الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخرون: المرجئة: هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أن الإيمان لا يضر معه ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
وقال الشهرستاني: الإرجاء على معنيين. أحدهما: بمعنى التأخير كما في قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (1) الآية أي أمهله وأخره.
والثاني: إعطاء الرجاء. أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول. .، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد. وأما بالمعنى الثاني. . فلأنهم كانوا يقولون لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وهذا أمثل الأقوال لأنه أشملها لأنواع الإرجاء.
(1) سورة الأعراف الآية 111
(ب):
نشأتهم
.
الإرجاء ليس شيئا واحدا نشأ في لحظة حاسمة كما هو الحال في نشأة الخوارج، وإنما هو أنواع. وقد بدأ ضعيفا في جانب واحد ثم ما لبث أن انتقل في جانب آخر بينهما فترة من الزمن. وإليك الإشارة إليها مع بيان نشأة كل منها.
أولا: إرجاء أمر الصحابة.
والأظهر أن أول من تكلم فيه الحسن بن محمد بن الحنفية الذي اشتهر عنه بسبب كتاب كتبه ليقرأ على الناس. قال ابن سعد في ترجمة الحسن: إنه أول من تكلم بالإرجاء (1).
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 5 صـ 328. الملل والنحل جـ 1 صـ 144.
وهذا الإرجاء لا يعد مذموما؛ لأنه إرجاء أمر الصحابة إلى الله لما حصل بينهم من الاختلاف، ولم يتبرأ منهم.
ثانيا: إرجاء أمر مرتكب الكبيرة.
وقد نشأ هذا النوع بظهور الخوارج وحكمهم بالكفر على مرتكب الكبيرة واختلافهم فيه. وبيان ذلك: أنهم قالوا: بالكفر على مرتكب الكبيرة ثم افترقوا فرقا وأخذ حكمهم يتنازل في حكم مرتكب الكبيرة حتى تولدت المرجئة.
فقد ذكر الشهرستاني عن الحازمية - وهي من فرق الخوارج - أنهم يتوقفون في أمر علي بن أبي طالب ولا يصرحون بالبراءة منه (1).
ويروي ابن سعد عن بعض المحدثين كمحارب بن دثار السدوسي (قاضي الكوفة) أنهم يتوقفون في أمر علي بن أبي طالب وعثمان، ولا يشهدون لهما بإيمان ولا كفر. إذا ما هو موقفهم؟، إنه الإرجاء (2).
ومما ذكرته يتضح أن التوقف من قبل بعض الخوارج هو البذرة الأولى في ظهور المرجئة الأولى الذين لا يشهدون بإيمان ولا كفر على مرتكب الكبيرة. والأصل عندهم في قولهم: مرتكب الكبيرة هم الصحابة. قال ابن أبي العز في شرحه للطحاوية: وكانت المرجئة الأولى يرجئون عثمان وعليا، ولا يشهدون بإيمان ولا كفر (3).
ومن هؤلاء: محارب بن دثار السدوسي، كما قال ابن سعد (4)، ومنهم أيضا خالد بن سلمة الكوفي الفأفاء. كما قال الذهبي (5).
(1) الملل والنحل جـ1 صـ 131.
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 6 صـ 307.
(3)
شرح الطحاوية صـ 477.
(4)
الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 6 صـ 307.
(5)
انظر: سير أعلام النبلاء جـ 5 صـ 373 - 374.
وهذا النوع من الإرجاء يختلف عما سبقه. فالأول الذي تكلم فيه ابن الحنفية إرجاء تفويض أمر المختلفين من الصحابة إلى الله، مع اعتقاد أفضليتهم والشهادة لهم بالإيمان، وليس له أي صلة بالمرجئة فيما بعد.
أما النوع الثاني: وهو الإرجاء الذي تولد من الخوارج فالقائلون به لا يشهدون للصحابة بإيمان ولا كفر وإنما يتوقفون، وهذا بدعة، وهو أصل قول المرجئة في الإيمان كما سيأتي بيانه، ثم إن هذا النوع من الإرجاء قد انقرض؛ إذ أن الإرجاء تحول إلى موضوع الإيمان. فقد سئل سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال: الإرجاء على وجهين: قوم أرجئوا أمر علي وعثمان فقد مضى أولئك، فأما المرجئة اليوم فهم قوم يقولون: الإيمان قول بلا عمل (1).
النوع الثالث: الإرجاء في الإيمان.
وهذا النوع بدأ بإخراج العمل من مسمى الإيمان، وكان هذا زمن التابعين وهو على ثلاثة أنواع. الأول: إرجاء العباد والفقهاء من أهل الكوفة ابتدأ بهم. وموضوعه: إخراج العمل من الإيمان. وهو امتداد للمرجئة الذين انفصلوا عن الخوارج؛ حيث إن مسالة تكفير المسلم هي السبب في ذلك وهي القضية التي كانت موضوع نقاش الناس وخاصة بين الخوارج ومن انفصل منهم من المرجئة أدى هذا النقاش فيما بعد إلى البحث في الإيمان عند هاتين الفرقتين. فرأت كل فرقة أن تجعل قولها في الإيمان مبنيا على قولها في الكبيرة، فقالت الخوارج: إنه جميع الطاعات فمن ترك طاعة واحدة فقد كفر. فقولهم هذا بناء على تكفيرهم مرتكب الكبيرة.
فقابلتهم المرجئة بما يناقضهم؛ فقالوا: مرتكب الذنب مؤمن كامل الإيمان، لكن لا يسلم لهم هذا القول حتى يخرجوا العمل من الإيمان، لذا
(1) تهذيب الآثار للطبري جـ 2 صـ 659.
قالوا: الإيمان هو التصديق والإقرار فقط. وأول من عرف عنه هذا النوع ذر بن عبد الله الهمذاني، وحماد بن أبي سليمان من فقهاء الكوفة (1).
وكان ظهور هذا النوع من الإرجاء بعد الثمانين من الهجرة لما ورد في صحيح البخاري عن زبيد قال: " سألت أبا وائل عن المرجئة. . . "(2) وكانت وفاة أبي وائل سنة 82 هـ (3).
وقال ابن تيمية: حدثت بدعة الإرجاء في أواخر عصر الصحابة في خلافة عبد الملك بن مروان (4)، وخلافته انتهت بوفاته سنة 86 هـ.
وهؤلاء المرجئة الذين يخرجون العمل عن الإيمان لم يكونوا يقصرون في العمل، وإنما قالوا هذا القول كرد فعل لتكفير الخوارج لصاحب الكبيرة (5).
الثاني: إرجاء الغلاة من المتكلمين، الذين جعلوا الإيمان في القلب فقط، كالجهمية والغيلانية وبعض المتكلمين.
وهؤلاء: جعلوا الإيمان شيئا واحدا في القلب فقط فزادوا على من
(1) انظر: الضعفاء الكبير للعقيلي جـ 1 صـ 304.
(2)
صحيح البخاري كتاب الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله جـ 1 صـ 17.
(3)
انظر: تذكرة الحافظ جـ 1 صـ 60.
(4)
انظر: منهاج السنة النبوية جـ3 صـ 184، ودرء تعارض العقل بالنقل جـ 5 صـ 244.
(5)
انظر: الفتاوى جـ 7 صـ 297، 510.
سبقهم بأن أخرجوا القول من الإيمان. فصار الإيمان يتم - عندهم - بمجرد معرفة القلب. ومن أوائل من عرف عنهم هذا الغلو في الإرجاء غيلان بن مسلم الدمشقي أبو مروان، والجهم بن صفوان، ومقاتل بن سليمان المشبه.
وهؤلاء من مذهبهم أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وهم الطائفة الأولى من المرجئة الغلاة.
وهذا النوع من الإرجاء أثر من آثار الإرجاء السابق، وهو إرجاء الفقهاء حيث إن ذلك الخطأ اللفظي فتح الباب لهذا الخطأ العظيم.
الثالث: إرجاء الكرامية: وهو نوع ثالث من أنواع الإرجاء في الإيمان حيث جعلوا الإيمان: قولا باللسان فقط، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن
عند الله ولي له، من أهل الجنة (1)، وأول من ابتدع هذا النوع محمد بن كرام السجستاني المجسم، عاش في أوائل القرن الثالث. حيث قال: إن الإيمان هو القول باللسان فقط دون تصديق القلب وعمل الجوارح. ولم يكن هذا النوع معروفا قبله، وهذا القول هو أفسد الأقوال وآخرها حدوثا.
يقول ابن تيمية: لم يكن حدث في زمن السلف من المرجئة من يقول: الإيمان بمجرد القول بلا تصديق ولا معرفة، فإن هذا: إنما أحدثه ابن كرام، وهذا هو الذي انفرد به ابن كرام (2) وهذه هي الطائفة الثانية من المرجئة الغلاة (3).
(1) المقالات جـ 1 صـ 205. والفصل جـ 3 صـ 188، جـ 4 صـ 204.
(2)
الفتاوى جـ 7 صـ 386 - 387.
(3)
الفصل جـ 4 صـ 204.