الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحق في الشريعة الإسلامية
بقلم الأستاذ / عثمان جمعة ضميرية (1)
تمهيد:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يقوم هذا الكون بكل ما فيه على قاعدة الحق والعدل، فخلق الله عز وجل السماوات والأرض بالحق، وأنزل كتبه وبعث رسله بالحق ليقوم الناس بالحق والعدل. فالله سبحانه وتعالى هو الحق، ودينه حق، وغاية شرعه حق.
ولما للحق من مكانة وجدنا علماءنا رحمهم الله يتناولون في كتبهم وبحوثهم جوانب مختلفة في دراسة الحق، فعني بذلك علماء التفسير والحديث والفقه، كما عني به علماء أصول الفقه.
وفي هذه الدراسة الموجزة نعرض - بعون الله تعالى وتوفيقه - لمعاني كلمة الحق وإطلاقاتها في التفسير، بعد إلماعة لغوية عنها، ثم نعرض لتعريف علماء الفقه والأصول، وبعدها نوجز أنواع الحق في الشريعة الإسلامية، ثم نبين نشأة الحق وطبيعته.
(1) ورد للكاتب ترجمة في العدد السادس عشر صـ 297.
تعريف الحق في اللغة:
* يقول العلامة اللغوي ابن فارس في كتابه " مقاييس اللغة ":
" حق ": الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على إحكام الشيء وصحته، فالحق نقيض الباطل. ثم يرجع كل فرع إليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق، ويقال: حق الشيء: وجب.
قال الكسائي: يقول العرب: " إنك لتعرف الحقة عليك، وتعفي بما لديك ". ويقولون: " لما عرف الحقة مني انكسر ".
ويقال: حاق فلان فلانا؛ إذا ادعى كل واحد منهما، فإذا غلبه على الحق قيل: حقه وأحقه. واحتق الناس في الدين: إذا ادعى كل واحد الحق.
وقال قوم: المحتق: الذي يقتل مكانه. ويقال: ثوب محقق: إذا كان محكم النسج.
والحقة من أولاد الإبل: ما استحق أن يحمل عليه، والجمع: الحقاق، والحاقة: القيامة، لأنها تحق بكل شيء.
والحق: ملتقى كل عظمين إلا الظهر، ولا يكون ذلك إلا صلبا قويا. ومن هذا المعنى: الحق من الخشب، كأنه ملتقى الشيء وطبقه " (1).
ومن معاني الحق لغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وأصل الحق: المطابقة والموافقة كمطابقة رجل الباب في حقه، لدورانه على استقامة. ويستعمل الحق استعمال الواجب والجائز، كما يطلق على الموجود.
يقال: حق الأمر يحق حقا وحقوقا: صار حقا وثبت. قال الأزهري: معناه: وجب يجب وجوبا. وحق عليه القول وأحققته أنا، أي: أثبته حقا، أو حكمت بكونه حقا. وفي التنزيل:{قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} (2) أي: ثبت: وقال الزجاج في قوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (3)، أي: وجبت وثبتت.
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس: 2/ 15 - 18.
(2)
سورة القصص الآية 63
(3)
سورة الزمر الآية 71
وحقه يحقه حقا، وأحقه، كلاهما: أثبته وصار عنده حقا لا يشك فيه. وأحقه: صيره حقا، ويحق عليك أن تفعل كذا: يجب، والحق واحد الحقوق.
وفي مفردات الراغب الأصفهاني (1): أن الحق يقال على أوجه:
الأول: يقال لموجد الشيء بسب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحق. قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} (2).
الثاني: يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة، ولهذا يقال: فعل الله تعالى كله حق. قال الله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (3).
الثالث: في الاعتقاد المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والجنة والنار حق. قال الله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ} (4).
الرابع: للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فعلك حق وقولك حق. قال الله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} (5).
(1) مفردات القرآن، للراغب الأصفهاني: 1/ 125.
(2)
سورة الأنعام الآية 62
(3)
سورة البقرة الآية 147
(4)
سورة البقرة الآية 213
(5)
سورة يونس الآية 33