الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصاعقة، فإذا هم صرعى هالكون، كأنهم الأعواد الجافة اليابسة، وبادوا عن آخرهم، ولم تبق منهم باقية..
وفي ذلك يقول عز وجل:
1 القمر: "18-32".
مثل من قصة بني إسرائيل:
3-
وفيما وقع لبني إسرائيل مثل يصور هذه الحقيقة، وله دلالته الكبرى في كل أمة
…
وتبرز فيما وقع لهم صورتان:
الصورة الأولى:
هي أنهم قد تجرعوا مرارة الذل والهوان أحقابًا طوالًا، وعانوا من بطش فرعون الذي كان يقتل أطفالهم ويستحيي نساءهم.. وقد بدأ الفرعون "رعمسيس الثاني" اضطهادهم، وامتحنوا امتحانًا شديدًا.. وقد بلغ من اضطادهم أن أمر فرعون جنوده أن يُلْقُوا في النهر بكل ذكر من أبناء بني إسرائيل ليموت غرقًا، وأجبرهم على العمل الشاق في تعبيد الطرق وبناء المعابد.. ولقد أزمع فرعون أن يقضي عليهم ويبيدهم.. ولكن يشاء الله تبارك وتعالى -الذي أنعم عليهم بوافر النعم، وفضلهم على أبناء زمانهم بسبب إيمانهم- أن يكرمهم بما يكون سببًا لنجاتهم، وتأييد الله لهم، وإهلاكه لعدوهم، وفي ذلك يقول عز وجل:
لقد بعث الله فيهم موسى عليه السلام مؤيدًا بالآيات الخارقة من ربه، التي أراه الله إياها ليطمئن قلبه، وذلك حين أمره أن يلقي عصاه فإذا هي حية تسعى، وأن يدخل يده في جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء.. ثم عادت عصاه سيرتها الأولى، ورجعت يده كعهده بها، وقد أمر الله بعد ذلك أن يذهب إلى فرعون الذي طغى وبغى2.
1 البقرة: "47".
2 يروى أنه "منفتاح" الذي كان وليًا للعهد حين كان موسى في بيت فرعون.. وليس في القرآن الكريم ذكر لاسمه أو اسم من سبقه، ولكن فيما حكاه القرآن ما يدل على أن فرعون يعرفه ويعرف نشأته في بيت فرعون وذلك حيث يقول تعالى -حكاية عن فرعون في خطابه لموسى-:{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} "الشعراء:18-19". وقد رد موسى على ذلك: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّين، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} . الشعراء: "20-21"
انظر "قصة بني إسرائيل" تأليف: عبد الرحيم فودة ص38-39.
قال تعالى:
{فَكَذَّبَ وَعَصَى، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى، فَحَشَرَ فَنَادَى، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} 1.
فبلغه موسى أمر ربه، وحمل إليه أمانة هذه العقيدة، وأراد أن ينقذ قومه بني إسرائيل من عدوانه وطغيانه، فكان مما قاله موسى لفرعون:
فضاق فرعون بهذه الجرأة عليه وعلى الملأ من حوله..
{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} 3.
ولكن موسى عاد يطلب من فرعون أن يطلق سراح بني إسرائيل وذلك حيث يقول الله تعالى -حكاية عن موسى-:
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} 4.
غير أن فرعون لم يستجب له، وزاد في عُتُوِّه وغُلُوِّه حين قاله له -كما حكى الله ذلك عنه:
1 النازعات: "21-24".
2 الأعراف: "104-105".
3 الشعراء: "27".
4 الشعراء: "22".
{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} 1.
وتحول الأمر بعد ذلك إلى التحدي، وأحضر فرعون المهرة من السحرة، وجمعهم من المدائن؛ كي يظهر عجز موسى أمامهم.. وكان للسحر منزلة عظيمة بمصر في ذلك العصر
…
وفي ذلك اليوم الذي جمع له الناس، وبعد أن ألقى السحرة ما بأيديهم من العصي والحبال، وسحروا أعين الناس، ألقى موسى عصاه -تنفيذًا لأمر الله- فإذا هي حية تسعى، وإذا هي تلقف ما يأفكون، وألقي السحرة ساجدين، وكانوا أول من آمن برب موسى وهارون، بين تهديد فرعون ووعيده لهم بقتلهم، وصلبهم في جذوع النخل.. وقال هؤلاء المؤمنون من السحرة لفرعون:
بعد أن فوجيء فرعون بما لم يكن يتوقع من إيمان السحرة، وفضيحة الهزيمة أمام موسى، اشتدت به غُلُوَاء العناد والكبرياء وأزمع قتل موسى، والخلاص من بني إسرائيل.. ولكن موسى عليه السلام قال لهم -كما حكى الله عنه:
1 الشعراء: "29".
2 طه: "72-74".
3 الأعراف: "128".
وهنا تتدخل القدرة الإلهية لترد عن موسى والمؤمنين من قومه ما يكتنفهم من البلاء، ويأخذ الله آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات، وتتعرض مصر لألوان من البلاء والشقاء، ويحس أعداء العقيدة من قوم فرعون الحاجة إلى دعاء موسى فيقولون:
ولم تُجْدِ الآيات البينات التي أجراها الله على يد موسى في صرف فرعون وقومه عن عتوهم وكفرهم، فلم يبق إلا أن تحق عليهم كلمة العذاب تطبيقًا لسنة الله، وأوحى الله إلى موسى أن يسري بعباده ويرحل بهم كما قال عز وجل:
{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} 2.
ورحل موسى بقومه وأمره الله -حين أدركوا البحر ومن خلفهم فرعون وجنوده- أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق، وانحسرت الأمواج من الجانبين كالجبال، ونجى الله موسى ومن معه، واقتحم فرعون الطريق وراءهم، ولكن ما كان يتوسط البحر حتى أطبق عليه الموج.
1 الأعراف: "134-135".
2 الدخان: "23".
3 يونس: "90".
ولكن ذلك كان بعد فوات الأوان، فكان الرد الإلهي على فرعون:
هذه صورة من إكرام الله تبارك وتعالى لمن يقف في صف العقيدة، مؤمنًا بها، ثابتًا عليها، عاملًا على إقامتها في الأرض، ونشرها بين الناس.. مصداقًا لقوله تعالى عز وجل:
ومصداقًا لقوله تبارك وتعالى:
الصورة الثانية:
أما الصورة الأخرى فتبدأ بفرح بني اسرائيل بسبب نجاتهم من بطش فرعون وطغيانه، ولكنهم لم يكادوا يمضون مع موسى بعد خروجهم من البحر حتى رأوا قومًا يعبدون أصنامًا لهم، فإذا بهم يقولون لموسى:
1 يونس: "1-92".
2-
القصص:" 5-6".
3 الدخان: "30-32".
وسرعان ما نَسُوا الله الذي أنجاهم من الظلم والطغيان، بما ساق من الآيات والمعجزات التي تدعو إلى الثبات على الإيمان، ومع ذلك فقد شملتهم رحمة الله وفجر لهم -سبحانه- الماء من الحجر اثنتي عشرة عينًا، وأرسل عليهم الغمام يقيهم حرارة الشمس، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى.
ولما مضى بهم موسى في صحراء سيناء، ثم ذهب لميقات ربه وخلف أخاه هارون نائبًا عنه، اتبعوا سبيل المفسدين وعصوا هارون وأطاعوا السامري، الذي قدم لهم عجلًا أوهمهم أنه إلههم وإله موسى، وطلب إليهم أن يعبدوه، فأطاعوه وانصاعوا له.. وتذكر التوراة أن موسى حين عاد وأبصر العجل، ورأى قومه يرقصون حوله.. لام أخاه فاعتذر إليه "بأن هذا الشعب شرير". لقد صرفهم السامري عن عبادة الله، وفتنهم بعبادة صنم أبكم لا يسمع ولا يفهم، ولم يَأْبَهُوا لهارون وهو يقول لهم:
ولقد كان موسى عليه السلام من قومه في جيل ذليل، لا يصلح لقتال فلما أن دعاهم لدخول الأرض المقدسة قائلًا:
1 الأعراف: "138-139".
2 طه: "90".
3 المائدة: "21".
لم يكن جوابهم إلا أن رَدُّوا على موسى الذي يدعوهم إلى العزة ودخول الأرض التي كتب الله لهم قائلين:
وامتلأت نفوسهم بالفزع من ملاقاة أعدائهم، وقالوا:
وكان أن عاقبهم الله بأن يتيهوا في الأرضأربعين سنة، قبل أن يدخلوا الأرض المقدسة، كما قال عز وجل:
ولعل من حكمة الله تبارك وتعالى في هذه العقوبة ما ذكره "ابن خلدون" من أنها "لإفناء أبناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة، وإنشاء جيل آخر عزيز لا يعرف الأحكام والقهر ولا يسام الذل والهوان".
لقد أكرم الله هؤلاء في مرحلة التزامهم بالعقيدة بالآيات الباهرة، وأسبغ عليهم نعمه الكثيرة، وأنجاهم من عدوهم، فاتخذوا في البحر طريقًا يبسًا، أطبق الموج فيه من بعدهم على عدوهم، ثم لما انحرفوا عن العقيدة، وجانبوا طريقها القويم عاقبهم الله بالتيه أربعين سنة.. وذلك هو الدرس العظيم الذي
1 المائدة: "22".
2 المائدة: "24".
3 المائدة: "26".