الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامنا " مجيء الرب سبحانه وتعالى والملائكة
"
عندما يجتمع الخلق جميعهم على أرض المحشر، ويبقون ما شاء الله تعالى وقوفا في هول عظيم وأمر عصيب وشدة لا منتهى لها - وإن كان الأمر على الصالحين هين - يرغبون إلى الأنبياء في أن يستشفعوا لهم الرب سبحانه ليحكم بينهم ويريحهم من هول الموقف، ويشفع محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك إلى ربه تعالى، ينزل عز وجل لفصل القضاء.
والمراد هنا بالإتيان في الآية هو مجيء ذاته سبحانه وتعالى للفصل بين عباده، وقد جاء هذا مصرحا به في آيات أخر؛ فقال تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} (2)، وقال تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (3). فهذه آيات صريحة في مجيء الرب سبحانه وتعالى وملائكته أهل السماوات كلهم يجيئون صفوفا. وليس الأمر ما ذكره أغلب المفسرين بأن المجيء هو أمره أو غير ذلك من التأويلات هروبا من إثبات صفة المجيء للرب سبحانه وتعالى.
(1) سورة البقرة الآية 210
(2)
سورة الأنعام الآية 158
(3)
سورة الفجر الآية 22
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال أناس: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟. قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟. قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه (1)» الحديث. فصفة المجيء للرب سبحانه وتعالى من
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب 52، حديث 6573.
صفاته الثابتة بنص القرآن والسنة، ومجيئه لفصل القضاء لا شك فيه ولا يغالط فيه أو ينكره إلا من عميت بصيرته وتردى حاله، وحاد عن نهج الله القويم وصراطه المستقيم.
قال ابن كثير: " {وَجَاءَ رَبُّكَ} (1) يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما يسألون أولي العزم من الرسل واحدا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها، أنا لها (2)» فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفعه الله تعالى في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود، كما تقدم بيانه في سورة (سبحان) فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون صفوفا صفوفا "(3).
قال ابن جرير رحمه الله بعد أن ذكر الأقوال في معنى الإتيان: فمعنى الكلام إذن: " هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة، والمتبعون خطوات الشيطان إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام فيقضي في أمرهم ما هو قاض "(4). إذن فالرب سبحانه وتعالى يأتي - إتيانا يليق بجلاله وعظمته - إلى أرض المحشر، ومعه ملائكته الكرام صفوفا لفصل القضاء «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (5)» فيحكم سبحانه بين عباده حكما عدلا يظلم فيه أحدا مثقال ذرة إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ويكون الأمر له مثلما كان أولا يكون آخرا. ففي الدنيا كانت تجري الأحكام من
(1) سورة الفجر الآية 22
(2)
صحيح البخاري التوحيد (7510)، صحيح مسلم الإيمان (193)، سنن ابن ماجه الزهد (4312)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 116)، سنن الدارمي المقدمة (52).
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 806.
(4)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن 2/ 330 المطبعة الحلبية بمصر.
(5)
رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، حديث 2577.