الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصر فالتف حوله ناس من أهلها، وأشهر تعاليمه: الوصايا والرجعة"1
ومن هذا نرى أن بذور الفتنة، وجذور الشر قد نشأت خلال هذه الفترة -التي اتسمت بالصراع السياسي الحاد- من قبل أعداء الإسلام وبخاصة اليهود.
1 أحمد أمين: "فجر الإسلام" ص269.
في العصر العباسي:
لم تكن المدة الطويلة التي قضاها بنو العباس في منصب الخلافة على نمط واحد من ناحية سلطة الخلفاء، وإنما تفاوتت هذه السلطة مما جعل المؤرخين يقسمون مدة الخلافة العباسية إلى عصور:
العصر الأول: "132-232هـ".
العصر الثاني: "232-590هـ".
العصر الثالث: "590-656هـ".
وليس من شأننا هنا أن نستعرض بالتفصيل أبرز ما جرى في هذه العصور، فتلك مهمة البحث التاريخي المتخصص، ولكن من الملحوظ أن التفاوت بين هذه العصور كان بعيدًا من جوانب شتى:
أ- كانت السلطة خلال العصر الأول قوية وكان الخلفاء يمارسون الحكم، ويخوضون المعارك، ويقودون الجيوش، ويحبون العلم، ويقربون ذويه..
وقد بلغت الثقافة في هذا العصر الذي يطلق عليه الباحثون "العصر الذهبي" شأوا بعيدًا، وقد "صور Professor Nichotson"
النشاط العلمي في العالم الإسلامي تصويرًا دقيقًا يحسن أن نقتبس منه السطور التالية.. قال: "كان جلة الباحثين وطلاب العلم من المسملين يرحلون في حماسة ظاهرة وسط القارات الثلاث "وهي عالم ذلك العصر" ثم يعودون إلى بلادهم كما يعود النحل محملًا بالعسل الشهي، فيجلس هؤلاء الباحثون ليرووا شغف الجماهير التي كانت تنتتظر عودتهم لتلتف حولهم، فينالوا من علومهم ومعارفهم زادًا وفيرًا، وخيرًا عميمًا، كما كان هؤلاء الباحثون يعكفون أحيانًا على تدوين ما جمعوا وما سمعوا، ثم يخرجون للناس كتبًا هي بدوائر المعارف أشبه، مع نظام وبلاغة عذبة، وهذه الكتب هي المصادر الأولى للعلوم الحديثة بأوسع ما تحتمله كلمة العلوم من معنى، وهي مرجع العلماء والباحثين، ومنها يستمدون فنونًا من الثقافة والمعرفة أعمق بكثير مما يظن الناقدون.
ومن الطبيعي أن يكون العصر العباسي الأول أنسب العصور ملاءمة للنهضة الثقافية، فمدنية الإسلام بدأت فيه تستقر بعد هدوء حركة التوسع والفتوح التي كانت طابع العصر الأموي، والثقافة تنتشر بين الأمة إذا هدأت، واستقرت أمورها، وانتظم ميزانها الاقتصادي، وجل هذا قد توافر للأمة الإسلامية بعد قيام الدولة العباسية"1.
ب- أما العصر العباسي الثاني: فقد ضاعت فيه السلطة من أيدي الخلفاء وانتقلت إلى أيدي الأتراك والبويهيين والسلاجقة فقد كان هؤلاء يسيطرون على الإدارة الحكومية في الداخل والخارج، ويدبرون الشئون العسكرية ويقومون بتدبير المسائل المالية، وقد ضعف الخلفاء أمامهم ضعفًا جعلهم يستأثرون بالنفوذ والسلطان في الدولة، ولقد أطلق المؤرخون على هذا العصر اسم العصر التركي تمييزًا له عن العصر الذي سبقه، والذي كان في أثنائه نفوذ الفرس كبيرًا.
1 انظر "التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية". للدكتور أحمد شلبي ج3 ص213.
ج- أما العصر العباسي الثالث: "فقد ضعف فيه سلاطين السلاجقة وأخذت دولتهم في الانحلال والتفكك فقام بها حكام كثيرون عرفوا بالشاهات والأتابك. استقل كل منهم بجزء من مملكة السلاجقة، فانتهز الخليفة هذه الفرصة وأعلن استقلاله ببغداد وما حولها، وظل الخليفة ومن بعده أولاده يستمتعون باستقلال كامل في هذه المنطقة الصغيرة حتى دهم التتار العالم الإسلامي وهدموا بغداد وقتلوا الخليفة، وأنهوا خلافة بني العباس سنة 656هـ"1.
ومما يسجل في العصر العباسي جملة أن الانحراف فيه أخذ جانبين هما:
1-
الانحراف الفكري بدخول بعض المفاهيم الغربية على الفكر الإسلامي مما أدى إلى شيوع حركة الزندقة الناتجة عن رواسب الفلسفات النظرية التجريدية لدى اليونان والفرس والهند.
2-
استشراء الفساد الخلقي وشيوع الترف والانصراف عن الجد في قصور الخلفاء والأمراء وانعكاس ذلك على المجتمع وبروز آثاره في جوانب من أدب هذا العصر. ولكنه -على أية حال- ظل انعكاسًا ضئيلًا بدليل انتشار الحركة العلمية ونمو الدعوة الإسلامية، وامتداد حركة الفتح -وبخاصة في المشرق- على الرغم مما وقع في أواخر هذا العصر من ضعف الدولة وتجزئة كيانها السياسي الذي أدى إلى سقوطها.
على أن مما ينبغي الاهتمام به والالتفات إليه في العصر التركي -في صدد تقويمه تقويمًا صحيحًا -ما تحقق للمسلمين خلاله من مجد حربي، ويعود سببه إلى قوة العقيدة، وتحرك القيادة على أساس منها، كما في "عين جالوت" التي هزم فيها التتار، و"حطين" التي هُزِم فيها الصليبيون. على أنه مما يلاحظ هنا أنه كان هنالك ضعف في الحركة العلمية، ومظاهر
1 المرجع السابق: ص15.