الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا (1)» الحديث.
وبعض أنواع الشفاعة إنما تكون للعصاة الذين استحقوا العذاب بسبب ارتكاب المعاصي أو التقصير في الطاعات، وإذا ثبتت الشفاعة للعصاة انتفى القول بخلودهم في النار (2).
وقد أنكرت الخوارج هذا النوع من الشفاعة محتجين بأن الشفاعة للعاصي رضا بعصيانه (3).
ويرد عليهم: بأن الشفاعة للعاصي ليست رضا بعصيانه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما احتاج إلى الشفاعة، ولكن عفو الله ومغفرته، وقبول الأعمال الصالحة جعلت لبعض العصاة حقا في الشفاعة (4)، والله أعلم.
(1) رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:" وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " برقم 7439. صحيح البخاري بشرح (فتح الباري) جـ 13 صـ 420 - 421 ومسلم (بنحوه) في كتاب الإيمان باب إخراج عصاة المؤمنين من النار (صحيح مسلم بشرح النووي) جـ3 صـ 29 - 32.
(2)
انظر: الاعتقاد للبيهقي صـ 191، 197، 201، 203.
(3)
انظر: أصدق المناهج للسمائلي صـ 27.
(4)
انظر: تأملات في التراث العقدي للفرق الكلامية (فرق الخوارج) صـ 245.
(د)
رأي المعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا مع المناقشة
.
ذكرنا - آنفا - عند بيان رأي الخوارج في حكم مرتكب الكبيرة - أن المعتزلة يوافقونهم في حكمه في الآخرة، إلا أنهم يخالفونهم في حكمه في الدنيا. والآن لنعرف ما هو رأيهم فيه في الدنيا؟.
يرى المعتزلة: أن مرتكب الكبيرة - في الدنيا - ليس مؤمنا ولا كافرا لا في الاسم ولا في الحكم؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين، فلا يسمى مؤمنا ولا كافرا وإنما يسمى فاسقا.
وحكمه كذلك بين الحكمين، فلا يكون حكمه حكم الكافر ولا حكم المؤمن وإنما له حكم بينهما.
المناقشة: نقول لهم:
أولا: إن قولكم - مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين يتضمن نفي الإيمان بالكلية عن مرتكب الكبيرة. وهذا باطل. بل هو مؤمن ناقص الإيمان قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكب من معصية فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. فلا يكون له الاسم مطلقا، ولا يسلب منه مطلق الإيمان. ومما يدل على أن الفاسق لم تخرجه كبيرته من الإيمان ما يلي:
1 -
الآيات والأحاديث الناطقة بإطلاق لفظ الإيمان على العاصي كقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1).
فقد أطلق اسم الإيمان على الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين؛ مما يدل على أن كبيرة القتل لم تخرجهما من الإيمان، وكذلك كبيرة البغي (2). ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال:«ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق ?، فقال صلى الله عليه وسلم: وإن زنى وإن سرق (3)» الحديث.
(1) سورة الحجرات الآية 9
(2)
الروضة الندية شرح الواسطية صـ 392 (بتصرف).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا أدخل الجنة. انظر صحيح مسلم جـ 1 صـ 53.
ففي هذا الحديث دلالة على أن من قال لا إله إلا الله وإن ارتكب شيئا من الكبائر فإنه يدخل الجنة، مما يدل على أن كبيرته لم تخرجه من الإيمان.
2 -
إجماع الأمة من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على الصلاة على من مات من أهل القبلة من غير توبة، والدعاء والاستغفار لهم مع العلم بارتكابهم للكبائر بعد الاتفاق على أن ذلك لا يجوز لغير المؤمن (1)؛ مما يدل على أنهم لم يخرجوا من الإيمان.
ثانيا: أن في قولكم - بالمنزلة بين المنزلتين - إحداث للقول المخالف لما أجمع عليه السلف من عدم المنزلة بين المنزلتين، فيكون باطلا (2). والله أعلم.
(1) شرح العقائد المنفية صـ 118.
(2)
شرح العقائد المنفية صـ 118.