الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين في الذمة من الغريم وغيره ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد وقاله ابن عباس ولكن بقدر القيمة كي لا يربح فيما لا يضمن (1) ونخلص من هذا أن القول بإرجاع القيمة قيمة ما ثبت في الذمة من نقد اصطلاحي مقدرة بالذهب أو الفضة لا يترتب عليها تعامل ربوي. والله أعلم بالصواب.
النتيجة:
انتهينا حتى الآن من أقوال الفقهاء في جواز الصرف إذا كان أحد البدلين في الذمة وقد حل أجله وبذلك نصل إلى أن شرط التناجز في الصرف متحقق فيما نحن فيه، بقي أن نثبت اختلاف الجنس بين الورق النقدي الرائج في عصرنا وبين النقدين (الذهب والفضة) وهي قضية مسلمة ولكن من المناسب أن نعرض لرأي الفقهاء في الورق المتعامل به اليوم.
(1) السلسبيل في معرفة الدليل 2/ 466.
التكييف الفقهي للورق النقدي:
تنحصر أقوال الفقهاء في نظرتهم للورق النقدي في خمسة أقوال. وقبل عرض هذه الأقوال لا بد من الإشارة إلى أن لكل قول منها سنده الفقهي ومبرر القول به في زمنه.
أولا: قياس هذا الورق على سندات الديون فله حكم الدين باعتبار أن كل ورقة تعتبر دينا على بنك الإصدار وهو ما اعتمده كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ورأي الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيره وربما نسبه بعضهم لجمهور الفقهاء (1).
(1) الفقه على المذاهب الأربعة - بحث الزكاة وأضواء البيان للشنقيطي 8/ 500.
ثانيا: اعتبار الورق النقدي كعروض التجارة وهو مشهور مذهب المالكية كما شرحه محمد علي بن حسين المكي في كتابه (شمس الإشراق في التعامل بالأوراق) واشتهر القول به عن الشيخ عليش في فتاويه (1).
ثالثا: إلحاق الورق النقدي بالفلوس باعتبار كل منها أعيان طرأت النقدية عليها ولذلك طبق القائلون بهذا القول كل أحكام الفلوس على الورق النقدي بأشكال متفاوتة.
رابعا: اعتبار هذا الورق بديلا عن الذهب أو الفضة ووكيلا عنه، ورجح هذا القول عبد الرحمن البنا رحمه الله في الفتح الرباني وهو رأي الشيخ رشيد رضا صاحب المنار (2) وبالرغم من واقعية هذه النظرة إلا أنها تعتمد الغطاء الذهبي للنقد وهو ما تجاوزته النظريات النقدية الحديثة.
خامسا: اعتبار النقد الورقي نقدا مستقلا له أحكامه المستقلة وهو ما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي في الفتوى المشهورة له في ذلك (3). وهذا القول الأخير يتسم بالواقعية في معالجة الأحداث الجديدة.
النتيجة:
أن الورق النقدي الرائج في أيامنا جنس مستقل ويتحقق في مبادلته بالذهب والفضة اختلاف الجنس ولكن هذا الورق الجديد يعرض له بعض الأمراض الجديدة التي لا بد من معرفتها ومعرفة مدى انطباق أمراضه على التغيرات التي ناقشها فقهاؤنا والتي طرأت على النقد في أيامهم، ولنتحدث بإيجاز عن هذه الطوارئ الجديدة، إنها ألفاظ تمر بنا يوميا على صفحات الجرائد؛ التضخم، الانكماش، التعويم.
(1) حاشية الصاوي على الشرح الصغير وبذيله الحاوي 4/ 42 - 86، وفتح الإله المالك 1/ 164.
(2)
الفتح الرباني 8/ 250، ومجلة المنار مجلد 12/ 909.
(3)
مجلة مجمع البحوث الإسلامية، المجلد الأول (رجب - شعبان - رمضان) - 1395.
التضخم:
قبل تعريف التضخم أحب أن أنبه أنني لم أجد حادثة تضخم واحدة في تاريخنا عندما كان الذهب والفضة هما النقد المتداول، وإنما ظهر التضخم مرافقا لانتشار التعامل بالفلوس في عصر السيوطي وهو عصر أواخر الأيوبيين والمماليك الذين عرف عصرهم بعصر النحاس لكثرة التعامل به، فما هو التضخم؟ التضخم هو الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار.
فعندما يكون مصروفك الشهري ألف ريال في الشهر ثم يصبح ألفي ريال بنفس الفترة مستوى المعيشة فهذا يعني أن هناك تضخما نقديا، بمعنى أن القوة الشرائية للنقود انخفضت بنسبة ما اللهم إلا عندما يكون ارتفاع الأسعار ظاهرة صحية حيث ترتفع الأسعار لزيادة كمية النقود بشكل كبير ولكنه يخدم متطلبات التنمية السريعة كما هو الأمر في المملكة العربية السعودية.
إن السبب الرئيسي للتضخم هو طرح كميات من السيولة النقدية في السوق دون أن يقابلها زيادة مقارنة في الإنتاج، وهو ما عرفناه في مطلع البحث، ولا علاج لهذه الحالة إلا بضبط كمية النقود الكلية بشكل يتناسب مع كمية السلع والخدمات الموجودة في السوق.
والناس في ظل التضخم تضيع جهودهم في أعمال غير مجدية كتجارة البناء والعقارات، ويعاد توزيع الثروة عشوائيا، وتهتز قيم العملات لصالح المدينين على حساب الدائنين الذين انخفضت قيمة نقودهم بارتفاع الأسعار. في مثل هذه الحالة قد يستيقظ المرء وإذا بثروته الطائلة قد هبطت
إلى النصف أو تبخرت ويكون له ديون على الناس فيؤدون إليه ما لا يعادل المبلغ الذي أداه إليهم فما العمل؟ وقد يحدث العكس وترتفع قيمة العملة وترخص الأسعار فنكون أمام الصورة المقابلة للتضخم إنه الانكماش.
الانكماش: هو تضخم سلعي وقلة كمية النقود أمام وفرة في السوق التي تغص بالسلع والخدمات التي لا تواكبها كمية النقود فتتدهور الأسعار ويحدث البوار والكساد وتنخفض الأسعار إلى أدنى مستوى ممكن بينما ترتفع قدرة النقود الشرائية بصورة خيالية.
التعويم: عندما تعلن دولة عن تعويم عملتها فهذا يعني أنها غير ملزمة قانونا بتحويل هذه إلى عملات أخرى بقيمة محدودة بمعنى أن العملة المعومة ليس لها قيمة رسمية ثابتة تعادلها مع العملات الأخرى، فتعويم العملة يعني وضعها في المزاد العلني حيث يزايد تجار النقد حتى يصلوا إلى سعر يعتقد أنه لا يمكن شراؤها بأقل منه ولا بيعها بأكثر منه والذين يرغبون في شراء النقد المعوم هم الذين يرغبون في شراء السلع والمنتوجات التي يصدرها بلد العملة المعومة (1).
وقد ظهر نظام التعويم بعد الأزمة النقدية التي مرت بها أمريكا عام 1973م حيث خفضت الدولار بنسبة 10% فلجأت دول السوق الأوربية المشتركة إلى نظام التعويم الأوربي وتركت تحديد سعر العملات إلى مبدأ العرض والطلب دون تدخل للحفاظ على سعر معين للعملات الأخرى، وبقيت دول السوق تحافظ على سعر التحويل فيما بينها وفق نظام النقد
(1) موضوعات اقتصادية معاصرة. د. طلال الجهني صـ 48 - 49.