الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد: في تعريف الكبيرة
.
الكبيرة في اللغة: مفرد كبيرات وكبائر، مؤنث الكبير، وهو: الإثم الكبير (1)، قال ابن منظور في اللسان: الكبيرة هي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعا لعظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف (2).
الكبيرة في الاصطلاح: عرفت بتعاريف كثيرة منها: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الكبيرة: هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب (3).
وقال القرطبي: الكبيرة: هي كل ذنب عظم الشارع التوعد عليه بالعقاب وشدده أو عظم ضرره في الوجود (4).
وقال ابن أبي العز - في شرحه للطحاوية -: اختلف العلماء في الكبائر على أقوال، فقيل: سبعة، وقيل: سبعة عشر. وقيل: ما اتفقت الشرائع على تحريمه. وقيل: ما يسد باب المعرفة بالله، وقيل: ذهاب الأموال والأبدان، وقيل: سميت كبائر بالنسبة والإضافة إلى ما دونها. وقيل: لا تعلم أصلا. أو أنها أخفيت كليلة القدر. وقيل: إنها إلى السبعين أقرب. وقيل: كل ما نهي عنه فهو كبيرة. وقيل: إنها ما يترتب عليها حد، أو توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب. وهذا أمثل الأقوال. . .؛ لأنه يسلم من القوادح الواردة على غيره، فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة كالشرك، والقتل، والزنا، وقذف المحصنات. . وأمثال ذلك.
(1) انظر: القاموس المحيط جـ 2 صـ 124، ولسان العرب جـ 3 صـ 212.
(2)
لسان العرب جـ 3 صـ 212، وانظر القاموس المحيط جـ 2 صـ 124 (الحاشية).
(3)
تفسير الطبري جـ 5 صـ 27، وتفسير القرطبي جـ 5 صـ 159، شرح صحيح مسلم للنووي جـ 2 صـ 58.
(4)
تفسير القرطبي جـ 3 صـ 160 - 161.
ثم قال: وترجيح هذا القول من وجوه أحدها: أنه هو المأثور عن السلف كابن عباس وابن عيينة وابن حنبل رضي الله عنهم وغيرهم.
الثاني: أن الله تعالى قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (1).
فلا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله أو لعنته وناره، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر.
الثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله من الذنوب، فهو حد متلقي من خطاب الشارع.
الرابع: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر بخلاف تلك الأقوال، فإن من قال: سبعة، أو سبعة عشر، أو إلى السبعين أقرب - مجرد دعوى. ومن قال: ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه - يقتضي أن شرب الخمر، والفرار من الزحف، والتزوج ببعض المحارم، ونحو ذلك ليس من الكبائر وأن الحبة من مال اليتيم، والسرقة لها، والكذبة الواحدة الخفيفة، ونحو ذلك: من الكبائر، وهذا فاسد. ومن قال: ما سد باب المعرفة بالله، أو ذهاب الأموال والأبدان -: يقتضي أن شرب الخمر، وأكل الخنزير والميتة والدم وقذف المحصنات - ليس من الكبائر! وهذا فاسد ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة إلى ما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة -: يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر وهذا فاسد؛ لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر. ومن قال: إنها لا تعلم أصلا، أو إنها مبهمة -: فإنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها، فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره والله أعلم.
(1) سورة النساء الآية 31