الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس إلا مجرد تغطية لفظية للعملية التي لا يمكن إخفاء طبيعتها بوصفها قرضا مهما اتخذت من تعبير - إلى أن قال - فالعملية إذن عملية إقراض من البنك ولا تختلف من الناحية الفقهية عن إقراض البنك لأي عميل من عملائه الذين يتقدمون إليه بطلب قروض، والزيادة التي يحصل عليها البنك نتيجة للفرق بين القيمة الاسمية للسند وقيمته المدفوعة فعلا من قبل البنك هي ربا وحكمها حكم سائر الفوائد التي يتقاضاها البنك على قروضه. ا. هـ (1).
(1) البنك اللاربوي في الإسلام صـ 162/ 163.
التحويلات المصرفية والبريدية:
من المعاملات المصرفية التحويلات وتتم بأحد طريقين:
أحدهما: أن يدفع شخص إلى مصرف ما مبلغا من المال ليحوله إلى شخص بعينه في بلد آخر فيحرر المصرف حوالة بذلك المبلغ إلى مصرف آخر أو فرع له في البلد المطلوب تحويل المبلغ إليه يأمره بدفع المبلغ إلى الشخص الذي عينه طالب التحويل فيتسلم دافع المبلغ سند التحويل ليقوم بتسليمه محتواه أو يرسله إلى الشخص الذي يريد تسليمه المبلغ ليقبض قيمته وهذا ما يسمى بالتحويل المصرفي.
الثاني: أن يقوم المصرف بناء على رغبة دافع المبلغ بالكتابة أو الإبراق إلى المصرف الآخر بتسليم المبلغ إلى الشخص المعين دون أن يتسلم العميل حوالة محررة بذلك، ويسمى هذا النوع بالتحويل البريدي.
وكما يقع التحويل من بلد إلى بلد، فقد يكون في البلد نفسه بين مصرف وفروعه وبين حساب شخص في مصرف وحسابه في مصرف آخر. والغالب أن التحويل المصرفي والبريدي لا يتم إلا بعمولة يأخذها البنك في مقابل قيامه بهذه المهمة (1).
(1) الموسوعة الفقهية الكويتية - الحوالة - صـ 228.
الوصف الإسلامي للتحويلات المصرفية:
حاولت الموسوعة الفقهية الكويتية التعرف على الوصف الإسلامي للتحويلات المصرفية، فكتبت في ذلك بحثا مطولا ناقشت فيه القول بتخريجها على السفتجة المعروفة لدى فقهاء الشريعة، فذكرت ما بينهما من تشابه وفروق، كما ناقشت القول بتخريجها على القرض أو الوكالة، ثم انتهت إلى القول بأن التحويلات المصرفية عملية مركبة من معاملتين أو أكثر وهو عقد حديث بمعنى أنه لم يجر العمل به على هذا الوجه المركب في العهود السابقة، ولم يدل دليل على منعه فهو صحيح جائز شرعا من حيث أصله. ا. هـ (1).
ونظرا لنفاسة البحث وما فيه من مناقشة لتخريج التحويلات المصرفية على بعض العقود المشابهة لها في الفقه الإسلامي فإن اللجنة ترى إيراده تحقيقا للفائدة وفيما يلي نصه:
الوصف (التكييف) الفقهي الإسلامي:
سبق أن أشرنا في بحث " السفتجة " إلي وجه الشبه إجمالا بين السفتجة القديمة والتحويلات المصرفية الحديثة. ولبيان ذلك تفصيلا ينبغي التنبيه إلى أن السفتجة القديمة قد أجازها بعض الفقهاء (على الرغم من الشرط الذي يستفيد به المقرض الأمان من خطر الطريق، وهو شرط التوفية في بلد آخر)، فهي وسيلة أجيزت لشدة الحاجة إليها ولم يحل دون جوازها اشتراط الوفاء في بلد آخر. تلك وجوه الشبه أشرنا إليها إجمالا هناك، لكن الناظر إلى هذه التحويلات الحديثة وإلى السفتجة القديمة يرى بينهما فرقا من جهات أربع:
(1) الموسوعة الفقهية صـ 235.
الجهة الأولى: أن السفتجة القديمة لا بد أن تكون بين بلدين، والتحويل المصرفي تارة يكون كذلك وتارة يكون بين مصرفين في بلد واحد.
الجهة الثانية: أن السفتجة القديمة قد يكون المقترض فيها مسافرا أو عازما على السفر، فيوفي هو نفسه أو نائبه إلى المقرض أو إلى مأذونه. والتحويل المصرفي ليس فيه ذلك، فالمصرف الأول وهو المقترض لا يوفي بنفسه إلا إذا كان المصرف الثاني الدافع فرعا للأول.
الجهة الثالثة: أن المفروض في السفتجة القديمة اتحاد جنس النقد المدفوع عند العقد والمؤدي عند الوفاء. فالآخذ في السفتجة إذا أخذ دنانير من نوع مخصوص وفاها كذلك، وإذا أخذ دراهم من نوع مخصوص وفاها كذلك، فإنهم عرفوا السفتجة بأنها قرض (وقد تتوافر معه فيها عناصر الحوالة). فلو كانت التأدية بنوع آخر لما كانت قرضا، لأن القرض لا بد فيه من رد المثل.
والتحويل المصرفي لا يقتصر على هذه الحالة، فإن المصرف في أغلب الأحيان يأخذ نقودا من نوع ويكتب للمصرف الآخر أن يوفي من نوع آخر. وهذه المعاملة ليست قرضا محضا، بل تشتمل أيضا على صرف أو شبهه على ما سيأتي.
الجهة الرابعة: أن الآخذ في السفتجة القديمة لا يتقاضى أجرا عادة، اكتفاء بأنه سينتفع بالمال في سفره أو إقامته، فيربح ما يغنيه عن اشتراط أجر لعمله. أما المصرف في التحويل المصرفي فيتقاضى أجرا يسمى: عمولة.
وفيما يلي سنتناول بالبحث والتمحيص كل جهة من جهات الفرق الأربع هذه بين السفتجة الفقهية القديمة والتحويلات المصرفية الحديثة لنرى مقتضاها في الأحكام بالنظر الفقهي الإسلامي:
الفرق الأول: كون السفتجة لا تتم إلا بين بلدين، والتحويل قد يتم بين مصرفين في البلد الواحد.
هذا الفرق لا تأثير له في الحكم الشرعي بالجواز، فإن الذين أجازوا السفتجة بين بلدين يجب أن يجيزوا ما يشبهها بين مكانين في بلد واحد. بل هذه أقرب إلى الجواز، لأن اشتراط الوفاء في بلد آخر كان هو العلة التي جعلت بعض الفقهاء يكرهون السفتجة أو يحرمونها. فإذا أجازها المحققون مع وجود هذه الشبهة فإجازتها مع قرب المكانين أولى، لأن المقرض حينئذ لا يستفيد سقوط خطر الطريق، فلا يتوهم أنه قرض جر نفعا.
الفرق الثاني: كون السفتجة القديمة تشمل صورا مغايرة للتحويل المصرفي. هذا الفرق أيضا لا تأثير له، لأن الذين أجازوا السفتجة لم يخصوا الجواز بهذه الصورة المغايرة، فيكفي أن يكون التحويل موافقا للصور الأخرى من السفتجة. فالقائلون بجواز هذه الصورة ينبغي أن يقولوا بجواز التحويل الموافق لها.
الفرق الثالث: كون السفتجة تجرى بنقد واحد، أما التحويل المصرفي فقد يجري بنقد واحد، وقد يكون بين جنسين من النقود.
هذه جهة فرق جديرة بعناية الباحث، لأن لها تأثيرا، وتحتاج إلى شيء من التحليل والتفصيل:
فالتحويل بين مصرفين في بلد واحد أو دولة واحدة إنما يكون بنقد الدولة غالبا فيكون كالسفتجة القديمة بعد اعتبار أن المصرف شخصية اعتبارية فما قيل في تطبيق السفتجة على المعاملات الشرعية المعروفة يقال في تطبيق هذا النوع من التحويل فهو قرض وتوكيل أو قرض وحوالة.
والتحويل بين مصرفين في دولتين لا يمكن أن يكون بنوع واحد من النقد
غالبا. فالذي يريد تحويل دنانير عن طريق مصرف في الكويت إلى مصرف في لبنان مثلا لا بد أن يطلب التحويل إلى ليرات لبنانية بسعر الصرف وقت التحويل وهذا يستدعي ثلاث خطوات ذات أحكام، وسنشرحها فيما يلي مبينين وصفها الفقهي خطوة خطوة.
أولا أن يتقدم إنسان للمصرف ويطلب تحويل النقود إلى مصرف آخر:
وهذا تمهيد لعقد التحويل، ويبين فيه عادة مقدار النقود، وهل يقصد تحويلها إلى نقود من جنسها أو من غير جنسها؟ وبيان المصرف الذي يراد التحويل إليه، وبيان الشخص الذي سيقبض البدل من المصرف الآخر أهو طالب التحويل أم غيره؟.
ثانيا قيام الطالب بدفع النقود إلى موظف المصرف:
وهذا بعد سبق الطلب المبين يعتبر إيجادا للتحويل الذي يعد قرضا إن كان المقصود التوفية بمثلها من جنسه: فالدافع مقرض والآخذ مقترض من المصرف والدفع إيجاب، والأخذ مع ما بعده قبول، والمال المدفوع هو محل العقد، وكذلك المثل الذي يلتزم به المقترض معطي الصك فإنه العوض.
فهذا القرض المستوفي لمقوماته عقد صحيح جائز شرعا حيث خلا من الموانع الشرعية. وما يتخيل مانعا وهو العمولة سيأتي الكلام عليه.
وأما إن كان المقصود التوفية بنقد من جنس آخر فهو صرف، ومن شرائط صحة الصرف التقابض ولا تقابض في هذا الصرف، فيلتحق بالربا لعدم التقابض، هذا إذا اعتبرنا الأوراق النقدية نقودا وضعية. وأما إذا اعتبرت سندات على الجهة التي أصدرتها بالقيمة المذكورة فيها من الذهب، فإن معاملة التحويل المذكورة بين جنس منه وجنس آخر تعتبر بيع دين بدين
دون قبض أصلا في مجلس العقد، لأن ما تم تسليمه من أحد الجانبين هو سند (صك) بمبلغه، وليس نقدا، فهل من حل؟.
فنقول جوابا عن ذلك:
1 -
أننا نعتبر الأوراق النقدية المذكورة من قبيل النقود الوضعية لا من قبيل الإسناد المعترف فيها باستحقاق قيمتها على الجهة التي أصدرتها من دولة أو مصرف إصدار، وإن كانت هذه الصفة الأخيرة هي أصلها ومنطلق فكرة إحلال الأوراق النقدية المعروفة بين الناس باسم (بنكنوت) محل النقود الذهبية والفضية في التداول أخذا وعطاء ووفاء ذلك لأن صفة السندية فيها قد تنوسيت بين الناس في عرفهم العام، وأصبحوا لا يرون في هذه الأوراق إلا نقودا مكفولة حلت محل الذهب في التداول تماما، وانقطع نظر الناس إلى صفة السندية في أصلها انقطاعا مطلقا، تلك الصفة التي كانت في الأصل حين ابتكار هذه الأوراق، لإحداث الثقة بها بين الناس، لينتقلوا في التعامل عن الذهب إليها حين يعلمون أن لها تغطية ذهبية في مركز الإصدار، وأنها سند على ذلك المركز بقيمتها مستحق لحامله يستطيع قبضه ذهبا متى شاء.
هذا أصلها، أما بعد أن ألفها الناس وسالت في الأسواق تداولا ووفاء من الدولة وعليها بين الناس، ولمس المتعاملون بها مزيتها في الخفة وسهولة النقل، فقد تنوسي - كما ذكرنا - فيها هذا الأصل السندي واكتسبت في نظر الجميع واعتبارهم وعرفهم صفة النقد المعدني وسيولته بلا فرق. فوجب لذلك اعتبارها بمثابة الفلوس الرائجة من المعادن غير الذهب والفضة، تلك الفلوس التي اكتسبت صفة النقدية بالوضع والعرف والاصطلاح، حتى إنها وإن لم تكن ذهبا أو فضة،
لتعتبر بحسب القيمة التي لها بمثابة أجزاء للوحدة النقدية الذهبية التي تسمى: دينارا، أو ليرة، أو جنيها ذهبيا، بحسب اختلاف التسمية العرفية بين البلاد للوحدة من النقود المسكوكة الذهبية. هذا حال الفلوس الرائجة من المعادن المختلفة غير الذهب والفضة بالنظر الشرعي، وهو الصفة التي يجب إعطاؤها في نظرنا للأوراق النقدية (البنكنوت). فتبديل جنس منها، كالدينار الكويتي الورقي أو الليرة السورية أو اللبنانية مثلا بجنس آخر الجنيه المصري أو الإسترليني أو الدولار الأمريكي مثلا، يعتبر مصارفة كالمصارفة بين الذهب والفضة والفلوس المعدنية الرائجة على سواء.
والقاعدة الفقهية في هذه المصارفة أنه عند اختلاف الجنس يجوز التفاضل في المقدار بين العوضين، ولكن يجب التقابض في المجلس من الجانبين؛ منعا للربا المنصوص عليه في الحديث النبوي.
وبهذا التخريج يستبعد اعتبار عملية التحويل المصرفي بين جنسين من هذه الأوراق من قبيل بيع الدين، وإنما هي مبادلة بين نقود ونقود فيها تحويل وصرف في وقت واحد.
2 -
بناء على ما سبق نقول: أن اعتبار الأوراق النقدية كما ذكر (نقودا وضعية اصطلاحية) يقتضي في التحويل من جنس إلى جنس آخر منها أن يتم تقابض العوضين في مجلس التحويل، نظرا لأن هذا التحويل بين جنسين من هذه النقود يتضمن مصارفة، والصرف يشترط لصحته التقابض وهذا يقتضي أن يدفع طالب التحويل إلى المصرف الأوراق النقدية التي يحملها، وأن يصرفها بالأوراق النقدية من الجنس الآخر المطلوب ويقبضها بالفعل من المصرف، ثم يسلمها إليه قرضا ليوفيه في البلد الآخر من هذا الجنس الثاني، أي يجب حينئذ فك عملية التحويل
بين جنسين مختلفين من هذه الأوراق إلى عمليتين: مصارفة أولا يقع فيها التقابض، وسفتجة ثانيا يدفع فيها مبلغ من جنس ويستوفي نظيره من الجنس نفسه في البلد الآخر.
هذا ما يستوجبه في الأصل عنصر المصارفة في عملية التحويل المصرفي بين جنسين، ولكن هذه التجزئة العملية لا تقع فعلا بين طالب التحويل والمصرف الوسيط وإنما يدفع طالب التحويل إلى المصرف المبلغ المطلوب تحويله من نقود البلد الذي هو فيه. فيقوم المصرف بتسليمه إيصالا به مع صك (شيك) يتضمن حوالة على مصرف عميل في البلد الآخر بمبلغ يعادل هذا المبلغ من نقود البلد المطلوب التحويل إليه، فيرسل طالب التحويل هذا الشيك إلى الشخص المحول باسمه (والذي حرر الشيك لأمره) ليقبضه هناك من المصرف المحول عليه.
فإذا نظرنا إلى أن الشيكات تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية، وأنها يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيرا وتحويلا، وأنها محمية في قوانين جميع الدول - من حيث إن سحب الشيك على جهة ليس للساحب فيها رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعا - إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف الوسيط شيكا بقيمة ما قبض من طالب التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس، أي إن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه، فيكون الصرف قد استوفى شريطته الشرعية في التقابض.
ثالثا إعطاء المصرف لطالب التحويل صكا (شيكا) بالمبلغ المطلوب:
فهذا الإعطاء إما أن يكون مسبوقا بإعطاء النقود أو غير مسبوق كما تقدم في الخطوة الثانية. وأيا ما كان فهو من تتمة قبول التحويل الذي هو عملية مركبة، لكن لو لاحظناه على انفراد لكان له وصف شرعي يختلف بحسب سبقه بدفع النقود وعدم سبقه بذلك:
(أ) فإن كان مسبوقا بإعطاء النقود التي اعتبرت مقترضة احتمل كونه حوالة أو وكالة: وتصوير الحوالة أن يقال: إن المصرف الذي أصبح مدينا بدين القرض قد أحال دائنه - الذي أعطى النقود وأصبح مقرضا - على المصرف الآخر ليدفع الدين الذي هو بدل القرض إلى ذلك الدائن أو إلى الشخص الذي عينه وكتب اسمه في الصك. وتصوير الوكالة أن يقال: إن المصرف الآخذ قد وكل المصرف الثاني في دفع المبلغ المذكور في الصك إلى من ذكر اسمه فيه، سواء أكان هو الطالب أم الشخص الآخر الذي عينه. وهذا التوكيل مصرح في الصك بما يدل عليه، وإنما سلم هذا الصك لطالب التحويل تمكينا له من استيفاء حقه.
وإن اعتبار ذلك وكالة بهذا التصوير الثاني هو الأقرب، وعليه يكون وكالة جائزة شرعا، وتكون عملية التحويل مركبة من قرض ووكالة إذا استوفى المحول بنفسه، أو من قرض ووكالتين إذا كان المستوفي هو الشخص الآخر الذي عينه المحول فهو وكيله في الاستيفاء.
وإنما قلنا إن تقدير الوكالة هنا أقرب من تقدير الحوالة، لأن الحوالة
الشرعية ثمرتها براءة ذمة المحيل من الدين، وليست للتحويل المصرفي هذه الثمرة، لأن المصرف الآخذ يبقى مدينا بدين القرض ولا يبرأ منه إلا بتوفية المصرف الآخر. يضاف إلى ذلك أن المصرف الثاني قد يكون غير مدين للمصرف الأول، فلا يصح أن يكون محالا عليه شرعا عند الجمهور (إلا على أساس الحوالة المطلقة عند الحنفية ومن معهم) وإن الوكالة خالية من هذين الإشكالين، فالتخريج عليها يكون أولى وأرجح غير أنه قد يقال: إن الوكالة يجوز فيها رجوع الموكل ورجوع الوكيل، وهذان الأمران ليسا من صفات التحويل المصرفي.
وجوابا على هذا الإيراد نقول: إن الوكالة هنا ليست عقدا منفردا معقودا بصورة مقصودة مباشرة، وإنما حللنا إليها عقد التحويل الذي هو عقد مركب من إقراض وشرط، وهذا الشرط ينحل إلى وكالة فهي وكالة مشروطة من جانب طالب التحويل، فتكون وكالة تعلق بها حق الغير فلا يجوز رجوع الموكل فيها ولا الوكيل بعد القبول. ومن جهة أخرى يلحظ أيضا أن المصرف قد استوفى عمولة على هذه العملية فهي وكالة بأجر، فلا يجوز الرجوع فيها.
(ب) وإن لم يكن إعطاء الصك مسبوقا بدفع المبلغ المطلوب تحويله فلذلك حالتان:
الحالة الأولى - أن يكون للطالب في المصرف حساب جار دائن.
1 -
فإن كان المطلوب تحويل النقود إلى نقود من جنسها، كدنانير كويتية إلى دنانير كويتية. فحينئذ يكون إعطاء الصك توكيلا من المصرف للطالب بقبض المبلغ في الصك، ليستوفيه من الدين الذي له على المصرف، وقد استغنى عن تقدير القرض لأن الدين السابق قام مقامه.
2 -
وإن كان المطلوب التحويل إلى نقود من غير جنسها، كدنانير كويتية إلى ليرات لبنانية أو غيرها، كان طلب التحويل إيجاب مصارفه بين بعض النقود التي للطالب في حسابه الدائن لدى المصرف والمبلغ المطلوب من النقود الأخرى، وكان تسليم الصك (الشيك) للطالب قبولا للمصارفة وتوكيلا من المصرف بالقبض قام مقام التقابض الواجب شرعا في مجلس عقد الصرف لأن هذا الصك (الشيك) عرفا في حكم النقد.
الحالة الثانية - ألا يكون للطالب في المصرف حساب دائن.
فإن كان يريد تحويل النقود إلى نقود من جنسها كان الطلب التماسا للتوكيل في القرض، كأنه يقول للمصرف: ألتمس منك أن توكل المصرف الثاني في دفع مبلغ كذا إلي أو إلى فلان ليحتسب قرضا لك علي. وحينئذ يكون إعطاء الصك توكيلا للمصرف الثاني أن يدفع للشخص المعين في الصك المبلغ المبين مقداره فيه، فإذا قام المصرف الثاني بالدفع إلى هذا الشخص صار هذا المصرف الثاني دائنا للمصرف الأول بالمبلغ ما لم يكن له - أي للمصرف الأول - عنده حساب دائن، ويصير المصرف الأول دائنا لطالب التحويل ما لم يكن قد قام بدفع المبلغ إليه قبل قيام المصرف الآخر بدفع ما في الصك.
وإن كان يريد تحويل النقود إلى نقود من غير جنسها - والمفروض أن طالب التحويل ليس له في المصرف حساب دائن، ولم يدفع النقود في المجلس - فحينئذ يعد طلب التحويل التماسا للتوكيل بالقرض (كما سبق بيانه) أي أن يقوم المصرف الأول بتوكيل المصرف الثاني في البلد الآخر بأن يدفع إلى الطالب (أو إلى من يعينه) المبلغ المطلوب من نقود ذلك البلد الآخر.
ليحتسب دينا على الطالب، ويعتبر تسليم الصك إلى الطالب قبولا وتنفيذا للتوكيل بالإقراض، فيصبح طالب التحويل مدينا للمصرف الأول بمبلغ الصك من نقود ذلك البلد متى تم قبضه هناك، ثم حين يوفي للمصرف قيمته من نقود الجنس الآخر (النقود المحلية) يعتبر ذلك الوفاء مصارفة بين ما للمصرف في ذمته من النقود الأجنبية وما يوفيه الآن من النقود المحلية. ويتحقق بذلك شرط التقابض في بدلي الصرف، لأن أحدهما في الذمة مقبوض، والآخر يدفع الآن في مجلس الصرف.
الفرق الرابع والأخير بين السفتجة القديمة والتحويل المصرفي اليوم:
وهو أن المصرف يأخذ عمولة من طالب التحويل مع المبلغ المطلوب تحويله، ولا يوجد هذا في عملية السفتجة القديمة التي تكلم عنها الفقهاء.
فنقول في هذا الفرق: أن في هذه العمولة أشكالا بحسب الظاهر، لا سيما إذا قلنا إن العملية من قبيل القرض، وقد نص بعض الفقهاء على أنه لا يجوز في القرض اشتراط يجر نفعا للمقترض.
لكن شرط جر النفع للمقرض يعتبر ربا، وشرط جر النفع للمقترض يعتبر زيادة إرفاق من المقرض للمقترض، فيكون وعدا حسنا، ولا يلزم تنفيذه اكتفاء بأصل الإرفاق.
على أن بعض الحنابلة (1) أجازوا في القرض اشتراط دفع المقترض أقل مما أخذ كما لو قال: أقرضك مائة دينار على أن تردها إلي تسعة وتسعين، فيجوز ذلك لأنه زيادة إرفاق بالمقترض، وقد التزمه المقرض فيلزمه، وليس للإرفاق حد يجب الوقوف عنده، ولا سيما أن هذا الشرط مضاد للربا ففي
(1) الإنصاف 5/ 133.
التزامه تأكيد التبري من الربا. فهذا القول عند الحنابلة جيد جدا، ويسعف في تخريج العمولة عليه.
ثم إن بين المعاملات التي يقوم بها الأفراد والمعاملات التي تقوم بها المصارف فرقا شاسعا، فالمقترض في السفتجة القديمة لا يقوم بعمل للمقرض ولا يتحمل مئونة، لأنه إن كان مسافرا فهو مسافر لحاجة نفسه، وغالبا ما يتجر في بلده أو في طريقه أو في البلد الذي يصل إليه، وقد أصبح المال الذي اقترضه ملكا له، فأرباحه كلها تخصه، وما صنع شيئا للمقرض سوى كتابته الصك، ثم توفية الدين له أو لصديقه مثلا.
أما المصرف الذي اعتبر مقترضا في عملية التحويل فيختلف عن المقترض في السفتجة، فهو شخصية اعتبارية تجمع موظفين وعمالا يتقاضون رواتب شهرية غير مرتبطة بالعمل قلة وكثرة، ويتخذ مقرا مجهزا بأثاث وأدوات وآلات كثيرة لاستقبال العملاء وقضاء حاجاتهم. ثم إن العملية ليست كتابة ورقة فحسب وإنما هي إجراءات كثيرة، ذات كلفة مالية، فلو لم يأخذ عمولة لما استطاع تغطية النفقات الطائله التي ينفقها، فاشتراط العمولة محقق للعدالة ومتفق مع أصل التشريع الإسلامي، وليس هناك نص أو إجماع على منع مثل ذلك.
النتيجة:
والنتيجة التي تستخلص من كل ما سبق من كلام عن التحويلات المصرفية اليوم هي أن التحويل المصرفي أو البريدي عملية مركبة من معاملتين أو أكثر، وهو عقد حديث، بمعنى أنه لم يجر العمل به على هذا الوجه المركب في العهود السابقة، ولم يدل دليل على منعه، فهو صحيح جائز شرعا من