الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد رأينا كيف أن "رامون لل"عرض على البابا "سلتين الخامس" في عام 1294م خطته التبشيرية التي تتخذ العلم والمدارس وسيلة للتبشير، فإن لم تفلح فلا بد من تنصير المسلمين بالقوة.. وتحرك التبشير والاستعمار لتحقيق هذا الهدف، تحفزه إلى التخطيط الدائب والعمل المستمر تلك الروح الصليبية الحاقدة، التي نجد نماذج كثيرة من التعبير عنها في أقوال المبشرين والمستشرقين ومكائدهم الكبرى
…
يقول القس "صموئيل زويمر" في المؤتمر التبشيري الذي عقد -في أوائل هذا القرن الميلادي- للنظر فيما سماه المؤتمر "كارثة اجتماع المسلمين على رأي واحد":
"إن المبشرين المنتشرين على ضفتي النيل وشرقي إفريقيا وبلاد النيجر والكونغو يشكون مر الشكوى من انتشار الإسلام بسرعة في هذه الأنحاء. وبالرغم من أن انتشاره في الهند الهولندية قد لقي الموانع من مجهودات جمعيات التبشير الهولندية والألمانية؛ فهو يتوطد ويثبت هناك لأن المسلمين أخذوا يستبدلون التقاليد الخرافية بعقائد ثابتة قويمة، وفي أمريكا عدد كبير من المسلمين لا يستهان به إذ بلغ "56 ألفًا".
وأضاف: "إن الإسلام قد بدأ يتنبه لحقيقة مواقفه ويشعر بحاجته إلى تلافي الخطر.. ولكن إذا نظرنا إلى البلاد التي يحكمها هذا الدين الكبير المخاصم لنا، وإلى البلاد التي يتهددها بحكمه، ظهر لنا أن كل واحدة من هذه البلاد رمز لمشكلة من المشاكل الكبرى.. وعلى كلٍ فالإسلام يحتاج قبل كل شيء إلى المسيح"1.
1 انظر: "يوم الإسلام" تأليف الدكتور: أحمد أمين ص212-213.
المناداة بتحرير المرأة:
1-
ولقد اهتم المبشرون اهتمامًا كبيرًا بما سموه تحرير المرأة، ولهم في ذلك
نشاط واسع يرمي إلى تخريج جيل من الفتيات المسلمات اللواتي لا يعرفن عن دينهن وتاريخهن شيئًا، ويتعلقن تعلقًا كاملاً بالحياة الغربية التي تتيح لهن أن ينطقن باسم التحرر والمساواة في تيار الفساد والانحلال، ذلك أن المرأة في أوروبا قد تحررت فعلاً.. ولكن من الدين والخلق والكرامة.. وتساوت مع الرجل في العمل الشاق المرهق، واضطرت في المجتمع الغربي المنحل أن تتبذل لتضمن الحصول على لقمة العيش.
لقد أراد المبشرون أن يخرجوا المرأة المسلمة عن عقيدتها وخلقها وكرامتها ودعوا إلى تعليمها وفق مناهجهم التربوية الخبيثة لتصبح متحررة من الإسلام، فلا تكون في المستقبل الأم المسلمة التي تغرس في أبنائها بذور العقيدة، وتنشئ فيهم روح الإيمان، وتحفزهم إلى البطولة والجهاد، وبذلك يتحقق لهم هدفهم الخطير الذي لا يفترون عن العمل لبلوغه، وهو القضاء بشتى الوسائل على كل ما يؤدي إلى إنشاء جيل مسلم يحمل رسالة الإسلام من جديد.
2-
أدرك المبشرون أن المرأة ذات أثر عميق في التربية فَأَوْلَوْهَا اهتمامًا عظيمًا، وبادروا إلى فتح أول مدرسة تبشيرية للبنات في بيروت عام 1830، ومن ثم فتحوا مدارس كثيرة للبنات في مصر والسودان وسورية، والهند والأفغان.. وقالوا:"إن التبشير يكون أتم حبكًا في مدارس البنات الداخلية، لما يكون فيها من الأحوال المواتية والفرص السانحة، إن المدرسة الداخلية تَفْضُلُ المدرسة الخارجية؛ لأنها تجعل الصلة الشخصية بالطالبات أوثق، ولأنها تنتزعهن من نفوذ بيتية غير مسيحية، ويفرح المبشرون إذا اجتمع في مدارسهم الداخلية بنات من أسر معروفة لأن نفوذ هؤلاء يكون حينئذ في بيتهن أعظم.. وتتكلم المبشرة "أنّا ميليغان" فتقول: "في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهن "باشاوات"
1 الدكتور محمد محمد حسين: "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" ج2 ص199.
و"بكوات"، وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وليس ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة".
3-
ولم تخلُ مؤتمرات المبشرين فيما أصدرت من قرارت وتوصيات من الإلحاح على تحرير المرأة وتعليم النساء.. فقد جاء في كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" الذي صدر في فرنسا قبل نيف وخمسين عامًا ما يؤكد ذلك:
جاء في الصفحة 47: "ينبغي للمبشرين ألا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة؛ إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربيين وتحرير النساء".
وجاء في صفحتي 88، 89 تقرير عن أعمال وقرارات "مؤتمر لكنو ومؤتمر القاهرة" فقد وضع مؤتمر لكنو التبشيري -الذي عقد سنة 1911م- في برنامجه عدة أمور:
أولها: درس الحالة الحاضرة.
ثانيها: استنهاض الهمم لتوسيع نطاق تعليم المبشرين والتعليم النسائي. أما لجنة مواصلة أعمال مؤتمر القاهرة الذي عقد سنة 1906 فقد وضعت هي الأخرى برنامجًا يحتوي على مواد منها: المادة السابعة: الارتقاء الاجتماعي والنفسي بين النساء المسلمات2.
وحول التركيز على المرأة على أيدي المبشرين يقول "جيب": "إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني. لقد شعرت دائمًا أن
1 الدكتوران عمر فروخ ومصطفى الخالدي: "التبشير والاستعمار" ص86.
2 انظر في ذلك كتاب "جاهلية القرن العشرين" تأليف: محمد قطب ص331.