الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قول المالكية المشهور بلزوم المثل مطلقا فقال: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر التغير جدا حتى يصير القابض لها كالقابض ما لا نفع فيه واستدل لرأيه بأن أصحاب القول المشهور قالوا إن الدائن دفع شيئا منتفعا به لأخذ شيء منتفع به فلا يظلم بإعطائه ما لا نفع فيه (1).
(1) حاشية الرهوني 5/ 20.
تلخيص جملة أقوال الفقهاء السابقة في التغيرات الطارئة على النقود:
الكساد:
ذهب جمهور الفقهاء (الشافعية والمالكية والحنفية) إلى أنه لا يجب في كساد النقود إلا ما اتفق عليه في العقد فترد النقود بعينها وذلك في نقود الذهب والفضة ولا أثر للكساد، أما في النقد الاصطلاحي فالشافعية والراجح عند المالكية أنه لا أثر للكساد أيضا فلا فرق عندهم بين الذهب والفضة وغيرهما. وقال أبو حنيفة بفساد البيع.
وذهب الحنابلة والصاحبان من الحنفية إلى وجوب القيمة وهو القول المرجوح عند المالكية فيرد المدين قيمة النقد الكاسد من النقد الجديد.
ولا اعتراض على قول الجمهور بإيجاب المثل إذا كان النقد الكاسد ذهبا أو فضة لما في الحجرين من القيمة الذاتية.
أما في النقد الاصطلاحي فمن الصعب أن نلزم الدائن أو البائع بقبول النقد الكاسد المتفق عليه في العقد وأولى أن يفسد البيع كما قال أبو حنيفة رحمه الله وربما حاول الجمهور بقولهم إرساء مبدأ استقرار التعامل، أو لحسن ظنهم بجهات الإصدار الحكومية التي تحدد مهلة ليتمكن الناس من تبديل ما لديهم من النقد القديم فإذا توفر ذلك فلا يترتب أي محذور ولكن في ظل
ظروف معقدة كظروفنا اليوم يبقى القول بإيجاد القيمة أقرب إلى العدل ومنطق التعامل.
الانقطاع:
إذا استثنينا الإمام أبا حنيفة القائل بفساد البيع في حال انقطاع النقد فإن كل الفقهاء الباقين يقولون بالمصير إلى القيمة، وحتى الشافعية وإن قالوا بفساد البيع إلا أنهم يجيزون الاستبدال بالثمن وهو في مضمونه قول بالمصير إلى القيمة.
الرخص والغلاء:
ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الرخص والغلاء لا أثر له على الالتزامات البتة وهو مذهب ما عدا الصاحبين والحنابلة من الفقهاء، فالحنابلة والصاحبان قالوا بوجوب قيمة النقد إذا اعتراه الرخص والغلاء، وهناك قول مرجوح عند المالكية بإيجاب القيمة إذا كان التغير فاحشا، ويبدو أن الحنابلة لا يوجبون القيمة إلا في النقد الخلقي أما النقد الاصطلاحي فلا أثر للرخص والغلاء فيها عندهم وهو ما يحير الباحث، وربما كان فقهاء الحنابلة يرون في بحوثهم ثبات قيمة النقد وإلا فهم يوجبون القيمة في الانقطاع والكساد.
الرأي النهائي لابن عابدين:
يعتبر هذا الفقيه رحمه الله عمدة المحققين من المتأخرين، وهو الوحيد الذي سار إلى آخر الشوط في المسألة، وقد عرفنا أن جملة الاجتهاد الحنفي ينحصر في المسائل الثلاث ضمن قولين:
1 -
قول الإمام بفساد البيع في الكساد والانقطاع ولا أثر للرخص والغلاء.
2 -
قول الصاحبين بوجوب القيمة في كل الأحوال إما يوم العقد أو يوم الاستحقاق.
أكد ابن عابدين على لزوم الإفتاء بقول الصاحبين وسار على نهجهما في القول بالقيمة فقال رحمه الله: (ثم أعلم أنه تعدد في زماننا ورود الأمر السلطاني بتغيير سعر بعض النقود الرائجة واختلف الإفتاء فيه وقد استقر الحال الآن على).
1 -
دفع النوع الذي وقع عليه العقد لو كان معينا كمائة ريال أفرنجي.
2 -
دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إن لم يعينا نوعا والخيار للدافع كخياره وقت العقد وهو في خياره وقت ظاهر ولكنه الآن ربما يختار أرخص قيمة ليدفعها للبائع فيلحق به الضرر، فإذا وجدت عملة هبطت قرشين وأخرى هبطت قرشا واحدا فيدفع المشتري من الأولى وهذا مما لا شك في منعه. وقد كنت سألت شيخي الذي هو أعلم زمانه (محمد شاكر العمري)(1) فجزم بعدم تخيير المشتري في هذه الحالة لما علمت من الضرر وأنه يفتي بالصلح بحيث لا يكون الضرر على شخص فإنه وإن كان الخيار للمشتري في دفع ما شاء وقت العقد وإن امتنع البائع لكنه إنما ساغ ذلك لعدم تفاوت الأنواع، أما في هذه الصورة فلا يسوغ لأنه يختار الأنفع له فيمنع من ذلك لا سيما إذا كان المال مال أيتام أو وقف فالصلح حينئذ أنفع وأحوط ولا سيما أن المسألة غير منصوص عليها بخصوصها والمنصوص عليه هو الفلوس والدراهم المغشوشة فينبغي
(1) انظر في ترجمته: عقود الآلي في الأسانيد العوالي - ثبت ابن عابدين.
النظر في تلك النقود التي رخصت ويدفع من أوسطها نقصا لا الأقل ولا الأكثر كي لا يتناهى الضرر على البائع أو على المشتري (1).
والحالة التي رأى فيها ابن عابدين تقدير القيمة في الوسط أتخيلها اليوم كما يلي: إذا ثبت لرجل في ذمة آخر مبلغ من المال من العملة الرسمية وهي ذات عيار ثابت بالنسبة للذهب ثم ارتفعت أو انخفضت فيمكن الأخذ بقوله في المسألة بأخذ المتوسط الحسابي لفرق القيمتين وتوزيع الضرر على طرفي الالتزام.
وقد رأينا السيوطي قد انتهى في مسألة إبل الدية التي هي أصل قياس الفلوس إلى تقويم الفلوس بالذهب أو الفضة يوم الإقرار عند الرافعي ويوم إعوازها عند الروياني، وعزة الفلوس تتناول الرخص والغلاء أيضا ولكنه عندما طبق قاعدته على القرض قرر أن الواجب هو المثل عينا إلا إذا جهل وزنها وعددها فتصير كالقرض الفاسد ولا عبرة بغلائها أو رخصها. واتفق الفقهاء على إيجاب القيمة في بدل الغصب فإن تغير إلى نقص لزمه رد المثل المساوي للمغصوب في القيمة في أعلى أحواله من الغصب إلى التلف ومثله المقبوض في البيع الفاسد فقد عده السيوطي كبدل الغصب فيجب فيه أعلى القيمة (2).
وبذلك نجد السيوطي يوافق على رد القيمة في بعض الأحيان، وهناك فقيه معاصر هو المرحوم محمد عارف الجويجاتي الذي قال في كتابه:(المعلومات الضرورية في المعاملات الشرعية) - وأما من اشترى شيئا بدراهم غالبة الغش أو بفلوس كالنيكل مثلا وكانت رائجة وقت التعاقد فلم
(1) حاشية ابن عابدين 4/ 537، وتنبيه الرقود / 64.
(2)
قطع المجادلة للسيوطي / 96.