الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرى لا من أجل تعديل ثقافي، بل من أجل تعديل سياسي، لوضع خططها السياسية مطابقةً لما تقتضيه الأوضاع في البلاد الإسلامية من ناحية، ولتيسير هذه الأوضاع طبق ما تقتضيه السياسات في البلاد الإسلامية، لتسيطر على الشعوب الخاضعة فيها لسلطانها"1.
ولا بد لنا حتى تكتمل الصورة من الإشارة إلى تاريخ الاستشراق وميدانه ودوافعه وأهدافه ووسائله2.
1 مالك بن نبي: "إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي" ص8.
2 انظر بحثا للدكتور مصطفى السباعي بعنوان: "الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم"ص15-30".
تاريخ الاستشراق:
لا يعرف بالضبط من هو أول غربي عني بالدراسات الشرقية ولا في أي وقت كان ذلك، ولكن المؤكد أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس في إبان عظمتها ومجدها وتثقفوا في مدارسها، وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم، وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم، وبخاصة في الفلسفة والطب والرياضيات..
ومن أوائل هؤلاء الرهبان، الراهب الفرنسي "جربرت" الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام 999م بعد تعلمه في معاهد الأندلس وعودته إلى بلاده، و"بطرس المحترم 1092م-1156م"و "جيرار دي كريمون 1114-1187م".
وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم، ثم أسست المعاهد للدراسات العربية أمثال مدرسة "بادوي العربية" وأخذت الأَدْيِرَة والمدارس الغربية تدرس مؤلفات العرب
المترجمة إلى اللاتينية -وهي لغة العلم في جميع بلاد أوروبا يومئذ- واستمرت الجامعات الغربية تعتمد على كتب العرب، وتعتبرها المراجع الأصلية للدراسة قرابة ستة قرون.
ويذكر بعض الباحثين أن هذه المحاولات الاستشراقية التي بدأت في وقت مبكر لا تعدو أن تكون فردية أو جماعية محدودة، برزت بشكل أكثر شمولاً في بعض البلاد الأوروبية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، ويكاد الدارسون لتاريخ الاستشراق يجمعون على أن انتشاره في أوروبا ظهر بصفة جدية بعد فترة ما يسمى في التاريخ الأوربي "عهد الإصلاح الديني"1.
ولم ينقطع منذ ذلك الوقت وجود أفراد درسوا الإسلام واللغة العربية، وترجموا معاني القرآن وبعض الكتب العربية العلمية والأدبية، حتى جاء القرن الثامن عشر -وهو العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته- فإذا بعدد من علماء الغرب ينبغون في الاستشراق ويصدرون لذلك المجلات في جميع الممالك الغربية، ويغيرون على المخطوطات العربية في البلاد العربية والإسلامية فيشترونها من أصحابها الجهلة، أو يسرقونها من المكتبات العامة التي كانت في نهاية الفوضى، وينقلونها إلى بلادهم ومكتباتهم وإذا بأعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية تنتقل إلى مكتبات أوربا، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلد وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم.
"ويعتمد المستشرقون -فيما يعتمدون- على عقد المؤتمرات العامة من وقت لآخر لتنظيم نشاطهم، وأول مؤتمر عقدوه كان في سنة 1783م وما زالت مؤتمراتهم تتكرر حتى اليوم.
وفي العصر الحديث تقوم المؤسسات الدينية والسياسية والاقتصادية في
1 انظر: "التفكير الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي" تأليف: الدكتور محمد البهي ص532.