الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: ((البعث والنشور))
البعث: إثارة بارك أو قاعد، تقول: بعثت البعير فانبعث أي أثرته فثار، والبعث أيضا: الإحياء من الله للموتى، ومنه قوله:{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} (1) أي أحييناكم. وبعث الموتى: نشرهم ليوم البعث. وبعث الله الخلق يبعثهم بعثا: ((نشرهم من ذلك)) (2).
النشور: ((أنشر الله الموتى فنشروا هم إذا حيوا، وأنشرهم الله أي أحياهم)) (3). والنشور مرادف للبعث في المعنى، والمراد أن الله تعالى يحيي الموتى مرة أخرى فيصبحوا منتشرين في الأرض ينتظرون النداء إلى أرض المحشر لفصل القضاء، وأول من تنشق عنه الأرض ويبعث هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤى في وجهه، ثم قال: لا تفضلوا بين أولياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه
(1) سورة البقرة الآية 56
(2)
لسان العرب مادة بعث 2/ 166.
(3)
لسان العرب مادة نشر 5/ 206.
أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي (2)».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع (3)» . وأما ما كان من أمره صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام في البعث فقال النووي رحمه الله: وفي رواية: «فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى (4)» . الصعق والصعقة: الهلاك والموت، ويقال: منه صعق الإنسان، وصعق بفتح الصاد وضمها، وأنكر بعضهم الضم، وصعقتهم الصاعقة بفتح الصاد والعين وأصعقتهم، وبنو تميم يقولون الصاقعة
(1) رواه البخاري في صحيحه كتاب الأنبياء، حديث 3414، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل، حديث 2373.
(2)
(1)
(3)
رواه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل، حديث 2278 واللفظ له، ورواه الإمام أحمد في المسند 2/ 540، ورواه أبو داود كتاب السنة، حديث 4673.
(4)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3408)، صحيح مسلم الفضائل (2373)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3245)، سنن أبو داود السنة (4671)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 264).
بتقديم القاف. قال القاضي وهذا من أشكل الأحاديث؛ لأن موسى قد مات فكيف تدركه الصعقة، وإنما تصعق الأحياء. قوله:«ممن استثنى الله تعالى (1)» يدل على أنه كان حيا، ولم يأت أن موسى رجع إلى الحياة، ولا أنه حي كما جاء في عيسى، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق (2)» . قال القاضي: يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والأرض فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:" فأفاق " لأنه إنما يقال أفاق من الغشي، وأما الموت فيقال: بعث منه، وصعقة الطور لم تكن موتا. وأما قوله صلى الله عليه وسلم:«فلا أدري أفاق قبلي (3)» فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم أول شخص تنشق عنه الأرض على الإطلاق، قال ويجوز أن يكون معناه أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض، فيكون موسى من تلك الزمرة، وهي والله أعلم زمرة الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -. هذا آخر كلام القاضي (4).
والبعث والنشور من أركان الإيمان الستة التي يجب الإيمان بها، وقد أنكر البعض هذا الركن وقالوا إن الناس إذا ماتوا لا يبعثون.
قال الله تعالى حكاية عن أولئك القوم: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (5)، {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} (6){قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (7){لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (8)
(1) صحيح البخاري الخصومات (2411)، صحيح مسلم الفضائل (2373)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3245)، سنن أبو داود السنة (4671)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 451).
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3407)، صحيح مسلم الفضائل (2372)، سنن النسائي الجنائز (2089)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 269).
(3)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3398)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 33).
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 131، 132.
(5)
سورة النحل الآية 38
(6)
سورة الإسراء الآية 98
(7)
سورة المؤمنون الآية 82
(8)
سورة المؤمنون الآية 83
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (1){أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} (2)، {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} (3){أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} (4){هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (5){إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (6) هذه مقالة أولئك المنكرين للبعث وما ذاك إلا روايات وحكايات لا صحة لها، استصعبوا الإعادة بعد أن صاروا عظاما وترابا، ونسوا البداية حيث لم يكونوا شيئا، فيقولون كما أخبر الله عنهم:{يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} (7){أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} (8){قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} (9) ولكن الأمر من الله أعظم {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} (10){فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} (11) ما يشعرون وهم في قبورهم إلا وهم قيام ينظرون بين يديه سبحانه وتعالى لفصل القضاء، فماذا كان قولهم؟:{يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} (12) وماذا سيكون الرد عليهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (13){اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (14).
(1) سورة الصافات الآية 16
(2)
سورة الصافات الآية 17
(3)
سورة المؤمنون الآية 34
(4)
سورة المؤمنون الآية 35
(5)
سورة المؤمنون الآية 36
(6)
سورة المؤمنون الآية 37
(7)
سورة النازعات الآية 10
(8)
سورة النازعات الآية 11
(9)
سورة النازعات الآية 12
(10)
سورة النازعات الآية 13
(11)
سورة النازعات الآية 14
(12)
سورة يس الآية 52
(13)
سورة يس الآية 63
(14)
سورة يس الآية 64