الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف تطرح النقود في التداول
؟
تقوم في كل دولة مؤسسة لإصدار النقد أو ما يسمى (البنك المركزي) الذي تخوله الدولة سلطة إصدار النقد لتلبية حاجات المجتمع من المسكوكات المعدنية والورقية، ولو نظرنا ببساطة لفرد من المجتمع أودع حسابه في بنك تجاري فإن هذا الفرد لا يمكنه أن يسحب من البنك إلا مبلغا مساويا أو أقل مما أودعه في البنك. والدولة لا تختلف عن الفرد في تعاملها مع البنك المركزي، حيث تودع حسابها هناك، وما الذي يحدد حسابها وحاجتها للنقد إنه الدخل القومي تماما، كما يحدد دخل الفرد حسابه لدى البنك التجاري.
تقوم الدولة بإيداع حسابها أو دخلها مقدرا بالذهب أو الدولار لدى مؤسسة إصدار النقد التي تقوم بدورها بإصدار النقود بكمية تسد حاجة الدولة، وترتفع كمية النقد بارتفاع نفقات الدولة وتنخفض بانخفاضها.
تحتفظ مؤسسة الإصدار بدخل الدولة ذهبا أو عملة أجنبية، فإذا احتاجت الدولة لكمية من السيولة للتداول فإنها تسحبه بشيك على بنكها المركزي الذي يصدر ذلك الإصدار من المسكوكات ويطرحه من حساب الدولة الدائن فيزيد دخل الدولة من عملتها بينما ينقص رصيدها الذهبي واحتياطها من النقد الأجنبي. ولم يعد ضروريا تغطية الإصدار كله بالذهب لأن الغطاء الذهبي لا يمثل إلا نسبة معينة من النقود، فأمريكا تغطي 40 بالمائة من عملتها بالذهب، بينما تغطي فرنسا 35 % من كمية نقدها ذهبا، وتنفرد المملكة العربية السعودية بأنها تغطي نقدها ذهبا ونقدا أجنبيا بنسبة 600 بالمائة بمعنى أن غطاءها الذهبي يعادل كمية النقد المتداول ست مرات (1) ويمكن تغطية العملة بالإضافة إلى الذهب بأسهم وسندات على الدولة لصالح
(1) موضوعات اقتصادية معاصرة د. طلال الجهني 49.
جهة الإصدار مع الأخذ بعين الاعتبار مركز الدولة الاقتصادي ودخلها المستمر في مجالات الإنتاج.
ولا علاقة للغطاء الذهبي بقوة العملة فالمارك الألماني والين الياباني من أقوى عملات العالم وهي غير مغطاة بالذهب ولم يسبب لها ذلك ضعفا، والأهم من الغطاء الذهبي هو تحديد العلاقة بين كمية النقود ومستوى الأسعار في المجتمع. هذه العلاقة هي التي تمنع الدول الفقيرة من زيادة كمية النقود فيها لأن كثرة السيولة أمام قلة الموارد سيرفع الأسعار وتنخفض قوة النقود الشرائية وتصبح ورقا تافها لا يسد جوعة ولا يبل ريق عطشان.
وطرح النقود بهذا الأسلوب لم يختلف منذ تدخلت الدولة لتنظيم الإصدار، فعندما كان الذهب يعتلي عرش النقود كانت دور السكة تخضع لرقابة الدولة بل هي إحدى سلطات الخليفة ووظائفه كما ذكرها ابن خلدون في المقدمة (1) ولكن اهتزاز الذهب بعد الحرب الكونية الأولى وبعد الكساد العالمي (2) - 1299م - جعل أسلوب طرح النقود بالشكل المذكور ينطبق على النقد الورقي أكثر من انطباقه على الذهب والفضة.
وقد حاول صندوق النقد الدولي تنفيذا لاتفاقية (بريتون وودز)(3) إلزام أعضائه تحديد قيمة عملاتهم بالذهب، ولكن التطورات التي شهدها العالم منذ الخمسينات إلى اليوم جعل الذهب تابعا للسياسات النقدية وليس العكس، ولا شك أن التعامل بالذهب والفضة كنقدين بأصل الخلقة أمر اتفق عليه البشر جميعا حتى أن فقهاءنا رحمهم الله لا يسبغون روح النقدية إلا على هذين المعدنين، ويميزون النقد الاصطلاحي عنهما في بعض الأحكام ولكنهم
(1) مقدمة ابن خلدون في حديثه عن وظائف السلطان.
(2)
النقود والبنوك م. هاشم.
(3)
النقود والبنوك، د. إسماعيل محمد هاشم.