الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرى بعض العلماء المعاصرين أن فكرة الحق في الشريعة الإسلامية تلتقي مع النظرية الحديثة في " المراكز القانونية العامة " فالملكية في الإسلام - كما هي في القانون الحديث، مركز قانوني عام - لأن الشريعة الإسلامية هي التي أنشأت هذا الحق، ولكن عناصر هذا المركز في الإسلام تغاير نظيرتها في القانون، فبينما نجد عنصر الحق الذاتي والمزايا بارزين في القانون نجد أن عنصر التكليف هو أبرز العناصر في الشريعة الإسلامية، ثم يليه عنصر المزايا الموضوعية. . وهذا من شأنه أن يؤثر في تقييد الملكية في استعمالها بما لا يضر الآخرين في الاستعمال والاستغلال والتصرف.
بين الحق والواجب:
وفي بيان تصور حقيقة هذه الفكرة، الحق والواجب، يقول الدكتور محمد ضياء الدين الريس:" والحقيقة العامة التي ينبغي أن تقرر بادئ ذي بدء أنه بينما ترمي القوانين الوضعية إلى أن تجعل قاعدتها الرئيسية في الأحكام فكرة (الحقية) أو (الامتلاك) نرى الشريعة الإسلامية تهدف إلى أن تجعل قاعدتها الأولى فكرة (الوجوبية) والالتزام أكثر مما تجعل فكرة الحقية والاستحواذ. فالإنسان في عرف الشرع لا ينظر إليه أولا على أنه صاحب (حق) ولكن ينظر إليه على أنه متحمل (مسئولية) أو ملزم بأداء واجب. ولذا فالكلمة التي تطلق عليه باعتباره عضوا في مجتمع هي كلمة " مكلف "، فكل فرد في الإسلام هو مكلف، أي مسئول. وعلى الإنسان أن يستشعر أنه مؤتمن أو وكيل على الحقوق فيتصرف فيها تصرف الوكيل، في الحدود التي عينت لوكالته (1).
(1) انظر: النظريات السياسية الإسلامية، د. محمد ضياء الدين الريس صـ 262 - 263.
وهذه النظرة لن تنفي فكرة الحق، وإنما تضع قيودا عليها لمصلحة الجماعة والفرد، إذ لولا وجود الحق لما وجدت فكرة الواجب، فكل واجب يقابله حق.
صفحة فارغة
وجوب الصدق والنصح في المعاملات
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والنصح في جميع المعاملات، وحرم عليهم الكذب والغش والخيانة، وما ذاك إلا لما في الصدق والنصح وأداء الأمانة من صلاح أمر المجتمع، والتعاون السليم بين أفراده، والسلامة من ظلم بعضهم لبعض وعدوان بعضهم على بعض، ولما في الغش والخيانة والكذب من فساد أمر المجتمع وظلم بعضه لبعض، وأخذ الأموال بغير حقها، وإيجاد الشحناء والتباغض بين الجميع، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خرجه مسلم في صحيحه. وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: «بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم (1)» . وفي الصحيحين أيضا عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (2)» أو قال: «حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما (3)» . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من غشنا فليس منا (4)» . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني (5)» . . فهذه
(1) صحيح البخاري الزكاة (1401)، صحيح مسلم الإيمان (56)، سنن الترمذي البر والصلة (1925)، سنن النسائي البيعة (4174)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 364)، سنن الدارمي البيوع (2540).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2079)، صحيح مسلم البيوع (1532)، سنن الترمذي البيوع (1246)، سنن النسائي البيوع (4464)، سنن أبو داود البيوع (3459)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 402)، سنن الدارمي البيوع (2547).
(3)
صحيح البخاري البيوع (2079)، صحيح مسلم البيوع (1532)، سنن الترمذي البيوع (1246)، سنن النسائي البيوع (4464)، سنن أبو داود البيوع (3459)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 402)، سنن الدارمي البيوع (2547).
(4)
صحيح مسلم الإيمان (101)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 417).
(5)
صحيح مسلم الإيمان (102)، سنن الترمذي البيوع (1315)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 242).
الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب النصح والبيان والصدق في المعاملات، وعلى تحريم الكذب والغش والخيانة في ذلك، كما تدل على أن الصدق والنصح من أسباب البركة في المعاملة، وأن الكذب والغش من أسباب محقها، ومن النصح والأمانة بيان العيوب الخفية للمشتري والمستأجر، وبيان حقيقة الثمن والسوم عند الإخبار عنهما. ومن الغش والخيانة الزيادة في السوم أو الثمن ليبذل المشتري أو المستأجر مثل ذلك أو قريبا منه. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأعطي بها كذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف، (1)» فالواجب على جميع المسلمين تقوى الله في المعاملة والحذر من أسباب غضب الله وأليم عقابه الذي توعد به أصحاب الغش والخيانة والكذب، كما يجب على الجميع التواصي بالصدق والنصح وتقوى الله في جميع الأمور؛ لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصفاء القلوب وصلاح المجتمع، وفي ذلك أيضا حصول البركة في المعاملة والسلامة من أكل الحرام ومن ظلم المسلم لأخيه.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه (2)» . وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (3)» .
وأسأل الله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويجمع قلوبهم على التقوى، ويصلح قادتهم، ويمنحهم جميعا الصدق والنصح في جميع الأمور والتعاون على البر والتقوى، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. . .
(1) أحمد 2/ 253، 480، والبخاري 3/ 76، 160، 8/ 124، ومسلم 1/ 103 برقم (108)، وأبو داود 3/ 749، 750 برقم (3474، 3575)، والترمذي 4/ 150 - 151 برقم (1595) ببعضه، والنسائي 7/ 247 برقم (4462)، وابن ماجه 2/ 744، 958 برقم (2207، 2870)، وابن أبي شيبة 6/ 257، وأبو عوانة 1/ 41، وابن حبان 11/ 274 برقم (4908) بنحوه، والبيهقي في (السنن) 5/ 330، 8/ 160، وفي (الأسماء والصفات) 1/ 551 برقم (477) (ت: الحاشدي)، والبغوي 10/ 142 برقم (2516)(بنحوه).
(2)
صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
(3)
صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).