الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في اللغة العربية تابعة للموصوف مطابقة له في الإفراد والتثنية والجمع، وفي التذكير والتأنيث، وفي التعريف والتنكير، وفي مواقع الإعراب، وبتعبير آخر: الصفة العربية تطابق الموصوف في العدد وفي الجنس، وفي التحدد والشيوع، وفي الشكل العارض للفظ، أما في اللغات الأخرى فقد تجد فيها بعض تلك المتابعات لكنك لن تجدها جميعا بقواعدها المطردة إلا في اللغة العربية.
وفي الفارسية تجد عكس ذلك تماما، فلا تطابق يذكر بين الصفة والموصوف، لا في الإفراد والجمع، ولا في التذكير والتأنيث، ولا في التعريف والتنكير.
وهذا فرق جوهري بين اللغتين يظهر واضحا في ترجمة كل آيات القرآن الكريم بحيث يصبح من العبث إيراد نماذج لبيان ذلك الاختلاف.
ومن ثم يتقرر أن البناء التعبيري في البيان القرآني لا يخرج على البناء التعبيري للغة العربية في قليل ولا في كثير، وإنما هو يسير وفق منهج العربية تماما في بنائها.
وبالتالي فإن روح اللغة العربية بمعانيها وأخيلتها هي التي تسري في البيان القرآني في أرقى مدارجها وإمكاناتها، بحيث تتحقق بالقرآن المعجزة البيانية من خلال اللغة العربية التي اصطفاها الله سبحانه لينزل القرآن الكريم بها دون غيرها.
إمكان ترجمة القرآن الكريم:
كان القرآن الكريم - وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - محلا لاختلاف الترجمات عليه في كثير من اللغات الأوربية وأيضا اللغات الشرقية.
ولعلماء المسلمين رأي في ترجمة القرآن إلى غير العربية، فالإجماع منعقد على عدم جواز ترجمة القرآن. أما الجائز فهو ترجمة معاني القرآن أو ترجمة تفسيره، وقبل أن نعرض ما دار بين المسلمين من خلاف حول ترجمة القرآن أود أن أشير إلى أقسام الترجمة إذ تنقسم الترجمة إلى قسمين: ترجمة حرفية، وترجمة تفسيرية.
فالترجمة الحرفية هي التي يراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، فهي تشبه وضع المرادف مكان مرادفه، وبعض الناس يسمي هذه الترجمة لفظية، وبعضهم يسميها مساوية، ويطلق عليها الإيرانيون " ترجمة تحت اللفظي " أي ترجمة حرفية.
والترجمة التفسيرية هي التي لا تراعى فيها تلك المحاكاة، أي محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة، ولهذا تسمى أيضا بالترجمة المعنوية، وسميت تفسيرية لأن حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير، وما هي بتفسير كما سيتبين بعد ذلك.
فالذي يترجم ترجمة حرفية يقصد إلى كل كلمة في الأصل فيفهمها ثم يستبدل بها كلمة تساويها في اللغة الأخرى مع وضعها وإحلالها محلها، وإن أدى ذلك إلى خفاء المعنى المراد من الأصل؛ بسبب اختلاف اللغتين في موقع استعمال الكلام في المعاني المرادة إلفا واستحسانا.
أما الذي يترجم ترجمة تفسيرية، فإنه يعمد إلى المعنى الذي يدل عليه تركيب الأصل فيفهمه ثم يصوغه في قالب يؤديه من اللغة الأخرى، موافقا لمراد الأصل، من غير أن يكلف نفسه عناء الوقوف عند كل لفظة أو استبدال غيرها بها.
والأمثلة على الترجمة بنوعيها من آيات القرآن كثيرة، فمثلا نجد أن قوله تعالى:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (1).
قد ترجم في الفارسية إلى: " نه هركز دست خود محكم بسته دار ونه بسيار وكشاده داركه هركدام كنى بنكوهش وحسرت خواهى نشست " أي لا تربط يدك بإحكام ولا تجعلها ممدودة غاية المد، فإن تفعل ذلك ستقعد ملوما محسورا. أما عند الترجمة التفسيرية للآية فإنك تعمد إلى التعمق في فهم الآية، بالنهي عن التقتير والتبذير في أبشع صورة منفرة، ولا عليك من عدم رعاية الأصل في نظمه وترتيبه اللفظي.
أما عن موقف علماء المسلمين والأزهر من مسألة ترجمة القرآن فتتلخص في أنه في عام 1355هـ / 1936م ثار جدال عنيف حول ترجمة القرآن بين الجواز والمنع وذلك بعد أن عني كثير من المستشرقين والمبشرين بنقل القرآن إلى كثير من اللغات الأجنبية بغرض التشنيع عليه والتشهير به، والدس له، واتخاذه في مدارسهم وكنائسهم مادة للنقد والتجريح، ولما دب النور والعرفان والثقافة والعلم في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية، وأصبح الناس يحاولون أن يتدارسوا الأديان والرسالات بأسلوب من البحث النزيه، والمنطق السديد، وكان فيما يرجون أن تصل دراستهم إليه " القرآن " على اعتبار أنه كتاب خالد شغل البشرية قرونا عديدة، ظهر حينئذ في علماء المسلمين من نادى بضرورة تعريف هذا النفر به، عسى أن يكون ذلك باعثا لهم على الإيمان، حاملا لهم على الهداية، حافزا لهم على أن يكونوا من جنوده المحافظين عليه، الذائدين عنه، وكان من أولئك المسلمين شيخ الجامع الأزهر
(1) سورة الإسراء الآية 29
في ذلك الوقت وهو الشيخ محمد مصطفى المراغي، الذي تحمس لترجمته تحمسا منقطع النظير، ونشر بحثا عن ترجمة القرآن الكريم وأحكامها، وقدم لهذا البحث بكلام للإمام الشاطبي في كتاب الموافقات يفيد أن اللغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة لها معنيان: أولي، وثانوي، فالأولي كقيام زيد الذي لا يمكن أن تختلف في التعبير عنه لغة من اللغات، والثانوي ما يزيد على ذلك من الاهتمام بالقيام وحده، أو بالقائم، أو إجابة السائل، أو الرد على المنكر، أو غير ذلك من الأسرار البلاغية التي تقتضيك التعريف أو التنكير، والتقديم أو التأخير، وما شاكل ذلك من الأساليب التي توجبها الحال، وتحتمها المناسبة، فالمعاني الأولية لا يمكن أن تفسدها الترجمة، ولا أن يشوهها النقل، ولا أن تطول فيها مسافة الخلف بين اللفظ والمعنى، والمعاني الثانوية هي التي يتفاوت في دقة تصويرها، وروعة التعبير عنها، وجمال أسلوبها، فحول البلغاء أو أساطين الكلام، كما تختلف في نقلها وصوغ الألفاظ المعبرة عنها اللغات، وعلى هذا فالمعاني الأولية في القرآن يمكن ترجمتها إلى أية لغة من اللغات، وأما المعاني الثانوية فلا. .، ونحن نعلم أن المعاني الأولية في أي كلام لا اعتبار لها، ولا ميزة فيها، وأن الاعتبار كله، والميزة البارزة، في الذي يسميه البلغاء بالمعاني الثانوية، وهي مجال الفحولة، ومناط الإعجاز.
وبعد حديث الشيخ في بحثه عن إمكان ترجمة القرآن تعرض لشبه الناس في الترجمة وتولى الرد عليهم، كما تحدث عن جواز الصلاة بالترجمة، وكذلك تحدث عن كتابة التراجم وقراءتها، والمراد من الترجمة وغير ذلك من الموضوعات التي لا داعي لذكرها هنا.
وكان من مؤيدي الشيخ المراغي الأستاذ محمد فريد وجدي، الذي كان في ذلك الوقت مديرا لمجلة الأزهر، وقد جمع الأستاذ فريد وجدي آراءه في بحث أكبر من بحث الشيخ المراغي ونشره بعنوان " الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية " وأخرجه في ملحق العدد الثاني من مجلة الأزهر، وعني فيه بالرد على المعارضين وخاصة فضيلة الشيخ محمد سليمان، وفضيلة الشيخ محمد مصطفى الشاطر، وقد كتب على غلافه: ردود علمية على الذين يذهبون إلى عدم جواز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، تصحيحا للترجمات الموجودة وتدعيما للدعوة الإسلامية، ودحضا لجميع الشبهات التي يثيرها بعض الكتاب على هذا العمل الجليل، وقد انتهى الأمر بعد طول النقاش والحوار إلى أن قررت مشيخة الأزهر وضع تفسير عربي دقيق تمهيدا لترجمته ترجمة دقيقة بواسطة لجنة فنية مختارة، واجتمعت لجنة التفسير بضع مرات برئاسة مفتي مصر في ذلك الوقت ووضعت دستورا تلتزمه في عملها العظيم، ثم بعثت بهذا الدستور إلى كبار العلماء والجماعات الإسلامية في الأقطار الأخرى تستطلع آراءهم في هذا الدستور، رغبة منها في أن يخرج هذا التفسير العربي في صورة ما أجمع عليه الأئمة. ورأت اللجنة بعد ذلك أن تضع قواعد خاصة بالطريقة التي تتبعها في تفسير معاني القرآن الكريم، وقد خرج فعلا إلى حيز الوجود هذا التفسير الذي سمي " المنتخب في تفسير القرآن الكريم " وقد طبعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، وكتب في مقدمته ما يفيد أنه تفسير مختصر محرر كتب بالعربية تمهيدا لترجمته إلى اللغات الأجنبية. وهذا العمل له فوائد كثيرة منها:
1 -
وضع تفسير موجز باللغة العربية يسهل الرجوع إليه.
2 -
وجود نص القرآن بالعربية وتفسيره بالعربية أمام المسلمين الأجانب لتيسير معرفتهم بها، ثم وجود تفسير بلغتهم معتمد من لجنة علمية. وقد كتب الإيرانيون تفسيرا للقرآن طبع في هامش المصحف الشريف، وكذلك فعل الأفغانيون والباكستانيون.
3 -
تصحيح ما أسموه تراجم للقرآن في اللغات الأوروبية، وبيان الخطأ فيه.
نماذج أخرى من الترجمة الفارسية:
ليس الغرض هنا عرض دراسة تفصيلية لترجمة معينة - فالمجال لا يسمح بذلك - ولكن الهدف من عرض هذه النماذج هو بيان القصور الواضح في المعاني المترجمة مما يوضح حاجتنا إلى ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم تسد النقص وتصحح الأخطاء.
وقد اعتمدت في عرضي لهذه النماذج على نسخة من الترجمة الفارسية للقرآن المطبوعة في طهران عام 1366هـ بخط " حسن بن عبد الكريم هريس "، وترجمة " الحاج شيخ مهدي الهرقمشة اى "، والنص مكتوب في الصفحة اليمنى والترجمة مطبوعة في الصفحة المقابلة، وهي بترتيب القرآن المطبوع في مصر، وقبل كل سورة يذكر اسم السورة ويبين إن كانت مكية أو مدنية وعدد آياتها، وللأسف توجد في النسخة أخطاء نتيجة الترجمة بالرغم من أن المترجم مسلم، فما بالك بمن يترجم القرآن من الأوربيين.
وإذا حاولنا تقييم هذه النسخة نقول بداية إنها ليست ترجمة حرفية، وإنما هي ترجمة للمعنى كما سيتضح من النماذج. كما أن التراجم الفارسية بصفة عامة لا توجد فيها الأخطاء الجسيمة التي نصادفها في التراجم الأوربية التي
تعتبر القرآن كتابا ألفه محمد بن عبد الله، ويحرفون فيه، ويعتبرون أن له مصادر يهودية ونصرانية، ويتخبطون في الحديث عن التكرار في القرآن وعن ترتيب آياته، ويرجع ذلك إلى أن المترجم الإيراني شخص مسلم يؤمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وأن القرآن هو كتاب الله أنزله على عباده ليهديهم سواء السبيل.
وأول ملاحظة على هذه الترجمة أن المترجم لم يستطع أن يدلي برأي في فواتح السور، ففي أول سورة البقرة ترجم (الم)" ازرموز قرآنست " أي من رموز القرآن، وفي أول سورة آل عمران ترجم (الم)" از حروف مقطعة اسرار قرآنست وهركس ان اطلاع ندارد " أي أنها حروف من أسرار القرآن ولا يعلم بها كل شخص، وفي أول سورة يونس ترجم (الر)" از اسرار وحي إلهي است " أي من أسرار الوحي الالهي، وفي أول سورة هود ترجم (الر) قائلا:" اسرار ينحروف نزد خدا ورسول است " أي أن أسرار هذه الحروف عند الله والرسول. وفي أول سورة الرعد (المر) لم يترجمها ولم يكتب تفسيرا لها. وفي أول سورة مريم (كهيعص) قال: " اينحروف اسرار يست ميان خدا ورسول " أي أن هذه الحروف أسرار بين الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
أما عن ترجمة الآيات فسنعرض بعض النماذج لنتبين ما تفعله الترجمة بالأصل من إضاعة للمعنى واختلاف في الترتيب وغير ذلك من أوجه الخلل. ففي سورة البقرة الآية رقم (34) ونصها: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (1) نجد الترجمة تقول: " وجون كفتيم فرشكتان را كه سجده كنيد برآدم همه سجده كردند مكر شيطان كه ابا وتكبر كرد وازفرقه كافران كرديد " أي
(1) سورة البقرة الآية 34
عندما قلنا للملائكة اسجدوا على آدم سجدوا جميعا إلا الشيطان الذي أبى وتكبر وأصبح من فرقة الكافرين.
وفي سورة القلم الآية رقم 9 نصها: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (1) ترجمها بقوله: " كافران بسيار وما يليذ كه باآنها مداهنة ومدراكني تاآنها هم بنفاق باتو مدارا كنند ": أي أنه أضاف إليها من المعنى الذي فهمه فقال إن الكافرين يميلون إلى أن تداهنهم وتنافقهم حتى يعاملوك أيضا بالنفاق والمكر. والآية ليس فيها مكر ولا مداهنة ولا خداع، ولكن المعنى المراد هو المرونة في الدعوة بمعنى التنازل عن بعض ما يطالبهم به والتقابل معهم في منتصف الطريق كما يقال.
وفي سورة الماعون الآية رقم 5 ونصها: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (2) ترجمها: ". . . كه دل از ياد خدا غافل دارند " أي الذين يغفل قلبهم عن ذكر الله، فلم يذكر الصلاة في الآية وهي المقصودة، فالتهديد في الآية السابقة:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (3) موجه لمن يسهو عن الصلاة ويتكاسل عنها ولا يؤديها أي تارك الصلاة.
وفي سورة البقرة الآية رقم 7 ونصها: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (4) ترجمها بقوله: " قهر خدا بردلها وكوشهاى ايشان مهر نهاده وبر ديده هاشان بوده، افكنده كه فهم حقايق ومعارف الهى رانميكتد وايشان راست عذابي سخت ". وواضح أن الترجمة فيها زيادة على النص، فيقول إن قهر الله قد ألقى على قلوبهم وآذانهم خاتما وألقى حجابا على أبصارهم فهم لا يفهمون الحقائق والمعارف الإلهية ولهم عذاب شديد. وفي سورة البقرة الآية رقم (18) ونصها:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (5)
(1) سورة القلم الآية 9
(2)
سورة الماعون الآية 5
(3)
سورة الماعون الآية 4
(4)
سورة البقرة الآية 7
(5)
سورة البقرة الآية 18
ترجمها على النحو الآتي: آنان كر وكنك وكورند واز ضلالت خود بر نميكر دند " ونلاحظ الفرق الدقيق بين اللغتين والذي اتضح في الترجمة، فقد ترجم الفاء في (فهم) بالواو وهذا لا يعطي المعنى المراد لأن الفاء تفيد السببية والمعنى المستفاد من الآية أنهم لا يرجعون إلى الصواب ولا شك أن ذلك يخالف النص.
وبعد فهذه بعض نماذج مما وقع لنا في الترجمة الفارسية وهي كافية فيما أعتقد للقول بأنها تحتاج إلى فحص دقيق شامل، فقد رأينا أنه يغير في ترتيب كلمات الآية ويترجم ما يفيد السببية بما يفقده معناها، ويترجم الجمع بالمفرد والماضي بالمضارع، ويغفل بعض أجزاء النص فلا يترجمه ولا يشير إليه، ويضيف أحيانا إلى النص كلمات تفسيرية من عنده لتوضيح المعنى.