الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المكاتبة والمذاكرة
نقدنا في نظر أحد علماء مصر الأعلام
كانت (الجمعية الطبية المصرية) طلبت إلينا أن ننقد المعجم الإنكليزي العربي الذي ألفه صاحب السعادة محمد شرف بك. فلبينا طلبها وأرسلنا إليها بنقد طويل غير النقد الذي أدرجناه في مجلتنا هذه. فوقع في خمس وخمسين صفحة وحجمها حجم هذه المجلة وقد جاء أولها في الجزء الثالث من المجلة الطبية من السنة الماضية (1929) أي السنة 12 منها في الصفحة 62 من الجزء الثالث المذكور وانتهت في الجزء السابع.
ولما ظهر آخر النقد كتب حضرة شرف بك جوابا ليبين ما في نظرنا من السيئات والحسنات فجاء أوله في الصفحة 477 من الجزء السادس إلى ما بعدها ونحن ننقل هنا مستهل جوابه عما كتبنا ليظهر للناس فضل الرجل وعظم منزلته. بخلاف ما نرى من الرجال الذين نفلي مؤلفاتهم فانهم يمتعضون مما نبينه لهم ويتلقون عملنا هذا بسوء النية فيسلقوننا بالسنة حداد. بل بسهام مشبعة سما ذعافا ألم نر ما كتبه حضرة جبر ضومط حين بينا له سقطاته الشنيعة التي لا تصدر من حدث فضلا عن كهل؟ فأين آدابه من آداب صاحب الفضل والأدب والشرف؟ فدونك كلامه بنصه. قال حفظه الله:
المصطلحات العلمية الطبية
تعليق الدكتور شرف على نقد صاحب الفضيلة الأب انستاس الكرملي لمعجم شرف الطبي العلمي:
أولع العلامة الأب الكرملي باللغة العربية منذ صغره واشتغل بعلومها وفنونها فنبغ فيها من زمن بعيد. وقد شغل بها عن ملاذ الدنيا واشتهر برغبته في الغوص في بحرها الواسع. والتنقير عن دقائقها وتعرف كنه جواهرها ومقابلتها باللغات السامية واللاتينية والإغريقية. وقد اخلص وصدق في خدمته الطويلة لهذه اللغة
التي يقول عنها: (إنه لم يعشق شيئا سواها. ولم يعشق عليها ما يثير فيها الغيرة. وغيرته عليها جعلته لا يداجي فيها أحدا). وهو الآن في العقد الثامن من عمره (كذا والصواب في العقد السابع) ولا يزال في خدمتها
مجدا ومواظبا.
وقد وكلت إليه (الجمعية الطبية المصرية) أن يكتب لمجلتها نقدا لمعجمنا الذي اتخذ أساسا لتوحيد المصطلحات العلمية في البلاد العربية اللسان - فنمق لها مقالا بديعا جاء آية في البلاغة والتدقيق والاستقصاء وتكلم فيه عما في معجمنا من محاسن وقصور. آووهم وتسامح أو تساهل. بأسلوب شائق لا يحمل قارئه على الملل بل على النقيض يستحثه على الاستمتاع بقراءته والاستزادة منه. وقد عدد الأب المحترم أمورا أطال فيها ذيل القال والقيل. قال إنها تتفق وما خبره بنفسه أو وقف عليه في مطالعاته وعرض ما تراءى له من التصويبات طالبا مناقشتها حتى نهتدي إلى الصواب فيدرج في الطبعة الآتية.
ولقد تهافتت على نقد معجمنا أقلام نقاد كثيرين واشتغل ببحثه عدد من المفكرين فلم يجيء أحد بمثل ما جاء به العلامة الكرملي الذي اثبت انه من خير علماء العربية وان العراق لا يزال حاملا علم الإمامة في فنون اللغة فلله در هذا الإمام الذي ألهم هذا لعلم. وجزاه الله خير الجزاء على تدقيقاته وتحقيقاته.
والآن أستأذنه في التعليق على أقواله في فصول تقابل نقوده ومأخذه تسهيلا للمحاكمة. ولن يكون همي انتقاده فيما قال ولا إسقاط حجته ولا الاستظهار والمغالبة عليه. وإنما مرادي بيان الأرجح وان المسألة ذوقية. إذ في أقواله ما يكون مفيدا فيكشف لنا عن أصول الألفاظ وحقيقة وضعها وصحيح صورها فيجب الأخذ به. وأحيانا يلوح لي فيه بعض الغلو الذي يبعد منا للقريب ويركب البسيط.
عن عدم تنسيق درجات الألفاظ
والنص على الأفصح والفصيح والمولد والدخيل والمحدث والعامي وورود بعض الخطأ في ضبط الألفاظ:
المطلوب من واضعي المعاجم الفرنجية في هذا الزمن إثبات وجوه استعمال الألفاظ بحسب ما تعرفها الخاصة والعامة حالا. لا إظهار آرائهم الفردية فيما يجب أن تكون عليه معانيها. وليس من شأنهم خلق معان أو ألفاظ جديدة.
وقد شرحنا في مقدمة معجمنا الغرض من تأليفه، وبينا أن مهمتنا في وضعه تفوق ما يجب على زميلنا الفرنجي: بنقل أوضاع لا مقال لها في العربية وإيراد أوضاع عربية تؤدي
المعاني الجديدة وتعريب ألفاظ فرنجية أو ترجمتها، وإصلاح قصور معاجمنا العربية القديمة وإبهامها وأوهامها، وإثبات ألفاظ مألوفة لعلمة الكتاب. ويأبى البعض أن يعدها من الفصيح لأنها لم تثبت في تلك المعاجم، وقلنا أن الغرض الأول الذي وضعناه نصب أعيننا هو التدقيق العلمي وإثبات المصطلحات وما يقابلها بالعربية لا ذكر الفوائد النحوية والصرفية. ولم يكن مطلوباً مني التعمق في فقه اللغة لعدم إلمامي الكافي بذلك الفن فهذا جدير بسيبويه وابن جني والكرملي وأمثالهم. ورأيت الأجدر بي إفراغ جهدي في التمحيص العلمي وأخلصت القصد في إظهار ما في لغتنا من المزايا فأن كنت هفوت أو فاتني شيء من كنوز بحرها الزاخر لانفرادي بالعمل أو لضعف جهدي فعسى الله أن يوفق من بعدي من يكمل ما فاتني وفي تهافت العلماء على عملي دليل على أن منيتي ستحقق، ولو تضافر رهط من أمثال الكرملي على خدمة العربية لما عازها شيء لمجاراة اللغات الفرنجية الحية.
وقد وضعت المعجم لفائدة الأطباء والمعلمين والصحفيين وطلاب المدارس العصرية فكان لابد من يشتمل على أكثر الألفاظ التي يسمعونها يومياً في مختلف العلوم الطبيعية والطبية ولابد من استعمال كثير من الألفاظ المسموعة.
واللغة الفصحى لم يشع استعمالها زيادة عن القرن الأول من الهجرة وبعد ذلك كثر اللحن وتغيرت ألسنة سائر البلاد عن أصولها الفصيحة وتطورت ولم تبق كما كانت لغة التخاطب. وهذه تغيرت كثيراً عن أسلوب الكتابة وتأثرت الألفاظ بالزمن والتمدن، فأهملت ألفاظ وأدخلت ألفاظ وتغيرت معان أخرى ومصادر الكلمات الدخيلة أربعة:
(1)
ما دخل باحتكاك العرب بسائر الأقوام الذين توطنوا في العالم القديم وجاء مذكوراً في كلام مشاهير المؤلفين.
(2)
لغات بعض القبائل العربية والأصقاع المستعربة، ذكر بعضها في دواوين اللغة ولم يذكر أكثرها، ولكنا لا نزال نسمعها إذا ما طرقنا هذه الأصقاع.
(3)
ألفاظ من كلام العامة لها معان فنية دقيقة وشاع استعمالها ولا تزال مألوفة محفوظة.
(4)
كلمات فرنجية علمية لا نظير لها في العربية وهي في الغالب أسماء أعلام أو أسماء جنسية اتفقت سائر الأمم الراقية على الأخذ بها ونحن الآن في عصر التعاون الفكري
الأممي والعالم سائر إلى توحيد سبل التفاهم فلابد من إدخالها في العربية أيضاً للإيضاح التام.
في ما قيل وما أقول
(لغة العرب): ندرج هذا المقال على عهدة صاحبه من غير أن نبدي فيه الآن نظراً ولعلنا نقول عنه شيئاً إذا مكنتنا الفرصة منه.
1 -
قال عبد المولى الطريحي الأديب في 855: 7 من لغة العرب لتفسير (مولى) في قول لبيد:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه
…
مولى المخافة خلفها وأمامها
ما نصه (يريد بذلك:: أولى بالمخافة، ولسنا نعلم، بين أهل اللغة في هذا المعنى خلافاً) فأقول: يعز أن يرى المتتبع إجماعاً تاماً من أهل اللغة على تفسير لغوي، فقد قال أبو زيد القرشي في 149 من جمهرة أشعار العرب مفسراً (مولي) في هذا البيت ما حرفه (مولى المخافة: أي صاحب المخافة، قال الله تعالى: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً، أي صاحب عن صاحب) وهذا يفسخ الإجماع الذي رمز إليه الصديق، وتفسيره (بصاحب المخافة) أولى من تفسيره (بأولي المخافة) المبتعد عن الوضوح المألوف.
2 -
وقال العلامة الجليل فريتس كرنكو في 858: 7 ما أصله (فهو أشبه شيء بخط القرن الرابع) والفصيح الصريح أن يقول (أشبه خط بخط القرن الرابع) لتكون الإضافة خاصة بالخط لا عامة لكل شيء فتضنى الفائدة وتحرض.
3 -
وجاء فيها (هم ألب عليه: إذا كانوا عليه) فعلق به العلامة المذكور وأرى أنه سقطت قبل - عليه - كلمة لعلها - اجتمعوا -) فاتبعتموه أنتم قولكم (كلا: لم يسقط شيء) وأرى الحق معكم فهذا كما قال الشاعر:
خليلي ما واف بعهدي أنتما
…
إذا (لم تكونا لي علي) من أعارض
4 -
وقد مضى أنه استضعف قولي (كل كتب اللغة) فلم يفتر أن قال في 871: 7 (وكل الجزء الرابع والخامس بخط أحدث من سائر النسخة) وليس الاجتزاء بالمضاف مقيساً ولا مرجحا في هذا الأمر وفي ض ي ف من المصباح (وقد يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه إذا أمن اللبس).
5 -
وقال هو فيها أيضاً (مع محاولة صاحبها أن يجعلها نسخة كاملة في أسرع وقت) وسرعة الوقت وبطؤه لا حقيقة لهما فالساعة ساعة لا تسرع على الحقيقة ولا تبطئ فالصواب (في أقل وقت) أو (أقل الأوقات)
6 -
وقال فيها (ولما كان في أول الكتاب. . . يكون هذا المجلد) والصواب (كان هذا المجلد) لأن جواب (لما) ماض.
7 -
وقال في ص873 (وما ينقص منه قد كتب بخط حديث) وهذا تعبير مولد لأن النقصان يجب أن يسند إلى الناقص بعينه، قال الرازي في المختار (وأما قولك نقص في المال درهماً والبر مدا فدرهماً ومدا تمييز) فعلى هذا لا يقال (نقص درهم في المال) لأنه يؤذن بقلة وزن الدرهم فقط فالصواب (ونقص شيئاً فكتب بخط حديث) أما (نقص) المتعدي فليس الكلام عليه.
8 -
كنت قد خطأت في (634: 7) من قال (قصدها الناس. . . للاستشفاء لهذه الغاية) لزيادة في قوله لا وجه لها فأشعرتموني - أيها الأب العزيز - أنه توكيد وأرى أن قوله (لهذه الغاية) بعد ذكره (للاستشفاء) هو إبهام للاستشفاء لا توكيد له، فأنه لا يزيده وضوحاً ولا إثباتاً فضلاً على أنه يحتاج إلى متعلق ولا متعلق له بيد أننا لا نمنع أن يقال (لهذه الغاية للاستشفاء) على البدلية لا على التوكيد، وبتقديم المبهم على الموضح لا بالعكس. ومن أدلتكم (لا ولى رجل ذكر) وقد قال الزمخشري في الأساس (امرأة أنثى للكاملة من النساء كما يقال رجل ذكر للكامل)
له بقية
مصطفى جواد