن في كلمته المشهورة:"متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه"2.

ويقول أحد المبشرين "جون تاكلي": "يجب أن نستخدم كتابهم -أي: القرآن الكريم- وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تمامًا. يجب أن نُرِي هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد فيه ليس صحيحًا"3.

1 انظر: "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" للدكتور محمد محمد حسين ج2 ص199.

2 انظر: "أباطيل وأسمار" تأليف: محمود محمد شاكر، فصل "وهذا هو تاريخها" يعني الدعوة إلى العامية وهي إحدى وسائل المبشرين والمستشرقين. ص169-194.

وانظر: "التبشير والاستعمار" ص35.

3 التبشير والاستعمار ص40.

ص: 174

5-

ولقد دعوا في سبيل تحقيق أهدافهم الخبيثة إلى تطوير الإسلام تطويرًا تامًّا، وبثوا فكرة إعادة تفسيره، بحيث يبدو متفقًا مع الحضارة الغربية وغير متعارض معها على الأقل، بدل أن يبدو عدوًا لها أو معارضًا لقيمها وأساليبها. والحضارة الغربية -في حقيقتها- قائمة على الحضارة الرومانية الوثنية "أو لا تزال في واقعها وثنية مادية لا تؤمن بغير القوة". من أجل ذلك نرى فرقًا عظيما بينها وبين الإسلام الذي بني على الروح والأخلاق والمثل العليا، تلك الأسس التي جعلت في الإسلام مناعة ذاتية جبارة، ولا ريب في أن هذه الحقيقة الثمينة قد انكشفت لغلادستون -وزير بريطانيا الأول وأحد موطدي أركان الإمبراطورية في الشرق- حين قال:"ما دام هذا القرآن موجودًا فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان"1.

إن هذا التطوير الذي انطلقت الدعوة من دوائر المستشرقين والمبشرين في الغرب، إنما يعني في الحقيقة هدم الإسلام ونسف أصوله والقضاء عليه كقوة فاعلة في هذه الأرض تنشر الهدى وتكافح الشر.. ولقد جال هذا الاستعمار جولات خطيرة تحت شعار التطوير والتجديد والتقدم وغير ذلك من الشعارات.. إلى جانب جولاته العسكرية التي تستخدم الحديد والنار.. وكان في جولاته هذه كلها يخوض معركة محاولة اقتلاع الإسلام من الجذور.. وهي معركة أراد بها تشويه تعاليم الإسلام باسم العلم والحضارة والتقدم والتطور، ونشر هذه الصورة المشوهة في قلوب المسلمين، بالإضافة إلى إذلالهم والسيطرة عليهم واحتلال أرضهم.. وإذا كان الاستعمار قد احتاج -كما أسلفنا- إلى جهود مضنية للاستيلاء على العالم الإسلامي، استغرقت قرنًا من الزمان..

1 الدكتور عمر فروخ في حواشي كتاب: "الإسلام على مفترق الطرق" تأليف: محمد أسد ص41.

ص: 175

فقد احتاج إلى قرن آخر لمحاولة تقويض الإسلام من الداخل، من مكمن العقيدة في داخل النفوس.. وهي محاولة ليست سهلة ميسورة، لقوة رسوخ العقيدة في نفوس المسلمين، ومدى مقاومتها للأحداث الرهيبة.. ولكن الاستعمار الصليبي لم ييأس، ووضع الخطط الماكرة لتوهين العقيدة في نفوس المسلمين، واستطاع أن يربي على سمومه الخبيثة هذه أجيالا لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، وإلا أنه علاقة بين "العبد وربه" لا صلة لها بالسلوك العملي، ولا علاقة لها بشئون المجتمع وشئون الحياة، أو لا تعرف عنه إلا أنه رجعية وجمود وتأخر، ينبغي الانسلاخ منها للحاق بركب الحياة..

6-

وقد انتشرت هذه الأفكار وراجت هذه المفاهيم في العالم الإسلامي على أيدي طائفة من الكتاب المثقفين والباحثين الذين أوكل إليهم الاستعمار مهمة التوجيه والتأثير، وقيادة الفكر والثقافة وأمور التربية والتعليم.. وكانت الدوائر التبشيرية والاستشراقية هي المحاضن الأساسية التي أنفق عليها المستعمرون نفقات كبيرة، ورصدوا لها أضخم الميزانيات، وزودوها بجيش من الخبراء؛ فأصبحت المؤسسات الثقافية التابعة لهذه الدوائر الاستعمارية الصليبية تضم بين جنباتها مئات الألوف من أبناء العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا.

ومما يدل على ذلك ويؤكده -على سبيل المثال لا الحصر:

أ- ما صرح به القائد الفرنسي الجنرال "بيير كيللر" في قوله عن المعاهد الفرنسية في لبنان: "فالتربية الوطنية كانت بكاملها تقريبًا في أيدينا، بداية حرب عامي "1914-1918م" كان أكثر من اثنين وخمسين ألف تلميذ يتلقون دروسهم في مدارسنا، وكان بين هؤلاء فتيان وفتيات ينتمون إلى عائلات إسلامية عريقة"1.

1 "القضية العربية في نظر الغرب" ص34 نقلًا عن محمد محمد حسين في كتابه "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" ج3 ص266.

ص: 176

إن أهداف الاستعمار من إنشاء المواقع الثقافية له في البلاد الأخرى -وبخاصة البلاد الإسلامية- هو تخريج قادة يستلمون بعد رحيله الذي لا بد أن يقع زمام التوجيه والتخطيط؛ لتحقيق مفاهيمه الاستعمارية، في العقيدة والفكر، والسياسة والاجتماع، وليكونوا مستخلفين من بعده على قومهم في تنفيذ المبادئ التي رباهم عليها، ونشر الثقافة التي تخدم مطامعه وأغراضه، والتي يعطيها -خداعًا وتضليلاً- صيغ العلاقات الطيبة والتفاهم المتبادل..

ب- وقد عبر اللورد لويد -حين كان مندوبًا ساميًا لبريطانيا في مصر- عن هذه الأهداف تعبيرًا صريحًا في خطبته التي ألقاها في كلية "فيكتوريا" بالإسكندرية سنة 1926م حين قال: "لقد أوجد اللورد كرومر شركة وطيدة بين بريطانيا ومصر، وهذه الشركة مهما تغيرت أشكالها لازمة للشريكين، وهذا يجعل استمرارها لا مندوحة عنه، فعلينا أن نقوي كل ما لدينا من وسائل التفاهم المتبادلة بين البريطانيين والمصريين.. وقد كان هذا التفاهم المتبادل غاية لورد كرومر من تأسيس كلية فيكتوريا بوجه عام، ومن تأسيسها في الإسكندرية بوجه خاص، وهي غاية أعتقد أن الكلية تحققها.. وليس من وسيلة لتوطيد هذه الرابطة أفضل من كلية تعلم الشبان من مختلف الأجناس المبادئ البريطانية العليا".

وبعد أن أشار إلى أن المدرسة تضم طلبة ينتمون إلى ثمانية أجناس أو تسعة قال: "كل هؤلاء لا يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية، بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ، فيصيروا قادرين أن يفهموا أساليبنا ويعطفوا عليها.. ومتى تسنى للجمهور أن يعرف هذه الكلية أكثر مما عرف عنها في الماضي، ينتبه الآباء إلى أن تعليم أولادهم فيها ينمي فيهم من الشعور الإنكليزي ما يكون كافيًا

ص: 177