الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقيدة تحدد الهدف:
1-
تضع العقيدة هذا الإنسان في موضعه الصحيح، فتنير له دربه في الحياة؛ ليسير على هدى وبصيرة، ويسلك سبيل الحق والرشاد، في معالم واضحة، وخطىً ثابتة، وهدفٍ مرسوم، وقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وسوَّاه ونفخ فيه من روحه، وجعله خليفة في الأرض ليعمرها بالخير، وليقيم فيها مُثُلَ العقيدة الصالحة، والفكر السليم، والخلق القويم، وغَرَسَ فيه روح العبودية الخاشعة، والامتثال الكامل، وجعله ذلك المخلوق الجدير بأن يحمل هذه الأمانة الثقيلة، وينهض بأعباء هذه الرسالة الجليلة، بما أفاض عليه من النعم التي لا تحصى، وما زوده به من عقل مدرك، وفطرة نقية، وضمير طاهر، وإرادة فاعلة، وكلفه أن يسعى في إصلاح نفسه، ورعاية أهله، والبر بإخوانه، وأن يلتزم ما شرع له ربه من أحكام، وحَدَّ من حدود، ويؤدي ما افترضه عليه من فرائض، ودعاه إليه من فضائل، وفي هذا كله تكريم له، وإعزاز لشأنه، وإحاطة له بجو الطمأنينة والراحة النفسية.
قال تعالى:
وقال عز وجل:
1 الإسراء: "70".
2 التين: "4-6".
وقال:
2-
ثمة -إلى جانب هذه الحقيقة- واقعٌ صارخٌ مرير وهو: أن هذا الإنسان قد جعلته الفلسفة اليونانية حيوانًا ناطقًا، وورثت المدنية الأوربية هذه النزعة، فرسمت له هدفه استغراقًا في المتاع الحسي والتقدم العلمي، ثم ظهرت المادية التاريخية فحولته إلى معدة جائعة لا ضمير لها ولا شعور، في تيار الاقتصاد الذي يوجه البشر إلى الصراع الحاقد بين الطبقات.. وفَقَدَ الإنسان في قبضته هذه العقائد الغامضة، والفلسفات المضطربة معنى وجوده الحق؛ ذلك لأن كل هذه المحاولات التي أرادت أن تحدد للإنسان هدفه كانت متنافرة مع أصل نشأته وجوهر فطرته، وحسبت أن توسُّعها في فهم المادة وطرق التصنيع يُخَوِلُهَا وضع هدف للإنسان، فكان فيما جاءت به -على ما بينها من تناقض واختلاف- التدمير الشامل لخصائص الإنسان، والانحراف الخطير عن الهدف الخير الكريم الذي يجب أن يحاول بلوغه.
3-
إن العقيدة وحدها -عقيدة التوحيد- هي التي تحدد للإنسان هدفه في الحياة، باعتباره خليفة في الأرض، مسئولًا عن إعمارها ونشر الخير والصلاح فيها، وبذلك تسمو به هذه العقيدة إلى ذُرَى الكرامة وآفاق الخير، وتجعل لحياته معنى الوجود الحق، لا الوجود المادي المثقل بالحس وجواذب الأرض، إنه يحمل بالإيمان رسالة الإصلاح ومنهج التقويم فيحرر إيمانه وجدانه تحريرًا كاملًا، ويزوده بأرفع مُثُل الحق
1 الذاريات: "56-58".
والكمال التي تعود إلى أسمى الاعتبارات الذاتية فيه -اعتبارات الفطرة والتكريم والمسئولية- بحيث تصغر إزاءها -وهي من نعم الله وفضله- كل القيم المادية مهما بلغت، وتنهار في فكره ووجدانه آثارها، وتصبح خارج حدود التحكم به والسيطرة عليه؛ لأنها اعتبارات لا تمس جوهره الأصيل، وروحه العالية، وإن كانت تلامس جانب الضعف فيه، فتقصيه أحيانًا عن التصاعد والسمو، وتهبط به -ولو في حدود الخاطرة والتمني- من أجواء الرفعة والإشراق، لكنه لا يلبث -بوحي عقيدته وأثرها العظيم في الفكر والسلوك- أن يصحو من غفلته، وينأى عن الانزلاق، ويدرك الحقيقة، ويتحرك بروح الإيمان نحو الهدف، في ثقة وصبر ويقين. إن الذي أيقظ بصيرته فاهتدى إلى طريق الخير، ونأى عن طريق الشر، هو هذا التذكر الذي تثيره العقيدة في قلبه وفكره وضميره، فلا يَزِلُّ ولا يتيه، ولا يستغرقه الشرود، ويعصف به تيار الضياع.. وإلى هذا يشير قوله تعالى:
4-
وليس أدل على تحرير الإيمان لوجدان المؤمن من الخضوع للقيم المادية بما فيها من أموال ومطامع وجهالة واستكبار، حتى لا يضعف الإنسان أمامها، ويناله الوهن أمام إغرائها الشديد، وبريقها الخادع، من هذا الحوار القرآني الرائع الذي تصوره قصة قارون، وفي ذلك يقول عز وجل:
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
1 الأعراف: "201".