الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
كذلك من السنة ما روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به. فقال صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله (1)» ، يقول ابن حجر - في شرحه -:". . . وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر، لثبوت النهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له، وفيه أنه لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله، ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم: أن نفي الإيمان عن شارب الخمر لا يراد به زواله بالكلية بل نفي كماله - كما تقدم "(2) وغيرها من الأدلة الكثيرة وإنما اكتفيت بما ذكرت إيثارا للإيجاز.
(1) رواه البخاري في صحيحه. انظر: صحيح البخاري (مع الفتح) جـ 12 صـ 75.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر جـ 12 صـ 78.
ثانيا: حكم مرتكب الكبيرة - عند أهل السنة - في الآخرة:
بعد أن بينا رأى أهل السنة في مرتكب الكبيرة في الدنيا نشير إلى رأيهم فيه في الآخرة - والمراد بيان حكمهم في مرتكب الكبيرة الذي مات من غير توبة؛ إذ من المعلوم أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. ولمعرفة رأيهم نذكر شيئا من أقوالهم في ذلك.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: والشفاعة يوم القيامة حق، يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار، ويخرج قوم من النار بشفاعة الشافعين، ويخرج قوم من النار بعدما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من
النار، وقوم يخلدون فيها أبدا، وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل (1).
ويقول ابن تيمية: وهم - أي أهل السنة - في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء. . ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية، فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله، وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة، وأنهم لا يخلدون في النار بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته (2).
ويقول الإمام الطحاوي: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3). وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته، وبشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته (4).
ومن هذه النصوص يتضح: أن أهل السنة وسط في حكم مرتكب الكبيرة الذي مات من غير توبة: فلم يقولوا: بعدم دخوله النار كما قالت
(1) السنة للإمام أحمد صـ 72 - 73.
(2)
الفتاوى جـ 3 صـ 374.
(3)
سورة النساء الآية 48
(4)
الطحاوية (مع الشرح) صـ 416 - 417.