المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٨

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 76

- ‌سنتنا الثامنة

- ‌يا للمصيبة

- ‌الآمال الهاوية

- ‌الدواخل والكواسع في العربية

- ‌اليأمور

- ‌رسالة في النابتة

- ‌مندلي

- ‌لواء الكوت

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 77

- ‌خزائن بسمى القديمة

- ‌أعلام قصيدة أخت الوليد بن طريف

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌القفص والغرشمارية والكاولية

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌الحروف العربية الراسية

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌تاريخ اليهود

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهرة في العراق وما جاوره

- ‌العدد 78

- ‌رسالتان تاريخيتان

- ‌من هو القرصوني

- ‌لواء العمارة

- ‌اليحمور واليامور

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌نظم شمس الدين عبد الله محمد بن جابر الأندلسي

- ‌عني بنشرها صديقنا المذكور

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 79

- ‌الفتوة والفتيان قديما

- ‌لواء البصرة

- ‌محمود العنتابي الأمشاطي

- ‌القريض في فن التمثيل

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌الدولة القاجارية وانقراضها

- ‌دار شيعان

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 80

- ‌إلى عكبرى وقنطرة حربي

- ‌القصر الذي بالقلقة

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها

- ‌الأسر المنقرضة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 81

- ‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية

- ‌لواء كركوك

- ‌مصطلحات حقوقية

- ‌قبر راحيل

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌محلة المأمونية وباب الأزج والمختارة

- ‌أسرة الحاج الميرزا تقي السبزواري

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌111 - كتاب التيجان في ملوك حمير

- ‌عن وهب بن منبه رواية أبن هشام

- ‌طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيين في

- ‌حيدر آباد الدكن

- ‌سنة 1347 في ص496 ص بقطع الثمن الصغير

- ‌تاريخ وقائع الشهرية في العراق وما جاوره

- ‌العدد 82

- ‌أحمد باشا تيمور

- ‌نظرة في المجلة الألمانية ومجاوراتها الساميات

- ‌تحققات تاريخية

- ‌القمامة أو كنيسة القيامة

- ‌البرثنون في كتب العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌ألفاظ يافثية عربية الأصل

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاورها

- ‌العدد 83

- ‌دار المسناة

- ‌رسالة لأبي عثمان

- ‌تحققات تاريخية

- ‌الفلحس

- ‌صفحة من مؤرخي العراق

- ‌القرب في اللغة

- ‌لواء أربل

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌الحكومة العراقية والمخطوطات

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 84

- ‌نقد لسان العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌ترجمات التوراة

- ‌بيت الشاوي

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌رسالة إلى أبي عبد الله

- ‌القيالة عند العرب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 85

- ‌إلى شبيبة العراق

- ‌المائن أو الممخرق

- ‌آلتون كوبري في التاريخ

- ‌لواء السليمانية

- ‌أرض السليمانية في التاريخ القديم

- ‌تذنيب في تخطئة معلمة الإسلام

- ‌نظرة في المقاومات العراقية

- ‌نقد لسان العرب

- ‌الأسناية ومعناها

- ‌قبر العازر

- ‌كوت العمارة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاروه

الفصل: ‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية

‌العدد 81

- بتاريخ: 01 - 06 - 1930

‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية

-

1 -

المقدمة

المراد بالألفاظ اليافثية: الكلم الهندية الأوربية أو كما يقوله العلماء قبل خمسين سنة: (الهندية الجرمنية أو الهندية الألمانية) أما اليوم فإن أغلب الباحثين غيروا هذه التسمية وأخذوا يقولون (اليافثية) اجتزاء بالكلمة الواحدة عن الكلمتين وباللفظ الوافي بالمعنى عن الناقص في مؤداه.

2 -

نظرة عامة في الألفاظ العربية

وقد لاحظنا قبل أكثر من ثلاثين سنة أن ألفاظ لغتنا تقسم إلى ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية. وهي على تعددها ترجع إلى أصل واحد هو الثنائي وهو الوضع الطبيعي لكل لفظة عربية أو سامية، فيزاد على الثنائي حرف أو حرفان أو ثلاثة أو رباعياً أو خماسياً وربما زيد أربعة أحرف أو خمسة فتكون الكلمة سداسية أو سباعية.

وظهر لنا أن أغلب الألفاظ الثلاثية الأحرف عربية الوضع والسبك. إلا أن هناك نحو العشر منها دخيلة جاءتها في أغلب الأحيان من اليونانية أو الفارسية

ص: 403

أو الرومانية (اللاتينية). والألفاظ الداخلية أكثر ما ترى في الرباعية والخماسية والسداسية وإذا كانت أبنية الكلم لأبنية لغتنا فلا جرم أنها دخيلة فيها.

على أنه ليس كل رباعي أو خماسي أو سداسي أو سباعي دخيل الوضع، بل هناك ما هو منحوت من كلم عدنانية فمثل سفر جل ليس دخيلاً في لغتنا إنما هو منحوت من سفر (أي صفر) و (جل) أي كبير. ومعناه الثمر الأصفر الجليل أي الكبير وهو كذلك في البلاد التي يكثر فيها الماء ويشتد فيها الحر.

3 -

ألفاظ عربية الصيغة دخيلة الوضع

وفي لساننا ألفاظ وضعها وضع عربي محض وصيغتها صيغة عربية وحروفها حروف ضادية ولا يعن على بال أنها دخيلة الأصل وهي مع ذلك دخيلة في لغتنا. فهذه كلمة (الفحص) فمن يراها من قراء العربية أو يسمع بها من الناطقين بالضاد، لا يمر بخاطره

أنها من وضع الأجانب إذ ليس في صيغتها ما ينبه على أنها غير عربية. ومع ذلك ليست من أوضاع السلف قال ياقوت الحموي في المعنى الذي نذهب إلى عجمته: (بالمغرب من أرض الأندلس مواضع عدة تسمى (الفحص). وسألت بعض أهل الأندلس ما تعنون به؟ فقال: كل موضع يسكن سهلاً كان أم جبلاً بشرط أن يزرع نسميه فحصاً. ثم صار علماً لعدة مواضع فلما في لغة العرب فالفحص شدة الطلب خلال كل شيء) أه.

فأنت ترى من هذا التفسير الدقيق أن الفحص بمعنى شدة الطلب عربي فصيح صحيح لا غبار عليه وأما بمعنى السهل للزرع فهو دخيل والذي عندنا أنه من اللاتينية ومعناها كذلك وهي في لغتهم مشتقة من أي زرع وغرس وزارع ثم توسع في معناه العرب وأبناء الغرب فجاءت اللفظة عندنا وعندهم بهذه المعاني: البليدة والقرية والقضاء وأما أصل معناها فكان السهل والقراح ثم المرعى والحمى (كإلى) ومن هذا القيبل (الكيس)(وزان سيد) الذي معناها الظريف الخفيف المتوقد الذهن فهو من الرومية (أي اللاتينية) ومعناها مدني ومن كانت أخلاقه أخلاق أبناء المدن يغلب عليه الظرف والخفة وتوقد الذهن وحسن الأدب إلى غير هذه

ص: 404

الصفات المشهورين بها سكان المدن والحواضر كما أن سكان القرى والجبال يعرفون بالغلظة والجفاوة والخرق وثقل الخلق ولا جرم أن اصل (كيس: كيوس) على اللفظ اللاتيني. ثم وقع فيها الإدغام كما وقع في سائر الكلم المصوغة هذه الصيغة.

ومثل هتين الكلمتين ألفاظ جمة تدل على السلف جاوروا الأغراب وأخذوا منهم ومن آدابهم شيئاً غير يسير: ولما كان جودهم اشهر من وجود غيرهم أمدوهم هنا أيضاً بألفاظ لا تحصى فكان عطاؤهم على مجاوريهم فيضاً وكان عطاء غيرهم عليهم قيضاً وليست الغاية من هذا المقال أن نقفه على هذا الموضوع إنما نريد اليوم أن نوجه أنظار العلماء والباحثين إلى أمر لم يذكره أحد من اللغويين الأقدمين والعصريين الأغراب أو الأعراب.

وهذا الأمر عجيب غاية العجب. هو أن ألفاظ اللغة تقسم إلى أربعة أقسام جليلة: قسم الألفاظ العربية الخاصة بها التي لا يرى مثلها في اللغات السامية ولا في اللغات اليافثية أو الحامية - وقسم فيه ما يشبه في اللغات السامية دون غيرها - وقسم فيه ما يشبهه في اللغات اليافثية وحدها وقسم رابع فيه ما يشبهه في اللغات الحامية فقط.

أما أن يكون في لغتنا ألفاظ تضارع ما في سائر اللغات السامية فهذا أشهر من أن يكون وقد أنتبه له الأقدمون منذ عصور تدوين اللغة. وكذلك قل عن المشابهة التي ترى بين الكلم العربية والكلم الحامية (أي المصرية ونحوها) فمخالطة العرب لساكني وادي النيل قديمة لا تخفي على أحد فإذا أقتبس قوم شيئاً من قوم خالطوهم منذ أقدم الأزمنة فلا عجب أيضاً. أما أن في لساننا ألفاظا تماثل الألفاظ اليافثية أي الهندية الأوربية فهذا منتهى العجب. على أننا ذكرنا في مقالتنا التي نشرناها في السنة الماضية وأزعجت كثيرين من الشعوبيين وعنوانها (فضل العربية على سائر اللغات)(7: 593 إلى 602) أن أجدادنا العرب اختلطوا مع أمم كثيرة في صعيد سقي البحر المتوسط في نحو الألف الثالث أو الثاني قبل المسيح (7: 598 و599) ولهذا اقتبس منا الأجانب ألفاظاً كثيرة وفي تتبعاتنا لدقائق اللغة وجدنا كلمات مختلفة المبنى مؤتلفة المعنى فهي من

ص: 405

المترادفات، إلا أن فيها ما يشبه الألفاظ اليافثية في الصيغة الواحدة وينظر إلى الألفاظ السامية في مبناها الآخر. وهذا هو الأمر العجيب. ولا بد من أن نوضح ذلك بمثل مزدوج اللفظ مؤتلف المعنى ليظهر بمنتهى الجلاء.

4 -

شاهد يثبت وجود ألفاظ يافثية في العربية وهي عربية لا

يافثية في نظرنا:

الصنو

يزعم لغويو الإفرنج الذين لا يودون أن يسمعوا مرة واحدة أن بين لغتنا ولغتهم بعض المشابهة أن لا صلة بين الكلمة الإنكليزية وبين العربية (أبن) وأن الإنكليزية هي من الصكصونية العالية وهذه من الهندية الفصحى (أي السنسكريتية) بمعناها. ولهذا لا يريدون أن يسمعوا منا أدنى حجة تشير - ولو من بعيد - إلى أن في لغتنا ألفاظاً غير الشائعة وهي تشابه كل المشابهة صكصونياتهم أو هندياتهم الأوربية الفصحى. وقد جمعنا منها طائفة جليلة ومن جملتها هذه اللفظة أي صنو.

فصنو (بكسر الأول) معناها الابن. وهي لا تبعد كثيراً عن لفظتهم الصكصونية العالية صنو (بضم الأول والثاني) أي كما لا تفترق كثيراً عن الهندية الفصحى (صونو

أما أن الصنو (بكسر الصاد) يعني الابن فهذا ما يرى مدوناً في جميع معاجمنا العربية ومن

جملة معانية العديدة قال في اللسان: (الصنو الأخ الشقيق والعم والابن والجمع أصناء وصنوان (بكسر الأول) والأنثى صنوة) أه.

وقد بحثنا في جميع الكتب اللغوية الإنكليزية التي تعني بمقابلة ألفاظها بألفاظ سائر اللغات المجانسة لها فرأينا أنها تذكر هكذا: هي بالإنكليزية وبالصكصونية العالية وكذلك بالصكصونية القديمة. وبالفريسية القديمة (هي غير الفرنسية القديمة) وبالهولندية أو الدجية وبالجرمنية السافلة وبالأسلندية أو وبالسويدية أو الاسوجية وبالدنيمركية أو الدانوية وبالقوطية (أو الغوطية أو الغططية) وبالجرمنية وباللغات المتصلة بالروسية وباللثوانية وبالسنسكريتية وختموا البحث كله بقولهم: والمادة مأخوذة

ص: 406

من صو أي ولد أو صار انتهى. هذا ملخص ما جاء في دواوينهم اللغوية ولم يشيروا أدنى إشارة إلى وجود مناسبة بين ألفاظ تلك اللغات جميعها وبين العربية (صنو) مع وضوح هذا انسب كل الوضوح وتشابه الألفاظ بعضها لبعض من غير أدنى لبس.

ومعنى (الصنو) وسائر معانية ظاهرة للعيان في العربية أجلى من سائر اللغات بحيث يقر بها الكبير والصغير، الذي يفهم كيف تجري الولادة أو لا يفهم وذلك أن أصل الصنو هو للنخل كما قال صاحب التاج أو للشجر كما قال الزجاج وفي التاج (النخلتان زاد) ثلاث أو خمس أو ست يكن (في الأصل الواحد) وفروعهن شتى (كل واحد منهما) أي من النخلتين. والأولى كل واحدة منها:(صنو) بالكسر ويضم حكاة الزجاج (أو عام في جميع الشجر).

أذن الصنو هو فرخ الشجرة التي ينبت في الأصل الأم. فبنوته ظاهرة بخلاف بنوة الحيوان فأنها لا تبين إذا فارق الولد أمه لعدم لصوقه بها أما في النخل أو في الشجر فأن البنوة ظاهرة لظهور لصوق الفرخ بأمه. وإذا حمل الفرخ صار أخا لمن نشأ منها فصار الابن أخا. وإذا عظم وبلغ ضخم الأصل صار كأنه عم للأصل أي نشأ من هذا الفرع الثاني فرع ثالث وهكذا صار معنى (الصنو) الابن والأخ والعم والشجرة الواحدة قد تتفرع فروعاً كثيرة حتى تبلغ أرضاً واسعة ويصعب أن يعرف الأصل الأول بل قد تصبح الشجرة غابة واسعة. فأنظر كيف اللفظ العربي يوافق نشوء الطبيعة ويحتفظ بمختلف المعاني الأمر الذي لا يرى في سائر اللغات.

وقال العرب سلفنا: أصنى النخل: أنبث الصنوان عن أبن عرجي، فإذا كان يقال للخل يقال

أيضاً لسائر الشجر بل للبشر أيضاً. إذ لم تنشؤ عندنا معاني الصنو على اختلافها إلا اعتماداً على المبدأ الذي بسطناه قبيل هذا.

وليس للصنو شبيه في سائر اللغات السامية فهو خاص بلغتنا البديعة وحدها دون جميع أخواتها الساميات.

ولما كان بعض القبائل تجعل الصاد المهملة ضاداً معجمة في بعض الأحوال قالت في الصنو (الضنو). قال أبو عمرو: الضنو والضنو الولد بفتح الضاد

ص: 407

وكسرها بلا همز. وقال الهروي والخطابي ضنت المرأة أي كثر أولادها يقال: امرأة ماشية وضانية وقد مشت وضنت أي كثر أولادها.

ثم أن بعض السلف كان يبدل النون راء قال بعضهم الضرو بالكسر أيضاً. وقالوا معناه (الضاري من أولاد الكلاب والأنثى ضروة بهاء) قلنا. الحق أن يقال ولد الكلب لا غير. لكن بعضهم لما رأى فيه مادة ضري ظن أن المواد بالضرو هنا الضاري من أولاد الكلاب. وكيف يكون ولد الكلب ضارياً وهو جرو. فالوهم ظاهر ولو قالوا: الولد من الكلاب الضارية لكان أنسب.

ونزيد على ما تقدم أن عرباً آخرين كانوا يهمزون الناقص في بعض الأحيان. ولهذا نرى اللغويين يقولون ضنت المرأة وضنأت وأضنأت: إذا كثر ولدها وقال أبو عمرو: الضنء الولد مهموز ساكن النون (مفتوح الأول) وقد يقال: الضنء (بكسر الأول). والضنى بضم الأول: الأولاد. انتهى.

ولما كان بعض العرب من أقدمين وعصريين يجعلون الضاد زاياً قال بعضهم: الزنية بكسر الأول: آخر أولاد الأسرة وليس لهذه اللفظة أدنى صلة بالزني كما يتبادر الذهن إليه. إنما الصلة هنا بالضنى لا بسواها.

وكذلك قل عن (الصنو) فقد نشأ منه (الصبي) إذ باؤه مقلوبة عن النون وأن كان يجوز أن يقال برأي آخر ليس هنا محل بسطه ويظهر أنه أرجح من ذاك الرأي على أن في عرض الآراء على المفكرين فائدة لا تنكر إذ شرار الحقائق لا ينقدح إلا عند احتكاك الرأي الواحد بالآخر.

أما الكلمة العربية التي لها أشباه ونظائر في اللغات الأخوات فهي أبن.

5 -

الابن وأصله ونظيره في اللاتينية

أثبتنا (في نظرنا) أن الكلمة الصكصونية المأخوذة من الهندية الفصحى عربية النجار، أو لا أقل من أن يقال أن (الصنو) العربية وصنو الصكصونية العالية من مصدر واحد لا يمكن أن ينكره ناكر مهما حاول التشنيع علينا.

والآن نخطو خطوة ثابتة لنجرؤ أخرى ونقول: أن الكلمة اللاتينية فليوس عربية الوضع أيضا وأن كره الشعوبيون وهزؤوا منا؟

يقوم لغويوهم أن فليوس مشتقة من فعل (أي بلامين

ص: 408

أو لام واحدة) ومعناه مص أو رضع فيكون أصل معنى (فيلوس) الماص أو الراضع ولا يكون كذلك في أغلب الأحيان إلا ولد الأم فالظاهر أن تسمية الولد أو الابن والبنت. ولا جرم أن الأصل كان (البل) بهجاء واحد ثم مد فصار كما رأيت.

أما أن أصل وضعه كان (البل) فهذا ظاهر من قول لغويبنا ودونك نص عبارتهم: (بلك الله تعالى أبنا وبلك به أي رزقكه وأعطاكه) أه. فلو لم يكن للبل معنى الولد لما ورد الفعل بهذا المعنى. وفضلاً عن ذلك ما ورد في لساننا من معنى آخر يؤيد ورود البل بمعنى الولد فقد جاء في كلام السلف قولهم: (بلو الأرض إذا بذروها بالبلل كصرد أي البذر أو البزر. وأنت تعلم أن المتكلمين باللغات الشرقية والغربية اعتبروا (البذر أو البزر) ولدا أيضاً تسمية له بما كان عليه في أول نشوءه.

فإذا علمت كل هذا اتضح لك أن فاء فليوس بدل من الباء. وورود هذا البدل أكثر من أن يحصى.

هذا فضلاً عن أن فقهاء لغات الغربيين اعترفوا به في أسفارهم. أما أن هذا الإبدال يرى في لغتنا فالشواهد عليه أكثر من أن يحصى.

هذا فضلاً عن أن فقهاء لغات الغربيين اعترفوا به في أسفارهم. أما أن هذا الإبدال يرى في لغتنا فالشواهد عليه أكثر من أن تحصى من ذلك وجف القلب ووجب. أكفحت الدابة وأكبحتها، زحف وزحب. الكفرة والكنبرة. ضف الناقة وضبها. فنش في الأمر تفنيشاً وبنش فيه تبنيشاً إلى غيرها.

والذي يؤيد رأينا أن اللاتينية مأخوذة من العربية أن ليس في اللغات القديمة من ديار

الإفرنج لفظة تقارب (فليوس) أما الأفرنسية فحديثة ومأخوذة من اللاتينية أما كل ما ذكر من الألفاظ في بعض اللغات الأوربية فقليل عددها ومجانستها اللاتينية أقل وكلها حديثة مأخوذة من هذه اللغة الأم.

6 -

الابن وما جاء فيه من اللغات والمشتقات

رأيت أن اصل الابن هو (البل) بمعنى الولد وبمعنى البذر. ثم مد وسط الهجاء فصار (بول) للمذكر و (بولة) للمؤنث. ولما غلب معنى البول على السائل الذي تفرزه الكليتان، أنف الناس من أن يتخذوا اللفظيين المذكورين بمعنى الابن

ص: 409

والابنة فعدلوا عن استعمالها بهذين المعنيين الأخيرين. ونقلوا (البل) إلى صورة (بن) والنون من أقرب الحروف إلى اللام. ومنهم من زادها ميماً في الآخر حتى لا يلتبس على السامع الحرف الواحد بالحرف الآخر فقال: (بنم) وقد ورد في بعض في بعض لغات القبائل، إلا أنهم زادوا في أول بن و (بنم) همزة وصل تمكنا من قطع دابر الالتباس في الأول وفي الآخر فقالوا أبن وابنم.

أما العبريون والأرميون فقالوا في (بل)(بر) بمعنى الابن وقد حفظ بعض السلف منا ذلك في قولهم: ما أدري أي البرنساء هو، وأي برنساء هو، وأي برنساء هو، أي الناس هو، أو بعبارة أدق: أي أبن الناس هو أو أي أبن الإنسان هو. ولم ينشأ من البل (البر) فقط، بل البذر والبزر بفتح الباء، وكلاهما يعني الولد كما تقدم الكلام عليهما.

ومن اللغات التي تنظر إلى لفظتنا (بر) بور بالفارسية وبثرا بالزندية وكذا بالهندية القديمة أي السنسكريتية.

وزاد السلف حاء على أول (بل) فصارت حبل والحبل هو ابتداء خلق الولد في بطن أمه وأبدلت باء الحبل من الميم فكان عندنا (الحمل) ففي كل من لحبل والحمل ثقل. وما يحمله الإنسان يكون عريزاً عليه وفي عزته شيء يشبه عزة الولد.

وإذا رجعنا إلى (بر) ودققنا النظر في ما أخرجت لنا من الألفاظ. رأينا للحال نشوء كلمة أبر يقال: أبر الرجل أبراراً: إذا كثر ولده وغبر القوم كثروا والبر ولد الثعلب - ومن بر نشأ (البرء) و (البرء: الخلق. ومن خلق شيئاً كان له كالولد بل والداً. وكان المخلوق مولوداً. فالبرء ناشئ من (بر) نشوءاً واضحاً جلياً.

وقد تجعل الهمزة في الصدر وتؤصل فيها فيقال: (أبر) وأبر النخل والزرع ألقحه وأصلحه

وابر كل شيء عمله (راجع لغة العرب 7: 839).

وقد تزاد الثاء المثلثة على (بر) فيقال ثبر بمعنى ولد. واللفظة مماتة بهذا المعنى إلا أنها حية في قولهم (المثبر)(كمسكن) ومعناه الموضع الذي تلد فيه المرأة أو الناقة. فهو اسم مكان من ثبر) وكما أنه لم يقولوا (مولد) إلا لوجود ولد، كذلك لم يكن عندنا المثبر إلا لوجود قبر في أول الامر ثم ماتت

ص: 410

لإهمال الناس إياها. ومن البر: الذرء والذرية ولد الرجل وهي من الذرء أي الخلق.

وأبدلت باء (ثبر) من الميم فقيل (ثمر) وثمر الشجر صار فيه الثمر والثمر ولد الشجر لو جاز لنا هذا التعبير.

وقد تقلب مادة (بر) فيقال (رب) ورب النعمة زادها والرب خالق الكون وإذا زيد على آخر ألف قيل (ربا) وربا المال: زاد ونما، وإذا أبدلت من الألف غينا معجمة قلت (ربغ) ومنه ربغ القوم. إذا أقاموا في النعيم والخصب وقالوا: ربع بالمهملة فلان: إذا أخصب وأربعت الإبل: إذا سرحت في المرعى وأكلت كيف شاءت وشربت. وكذلك الرجل بالمكان. وتبدل العين من الحاء فيقال ربح. ومنه ربح الرجل. كسب والربح كالربع أي وزان صرد وهو الفصيل الصغير.

ومن هذه المادة الربل وقد زيد في آخرها اللام. قالوا: ربل القوم ربلا: كثرت أموالهم وأولادهم. ومن هذه المادة أيضاً (الربو) فقد قالوا: ربا المال: زاد ونما. وقد تبدل باء (بل) من النون فيقال (نل) ومنه أخذ (النجل) و (النسل) للولد والذرية.

وقد يبدل حرفاً (بل) جميعاً من حرفين قريبين منهما في المخرج فتبدل الباء فاء واللام راء ثم يمد ما بينهما فيقال (فار) ومنه قولهم فارت القدر أي جاشت وغلت وارتفع ما فيها. وفي هذا المعنى ما يفيد الزيادة لأنه جاش في ما في القدر بقوة الحرارة أو الغليان أو البخار زاد فالزيادة هنا نوع من الولادة أو النتاج وفار الماء نبع من الأرض كأنه ولد منها، إلى آخر معاني هذه المادة.

ويقال في فار يفور: ثار يثور:

ويزاد في آخر مادة (فر) خاء معجمة ومنه الفرخ وهو ولد الطائر وكل صغير من الحيوان والنبات.

وتبدل الخاء من العين فيكون منه الفرع، وهو كل ما ينشأ من الأصل فيكون أعم من الفرخ في معناه.

وقد تزاد اللام في آخره فيقال فرعل ومنه الفرعل لولد الضبع فان كان ذكراً قيل فرعلان وأن كان أنثى قيل فرعلة.

ص: 411

ومثل الفرعل البرعل وهو ولد الضبع ولد الوبر من أبن آوى.

ولو أردنا أن نطيل البحث في هذا التفرع أو هذا النوع من الاشتقاق لامتد بنا النفس إلى إحراج النفس، وهو ما لا نريده إنما أتينا بما أتينا لنبين للقارئ محاسن هذه اللغة البديعة التي لا تعارض بلغة من لغات الأرض كلها بلا شاذ فهي أجملهن وأبدعهن وأقدمهن وهي الأم وما سواها بنات لها.

وما توسعنا قليلاً في (ابن) وما ورد فيه من الاختلافات والروايات والمشتقات إلا لنوضح للناس انه من وضع الناطقين بالضاد وليس من سواهم.

7 -

ملخص المقالة

في لغتنا العدنانية ألفاظ لها نظائر في أشهر لغات العالم القديمة الكبرى أي لها أشباه في اللغات السامية والحامية واليافثية. والذي نريد أن نثبته لكل عاقل غير معاند أن في المترادفات التي تكثر في لغتنا كلمات تنظر إلى اليافثية أي إلى اللغات الهندية الأوربية. وهذا أمر أنكره علينا أبناء الغرب إلى يومنا. أما نحن الذين عالجنا هذا البحث منذ أكثر من خمسين سنة فقد وجدنا في لساننا أوضاعاً تجانس الألفاظ اليافثية وهي كثيرة لا تحصى. وقد أردنا أن نؤيد بهذا المقال أن هذا المدعي ليس خيالياً إنما هو حقيقي وأتينا بذكر شاهد وأحد بمنزلة مثال بين ظاهر وأضح لا ينكر يقاس عليه أمثلة كثيرة. وإلا فعندنا من هذا القبيل مئات من الأمثلة:

و (صنو) معناه أبن كما في الإنكليزية وهو كذلك في اللغة الهندية القديمة (السنسكريتية) و (ابن) هو في الأصل (بل) ثم نقل إلى صور مختلفة عديدة. ومن لغتنا عبر إلى اللغة اللاتينية (الرومية) ومن يشك في هذه الحقيقة فليأتنا بأدلة تنقض مدعانا ونحن أول من يرجع عن رأيه إذا تبلج له الحق على غي ما أبدا له في اجتهاده الخاص به. فالحق مبتغانا وهدفنا وإليه نرمي في جميع مباحثنا.

ص: 412