المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفتوة والفتيان قديما - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٨

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 76

- ‌سنتنا الثامنة

- ‌يا للمصيبة

- ‌الآمال الهاوية

- ‌الدواخل والكواسع في العربية

- ‌اليأمور

- ‌رسالة في النابتة

- ‌مندلي

- ‌لواء الكوت

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 77

- ‌خزائن بسمى القديمة

- ‌أعلام قصيدة أخت الوليد بن طريف

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌القفص والغرشمارية والكاولية

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌الحروف العربية الراسية

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌تاريخ اليهود

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهرة في العراق وما جاوره

- ‌العدد 78

- ‌رسالتان تاريخيتان

- ‌من هو القرصوني

- ‌لواء العمارة

- ‌اليحمور واليامور

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌نظم شمس الدين عبد الله محمد بن جابر الأندلسي

- ‌عني بنشرها صديقنا المذكور

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 79

- ‌الفتوة والفتيان قديما

- ‌لواء البصرة

- ‌محمود العنتابي الأمشاطي

- ‌القريض في فن التمثيل

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌الدولة القاجارية وانقراضها

- ‌دار شيعان

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 80

- ‌إلى عكبرى وقنطرة حربي

- ‌القصر الذي بالقلقة

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها

- ‌الأسر المنقرضة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 81

- ‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية

- ‌لواء كركوك

- ‌مصطلحات حقوقية

- ‌قبر راحيل

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌محلة المأمونية وباب الأزج والمختارة

- ‌أسرة الحاج الميرزا تقي السبزواري

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌111 - كتاب التيجان في ملوك حمير

- ‌عن وهب بن منبه رواية أبن هشام

- ‌طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيين في

- ‌حيدر آباد الدكن

- ‌سنة 1347 في ص496 ص بقطع الثمن الصغير

- ‌تاريخ وقائع الشهرية في العراق وما جاوره

- ‌العدد 82

- ‌أحمد باشا تيمور

- ‌نظرة في المجلة الألمانية ومجاوراتها الساميات

- ‌تحققات تاريخية

- ‌القمامة أو كنيسة القيامة

- ‌البرثنون في كتب العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌ألفاظ يافثية عربية الأصل

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاورها

- ‌العدد 83

- ‌دار المسناة

- ‌رسالة لأبي عثمان

- ‌تحققات تاريخية

- ‌الفلحس

- ‌صفحة من مؤرخي العراق

- ‌القرب في اللغة

- ‌لواء أربل

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌الحكومة العراقية والمخطوطات

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 84

- ‌نقد لسان العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌ترجمات التوراة

- ‌بيت الشاوي

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌رسالة إلى أبي عبد الله

- ‌القيالة عند العرب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 85

- ‌إلى شبيبة العراق

- ‌المائن أو الممخرق

- ‌آلتون كوبري في التاريخ

- ‌لواء السليمانية

- ‌أرض السليمانية في التاريخ القديم

- ‌تذنيب في تخطئة معلمة الإسلام

- ‌نظرة في المقاومات العراقية

- ‌نقد لسان العرب

- ‌الأسناية ومعناها

- ‌قبر العازر

- ‌كوت العمارة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاروه

الفصل: ‌الفتوة والفتيان قديما

‌العدد 79

- بتاريخ: 01 - 04 - 1930

‌الفتوة والفتيان قديما

الكشف والكشافة حديثاً

الفتوة مذهب حيوي ديني سلك بعد ظهور الإسلام لتهذيب الأخلاق ونعش النفوس وبث العبقرية وتوكيد المؤاخاة بين الناس والدعوة إلى الفضائل والشجاعة والتجافي عن الرذائل والجبن. فالفتوة عند الفتيان هي استجماع النعوت الكريمة والأخلاق القويمة والطباع السليمة والجراءة والإقدام ولا سيما السخاء والكرم.

مبعث الفتوة

إن الفتيان ينسبون طريقتهم هذه إلى الإمام علي عليه السلام على ما سنذكره من الحوادث فهو قدوتهم فيه وفيه أسوتهم ويؤمنون بأنه أول الفتيان وأقدسهم لورود (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) في فتوته المقدسة وشجاعته الفذة. وقد قال الشريف الجرجاني في كتاب (التعريفات) الفتوة في اللغة: السخاء والكرم. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هي أن تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة) وباستمرار الأزمان على الفتوة صارت رتبة تقام لها الإقامات والحفلات ولها شعار ولباس خاصان بها فأشبهت الرتب السلطانية التي يوصل

ص: 241

إليها الخليفة أو من ينوب عنه ونقل جرجي زيدان في (153: 5) من تاريخ التمدن الإسلامي أن الناصر لدين الله العباسي كتب سنة 607هـ إلى ملوك الأطراف الذين يعترفون بخلافته أن يشربوا له كأس الفتوة ويلبسوا سراويلها وأن ينتسبوا إليه في رمي البندق ويجعلوه قدوة لهم.

التفتي وشعار الفتوة

يقال: فتى فلان فلانا تفتيه أي جعله فتى من الفتيان. فتفتى هو أي صار فتى. أما شعار الفتوة فقد كان (سراويل) تسمى سراويل الفتوة وينقش صورة كأس أو سراويل أو صورة كلتيهما فيتخذ الفتى هذه الصورة رمزا إلى انه من الفتيان. وإذا رغب امرؤ في التفتي فتقام له إقامة يشهدها الفتيان فيلبس سراويل الفتوة ويشرب كأس الفتوة. وفي صفحة 80 من نسختنا الخطية لتاريخ (الحوادث الجامعة) في حوادث بغداد وما جاورها ما نصه (وفيها -

أي سنة 646 الهجرية - توفي جلال الدين عبد الله بن المختار العلوي الكوفي. كانن عريق النسب كبير القدر أديبا فصيحا، حفظ القرآن في نيف وخمسين يوما. . . وكان يحضر عبد الخليفة الناصر في رمي البندق والفتوة ولعب الحمام، وكان يفتى فيه ويرجع إلى قوله، ولم يزل على ذلك إلى أيام الخليفة المستنصر بالله فأشار عليه أن يلبس سراويل الفتوة من أمير المؤمنين علي عليه السلام وأفتى بجواز ذلك فتوجه الخليفة إلى المشهد ولبس السراويل عند الضريح الشريف، وكان هو النقيب في ذلك) اهـ فالتفتية إذن كانت من حق العلويين ولها عظمة وآبهة يتشرف بها الخلفاء فكيف السوقة؟ وفي صفحة 236 من تاريخ الفخري كلام في الناصر لدين الله منه:(وسمع الحديث النبوي صلوات الله على صاحبه وأسمعه، ولبس لباس الفتوة وألبسه وتفتى له خلق كثير من شرق الأرض وغربها ورمى بالبندق ورمى له ناس كثير) فالناصر لدين الله كان رئيس الفتيان في زمانه وكان الرماة يرمون باسمه والظاهر لنا من هذا انهم يذكرون اسمه حين الرمي.

ص: 242

تطورات الفتوة

حكم التطور جار على كل أمور الدنيا ولذلك تطورت الفتوة أطوارا شتى فدخل فيها الغناء ورمي البندق وتطيير الحمام للمسابقة وقد دعا ذلك إلى تسطير كتب في انساب الحمام كما ألفوا قبلا كتبا في انساب الخيل ومن براهين ذلك أن عبد الله بن المختار العلوي عين كاتب شرائج الحمام ولم يزل على ذلك إلى أيام المستعصم بالله وقد ضبط أنسابها في الدساتير.

وفي سنة 626هـ نفذ (فخر الدين أبو طالب احمد بن الدامغاني) والشيخ (أبو البركات عبد الرحمن) والأمير (فلك الدين محمد بت سنقر الطويل) إلى (جلال الدين منكوبري بن خوارزمشاه) وهو يومئذ على مدينة (خلاط) محاصرا لها ومع هؤلاء تشريفات وكراع ولباس الفتوة، وقد وكل الخليفة المستنصر (فخر الدين بن الدامغاني) والشيخ أبا البركات في تفتيته، وكان هؤلاء الثلاثة المرسلون صادفوه خارج مدينة (خلاط) للحصار فخلعوا عليه ما أرسل به الخليفة إليه والبسوه سراويل الفتوة.

وفي سنة 634 حضر (عبد الله الشرمساحي مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية (بالبدرية) عند شرف الدين إقبال الشرابي وأنعم عليه بلباس الفتوة نيابة عن الخليفة) ذكرنا هذه الحوادث ليتحقق القارئ أهمية الفتوة وتنفيذها.

الفتوة في زمن الأمويين

روى أبو الفرج الأصفهاني في ص245 ج2 من الأغاني في أخبار (حنين الحيري) المغني ما نصه: (كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة وكان لطيفا في عمل التحيات فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت - الفتيان - ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين إلى الحيرة ورأوا رشاقته وحسن قده وحلاوته وخفة روحه استحلوه) فهذا الخبر يدل على أن الفتيان في ذلك العهد قد عكفوا على التنعم واستهوتهم الملاهي وتمكنوا من الدرز وقد وصف لنا عيشتهم بما رواه في ص246 عن حنين نفسه، قال حنين (خرجت إلى - حمص -

ص: 243

التمس الكسب بها وارتاد من استفيد منه شيئا فسألت عن - الفتيان - بها وأين يجتمعون فقيل لي: عليك بالحمامات فانهم يجتمعون بها إذا أصبحوا، فجئت إلى أحدها فدخلته فإذا فيه جماعة منهم، فأنست وانبسطت وأخبرتهم أني غريب ثم خرجوا وخرجت معهم فذهبوا إلى منزل أحدهم فلما قعدنا أتينا بالطعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا فقلت لهم: هل لكم في مغني يغنيكم؟ قالوا: ومن لنا بذلك؟ قلت: أنا لكم به هاتوا عودا فأتيت به فابتدأت في هنيات أبي عباد معبد فكأنما غنيت للحيطان لا فكهوا لغنائي ولا سروا به) اهـ وليس لهؤلاء الفتيان مزية سوى إضافة الضيفان وإعانة اللهفان، إذ ليس في هذه الأخبار ما يدل على التأله.

الاخية فرقة من الفتيان

ذكر ابن بطوطة في رحلته جماعات (الاخية) وواحدهم (أخي) مضافا إلى ياء المتكلم ورئيسهم (أخي) أيضاً وأنهم بجميع البلاد التركمانية الرومية في كل بلد ومدينة وقرية ووصفهم بأنهم لا يوجد في الدنيا مثلهم اشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج والأخذ على أيدي الظلمة وقتل الشرط ومن لحق بهم من أهل الشر ورئيسهم رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبان الأعزاب والمتجردين ويقدمونه على أنفسهم ويبني الرئيس زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات أم اتباعه فيسعون في النهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما اكتسبوه فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك مما ينفق في الزاوية فان ورد في ذلك اليوم مسافر أنزلوه

عندهم ولا يزال عندهم حتى ينصرف وان لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعاتهم في الغدو وأتوا بعد العصر إلى مقدمهم بما تيسر لهم ويسمون بالفتيان ويسمى مقدمهم الاخي ووصفهم أن لباسهم الأقبية وفي أرجلهم الأخفاف وكل واحد منهم متحزم على سكين طوله ذراعان وعلى رؤوسهم قلانس بيض من الصوف بأعلى كل قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض إصبعين، هذه خلاصة ما ذكره ابن

ص: 244

بطوطة في كلامه على مدينة (أنطالية).

وقال في مدينة قونية (نزلنا منها بزاوية قاضيها ويعرف بابن قلمشاه وهو من الفتيان وزاويته من اعظم الزوايا له طائفة كبيرة من التلاميذ ولهم في الفتوة سند يتصل إلى أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب عليه السلام ولباسها عندهم السراويل كما تلبس الصوفية الخرقة) اهـ كلامه بنصه، وهذا الخبر يؤيد ما قلناه من أن الفتيان ينتسبون إلى علي عليه السلام.

الفتوة المذهبية

قال ابن جبير الكناني في ص 260 من رحلته مطبعة السعادة (وسلط الله على هذه الرافضة طائفة تعرف بالنبوية سنيون يدينون - بالفتوة - وبأمور الرجولة كلها وكل من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه منهما يحرمونه السراويل فيلحقوه بهم ولا يرون أن يستعدي أحد منهم في نازلة تنزل به، لهم في ذلك مذاهب عجيبة وإذا اقسم أحدهم بالفتوة بر قسمه وهم يقتلون هؤلاء الروافض أينما وجدوهم وشأنهم عجيب في الألفة وائتلاف) اهـ من كلامه على مدينة دمشق وهو يدل على أن الفتوة في تلك الربوع كانت تعصبية بحتة ولا خلاص من التعصب فانه مباءة كثير من الأرواح والدين مع النفس والحق مع العقل ولا يغلب عقل امرئ نفسه إلا بتوفيق من الله عظيم.

الرمي في الفتوة

كان غالب رمي الفتيان لإظهار الحذق والمهارة وقد كان صبيان المدينة المنورة في زمن الأمويين يتدربون على رمي السهام عن القسي للتمرن واللعب واستفاض ذلك بين الناس حتى كان بعض الخلفاء الأمويين يقضي هو ووليجته الأوقات في الرمي إلى هدف معلق

في الهواء تسلية للنفس وتمرنا على هذا الفرع من فروع الشجاعة فقد روى مؤلف كتاب (صحيفة الأبرار) ص361 من الجزء الأول عن دلائل الطبري أن هشام بن عبد الملك أمر بأشخاص محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق (ع) إلى دمشق فاشخصا ودخلا عليه قصره وهو قاعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم متسلحين وقد نصب البرجاس حذاءه وأشياخ قومه يرمون فقال هشام لمحمد الباقر (ع) يا محمد ارم مع أشياخ قومك

ص: 245

الغرض، يريد أن يظهر عجزه ويضحك منه فاستعفى الإمام من ذلك فلم يعفه فتناول عند ذلك قو شيخ من الأشياخ ثم تناول سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصب السهم فيه ثم رمى فيه ثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة اسهم بعضها في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم هل زعمت انك كبرت عن الرمي؟ ثم قال: يا محمد لا يزال العرب والعجم يسودها قريش ما دام فيها مثلك لله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟ فقال له الإمام: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين من ذلك عدت فيه، فهذا دليلنا على ما ذكرناه من أن الرمي كان يتعاطاه الشبان ضربا من الشجاعة واللهو ولإقبال الناس على هذا الضرب من اللهو تنوع الرمي ففي ص 256 من شرح الطرة قول الحريري:(ويقولون للقناة الجوفاء التي يرمى عنها بالبندق: زربطانة والصواب: سبطانة) قال الشارح: (واستعمال زربطانة واقع في كلام المولدين كقول ابن الحجاج:

به ترمي لحى متعشقيها

كما يرمي الفتى بالزربطانة

وفي مادة (ح س ب) من المصباح المنير ما عبارته: (وقال الأزهري: الحسبان مرام صغار لها نصال دقاق يرمى بجماعة منها في جوف قصبة فإذا نزع في القصبة خرجت الحسبان كأنها قطعة مطر فتفرقت فلا تمر بشيء إلا عقرته) وقال في ب د ق (والبندق أيضاً ما يعمل من الطين ويرمى به الواحدة بندقة) وقال في ج ل هـ (والجلاهق بضم الجيم: البندق المعمول من الطين الواحدة جلاهقة وهو فارسي لان الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية ويضاف القوس إليه للتخصيص فيقال: قوس الجلاهق) وكان الرماة يتخذون البندق من الحجارة والرصاص ايضا، ونقل جرجي زيدان في 153: 5 من تاريخ التمدن

الإسلامي عن 90: 3 من تاريخ ابن الأثير أن العرب اقتبست لعبة الرمي بالبندق في أواخر عثمان بن عفان (رض) ونقل عن الأغاني 93: 20 أن رماة البندق في العصر العباسي طائفة كبيرة يخرجون إلى ضواحي المدن يتسابقون في رميه على الطير ونحوه، وقال في ص154 (ومن قبيل رمي البندق رمي النشاب في

ص: 246

البرجاس وهو غرض في الهواء أو على رأس رمح أو نحوه يطلبون إصابته بالنشاب وهي لعبة فارسية أول من لعبها من الخلفاء الرشيد) قلنا: وهذا وهم منه فقد قرأت في ما نقلنا لك أن وليجة هشام بن عبد الملك كانت تتعاطى هذه اللعبة في مجلسه معه وروى مؤلف الحوادث الجامعة أن أحد أمراء الدولة الأيوبية كان يرمي الحمام في بيت الله الحرام بالبندق عدوانا على حرمته، ونرى انه قد نقض بفعله المثل المشهور (آمن من حمام مكة) وورد في ص17 من كتاب مناقب بغداد أن الوزير (عميد الدولة أبا منصور) خط السور على الحريم من بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وشرع الفعلة في بنائه وأذن للناس في الفرجة فعمل أهل سوق المدرسة قلعة خشب تسير على عجل وفيها الغلمان يضربون بقسي البندق والنشاب.

الفتوة وصيد السباع

في سنة 640 الهجرية سأل جماعة من شبان محال بغداد أن يؤذن لهم في الخروج إلى قتل السباع فأذن لهم جريا على القاعدة القديمة في أيام الخليفة الناصر لدين الله وانعم عليهم بشيء من البر فاجتمع من كل محلة جوق اللعابة بالدفوف والزمور والمغاني وسائر الملاهي. وكان هؤلاء الشبان كثيرا ما يتواثبون بعضهم على بعض على حسب المحال فيحدثون في بغداد فتنة كبيرة يكون القتل فيها من اسهل الأمور وان هذه الافعال مضادة للفتوة على الحقيقة والغالب في طرق الإصلاح أن تترامى الناس بها إلى الفساد، ومثل هذا الانقلاب انقلبت الفروسية التي نشأت في أوربة في القرون الوسط فإنها بنيت على حماية المظلوم والنساء ودفع الشر على غرار الفتوة لكن الأوربيين لم يحافظوا على قواعدها فنشأ منها ما خالف قواعدها.

الاقامات لصيد الرماة

في سنة 634 وصل إلى بغداد (بشر) خادم الأمير (ركن الدين إسماعيل)

ص: 247

ابن (بدر الدين

لؤلؤ) صاحب الموصل ونفران من رماة البندق ومعهم طائر قد صرعه (ركن الدين) وانتسب في ذلك إلى (شرف الدين إقبال الشرابي) فقبله وأمر بتعليقه فعلق تجاه (باب البدرية) وأمر أن ينثر عليه ألفا دينار ثم خلع على الخادم بشر والواصلين في صحبته وأعطاهم ثلاثة آلاف دينار. وفي سنة 635 علق (بباب البدرية) أيضاً طائر قيل انه رماه (كيخسرو بن كيقباذ) ملك البلاد الرومية ونثر عله ألف دينار وتولى هذه الإقامة أي الحفلة (عبد الله ابن المختار) العلوي الكوفي المار ذكره وكان مولد عبد الله سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وهاتان الاقامتان من مرويات الحوادث الجامعة. إلا أن اسم (عبد الله بن المختار) ورد خلوا من (العلوي الكوفي) واغرب ما ننقله أن الرمي اثر في الشعر زمن العباسيين فاستعمل في الشعر ألفاظ رماة البندق والتشبيه بالطيور المصروعة. وقد روي في حوادث سنة 629. من الحوادث الجامعة قصيدة عن ذلك الغرار.

الفتيان والكشافة

يستنبط مما سبق أن الفتوة قديما تماثل الكشف حديثا وان الفتيان في الإسلام يضاهون الكشافة اليوم في الممالك المتمدنة والمتمادنة. ويستحسن استبدال الفتوة والفتيان بالكشف والكشافة وكأن الداعي إلى هاتين الأخيرتين (السر بادن باول) رئيس الكشافة الأعظم وهو رجل حديث العهد فالكشف والكشافة لا تميل إليهما الأذواق العربية. حتى أني قلت متكلفا في قصيدة نشرتها في مجلة الكشاف العراقي:

سميت كشافا وأنى يصلح

خلل الحياة وناشر إرشادا

ومما تفاوت به فتيان جيلنا الفتيان القدماء: الاقتصاد: فإن أخبار أولئك مكتظة بإسرافهم وتجاوزهم حد الاقتصاد. وكذلك في الشفقة على الحيوان

ص: 248

لا على الإنسان وحده. والرأفة بالحيوان من جلائل الإسلام ومهماته فمن وصية الإمام علي (ع) قبل وفاته (والله الله في ما ملكت أيمانكم (فانه كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: (أوصيكم بالضعيفين في ما ملكت أيمانكم) قال ابن أبي الحديد في 45: 2 من شرحه (يعني به الحيوان الناطق والحيوان الأعجم).

هذا ما تمكنا من استقصائه على قلة علمنا وهو شيء يسير عسى أن يجد فيه القارئ لذة علمية أدبية وما كل حديث يعاب.

بغداد: مصطفى جواد

جعفر باشا العسكري

أطلعتنا أنباء لندن أن كتيبة دورست دعت جعفر باشا إلى وليمة الائتلاف التي أقامتها في ليلة 27 شباط، وكتيبة دورست هي التي أسرت جعفر باشا في موقعة فرقة الفرسان التي حدثت في طرابلس وكان جعفر باشا العسكري ضابطا عراقيا في الجيش التركي في أوائل الحرب الكبرى وكان يقود السنوسيين في الهجوم بهم على مصر. فاسر في تلك الواقعة واعتقل في القلعة بمصر. ولكنه حاول الفرار من معتقله إذ فتل حبلا من البطانية التي أعطيها ليلتحف بها وحاول أن ينزل بهذا الحبل من سور القلعة فانقطع به وسقط في الخندق فأصيب بكسر في ساقه وقد نقل إلى المستشفى وهناك قرأ في الصحف أخبار الثورة العربية وأتلاف الأتراك أصدقاءه العرب فقرر في الحال عدوله عن إخلاصه لحكومة تركية والتحق بمعسكر الأمير فيصل (جلالة ملكنا اليوم) وأسندت إليه القيادة العامة لجيوش الأمير فاظهر كفاية تامة في القيادة. وهو الضابط الوحيد الذي نال وسام الصليب الحديدي من حكومة ألمانية ووسام سي. أم. جي. من بريطانية أثناء الحرب العظمى. وجعفر باشا دخل مؤخرا امتحان مدرسة الحقوق (في لندن) فادى هذا الامتحان بتفوق عظيم.

ص: 249

(صورة) صاحب الفخامة جعفر باشا العسكري

ص: 250