الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: ((الصور والنافخ فيه))
قال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} (1){فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} (2).
قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد: {النَّاقُورِ} (3) الصور، قال مجاهد:((وهو كهيئة القرن)) (4).
الصور: ((هو القرن الذي ينفخ فيه. . . عند بعث الموتى إلى المحشر. وقال بعضهم: إن الصور جمع صورة، يريد صور الموتى ينفخ فيه الأرواح. والصحيح الأول؛ لأن الأحاديث تعاضدت عليه تارة بالصور، وتارة بالقرن)) (5).
القرن: ((هو البوق يتخذ من القرون ينفخ فيه)) (6). قال القرطبي: ((الصور: قرن من نور ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء وليس جمع صورة كما زعم بعضهم أي نفخ في صور الموتى)) (7). ولم يقم دليل صحيح على أن الصور من نور أو غيره من الصفات الأخرى. والصور ثابت في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وإن قول من قال إن الصور جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيا، فهذا القول لا يصح لمخالفته لما في القرآن وفي السنة المفسرة له.
قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (8).
(1) سورة المدثر الآية 8
(2)
سورة المدثر الآية 9
(3)
سورة المدثر الآية 8
(4)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 691.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 60.
(6)
انظر تحقيق محمود محمد شاكر، وأحمد محمد شاكر على تفسير الطبري 11/ 462.
(7)
الجامع لأحكام القرآن 7/ 20.
(8)
سورة الزمر الآية 68
وهنا النفخ في الأولى يؤدي إلى الصعق ثم الموت بينما رأي من قال النفخ هو في الصور فهذا لا يتناسب مع مفهوم الآية، حيث النفخ في الصور يؤدي إلى الحياة.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما «أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصور. قال: ((قرن ينفخ فيه)) (1)» .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا (2)» .
قال ابن كثير: ((والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام)(3). وهنا نقف على صحة القول بأن الصور هو قرن - بوق - ينفخ فيه لقيام الساعة وخراب الدنيا، وينفخ فيه بعد ذلك لقيام الناس من قبورهم للحساب وبدء اليوم الآخر - يوم الجزاء والحساب -
(1) رواه الحاكم في المستدرك 4/ 560، وقال هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي: ورواه الترمذي في سننه كتاب صفة القيامة في باب: ما جاء في شأن الصور حديث رقم 2430، وقال: هذا الحديث حسن. ورواه الإمام أحمد في المسند 2/ 192.
(2)
رواه الترمذي في سننه ((كتاب صفة القيامة)) - ما جاء في شأن الصور - حديث رقم 2431، ورواه في كتاب التفسير سورة الزمر، وقال: هذا حديث حسن. ورواه الحاكم في المستدرك 4/ 559.
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/ 234. دار الفكر.
قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} (1).
وأما النافخ في الصور فلم أقف على آية أو حديث صحيح يذكر فيه اسم النافخ صراحة باسمه، ولكن الوارد في الأحاديث الصحيحة أن النافخ في الصور واحد لا اثنان، كما ورد بذلك أحاديث لا تصح بأن هناك ملكين موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن طرف صاحب الصور من وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان (2)» .
ففي هذا الحديث دلالة واضحة على أن النافخ في الصور واحد ولم يذكر باسمه، إلا أن المشهور عند العلماء أن النافخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام.
قال القرطبي: ((والصحيح في الصور أنه قرن من نور ينفخ فيه إسرافيل)) (3). وقال: ((والأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام)(4).
وقال ابن حجر: ((اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام)(5).
(1) سورة يس الآية 51
(2)
رواه الحاكم في المستدرك 4/ 559. وقال هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 13/ 239 دار إحياء التراث العربي.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 7/ 20 دار إحياء التراث العربي.
(5)
فتح الباري 11/ 368.
فيكون بهذا قد وقفنا على صحة القول بثبوت الصور، وأنه بوق ينفخ فيه بخراب الدنيا فيحصل من الأهوال الشيء العظيم، ثم ينفخ فيه مرة أخرى فيقوم الناس من قبورهم لفصل القضاء، وأن النافخ فيه هو إسرافيل عليه السلام، كما اشتهر بذلك القول. والله أعلم.