الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولي المتفق عليه في اتفاقية (بريتون وودز) 1944م، وبارتفاع أسعار النفط من قبل (الأوبك) في أول السبعينيات أصبحت النقود في كل دولة تعكس صحة اقتصادها، وأصبح التعويم هو المبدأ السائد الآن حيث صار سعر تحويل العملات في ظل هذا النظام من أعقد المشكلات الاقتصادية المعاصرة حيث يشكل تذبذب سعر العملة خطرا على التجارة الدولية، ولا يوجد اليوم دولة يثق العالم بنقدها كما كان لبريطانيا في القرن الماضي أو الولايات المتحدة في مطلع الخمسينات (1).
(1) مقال للدكتور عبد المنعم الطناملي في مجلة العربي الكويتية عدد 180 / تشرين الثاني 1973م.
التكييف الفقهي للعلل الحديثة:
إن التضخم والانكماش أمر لم يشهده الفقهاء في عصورهم السالفة اللهم إلا ما تحدث عنه السيوطي من عزة الفلوس وغلائها في عصره، وهو ما تعرض له المقريزي في ما كتبه عن التاريخ الاقتصادي لفترته في مصر. ولو أن الفقهاء قيدوا مفهوم الرخص والغلاء بنسبته للذهب أو الفضة لما وجدنا أي فارق مؤثر بين مفهوم الرخص والغلاء الفقهي وبين التضخم المالي في مفهومه المعاصر بل هي معان متطابقة وإن اختلفت الأسماء.
وليس صحيحا ما يراه بعض المعاصرين من التمييز بين ديون لا ترتبط بالقوة الشرائية وديون أخرى ترتبط بها؛ لأن القوة الشرائية هي أساس الثمنية في النقود عامة. واستناد التمييز إلى دين النفقة ووجوب مراعاة الأسعار في تقديره أمر غير دقيق لأن النفقة مقدرة أصلا بحاجات سلعية وليست نقدا إلا بعد تقدير الكمية اللازمة من الطعام والشراب والكساء ثم يعبر عنها بنقود تساوي تلك الحوائج بالقيمة الحاضرة ويراعى فيها القوة الشرائية لا لكونها دينا يرتبط بتلك القوة بل لأنها سلع وخدمات لا بد من تأمينها مهما كانت
الأسعار (1). وخلاصة القول أن التضخم والانكماش لا يختلف عن الرخص والغلاء والله أعلم. أما التعويم فيبدو أن آثاره تنعكس على التجارة الدولية والعقود الخارجية الكبيرة، أما العملة المعومة في داخل دولتها فلا شك أنها تحتفظ بقيمة معينة تجاه الذهب والفضة وهي في تغيراتها لا تخرج عن الصور المتقدمة والله أعلم.
القضية في واقعها الحاضر:
إذا انتقلنا للمجال العملي في نطاق التبادل نجد موقفين واضحين، أحدهما موقف القانون وهو كما قال أحد أساتذتنا لا يحقق العدالة بقدر ما يحقق استقرار التعامل أن الاتجاه القانوني يتجاهل كل تغير لقيمة النقود كما رأينا سابقا في مرشد الحيران م 805 وكذلك القانون المدني المصري م 134 حيث يقول:(إذا كان محل الالتزام نقودا التزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة النقود أو انخفاضها أي أثر) ويعني هذا النص أنه إذا تغيرت قيمة النقود في فترة ما بين نشوء الالتزام والوفاء به فلا يكون لهذا التغيير أي أثر على مقدار محل الالتزام، بمعنى أن المدين لا يلزم إلا بالوفاء بما عين في العقد مهما تغيرت قيمة النقود (2).
أما الموقف الآخر فقد كان يتبعه الناس في بداية ظهور النقد الورقي حيث كانوا يشترطون مبدأ ربط الدين بقيمته من الذهب وهو ما كان يعرف في حينه بشرط الذهب وقد ألغي هذا الشرط من التعامل بين الناس بقانون (3) في أكثر من دول العالم. ومبدأ ربط الديون هذا كان يشجع على
(1) قطع المجادلة للسيوطي صـ 100.
(2)
أحكام الالتزام د. أنور سلطان، دار النهضة العربية / 51.
(3)
انظر: المدخل الفقهي العام للزرقا 1/ 334.