الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
ليلة الحاشوش وليلة الماشوش
1 -
ليلة الحاشوش
الماشوش والحاشوش لفظتان وردتا في كلام الأقدمين من الناثرين والشعراء ولا وجود لهما في دواوين اللغة القديمة ولا الحديثة ولا في أسفار المستشرقين التي وضعوها ليستدركوا فيها مافات كتبه العرب الفصحاء والمولدين.
وأول من ذكرها على ما عثرنا عليه من الصحف البيروني في كتابه (الآثار الباقية، عن القرون الخالية المتوفي في رجب من السنة ال 440 للهجرة إذ يقول في ص 311 في كلامه أعياد النصاري النسطورية ما هذا نقله: (. . . وأما ليلة الماشوش وهي ليلة جمعة زعم الذاكرون لها أنهم يطلبون فيها المسيح، فقد اختلفوا فيها، فبعضهم: أنها ليلة الجمعة التاسعة عشر من صوم أيلي. وبعضهم قال: أنها الجمعة التي طلب فيها المسيح وهي الصلبوت وبعضهم قال: أنها جمعة الشهداء وهي بعد الصلبوت بأسبوع. والترجيح للقول الأول بين الثلاثة الأقاويل) اه.
قلنا الكلمة أرمية الأصل من وضع نصارى العرب وهي الحاشوش بحاء في الأول وفي الأرمية حاشوشا في الأخر كما هو المألوف في ألفاظهم ومعناها المتألم والمفعول والمنفعل والحاس. ويشيرون بذلك إلى الجمعة التي تألم فيها المسيح أو جمعة الصلبوت التي أشار البيروني في القول الثاني من أقوله وربما توسعوا فيها وأرادوا بها: كل ليلة يذكر فيها آلام أحد الأئمة الأقدمين تأمما للمسيح. هذا هو المشهور عندنا. واليوم يسمي نصارى بغداد هذه الليلة بجمعة الآلام وأهل الموصل وما جاورها من البلاد يسمونها بجمعة الحاش
تخفيفاً للفظ وأهل سورية وفلسطين يسمونها جمعة الآلام أو الجمعة الكبيرة أو الجمعة الحزينة أو الجمعة المقدسة وبالفرنسية وبالإنكليزية فلا جرم أن النساخ الذين نقلوا كتاب الآثار للبيروني وهموا في النقل. والوهم ظاهر لا يحتاج إلى تفنيد لجلاء الأمر.
2 -
ليلة الماشوش
على أننا لا ننكر أن كلمة (الحاشوش) وردت في جميع الكتب العربية التي نقلت اسم هذه الجمعة بميم في الأول بدلاً من الحاء، وقد وردت في بعض النسخ الماسوس بميم وسينين ونسبوا إلى معناها تأويلاً قبيحاً ولم يكتفوا بذلك بل نقلوا اليوم إلى يوم آخر غير جمعة الآلام. وممن ذكر ذلك ياقوت في معجمه في مادة دير الخوات وفعل فعله صاحب مراصد الإطلاع في المادة المذكورة وكلاهما نقل كلام الشابشتي، وقد صرح ياقوت باسم الشابشتي صاحب مراصد الإطلاع فلم يفعل. قال ياقوت في معجمه البلداني في المادة التي ذكرناها (دير الخوات. . . وعيده الأحد الأول من الصوم يجتمع إليه كل من قرب من النصارى. قال الشابشتي: وفي هذا العيد ليلة الماشوش وهي ليلة يختلط فيها الرجال والنساء فلا يرد أحد يده عن شيء) اهـ.
وما نسبة ظلما الكتبة إلى النصارى سبقهم غيرهم إلى مثل هذا القول وعزوه إلى القرامطة وأنت تعلم أن القرامطة نشأوا سنة 264هـ وما بعدها (أي في سنة 877) وتعلم أيضا أن الشابشتي توفي سنة 390هـ فتكون هذه الإشاعة قبله بأكثر من قرن.
أما أن هذه الإشاعة تنسب إلى القرامطة فقد ذكره ابن مقرب في شعره قال:
منا الذي أبطل الماشوش فانقطعت
…
آثاره وانمحى في الناس وانطمسا
وقال في تفسير هذا البيت (الذي أبطل الماشوش أبو شكر المبارك بن
الحسن بن أبي مقرب العيوني. والماشوش: بدعة ابتدعتها القرامطة في البحرين وجعلوها دينا وهو: أن يجتمع الرجال والنساء في ليلة عندهم معلومة في السنة ويشعلون الشمع ويقومون ويرقصون ويختلطون وفيهم أخوات الرجل وأمه وبناته وعماته وخالاته. فإذا استكفوا من الرقص اطفأوا الشمع واختلطوا وقبض كل رجل منهم يد امرأة من الجمع وواقعها أن كانت من محارمه أو أجنبية فحين ملك عبد الله بن علي العيوني البحرين وصارت تلك الليلة ركب أبو شكر المباركة وركب معه غلمانه وهجموا على جمع الفساد فضربوهم وسلبوهم ومضوا هاربين. فصار فيهم رجل ضرير فصار يقول: يا مولانا والله ما نحن في شيء مما يضر بدولتكم، إنما هذا مذهب نراه في ديننا فقال له الأمير: لئن اجتمع منكم اثنان على هذا الأمر لأعملن فيكم السيف لا العصا، فأمات هذه البدعة من البحرين فما بقيت فيها تعرف)
أه.
فترى من هذا الكلام أن ما نسبه بعضهم إلى النصارى نسبوه إليهم جوراً وظلما إذ هو خاص بالقرامطة إن كانت الرواية صحيحة. على أننا لا نصدق أن مثل هذه الليلة وجدت عند قوم أو عند اليهود أو النصارى. أما المسلمون الذين في سورية ولبنان فانهم ينسبون مثل هذه الليلة إلى الدروز ومنهم من ينسبونها إلى النصيرية الذين يسمون أنفسهم علوية.
أما أهل العراق والجزيرة من مسلمين ونصارى أو يهود فينسبون مثل هذه الليلة إلى اليزيدية والشبك والكاكائية وغيرهم وغيرهم من الفرق أو المذاهب الخفية. ومنهم من ينسبها أيضا إلى الصابئة البطائح المعروفين اليوم عند العراقيين باسم الصبة.
ونحن نقول: أن كل هذه الأمور المنسوبة إلى أولئك الأقوام من سورية وعراقية لا نصيب لها من الصدق، إنما توارثها الناس الناسبون هذه المنكرات إلى الأقوام المخالفة لهم في المعتقد من الآراء التي كانت شائعة شيوعا صادقاً لانتسابها حقيقة إلى الرومان واليونانيين فأنه كان عندهم مواسم يطلقون فيها لنفوسهم أعنة الشهوات ويستحلون فيها كل محرم واسمها عندهم الباخوسيات
والباخوسيات منسوبة إلى الإله باخوس (وباليونانية ديونوسوس ابن المشتري وسميلة بنة قدموس) وهو أله الخمر ونشأت هذه الأعياد في وادي النيل ومنها انتقلت شيئاً فشيئاً إلى فينيقية واليونان وإيطالية وكانوا يقومون بها في الليل ويجرون فيها من الجلبة والضوضاء ما كان يسمع من بعد بعيد وكانوا يضربون على الطبول والصنوج الفريجية وكان يباح للنساء فقط أن يدخلن فيها وفي نحو من سنة 198 قبل الميلاد ظهر فيها الرجال في رومة فسبب وجودهم مع النساء منكرات أية منكرات حتى اضطر مجلس الشيوخ إلى منع إقامة تلك الأعياد.
3 -
الكفشة عوض الماشوش
وليلة الماشوش غير معروفة اليوم والمشهور الآن على السنة العوام (ليلة الكفشة)(بالفاء المثلثة أي وكنا كتبنا قبل إحدى وثلاثين سنة مقالة في اليزيدية في مجلة المشرق (2: 732) وذكرنا فيها ما يلي نقله.
(وكل من كتبوا عن اليزيدية ذكروا عنهم أمراً منكراً ليس موجوداً فيهم قطعاً، بل في شيعة
أخرى تسمى الشبك وهذه الفظيعة هي أنهم يجتمعون ليلة معينة عندهم في كل سنة عند مدخل مغارة سرية يحبونها في الأكل والشرب والقصف واللهو إكراماً (للطاوس الملك) وهي الليلة المعروفة عندهم بليلة (الكفشة). ثم يختمونها بارتكاب أشنع المنكرات واقبح المساوئ التي يندى لها جبين القلم حياء (راجع كتاب الفاضل فيتال كينه ص 77 وغيره) وقد أشاع هذه الخبر نصارى تلك النواحي بدون أن يتحققوا ما يذيعونه عنهم. بل في سنتهم أن كل امرأة أو رجل يزني بشخص أجنبي عن ديانتهم قتلوه أن تمكنوا من اغتياله وإلا يبسل ولو تاب توبة نصوحاً أما الذي يزني بأبناء دينه
فيعاقب عقاباً شديداً لكن لا يقتل. وإذا كان الرجل زنى بامرأة مزوجة فعليه أن يرضي زوجها، أما إذا كانت ثيبا فالمرتكب الآثم يرضي المتولي أمرها بحسب حكم الأمير. أما إذا وقعت المضاجعة بين الذكور للذكور أو بين الإناث للإناث فقتل الاثنين للحال واجب. وإذا لا يستطيع أفراد الحامة (العائلة) من الفتك بحياة المجرمين لانتباه الحكومة أو لأي مانع كان، يطرد الأثيمان من اليزيدية طردا لا مرد له ويبعدان عن البلاد ومن هنا ترى أن العفة ونزاهة الأخلاق مشهورة مشهورة عندهم) انتهى كلامنا المذكورة في المجلة البيروتية.
وفي سنة 1913 كتب الفاضل شكري الفضلي (وكان كردي الأصل) مقالة في لغة العرب (3: 308) قال ما هذا إعادة نصه: (ويحتم عليهم (أي على الكاكائية وهم غير اليزيدية وغير الشبك وقد كتبنا عنهم مقالاً أدرجناه في هذه المجلة 6: 264 إلى 269) أن يجتمعوا رجالاً ونساء في ليلة معلومة من السنة في محل مخصوص يطفئون فيها السرج والأضواء وتسمى هذه عند أهالي تلك الأنحاء (ليلة الكفشة) ومن الناس من ينسب هذه الليلة إلى اليزيدية ومنهم إلى الشبك، (ولعلها كذبة مختلقة) وكانت تعرف هذه الليلة في عصر العباسيين أو في العصور المتوسطة (بليلة الماشوش) وقد تركوا هذه العادة القبيحة منذ أن فهموا معنى الإسلام وفرائضه فهما معقولاً. . .) اه المقصود من إيراده.
وفي هذه الأيام وقع بيدنا رسالة بالعربية واللاتينية وهي في الأصل محاضرة ألقاها أسقف كلداني اسمه (بهنام) تبحث عن الكرد المسلمين واليزيدية وقد طبعها بعبارتها السقيمة العلامة متى نوربرغ في ليدن سنة 1808م وقد ذكر في الصفحة 6 منها ما نعيد نقله بعبارته الركيكة قال: (في زمان عيدهم (عيد اليزيدية) الذي يصير مرة بالسنة بيجوا (أي
يأتون) مع نسائهم والهداية (والهدايا) إلى كنيستهم من الغنم والبقر ويعملوا عيد عظيم حوالي (حول) الكنيسة بالأكل والشرب والغنا والرقص. . .) ولم يذكر اسم هذه الليلة ولم يزد على هذا القدر من الشرع. ولعله فعل ذلك تأثماً وتحرجاً.
وكنا قد ذهبنا في اشتقاق كلمة الكفشة إلى أنها من الكفش في لغة العوام العراقيين ومعناها: قبض على شعر رأسه ليؤذيه، ويقولون: تكافش الرجلان
أخذ الواحد بذؤابة رأس صاحبة وهو التساور في اللغة. أما الآن فنعدل عن هذا الرأي ونقول: أن الكفشة لفظ فارسي أو كردي للكوشة العربية أسم مرة من كلش المرأة يكوشها كوشا وفيها إشارة إلى ما يجري من الأعمال المنكرة في تلك الليلة.
وقد ذهب ف. مينورسكي في معلمة الإسلام في مادة شبك إلى (أن الكلمة لعلها مشتقة من (كفش) الفارسية ومعناها الخف. وفي ذلك إشارة إلى ما يجري بالخف في مدة تلك الليلة) وفي هذا القول من ضعف التأويل ما لا يخفي على كل أديب.
هذا ما تسير لنا ذكره في هذا الموضوع ومن له زيادة عليه فليتحفنا به.
تصحيح أوهام لبعض الكتاب
1 -
قال أبن أبي الحديد في 1: 46 (وأما قوله: وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره: إلى موضع منتقلة) قلت ليس في الكلام مضاف محذوف أبداً لأن (المنتقل) أن لم يكن اسم مكان سماعياً فهو قياسي لا محالة والغريب أنه نقض قوله بقوله من دون أن يشعر فقد قال في الصفحة 66 من ذلك المجلد (والمعتلف موضع العلف) فإذا جاز له أن يجعل (المعتلف موضع العلف) فلم منع نفسه أن يجعل (المنتقل موضع الانتقال)؟ هذا من غريب التناقض.
2 -
وقال أناس كثيرة (كاتب أول المحكمة الفلانية) و (معلم أول المدرسة الفلانية) ومن المحزن أن نجد مثل هذا الغلط الفاحش مبثوثاً! فمعنى (كاتب أول محكمة)(كاتب المحكمة الأولى) ومعنى (معلم أول مدرسة)(معلم المدرسة الأولى) والمقصود خلاف هذا فالصواب (كاتب المحكمة الفلانية الأول) أو (الكاتب الأول للمحكمة الفلانية) و (معلم المدرسة الفلانية الأول) أو (المعلم الأول للمدرسة الفلانية).
3 -
وقالوا (طمنة وزان عظمة والتطمين وزان التعظيم) وليست هاتان الكلمتان عربيتين
فالصواب (طمأنة وزان دحرجة وطمأنة وزان دحرجة. فمن يقل (وطمنت نفسه تطميناً) أتبع الشطط والغلط.
مصطفى جواد