الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 76
- بتاريخ: 01 - 01 - 1930
سنتنا الثامنة
ظهرت غاية هذه المجلة من أول جزء صدر منها، فعرف الجميع أن غرضها خدمة اللغة العربية الشريفة والديار التي يتحدث بها أهلها، والأمة بل الأمم التي تلهج بها، وقد حافظت على خطتها هذه إلى هذه الساعة، وهي تنوي أن لا تحيد عنها قيد شعرة ولو كان المنتظر من بثها بين الناس كسب المال أو غاية هناك لأوصدنا بابها منذ السنة الأولى، إذ نرنا مضطرين إلى سد ثغرة العجز من مالنا الخاص.
نعم أن الخسائر تقل سنة بعد سنة، لكنها لا تزال خسائر والعمر يفنى من غير أن نتوقع أجرا من محسن كريم حاتمي ومع هذا كله نثابر على متابعة طريقنا بلا ضجر ولا وناء غير مبالين بالأضرار ليتحقق الكل أن ليس لنا غاية أخرى سوى خدمة الوطن العربي العزيز وإعلاء شأن لغتنا العدنانية التي نتشرف بالانتماء إليها.
وهنا نشكر الشكر الجم لأولئك الذين آزرونا في تحبير المقالات وصححوا أوهامنا وأغلاطنا وساعدونا بما جادت به أيديهم الندية على سد بعض النفقات ونطلب لهم بازاء ذلك الصحة والرفاهية وطول العمر.
يا للمصيبة
!
أطلق عبد المحسن بك السعدون رصاصة على قلبه في نحو الساعة العاشرة إلا ربعاً من مساء ال 13 من تشرين الأول المنصرم فتردد صداها في الديار الضادية اللسان ولا يزال يتردد إلى هذه الساعة، بل سيتردد إلى آخر الدهر للأسباب التي حملته على هذا الانتحار الذي لم يسبق له مثيل.
ونحن ندرج هنا ما كتبه صديقنا الفاضل سليم حسون في (العالم العربي) ثم نشفعه بما كتبه الشيخ علي الشرقي في جريدة (البلاد) وقد جاد علينا صاحبها بإعارته إيانا صورة الراحل العظيم مع مثال ابنه المتغرب في انكلترة لتلقي العلوم وابنه الآخر واصف بك الدارس في بغداد ورسم فهد باشا السعدون والد فقيدنا العظيم، فنشكر صاحب (البلاد) على هداياه ومكارم أخلاقه.
قبل الانتحار وبعده
1 -
قبل الفاجعة بيوم واحد
أخبرنا بعض زملاء المغفور له عبد المحسن بك السعدون انه كان بعد عصر نهار الثلاثاء (12 - 11 - 29) في بناية حزب التقدم يتكلم على عادته، في حديث خاص مع جماعة من الرفقاء وهم خالد بك سليمان، وعز الدين النقيب، وعبد الرحمن المطير، وزامل المناع.
ثم دار الحديث حول الجلسة النيابية التي كانت قد عقدت قبل يوم، واشتدت فيها المعارضة العنيفة على المنهاج الوزاري، فبدأ التأثر يلوح على وجه المرحوم، ويمحو من ثغره الابتسامة اللطيفة المعتادة وإذا به رحمه الله يقول في ضيق وهدوء:(انتم يا حزب الأكثرية، لم تعاونوني في الجلسة النيابية الأخيرة!).
فقالوا له: (لقد تذاكرنا في الحزب، وقررنا موافقين على جواب خطاب العرش. . . وكانت هيئة الحزب العامة معكم. . . فقررت التصويت على قبول
جواب الخطاب. . . وهكذا تم، ولم ير أفراد الحزب من الموافق أن يدافعوا عنكم فأنكم كنتم أقوياء وقد ظهرت النتيجة في التصويت. . .)
فقيد الوطن
(صورة) المغفور له فخامة الوزير الأعظم عبد المحسن بك السعدون
قال رحمه الله (نعم ولكني كنت أحب أن يتكلم بعضكم ويرد على المعارضة لأن الناس - كما تعلمون - عقولهم في عيونهم!. . .)
ثم تبدل الحديث وشرع رحمه الله يبحث في شأن جنينة بناية الحزب ووجوب تزيينها بالزهور، وأرسل في طلب زهور مزروعة في الأواني من بيت سركيس فجيء بما طلب. ثم ذهب إلى النادي العراقي كعادته.
2 -
في نهار الأربعاء، قبل ساعة الانتحار
في عصر الأربعاء - يوم الانتحار - كان رحمه الله في بناية الحزب وجرى له مع رفاقه حديث خاص، أشبه بالحديث الذي ذكرناه أعلاه وكان التأثر أيضاً باديا على ملامحه، ثم ذهب وإياهم إلى النادي العراقي مشياً.
ولعب (لعبة الرامي) مدة قليلة من الزمن، وفي أثناء اللعب تقدم إليه خالد سليمان، وقال له:(أنا رائح إلى البيت، أتحب أن نروح سوية؟) أجابه المرحوم: (كلا أنا أريد أن أبقى هنا، بضع دقائق أيضاً).
وقاربت الساعة أن تدق الثامنة (زوالية) مساء. . . فضحك المرحوم ملاحظا خالدا وقال: (كان خالد معي في المدرسة ولكنه كان له شوارب كبيرة).
فقال خالد ضاحكا: (أي نعم كانت شواربي كشوارب (قوجاغلي) الذي كان يلف شواربه حول أذنيه)!
وضحك الجميع في أنس وطرب، وذهب خالد بك إلى البيت في محلة البتاوين، على طريق بيت السعدون في الكرادة الشرقية.
3 -
آخر طعام وكلام مع العائلة
بعد أن قام خالد بك سليمان ببضع دقائق، ترك عبد المحسن بك أيضاً النادي وعاد إلى داره، وتعشى مع حضرة قرينته وابنته الكبرى الآنسة عائدة (وعمرها 15 سنة) وابنه واصف (وعمره 11 سنة) وابنته الصغيرة نجلاء (وعمرها 9 سنوات).
(صورة) واصف بك السعدون النجل الأصغر للفقيد
وكان حديثه مع قرينته وأولاده في ذلك العشاء الأخير، على جانب عظيم من اللطف لم يسبق مثيل!. . . من ذلك أنه قال لزوجته:(ما بالك لا تقيمين مأدبة شاي لقرينة المعتمد السامي؟)
قالت: (أنا منحرفة المزاج منذ 12 يوما، وطباخنا قد ترك وظيفته، ولا أحب اشتراء الحلويات من السوق، إنما أوثر أن تصنع في البيت عادة. . . ولهذا السبب أرجوك أن تعذرني الآن. . .)
فابتسم وقال على سبيل المداعبة والملاطفة (أنك لا تقبلين فكري!).
قالت (وكيف لا أقبل فكرك؟ أنا دائما أقبل فكرك!).
قال: (أي نعم أنا أقر بهذا، وبأنك تعملين دائما بحسب فكري!. .)
وكذلك داعب أولاده ولاطفهم بمزيد الشفقة كأنه يودعهم وهم لا يدركون!.
4 -
آخر كتاب كتبه لابنه وللأمة جمعاء
ثم دخل إلى مكتبه الكائن إزاء غرفة الطعام ودخلت العائلة والأولاد إلى إحدى غرف الحرم.
وظل رحمه الله في مكتبه مدة من الزمن كتب في أثنائها كتاب وصيته إلى نجله علي بك الدارس في معهد (برمنكهام) في إنكلترا، والله وحده يعلم العواطف العجيبة الفائقة الوصف التي بها تخيل ابنه أمام عينيه في ساعة الانتحار، فكلمه بقلبه. فضلا عما قاله له بقلمه المرتجف في تلك الدقيقة الرهيبة التي كانت آخر مسافة بين حياته الفانية وحياته الأبدية الخالدة.
5 -
الكتاب الخالد الذي أصبح ميثاق الأمة العراقية
هذه هي ترجمة كتاب الوصية الذي كتبه فقيد الوطن لنجله علي بك:
(صورة) علي بك السعدون ممثل الأمة العراقية في كتاب الوصية
عيني ومدار استنادي بني علي:
اعف عني من أجل الجناية التي ارتكبتها، لأني سئمت هذه الحياة وضجرت منها، لم أر
من حياتي لذة ولا ذوقاً ولا شرفاً، الأمة تنتظر الخدمة، الإنكليز لا يوافقون، ليس لي ظهير، العراقيون الذين يطالبون الاستقلال ضعفاء وعاجزون وبعيدون كثيراً عن الاستقلال، هم عاجزون عن تقدير نصائح أمثالي من أصحاب الشرف، يظنونني خائناً للوطن وعبداً للإنكليز، ما أعظم هذه المصيبة! أنا الفدائي لوطني الأكثر إخلاصاً قد صبرت على أنواع الإهانات وتحملت أنواع المذلات، وما ذلك إلا من أجل هذه البقعة المباركة التي عاش فيها آبائي وأجدادي مرفهين.
يا بني أن نصيحتي الأخيرة لك هي:
(1)
أن ترحم أخوتك الصغار الذين سيبقون يتامى، (وتحترم والدتك) وتخلص لوطنك.
(2)
أن تخلص للملك فيصل وذريته إخلاصاً مطلقاً.
أعف عني يا بني علي!
عبد المحسن السعدون
وكان رحمه الله قد أرسل إلى نجله علي بك في النهار عينه بكتابين آخرين مسجلين ولكن أحدهما كان من الآنسة عائدة ابنته الكبرى.
6 -
الانتحار
بعد كتابة الكتاب خرج رحمه الله من مكتبه وأخذ يصعد إلى الطابق الأعلى، فرأته حضرة قرينته يمشي ويصعد منزعجاً انزعاجاً غريباً، وقالت بعد الفاجعة ما ملخصه:
(ما رأيته قط يمشي مثل تلك المشية، فساورني الرعب فتبعته إلى غرفة النوم فرأيته (يحشو) المسدس! فركضت مسرعة إليه وقلت له: أواه! ماذا تعمل؟ ولأي سبب تعمل هذا؟ فقال لي: دعيني! قلت: لا والله لا يمكن أن أدعك! فان كنت تريد أن تعمل شيئاً فاقتلني، اقتلني أولاً يا سيدي!. . . قال: دعيني وإلا قتلتك!. . . فصحت به مذعورة باكية: اقتلني! وقبضت على يده فحاول التملص مني، وتوجه إلى باب الشرفة (البالكون) فأوشك أن يصل الشرفة وأنا ماسكة يده اليسرى، وفي اعتقادي أني مانعته بهذه المسكة. ولكن - ويا للأسف - كان المسدس في جيبه الأيمن وهو قابض عليه بيمناه وأنا غائبة عن رشدي، وما أفقت إلا وصوت الطلقة النارية يدوي في الشرفة وكانت رجله الواحدة في الغرفة والأخرى في
الشرفة، فوقع على الحضيض!)
وعلى صوت الطلق الناري أسرع الشرطي أمين الذي في دار الفقيد العظيم، فرفعه ووضعه في فراشه في الغرفة، وتراكض الأولاد فتواقعوا هم ووالدتهم عليه يقبلون يديه ورجليه ويبكون.
7 -
بعد الانتحار
أسرعت الابنة الكبيرة الآنسة عائدة إلى التلفون فطلبت الدكتور خياط، وكذلك أسرع الآخرون فأرسلوا يطلبون عبد العزيز بك القصاب وخالد بك سليمان وغيرهما، وحيث أن دار عبد العزيز بك القصاب قريبة جداً من دار الفقيد وصل عبد العزيز بك عاجلاً إلى المحل فجثا عند سرير الفقيد الجليل، وعبد العزيز بك يتخيل أن المغفور له يتنفس بعد وأن عينيه تتحركان. . . فكان يعانق الجثة ببكاء مر، وذعر فائق يريد أن يصد الموت!. . . والظاهر أن عبد العزيز بك كانت عينه تخدعه - على ما ذكر الأطباء - لأن الطلقة أماتت الفقيد العظيم حالاً إذ أصابت مركز القلب.
وحضر الدكتور خياط مدير الصحة العام على جناح السرعة فعاين القتيل وتأكد أنه مائت.
8 -
حضور الأصدقاء والوزراء والأطباء
قدم خالد بك سليمان فرأى عبد العزيز بك والدكتور خياط في دار الفقيد فصاح عبد العزيز قائلاً: (لقد أضعنا عبد المحسن!. . .).
وتقدم خالد إلى السرير، فرأى العائلة تبكي بلا شعور فبكى وبكى الجميع ولطموا وناحوا! وهتفت الآنسة عائدة تقول لخالد:(هات قلبك يا سيدي حتى نضعه في صدر بابا لعله يفيق!. . .).
وكان الولد الصغير واصف وأخته الطفلة نجلاء (يمسدان) رجل والدهما ويحاولان بهذا أن يعيدا إليه الحركة!.
وأما السيدة قرينته فكانت واقعة على رجليه تقبلهما وتبكي حتى فقدت الشعور.
ووصل حينئذ ناجي باشا السويدي وشقيقه توفيق بك وياسين باشا الهاشمي فاشتركوا في النحيب والتوديع. . .
وقر الرأي على إخراج العائلة والأولاد من الغرفة وإبقائهم في غرفة أخرى
وإسعافهم خوفاً من أن يذوبوا تماماً من شدة الألم.
ثم حضر الطبيبان البريطانيان الدكتور دنلوب (مدير المستشفى الملكي) والدكتور وود من (مدير العمليات في المستشفى المذكور)، فعاينا الجثة، وتفقدا المسدس (وهو من طراز براونيك) وتفرسا في فوهة الجرح، وأخذا يسألان أسئلة شتى فقال لهما عبد العزيز بك أن لا يتوهما فإن الفقيد قد انتحر، وقد كتب كتاباً قبل الانتحار.
على أن عبد العزيز بك كان قد نزل - قبل وصول الأطباء - إلى مكتب الفقيد فرأى محفظته المتضمنة الأوراق الرسمية مفتوحة، وفوق الأوراق كتاب الوصية وقد تركه المرحوم على هذه الصورة ليجلب نظر الدقة إليه.
فقرأه عبد العزيز بك وقدمه إلى الحاضرين فرأوه وقرءوه باكين خاشعين!.
وقدم كذلك رستم بك حيدر (رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص لجلالة الملك) والعين أصف بك قاسم آغا والنائب محمود صبحي بك الدفتري والنائب خير الدين أفندي العمري، والحاج سليم بك مدير الشرطة العام وجميل بك المدفعي متصرف لواء بغداد: وأحمد بك الراوي مدير شرطة لواء بغداد، وحسين بك أفنان مدير التشريفات. . .
ووصلنا نحن أيضاً، إلى محل الفاجعة ورأينا الجميع يبكون بتوجع شديد فاشتركنا معهم ولا نذكر أننا رأينا في حياتنا مثل هذا الهول أو مثل تلك المناحة (القلبية).
9 -
شهادة الوزراء وغيرهم
أما الوزراء فحالما رأوا الكتاب وقرءوه قرروا أن يسجلوا شهاداتهم فيه.
فكتب توفيق بك السويدي في آخر الكتاب ما يلي: (هذا الكتاب قد وجد موضوعاً في أوراق البيك الخاصة، وقد تلي أمامنا، وأخذت صورة منه من قبل الشرطة، وهذا هو أصل الكتاب 13 - 14 تشرين الثاني 1929).
وذيل هذه الشهادة بإمضائه، أما الهاشمي باشا فكتب تحت الشهادة ما يلي:(وهذا الذي تضمن أكبر برهان عن عظمة التضحية التي قام بها رجل العراق وفقيده).
وذيل الهاشمي باشا هذه الشهادة بإمضائه، وكذلك أمضى كل من ناجي باشا
السويدي، وعبد العزيز بك القصاب، وخالد بك سليمان وجميل بك المدفعي، والحاج سليم بك، وأحمد بك
الراوي. . . ليحي ذكر عبد المحسن السعدون وتضحيته الوطنية العجيبة في قلب كل عراقي! انتهى كلام سليم حسون.
عبد المحسن بك السعدون
قربان الاستقلال وضحية الحرية
ولد في ناصرية المنتفق في حوالي سنة 1297 هجرية (1880م) وعاش 51 عاماً، والده فهد باشا الذي توفي في سنة 1313 هجرية وعبد المحسن بك يوم ذاك في فروق (الآستانة) يدرس مع أخيه عبد الكريم بك. وله من الأخوة
ما عدا عبد الكريم بك، عبد الرزاق بك وهو الولد البكر لفهد باشا وعمره اليوم 65 سنة، ومحمد بك وعمره 56 سنة، وعبد العزيز بك وعمره 50، وحامد بك وعمره 45، وعبد اللطيف بك وعمره 42، وعبد الهادي بك وعمره 40، وعبد الرحمن بك وعمره 36، وحمدي بك وعمره 34، وعبد المجيد بك وعمره 33 سنة والأم التي أنجبت عبد المحسن بك من علية بيوت آل السعدون ومن الأميرات السعدونيات، وهي كريمة فيصل التركي آل رشيد. . . ترعرع في حضن الشرف والإمارة وبقي في بلاد المنتفق حتى بلغ من العمر 13 سنة.
وكانت قد تأسست في فروق مدرسة أبناء الزعماء والأشراف فرغب السلطان عبد الحميد إلى فهد باشا في أن يرسل نخبة أبنائه إلى فروق لينتسبوا إلى تلك المدرسة وبالطبع كان المقصد من هذه الرغبة سياسياً فاختار فهد باشا من بين أولاده عبد المحسن بك ولكن عبد المحسن أستوحش أن يفارق حي الأمراء ونوادي الشيوخ نازحاً مغترباً إلى فروق فتطوع أخوه عبد الكريم بك إلى مرافقته وحينئذ اطمأنت نفسه ورضي بأخيه سلوى عن الأهل والوطن وتوجها معاً إلى الآستانة ولما خرجا من تلك المدرسة دخلا المدرسة الحربية العالية فخرجا منها ضابطين في الجيش واختارهما السلطان عبد الحميد مرافقين له في بلاطه (المابين) وبقيا كذلك إلى إعلان الدستور وترقيا في أثناء ذلك في الجندية إلى رتبة (بيك باشي) ولكنهما استقالا من (كذا) الجندية بعد سقوط عبد الحميد وانخرطا في سلك الاتحاديين.
ورجع عبد الكريم إلى الوطن وبقي عبد المحسن بك في فروق وكان قد أقترن بعقيلة نبيلة
تركية من عائلة ضاربة في الشرف وطيب المحتد أنجبت له شبلين علي بك وعمره 19 سنة وهو الآن في جامعة برمنكهام في إنكلترا. وواصف بك وهو صبي له 9 سنوات (كذا) من العمر.
وانتخب نائباً عن لواء المنتفق في مجلس المبعوثين التركي وهكذا بقي ممثلاً للعراق ومحافظاً على النيابة في الدورات الانتخابية ووقعت كارثة الحرب العظمى وهو في فروق وبعد الهدنة أقفل آتياً إلى بلاده وما عتم أن كر راجعاً إلى فروق لتسوية شؤونه لأنه أعتزم على أن يقطن في العراق ويلازم تربة وطنه المقدس حياً وميتاً وفي 1922 عاد إلى العراق وتجول بين البصرة وبلاد المنتفق وكوت
الإمارة قليلاً فعين وزيراً للعدلية في الوزارة النقيبية الثانية ثم وزيراً للداخلية في الوزارة النقيبية الثالثة ثم تولى رياسة الوزارة فنظم وزارته الأولى ثم صار رئيساً للمجلس التأسيسي ثم وزيراً للداخلية في وزارة الهاشمي ثم نظم وزارته الثانية وأسس حزب التقدم الذي لم يزل - إلى آخر ساعة - رئيسه وحامل مبادئه ثم استقال عن (كذا) رياسة الوزارة وانتخب رئيساً لمجلس النواب في دورتين ثم نظم وزارته الثالثة فحل المجلس النيابي وباشر بإجراء انتخاب نواب أنشط وأكثر دربة من نواب المجلس المنحل وذلك تمهيداً لما يريد أن ينهض به من المطالبة بحقوق البلاد.
ولما يئس من الحصول على مطاليب البلاد (رفس الكرسي) واستقال من الوزارة كاحتجاج على التصلب الذي كان يلاقيه في حصول تلك الآمال وكم بذلت جهود وقطعت وعود في سبيل حمله على عدم الاستقالة فلم تطب نفسه لأنه لم يجد فيها بصيصاً لسراج الأمل وهكذا مضت الاستقالة فانتخب رئيساً لمجلس النواب ومن هذا التاريخ بدأت مظاهر التأثر والقنوط تبدو عليه ولكنه كان يغطيها برزانته وابتسامته العذبة وكم حاول أن يغادر العراق وينجو بذلك القلب المثخن بالجراح إلى الآستانة ولكن المقامات العالية حركت نخوته وإخلاصه واستنبضت عرقه الكريم وناشدته بالعروبة والوفاء لها فتحول عن سفر الآستانة إلى نزهة صيفية قصيرة يقضيها في ربوع لبنان وتوجه إلى لبنان وكانت حالة البلاد السياسية متضعضعة تتطلب سياسياً حازماً حنكته التجارب والأبصار شاخصة إلى عبد المحسن والثقة تحوم حوله مرفرفة وهو تحت شجرة الأرز اللبنانية في هذه الظروف
وتفتحت بعض الشقوق من السياسة المصمتة فأرسلت بصيصاً من شعاع الأمل وذلك أثر تقلد وزارة العمال الشؤون البريطانية فاجتذب عبد المحسن بك من لبنان اجتذاباً وعلى أثر حضوره العاصمة كلف تنظيم وزارته الرابعة.
فاشترط في قبولها إعطاء الوعد الصريح من المراجع العالية للحليفة بإلغاء المعاهدات والاتفاقيات وإعطاء العراق كرسياً في مجلس عصبة الأمم بدون قيد أو شرط والدخول في مفاوضات لعقد معاهدة جديدة على أساس الاستقلال التام وأن يسعف في بنود المعاهدة إسعافا يمكن للعراق من الوقوف على قدميه في
عام 1932 فلاقى تنشيطاً ومساعدة جدية من السر كلايتن صديق العرب العاطف على قضيتهم مساعدة أنبضت البرق بين بغداد ولندن ورنت أسلاكه بتقارير كلايتن الطافحة بأحقية المطالب العراقية حتى تساهلت تلك المراجع التي كانت متصلبة وطيرت النبأ الطيب الذي نغصه القدر المفاجئ بوفاة السر كلايتن في أهم وقت وأدق ظروف الحاجة إليه فتسلم السعدوني ذلك الربح السياسي ومسك عليه بكلتا يديه ونظم وزارته الرابعة وبين يديه مصباح الأمل والرجاء يشع بزيت التجربة والحذق السياسي وقد راعى في تأليف وزارته هذه قضية البلاد أكثر من الاعتبارات الحزبية فنهض في حفلة مراسم تنظيم الوزارة ويده مملوءة بالربح السياسي. . .
1 -
الحداد في العاصمة (عن العالم العربي بتصرف قليل)
أمر صاحب حضرة الجلالة بتعطيل جميع الدواوين فعطلت من الساعة 11 من صباح الدفنة إلى المساء. وما عتمت الأسواق أن أقفلت حوانيتها ورفع كثيرون من أصحاب المحلات أعلاماً سوداً وكذلك فعل أصحاب المحلات التجارية الكبرى.
2 -
التشييع والدفن
اشتركت العاصمة كلها بتشييع جثمان الفقيد على اختلاف أجناس أهاليها وطبقاتهم وقد انتشروا من دار الفقيد الكبير إلى مرقد الكيلاني.
وفي الساعة الثانية ونصف بعد ظهر ال 14 من شهر ت2 (1929) انتظمت المواكب مراعية المنهاج الذي نهجته الحكومة، فمثل جلالة الملك المعظم سمو الأمير غازي ولي عهد العراق، ومثل حكومة الدولة البريطانية فخامة نائب المعتمد السامي فساروا وراء
الجنازة بثيابهما الرسمية وتلاهما كبار الدولة طبقات طبقات.
وكانت الجنازة الكريمة ملفوفة بالعلم العراقي وموضوعة على مركبة مدفع وكان السير بها هادئاً جداً على نغم الموسيقى الحربية الشجي وعلى جانبي طريق الموكب صفوف الجنود من مشاة وخيالة تتبعهما الشرطة.
وفي الساعة الرابعة ونصف وصل الموكب إلى المرقد الكيلاني فاخذ الجنازة المحامون وحملوها على أكتافهم وأدخلوها الحضرة الكيلانية فصلى عليها أصحاب السماحة النقيب والمفتي والعلماء، ثم تقدم الخطباء وأبنوا الفقيد أحسن تأبين وفي الآخر دفن الجثمان في مقبرة الحضرة الكيلانية بين دوي المدافع وبكاء الكبار وعويل الصغار ومستنزلين الرحمات الواسعة على تربته الطيبة.
الآمال الهاوية
قد كوى الدهر فؤادي أي كي
…
فأنا الميت المنى والعقل حي
وبنى البؤس بقلبي موطنا
…
فهو حل فيه من غير نأي
كلما أبرمت أمرا حله
…
ولواني عن بلوغ النجح لي
ضاع سعيي بين غر وعم
…
وحسود وخؤون وغبي
فكأني تائه في نفنف
…
لم يجد رفدا ولا فاز بري
ملعج أضحى عماسا أمره
…
كل ما فاه به (أف) و (أي)
يطلب الرشد حريصا مسرعا
…
ثم لا يلفي سوى حبط وغي
أنني في لوعتي من خيبتي
…
مثل حي قد شوته النار شي
صرح آمالي تعالى شامخا
…
ثم لم يلبث أن انقض علي
بعد صبري وسكوني خائبا
…
ساءني الدهر ولم يحسن ألي
أنا في قطر فقير كلهم
…
صاح فيه: وطني لا عدي
لفظة قد أصبحت أحبولة
…
جمعت بين رشيد وغوي
ليتني اعرف مقياسا لهم
…
كي أرى المصلح بين الناس كي
فوق همي رمت أن احملها
…
ومع الحملين ما أسطعت المضي
لفظة بطرب منها غافل
…
ولقد يخدعنا كل شجي
إنما المصلح باد بيننا
…
مثلما يبدو لدى الحرب الكمي
إن ذرفت الدمع أزمانا فلا
…
تنجلي الأحزان عن قلبي الشقي
لم أزل أتلو بقلبي حكمتي:
…
طوت الأطماع نهج الظلم طي
فتعجب من مسم نفسه
…
(وطنيا) وتدبر يا أخي
كيف نستغرب أمرا محزنا
…
ولسان الحق شكوه فعي!
بغداد: مصطفى جواد
الدواخل والكواسع في العربية
1 -
باب البحت
الدواخل جمع داخل وداخلة، فإن قدرت كلمة (حرف) ذكرت اللفظة وان قدرت (أداة) أنثت وقلت في جمعيها:(دواخل) والمراد بالدواخل كل حرف يدخل على الكلمة فيتصل بها ويصير كلاهما واحدا أو كالواحد وكلمة الداخل مأخوذة من كلام النحاة والصرفيين واللغويين. قال ابن قتيبة في (أدب الكاتب) في باب الألف واللام للتعريف (ص 226 من طبعة الإفرنج): (كل اسم كان أوله لاما ثم أدخلت عليه لام التعريف كتبته بلامين نحو قولك اللهم. . .) وقال في باب التاريخ بالعدد (ص297): (فأما ما ميزت به فلا تدخل فيه الألف واللام. . . وكذلك. . . تدخل في الأول الألف واللام) ومن هذا يتضح لك انك تقول: أدخلت (على) الكلمة الحرف الفلاني أو أدخلته (فيها) كما رأيت. فالدواخل تقابل الإفرنجية
وأما الكواسع فهي ما يزيد من الحروف على آخر الكلمة. وقد بينا صحة هذا اللفظ في مجلتنا هذه (4: 33 إلى 43) وبالإفرنجية وما يزاد في قلب الكلمة يسمى محشيا أو محشية وأما الزوائد فكلمة تقع على ما يراد في أول الكلمة ووسطها وآخرها وبالإفرنجية
2 -
شيوع الزوائد في اللغات الآرية
إن الزوائد بأقسامها الثلاثة معروفة في اللغات الآرية كالهندية واليونانية واللاتينية وجميع بناتها كالألمانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية إلى غيرها. أما في اللغات السامية فان المستشرقين قد أنكروها في مواطن وأثبتوها في مواطن. أما المواطن التي أثبتوها فهي مواطن أحرف الزيادة العشرة وأحرف المضارع الأربعة. وقد أنكروا علينا نحن العرب وجود الدواخل والكواسع والمحشيات في لغتنا اللهم إلا في ما ندر. والنادر كالعدم، وغايتنا من مقالنا هذا أن نثبت للقراء وجود الدواخل والكواسع وان الآريين جاروا العرب في اتخاذها في
لغاتهم بل نذهب إلى أبعد من هذا ونقول: أن دواخلهم وكواسعهم من أصل عربي لا من أصل آري.
3 -
دواخل اللغات اليافثية عربية النجار
في اللغة الرومانية وفروعها دواخل عديدة لم يهتد لغويوهم إلى إرجاعها إلى معنى مقبول حتى اليوم هذا. هذه داخلتهم التي تزاد في أول الكلم المبتدئة بحرف ساكن في مبتدأ الكلم الصائتة وتفيد معنى حرمان الحال أو العمل في الكلمة التي تتوج بها ويراد بها أيضاً أصل العمل وبدؤه وقد حاول لغويوهم رجعها إلى لفظة قطعت منها هذه الداخلة فلم يفلحوا في عملهم إلا أنهم يقولون أنها مقطوعة من كلمة وعددوا حروفا عديدة وكلها لم تقنع علماءهم الإثبات.
أما نحن فنقول إنها مقطوعة من (ضد) فاخذ السلف من هذه الكلمة - التي هي في أصلها هجاء واحد بحرفين - مرة الضاد فادخلوها على المضاعف الثلاثي في نظرهم (وهو في نظرنا لفظ ثنائي) حينما يكون أول الحرفين رقيقا ومرة (الدال) حينما يكون أول الحرفين فخما فمثال الدال على الأول قولك دحض حجته بمعنى أزالها وأبطلها وهو عكس قولك حضه: إذ معناه حثه على الشيء وأحماه عليه، ولا يكون ذلك إلا بإثبات الأمر فيه بان تقنعه بالأدلة أو الترغيب أو الوعد أو بنحو ذلك، فأنت ترى أن معنى دحض بعكس معنى حض فتكون الدال هنا للإزالة والحرمان - وتقول دحقت فلانا بمعنى طردته وأبعدته وهو ضد معنى حققته أي أثبته - وتقول: دحس الشيء ملأه والسنبل امتلأت أكمته من الحب وهو عكس قولك حسه أي قتله واستأصله. ففي الأول ترى ملء الحياة وفي الثاني انطفاء جذوتها وهناك غير هذه الأمثلة هذا في إدخال الدال في الأول.
وأما في إدخال الضاد فكقولك: رس البئر حفرها وضرسها طواها بالحجارة وهو عكس الأول. وتقول رب فلان بالمكان: إذا لزمه وأقام به وضرب في الأرض خرج تاجراً أو غازياً أو أسرع أو ذهب. وضرب بنفسه أقام وسافر ضد، فمن قال بان معنى ضرب بنفسه: أقام فانه يعتبر الراء زائدة فيكون اصله (ضب) بمعنى لصق بالأرض. ومن قال أن معنى ضرب بنفسه سافر فيكون
اصله رب ثم ادخل الضاد ليعكس المعنى فقال: ضرب - وقالوا: رب الأمر أصلحه وأتمه - وضرب بين القوم: افسد فأنت ترى في معنى الأول الإصلاح وفي الثاني عكسه أي معنى الإفساد. ولو تتبعت هذا البحث وأمعنت في قلبه لتجلت لك هذه الحقيقة بكل محاسنها وفتنتك بجمالها.
هذا في الداخلة المنقولة عن (ضد) وهناك دواخل عديدة في اللغتين الآرية والسامية تجري
كلها على هذا المنحى من تحويل المعاني الأصلية إلى معان فرعية جاءتها من الدواخل عليها - دونك الآن الأداة في اللغة الرومانية وفروعها أو بناتها فإنها تعني التكرير والإعادة والمقابلة والمقاومة والعودة إلى حالة قديمة ولغويو الغرب قالوا لنا أنها مقطوعة من الرومانية راجع ص644 من تأليف - معجم أصل الألفاظ اللاتينية وبالألمانية
قلنا: أما الكلمة اللاتينية فتدعي بعربيتها (رد) والأصل واضح وقد قلنا أن كاسعتهم من زيادتهم والعربية خالية منها محتفظة بالأصل على وضعه الذي خلق فيه، فإذا كان كذلك فنحن العرب نفتخر بذلك. إلا أن القول بأنها من أصل (رد) لا يوجه جميع المعاني التي ذكرناها فويق هذا. والذي نذهب إليه هو أن الأصل مقطوع من راع يريع بمعنى نما وزاد وبمعنى رجع. وبذلك يصح توجيه جميع المعاني الناشئة في الألفاظ الداخلة عليها الراء المقطوعة من (راع) وأنت تعلم أن الأجوف المقلوب عن الياء كان يلفظه بالإمالة إلى الياء. زد على ذلك أن ليس في اللغات الغربية حرف العين فكان من المحتم أن تلفظ راع بالأحرف الإفرنجية لا غير.
أما في لغتنا الشريفة المحبوبة ألفاظا متوجة بالراء فهذا واضح من كلم كثيرة ترى في لساننا. من ذلك قولهم جس الشيء مسه بيده، والأخبار تفحصها وتقول: رجس الماء: قدره بالمرجاس ولا جرم أن معنى رجس الماء مأخوذ من مسه بالآلة المرة بعد المرة كما أن تفحص الأخبار لا يكون إلا بعد إعادة السؤال مرارا عديدة ولهذا نقول أن الرجس بهذا المعنى مأخوذين من الجس بزيادة الراء الداخلة عليه - وقال السلف: مث يده: مسحها بيده ورمث الشيء مسحه بيده، وقالوا:
الرحامس: الجريء الشجاع وهو عندنا مشتق من الحمس وزيدت الراء في أوله لتفيد عمل الجريء الذي يتكرر في كل مرة تظهر فيها شجاعته. ومن لا يتكرر فيه العمل لا يقال له رحامس. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى وكلها تؤيد مذهبنا هذا الذي لم يذكره أحد قبلنا.
ومما يدل على أن الداخلة الآرية أو اليافثية بحسب اصطلاح اللغويين الجدد مقطوعة من (راع) أن العرب سلفنا اتخذوا العين داخلة في بعض الأحيان بدلاً من الراء فقد قالوا مثلاً (عصفور) ويريدون به كل طائر صغير يكثر من الصفير ولا جرم أن الأصل هو (صفر) وأصل صفر هو (صف) وهو حكاية صوت الصفير في أبسط تركيبه ومنه في الإفرنجية
وكذلك في الرومانية وولما أرادوا الدلالة على أن هذا الطائر يكرر الصفير أدخلوا عليه العين المقطوعة من (راع) الذي تفيد الترجيع فصار معناه الطائر الذي يردد الصفير كثيراً، لكنهم زادوا اللفظة معنى آخر هو التصفير ومن صيغ التصغير عند الأقدمين (فعلول) فقالوا إذن (عصفور) الذي غدا معناه: طائر صغير يصفر صفيراً بل يعيد الصفير مراراً. وهذا معنى دقيق يكشفه لنا الإمعان في استكشاف أسرار اللغة.
نعم أن بعض الأقدمين من لغويينا إنما سمي العصفور عصفوراً لأنه عصا وفر. قاله حمزة ونقله صاحب التاج والدميري وغيرهما. أي أن هذا الطويئر سمي كذلك لأنه لما كان في الجنة عصى الله ففر منها. ونحمل ذلك على سبيل المزاح لا على سبيل الجد إذ العصفور كان يستطيع أن يفر قبل أن يدخل الجنة وليس العصفور وحده بل جميع الطيور على اختلاف أنواعها.
ومن الغريب أن لفظ العصفور يشبه الرومانية (أي قصر بقلب في الحروف) أما اليونانيون فانهم ابتعدوا عنا وعن مجاوريهم بقولهم (ستوثوس) والإنكليز يقربون منا في اللفظ إذ يقولون ويقاربنا أيضاً في الكلام الصكصون الأقدمون والغوط والدانيون والأسلنديون والجرمنيون وكل من تفرع من هذه الرسوس - ولا نريد أن نسترسل في هذه الداخلة لأن البحث طويل عريض ونكتفي بما ذكرنا.
وهناك (أي عند الغربيون) داخلة أخرى هي وتفيد الدخول أو الإدخال فقولهم مثلاً مركب من (في) المشتقة من التي معناها الأرض والتراب. فيكون معنى فعلهم (أنهمر) أدخل الشيء في الأرض أي دفنه فمن أين أتتهم داخلتهم هذه أي (أن)؟ - أن لغويي الغربيين ذكروا عدة ألفاظ وكلها لا تفيد المطلوب إذ يرى فيها التكلف ظاهراً أو كما يقول الفرنسيون ترى أنها مجذوبة بالشعر أو مستخرجة بالقوة والعنف لا باللطف والعقل.
والذي عندنا أن (إن) مأخوذة من العربية (عند) ومعناها عند الفصحاء الأقدمين من القلب (بمعنى الفؤاد) وداخل الشيء، فقول الفرنسيين معناه: وضعه في عند الأرض أو قلبها أو داخلها أي وضعه في باطنها، فيكون معناه دفن أو أودع بطن الأرض ولما لم يكن عندهم حرف العين قلبوه همزة كما هو مألوف عادتهم وحذفوا منها الدال تخفيفاً، وقد تجيء الدال بصورة التاء ومنها عندهم أي داخل الشيء و (عنده) أي قلبه. فأنظر محاسن لغتنا وكيف
أنها تكشف لك ما في سائر الألسنة من الخبايا والمغلقات والطلاسم.
أما أن سلفنا أما أن سلفنا أستعمل (عند) داخلة في بعض كلامهم، فهذا واضح من النظر إلى بعض الألفاظ فأنك ترى في أوائلها مرة العين ومرة النون ومرة الدال إذ لا يمكن أن يستعملوها كلها بحذافيرها لكي لا تجتمع كلمتان تامتان في كلمة.
فاستعمال الدال في كلامهم ظاهر في (دخل) فأن أصلها (خل) يقال: خل الشيء: ثقبه ونفذه. (ودخل) إذا مضى في باطن الشيء المثقوب أو المنفوذ فيه أو ما يضاهي المثقوب بأن يكون له باطن يتمكن من الذهاب فيه. ومثال اتخاذ النون من (عند) داخلة قولهم: نفذ فأن أصله فذ أي طرد طرداً شديداً فإذا قلت نفذت هذا الشيء الآخر فكأنك قلت: طردته في عنده أو في قلبه أو داخله أي خرقته وجزئه. - ومثال دخول (عين) عند على بعض الألفاظ لأفادت المضي في بطن الشيء أو باطنه قولك: عقرت بفلان: حبسته وهو في الأصل مأخوذ من (قر) في المكان أي ثبت فيه وسكن، فأدخلت العين عليه لكي تفيد إيلاجه وقصره فيه. هذا الذي نراه نحن، أما غيرنا من اللغويين فأنهم يزعمون أن
عقر بفلان بمعنى: حبسه مشتق من قولهم عقر بعيره فلم يقدر على السير. قلنا: ولم يقولوا هذا إلا للمشاكلة التي ترى بين عقر البعير وعقر بفلان. على حد ما قالوا أن العصفور مشتق من عصى وفر وأن الخندريس مشتق من خدر العروس وإبليس من بلس والإسطرلاب من أسطر ولأب! ولأب أسم علم عندهم، مع أنه لم يكن له وجود في العالم.
ولا نقف عند هذا الحد من ذكر الدواخل ففي لغات الأجانب لغات أخرى متوجة لمفرداتهم وهي في نظرنا مأخوذة من لغتنا. ومن هذا القبيل الداخلة أو فأم معناها عكس أي أنها تدل على الخروج والإخراج وقد حاولوا أن يجدوا لها لفظاً من لسانهم دالاً على المكان الخارج أو ما هو في خارج المحل فلم يعودوا إلا بما عاد به حنين. أما نحن فنقول أنها مقطوعة من (عقوة) التي تعني في لغتنا (ما حول الدار وساحتها ومحلتها وما كان خارجا عنها) وهذا لا تجده في لغتهم. فقد قلنا فويق هذا أن معنى (أنهمر) مثلاً مركب من (أن تخفيف عند) وهمس (كعنق) أي تراب أو أرض فيكون معنى الفعل وضع في الأرض. والآن إذا أرادوا أن يقولوا أخرج الشيء من مكانه الذي تحت الأرض يقولون (أكسهمر) بفتح الآخر أي نبشه أو أخرجه من القبر وعندنا أن أصل معناه: أخرجه إلى عقوة القبر أي
إلى خارجه أو إلى حوله أو ساحته.
أما أن السلف استعملوا قاف العقوة أو عينها أو كليهما معاً فظاهر من استقراء بعض المفردات الواردة في لغتهم، هذه كلمة العقنفس (كسفرجل) التي تعني العسر الأخرق واللئيم، فمن أين أتتنا؟ أتتنا من كلمتين من عق (وة) (ال) نفس أي خارج على النفس ولا يخرج عليها إلا كل عسر الأخلاق واللئيم ثم أبدلت الفاء من الباء على لغة فقالوا العقنبس. فأنت ترى أنهم استعملوا العين والقاف معاً. وفي قولهم عنشط الرجل استعملوا العين فقط ومعنى عنشط الرجل غضب ومعنى نشط طابت نفسه للعمل والغضب يخرج النفس من صاحبها لو أمكن لنا هذا التعبير من باب المجاز. أما إدخالهم القاف في الأول فكقولهم: القداحس الذي هو الشجاع والسيء الخلق وأصله عندنا الداحس أسم فاعل من دحس أي دس الشر من حيث لا يعلم وهو صفة ملازمة للسيء الخلق. فأنت
ترى من هذا أن العربية غنية بنفسها تجود على غيرها بخيراتها وآلائها ومحاسنها فتكسبها رشاقة وجمالاً وثروة.
ومن الدواخل الرائجة في أسواق لغاتهم وتفيد معنى إذا وإلى وحتى ونحو ما يقارب هذه المعاني وتدخل في ألفاظ كثيرة من كلامهم وقد تتغول بصور أخرى مثل: ولم يذكروا لنا الكلمة الأصلية التي قطعت منها. والذي عندنا أنها مقطوعة من (حتى) وهي الكلمة العربية التي تفيد جميع معاني الداخلة اللاتينية التي انتقلت إلى جميع اللغات الغربية. فإذا أرادوا أن يقولوا: قاد إلى. . . عبروا عنها بقولهم وهي منحوتة من أي حتى أي قاد ومحصل المعنى: قاده إلى حيث أراد، أو قيد أي صار مقوداً. ولما كانت الحاء ثقيلة في دخولها على الألفاظ ولا وجود لها عندهم أبدلوها من الهمزة ولذا ترى كثيراً من الأفعال الواردة على أفعل هي في الأصل من هذا العنصر فقد قال السلف أهزل الرجل إذا أصاب ماله الهزال، وأجرب إذا أصابه الجرب وأرغد إذا صار في رغد من العيش. على أننا لا ننكر أن بعض همزات أفعل ليست مقطوعة أو مبدلة من (حتى) بل من مفردات أخرى. ومن هذا القبيل ورود الداخلة الإفرنجية بمعنى جعل للرجل شيئاً وهو يقارب المعنى السابق. فقد قالت العرب أجدادنا قبلهم أقبرت الرجل أي جعلت له قبراً يدفن فيه وأحلبت الرجل أي جعلت له ما يحلبه، وأركبته جعلت له ما يركبه، وأرعى الله الماشية
أي أنبت لها ما ترعاه، إلى غير هذه الأفعال. ومن دواخلهم وهي غير التي ذكرناها في الأول، وهذه تعني إزالة الشيء ونزعه أو نفيه أو خلطه بشيء آخر وموقفاً أعلى أو أسفل وقد تنتقل إلى أمام أصل يبتدأ باللام أو أمام الباء أو الميم أو الباء المثلثة وتنتقل إلى أمام أما أصل هذه لداخلة قلم يتوقفوا أيضاً للعثور عليه، وذهب كل فريق إلى رأي دون رأي الآخر.
والذي عندنا أن أصلها (لا) أو (ما) إذ الواحدة في الأصل لغة في الأخرى فإذا قالوا فأنها مركبة من (أن) أي لا أو ما و (فين) أي نهاية فيكون معناه اللانهاية له. وعندنا أن (ما) العربية التي نشأت منها اللاتينية أو ما يجانسها مقطوعة من (محو) فقالوا: (مو) ثم جعلوا الواو كما هو كثير
الورود في لغات بعض القبائل فصارت (ما) فقول الأجانب (انفني) الممحو منه النهاية أو الغاية أو الآخر. هذا هو رأينا، وهذا الرأي يوجه الأداة الداخلة المذكورة أحسن توجيه.
أما اليوم فإذا أردنا أن نترجم ما يبتدئ بالأداة الداخلة الإفرنجية المذكورة فلا يجوز لنا إلا أن ننقله بقولنا اللانهاية أو اللاغاية له. أو أن نقول: غير منته. أما الوجه الأول فقد عرفه أجدادنا منذ أقدم العهد فقد قال عامر بن الظرب العدواني - وهو من خطباء الجاهلية -: أني أرى أموراً شتى وحتى، فقيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً، ويعود (اللاشيء) شيئاً أه. ومن ذلك اصطلاحات فلاسفة العرب كقولهم: اللاأدرية واللانهاية واللادوام واللابقاء. وقد قال أبن عابدين بخصوص هذه (اللا) في كتابه (الفوائد العجيبة في أعراب الكلمات الغريبة) ما هذا نصه: (قولهم: هو كلا شيء ووجوده كلا وجود)، صارت (لا) مع ما بعدها كلمة واحدة واجري الأعراب على الآخر وعرفت باللام في مثل (اللآخر) وقيل: هو بمعنى (غير) إلا أن إعرابها ظهر ما بعدها لكونها على صورة الحرف، كما في (إلا) بمعنى (غير). انتهى كلامه.
فأنت ترى من هذا النقل أن تركيب (لا) مع غيرها من الكلم يصيرها في المعنى كالكلمة الواحدة المنحوتة ولأن هذا الضرب من النحت قديم في لغتنا من عهد الجاهلية - إذا كانت هذه الرواية التي نقلها صاحب العقد الفريد - صحيحة لا دس فيها ولا وضع ولا تزوير.
وهناك غير هذه الدواخل في لغات الأجانب ولجميعها وجه وتخريج في لغتنا اليعربية، مما
يطول تفصيله، وإنما أردنا الآن بهذا الإجمال إشارة إلى أن في لغتنا من النشاط والتجدد مالا مثيل له في سائر اللغات السامية والحامية واليافثية، فهي من أجمل اللغات وأطوعها لمبتدعات الفكر على أتساع أفقه في الخيال والمثال.
4 -
الكواسع
أما الكواسع فكنا قد عقدنا لها باباً واسعاً في السنة الرابعة من مجلتنا (33: 7 إلى 44) فلتراجع.
5 -
الزوائد
إن المستشرقين ولغويي الغرب يسلمون للعرب أن في لسانهم زوائد تدخل على الأفعال وما يتصرف منها من المشتقات، وقد تكسع بها بعض الأفعال والأسماء المشتقة. على أن لغويينا ولغويي المستشرقين لا يعترفون أن هناك حروفاً تزاد في الكلم غير أحرف (سألتمونيها) التي تدخل على المزيد فيها والتي أربعة أحرف منها وهي - أحرف (نأيت) تدخل على المضارع أيضاً أما نحن فقد رأينا أن جميع حروف الهجاء قد تزداد فتكون دواخل وكواسع ومحشيات (أي تدخل في باطن الكلمة) وقد جمعنا شيئاً كثيراً من هذا القبيل ولا بد من ذكر بعض منها وقد دخلت عليها حروف غير أحرف الزيادة المعهودة ومنها ما قد كسعت بها ومنها ما قد حشيت بها.
6 -
أمثلة الباء الداخلة
بجل من باب عظم أي صار بجيلا أي عظيماً وأصله جل بمعناه، وتبغنجت المرأة بالغت في التغنج وأصله تغنجت وبزمخ الرجل تكبر وأصله زمخ بمعناه وبخذعه وأصله خذعه أي قطعه إلى غيرها.
7 -
أمثلة الباء المحشية أو المتوسطة
الحبر قصة الناقة الكريمة وأصلها الحرقصة بمعناها خبرق الشيء: ثقبه وأصله خرقه. وقد يقع القلب في خبرق فيقال خبرقه والمعنى يبقى واحداً. وتقول: ما عليها خربصيصة كما تقول: ما عليها خرص أي شيء من الحلي. وقد زيد فيها وياء وصاد ثانية طلباً للمبالغة في المعنى.
8 -
أمثلة الكسع بالباء
العقرب وأصله العقر أي العض ثم كسعت بالباء زيادة لمعنى الألم، وقالوا خذعب الشيء أي قطعه وأصله خذعه، والسعابيب ما يمتد شبه الخيوط من العسل ونحوه وأصله السعب وقد زادوا في الكسع: الباء وتضعيف المثل الأخير كما زادوهما في الخربصيصة، وقالوا في جرع جرعب. وفي الدعب (أي الدعابة) الدعبب كقنفذ، إلى غيرها.
9 -
أمثلة الحاء الداخلة
الحرقصة هي الرقص، والحضوضاة هي الضوضاء والحثفل كقنفذ وهو الثفل وهو شيء يكون في أسفل المرق من حثاث الطعام، وكذلك هو من اللحم
ومن سائر المآكل وما يشبهها. والحنتوف وهو الذي ينتف لحيته من هيجان المرار به وهو من النتف. وحبك عنقه دقها مثل بكها وقد ذكرنا في هذا المقال أن دحض من حض ودحق من حق وثم ألفاظ لا تحصى.
10 -
أمثلة الحاء المحشية
بحثر اللبن تقطع وحبب وهو مشتق من البثر كأنه صار فيه شيء كالبثر - جحدله صرعه ومثله جدله أي صرعه على الجدالة وهي الأرض - والجحرش كجعغر الفرس الغليظ المجتمع الخلق والأصل فيه الجش يقال موضع جش أي خشن الحجارة فكأنك تقول عن الفرس هو الخشن الأخطاء الغليظها وقد قال اللغويون بعد أبن فارس: أن أصل مادة الجش الخشونة والجحرش من الجش بزيادة الحاء والراء، وقد وقع القلب في الجحرش فقالوا الجحشر وأصل المعنى باق فيه وأن أختلف في مؤداه شيء للدلالة على هذا الاختلاف والجحرش كجعفر وقنفذ والجحاشر كعلابط: الضخم الحادر الجسيم العبل المفاصل العظيم الخلق، إلى غير هذه المفردات وهي كثيرة.
11 -
أمثلة الحاء الكاسعة
قالوا ما في الدار دبي أي أحد ومثله دبيح وجزح من ماله جزحة أي قطع له منه قطعة وأصله جز، وفلح الشيء شقه وقطعه وهو من فله.
12 -
أمثلة العين الداخلة
علبوب القوم: خيارهم مثل لبهم، وقد زادوا فيه أيضاً الواو وضعفوا الباء كما مر مثل هذا في السعبيب والخربصيص - وعكر على الشيء مثل كر عليه - والعمرس: القوي. قال أبن فارس في كتاب المقاييس: هذا ما زيدت فيه العين وإنما هو من الشيء المرس وهو الشديد الفتل، وعلد الشيء (كعلم) صلب وأشتد وهو من لدن فلان: اشتدت خصومته. والعلس ما يؤكل ويشرب، وهو من اللس الذي هو الأكل.
13 -
أمثلة العين المحشية
معس الشيء مأخوذ من المس - ماج البحر مثل معج أي هاج - القعموط: القمط أو القماط وهناك غيرها كثيرة.
14 -
أمثلة العين الكاسعة
جزع من المال جزعة أي قطع له منه قطعة، هو من جز الشعر والحشيش قطعه - الجمع مأخوذ من الجم وهو الكثير من كل شيء - جرع الماء بلعه وهو مأخوذ من الجر كأن معدته جرتها إليها، جدع أنفه أو أذنه أو يده أو شفته مأخوذة من الجد وهو القطع وزيدت العين في الآخر للدلالة على قطع (عضو) من - قطع الشيء مأخوذ من قط وهو حكاية صوت قطعة.
15 -
أمثلة الفاء في الأول
فصح اللبن: أخذت عنه الرغوة، وهو مأخوذ من صحت السماء: إذا ذهب الغيم عنها، الفدوكس مثل الدوكس وهو الأسد، فرتك الرجل: مشى مشية متقاربة ورتك البعير قارب خطوة في رملانه، ومؤدى فرتخ كمعنى رتخ.
16 -
أمثلة فاء التحشية
كن الشيء: ستره وغطاه وأخفاه وكفن الخبزة في الملة واراها بها. - كفت الطائر وغيره: أسرع في الطيران والعدو. وهو من كت فلان قارب الخطوة في سرعة.
17 -
أمثلة فاء الكسع
نشف الغدير مأخوذة من نش. خطرف البعير مثل خطر. - الخذروف كالخذرة وهو طين
يلعب به الصبيان - الخنطرف كالخنطير.
18 -
كلمات فيها القاف الداخلة
القلب (بالضم) كاللب (بالضم) القرقفة الرعدة وهي مأخوذة من أرقف (راجع اللسان والتاج ففيهما فوائد لا يحتمل سردها هنا لضيق المقام).
19 -
كلمات فيها القاف زائدة في الحشو
الزحنقف: الزاحف على أسته والقياس من جهة الاشتقاق أن يكون بفاءين من زحف (القاموس) العقنقل: النون والقاف فيه زائدتان.
20 -
كلمات فيها القاف زائدة في الآخر
زل وزلق. حذ وحذق إلى غيرهما
وفي كل هذه الحروف وأمثالها ألفاظ لا تحصى ونحن لا نريد أن يمتد نفسنا إلى ما وراء ما ذكرنا لأن الموضوع متسع الأرجاء ولا تكفيه المقالة والمقالتان بل لا يوفيه حقه إلا كتاب قائم برأسه وإنما أردنا أن نشير إلى المبحث إشارة عجلان لكي لا يتوهم الغافل أن لغتنا قاصرة عن مجاراة لغات الدنيا قاطبة وبهذا القدر كفاية لمن يريد أن يستهدي.
21 -
تذييل في الكواسع
كتب الأستاذ بندلي جوزي من جامعة باكو في روسية مقالاً في (الكلية 1: 16 إلى 8) يفند على زعمه ما حبرناه في الهلال بعنوان: اللغة العربية مفتاح اللغات (206: 37) وكنا نتوقع أن يكون في هذا الرد ما يدل على ذكاء صاحبه وإذا هو أظهر الخلاف ونحن نرجئ التفصيل ريثما يتسع لنا المقام في هذه المجلة لتزييف مزاعمه الواهنة الواهية إلا أننا نذكر هنا ما قاله عن الكواسع (ص6 في الحاشية) وهذا نصه بحروفه (اصطلحنا أن نؤدي كلمة بالملحقة وبالمقحمة وبالمضافة أو المصدرة. فاحفظ ذلك ولا تستهوك كلمة (كاسعة) التي أختارها حضرة الأب لتأدية معنى وهي من قولهم كسمت (كذا بالميم ولا جرم أنها من غلط الطبع والصواب كسعت) الخيل بأذنابها أي أدخلتها بين أذنابها (كذا، ومن يشك فليرجع إلى الأصل) فقد حان لنا أن نقيم ولو قليلاً على بعد من البعر والجمال وأذناب الخيل. . .).
قلنا: فكم من غلط في هذه الكليمات! ثم كم يكون عدد تلك الهفوات لو أردنا أن نبين ما في رده كله من الشنائع؟
وأول أوهامه هنا أنه أتخذ أسم المفعول للدلالة على هذه الأدوات، وكان عليه أن يصوغها على أسم الفاعل وهذا الأمر لا يظهر في قوله الملحقة والمقحمة لأنه لم يضبطهما، إلا أنه يتضح في (المصدرة) إذ ضبطها بفتح الدال المشددة وذلك لأن السلف ينسبون إلى الأداة ما ينسب إلى الرجل العاقل لأنها تتوب عنه ولهذا لا ترى بين أسماء الأدوات ألفاظا مفرغة بصيغة المفعول بل بصيغة الفاعل (راجع لغة العرب 16: 5 إلى 22) وسوف ترى دليلاً آخر فيما يأتي:
والثاني أنه سمى الحرف الداخل في الحشو (مقحمة) وهو ليس كذلك إنما الحرف يوضع في قلب الكلمة بمنزلة حشو لها لأحداث معنى خاص بها ولا يقحم فيها إقحاما ولهذا كان عليه أن يسميه (محشية أو حاشية) إلا أن (محشية) أحسن لأن لفظ (الحاشية) أنصرف إلى طرة الكتاب، ولهذا يحسن بنا أن نتخذ للمعنى الجديد وضعاً خاصاً به.
والثالث أن قوله إننا سمينا كلسعة من محض بهتانه لنا إنما أردنا
بالكلسعة وما عليه إلا مراجعة ما كتبناه ليتحقق صدق ما نقول. فبالكالسعة أذن حرف يوضع في مؤخر الكلمة لإنشاء معنى جديد في تركيبها وقد سميناها أيضاً (اللاحقة والمذيلة)(راجع لغة العرب 33: 4 إلى 38 المقالة المعنونة (حروف الكسع في الألفاظ العربية والمعربات).
والرابع ظنه إيانا الواضعين لهذه اللفظة والتحقيق أننا نقلناها عن كلام بلغاء الأقدمين كما سترى (راجع لغة العرب 33: 4).
والخامس أنه أدعى كون الكاسعة مشتقة من كسعت الخيل (بأذنابها) أي أدخلتها بين (أذنابها) فلم نفهم هذا الكلام، اللهم إلا أن يكون بالروسية إذ كيف تدخل الخيل (أذنابها) بين (أذنابها) فهل يستطيع أن يوضح لنا ذلك وبأي صورة يكون؟ والصواب: أدخلت (أذنابها) بين (أرجلها) كما يتضح بأقل تأمل لمن لا يشرب الفودكة.
والسادس قوله أن الكاسعة مشتقة من كسع الخيل وهو وهم ظاهر والصحيح أن كسع لغة في كسأ بهمزة في الآخر وكسأ (بهمزة بعد السين) كل شئ مؤخره فيكون معنى كسأه تبعه أو أتبعه. فالكاسعة أداة تتبع آخر حرف الكلمة أو تكون في مؤخرها.
والسابع قوله: (فقد حان لنا أن نقيم ولو (قليلاً) على بعد من البعر) لا معنى له، ولعل مراده (نقيم بعض الأحيان) ليصح أن يكون على بعد من البعر في أحيان الحاجة إلى الابتعاد إذ يجوز لبعض الناس أن يترددوا إليه من غير أن يقيموا بجانبه دائماً، وإلا فلو أقاموا (قليلاً) على بعد منه رجعوا إليه من جديد مجاورين له بعد مضي هذا (القليل). أفهمت يا مولاي الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في الآداب؟.
والثامن جهله أن الإقامة بين الجمال والخيل عند الحاجة هي من الضروريات فهؤلاء متمدنو هذا العصر يبحثون في (البعر) ودحاريج الجعلان عن الحقائق العلمية التي تتعلق بالدويبات التي تعيش فيها فلماذا يأنف صاحبنا من مثل هذا الأمر لو فرضنا جدلاً أنه محق في اشتقاق الكاسعة؟.
والتاسع: أننا لم نضع هذه الكلمة أي الكاسعة بل سبقنا إليها اللغويون الكبار الأقدمون فاتبعناهم وشهرنا اللفظة في هذا الأوان. قال الأزهري في كتابه التهذيب في مادة عندل: (العندليب رباعي أصله العندل، ثم مد بياء وكسعت (بصيغة ما لم يسم فاعله) بلام مكررة ثم قلبت باء) اهـ (وراجع التاج في مادة عندل). وقال في التاج في مادة ددد في شرحه كلام الطرماح (. . . آل الضحى ناشطا من داعب ددد، قال الليث: وإنما قال ددد لأنه لما جعله نعتاً لداعب كسعه أي أتبعه (هذا معنى كسعه لا ما قال الخصم. وأصل ددد: (دد أو ددا)) بدال ثالثة وإنما عبر بالكسع إغراباً وإيماء إلى وقوع مثله في كلام بعض الأقدمين من الصرفيين. قاله شيخنا.) اهـ كلامه، وقال في رخد:. . . قال أبو الهيثم: الرخود: الرخو زيدت فيه دال وشددت مكسوعا بها كما يقال فعم وفعمل. اهـ عن التاج واللسان وهناك غير هذه الشواهد فاجتزأتا بما ذكرنا.
أفرأيت الآن من واضع الكاسعة وأنها يجب أن تكون بصيغة الفاعل لا بصيغة المجهول إذ الأداة كاسعة والكلمة مكسوعة؟ فإذا علمت يا أيها الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في العلوم الأدبية (؟) عرفت أنك واهم تسعة أوهام في ثلاثة أسطر من مجلة الكلية - وتبين لك أن مقالك كله من هذا النسيج، نسيج العنكبوت، نسيج الخطأ والخطل وأن سكوتك كان أشرف لك من أن تعلن على رؤوس الملا جهلك هذا الشائن الفظيع فكيف تكون حالك حين نزيف مقالك كله وما فيه من الآراء السخيفة وقد وقع في ثماني صفحات؟
(الخلاصة)
أن لغتنا من أرقى اللغات ومن أتمها وضعا وأحسن تركيبا، وفيها الدواخل والكواسع والمحشيات كما في اللغات اليافثية، بخلاف ما ينكره علينا علماء الغرب من المستشرقين وبعض الشعوبية من العرب، وأن الألفاظ الدواخل والكواسع زعمه بعض المغفلين المتقعرين وما سواها من الأسماء يعد من سقط المتاع.
اليأمور
ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي سنة 255هـ 869م اليأمور في باب الظلف فقال:
(وهي الظباء وهي معز والمعز أجناس والبقر الوحشي ذات أظلاف وهي بالمعز أشبه منها بالبقر الأهلي وفي ذلك تسمى نعاجا وليس بينها وبين الظباء وأن كانت ذوات جرة وكرزش وقرون وأظلاف تسافد ولا تلافح وهي تشبهها في الشعر عدم السنام ومن الظلف الوعل والتيتل واليأمور والأيل جبليات كلها).
وقال ابن سيده المتوفي سنة 458هـ 1066م.
(قال أبن دريد، اليأمور جنس من الأوعال أو شبيه بها).
وقال الصاغاني المتوفي سنة 650هـ 1253م في كتاب يفعول
(اليأمور لغة في من يهمزه قال الليث هو من دواب البر يجري على من قتله في الحرم والإحرام إذا صيد الحكم.
وذكر الجاحظ اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأيايل والأروى وقال هو أسم لجنس منها. وقال أبن دريد: هو جنس من الأوعال أو شبيه بها).
وقال ابن مكرم الأفريقي المتوفي سنة 711هـ 1311م
اليأمور: بغير همز الذكر من الأيل، الليث اليأمور من البحر يجري على من قتله في الحرام أو الإحرام. وذكر عمرو بن بحر اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأياييل والأروى وهو أسم لجنس منها بوزن يعمور. واليعمور الجدي وجمعه اليعامير). وقال الدميري المتوفي سنة 808هـ 1405م:
اليأمور: قال أبن سيده هو جنس من الأوعال أو شبيه به له قرن واحد
متشعب في وسط رأسه وقال غيره أنه الذكر من الأيل له قرنان كالمنشارين أكثر أحواله تشبه أحوال البقر الوحشي يأوي إلى المواضع التي ألتفت أشجارها وإذا شرب الماء ظهر بنشاط فيعدو ويلعب بين الأشجار وربما ينشب قرناه في شعب الأشجار فلا يقدر على خلاصهما فيصيح والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه وصادوه. وقال الفيروزابادي المتوفي سنة 817هـ
1414:
اليأمور: (الذكر من الإبل) بالباء الموحدة.
وزاد طابع نسخة المطبعة الميمنية على الهامش
(قوله اليأمور الذكر من الإبل كذا في سائر النسخ بالباء الموحدة وصوابه الأيل بتشديد المثناة التحتية المكسورة وذكر عمر بن بحر اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأيايل والأروي وهو أسم الجنس منها. انتهى كلام الشارح.
وجاءت في هذا الهامش اليأمور بالباء الموحدة التحتية وعمرو بلا واو والجباية بدلاً من الجبلية مما يدل على عدم العناية بطبع هذه النسخة أو هوامشها على الأقل وقال السيد مرتضى الزبيدي المتوفي سنة 1205هـ 1790م:
اليأمور: بغير همز أهمله الجوهري والصاغاني وقال الليث هو الذكر من الإبل كذا في سائر النسخ بالباء الموحدة وصوابه الأيل بتشديد التحتية المكسورة وذكر عمرو بن بحر اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأياييل والأروى وهو أسم لجنس منها.
فترى مما تقدم أن الفيروزابادي أو الذين نسخوا كتابه قد خلطوا بين الإبل والأيل. وقد تقدم في كلام الصاغاني أن الليث يعتبره من دواب البر في حين أن أبن مكرم الأفريقي يروي عن الليث نفسه أنه من دواب البحر ونظن أن ذلك من خطأ النسخ أو الطبع أيضاً.
وقد وضع صديقنا الأجل عالم مصر الأستاذ أحمد تيمور باشا رسالة ممتعة في تصحيح القاموس أتى فيها على أغلاط النسخ والطبع ولكنه لم يذكر فيها
هذه الغلطة التي اطلعت عليها عرضاً ولعل الأستاذ اكتفى بما أشار إليه شارح القاموس في تاجه المرصع بأنواع الجواهر أو أنه أقتصر في رسالته على الأغلاط فقط ولم يتناول أوهام المؤلف كما تناولها في رسالته (تصحيح لسان العرب).
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب) أختلف العلماء في حقيقة هذا الحيوان اختلاف أبناء الغرب فيه، والمشهور أن اليأمور (وهو بياء مثناة في الأول) حيوان سماه اليونانيون وذكره أرسطوطاليس وفلوطرخس واليانس والترجمة السبعينية وصاحب الزيور وأسمه بالفرنسية أو وقد رأى علماء الغرب في عهدنا هذا أن المقصود باليأمور ضرب من البقر الوحشي أسمه الأرخ
وبلسان العلم وقال آخرون أنه اليحمور نفسه وما الهمزة في اليأمور إلا تخفيف الحاء وبلسان العلم وذهب آخرون إلى أن اليأمور هو الوحيد القرن أو الكركدن وجاء بهذا المعنى الزبعري والكركند والحريش والمرميس والهرميس والنوشان والنزك والحمار الهندي والسناد والريم والسرناس إلى غيرها من الأسماء وأنت ترى من هذا أن الإفرنج اعتبروا اليأمور مرة كالأيل وأخرى كالثور. وقد سموا بوحيد القرن أيضاً حيواناً بحرياً هو لأن له قرناً طويلاً في مقدم رأسه والذي حققه الدكتور أمين بك المعلوف في المقتطف (358: 34) أن اليأمور هوالمسمى عند الإفرنج وبالإنكليزية وكذا قال محمد شرف بك في معجمه فأنه ذكر بازاء الإنكليزية المذكورة هذه الكلمات، جزمة ظبية، أنثى الأيل، ظبية برية، اليحمور واليأمور (بالعبرانية والسريانية) اه. وقد يصح هذا المسمى في بعض ما عناه السلف لكنه لا يصح في جميع أحواله. ونحن لم نجد الجزمة (كغرفة) في كتبنا بهذا المعنى. أما الظبية فغير أنثى الأيل واليأمور غير اليحمور عند المحققين والعبريون لا يعرفون إلا اليحمور ويسمونه كذلك. وكذلك قل عن السريان فانهم يحموراً. أما اليأمور فهو بالعربية فقط. هذا ما وصل إليه تتبعنا بوجه الاختصار ولعل بين القراء من يفيدنا أكثر من هذا.
رسالة في النابتة
هذه رسالة لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ إلى أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود في النابتة:
حضرة صديقي الأب أنستاس الكرملي المحترم:
كنت بعثت لكم بأرجوزة في الظاء والضاد منسوبة لأبن قتيبة وجدتها في مجموعة خطية في مدرسة الحجيات في الموصل فأدرجتموها في مجلتكم في جزئها السادس من سنتها السابعة. ووجدت قد وقع فيها أغلاط مطبعية لابد أنكم أشرتم إلى تصحيحها. وأطلعت بعد ذلك على مقال للفاضل ف كرنكو ينكر نسبة الأرجوزة المذكورة لأبن قتيبة، أما أنا فلا أؤيد هذه النسبة ولا أنكرها إنما أقول أني نقلتها بأمانة كما وجدتها.
والآن أقدم لكم رسالة للجاحظ منقولة من المجموعة نفسها اجتهدت بتصحيح بعض أغلاطها وذكرت الخطأ كما هو لأمانة النقل وذكرت تصحيحي عقبه بين عضادتين. أرجو نشرها في مجلتكم الغراء أن وجدتم في نشرها فائدة وأقبلوا مني فائق الاحترام.
الموصل: الدكتور داود الجلبي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون
أطال الله بقاءك وأتم نعمته عليك وكرامته لك. أعلم أرشد اله أمرك أن هذه الأمة قد صارت بعد إسلامها والخروج من جاهليتها إلى طبقات متفاوتة ومنازل مختلفة. فالطبقة الأولى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وست سنين من خلافة عثمان (رض) كانوا على التوحيد الصحيح والإخلاص المخلص مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسنة وليس هناك عمل قبيح ولا بدعة فاحشة ولا نزع يد من طاعة ولا حسد ولا غل ولا تأول حتى كان الذي كان من قتل عثمان وما أنتهك منه ومن خبطهم إياه بالسلاح وبعج بطنه بالحراب
وفري أوداجه بالمشاقص وشدخ هامته بالعمد مع كفه عن البسط ونهيه عن الامتناع (كذا ولا يستقيم له معنى) مع تعريفه لهم قبل ذلك من كم وجه لا يجوز قتل من شهد الشهادة وصل القبلة (لعلها إلى القبلة) وأكل الذبيحة ومع ضرب نسائه بحضرته وإقحام الرجال على حرمته مع ايقاء (لعله اتقاء) نائلة بنت الفرافصة بيدها حتى أطنوا (أي
قطعوا) إصبعين من أصابعها وقد كشفت عن قناعها ورفعت عن ديلها (ذيلها) ليكون ذلك ردعاً لهم وكاسراً من (لعله عنتهم) مع وطئهم في أضلاعه بعد موته وإلقائهم على المزبلة بعد سحبه وهي الجزرة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وأياماه وعقائله بعد السب والتعطيش والحصر الشديد والمنع من القوت مع احتجاجه عليهم وإفحامه لهم ومع اجتماعهم على أن دم الفاسق حرام كدم المؤمن إلا من أرتد بعد الإسلام أو زنى بعد إحصان أو قتل مؤمنا على عمد أو رجل عدا على الناس بسيفه فكان في امتناعهم منه عطبه ومع اجتماعهم على أن لا يقبل (يقتل) من هذه الأمة مولى ولا يجهز منها على جريح ثم مع ذلك كله دفروا (وفضوا) عليه وعلى أزواجه وحرمه وهو جالس في محرابه ومصحفه يلوح في حجره أن يرى أن موحداً يقدم على قتل من كان في مثل صفته وحاله لا جرم لقد اجتلبوا به ذما (دما) لا تطير رغوته ولا تسكن فورته ولا يموت ثائره ولا يكل طالبه. وكيف يضيع دم الله وليه والمنتقم؟ وما سمعنا بدم بعد دم يحيى بن زكريا (عم) غلا (غلى) غليانه وقتل سافحه وأدرك بطائله وبلغ كل محبته (؟؟) كدمه رضي الله عنه ورحمه.
ولقد كان لهم في أخذه وفي إمامته (؟) للناس والاقتصاص منه وفي بيع ما ظهر من رياعه وحدائقه وسائر أقواله (أمواله) وفي حبسه بما بقي عليه وفي ظهره (طرده) حتى لا يحس بذكره ما يغنيهم عن قتله أن كان قد ركب كلما قدموه (كل ما قذفوه) به أو أودعوه وهذا كله بحضرة جله المهاجرين والسلف المتقدمين والأنصار والتابعين ولكن الناس كانوا على طبقات مختلفة ومراتب متباينة من قاتل ومن شاد على عضده ومن خاذل عن نصرته والعاجز ناصر بإرادته ومطيع بحسن نيته. وإنما الشك منا فيه وفي خاذله ومن أراد
عزله والاستبدال به فأما القاتل والمعين على دمه والمريد لذلك منه فضلال لا شك فيهم ومراق لا إمتراء في حكمهم على هذا لم يعد منهم الفجور أما على سواء تأويل وأما على تعمد للشقاء.
ثم ما زالت الفتن متصلة والحروب مترادفة كحرب الجمل وكوقائع صفين وكيوم النهروان وقبل ذلك يوم الزابوقة وفيه أسر أبو حيف وقتل حكيم بن جبلة إلى أن قتل أشقاها علي بن أبي طالب رض فأسعده الله تعالى بالشهادة وأوجب لقاتله النار واللعنة. إلى أن كان من اعتزال الحسن رض الحروب وتخليه الأمور عند انتشار وكثرة تلونهم عليه فعندها استوى
معاوية على الملك واستند على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة. وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا والخلافة عضبا (غصبا) قيصريا ولم يعد ذلك اجمع الضلال والفسق ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا حتى رد قضية رسول الله ص ردا مكشوفا وجحد حكمه جحدا ظاهرا في ولد الفراش وما يجب للعاهر مع إجماع الأمة أن سمية لم تكن لأبي سفين (سفيان) فراشا وانه إنما كان بها عاهرا. فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفار وليس قتل حجر بن عدي وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع والاستئثار بالعي (بالفيء) واختبار (واختيار) الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس حد الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة وسواء في باب ما يستحق من الأكفار حجر الكتاب ورد السنة إذا كانت السنة في شهرة الكتاب وظهوره. إلا أن أحدهما اعظم وعقاب الآخرة عليه أشد فهذه أول كفرة كانت في الأمة.
ثم لم يكن إلا فمن (لم تكن إلا ممن) يدعي إمامتها والخلافة عليها على أن كثيرا من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك اكفاره وقد أربت عليهم ثابتة (نابتة) عصرنا ومبتدعة دهرنا فقالت لا قوة (لا تسبوه) فان له صحبة وسب معوية (معاوية) بدعة. ومن يبغضه فقد خالف السنة فزعمت أن من السنة ترك البراءة ممن ترك السنة. ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل
نصرته ثم غزو مكة واستباحة المدينة وقتل الحسين رض في اكثر أهل بيته مصابيح الظلام وأوتاد الإسلام بعد الذي أعطا (أعطى) من نفسه من تفريق اتباعه والرجوع إلى داره وحرمه أو الذهاب في الأرض حتى لا يحس به أو المقام حيث أحر (أمر) به فأبوا إلا قتله والنزول على حكمهم وسواء قتل نفسه بيده أو أسلمها إلى عدوه وخير فيها من لا يبرد غليله إلا بشرب دمه فاحسبوا قتله ليس بكفر وإباحة المدينة وهتك الحرمة ليس بحجة. كيف يقول (تقولون أو يقال) في رمي الكعبة وهدم البيت الحرام وقتله المسلمين فان قلتم ليس ذلك أرادوا بل إنما أرادوا المتخرب به والمتحصن بحيطانه. أفما كان في حق البيت وحريمه أن يحصروه فيه إلى أن يعطي بيده وأي شيء بقي من رجل قد أخذت عليه الأرض إلا موضع قدمه واحسب مما رووا عليه من الأشعار التي قولها
شرك والتمثيل (التمثل) بها كفرا وشيا (شيئا) مصنوعا كيف يصنع بنقر القضيب بين ثنيتي الحسين عم وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حواسر على الاقتاب العارية والإبل الصعاب والكشف عن عورة علي بن الحسين عند الشك في بلوغه على انهم أن وجدوه وقد انبت قتلوه وان لم يكن انبت حملوه كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين. وكيف يقول في قول عبيد الله بن زياد لاخوته وخاصته دعوني اقتله فانه بقية هذا النسل فاحسم به هذا القرن وأميت به هذا الداء واقطع به هذه المادة.
خبرونا على ما يدل هذه القسوة وهذه الغلظة بعد أن شفوا نفوسهم بقتلهم ونالوا ما احبوا فيهم (منهم) أيدل على نصب وسوء رأي وحقد وبغض ونفاق وعلى يقين مدخول وإيمان ممزوج أم يدل على الإخلاص وعلى حب النبي (عم) والحفظ له وعلى براة (براءة) الساحة وصحة السريرة. فان كان على ما وصفنا لا يعدوا (لا يعدو) الفسق والضلال وذلك أدنى منازلة فالفاسق ملعون ومن نهى عن لعن الملعون فملعون.
وزعمت نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا أن سبب ولاة السوء فتنة ولعن الجورة بدعة وان كانوا يأخذون السمي بالسمي والولي بالولي والقريب بالقريب وأخافوا الأولياء وآمنوا الأعداء وحكموا بالشفاعة والهوى وإظهار القدرة والتهاون بالأمة
والقمع للرعية وانهم في غير مدارة ولا تقية وان عدا ذلك إلى الكفر وجاوز الضلال إلى الجحد فذاك أضل لمن كف عن شيمتهم (شتمهم) والبراة (والبراءة) منهم على انه ليس من استحق اسم الكفر بالقتل كمن استحقه برد السنة وهدم الكعبة. وليس من استحق اسم الكفر بذلك كمن شبه الله بخلقه وليس من استحق الكفر بالتشبيه كمن استحقه بالتجويز. والنابتة في هذا الوجه اكفر من يزيد وأبيه وابن زياد وأبيه ولو ثبت على يزيد انه تمثل بقول ابن الهعري (الزبعري):
ليت أشياخي ببدر شهدوا
…
جزع الخزرج من وقع الاسل
لاستطاروا واستهلوا فرحا
…
ثم قالوا يد زيد لا تشل
قد قتلنا الغر من سادتهم
…
وعدلناه ببدر فعدل
كان تجويز النابتي (؟) لربه وتشبيهه بخلقه اعظم من ذلك وافظع على انهم مجمعون على انه ملعون من قتل مؤمنا متعمدا أو متأولا. فإذا كان القاتل سلطانا جائرا أو أميرا عاصيا لم يستحلوا سبه ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبه وان أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء وأجاع الفقير
وظلم الضعيف وعطل الحدود والثغور وشرب الخمور واظهر الفجور. ثم ما زال الناس يتشكعون (يتشكون) مرة ويداهنونهم مرة ويقاربونهم مرة ويشاركونهم مرة إلا بقية ممن عصمه الله تعالى حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد وعاملهما الحجاج بن يوسف ومولاه يزيد بن أبي سلمة فأعادوا (الكرة) على البيت بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة وحولوا قبلة واسط وأخروا صلاة الجمعة إلى مغيربان الشمس. فان قال رجل لأحدهم اتق الله فقد أخرت الصلوة عن وقتها قتله على هذا القول جهارا غير ختل وعلانية غير سر. ولا يعلم القتل على ذلك إلا اقبح من إنكاره (؟) فكيف يكفر العبد بشيء ولا يكفر بأعظم منه. وقد كان بعض الصالحين ربما وعظ الجبابرة (الجبار) وخوفه العواقب واراه أن في الناس بقية ينهون عن الفساد في الأرض حتى قام عبد (الملك) بن مروان والحجاج بن يوسف فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه وقتلا فيه فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه فاحسب تحويل القبلة كان غلطا وهدم البيت كان تأويلا واحسب
ما رووا من كل وجه انهم كانوا يزعمون أن خليفة المرء في أهله ارفع عنده من رسوله باطلا ومصنوعا موكدا. واحسب وسم أيدي المسلمين ونقش أيدي المسلمات وردهم بعد الهجرة إلى القرى وقتل الفقهاء وسب أئمة الهدى والنصب لعترة رسول الله ص يكون كفرا كيف نقول في جمع ثلاث صلوات ولا يصلون أولاهن حتى تصير الشمس على أهالي الجدران كالملا فان نطق مسلم خبط بالسيف وأخذته العمد وشك بالرماح، وان قال الله أخذته العزة بالآثم ثم لم يرض إلا (بنثر) دماغه على صدره وبصلبه حتى يراه عياله.
ومما يدل على أن القوم لم يكونوا إلا في طريق التمرد على الله عز وجل والاستخفاف بالدين والتهاون بالمسلمين والابتذال لأهل الحق أكل أمرائهم الطعام وشربهم الشراب على منابرهم أيام جمعهم وجموعهم فعل ذلك حسن بن دلجة وطارق مولى عثمان والحجاج بن يوسف وغيرهم وذلك أن كان كفرا كله فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا وروافض دهرنا لان جنس كفرها ولا غبر كفر أولئك. كان اختلاف الناس في القدر على أن طائفة تقول كل شيء بقضاء وقدر وتقول الطائفة الأخرى كل شيء بقضاء وقدر إلا المعاصي ولم يكن أحد يقول أن الله يعذب الأبناء ليغيط (ليغيظ) الأباء وان الكفر والإيمان مخلوقان في الإنسان مثل العمى والبصر. وكانت طائفة منهم تقول أن الله لا يرى لا تزيد على ذلك فان خافت
أن نظى (يظن) بها التشبيه قالت يرى بلا كيف تعريا من التجسيم والتصوير حتى نبت (نبتت) هذه النابتة وتكلمت هذه الرافضة فقالت جسما وجعلت له صورة وحدا وأكفرت من قال بالرؤية على غير الكيفية. ثم زعم أكثرهم أن كلام الله حسن وبين وحجة وبرهان وان التوراة غير الزبور والزبور غير الإنجيل والإنجيل غير القرآن والبقرة غير آل عمران. وان الله تولى تأليفه وجعله برهانه على صدق رسوله وانه لو شاء أن يزيد فيه زاد ولو شاء أن ينقص منه. ولو شاء تبدله (تبديله) بدله ولو شاء أن ينسخه كله بغيره نسخه. وانه نزله تنزيلا وانه فصله تفصيلا وانه بالله كاف دون غيره ولا يقدر عليه إلا هو. عير أن الله مع ذلك كله لم يخلقه فأعطوا جميع صفات
الخلق. والعجب أن الخلق عند العرب إنما هو التقدير نفسه فإذا (فلذا) قالوا خلق كذا وكذا. ولذلك قال احسن القائلين وقال يخلقون افكا. وقال وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فقالوا صنعه وجعله وقدره وأنزله وفصله وأحدثه ومنعوا خلقه وليس تأويل خلقه اكثر من قدره ولو قالوا بدل قولهم قدره ولم يخلقه خلقه ولم يقدره ما كانت المسألة عليهم إلا من وجه واحد والعجب أن الذي منعه بزعمه أن يزعم انه بمخلوق انه لم يسمع ذلك من سلفه وهو يعلم انه لم يسمع أيضاً عن سلفه انه ليس مخلوق وليس ذلك بهم. ولكن لما كان الكلام من الله تعالى عندهم على مثل خروج الصوت من الجوف وعلى جهة تقطيع الحروف وأعمال اللسان وللشفتين وان ما كان على هذه الصورة والصفة فليس بكلام ولما كنا عندهم على غير هذه الصفة وكنا لكلامنا غير خالقين وجب أن الله عز وجل لكلامه غير خالق إذ كنا غير خالقين لكلامنا. فإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا بين كلامنا وكلامه فرقا وان لم يقروا بذلك بألسنتهم فذلك معناهم وقصدهم.
وقد كانت هذه الأمة لا تجاوز معاصيها الإثم والضلال إلا ما جلبت (حكيت) لك عن بني أمية وبني مروان وعمالها ومن لم يدن باكفارهم حتى بحمت (نجمت) النوابت وتابعتها هذه العوام. فصار الغالب على هذا القرن الكفر وهو التشبيه والجبر. فصار كفرهم اعظم من كفر من مضى في الأعمال التي هي الفسق وشركاء من كفر منهم بتوليهم وترك اكفارهم. قال الله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم. وأرجو أن يكون الله قد أغاث المحقين ورحمهم وقوى ضعفهم وأكثر قلتهم حتى صاروا ولاة امرنا في هذا الدهر الصعب والزمن الفاسد اشد استبصارا في التشبيه من عليتنا واعلم بما يلزم فيه منا واكشف للقناع من رؤسائنا
وصارفوا الناس وقد انتظموا معاني الفساد اجمع وبلغوا غايات البدع ثم قرنوا بذلك العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم والحمية التي لا تبقى دينا إلا أفسدته ولا دنيا إلا أهلكتها. وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية وما قد صار إليه الموالي من الفخر على العجم والعرب. وقد نجمت من الموالي ناجمة ونبتت منهم نابتة تزعم أن المولى بولائه قد صار عربيا لقول النبي عليه
السلام مولى القوم منهم ولقوله الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال (قالوا) فقد علمنا أن العجم حين كان فيهم الملك والنبوة كانوا اشرف من العرب وان الله لما حول ذلك إلى العرب صارت العرب اشرف منهم قالوا فنحن معاشر الموالي تقديمنا (بقديمنا) في العجم اشرف من العرب وبالحديث الذي صار لنا في العرب اشرف من العجم. وللعرب (الحديث دون القديم وللعجم) القديم دون الحديث. ولنا خصلتان جميعا وافرتان فينا. وصاحب الخصلتين افضل من صاحب الخصلة. وقد جعل الله الموالي (المولى) بعد أن كان عجميا عربيا بولائه كما جعل حليف قريش من العرب قرشيا بحلفه وبعد أن جعل اسمعيل بعد أن كان أعجميا عربيا. ولولا قول النبي صلى الله عليه وسلم أن إسماعيل كان عربيا ما كان عندنا إلا أعجميا لان الأعجم لا يصير عربيا. كما أن العربي لا يصير أعجميا. فإنما علمنا أن إسماعيل صيره الله تعالى عربيا بعد أن أعجميا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك حكم قوله مولى القوم منهم. وقوله الولاء لحمة. قالوا وقد جعل الله إبراهيم ع م أبا لمن لم يلد كما جعله أبا لمن ولد. وجعل أزواج النبي أمهات المؤمنين ولم يلدن منهم أحدا. وجعل الجار والدمن لم يلد في قول غير هذا كثير وقد آتينا عليه في موضعه. وليس ادعى إلى الفساد ولا اجلب للشر من المفاخرة. وليس على ظهرها إلا فجور إلا قليل. وأي شيء اعبظ (أغيظ) من أن يكون عبدك يزعم انه اشرف منك وهو مقر انه صار شريفا بعتقك إياه.
وقد كتبت مد الله في عمرك كتبا في مفاخرة قحطان وفي تفضيل عدنان وفي رد الموالي إلى مكانهم من الفضل والنقص وإلى قدر ما جعل الله تعالى لهم بالعرب من الشرف. وارجوا أن يكون علا بينهم وداعية إلى صلاحهم ومنبهة إلى ما عليهم ولهم. وقد أردت أن أرسل بالجزء الأول إليك ثم رأيت إلا يكون إلا بعد استئذانك واتئمارك والانتهاء في ذلك إلى رغبتك فرأيك فيه موفقا أن شاء عز وجل وبه الثقة.
تم كتاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في النابتة والحمد لله أولا وأخرا والصلوة على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين آمين.
مندلي
1 -
تمهيد
كتب أحد الباحثين مقالا عن مدينة مندل يفي لغة العرب (620: 7 إلى 626) يفيد الكثيرون ممن يودون الاطلاع على أنباء الديار العراقية، وقد استحسنت أن اذكر هنا ما لم يتعرض له حضرة الكاتب واصلح الأوهام الواردة في مقاله.
2 -
شيء من أخبارها المهمة
البندنيجين مشهورة بكثرة الفواكه وجودة النخيل واهم ما يصنع فيها البسط (الكليم) والاحرامات (الجاجيم) والاعبئة والمناديل. ويعتني فيها بتربية دود القز. وفيها نوع من العقارب القتالة تسمى (الجرار) وكثيرا ما يودي هذا الحيوان بحياة كثير من الأطفال الذين لم يتمكنوا من مقاومة سمها.
3 -
مندلي في التاريخ
تقع هذه المدينة على مقربة من النهروان (المحل الذي حدثت فيه فتنة الخوارج) اسمها القديم البندنيجين، وقد ورد هذا الاسم في كتب الأقدمين. وبمرور الأيام تعددت أسماؤها فصار لها خمسة أسماء:(البندنيجين، البندنيج، مندليجين، مندليج، مندلي). والأسماء الأربعة الأخرى مصحفة أو منقولة عن الاسم القديم (البندنيجين). واسمها المشهور اليوم هو مندلي.
4 -
احتلال أمير قشعم لمندلي
مما يستوجب الذكر أن مانعا أمير قشعم احتل في عام 1108هـ - 1696م البندنيجين. وقد دام احتلاله إلى سنة 1112هـ حيث سار إليه (دالدبان مصطفى باشا) بجيش كثيف فاخمد نار الفتنة. ولعل هذه الواقعة أهم ما جرى على هذه المدينة بعد ثورة الخوارج.
5 -
أوقاف مرجان في البندنيجين
كان مرجان بن عبد الله المتوفى سنة 775هـ - 1374م باني جامع مرجان
(في بغداد) قد
وقف بساتين في البندنيجين على مدرسته التي شيدها في بغداد ولا نعلم ما آل إليه أمر تلك البساتين.
6 -
بعض مبانيها التي لم يذكرها الأديب
من مبانيها: تكية الشيخ موسى أو مدفنه. وتكية الشيخ شعبان الرفاعي.
7 -
علماؤها
أنجبت هذه المدينة جماعة من الفضلاء منهم الشيخ موسى البندنيجي السيد شهاب الدين محمود الحسيني الالوسي المتوفى سنة 1270هـ - 1854م وله آثار لم تزل مخطوطة منها كتاب (ترجمة الأولياء). ولهذا لشيخ منزلة جليلة في قلوب سكنة مندلي وما والاها لعلمه وزهده ولذلك أصبح قبره الواقع في التكية التي شادها في مندلي مزارا يزوره الخاص والعام. ومنهم (حفيد الشيخ موسى) الحقوقي الفاضل معاصرنا السيد محمد توفيق البندنيجي وهو ابن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى المذكور. وممن انتسب إلى هذه المدينة الشيخ عيسى صفاء الدين ابن الشيخ عبد الله وهو العالم المتصوف الذي نشأ ببغداد واخذ العلوم عن بعض فضلائها. ومن تلامذته السيد عبد الباقي الالوسي المتوفى سنة 1298هـ - 1881م. توفي الشيخ عيسى عام 1283هـ - 1867م.
ومن المنتسبي إلى (البندنيجين) الحسين بن عبيد الله البندنيجي الفقيه المتوفى عام 425هـ - 1034م صاحب كتاب (الجامع) وكتاب (الذخيرة) في الفقه.
8 -
إصلاح الأوهام الواردة في المقال
في صفحة 625 س 20 رستم زاد والصواب رستم زال وفي س 21 الونكوهي والصواب الوندكوهي انتسابا إلى جبل آلوند في إيران وفي س 23 فلامرزو والصواب فرامرز وفي س 25: والذين لهم اطلاع تام على الفارسية يقولون أن لهؤلاء الأبطال كتبا مطبوعة بالفارسية. قلنا: أن الكتب المذكورة ليست من وضع أنفسهم وإنما هي لغيرهم ذكر أصحابها سيرة الأبطال المشار إليهم. ثم أن هذه الكتب لا تذكر سيرتهم عن حقيقة وإنما تذكرها بصورة رواية موضوعة كما يفعله أبناء العصر. وفي ص 626 س 1: ويسمون الكتب التي فيها تواريخ الأبطال شاهنامه (والفصحاء يكتبون شاه نامه) قلنا: لم يسم كتاب (عدا
كتاب الفردوسي الشاعر) بالشاه نامه.
محمد مهدي العلوي
لواء الكوت
1 -
بناؤها
أنشئت الكوت عام 1227هـ (1812م) بطلب من الحكومة العثمانية أنشأها رجل اسمه سبع بن خميس رئيس تلك الأطراف من مياح بطن من ربيعة وكانت قبل ذلك غابات ولا تزال تسمى الكوت تسمى بكوت يبع نسبة إلى مؤسسها. فلما جاء مدحت باشا عام 1286هـ 1869م ونظم النظم الإدارية جعل الكوت قضاء ملحقا بلواء العمارة ولما كان في العراق اكوات كثيرة خصصت هذه بالعمارة تمييزا لها عن غيرها.
(لغة العرب) نحن لا نصدق هذه الرواية لأنه ورد في كتاب إفرنجي اسمه (رحلة من ساحل ملبار إلى القسطنطينية) لصاحبها وليم هود الإنكليزي 93. في ص93 ما هذا معناه: حين صعودنا دجلة في 22 كانون الثاني (يناير) (سنة 1817م) بدأنا نرى ديارا أنزه من سائر البلاد التي هبطنا إليها إلى الآن واكثر زراعة منها فكان ذلك إشارة إلى إننا ندنو من مدينة فلما وصلنا إلى الكوت ذهب دليلي إلى البر ليبحث عن حصن يكريها لأنها ضرورية لنا لإتمام طريقنا فذهبنا إلى دار المكس فاستقبلنا فيها ضباط الترك بكل أدب وكانوا في أمر المتسلم وهم في هذه الدار لجباية الضرائب على البضائع وأطلنا إقامتنا في هذه المدينة إلى 24 ك2. . . إلى آخر ما قال وهذا كلام يدل على أن هناك كانت مدينة في سنة 1817 وفيها دار مكس وضباط ومتسلم وهذا لا يتم في خمس سنوات إذا كانت المدينة أنشئت في سنة 1812. انتهى.
2 -
شهرتها
لما اندلعت السنة نيران الحرب الكبرى عام 1914م رأى الحلفاء أن يقطعوا على تركية طريق إحراجها موقفهم بتعكيرها صفو الأمن في خليج فارس وخلق الاضطرابات في الهند فزحفت ثلة من الجنود الهندية إلى العراق وكانت هذه
الجنود تحتل البلاد العراقية الواحدة بعد الأخرى بعد تراشقات طفيفة حتى إذا وصلت إلى إيوان كسرى. صدمتها الجنود التركية صدمة عنيفة اضطرتها إلى التقهقر حتى بلدة الكوت فبلغتها في 3ك2 عام 1915م
وبقيت محاصرة يرأسها القائد طاوزند مدة طويلة لاقت خلالها أنواع العذاب إلى أن أحوجها الحصار إلى التسليم يوم 29 نيسان 1916م بلا قيد ولا شرط. ومن ذلك الحين ذاع اسم (الكوت) في الشرق والغرب وصار الناس يتحدثون عنها الشيء الكثير ولا تزال فيها مقبرة للجنود البريطانية والهنودية التي ماتت وقت هذا الحصار الأليم.
والكوت هذه بلدة حديثة تبلغ نفوسها 12. 500 نسمة وتقع على الضفة اليسرى من دجلة على بعد 118 ميلا من جنوب بغداد. وهي مركز لواء الكوت وفيها شارع فسيح يحاد النهر المذكور فيجعل للمنازل التي فيه اجمل منظر. أما أسواقها وحوانيتها وبيوتها ففي حالة متوسطة إذا استثنينا من ذلك صرح الحكومة والمستشفى الملكي والمدرسة الأميرية وبعض بيوت المتمولين لأنها مبنية على الطراز الصحي الحديث. وأما الهواء فيها فمعتدل الفصول والماء هناك عذب جدا فهو ماء دجلة النمير.
ولهذه المدينة أهمية تجارية تستوجب الذكر لأنها مركز اللواء الذي يبتاع منه سكان أنحائه جميع احتياجاتهم. وميناء مهم للسفن التجارية التي تذهب إلى البصرة ومنها إلى بغداد.
ولمركز اللواء ناحيتان هما 1 - أم حلانة (بتشديد اللام) ومركزها قرية أم حلانة على عدوة دجلة اليمنى في محل يبعد عن جنوب الكوت ثلاثة أميال وهي مجموعة عرائش وأبيات من اللبن يسكنها جماعة من الفلاحين يبلغ عددهم ثلاثمائة نسمة وللحكومة فيها بناية متوسطة الحال مع مخفر للشرطة. 2 - ناحية البغيلة (تصغير بغلة وهي سفينة بحرية كبيرة وكانت تحمل وتقف في حدها إلى القرية المسماة اليوم بغيلة) وهي قرية جميلة المنظر عليلة النسيم
عذبة المياه سكنها زهاء (4300) نسمة وتقع على الضفة اليمنى من دجلة في محل يبعد عن جنوب بغداد مائة ميل وعن شمال لكوت 40 ميلا وفيها ادؤر عامرة وبنايات أنيقة أما فواكهها وأثمارها فلذيذة.
3 -
تنظيمات اللواء الإدارية
ترتبط بمركز اللواء ارتباطا إداريا. ناحيتان وقد تقدم وصفهما ولهذا اللواء ثلاثة اقضيه مهمة هي قضاء الحي وقضاء الصويرة وقضاء بدرة وفيما يلي وصف موجز لكل منها:
4 -
قضاء الحي
الحي بلدة رائقة المنظر قليلة العمران تكتنفها بساتين كثيرة وعدة رياض نضرة وهي على نهر الغراف الأيسر في موضع يبعد عن الجنوب الغربي من بلدة الكوت خمسين ميلا وسكانها أهل زراعة وفلاحة وفيهم لفيف من الأكراد والبغداديين والعرب المتحضرين من أهل الغراف وغيره وهؤلاء تجار حبوب وأقمشة وباعة بقول وعقاقير وصناع وحاكة وغير ذلك من المستبضع المعهود عند طبقات كل مدينة وهي مركز القضاء تبلغ نفوسها 9750 وفيها جملة مقاه ودور عامرة قليلة وأسواق وجادات متوسطة الحال وهي مسورة بسور من اللبن تهدمت بعض جهاته في الأيام الأخيرة وهواؤها جيد من حيث العموم. أما ماؤها فعذب سائغ غير انه لا يجري بانتظام ولا دائما لان مياه الغراف كثيرا ما تنقطع عن البلدة ولهذا قد تهدمت بعض مباني الحي وهجرها جماعة من سكانها وصوحت بعض أراضيها وباتت في حالة تستحق معها عطف القاصي والداني. ولعل وعود الحكومة بإصلاح الغراف تنفذ في الأيام المستقبلة فتنقذ هذه البلدة الطيبة من خطر الاضمحلال وتعيد إليها زهوها ورخاءها.
للقضاء ناحية واحدة تدعى محيريجة (بالتصغير) ومركزها القرية المسماة باسمها التي تقع على ضفة الغراف اليمنى على بعد 25 ميلا من الشمال الشرقي لمركز القضاء وهي مركز للعشائر والفلاحين.
5 -
قضاء الصويرة
شمل العمران الراقي قطر العراق في عهد ولاية المصلح الكبير مدحت باشا
والي بغداد سنة 1286هـ وسرت هذه الحركة المباركة إلى جميع الأنحاء فقام الناس ينشئون مساكن جليلة مباني فاخرة واستمر ذلك حتى نشوب الحرب الكونية التي أشلت الأيدي عن كل عمل.
و (الصويرة) إحدى القصبات التي أنشئت حديثا. وقد أنشأها رجل يدعى السيد بهية عام 1314هـ وهو لا يزال حيا يرزق. وكان في بادئ الأمر قد بنى منزلا صغيرا لمأمور الحكومة سماه (صيرة) بمعنى (حظيرة) ثم توسعت حركة البناء هناك فأصبحت الصويرة قصبة مهمة وهي اليوم مركز قضاء الصويرة تقع على بعد 44 ميلا من جنوب بغداد وقدر
نفوسها (8000) نسمة عدا وعي على ضفة نهر دجلة اليمنى.
ولما رأت الحكومة أن قد حصل بعض الالتباس لدوائر الحكومة والبريد في التفريق بين الرسائل المعنونة إلى البصرة والصيرة. أصدرت أمرا في غرة أيلول 1925م أسمت بموجبه قضاء الصيرة ب (قضاء الصويرة) بالتصغير دفعا لهذا الالتباس.
ولمركز القضاء ناحية واحدة تدعى (ناحية العزيزية) مركزها قرية العزيزية الواقعة على ضفة دجلة اليسرى في موضع يبعد عن جنوب مركز القضاء 29 ميلا وهي آهلة بنحو 700 نسمة وفيها عدة مبان حسنة وقد شيدت عام 1282هـ (1865م) وسميت كذلك باسم السلطاني عبد العزيز وجعلت قضاء حتى الحرب الكونية. فلما نظمت الحكومة العراقية جعلت ناحية. وقد بناها فتح الله بك من رؤساء العمادية وكان قائم مقام فيها ولا يزال قبره هناك.
(بدرة) قصبة منحطة العمران ثقيلة المياه نقية الهواء تبعد عن الشمال الشرقي لمدينة الكوت 36 ميلا وهي مركز القضاء المسمى باسمها تقع على ضفة نهر الكلال اليسرى ومعظم سكانها أكراد وكلهم يتكلمون باللغة الكردية وهي محادة لجبال بشت كوة الإيرانية ونفوسها 3000 نسمة تقريبا واهم حاصلاتها الزراعية التمور بجميع وأفخر أنواعها. لأن التمر فيها ينمو حسنا وهو مشهور بجودته في جميع أنحاء العراق كما أن فيها بعض الفواكه اللذيذة.
وقد ذكر الحموي في معجمه. إنها أول قرية جمع منها الحطب لنار إبراهيم
الخليل عليه السلام وهي قائمة على أنقاض مدينة (بادرايا) الشهيرة في التاريخ. وعلى مقربة من (باكسايا) التاريخية. وينسب إليها جماعة من أهل الورع والتقى. ويبعد صرح الحكومة عن القصبة ثلاثة كيلومترات فإذا طغى (الكلال) أحدث بركة عظيمة من المياه. ولهذا أن موظفي الحكومة هناك يعانون مشقات كثيرة عندما يذهبون من منازلهم في القصبة إلى بناية الحكومة لأداء واجباتهم الرسمية.
للقضاء ناحيتان هما زرباطية وجصان (بتشديد الصاد) أما ناحية زرباطية فمركزها قرية زرباطية الواقعة على بعد ثمانية أميال من شرق بدرة وهي مجموعة بيوت من اللبن يخترقها نهر الكلال الذي يأتي من جبال بشت كوة وللحكومة فيها بناية متوسطة الهيئة وكل
سكانها أكراد ولغتهم بالطبع اللغة الكردية وعدد النفوس فيها 1500 نسمة وأما ناحية جصان فمركزها قرية تسمى باسمها وتقع على بعد 12 ميلاً من الجنوب الغربي لقصبة بدرة وبيوتها مع نفوسها بقدر بيوت زرباطية إلا أنها أوسع منها قليلاً.
6 -
حاصلات اللواء
أهم المنتوجات الزراعية في لواء الكوت، التمور بجميع صنوفها والحبوب على اختلاف أنواعها كما أن السوس ينبت كثيراً في بعض أجزائه ولو كان الماء يجري في الغراف دائماً منتظماً لكان يدر على الخزينة مالاً وفيراً ويعيد إلى سكانه ثراءهم المشهور ولاسيما أن تربة الغراف مشهورة بخصبها منذ أقدم العصور. ويصدر هذا اللواء قدراً مهماً من الجلود والسمن والمواشي وقليلاً من الطيور الداجنة وبنات الماء مع بعض المنسوجات الوطنية.
7 -
المدارس في اللواء
في تقرير وزارة المعارف السنوي عن سير الحركة العلمية في المملكة لينة 1928 أن المدارس في لواء الكوت تسع فقط. ومعنى هذا أن الحركة العلمية في هذا اللواء مصابة في صميمها بالنظر إلى كثرة سكانه وتوابعه. وقد مر بنا أن اللواء يتقوم من ثلاثة أقضية وست نواح موزعة على أجزائه وليس في اللواء مدرسة ثانوية ولا إناثية ولعل الحكومة المحترمة تعطف نظرها عليه فتنتشل سكانه
من وهدة الخمول وليس ذلك على عشاق الحركة الإصلاحية والتهذيبية بعسير.
8 -
عشائر اللواء
في لواء الكوت عشائر كثيرة بل أن أكثر سكانه من العشائر مثل بقية الألوية ولكل عشيرة توابع وأفخاذ كثيرة ونحن نكتفي الآن بذكر أسماء العشائر الكبيرة فقط على أن نترك التبسط في أمرها إلى مقال منفرد.
فمن جملة عشائر اللواء: ربيعة (وأشهر أفخاذها المياح والأمارة والسراج) ثم زبيد (وهم من حمير حسبما حسبما يدعون) ثم شمر طوقة (وهؤلاء أصلهم من عشيرة شمر الشهيرة ولكنهم انفصلوا عنها وسكنوا ضفاف دجلة بين ناحية سلمان باك والعزيزية) ويليهم بيكات
المنتفق مع قسم من عشيرة آل بدير التي تقطن لواء الديوانية. ثم بني لام (ومن أفخاذهم أخوة حبشة والخميس والرحمة والطعان والمزيار). . . الخ
9 -
طرق المواصلات
تسير السيارات بين الكوت وبغداد وبين الأولى وسائر أجزاء اللواء سيراً متصلاً إذا كان الماء منقطعاً عن نهر الغراف أما إذا كان فيه غزيراً: فتشترك مع السيارات في نقل البضائع والمسافرين وبعض الزوارق البخارية التي تسير بين الكوت وقضاء الحي. ولما كان أجور السيارات والزوارق باهظة بالنسبة إلى الأشياء المحملة إياها ظل بعض السكان والتجار ينقلون بضائعهم على الحيوانات اقتصاداً في النفقات.
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني
الحسيني لا الحسني وربيع الأول من أفصح الكلام
1 -
في لغة العرب 617: 7 شاه إسماعيل بن حيدر الصفوي الحسني والصواب الحسيني لأن الشاه إسماعيل يتصل نسبه بالإمام موسى الكاظم (ع) ومنه بالإمام الحسين بن علي (ع).
2 -
في لغة العرب المحبوبة (740: 7) في ربيع الأول هذا هو الأفصح هذا هو الأفصح فالشهر مقدر وحذف المضاف عادة عند الفصحاء كما في قوله تعالى (واسأل القرية) أي واسأل أهل القرية.
محمد مهدي العلوي
فوائد لغوية
في الصحاح وفي مختار الصحاح
أقدم بين عيني القارئ جملة من الاستدراكات على الجوهري والرازي ليعلم عظم احتياجنا إلى معجم جامع لما نقل عن فصحاء العرب:
1 -
قال الجوهري في (فهم) من المختار (واستفهمه الشيء) فعداه إلى مفعوليه بنفسه، وقد يعدى إلى الثاني بعن كما في قول المبرد في 162: 3 من الكامل إنما تستفهمه عن الذي ذكر بعينه) ومثله في جمهرة أشعار العرب ص125.
وقال في (علا) منه (علا في المكان. . . وعلاه: غلبه وعلا في الأرض تكبر. . .) ولم يذكر (علا عليه) مع أنه قال في (عرش) ما نصه واعترش العنب: إذا علا على العراش).
3 -
وقال في (حول) ما نصه وحال الشيء بيني وبينه يحول حولاً وحؤولا أي حجز من) قلت: ويقال (حال دون الشيء) فهو الذي قال في (عرض) من المختار (واعترض الشيء دون الشيء: أي حال دونه).
4 -
وقال في (بدل) منه (وأبدل الشيء بغيره وبدله الله تعالى من الخوف أمنا) قلت: ويقال (أبدل الشيء غيره) بحذف الباء) وقد قال هو في (سدي) ما صورته (والسادي السادس بإبدال السين ياء أما (أبدل من الشيء غيره) فلا أدري لم أهمله؟ وهو القائل في (صوع) ما نصه (وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة) وقال في مثل هذا الاستعمال في (عنن) و (قضى) و (تظنى).
5 -
وذكر في (زوج) ما خلاصته زوجه امرأة وبامرأة وتزوجت رجلاً وبرجل) لم يذكر (تزوج القوم وفيهم بمعنى صاهرهم مع أنه قال في (غرب) منه (واغترب فلان إذا تزوج إلى غير أقاربه) وفي (ضوى) منه تزوجوا في الأجنبيات ولا تتزوجا في العمومة)
وقال في (إيا) على التحذير (وتقول إياك وان تفعل كذا بلا واو) قلت ورد في (37: 2 من الكامل قول أبي عيينة أخي عبد الله بن أبي عيينة
إلى السال فاختر لنا مجلساً
…
قريباً وإياك أن تخرقا
7 -
وقال الجوهري أيضاً في (بت) من المختار (تقول: بته يبته ويبته بضم الباء وكسرها
وهو شاذ لأن المضاعف إذا كان مضارعه مكسوراً لا يكون متعدياً، إلا هذا وعله في الشراب يعله ويعله ونم الحديث ينمه وبنمه وشده ويشده وحبه يحبه. وهذه الكلمة وحدها على لغة واحدة وهي الكسر) فقال محمد بن أبي بكر الرازي مؤلف المختار (قلت: ورمه يرمه ويرمه ذكره في - ر م م - فزاد المستثنى على ما حصره فيه) فأقول أن الرازي قال في (بس) ما نصه (هكذا هو مضبوط في الصحاح والتهذيب وشرح الغريبين - يبسون - بكسر الباء، وذكر البيهقي في مصادره أنه في باب رد يرد) فيقال إذن بس يبس ويبس ولم يذكره الرازي وكلاهما لم ينتبها إلى على ما ورد في (شج) ونصه (تقول شجه يشجه بضم الشين وكسرها) وذكر المبرد في 239: 1 من الكامل مما لم يذكراه (هره يهره ويهره إذا أكرهه في المختار (جد يجد ويجد وحدت المرأة تحد وتحد. وحل يحل ويحل وشطت الدار تشط وتشط) ولعل عند أنستاس زيادة على هذا وإن أرادا المتعدي بنفسه فلا يستدرك إلا بعض ما ذكرنا.
8 -
وقال الجوهري في (شفع) ما نصه (واستشفعه إلى فلان سأله أن يشفع إليه) ولم يذكر (استشفع به وهو القائل في (دلا) ما عبارته: ودلوت بفلان إليك أي استشفعت به إليك).
9 -
وقال في (ب ن ن: البنانة واحدة البنان وهي أطراف الأصابع ويقال بنان مخضب لأن كل جمع ليس بينه وبين واحدة إلا الهاء فأنه يوحد ويذكر)
قلت: أن الجوهري قال ذلك جازماً ويدل على جزمه إشتراطه التوحيد والتذكير لمثل هذا الجمع على أنه غير صواب ففي ص 1089 من المصباح طبعة نظارة المعارف المصرية (قال أبو إسحاق الزجاج. . . وكل جمع بينه وبين واحدة
الهاء نحو بقر وبقرة فأنه يذكر ويؤنث) وقد نقل الأب انستاس في (نخل) من المصبح عن أبن السكيت مثله، ورأيت في فقه اللغة للثعالبي مثله، ذكرت ذلك فضلاً عن أن الجوهري قال في عهد (والعماد: بالكسر الأبنية الرفيعة تذكر وتؤنث والواحدة عمادة وقال في (خ ل ل: والخلية أيضاً بيت النحل الذي تعسل فيه) فأنث أسم جمع نحلة خلافاً لما ذكر، وقال في عسل (والنحل عسالة) وقال في ن وى (وأما النوى الذي هو جمع نواة التمر فهو يذكر ويؤنث).
10 -
وقال في ي م ن (يقال: يا من يا فلان بأصحابك أي خذ بهم يمنة ولا تقل: تيامن، والعامة تقوله) قلت أنه قال في ي س ر وتياسر يا رجل لغة في ياسر وبعضه ينكره)
وحمل النظير على النظير هاهنا لازم فضلاً عما ورد في 171: 2 من الكامل ونصه (قال معاوية يوماً: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق وتيامنوا عن كشكة تميم وتياسروا عن كشكة بكر) والدليل واضح.
11 -
وقال في أم ا (وأما حرف عطف بمنزلة - أو - في جميع أحكامها إلا في وجه واحد وهو أنك تبتدئ في - أو - مستيقناً ثم يدركك الشك وأما تبتدئ بها شاكا ولابد من تكريرها، تقول: جاءني أما زيد وأما عمروا) قلت أما أنها حرف عطف فغير صحيح لأنها تقع بين العامل والمعمول ولا يجوز فصل المعمول الأصيل بحرف عطف فإذا قلت (جاء أما خالد وأما علي) فخالد فاعل أصيل لجاء وليس قبله ما يعطف عليه فالصواب أنها حرف لتفصيل الشك أما وجوب تكريرها، فقد نقضه في مادة ح د د بقوله (وقيل للبواب: حداد وللسجان أيضاً لأنه يمنع عن الخروج أو لأنه. . .) وفي رأي يقوله (فأما يكون على تخفيف الهمزة أو يكون. . .) وفي مادة الهاء بقوله (وللمبالغة إما مدحاً. . . أو ذماً) وفي هذا برهان لقوم يفقهون أما الغريب فقوله في مادة (لا) ما نصه لأن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض ولم يلتفت إلى أن الواو العاطفة تتقدم (أما) الثانية.
12 -
وقال في ع ج ز (والعجوز: للمرأة الكبيرة ولا تقل عجوزة والعامة تقوله) أنه قد نسي في قوله في ك ك ب (يقال: كوكب وكوكبة كما قالوا
بياض وبياضة وعجوز وعجوزة) فلماذا لام العامة عفا الله عنه؟ واللوم ظاهر من نهيه عن قولهم.
13 -
وذكر في أج ل (ويقال فعلت ذلك من أجلك بفتح الهمزة وكسرها أي من جراك) قلت هذا هو الأفصح ولم يذكر أنه يقال (فعلت ذلك لأجلك وهو الذي قال في ج ب ن (الود مجبنة مبخلة لأنه يحب البقاء والمال لأجله) وقال في س ك ن (قيل للإناث مسكينات لأجل دخول الهاء) فتأمل.
14 -
وجاء في ر ع ف (وراعوفة البئر صخرة تترك في أسفله ونص الصحاح (في اسفل البئر) فالرازي مخطئ فالصواب في (أسفلها) لأنها مؤنثة.
15 -
وذكر في أل ا (والإلية بالفتح آلية الشاة ولا تقل: إلية بالكسر ولا لية وتثنيتها آليان بغير تاء) ولكنه قال في ق ر ف ص (وهو أن يجلس على اليتيه) وثناها بالتاء ناقضاً لما بناه، وقال قبل هذا (فإذا قلت قعد فلان القرفصاء كأنك) والصحيح (فكأنك) بربط الجواب
إلى الشرط بالفاء.
16 -
وقال في ش غ ل (وقد قالوا ما أشغله وهو شاذ لأنه لا يتعجب مما لم يسم فاعله) فقال الرازي (قلت: تعليله يوهم أنه إذا سمي فاعله يجوز وليس كذلك فأنك لو قلت: ضرب زيد عمراً وقلت ما اضرب عمراً لم يجز لأن التعجب إنما يجوز من الفاعل لا من المفعول) فأقول: ليس قول الجوهري موهماً للقارئ ذلك الوهم البعيد ألا تراه نبه على ذلك في مادة ج ن ن بقوله ما أجنه شاذ لأنه لا يقال في المضروب ما أضربه ولا في المسلول ما أسله فلا يقاس عليه.
17 -
وقال في ع ش ر (ومعشار الشيء عشرة ولا يقال: المفعال في غير العشر) ولكنه يقول في ر ب ع (قال قطرب: المرباع الربع والمعشار العشر ولم يسمع في غيرهما) وهو غريب.
18 -
وقال في ع ق د (وعقد الحبل والبيع والعهد وانعقد. . . وبابهما ضرب) قلت وقد ورد (عقده تعقاداً) فضلاً عن أنه قياسي على ما نقل الأب أنستاس عن كتاب سيبويه وما رأيناه. وقد روي الجوهري في ر ت م قول الشاعر:
هل ينفعنك اليوم أن همت بهم
…
كثرة ما توصي وتعاد الرتم
مصطفى جواد
باب المكاتبة والمذاكرة
نقدنا في نظر أحد علماء مصر الأعلام
كانت (الجمعية الطبية المصرية) طلبت إلينا أن ننقد المعجم الإنكليزي العربي الذي ألفه صاحب السعادة محمد شرف بك. فلبينا طلبها وأرسلنا إليها بنقد طويل غير النقد الذي أدرجناه في مجلتنا هذه. فوقع في خمس وخمسين صفحة وحجمها حجم هذه المجلة وقد جاء أولها في الجزء الثالث من المجلة الطبية من السنة الماضية (1929) أي السنة 12 منها في الصفحة 62 من الجزء الثالث المذكور وانتهت في الجزء السابع.
ولما ظهر آخر النقد كتب حضرة شرف بك جوابا ليبين ما في نظرنا من السيئات والحسنات فجاء أوله في الصفحة 477 من الجزء السادس إلى ما بعدها ونحن ننقل هنا مستهل جوابه عما كتبنا ليظهر للناس فضل الرجل وعظم منزلته. بخلاف ما نرى من الرجال الذين نفلي مؤلفاتهم فانهم يمتعضون مما نبينه لهم ويتلقون عملنا هذا بسوء النية فيسلقوننا بالسنة حداد. بل بسهام مشبعة سما ذعافا ألم نر ما كتبه حضرة جبر ضومط حين بينا له سقطاته الشنيعة التي لا تصدر من حدث فضلا عن كهل؟ فأين آدابه من آداب صاحب الفضل والأدب والشرف؟ فدونك كلامه بنصه. قال حفظه الله:
المصطلحات العلمية الطبية
تعليق الدكتور شرف على نقد صاحب الفضيلة الأب انستاس الكرملي لمعجم شرف الطبي العلمي:
أولع العلامة الأب الكرملي باللغة العربية منذ صغره واشتغل بعلومها وفنونها فنبغ فيها من زمن بعيد. وقد شغل بها عن ملاذ الدنيا واشتهر برغبته في الغوص في بحرها الواسع. والتنقير عن دقائقها وتعرف كنه جواهرها ومقابلتها باللغات السامية واللاتينية والإغريقية. وقد اخلص وصدق في خدمته الطويلة لهذه اللغة
التي يقول عنها: (إنه لم يعشق شيئا سواها. ولم يعشق عليها ما يثير فيها الغيرة. وغيرته عليها جعلته لا يداجي فيها أحدا). وهو الآن في العقد الثامن من عمره (كذا والصواب في العقد السابع) ولا يزال في خدمتها
مجدا ومواظبا.
وقد وكلت إليه (الجمعية الطبية المصرية) أن يكتب لمجلتها نقدا لمعجمنا الذي اتخذ أساسا لتوحيد المصطلحات العلمية في البلاد العربية اللسان - فنمق لها مقالا بديعا جاء آية في البلاغة والتدقيق والاستقصاء وتكلم فيه عما في معجمنا من محاسن وقصور. آووهم وتسامح أو تساهل. بأسلوب شائق لا يحمل قارئه على الملل بل على النقيض يستحثه على الاستمتاع بقراءته والاستزادة منه. وقد عدد الأب المحترم أمورا أطال فيها ذيل القال والقيل. قال إنها تتفق وما خبره بنفسه أو وقف عليه في مطالعاته وعرض ما تراءى له من التصويبات طالبا مناقشتها حتى نهتدي إلى الصواب فيدرج في الطبعة الآتية.
ولقد تهافتت على نقد معجمنا أقلام نقاد كثيرين واشتغل ببحثه عدد من المفكرين فلم يجيء أحد بمثل ما جاء به العلامة الكرملي الذي اثبت انه من خير علماء العربية وان العراق لا يزال حاملا علم الإمامة في فنون اللغة فلله در هذا الإمام الذي ألهم هذا لعلم. وجزاه الله خير الجزاء على تدقيقاته وتحقيقاته.
والآن أستأذنه في التعليق على أقواله في فصول تقابل نقوده ومأخذه تسهيلا للمحاكمة. ولن يكون همي انتقاده فيما قال ولا إسقاط حجته ولا الاستظهار والمغالبة عليه. وإنما مرادي بيان الأرجح وان المسألة ذوقية. إذ في أقواله ما يكون مفيدا فيكشف لنا عن أصول الألفاظ وحقيقة وضعها وصحيح صورها فيجب الأخذ به. وأحيانا يلوح لي فيه بعض الغلو الذي يبعد منا للقريب ويركب البسيط.
عن عدم تنسيق درجات الألفاظ
والنص على الأفصح والفصيح والمولد والدخيل والمحدث والعامي وورود بعض الخطأ في ضبط الألفاظ:
المطلوب من واضعي المعاجم الفرنجية في هذا الزمن إثبات وجوه استعمال الألفاظ بحسب ما تعرفها الخاصة والعامة حالا. لا إظهار آرائهم الفردية فيما يجب أن تكون عليه معانيها. وليس من شأنهم خلق معان أو ألفاظ جديدة.
وقد شرحنا في مقدمة معجمنا الغرض من تأليفه، وبينا أن مهمتنا في وضعه تفوق ما يجب على زميلنا الفرنجي: بنقل أوضاع لا مقال لها في العربية وإيراد أوضاع عربية تؤدي
المعاني الجديدة وتعريب ألفاظ فرنجية أو ترجمتها، وإصلاح قصور معاجمنا العربية القديمة وإبهامها وأوهامها، وإثبات ألفاظ مألوفة لعلمة الكتاب. ويأبى البعض أن يعدها من الفصيح لأنها لم تثبت في تلك المعاجم، وقلنا أن الغرض الأول الذي وضعناه نصب أعيننا هو التدقيق العلمي وإثبات المصطلحات وما يقابلها بالعربية لا ذكر الفوائد النحوية والصرفية. ولم يكن مطلوباً مني التعمق في فقه اللغة لعدم إلمامي الكافي بذلك الفن فهذا جدير بسيبويه وابن جني والكرملي وأمثالهم. ورأيت الأجدر بي إفراغ جهدي في التمحيص العلمي وأخلصت القصد في إظهار ما في لغتنا من المزايا فأن كنت هفوت أو فاتني شيء من كنوز بحرها الزاخر لانفرادي بالعمل أو لضعف جهدي فعسى الله أن يوفق من بعدي من يكمل ما فاتني وفي تهافت العلماء على عملي دليل على أن منيتي ستحقق، ولو تضافر رهط من أمثال الكرملي على خدمة العربية لما عازها شيء لمجاراة اللغات الفرنجية الحية.
وقد وضعت المعجم لفائدة الأطباء والمعلمين والصحفيين وطلاب المدارس العصرية فكان لابد من يشتمل على أكثر الألفاظ التي يسمعونها يومياً في مختلف العلوم الطبيعية والطبية ولابد من استعمال كثير من الألفاظ المسموعة.
واللغة الفصحى لم يشع استعمالها زيادة عن القرن الأول من الهجرة وبعد ذلك كثر اللحن وتغيرت ألسنة سائر البلاد عن أصولها الفصيحة وتطورت ولم تبق كما كانت لغة التخاطب. وهذه تغيرت كثيراً عن أسلوب الكتابة وتأثرت الألفاظ بالزمن والتمدن، فأهملت ألفاظ وأدخلت ألفاظ وتغيرت معان أخرى ومصادر الكلمات الدخيلة أربعة:
(1)
ما دخل باحتكاك العرب بسائر الأقوام الذين توطنوا في العالم القديم وجاء مذكوراً في كلام مشاهير المؤلفين.
(2)
لغات بعض القبائل العربية والأصقاع المستعربة، ذكر بعضها في دواوين اللغة ولم يذكر أكثرها، ولكنا لا نزال نسمعها إذا ما طرقنا هذه الأصقاع.
(3)
ألفاظ من كلام العامة لها معان فنية دقيقة وشاع استعمالها ولا تزال مألوفة محفوظة.
(4)
كلمات فرنجية علمية لا نظير لها في العربية وهي في الغالب أسماء أعلام أو أسماء جنسية اتفقت سائر الأمم الراقية على الأخذ بها ونحن الآن في عصر التعاون الفكري
الأممي والعالم سائر إلى توحيد سبل التفاهم فلابد من إدخالها في العربية أيضاً للإيضاح التام.
في ما قيل وما أقول
(لغة العرب): ندرج هذا المقال على عهدة صاحبه من غير أن نبدي فيه الآن نظراً ولعلنا نقول عنه شيئاً إذا مكنتنا الفرصة منه.
1 -
قال عبد المولى الطريحي الأديب في 855: 7 من لغة العرب لتفسير (مولى) في قول لبيد:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه
…
مولى المخافة خلفها وأمامها
ما نصه (يريد بذلك:: أولى بالمخافة، ولسنا نعلم، بين أهل اللغة في هذا المعنى خلافاً) فأقول: يعز أن يرى المتتبع إجماعاً تاماً من أهل اللغة على تفسير لغوي، فقد قال أبو زيد القرشي في 149 من جمهرة أشعار العرب مفسراً (مولي) في هذا البيت ما حرفه (مولى المخافة: أي صاحب المخافة، قال الله تعالى: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً، أي صاحب عن صاحب) وهذا يفسخ الإجماع الذي رمز إليه الصديق، وتفسيره (بصاحب المخافة) أولى من تفسيره (بأولي المخافة) المبتعد عن الوضوح المألوف.
2 -
وقال العلامة الجليل فريتس كرنكو في 858: 7 ما أصله (فهو أشبه شيء بخط القرن الرابع) والفصيح الصريح أن يقول (أشبه خط بخط القرن الرابع) لتكون الإضافة خاصة بالخط لا عامة لكل شيء فتضنى الفائدة وتحرض.
3 -
وجاء فيها (هم ألب عليه: إذا كانوا عليه) فعلق به العلامة المذكور وأرى أنه سقطت قبل - عليه - كلمة لعلها - اجتمعوا -) فاتبعتموه أنتم قولكم (كلا: لم يسقط شيء) وأرى الحق معكم فهذا كما قال الشاعر:
خليلي ما واف بعهدي أنتما
…
إذا (لم تكونا لي علي) من أعارض
4 -
وقد مضى أنه استضعف قولي (كل كتب اللغة) فلم يفتر أن قال في 871: 7 (وكل الجزء الرابع والخامس بخط أحدث من سائر النسخة) وليس الاجتزاء بالمضاف مقيساً ولا مرجحا في هذا الأمر وفي ض ي ف من المصباح (وقد يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه إذا أمن اللبس).
5 -
وقال هو فيها أيضاً (مع محاولة صاحبها أن يجعلها نسخة كاملة في أسرع وقت) وسرعة الوقت وبطؤه لا حقيقة لهما فالساعة ساعة لا تسرع على الحقيقة ولا تبطئ فالصواب (في أقل وقت) أو (أقل الأوقات)
6 -
وقال فيها (ولما كان في أول الكتاب. . . يكون هذا المجلد) والصواب (كان هذا المجلد) لأن جواب (لما) ماض.
7 -
وقال في ص873 (وما ينقص منه قد كتب بخط حديث) وهذا تعبير مولد لأن النقصان يجب أن يسند إلى الناقص بعينه، قال الرازي في المختار (وأما قولك نقص في المال درهماً والبر مدا فدرهماً ومدا تمييز) فعلى هذا لا يقال (نقص درهم في المال) لأنه يؤذن بقلة وزن الدرهم فقط فالصواب (ونقص شيئاً فكتب بخط حديث) أما (نقص) المتعدي فليس الكلام عليه.
8 -
كنت قد خطأت في (634: 7) من قال (قصدها الناس. . . للاستشفاء لهذه الغاية) لزيادة في قوله لا وجه لها فأشعرتموني - أيها الأب العزيز - أنه توكيد وأرى أن قوله (لهذه الغاية) بعد ذكره (للاستشفاء) هو إبهام للاستشفاء لا توكيد له، فأنه لا يزيده وضوحاً ولا إثباتاً فضلاً على أنه يحتاج إلى متعلق ولا متعلق له بيد أننا لا نمنع أن يقال (لهذه الغاية للاستشفاء) على البدلية لا على التوكيد، وبتقديم المبهم على الموضح لا بالعكس. ومن أدلتكم (لا ولى رجل ذكر) وقد قال الزمخشري في الأساس (امرأة أنثى للكاملة من النساء كما يقال رجل ذكر للكامل)
له بقية
مصطفى جواد
أسئلة وأجوبة
عرقلة المرض علزة
س - القاهرة - م. ن. م. كنتم قد ذكرتم في أحد أجزاء مجلتكم الكلمة الإفرنجية الطبية يوافقها في العربية (العرقلة) أفما وجدتم كلمة أخرى غيرها؟
ج - عرقلة المرض قديمة في لغة أطباء العرب سلفاً، وقد استعمل بعضهم لفظاً آخر هو العلز (بالتحريك) قال في المخصص (67: 5). . . وقيل هو ما ينبعث من الوجع بعضه في أثر بعض كالمحموم يدخل على حماه السعال والصداع) وقيل غير ذلك. ولما كان العلز كثيرة المعاني كانت العرقلة أحسن الألفاظ ولهذا يحسن أن يحتفظ بها. ومن العجيب أن حضرة صاحب السعادة محمد شرف بك لم يذكر كلمة واحدة بازاء الكلمة الإفرنجية التي أوردناها فويق هذا إنما قال: (الأحداث مضاعفة المرض (كذا) اجتماع مرضين أو أكثر في أن واحد أوضاعاً أخرى وكلها لا تفي بالمراد.
البل
س - ومنه - وجدت في كتب علم النبات الشجرة المعروفة بالفرنسية وبلسان العلم ولم أجد ما يقابلها عندنا فهل عرفها السلف وما أسمها؟
ج - نعم عرفها الأجداد باسم البل بضم فتشديد، هذه اللغة المشهورة ويقال فيها أيضاً البل (بالكسر) والبيل (كميل) والإبل (بفتح وضم) ويسميها أهل شيراز (نار هندي) والكلمة العربية من اللغة الهندية (بيل) راجع معجم فلرس الفارسي اللاتيني ومن أسمائه باللغة اللاتينية وبالفرنسية وفي مفردات ابن البيطار (الرازي: قالت الخوز: أنه قثاء هندي (وفي النص المطبوع: قنا هندي وهو خطأ) وهو مثل قثاء الكبر. . .
أصل كلمة هيكل
س - بغداد - ب. م. م: قرأت في العراق (الجريدة البغدادية) في عددها ال 2927 مقالة يفند فيها صاحبها (محمد علي المندلاوي) ما ذكرتموه عن أصل هيكل إذ قلتم في لغة العرب (493: 7) أنه سامي النجار منحوت من (هي) و (كل) وهو ينفيه. أفهما لفظان
ساميان حقيقة أم لا صلة لهما بأم اللغات؟
ج - أسم كاتب المقال الذي تشيرون إليه اسم منتحل لا أسم حقيقي. وإنما اتخذ لنفسه ذلك الاسم ليخفي به أصله الدخيل وشعوبيته التي اتصف بها وعرف واشتهر إذ يكره العرب أشد الكراهية وإنما ينتسب اليوم إليهم لأنه يرتزق من فيضهم وآلائهم. فلا تغتروا بالأسماء التي يستعيرها فأن صاحبها يفضح نفسه من أسلوبه ومن رجوعه دائماً إلى ما يتردد في فكره الضيق الدائرة من الآراء البالية إذ لا يمكنه الخروج عنها لصغر محيطها.
أما ما ذكرناه عن أصل (هيكل) فليس لنا. إنما هو للعلامة أنطوان صوبين أحد أعضاء الجمعية الأسيوية في ص72 من كتابه المفردات الآشورية الفرنسية. أما تحليل الكلمة فمذكور في ص51 و 69 من المعجم المذكور ولا جرم أن (هي) أصله (حي) أي محل ومحلة، كما هو معروف في العربية ومسطر في جميع دواوين اللغة ولما كان الآشوريون لا ينطقون بالحاء المفخمة ويجعلونها دائماً هاء أو همزة قالوا (هي) أو (أي) أو (أ) وأما (كل) فأصلها (جل)(بالفتح) أي ومعناها جليل أي كبير كما ترونه في لسان العرب والقاموس وتاج العروس. إذن هيكل أصله (حي جل) أي محل كبير وهذا كاف لإلقام الدخيل حجراً يسد فاه إلى آخر أيامه أن كان يعقل وإلا فنحن له بالمرصاد نعود إلى رد كيده إلى نحره كلما عاد إلى الخروج من مكمنه.
وتتحقق أن الكاتب دخيل في القوم وأن لسانه الأول غير العربي من تتبعك عباراته فأنك لا تجد فيها واحدة صحيحة مصوغة صيغة عربية طالع مثلاً كلامه هذا فأنك تجد السقط فيه من أول كلمة استعملها في العنوان وهي الأمكح إلى آخر لفظة اتخذها في التوقيع المندلاوي (وهو يريد المندلي نسبة إلى مندلي)
فأنك تقضي العجب العجاب من أنه لم يقم عبارة واحدة عربية.
(تنبيه مهم) من العبث أن يخفي الكاتب نفسه بأسماء يستعيرها ظلماً هنا وهناك: إنما المهم أن لا يكتب (الأرمنية بحروف عربية) فلقد اضطررنا إلى مراجعة أديب أرمني ليفهمنا تراكيب عباراته المغلقة ولهذا تراه بهذا العمل يشهر نفسه بنفسه ويفضحها من حيث لا يدري إذ يشير إليها إشارة صريحة.
أشور أو أقور
س - الموصل - أ، س: هل جاء ذكر مدينة أشور في كتب مؤرخي العرب؟
ج - لم يجيء صريحاً بهذا الاسم أثور وأقور وزان صبور، ومنها سميت بلاد أشور: جزيرة أقور، قال ياقوت في أثور من معجمه:(أثور بالفتح) ثم الضم وسكون الواو وراء، كانت الموصل قبل تسميتها بهذا الاسم تسمى أثور وقيل أقور بالقاف وقيل هو أسم كورة الجزيرة بأسرها وبقرب السلامية وهي بليدة في شرقي الموصل بينهما فرسخ، مدينة خراب يباب ويقال لها أقور وكأن الكورة كانت مسماة بها. والله أعلم.
وقال في أقور (بضم القاق وسكون الواو والراء اسم كورة بالجزيرة أو هي الجزيرة التي بين الموصل والفرات بأسرها).
وقال في (جزيرة أقور) بالقاف وهي التي بين دجلة والفرات مجاورة الشام، تشتمل على ديار مضر وديار بكر سميت الجزيرة لأنها بين دجلة والفرات
وقال في السلامية: والسلامية هي أيضاً قرية كبيرة بنواحي الموصل على شرقي دجلتها بينهما ثمانية فراسخ للمنحدر إلى بغداد مشرفة على شاطئ دجلة وهي من أكبر قرى الموصل وأحسنها وأنزهها، فيها كروم ونخيل وبساتين وفيها عدة حمامات وقيسارية (نوع من الخان) للبز وجامع ومنارة. بينهما وبين الزاب فرسخان وبالقرب منها مدينة يقال لها أثور خربت. اهـ
قلنا: يسمي اليوم بعضهم هذه القرية سلامية (بلا أل) كأمنها منسوبة إلى سلام وزان رمان وهي مدينة العهد.
وأما أثور فأشهر من أن تذكر. ولهذا غلط صاحب القاموس وشارحه حين
ذكراها باسم قور وأضافا إليها جزيرة في مادة ج ز ر فقد قال هناك صاحب التاج ما نصه: جزيرة قور بضم القاف موضع بعينه وهو ما بين دجلة والفرات وبها مدن كبار ولها تاريخ ألف الأمام أبو عروبة الحراني كما نص عليه ياقوت في المشترك. فيتضح من هذا أن ما كان يسميه السلف في العصور الوسطى جزيرة أقور هي ديار أشور وبالإفرنجية وأن القاف لغة في الثاء ولعل أصلها الفاء وذلك أن الفاء ترد لغة في ألفاظ جمة إذ كان يصعب على كثيرين أن يميزا بينهما (راجع لغة العرب 57: 4) ثم قلبت الفاء قافاً وهذا أيضاً كثير (راجع لغة العرب 479: 4) وذكرها الهمداني باسم أثور وأثوريا
ومن هذا البسط يتبين الغلط الصريح الذي ارتكبه كل من صاحب القاموس وصاحب التاج فليصحح ولا يجوز حذف الهمزة إذ لم ترد في كلام المحققين.
الهمداني أو ابن الحائك
س - ومنه - ما قولكم في الهمداني المعروف أيضاً بابن الحائك أهو حجة عظيمة؟
ج - هو حجة في ما يقوله عن جزيرة العرب وأما ما يقوله عن البلاد التي في خارج الجزيرة فليس بحجة لأنه عثر عثرات هائلة كقوله في ص39 و 43 أن قيليقية هي قالي قلا والحال أن قالي قلا هي ارزن الروم التي تسمى اليوم ارزروم وبعضهم يقول ارضروم وأما قيليقية فهي المسماة عند الإفرنج فأين الثريا من الثرى.
وقال في ص43 فنفولية: جبل القبق والحال أن جبل القبق هو المعروف اليوم باسم كوة قاف أي قفقاسية وأما فنفولية فهي المعروفة باسم وهي ديار في جنوبي بلاد الروم تمر بها جبال طور (طورس) بين ديار لوقية وقيليقية فأين هذه من تلك؟
وفي ص43 ماوريطانية هي بلاد أندلس والحال أن موريطانية هي بلاد المغرب والأندلس في جنوبي أسبانية ولا نفهم كيف كان هذا الرجل يخلط هذا الخلط ومثل هذا كثير في كتابه صفة جزيرة العرب ومن كانت أوهامه كهذه فليس بحجة عظيمة.
باب المشارفة والانتقاد
1 -
الفتاة والشيوخ
نظرات ومناظرات في السفور والحجاب والعقل وتحرير العقل وتحرير المرأة والتجدد الاجتماعي في العالم الإسلامي، بقلم الآنسة نظيرة زين الدين. طبع في بيروت سنة 1929 في ثلاثة أجزاء الأول في ص128 والثاني في 119 والثالث في 153.
هذا كتاب فذ في مباحثه وصحة آرائه وتنسيقها تنسيقاً منطقياً ويزيد في محاسنه أنه حسن الطبع والورق منقح العبارة. كل هذه الأوصاف اجتمعت فيه حتى أخذنا نشك في نسبته إلى مؤلفته الآنسة نظيرة إلا أننا تأكد عندنا أنه لها بقولها في 1: 12 (أني أعلن على رؤوس الأشهاد، وعلى مسمع من سادة وسيدات، مسلمين ومسلمات، أني سهرت إناء الليل، وأطراف النهار، وكتبت كتابي في غرفة منفردة لم يكن لي فيها سمير ولا معين، إلا الأقلام والمحابر. . . ولم ترني فيها عين ناظر إلا عين معلمي الشرع أبي، وأحيانا عين معلمي العربي ينقح نحوا أنحوه، أو بياناً أجلوه، دون أن يشتركا في التأليف.
والكاتبة أبدعت كل الإبداع في تزييف آراء الشيخ مصطفى الغلاييني، فأنها أتت بأدلة معقولة ومنقولة مزقت بها مزاعمه أشنع تمزيق ولم تبق منها شيئاً وكل ذلك بعبارة دقيقة رقيقة لينة أذاقته بها الأمرين بلا شك. ولا جرم أن الشيخ يود اليوم أن تلك الكلم لم تكن من براعته ويأسف كل الأسف على أنه يفوه ما تفوه به على آنسة كلها أدب وخفر وحسن أخلاق وفضل جم.
وهذا الكتاب مفيد لجميع طبقات الأمة العربية، رجالها ونسائها، كبارها وصغارها. وهو سلاح فتاك بيد من يعالج حماية المرأة المسلمة العصرية ومشكاة نيرة لمن يتسكع في ظلمات القائلين بحجبها عن الناس وبإبقائها أمية لا
يحسن بها أن تتعلم الكتابة والقراءة بل تقول كلمة واحدة: أن هذا السفر الجليل مما يجب إدخاله في جميع مدارس الإناث فيكون بأيديهن أداة لدفعهن إلى الأمام ليقاومن أحسن مقاومة تيار الجهل والغباوة.
على أننا كنا ننوه أن يشار في التصحيحات الواردة في آخر الديوان إلى أغلاط الطبع التي وردت فيه، فقول الآنسة في الجزء الأول ص2 (مجاهدة متفانية) غير عربية. ولو قالت:
مجاهدة مغررة بنفسي أو مطوحة بها لكان أحسن. وقولها في تلك الصفحة: مستندة في ذلك إلى الروح الطاهرة في كتابنا. كان الأحسن أن يقال الروح الطاهر نعم أن الروح تذكر وتؤنث. إلا أنها إذا ذكرت عنت شيئاً وإذا أنثت عنت شيئاً آخر. والروح هنا جاءت بمعنى الفكر فالأوفق أن تذكر.
وفي ص3 وإذا أشواك مكدسة. والأشواك جوع شوك لم ترد في كلام الفصحاء بل في كلام المولدين. والأحسن أن يقال (وإذا شوك) وأن كانت الأشواك مستعملة في كلام بعض المحدثين من أرباب الأقلام.
وفي ص6: الشيعين في موضع الشيعين - وفيها لا ضير على النجمة اللامعة والأفصح: على النجم اللامع لأنه مفرد ويجمع على نجوم. وفي ص8 إلا مجموغ (بالغين المعجمة) والصواب بالعين المهملة - ولكن شتان (وضبطت بكسر النون) أيها السادة، بين فتاة. . . شتان بينها وبيت تسعة رهط. . . قلنا: أما ضبط نون شتان بالكسر فليس بالفصيح العالي. أفلا نرى صاحب التاج يقول: (وقد تكسر النون)؟ ونعلم أن (قد) هنا للتقليل؟ إذن فالأفصح فتح النون - وقولها شتان بين فتاة غير فصيح والصحيح شتان ما بين فتاة ليكون فاعل في الجملة.
وكذلك يجب أن يقال في العبارة الثانية: شتان ما بينها وبين تسعة رهط (راجع لغة العرب 667: 7) - وفي ص12 ولسان زاق والصواب ذق - وفي ص13 ولتسعة شهور والمعروف تسعة أشهر لأن تسعة تبين قلة الأشهر - وفي تلك الصفحة: سواء أكانوا أمريكيين أو إنكليزيين أم رهباناً أم راهبات والأفصح: سواء أكانوا أميركيين أو إنكليز، رهباناً أم راهبات إلى غير هذه الهفوات التي تعد كالخال في وجه النضيرة.
2 -
بدر التمام في شرح ديوان أبي تمام
للدكتور ملحم إبراهيم الأسود الجزء الأول طبع في بيروت في ص472
لا حاجة لنا لتعريف الناس بأبي تمام. فحسبنا أن نقول أن صاحب الأغاني قال عنه: (اخبرني عمي قال: حدثني أبي قال: سمعت محمد بن عبد الملك الزيات يقول: أشعر الناس طرا الذي يقول:
وما أبالي وخير القول أصدقه حقنت
…
لي ماء وجهي أو حقنت لي دمي
عن الأغاني 15: 10 من طبع بولاق) والمراد بهذا البيت أبو تمام الطائي.
وقد عني الدكتور ملحم بك إبراهيم الأسود بنشر ديوانه بالشكل الكامل وبالحواشي المفيدة وطبع منه الجزء الأول فوصل به إلى روي ألفاه والشرح لم يسبق إليه سابق وقد سد بنشره ثغراً كان فاغراً في لغتنا وقد توخى المحشي التبسط في التعليق مع تدقيق النظر في إبانة الأوضاع اللغوية والسلاسة في التعبير، عادلاً عن الاختصار المخل، والإسهاب الممل، إلى أقرب الطرق وأوفاها بالمطلوب فجعله بذلك على طرف الثمام وكتاب مدرسة نافعاً للمعلم والمتعلم معاً، والطبع حسن الورق صقيل ثخين.
وكل أكلنا أن أرباب المدارس يتخذونه عدة للأدب العربي الصرف ومورداً يتردد إليه أصحاب الذوق السليم الناطقين بالضاد لأن كلام أبي تمام من أرقى ما قيل ومن أبدعه نظماً وعسى أن حكومتنا أن تدخله في مدارسها ليكون ذريعة إلى تدريب أولادنا على أحسن الأساليب العربية وأمنعها تركيباً.
أننا لا ننكر أن في طبع هذا الديوان بعض أغلاط لا تخفى على القارئ وقد تكفل الناشر بتصحيحها عند طبع الجزء الثاني.
3 -
مباحث في الآداب العربية العصرية (بالإنكليزية)
بقلم أ. ز. جب
كنا قد تكلمنا عن القسم الأول من هذه المباحث (لغة العرب 6: 378) والآن أهدى إلينا حضرته القسم الثاني من مقالته هذه. فإذا هو كصنوه الأول مختوم بخاتم التدقيق والتحقيق وقد ذكر الكاتب في حاشية كل صفحة الأسانيد التي اعتمد عليها، فنهنئه بهذا الفوز العظيم.
4 -
رسام السيدة (باللغة الفرنسية)
رواية خيالية تاريخية نشرها محل مام في تور (فرنسة)، تأليف السيدة غزالة بك (غي دافلين).
عرف القراء من هي غي دافلين التي جاءت ذكراها في هذه المجلة 7: 739 و 819 وقد أهدت إلينا الآن رواية تاريخية في ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول منها يحوي المعاهدة وما دار على سليم ابن سلطان مصر الذي عقد مع مكلير
قومس درو في القسطنطينية عهداً لجيش الصليبين إسقاطاً للإمبراطور بدوين الذي لم يزوجه ابنته. فسمع بذلك الحاجب جهان الذي صار فيما بعد رساماً يرسم صور العذراء مريم وأخبر بدوين بما سمع إلا أن الخبر كان بعد أوانه إذ كسر بدوين وقبض على جهان وحاول سليم إحراقه حياً فنجاه من النار راهب أسمه برونو.
والقسم الثاني يدور على أخذ مكلير الثار من خصمه إذ وقعت منافسة بين مكلير وفران البرتغالي الذي تزوج جانة أبنة مكلير فكانت موقعة بوفين في أثر ذلك وولادة القديس لويس. فحاول مكلير قتله إلا أن سليم عهد إلى شلومو اليهودي أن يجد له ولداً مائتاً ليضعه بدلاً من الطفل المولود. فسمع هذا الحديث جهان الرسام وكان في دكانه واختطف الطفل المسروق، غير أن سليم وهم في دخوله الغرفة فأخذ طفلة مكلير التي سميت بعد ذاك (مجدة) وظن الناس فيها أنها أبنة الرسام. فثأر سيم من (يوحنا بلا أرض) ملك إنكلترا لأنه اختطف خطيبته ليلى فقتله بالسم. فبعثت ليلى الحبيسة أبنها إلى بلاط الملكة بلانش القسطيلية.
ومحور القسم الثالث. سر كتاب الساعات. وملخص هذا الباب أن هارلد أودع والدته الحبيسة التي يحبها حباً جماً (مجدة) وفضح جميع مكائد مكلير الذي أثار أعاظم الاتباع على الملكة الكفيلة. إلا أن الحقيقة تجلت أحسن تجل بفضل العهد الذي كان قد صدقه مكلير وسليم وكان مخفياً في كتاب الصلاة كتاب الراهب برونو وعرف اسم (مجدة) الحقيقي التي تشفعت في أبيها فتأثر
والدها مما جرى واستناب الله وطلب العفو والصفح من السيدة العذراء وذهب مجاهداً ليقتل في حومة الوغى فقتل. أما مجدة فإنها عرفت باسم (غسلين البريطانية) وتزوجت هارلد. وشهدت ليلى الحكم القاضي على سليم ونصرته. أما جهان فأنه ذهب إلى دير الراهب برنو وبقي فيه رسام صور العذراء وكانت الصور كلها تشبه (مجدة) كل الشبه.
وفي الكتاب صور عديدة وعدد صفحاته 280 وهو بحجم 16 وعبارته من أحسن ما يكتب في اللغة الفرنسية في هذا العصر فهو من محاسن ما خطته السيدة غي دافلين فنهنئها بهذا الظفر الأدبي الرائع
5 -
قصة الطوفان
وتطورها في ثلاث مدنيات قديمة هي الآشورية البابلية والعبرانية والمسيحية وانتقالها باللقاح إلى المدنية الإسلامية، بقلم إسماعيل مظهر صاحب مجلة العصور ومحررها، طبعت في مصر بمطبعة العصور في سنة 1929 في 77 ص.
إسماعيل مظهر مغرم بكل ما يخالف معتقد الأقوام الذين يعيش في وسطهم وقد يصيب بعض الأحيان في ما ينكره عليهم لكن في أغلب الأحايين يخطئ الهدف ونحن لا نريد أن نتعرض لتخطئة ما ورد في هذه الرسالة من الأقوال المتعلقة بالأديان إذ هذا الأمر يحتاج إلى الإسهاب في الكلام والخروج عن خطة مجلتنا: إلا أننا نتعرض لها من الوجهة الأدبية.
وأول ما يشاهد في مطبوعات العصور أغلاط الطبع فأنها تسبق جميع المطابع في هذا الميدان. فأنك ترى مثلاً على غلاف الرسالة (هي الآشورية البابلية). وفي العنوان الداخلي (هي الآشورية البابلية كذا) وفي صفحة 3: من الخضوع لهذا الضرور) أي الضرورة وفيها: (في مذاهب انحتها عن الغرض) ولعله يريد (نحتها عن الغرض) ومثل هذه الزلات لا تخلو منها صفحة.
ونراه كثيراً ما يجعل بجانب الكلمة الاصطلاحية العربية الكلمة الإفرنجية في حين لا حاجة إلى ذكرها لشيوع معرفتها عند الجميع مثل الدين والفلسفة والتأمل والعلم (ص11) إلى نحوها
وكثيراً ما يخطئ الكاتب في معرفة الألفاظ العربية الاصطلاحية فأنه ذكر في ص 15 أنثروبومورفزم أي الفكرة القائلة بتزويد الله شيئاً من الخصائص الإنسانية) والمعروف عند السلف بهذا المعنى مذهب المشبه أو التشبيه، وسمى الفلسفة الحسية بالفلسفة الإثباتية (ص8) وكيف جاز له أن يسميها إثباتية والحس أساسها والحس كثير الانخداع كما هو مقرر في علم الطبيعيات ولو سماها باسم واضعها (كونت) وقال الكونتية لكان أسلم عاقبة وأصح وضعاً، إذ هناك عدة مذاهب، دينية وفلسفية، منسوبة إلى قائلها - وسمى النزعة الذهنية (ذاتية) (ص8) والنزعة الخارجية أو الغرضية (الموضوعية) (ص9) وليراجع لغة العرب (374: 7) سبب تسمية هذه النزعتين بما ذكرنا فأنهما من وضع فلاسفة السلف - وذكر في ص8 الحالة المتنافيزيقية التي سماها العرب (الحروف أو ما وراء الطبيعة أو ما بعد الطبيعة) أو الإلهيات (راجع مفاتيح العلوم طبع الإفرنج من 134 وابن القفطي طبع الإفرنج (ص41 و 52).
والداهية الدهياء هي في إيراد الأعلام فقد جاء مثلاً (في ص30)(غزدبوبار أو ازدوبار. . . غلغامش. . . كان عدلامي أو قسي أصلاً ودماً) والصواب جسدببار أو ازدبار. . . جلجمش. . . كان عيلمياً أو (عيلامياً) أو كشياً أصلاً ودماً - ثم ذكر في تلك الصفحة الإله (شاماش) والصواب (شمش) لأن في الأصل الآشوري فتحات لا ألفات ومن هذا القبيل شيء كثير فاجتزأنا بما ذكرنا.
6 -
المدعدع
الجزء الثاني تأليف أنطانيوس سليمان نقولا الكفر حلداوي صاحب مجلة العروس في بوسطن ماس (أميركة)
وصل إلينا هذا الجزء الثاني المبتدئ ب ص 105 والمنتهي ب ص 216 وهو كتاب بكر لفن (العتابا) الحديث منظوماً نظماً فصيحاً وفي آخر كل بيتين شرح لما ورد فيهما من الغامض والطراز جديد في لغتنا الفصحى فيحسن بكل من يتتبع هذا الفن من النظم أن يقتنيه.
7 -
البلاد
جريدة يومية سياسية جامعة، تصدرها شركة رفائيل بطي وج، ملكون، صاحب الامتياز ورئيس التحرير المسؤول، المحامي رفائيل بطي.
يعرف قراء العربية الكاتب المقدام رفائيل بطي فقد أسس جريدة في بغداد سماها (البلاد) وتصدر في ستة صفحات ولا يخلو عدد منها من صورتين في أو صفحة وقد لاقت إقبالاً عظيماً من العراقيين وغيرهم. أما ثوب خطتها فهفهاف فضفاض يشف عن تساهل عظيم في الآراء حتى يمكن أن يقال عنها أنا توافق جميع الأحزاب والمذاهب والآراء والأديان من غير أن يعرف لها شيء خاص من ذلك كله. وقد صدر العدد الأول منها نهار الجمعة في 25ت1 (1 أكتوبر) سنة 1929.
والذي لاحظه الناس في عبارتها أن أغلاط الطبع تتدفق فيها تدفق السيل العرم فعسى أن تكون منزهة من هذا العيب الشائن. وهذا أقل ما يطلب منها ألم ترد أن تختط لها خطة تعرف بها دون غيرها.
وفي عددها التاسع أدرجت خطرات للرصافي فحكمت عليها إدارة المطبوعات بالاحتجاب مدة أسبوعين والحكومة المحلية بأداء قدره خمسمائة ربية فقامت بالأمرين وعادت في 26ت2 (نوفمبر) سنة 1929 بثوب أبهى من ثوبها الأول وبمباحث ألذ وأطيب فعسى أن نراها في رقي دائم ولا يدهمها ما يوقفها في سبيلها.
8 -
الفردوس
مجلة دينية أدبية تاريخية شهرية وسنتها عشرة أشهر، يصدرها القس منسي يوحنا راعي الكنيسة القبطية بملوي.
ورد إلينا الجزء الأول بحجم الثمن الصغير وفيه 16ص والمجلة مفيدة أن يريد إصلاح الأمة من وجهة الدين وهي الوجهة الحقيقية التي لا يستغني عنها امرؤ يبغي الفلاح لنفسه ولغيره.
9 -
المجلة العسكرية
السنة السادسة في 654ص بقطع الثمن
أهدى إلينا حضرة العلامة الجليل الزعيم طه بك الهاشمي السنة السادسة من المجلة العسكرية فإذا فيها مقالات نفيسة منقولة في الغالب عن الأجانب. إلا مقالات الأستاذ الزعيم فأنها من تأليفه وكلها يفيد العراقيين وغيرهم، إذ بين نتائج يراعته رأينا معركة سلمان باك (أي المعركة التي وقعت في طيسفون بين الترك والإنكليز وهي من المقالات التاريخية الجليلة وصفها واصفها الجليل أبدع وصف) - وجبال العراق وتأثيرها في الحركات وهي مقالة مبتكرة. ولو لم يكن في هذه المجلة إلا هاتان المقالتان وحدهما لكفتاهما فخراً ولدعتا محبي التاريخ والتحقيق إلى اقتنائها.
10 -
الزنبقة
مجلة علمية أخلاقية تهذيبية روائية تصدر في بيروت، لصاحبها ومحررها الياس يوسف حاطوم.
ظهر الجزء الأول منها في تشرين الأول من سنة 1929 بحجم 12 في 32 صفحة ومرماها تهذيب الأخلاق فنتمنى لها النجاح اللائق بها وبأمثالها لحاجتنا إليها في هذا
العصر.
11 -
قاموس لبنان
(يشتمل على أسماء مدن وقرى جمهورية لبنان مرتباً بشكل قاموس مع تفصيل واف عن عدد سكان كل واحدة منها ولاية مديرية ومحافظة مع وصف معاهدها وتجارتها وحاصلاتها ومن اشتهر منها رجالاً ونساء)، طبع في بيروت في 264ص بقطع 12 جمعة وديع نقولا حنا.
معجم مختصر مفيد لمن يريد أن يقف بسرعة على ما في لبنان من المدن والقرى، ويشينه سوء الطبع والورق وتزاحم أغلاط المنضدين.
12 -
اليقظة
وضيعة تصدرها نقابة عمال المطابع في بيروت (لبنان) بقطع الربع في 16ص.
صحيفة تدل على نهضة العمال في ديار الشرق فعسى أن يضافرها على مرماها
لا عمال المطابع وحدهم بل كل من تهمه ترقية الوطن العربي بشغل الأيدي والسعي الحقيقي.
12 -
الجامعة الإسلامية
صحيفة إسلامية: علم، أخلاق، أدب، تاريخ، تصدر في الشهر مرتين مؤقتاً.
دفع إلينا البريد العدد 908 من هذه الصحيفة التي تصدر في حلب بقطع الربع في 24ص وفيها مقالات متنوعة تحقق ما جاء في عنوانها وكنا نود أن تكون مهذبة العبارة قليلة أغلاط الطبع.
13 -
مجموعة قوانين المطبوعات والمطابع وحق التأليف
ترجمها وصدرها بنبذ تاريخية وعلق عليها الحواشي (طبعة ثانية)، عبد الرحمن خضر حاكم صلح قضاء دلتاوة (العراق).
هي رسالة لطيفة نافعة لكل من يتعاطى مهنة الصحافة في العراق بل في سائر البلاد. فيقتنيها العراقيون ليعرفوا قوانين مطبوعاتهم والأجانب ليقفوا على القوانين التي تتمسك بها الحكومة العراقية في هذا العهد والرسالة في صفحة بحجم 16 فنتمنى لها الرواج.
14 -
حياة المسيح
تأليف بابيني. الجزء الأول في 361 ص بقطع 12، عني بطبعه الشيخ يوسف توما البستاني.
بابيني من أشهر كتبة الإيطاليين في هذا العصر وكان من أشهر الكفرة الذين قذفتهم الأرض. إلا أنه عدل عن آرائه الأولى واهتدى إلى الله فألف كتاباً في حياة المسيح نقل إلى كثير من لغات أوربة وطالعه المغرمون بالوقوف على ما يصنفه بابيني ومن جملة اللغات التي نقل إليها كانت الإنكليزية فلما وقف على هذه الترجمة حضرة الأرشمندريت أنطونيوس بشير أحب أن يخرجه إلى لغتنا بحلة فصيحة ففعل. وهو هذا السفر الذي بيدنا وقد فتحنا اتفاقاً صفحة 104 فرأينا فصلاً عن هرودس الكبير يقول فيها المعرب:
(كان هيرودس مسخاً. . . بل كان أخبث وحش غدار من الوحوش العديدة
التي قزفت بها صحارى الشرق. كان آدومياً بربرياً. . . اغتصب المملكة من آخر حكام العصمونيين. . . أمر بقتل صهره اريستوبولوس غرقاً وممن قتلهن أيضاً وذهبوا ضحية بربريته أبنا حميه يوسف وهيروكانوس الثاني.
ونحن نرى في هذه الألفاظ شيئاً من أوهام الطبع التي تنسل إلى المنشورات على الرغم من يقظة المؤلف والمصحح ونظن أن الصواب هو: (قذفت (بالذال المعجمة أدوميا (بلا مد الألف) وأما البربري فتقابل عندنا الأعجمي لأن الرومان كانوا يعتبرون (بربرياً) كل من لم يكن من أصلهم. ومن لم يكن منهم يعتبر قاسياً ظالماً. ولهذا ليس لكلمة بربري عندنا معنى كالمعنى الذي يشير إليه أبناء الغرب.
ولا وجود للعصمونيين إنما هم الحشمونيون ولا تقل إلا ارستوبلس (لا اريستوبولوس). . . وممن قتلهم (لا قتلهن). . . وممن ذهبوا ضحية وحشيته هركاس. هكذا يجب أن تروى الأعلام أي بعد واحد في اللفظة لا بمدين أو ثلاثة كما في ارستوبولوس وهيروكانوس.
وما خلا هذه الهفوات فالترجمة حسنة سلسة العبارة لا تقعر فيها والكتاب من الأسفار التي يود القارئ أن يطالعها من أولها إلى آخرها.
15 -
كنز علي خوجة (بالفرنسية)
رواية تمثيلية في فصلين وأربعة ألواح، تأليف السيدة غي دافلين في 58ص بقطع الثمن
الصغير.
غي دافلين من مشاهير الكواتب الفرنسيات إذ لا تمضي سنة إلا وقد تتحفنا بآية من آيات براعتها البديعة وقد أهدت إلينا اليوم هذه الرواية التمثيلية المقتبسة من كتاب ألف ليلة وليلة وقد جرت حادثتها في عهد هارون الرشيد وخلاصتها أن (علي خوجة) أودع جاره (حسناً) جرة قبل سفره وقال له: عليك بهذه الجرة التي أودعك إياها ففيها زيتون. أما الحقيقة فأنها كانت تحوي دنانير وضع فوقها زيتوناً. فسكر حسن ذات يوم وأراد أن يأكل من ذلك الزيتون ولما شاهد فيها الدنانير رأى الفرصة مناسبة لسرقتها. فأخذها وكانت امرأته الوديعة منيرة تمنعه عن عمله هذا. وبعد أن مضت سبعة أعوام على غربة علي خوجة عاد إلى وطنه وطالب جاره بالجرة فأنكرها هذا عليه فرفع صاحبها دعواه إلى القاضي فلم
ينصفه. ولما كان المساء أخذ هارون الرشيد يجول متنكراً في المدينة مع مسرور وجعفر فيسمعوا صبيان المدينة يتذاكرون الدعوى. وكان بينهم صبياً أظهر ذكاء غريباً فقال: علينا أن نذوق الزيتون الموضوع في الخابئة منذ سبع سنين فلابد من أنه يمتاز عن غيره. وكان السارق قد وضع زيتوناً جديداً بعد أن أخذ الدنانير. ولهذا استحسن الخليفة رأي هذا الحدث فأمر الخليفة بإحضار السارق حسن إلى ديوانه وإحضار بستوقة الزيتون وبعض البصراء بمعرفة الزيتون فإذا الجميع يقولون: أن ما في هذه الجرة حديث فلما سمع حسن السارق هذا النبأ جن وأشار إلى الدنانير تحت حصير من حصران غرفته في حفرة حفرها تحت الحصير وكان الأمر كذلك. فلما سمعت زبيدة اتخذت منيرة خادمة لها ثم تزوجها علي خوجة. والرواية حسنة الاتساق ولو عربت لأفادت مثيراً طلبة المدارس وطالباتها. فعسى أن يقوم أحد وينقلها إلى لغتنا ليستفيد منها أبناء الوطن.
16 -
تاريخ الفنون وأشهر العصور
لسلامة موسى، عنيت بنشره إدارة الهلال بمصر في 190 ص بقطع الربع.
يحبب (الهلال) للناس ذوق الفن الدقيق ورفعهم إلى معالي الأدب الفتانة، وقد وضع سلامة موسى هذا الديوان النفيس مزيناً بأفخر الصور المعروفة وبوبها ونسقها أحسن تبويب وأسد تنسيق ولخصه عن (خلاصة الفن) للسير وليم أوربن فجاء من أبدع المقتنيات تزين بها الخزائن ودور الاستقبال إذ فيها ما يلهي الفكر ويشوق المطالع إلى عشق الفنون الراقية
واحتذاء ما فيها من الروائع.
17 -
خطط الشام
تأليف محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، الجزء السادس طبعه في مطبعة المفيد بدمشق في سنة 1928م في 428ص بقطع الثمن الكبير.
كنا قد تكلمنا على الجزء الأول من هذا السفر الجليل في مجلتنا هذه (4: 544 وعن الجزء الخامس في 5: 230) والآن نذكر الجزء السادس الذي وصل إلينا في أواخر شهر تشرين الأول من العام الماضي 1929
أن حضرة الأستاذ الكبير صديقنا محمد كرد علي له الأيادي البيض على هذه اللغة وعلى ديارها. وله الفضل الأعظم على ربوع الشام لأنه وضع هذا التأليف البديع ووفاه حقه من التدقيق والتمحيص إذ وقف على تصانيف لم تقع بيد من تقدمه وطالعها بكل روية. وهذا الجزء الأخير من هذه الخطط يدل على ما أحاط به من المؤلفات العديدة. وكنا قد لاحظنا أن حضرته يتساهل في الألفاظ في حين لا حاجة إلى هذا التسامح (راجع 6: 230) واليوم نراه أيضاً يجري في هذا المجلد على المنحى الذي ألتزمه في الأسفار السابقة. ثم زاد في هذا المجلد اتخاذه كلمات كثيرة دخيلة كان في غنى عنها كقوله في ص66: كنيسة الاكس هومو (أي صورة المسيح المكللة بالشوك) وكنيسة الدورميسيون وكاتدرائية سان اتيان وكنيسة الاغوني واديارسان سبولكر ودي لافجسيون. . . ومثل هذه التعابير الغريبة والألفاظ الشنيعة شيء جم لا يقدر فما ضره لو قال قول النصارى في مثل هذه الأحوال وذكر كنيسة المكلل بالشوك وكنيسة النياح أو النياحة (ومعنى النياح أو النياحة عند النصارى الموت بهدوء وسكون يقال ذلك عند موت الأبرار والمراد هنا بكنيسة النياح أو النياحة الكنيسة المقامة لموت العذراء مريم لأنها لم تبق في القبر زمناً طويلاً بل نقلت إلى السماء جسماً على معتقد النصارى) وكرسية (كاتدرائية) القديس اسطيفنس وكنيسة النزع وأديار القبر المقدس والجلد. . . فكان الأحسن أن يتبع مصطلح نصارى العرب في القدس وغيرها من أقدمين ومحدثين.
وجاء في ص19 (وفي بيت لحم عدة أديار وكنائس منها دير للفرنسيسكان ولأخوات القديس يوسف ديروميتم. . . ودير للكرمليين عمر على مثال قصر سانت انج في رومية
وله كنيسة ومدرسة اكليركية ومجمع الأب بيلوني. . .) قلنا أو قال: دير للفرنسيسيين (نسبة إلى فرنسيس وهو من القديسين المشهورين). . . ودار أيتام (لأن الميتم لم يرد بهذا المعنى أو قال (ميتمة) لكان أحسن
لأنه جمع يتيم وقد حذف منه المضاف كأنهم قالوا دار ميتمة) ودير للكرمليات وليس للكرملين هناك دير ولا نعلم كيف وهم صديقنا العزيز هذا الوهم اللهم إلا أن يقال أنه نقل جميع المفردات والعبارات عن تصنيف فرنسي العبارة وكان يسرع في النقل عنه ولم يتسع له الوقت ليتحقق ما يقابلها في العربية فكتب ما كتب مع اللفظة الفرنسية الدالة على الكرمليات هي والدالة على الكرمليين هي وليس لنا هناك مدرسة اكليركية إنما هي مدرسة لأباء بيثأرام وفي قوله (سانت آنج) دليل على أنه ينقل من كتاب فرنسي العبارة وإلا كان حقه أن يقول. (سان انجلو) لأن اسم القصر إيطالي ويحسن بالناقل أن يوافينا بالأعلام ما ينطق بها أهلها. وليس هناك مجمع من المجامع فكيف يكون مجمع الأب بيلوني. والصواب جمعية الأب بلوني (بلا ياء بعد الباء) وأحسن منها (جمعية السالسيين) التي تضم في أخطاءها أبناء جمعية الأب بلوني التي اضمحلت.
(لها تلو)
الأغاني
(الجزء الأول)
(لغة العرب) كنا قد انتقدنا انتقاداً عجلاً الجزء الأول من هذا السفر الجليل الذي هو فخر العرب والعربية (راجع 6: 77) ولما كان قد فاتنا شيء كثير يحتاج إلى التصريح به كتب لنا حضرة الأستاذ النقادة مصطفى أفندي جواد ما عن له في هذا الباب وها نحن أولاء ندرجه بحرفه مع الشكر الصادق له:
كتبنا عن جزئي الأغاني الثاني والثالث ما القراء به عالمون. والآن نعرض الجزء الأول مبدين فيه آرائنا شاكرين لدار الكتب ما خلدته مع الخوالد وما خلفته من المكارم ودونكم يا أيها القراء ما رأينا:
1 -
ورد في ص4 من التصدير (وهذا كتابه الذي بعث به إلى مدير الدار في هذا الشأن ناطق بذلك) ولا وجه لرفع (ناطق) بعد استيفاء المبتدأ خبر فالصواب (ناطقاً) بالنصب على الحالية وهو على غرار قوله تعالى (وهذا بعلي شيخاً)
2 -
وورد فيها (ولهذا توافرت رغبة حضرة. . .) وفي ص52 من التصدير أيضاً (لا يخطئ في قراءته من توافر له حظ قليل) قلت أن التوافر يدل على الكثرة. قال الجوهري في مختار الصحاح (وهم متوافرون: أي هم كثير) فلا محل إذن لاستعمال (توافر) هاهنا فالصواب (رغب حضرة. . . في) و (من كان له حظ قليل) أفلم يروا إلى ص7 من هذا الجزء عينه وفيها (أمر المغنين وهم يومئذ متوافرون)؟
3 -
وفيها (وأدخل فيه من التحسينات زيادة من عن الطبعتين) والأفصح زاد عليه لا عنه فليراجعوا كليات أبي البقاء من فصل الزاي في ص2 ولينظروا إلى ص21 من التصدير ففيه (فقلت: الطلاق لازم للأصفهاني أن زاد على هذا)
4 -
وورد في ص5 من التصدير (إنما يفهمون من قولك: فلان عرضة للأمراض، أن تغلب عليه بسهولة والحقيقة عكس ذلك) قلت: أن هذه الحقيقة خلاف الصواب ففي مختار الصحاح (وفلان عرضة للناس أي لا يزالون يقعون فيه وجعلت فلاناً عرضة لكذا أي نصبته له. وقوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أي نصباً) فالمراد بالنصب هاهنا: الغرض. ولينظر إلى ص424 من الجزء الثاني من الأغاني ففيه قول (ابن عبدل):
. . . بحمد الله ماض مجرب
…
وأم رياح عرضة لنكاحي
ويظهر لنا معناها من قول محمد بن سهل بعد هذا البيت (فتحاماها الناس فما تزوجت حتى أسنت) قلت ذلك فضلاً عن أن القياس يدل على أن (عرضة) بمعنى (معروض) مثل ضحكة (بضم فسكون) بمعنى مضحوك منه ولو كان (عرضة) بضم ففتح لجاز أن يكون بمعنى (عارض) نحو (ضحكة) وهمزة ولمزة ووكلة وتكلة)
5 -
وورد في ص6 من التصدير (فأن أحاديثه شيقة) والمشهور أن الشيق هو المشتاق كالقيم بمعنى المستقيم والصيب بمعنى المصيب على وجه فلا محل له هنا والصواب (مؤنسة أو مستحسنة أو شائقة) ففي ص2 من هذا الجزء قصة تستفاد وحديثاً يستحسن).
6 -
وجاء في ص51 من التصدير أيضاً (بين الجملتين التي يكاد ينقطع المعنى
بينهما) والصواب (الجملتين اللتين) لأن اللتين صفة للجملتين حقيقية فيجب موافقتها للموصوف في التثنية.
7 -
وذكر في ص52 منه (ليس في مكنة كثير من الناس فهمه أو أدرا كنهه) والفصيح
(ولا إدراك. . .) لأن الواو تجمع نفي الجملتين بخلا (أو) وفي ص9 من هذا الجزء (وأن الأخرى ليست منها ولا قريبة منها) فما دليل يؤيد ما قلناه. وحلول (أو) مكان الواو ضرورة عند الجمع المطلق.
8 -
وجاء في ص1 من هذا الجزء (ولم يستوعب كل ما غني به في الكتاب ولا أتى بجميعه) فعلقوا به
(الكثير في - لا - النافية التي تدخل الماضي أن تتكرر أو يقصد به الدعاء ومن غير الكثير قوله تعالى (فلا أقتحم العقبة. . . وعبارة المؤلف هنا من هذا القبيل) قلنا لا داعي إلى هذا التعليق وليست عبارة المؤلف من ذلك الاستعمال لأن - لا - التي يكثر تكريرها الماضي الواقعة في أول الجملة لا في منتهاها كقوله تعالى في سورة القيامة (فلا صدق ولا صلى) وقد استعملها المؤلف في آخر الجملة فلا تناسب ذلك التعليق ولها هنا ثلاثة أوجه هي (لم يستوعب. . . ولا أتى) و (استوعب. . . ولا أتى) و (لم يستوعب. . . ولا أتى) وهذا أسلوب العرب.
9 -
وورد في ص11 (البلاط) اسم موضع ولم يفسروه إلا في ص7 وهذا من مصعبات استفادة الفوائد على القراء ومخالف لفن الشرح.
10 -
وذكر في ص15 (أرقعها بسبت وأخصفها بهلب) وفي ص42 ومن جمهرة أشعار العرب من طبعة الاتحاد المصري (أرقعها بسبت واخصفها بعلب قال أبو زيد القرشي (والعلب: السير الذي لم يجد دبغه) وفي هذه الصفحة من الأغاني (أني أتيتك مستحملاً ولم آتيك مستوصفاً) وفي تلك الصفحة، الجمهرة (جئتك مستعطياً لا مستوصفاً)
له بقية
مصطفى جواد
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 -
الوزارة السويدية
صرح جلالة ملكنا المعظم بإرادته المطاعة لإنشاء وزارة بعد الوزارة السعدونية المنحلة بوفاة وزيرها الأكبر فتليت في مجلس الأعيان في 21ت2 (نوفمبر) من سنة 1929 معلنة فخامة ناجي باشا السويدي رئيساً للوزراء ثم لما عرض على سعادة الباشا زملاءه على جلالتة صدرت إرادة ثانية مثبتة إياهم وهم:
ناجي السويدي لوزارة الخارجية
ناجي شوكت - الداخلية
ياسين الهاشمي - المالية
عبد العزيز القصاب - العدلية
نوري السعيد - الدفاع
محمد أمين زكي - المواصلات والأشغال
خالد سليمان - الري والزراعة
عبد الحسين الجلبي - المعارف
2 -
السر فرنسيس المعتمد السامي في العراق
جاء المعتمد السامي الجديد راكباً الطيارة مع قرينته وابنته في الساعة الثالثة بعد الظهر 10ك1 (ديسمبر) سنة 1929 فرحب به الناس على اختلاف طبقاتهم.
3 -
خطرات الرصافي
نشر الأستاذ الرصافي في العدد التاسع من جريدة (البلاد) البغدادية مقالة سماها خطرات وجعلها في أربع نبذ:
عنوان الأول: لو كنت مصوراً والثانية عيسى المسيح والنبي العربي. والثالثة ماء الشعير. والرابعة كتاب القبض فساءت جميع المسلمين وأقامتهم وأقعدتهم ونشر بعضهم ردوداً في صحف الحاضرة استنكاراً لما أدرجه الأستاذ معروف وعطلت إدارة المطبوعات جريدة
البلاد أسبوعين بسببها.
وحاكمت الحكومة مديرها المسؤول فحكمت عليه بأداء خمسمائة ربية جزاء له على إدراج تلك المقالة.
4 -
كتاب السعدون إلى جلالة الملك
ذكرت جريدة (نداء الشعب) البغدادية عن جريدة (القبس) الدمشقية
أن المرحوم عبد المحسن بك السعدون ترك كتاباً مفصلاً في ست صفحات بين فيه أسباب انتحاره ولم يقف على هذا الكتاب أحد ما عدا جلالته ويقال أن الأندية المطلعة تؤيد أقوال جريدة القبس.
5 -
عرض الكشافة السنوي
جرى في 12ك1 (ديسمبر) سنة 1929 في ميدان الصولجان (ساحة البولو) في الحاضرة عرض الكشافة السنوي للمدارس الأميرية بحضور صاحب الجلالة الملك فيصل المحبوب والملك علي أخيه العزيز. وكان هناك جم غفير من المدعوين من وطنيين وأجانب فدل ذلك العرض على أبناء العراق من أنشط الأمم في حومة القراع العصري إذا ما دربوا تدريباً حسناً على الأصول المرعية في هذا العهد الجديد.
6 -
عطف الحكومة على أسرة المرحوم عبد المحسن
السعدون
قررت الحكومة أن تقدم إلى أسرة المرحوم راتباً دارا قدره ألف ومائتا ألف ربية في الشهر وتقديم (50 ألف ربية) لاقتناء دار للسكنى. والقيام بنفقات علي بك السعدون الذي يدرس في مدرسة برمنكهام في إنكلترا.
7 -
شارع السعدون
قرر المجلس البلدي في بغداد تسمية شارع البتاوين الواقع فيه دار المرحوم عبد المحسن بك السعدون باسمه تخليداً لذكراه ويمتد هذا الشارع من الباب الشرقي حتى الكرادة الشرقية
8 -
مائتا ساعة مطر في الموصل
احتجبت أشعة الشمس عن الموصل مدة أسبوع كامل وبدأ تهطال الأمطار الغزيرة منذ 25
نوفمبر سنة 1929 إلى ما بعده مدة (200) ساعة
9 -
معلم - مدرس - أستاذ
وزعت مديرية المعارف العامة العراقية على جميع المدارس الأميرية بلاغاً رسمياً قالت فيه أنها ستنطلق على الشخص المتخرج في المدارس الابتدائية كلمة معلم والمتخرج في المدارس الثانوية كلمة مدرس، والمتخرج في المدارس العالية كلمة أستاذ. ونحن نستحسن هذه الألقاب.
10 -
قدم حضارة أرجاء الفرات
نشر المستر وولي الأثري الإنكليزي، الذي أدرجناه له عدة مقالات في هذه المجلة وهو المشتغل بحفريات أور مقالة في الجورنال الباريسية وصف فيها بعض ما كشفه فيها من القبور الملكية وبحث عن خطورة المكشوفات بالنظر إلى ما يعرفه
العلماء عن أقدم المدنيات قال:
نجحنا في السنة الأخيرة نجاحاً باهراً في حفريات أور إذ قد كشفنا خمسة قبور ملكية هي نوعاً ما أقدم من التاريخ المعروف ولا شك أن أربعة منها قبور ملوك أو ملكات أما الخامس فقد يكون قبر أمير لم يصل إلى العرش على أنها كلها تختلف عن قبور الموتى من عامة الناس.
في داخل كل قبر غرفة أو غرفتان أو ثلاث والجدران مبنية بحجارة كلسية أو أجر ووجود الحجارة في القبور في حد ذاتها دليل على الثروة لأن أورا واقعة في واد تربه جرتها المياه إليه لا يستطيع المرء أن يجد فيه حصاة صغيرة وأقرب مقلع للحجارة يبعد مائة ميل على أقل تقدير.
والأغرب في ذلك طرز بناء تلك القبور فأن أثنين منها معقود سقفاهما بالحجارة وفي القبور الأخرى أقواس متخذة من الأجر هي أقدم ما يعرف من نوعها. نعم أنه لأمر عجيب أن يكون أولئك البناة الأقدمين قد عرفوا بناء الأعمدة والأقواس ومارسوها في ذلك العصر المتطاول في القدم على أننا رأينا العالم الغربي لم يتجل له سرها إلا بعد قرون عديدة.
وظهر في هذه القبور أثار تقديم الضحايا البشرية ولم يكن قد كشف حتى الآن ما يدل على
اتخاذ هذه الذبائح في العراق وليس في رقم الشمريين - أو البابليين ما يشير إليها ولكن ظهر من المكشوفات أن مناحة الملك كان يسبقها ذبح ستين أو أكثر من الخدم والحاشية في البلاط. وفي آخر القبر بقايا سيدات عصبت رؤوسهن بضفائر من ذهب ووضعت عليهن تيجان من النضار وفي آذانهن أقراط ذهبية وبالقرب من الباب أضجع جنود الحرس وعلى رؤوسهم الخوذ النحاسية وفي أيديهم الرماح.
وبعض الأصقال (هياكل العظام) سبوثة على أرض القبر بل يرى ثم عظام ثيران العجلان والساقة على مقاعد الثيران الستة مشدودة إلى عريش العجلة ورؤوسها وأكفالها مزينة بالفضة والحجارة الكريمة.
وإلى جانب الملكة (شوب أب) جثث وصائف الشرف في صفين وضارب العود وذراعاه تطوقان آلة طرب وهي آلة عجيبة موشاة بالذهب ومزينة برأس عجل من ذهب صنع جسمه من الحجارة الكريمة.
أما مركبة الملكة فهي مركبة خفيفة
ضاربة إلى الربدة (اللون الرمادي) وقد زينت برؤوس السود والثيران والفهود المصوغة من الفضة والذهب.
ويجر المركبة أتن وفي جنب جثث الأتن عظام الخدام الصغار الذين كانوا يسوقونها.
ومما لو حظ أن لا شيء في القبور العادية من الضحايا البشرية ولا من أثارها حتى ليس هناك رمز مصنوع يرمز إلى الذبيحة الحقيقية ولا شيء يشبه الظلوم (الصور الجدارية) كما هو الحال في مصر إذ ترى التماثيل الخشبية تمثل الذبائح في أيام ملوك الدول الأولى.
من هذا يظهر أن في ديار شمر لم تعم عادة اتخاذ الذبائح البشرية بل كانت امتيازا خاصاً بالملوك للدلالة على أنهم يختلفون عن سائر مألوف الناس وبعد ذلك العصر أي في الألف الثالث قبل المسيح أخذت السوقة تستخف بالملوك من شمر وأكد ويزدرون ما بعد الموت بل اخذ اعتبارهم يقل شيئاً فشيئاً في أمورهم حتى في حياتهم أيضاً. ولعل الملوك قديماً كانوا يعدون كالآلهة وكان يجب على الناس أن يمجدوهم بسفك دماء أبناء جنسهم.
وجدت ثلاثة من هذه القبور منهوبة على أن اللصوص لم يأخذوا كل ما فيها إذ وجد بعض الكنوز الأثرية وخباء مناحة الملكة (شوب آب) لم يصب بأذى - وجدت الملكة مسجاة في نعش وعليها حلة مغطاة بالحجارة الثمينة والذهب وقد عصب رأسها بالعصائب والتيجان
والأزهار والحلي الذهبية التي تشبه الأمشاط الأسبانية وإلى جانبها الواحد تاج منقوش عليه صور صغيرة جميلة هي صور حيوانات وأزهار وأثمار وإلى جانبها الآخر هدايا لا تعد بينها آنية ذهبية ورأس عجل دقيق الصنع.
ومجموع هذه النفائس العادية لا يثمن ويملأ متحفه وهي ليست بنماذج فن في عصر لم نكن نعرف أفكارنا وآراءنا في قضية نشأة الحضارة ونمو المدينة تصحيحاً جوهرياً.
أن قبور أور هي أقدم من قبور أول ملوك مصر المتحدة بلا شك ونحن نعلم أن مدينة مصر حين كانت حضارة الشمريين حضارة قديمة العهد وكل من رأى مكشوفات أور لا يستطيع أن يحسبها مصوغة في بداءة عهدها فنستنتج
من هذا أو وادي الفرات سبق وادي النيل في الحضارة وهو بث النور في العالم المعروف في عهده فكانت مصر أول من أقتبس منه أنوار الحضارة في الشرق وقد تلقتها منه مباشرة أو اعتنافاً.
11 -
قاصد الجزيرة وكردستان وأرمينية
عين الكرسي الرسولي الأب أنطونين درابية من الأخوة الواعظين قاصداً رسولياً للجزيرة وكردستان وأرمينية الصغرى، خلفا للمرحوم السيد فرنسيس دمنك بيرة، وفي الوقت عينه سقف على رئاسة أسقفية نيكسار (المسماة عند الإفرنج نيو سيزرة أي قيصرية الحديثة) وفي يوم الأحد 22 ك 1 (دبسنبر) منه سنة 1929، وسم سمة الأسقفية وكان واسمه السيد فرنسيس داود الكلداني مطران العمادية وآزره في الأمر سيادة المطران دلال السرياني والمطران نسيميان الأرمني الكاثوليكي فنهنئ سيادة الحبر الجديد بمنصبه الجليل ونتوقع أن تقوم على يده عدة أمور تحتاج إلى الإصلاح.
12 -
والد وحش يقتل طفلته
حدث نزاع في بيت سليمان بن رشيد من محلة الشيخ فتحي في الموصل وبين زوجته شكرية بنت محمود أدى إلى مشاجرة فظيعة حملت الزوج الوحش سليمان بن رشيد على أن يطلق عياراً نارياً من مسدسه على طفلته البالغة من العمر 28 يوماً فأرداها جثة هامدة بعد أن دخلت الرصاصة في فم الطفلة وخرجت من رأسها. وقد هرع رجال الشرطة إلى محل الجناية وقبضوا على هذا الوالد الوحش وسلموه إلى العدالة.
13 -
دفنة غريبة
كان في صباح 16 كانون الأول (ديسنبر) سنة 1929 خمسة أناس في المستشفى الملكي في بغداد. وكان بين الموتى ثلاثة رجال مسلمين ونصرانية ويهودية فلما حان الدفن جاء أقرباء اليهودية (من بيت عزرا نيسان) وأخذوها وكفنوها وطيبوها على عادة اليهود ودفنوها في مقبرتهم. ولما جاء أصحاب المرأة النصرانية (وهي فهيمة امرأة يوسف رومانس) من طائفة الكلدان لاحظوا أنها ليست بها. ولما بحثوا عن الأمر بحثاً نعما تحققوا أن اليهود أخذوها خطأ ودفنوها على سنتهم فاضطر أصحاب النصرانية إلى أن نبشها من قبرها بعد محاورات ومجادلات طويلة ورفض اليهود تسليمها وفي الأخر خرجت النصرانية من مدفنها ثم نقلت إلى كنيسة الكلدان صلي عليها بعد أن كفنت على السنن النصرانية. وهذا أول حادث سمعنا به من هذا القبيل.
العدد 77
- بتاريخ: 01 - 02 - 1930
خزائن بسمى القديمة
1 -
محتويات الخزانة
كان في القطر العراقي خزائن عديدة لقدماء البابليين والآشوريين مطمورة في قلب الأرض، وقد كشف عنها أهل الحزم والعزم من ديار أوربة واميركة فسجلوا لهم ولبلادهم بذلك مكرمة، ومفخرة سامية، يتناقلها الخلف مدى الأجيال والدهور المقبلة.
كانت تلك الخزائن تشمل على مئات الألوف من صفائح الأجر، المكتوب فيها تاريخ العراق القديم وقد طالع الأثريون نحو مليون صفيحة فوقفوا فيها على آداب الشمريين والبابليين والآشوريين وغيرهم من شعوب بين النهرين العريقة في القديم، فسجلات حكوماتهم ورسائل كتابهم وصلوات أتقيائهم وأدعية وأناشد متعبديهم وزهادهم ووثائق تجارهم وأغنيائهم وخرافات واعتقادات عوامهم وعرافة كهنتهم وعلاجات أطبائهم دونت كلها في مؤلفات ونشرت في أطراف المعمورة. فأخذ القراء يطالعونها كما يطالعون سائر الأسفار على اختلاف الموضوعات.
وقد ذهب الأثريين إلى أن في المتحفة البريطانية اليوم نحو مائة متر
مكعب من صفائح الأجر تقدر بخمسمائة مجلد وفي كل مجلد خمسمائة صفحة كبيرة فيكون مجموع صفحات هذه المؤلفات 250. 000 صفحة تؤلف خزانة برمتها فيستطيع الكاتب الملم بلغة تلك المصنفات أن يؤلف كتباً نفسية تمثل حياة البابليين وعلومهم وفنونهم وصناعتهم ولنذكر لذلك مثالاً مما قام به الأستاذ طمسن:
اشتهر قدماء الآشوريين شهرة واسعة في الكيمياء وقد برعوا في تركيب الزجاج وتلوين ومنه الزجاج الأحمر الياقوتي يدخله قليل من الذهب ليكون فيه هذا اللون ويدخله أيضاً (الأثمد) واسم (الأثمد) في اللسان الآشوري (أبار)(وزان سحاب) فنقله قدماء العرب باسم (أبار)(كشداد) عن الفرس والفرس عن الآشوريين وخص بعضهم الآبار بالرصاص الأسود وآخرون بالقصدير ومنهم من ارتأى غير ذلك من الأسماء فاكتفينا بهذه الإشارة.
ووضع مؤخراً الدكتور كمبل طمس كتاباً في كيمياء قدماء الآشوريين وصفة الأستاذ هلمبرد الكيماوي في مجلة (نيتشر) فقال أنه مبني على ما أكتشف من آثار الآشوريين في الخزانة
الملكية الآشورية في نينوى فأن فيها وصفاً دقيقاً لعمل أنواع كثيرة من الزجاج وتلوينه يمتد تأريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد وبعد أن جاء على ذكر طائفة من المفردات الآشورية التي تقابل في لفظها ومعناها الألفاظ العربية قال واغرب من ذلك كله أن كلمة (كبلتو) الآشورية تقابل كلمة (كوبلت) العنصر الذي عرف حديثاً وقد حللت أنواع الزجاج التي وجدت في خرائب أشور فوجد في الزجاج الأبيض حاذي (أكسيد) القصدير وفي الأزرق نحاس وفي الأحمر الحاذي (الأكسيد) وفي الأصفر أثمداة (انتيموناة) الرصاص ولنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول:
عثر المنقبون على بضع خزائن في أمهات مدن العراق القديمة فاستخرجوا من مدافنها عاديات وأساطين ومسلات وألواحا حجرية وصفائح أجر منقوش عليها أنباء الأقدمين وأساليب عيشهم تعادل زنتها ذهباً بل تفوقها في نظر أرباب التحقيق والتدقيق ومنها خزانة أشور بنيبل في نينوى الحافلة بأصناف الأسفار الثمينة التي اشتملت على مائة ألف صحيفة أجراً مرسوم عليها تاريخ
قدماء العراقيين وقد عثر هرمزد رسام الموصلي المولد والمنشأ في أطلال (أبو حبة)(سبر) عام 1881 على نحو 60. 000 لوح وحفر أعراب البادية في خرائب تلو (أي لجش) وهي شربرلا القديمة فوجدوا صفائح أجر كثيرة جداً بحيث أخذ يبيع الحفارون ملء قارب من العاديات بخمسة قروش صحيحة وبهذه المناسبة أطلق على أنقاض الخرائب تل اللوح أي تل الصفائح وقد قدر عدد تلك العاديات الأستاذ بارفت بثلاثين ألف أجرة وفي نفر وجد المنقبون (بضع آلاف) لوح. وخلاصة القول أن الأثريين عثروا في العراق على مقادير جسيمة من الآثار ما يشيد مدينة بدورها وحوانيتها وعرصاتها ومعابدها ومعاهدها وشوارعها في كل من أشور وبابل.
لم يتوقع النقابون في بسمى أن يعثروا على خزانة تضاهي خزائن المدن الأخرى العظيمة في بادئ الأمر بيد أن الفعلة حينما كانوا مجدين في النبش عثروا على عاديات في هليز قائم في الرابية الرابعة وراء القصر فاستبشروا خيراً وضاعفوا جهودهم فتمكنوا من التقاط خمسين عادية من تلك الأنقاض وبينها وجدت أصغر عادية عثر عليها المنقبون في أطلال بسمى وكان حجمها مربعاً وهي أقل من نصف قيراط ومن العادات ما كان محطماً وعلى إحداها أسم الملك مطبوعاً وبينها وجد كتف تمثال صغير مصنوع من الهيصمي والحفر
عليها طامس ولم يظهر منه سوى أثر طابع يتضمن أسم لوجال وهو أحد حكام أدب.
وفي اليوم الثالث وجد النقابون 150 عادية أيضاً وفي اليوم الرابع ثلاثمائة وفي اليوم الخامس خمسمائة وخمساً وعشرين عادية وهو أكبر عدد وجد في نهار وأحد فيكون مرتفع ما اجتمع في خمسة أيام 1175 وكان بدء اكتشاف هذه العاديات في الرابع والعشرين من شهر نيسان عام 1904 واستمرت أوقات العثور عليها حتى الثامن والعشرين منه.
2 -
نظام الخزانة
كانت هذه العاديات جميعها مكدسة في أرض غرفة واسعة تحت عمق مترين
من التراب وقد بحث النقاب الأميركي ليعثر على رفوف هذه الخزانة فلم يفز بطائل لأن العاديات كانت مدفونة بصورة ركام ولا أثر للعناية بتنسيقها أو تبويب محتوياتها فكانت العادية الكبيرة بجنب الصغيرة. بينها المستديرة الشكل والمربعتة والمسنمة والقائمة الزوايا وبعضها رقيقة وغيرها ثخينة ومنها محكمة الصب وأخرى غير متقنة الصنع ومنها مشوية وأغلبها غير مشوية قصمة وقد أسفرت تنقيبات المنقبين عن كشف 2500 عادية ومعظمها مثلم الأطراف ومشطور شطرين وقد وجدت خمسمائة عادية سالمة من العطب صحيحة الكتابة وبعد أن جمعت وأزيح عنها ما علق بها من الغبار المتلبد وقرء ما فيها فإذا هي صكوك وعقود ووصولات وسندات تنبئ عن بيع حبوب وحيوانات داجنة وصوف وغير ذلك وبينها رسائل ولا أثر للقيود التاريخية ولا للترانيم والمزامير والقصص والأمثال كما كشف منها في خزانة نينوى ومما يؤسف منه أنه سطا على خزانة مدينة أدب من انتزع منها آثار مخطوطاتها الحجرية الثمينة وترك تلك التي عثر عليها لقلة أهميتها في عالم العلم والتاريخ وقد جاهر بعض المنقبين من الفعلة أنهم سمعوا من شيوخ البادية أن هذه البقعة قد نقب فيها أحد النصارى قبل الإسلام وهذا ما أعاد إلى ذاكرة النقاب الأميركي حكاية أشور بنيبل وصورة جمعه آثار العراق وتأسيس خزانة نينوى العظيمة فقد ورد في إحدى صفائح الأجر أنه أرسل طائفة من عماله إلى بلاد بابل كلها ليبحثوا في مدنها العامرة والغامرة ويجمعوا ويستنسخوا ألواحها الحجرية وذلك منذ 668 ق. م.
عثر المنقبون في القصر في القصر الواقع في الرابية الرابعة والقصر قائم بالقرب من موضع الخزانة على أجر مربع الشكل في الزاوية الغريبة من ذلك المحل بيد أن القسم
الأعظم من الأجر كان مشيداً في صدر البناء وقد سقط مقدم الجدار ووجدت أجرتان منها منقوشاً عليهما أسم الملك جميل سن فان هيئة الأجر وعمر البناء وصورة الكتابة تدل على عصر ذلك الملك ويذهب بعض الأثريين إلى أن جميل سن ملك أور لم يقطن هذا لقصر، بل سكنه فريق من عماله. فقد وجد خانمان بين الأجر محفور فيهما أسماء حكام المدينة الذين اشتهروا في ذلك العهد القديم باسم (فاتيشي) وكانوا كهنة وحكاماً معاً وقد قطنوا هذه المدينة.
3 -
عهد مدونات تلك الخزانة
لم تكن صفائح الأجر جميعها من عهد الملك جميل سن بل كان كثير منها أقدم من عصره فقد وجد ثلاثة طوابع حجرية محفورة عليها أسم نرم سن أي سنة 2700ق. م وقد عثر المنقبون على ثلاث شظيات كبيرة من الأجر من عهد قديم جداً وإحدى تلك الشظيات وجدت تحت الأرض في غور نحو مترين ونصف متر بالقرب من الزاوية الغربية من الغرفة وكان طولها ثلاثة عشر سنتيمترا وعرضها عشرة سنتيمترات وثخنها ستة سنتيمترات ولم تكن هذه الشظية سوى ربع الأجرة قبل انحطامها وكانت مكتوبة من كلا طرفيها والكتابة طويلة تتضمن ستة حقول أي أعمدة وكانت الحقول مقسمة في مربعات، ويحتوي كل مربع على كلمة واحدة أو مبدأ مادة. وكانت صور تلك الكتابة على جانب عظيم من الأهمية. لأن حروفها كانت غريبة لعلماء الآشورية وسببت مشاكل عديدة لحل رموزها تلك الرموز التي تشبه الطلاسم عند من لا يعرف شيئاً من إسرار تلك اللغة القديمة.
ووجد أحد الفعلة في أساس الجدار القائم في الجنوب الشرقي من الغرفة قطعة أجرة أخرى ذات لون أسمر وكان طولها تسعة عشر سنتيمتراً في عرض ثلاثة عشر وثخنها ستة سنتيمترات وكان طول هذه الأجرة قبل أن تتحطم ثلاثين سنتيمترات في عرض عشرين وكان مسطوراً على وجهها سبعة حقول وعلى قفاها حقلان وهذه مقسمة إلى مربعات وصورة حروف كتابتها تشابه تلك التي تقدمتها والقطعة الثالثة كانت أصغر من القطعتين المذكورتين وتشمل على حروف قليلة.
وقد عثر النقابون في هذه الغرفة أيضاً على قطعة من المرمر طولها أحد عشر سنتيمتراً
ونصف سنتيمتر في عرض ثمانية وهيئتها أنها مسنمة وحروفها غريبة الكتابة بصورة مستطيلة ممدودة ومعظم تلك الحروف قد طمس لأحداث طبيعة حدثت لها ويصعب قراءتها وترجمتها.
وألفى النقابون في هذه الخزانة أصغر عادية من الأجر تختلف عن غيرها في شكلها وحجمها وإذا قوبلت بالعاديات التي وجدت في الروابي الأخرى في مختلف العصور فأنها تساعد على حل كثير من المشاكل المتعلقة بصنع الأجر وتطره حتى بلوغه
درجة الكمال وانتشاره في الأصقاع البابلية كما نشاهد أشكاله اليوم في المتاحف الأوربية والأميركية على اختلاف صورها ورسومها وقد ظهر من التحريات أن الصلصال لما أتخذ لأول مرة في العالم صحيفة للتدوين والكتابة كانت الأجرة تطبع بشكلين مختلفين الواحد بهيئة مستديرة تشبه الكرة الصغيرة والأخر مسنم وهو يشبه الأجر في العصر الشمري وكلا هذين النوعين تدرج في سلم التطور فأمسى بشكل مستطيل كما كان منتشراً في عصور بابل الأخيرة.
4 -
أجرة التدوين وشكلها ونوع كتابتها
وأعلم أن علماء الآشورية أجمعوا على أن الأجرة في أقدم عصورها كانت مستديرة الشكل تكاد تماثل شيئاً الكرة من الطين وتقارب الاستدارة وتشبه كرة الأرض في تسطح قطبيها إذا أخذ طرفاها يستويان شيئاً فشيئاً على توالي الأزمان حتى غدت تضارع قرصاً وظهرت زواياها في ذلك القرص بصورة جلية ثم انبسطت حتى أصبحت مربعة وحينما أخذ الناس في أول عهدهم يدونون أفكارهم على الأجر أصبح المربع مستطيل الشكل قائم الزوايا ليصلح للكتابة. هذا ومن الأثريين من يذهب إلى أن الأجر المسنم كان في أول أمره مستديراً أيضاً ولم يكن نقل صورته إلى شكل قائم الزوايا إلا خطوة إلى الأمام فالطرف المقبب غدا أكثر استواء والطرف المنبسط أصح أشد حتى عم انتشاره وألف شكله البابليون القدماء.
وكان حجم صفحة الأجرة يتعلق في تلك الأيام على نوع الكتابة ومقدار السطور المراد إثباتها في تلك القطعة فأن أصغر صفحة أجر اكتشفت في بسمى كانت مربعة الشكل وحجها أقل من عقدة إصبع وتتضمن كل صفحة منها كلمة تشتمل على حرفين بخلاف
صفحات الأجر في نينوى فأن طول الواحدة منها لا يقل عن ثماني عشرة عقدة ولا عرضها عن قدم وصفحاتها مقسمة في حقول كصفحات الجرائد اليوم وتحتوي على مئات من السطور المتراصة الدقيقة الكتابة أما في الأزمنة الواغلة في القدم فكانت الحقول في صفحات الأجر الكبيرة مقطعة في أشكال مربعة وكل مربع يتضمن كلمة وكانت العناية منصرفة قليلاً إلى تأليف الحروف وتنظيمها وملائمة صورها فكانت تكتب تارة إلى فوق
وأخرى إلى تحت وأحياناً من اليمين إلى الشمال أو مبعثرة هنا وهناك لتلائم ذوق الكاتب ومشوبة في ما ينقشه إزميله حتى باتت تختلف اختلافاً عظيماً عن العبرية والعربية والسريانية ومعظم اللغات السامية. فالحروف كانت تكتب دائماً من اليسار إلى اليمين وكان الكاتب في الأزمنة القديمة يعتني اعتناءً فائقاً بطبع الأجرة في قالب وفي صورة يلائمان ما يريد نقشه من الكتابة حتى أنه كان يرسم سطوراً عليها كما نسطر اليوم الكاغد بخطوط مستقيمة وأحياناً يرسم خطوطاً في الطول وفي العرض ثم يؤتي بالطين وهو طرأ فيرسم عليه صورة الكتابة بقلم من النحاس أو الخشب وحروف هذه الكتابة تشبه الأسافين أو المسامير، ولهذا اشتهرت بالخط المسماري وبعد أن يتم ذلك توضع الأجرة في الشمس لتجف أو في أتون لتشوي وعلى هذه الصورة تصبح صلبة كالحجارة التي لا تؤثر فيها الأحداث بسهولة. وقد أهمل رسم السطور في الأجر بعد أن تدرجت الكتابة في سلم الارتقاء والتقدم وباتت الحروف تكتب بأسلوب حسن ودقيق.
5 -
مغلفات المدونات
أخذت الحروف والعلامات تنضم شيئاً فشيئاً وتنقش متراصة حتى يضطر إلى حلها عناية عظيمة ومهارة فائقة ليعرف ما فيها وقد استنبط قدماء أهل بابل غلافاً من الطين أو المغلف فكان يغلف به ما يراد حفظه من التلف والدثور وعلى هذه الصورة كانت العادية من الأجر بعد كتابتها وتجفيفها أو شيها تغطى بغلاف رقيق من الطين وكان يعاد كتابة ما تضمنته على الغلاف وأحياناً يكتب طرف منها ليكون بمثابة عنوان لمضمونها.
كان غلاف صفائح الأجر في الغالب صغيراً وثخيناً بحيث يعرف من شكله وكثيراً ما كان يسمع للصفحة صوت داخل الغلاف إذا حركت واشتهرت الظروف وعم استعمالها في عصر أور أنجور وحمرب ولهذا كثر وجودها في خرائب بسمى وبرتقي عهد اختراع
الظروف في بابل إلى أربعة آلاف سنة قبل زمانا هذا.
وقد اكتشف شكل آخر من صحائف الأجر بحجم كبير مستدير حتى كاد
يكون مسطحاً من الطرف الواحد ومستديرا من الطرف الآخر والصحائف التي من هذا الطرز كانت في الغالب غير متقنة الصنع ولا تامة الشيء ولا تحوي أكثر من سطر أو سطرين من الكتابة وفيها إحدى العلامات مكررة بضع مرات بصورة مبهمة ومعقدة وقد ذهب الأثريين إلى أن هذه الصحائف كانت بمثابة ألواح لتمرين تلامذة المدارس كما تستعمل اليوم في مدارسنا الألواح الحجرية لهذه الغاية ومنهم من ذهب إلى أن هذه الألواح كانت تتخذ نماذج للخطوط وارتأى آخرون أن هذه المدونات المسطور فيها علامات معقدة كانت دليلاً للكتبة يهتدون بها إذا خانتهم ذاكرتهم في تصوير الحروف المطلوبة في الكتابة وقد وجد المنقبون مواشير مثمنة الجوانب أو مسدستها ومنها مربعة وأسطوانية ومخروطية مدفونة في جدران المباني العمومية كالقاعات والحمامات والمعاهد تنبئا عن انتشارها في ذلك العهد القديم.
6 -
أصل الخط المسماري وتدرجه
أن في درس منشأ الحروف المسمارية الخط فائدة عظيمة لعشاق التاريخ ومحبي الآثار إذ أن أقدم صور الحروف المسمارية كانت مصورة ونشأ استعمالها بين الشمريين وبأزمنة طويلة قبل أن يعم انتشارها عند الساميين ولعل ذلك كان قبل حلول الشمريين بين النهرين لأن المنقبين لم يعثروا على كتابة من هذا القبيل وذلك مما يؤيد الفكرة القائلة بأن الشمريين كانوا قد استعملوا تلك الكتابة القديمة قبل احتلالهم ربوع العراق أي قبل تدرجهم في سلم الحضارة حينما كانوا قبائل رحلا يتنقلون من مكان إلى آخر ويعتقد جمهور من أرباب التحقيق أن اكتشافات كتابة هؤلاء الأقوام الرمزية تماثل الخط المصري القديم. والمسألة التي تهم الباحث خاصة هي: أللمصريون اقتبسوا كتابتهم المختصة بالتصاوير الرمزية من الشمريين أم هؤلاء اقتبسوها من أولئك بعد تنقيح وتعديل أم أن شعباً آخر أتخذ تلك الصور الرمزية فأنقرض ولم يخلف شيئاً من أثاره سواها وقد صانها الشعب الظافر من الضياع والدثور؟.
فهذه الآراء أراء طائفة من المؤرخين سوف تؤيدها أو تنقضها الاكتشافات الأثرية المقبلة وبعد هذا البيان الوجيز نقول: كان الخط المسماري في أول نشأته
صوراً رمزية أصطلح
عليها أهل ذلك العصر لتفيد معاني خصوصية ثم تدرج شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى ما نشاهده اليوم في إتقان حروفه ومن الصور الرمزية المصطلح عليها للتفاهم والتخاطب: النجوم وأصابع اليد والقدم والشمس المشرقة فوق الأفق والسمكة والطير. والكتابة المركبة من هذه الصور وغيرها كانت شائعة الاستعمال عند الشمريين في بابل والصور الأصلية كان رأسها موضوعاً إلى الشمال فقط وأصابع القدم مقلوبة والقصبة مطروحة والسمكة قائمة على ذنبها وأن اختلفت هذه الأوضاع يمكننا أن نميز بينها ونعرف حقيقتها وقد وجد الحفارون أن الصور المرسومة بخطوط مستقيمة ومنحنية كانت محفورة على الحجارة وليست مطبوعة على الأجر ومن هنا نستدل على الشمريين أقبلوا من بلاد جبلية والحجارة فيها ميسور حصولها أكثر من الطين.
أن هذه الصور الرمزية التي تقوم مقام الحروف وجدت منقوشة على الأواني والتماثيل واستخرجت من هيكل أدب القديم وأتخذ الصلصال مادة للكتابة قبل عصر سرجون بزمن قليل ثم طرأ على الحروف تغيير بين فنشأت الخطوط بطبع أداة حادة الطرف على الطين والخط المقوس كان يصعب على الكاتب رسمه بتلك الآلة أي الأداة وطرف الآلة المقابل لليد كان ينطبع في الطين انطباعا عميقاً فكان يحصل من ذلك الضغط علامة اسفينية الشكل وكان من الصعب أن يتكون خط متساوي الغور على طول السطر وعلى هذا المنوال تحولت الخطوط المتوسطة إلى مستقيمة والخطوط المستقيمة أصبحت أسفينية والصور الرمزية فقدت كل خاصيتها الأصلية. وعلى تمادي الأيام إذا الخط المسماري شائعاً مقبولاً عند الخاص والعام وتطورت الكتابة في عصر حمرب (حموربي) وما بعدة فأهمل كثير من العلامات والحروف ومنها الأسافين واضحة الكتابة أبسط مما كانت عليه فكان أسهل على الكاتب أن يرسم خطاً من أن ينقش أسفيناً وفي أواخر أيام الدولة البابلية تحسنت الحروف وأخذت تكتب بصورة جلية جداً.
كانت كتابة الجمل والعبارات تتألف من كلمات مزدوجة التركيب وهذه تفرعت فتدرجت من وضع علامتين أو أكثر معاً الواحدة بجنب الأخرى أو من ضم علامة إلى علامة أخرى لتعبر عن معنى خاص ومن تلك العلامات المتحدة
كلمة مطر فأنها تتألف من علامتين هما سماء وماء وكلمة دمعة ترمز إلى العين والماء وعلامة فم تدل على الطعام ومنها أشتق فعل
أكل وعلامة رقم ثلاثين تشير إلى شهر ومفردها إلى يوم وعلى هذا النحو تركبت ألوف من الكلمات واتخذت في كلام البشر الأولين.
7 -
ثمن المكشوفات
تعد مدونات الأجر التي في الرابية الرابعة من أنفس الآثار المكشفة هناك بيد أنه وجد بينها قليل من الختوم الأسطوانية الخالية من أثر الإتقان ومن تلك الآثار منقار من العاج وقبل أن يغادر النقابون تلك الرابية حفروا في أنقاضها عمق ثلاثة أمتار ونصف متر هناك عثروا على جدران مشيدة بالطين وشقف (قطع من الخزف). وبينما كان معظم الفعلة ينبشون غرفة الخزانة كان الباقون متفرقين في أطراف الرابية وكشفوا جداراً يضم غرفاً صغيرة وفي إحداها طابع صغير أسود من الفخار المجوف هرمي الشكل طوله ثلاثة سنتمترات وقطره سنتيمتران ونصف سنتيمتر تدل كتابته على عصر متأخر ووجد النقابون في موضع آخر أربع قطع من موشور مربع الأطراف من طين وأجرة معلمة بخطوط وفيها بضع أسطر من كتابة مقلوبة كأنها نسخة من كتابة نقشت على خاتم وبين أثاث منزل وجد صحن من الفخار، لونه أسمر ضارب إلى الحمرة قطره أربعة وخمسون سنتيمترا وعمقه ثمانية عشر سنتيمترا ويقسم إلى أربعة أبيات صغيرة (خانات) متقطعة بصورة صليب وكان بينها تماثيل صغيرة ولعب صبيان، منها حية وكلب وخنزير وسلحفاة صغيرة وكلها متخذة من الفخار ومدهونة بدهان أبيض وهي العروض الوحيدة التي كشفت في بسمى مدهونة بذلك الدهان وكانت أرض غرف القصر التي وجدت فيه هذه الآثار مرتفعة عن أرض الصحراء بنحو أثنى عشر متراً.
وعثر المنقبون في بحثهم عن الآثار على قلبين (بئرين قديمتين) في الطرف الغربي من الرابية الرابعة أن نزح ما فيها من النبائث ظهر أن إحداهما مطوي بالأجر المسنم وقد رمم جداره بطاباق مستطيل معلم بثلاثة خطوط محفورة كأنها أخاديد وكانت سعة فوهته من الجانب الواحد إلى الجانب الآخر ستة وسبعين
سنتيمترا ثم أخذ قطرها يتسع شيئاً فشيئاً ثم اتسعت دائرته بسرعة حتى بلغت مترا ونصف متر وكان عمق القليب أثني عشر مترا وثخن جدرانه نحو أربع أجرات وكان سالماً من كل ضرر كأن البناء قد أتمه قبل هنيهة ووجد في قعره نحو مائة قدح للشرب مصنوعة من الفخار ويظهر أنها سقطت اتفاقا ووجد
فيها أيضاً أثنتا عشرة جرة ماء وإناءان صغيران من الحجر وخرزتان من اللازورد مقطوعتان بهيئة الماستين أما القليب الثاني فكان مطوياً بالأجر المربع من عصر أور أنجور ملك أور كان مبنياً بناء متيناً وبديعاً للغاية وسعته سعة القليب الأول.
8 -
فوائد المكشوفات العلمية
وقد استفاد الأثريون من هيئة بناء هذين القليبين ومن شكل أجرهما فوائد جمة ساعدتهم على حل معضلة تاريخ القصر المجاور للخزانة فأن القليب المشيد بالأجر المسنم دلهم على أن عهد القصر يرتقي بناؤه إلى زمن صنع ذلك الأجر بهذا الشكل وهو من أقدم عصور حضارة البابليين وقد بحث المنقبون عن أثار ذلك القصر فلم يفوزوا بطائل لأن رمال الصحراء غطته منذ قرون عديدة حتى غدت كثباناً فوقه فجميع الهمم التي بذلت في كشفه ذهبت أدراج الرياح ومن المنقبين من يذهب إلى أن دولة فاتحة قوضت أركان القصر ودكت أسواره فمحت معالمه والقليب الذي نحن بصدده يدل أيضاً على أن قوماً أتخذ ذلك القصر مسكناً له ورممه بأجر مستطيل مخدد وهيئة طوابع الأجر تشير إلى عصر سرجون الأول وابنه نرم سن لا يبعد أنهما اتخذا من هذه البئر مورداً لخيلهما وقد هجرت على أثر اضمحلال القصر أما البئر الثانية المحكمة البناء فقد شيدها اور انجور وشرب منها هو وخلفاء دولته ومن وأتى بعدهم من سكان الدور القائمة على منحدرات الرابية حتى قوت ربوع المدينة وظعن عنها أصحابها فأخذت البئر تمتلئ من رمال الصحراء حتى جاء من أزالها عنها أي أولئك النقابون الإجلاء وطهرت من الرمال المتراكمة فيها منذ أجيال.
9 -
الخاتمة
هذا ملخص تاريخ الخزانة والقليبين وزمن وجودها مع طرف من أنباء القصر الذي عفت معالمه ودرست أثاره ذيالك القصر الذي لم يوقف له على نبأ يروى غليل المؤرخ المدقق والأثري المحقق فعسى أن تجلى عنه الغوامض في ما يكشف بعد هذا الحين.
رزوق عيسى
أعلام قصيدة أخت الوليد بن طريف
1 -
توطئه
أجود أشعار العرب مراثيها. والقصيدة التي رثت بها الفارعة أو فاطمة أو ليلى بنت طريف بن الصلت بن طارق بن سبيجان بن عمر بن مالك الشيباني أخاها الوليد بن طريف الشاري راس الخوارج في خلافة هرون الرشيد من هذا الجيد المروي يدلك على ذلك اهتمام اللغويين والمتأدبين بها واستشهادهم ببعض أبياتها، وأول ما اتصل بنا من هذه القصيدة بيتان نقلهما أبن جرير الطبري المتوفي سنة 310هـ (922م) في عرض كلامه على مقتل الوليد في حوادث سنة 179هـ 795م إذ يقول:
(وفيها رجوع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدت شوكته وكثر تبعه فوجه الرشيد إليه يزيد بن مزيد الشيباني فراوغه يزيد ثم لقيه وهو مغتر فوق هيت فقتله وجماعة كانوا معه وتفرق الباقون فقال الشاعر:
وائل بعضها يقتل بعضاً
…
لا يفل الحديد إلا الحديد
وقالت الفارعة أخت الوليد:
أيا شجر الخابور مالك مورقا
…
كأنك لم تجزع على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلَاّ من التقى
…
ولا المال إلَاّ من قنا وسيوف
واعتمر الرشيد في هذه السنة في شهر رمضان شكراً لله على ما أبلاه في الوليد ابن طريف فلما قضى عمرته انصرف إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج ثم حج بالناس فمشى من مكة إلى منى ثم عرفات وشهد المشاهد والمشاعر ماشياً ثم أنصرف على طريق البصرة.
وأما الواقدي فأنه قال (لما فرغ عمرته أقام بمكة حتى أقام للناس حجتهم) إلا، ويأتي بعده ما نقله أبن عبد ربه المتوفي سنة 328هـ 940م الذي يقول:
(وقالت أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها الوليد بن طريف):
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً
…
كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتلا لا يريد العز إلَاّ من التقى
…
ولا المال إلَاّ من قنا وسيوف
فقدناه فقدان الربيع فليتنا
…
فديناه من ساداتنا بألوف
خفيف على ظهر الجواد إذا غدا
…
وليس على أعدائه بخفيف
عليك سلام الله وقفا فأنني
…
أرى الموت وقاعاً بكل شريف
وقد ساق أبو الفرج الأصبهاني المتوفي سنة 356هـ (967م) قصة الوليد بن طريف الشاري بعد أن نسب تلك المرثية إلى ليلى أخت طريف ونقلها على الوجه الأتي:
بتل نباتي رسم قبر كأنه
…
على علم فوق الجبال منيف
تضمن جوداً حاتميا ونائلا
…
وسورة مقدام ورأى حصيف
ألا قاتل الله الجثا كيف أضمرت
…
فتى كان بالمعروف غير عنيف
فان يك أرداه يزيد بم مزيد
…
فيا رب خيل فضها وصفوف
ألا يا لقومي للنوائب والردى
…
ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى
…
وللشمس همت بعدة بكسوف
أيا شجر الخابور مالك مورقاً
…
كأنك لم تحزن على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلَاّ من التقى
…
ولا المال إلَاّ من قنا وسيوف
ولا الخيل إلَاّ كل جرداء شطبة
…
وكل حصان باليدين عروف
فلا تجزعا يا أبني طريف فأنني
…
أرى الموت نزالاً بكل شريف
فقدناك فقدان الربيع وليتنا
…
فديناك من دهمائنا بألوف
وعاد فروى البيت السابع والبيت الثامن من هذه القصيدة وعززهما بالتاسع ولكنه نقله على هذا الوجه:
ولا الذخر إلَاّ كل جرداء صلدم
…
وكل رقيق الشفرتين خفيف
ومن الذين استشهدوا ببعض أبيات هذه القصيدة أبو علي القالي المتوفي سنة 356هـ (966م) أيضاً فقد ذكر الأبيات الثلاثة المتقدمة التي أعاد روايتها الأصبهاني ولم يغير منها إلَاّ منها إلَاّ كلمة (تحزن) ب (تجزع) وألحقها ببيت رابع هو:
عليك سلام الله حتما فأنني
…
أرى الموت وقاعاً بكل شريف
ومع استشهاد أبي علي هذه الأبيات فأنه لم ينسبها إلى قائلها بل أقتصر على قوله وأنشدني بعض أصحابنا.
ومنهم أبو هلال العسكري المتوفي سنة 395هـ (1004م) فقد قال: ومن الكلام المستوي
النظام الملتئم الرصيف قول بعض العرب) ونقل البيت السابع والبيت الثامن على الوجه الذي نقله القالي إلَاّ أنه نقل البيت التاسع كما يلي:
ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة
…
واجرد شطب في العنان حنوف
ثم أردفها بالبيتين الآتيين:
كأنك لم تشهد طعاناً ولم تقم
…
مقاماً على الأعداء غير خفيف
فلا تجزعا يا ابني طريف فإنني
…
أرى الموت حلالا بكل شريف
ونقل المطهر بن طاهر المقدسي بعض أبيات هذه القصيدة التي عزاها للفارعة بنت الطريف على ما يلي:
ألا يا لقوم للحتوف وللبلى
…
وللدار لما أزمعت بخسوف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى
…
وللشمس همت بعدة بكسوف
ولليث فوق النعش إذ يحملونه
…
إلى وهدة ملحودة وسقوف
بكت جشم لما استقلت عن العلى
…
وعن كل هول بالرجال مطيف
أيا شجر الخابور مالك مورقا
…
كأنك لم تجزع على أبن طريف
فتى لا يعد الزاد إلا من التقى
…
ولا الكال إلا من قنى وسيوف
وفي هذه الأبيات من التصحيف والتحريف أكثر من سواها مع أن ناشر
الكتاب المستشرق الأفرنسي الأستاذ كليمان هوار المتوفي سنة 1345هـ (1926م) هو من المتأخرين ولا بد أن يكون أطلع على رواياتها العديدة فكان حقيقاً به أن يعلق على الأبيات ويصحح أغلاطها في حواشيه ونقل ياقوت الحموي المتوفي سنة 626هـ 1228م البيت السابع والبيت الثامن على الوجه الذي نقلها القالي في أماليه والعسكري في الصناعتين.
ونقل ابن الأثير المتوفي سنة 630هـ (1232م) القصيدة كما هي في الأغاني إلا أنه وقع فيها بعض التصحيفات فجاء بتاثا بدل نباتي في صدر البيت الأول وقلب بدل رأي في عجز البيت الثاني وعفيف بدل عنيف في عجز الثالث وقد بدل إذ في صدر السادس وتجزع بدل تحزن في عجز السابع.
واكثر العلماء اهتماماً بهذه القصيدة هو أبن خلكان المتوفي 681هـ (1282م) فقد قال في ترجمة الوليد المذكور: وكان له أخت تسمى الفارعة وقيل فاطمة تجيد الشعر وتسلك سبيل
الخنساء في مراثيها لأخيها صخر فرثت الفارعة أخاها الوليد بقيدة أجادت فيها وهي قليلة الوجود ولم أجد في مجاميع كتب الأدب إلا بعضها فاتفق أني ظفرت بها كاملة فأثبتها لغرابتها مع حسنها وهي هذه:
بتل نهاكي رسم قبر كأنه
…
على جبل فوق الجبال منيف
تضمن مجداً عدملياً وسؤدداً
…
وهمة مقدام ورأى حصيف
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً
…
كأنك لم تحزن على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى
…
ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم
…
معاودة للكر بين صفوف
كأنك لم تشهد هناك ولم تقم
…
مقاما على الأعداء غير خفيف
ولم تستلم يوماً لورد كريهة
…
من السرد في خضراء ذات رفيف
ولم تسع يوم الحرب والحرب لاقح
…
وسمر القنا ينكزنها بألوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى
…
فإن مات لا يرضى الندى بحليف
فقدناك فقدان الشباب وليتنا
…
فديناك من فتياننا بألوف
وما زال حتى أزهق الموت نفسه
…
شجا لعدو أو نجا لضعيف
ألا يا لقومي للحمام وللبلى
…
وللأرض همت بعدة برجوف
ألا يا لقومي للنوائب والردى
…
ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى
…
وللشمس لما أزمعت بكسوف
ولليث كل الليث إذ يحملونه
…
إلى حفرة ملحودة وسقيف
ألا قاتل الله الحشى كيف أضمرت
…
فتى كان للمعروف غير عيوف
فان يك أرداه يزيد بن مزيد
…
فرب زحوف لفها بزحوف
عليك سلام الله وقفا فأنني
…
أرى الموت وقاعا بكل شريف
قال ولها فيه مراث كثيرة ذكر بعضها ومن جملتها البيت الذي نقله الطبري وعزاه إلى الشاعر وقد ذكره في ترجمة يزيد بن مزيد الشيباني ضمن أبيات هي:
يا بني وائل لقد فجعتكم
…
من يزيد سيوف بالوليد
لو سيوف سوى سيوف يزيد
…
قاتلته لاقت خلاف السعود
وائل بعضها يقتل بعضا
…
لا يفل الحديد غير الحديد
وقد شرح أبن خلكان موضع التل فقال وتل نهاكي أظنه في بلد نصيبين.
وقد نقل عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحمن العبادي العباسي المتوفي سنة 963هـ 1555م. القصيدة كما نقلها أبن خلكان إلا أنه سمى أخت الوليد بليلى وأبدل من القصيدة بعض كلماتها مثل نباثا بدل نهاكي وعلم بدل جبل (وجودا حاتميا ونائلا) بدلاً من (مجدا عدمليا وسؤددا) وسورة بدل همة وقلب بدل رأى وأيا بدل فيا وتجزع بدل تحزن ولفيف بدل رفيق وواقع بدل لافح وينهزنها بدل ينكزنها ولم يرضى بدل لا يرضى ولجا بدل نجيا وبرجيف بدل برجوف وقد هوى بدل إذ هوى والردى بدل الحشئ وعليه بدل عليك.
وقد قال عن البيت الثاني: ورأيت في تاريخ أبن خلكان هذا البيت على غير هذا الوضع وهو:
تضمن مجدا عاصميا وسؤددا
…
وهمة مقدام ورأي حصيف
وتقدم معنا أن ابن خلكان قد نقله: تضمن مجدا عد مليا (الخ)
وحدث في الطبع غلط في (بتل) فجاءت (نثل) ولعل القصيدة نقلت في كتب أخرى وبصورة مختلفة لم نطلع عليها.
وقد جاء أحد المعاصرين وهو الأستاذ السيد عبد الله العفيفي المصري برواية جديدة للقصيدة لم يشر إلى مصدرها وهي أطول مما تقدمها من الروايات وفي كلماتها بعض اختلاف وهي منسوبة إلى ليلى بنت طريف التغلبية:
بتل نباتي رسم قبر كأنه
…
على جبل فوق الجبال منيف
تضمن جودا حاتميا ونائلا
…
وسورة مقدام ورأي حصيف
ألا قاتل الله الحشى كيف أضمرت
…
فتى كان للمعروف غير عيوف
فالا تجبني دمنة هي دونه
…
فقد طال تسليمي وطال وقوفي
وقد علمت أن لا ضعيفاً تضمنت
…
إذا عظم المرزى ولا أبن ضعيف
فتى لا يلوم السيف حين يهزه
…
على ما اختلى من معصم وصليف
فتى لم يحب الزاد إلا من التقى
…
ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة
…
وأجرد عالي المنسجين غروف
فقدناه فقدان الربيع وليتنا
…
فديناه من فتياننا بألوف
وما زال حتى أرهق الموت نفسه
…
شجا لعدو أو لجا لضعيف
حليف الندى أن عاش يرضى به الندى
…
وأن مات لا يرضى الندى بحليف
فإن يك أرداه يزيد بن مزيد
…
فرب زحوف فضها بزحوف
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً
…
كأنك لم تحزن على ابن طريف
ألا يا لقومي للنوائب والردى
…
ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى
…
وللشمس همت بعدة بكسوف
ولليث فوق النعش إذ يحملونه
…
إلى حفرة ملحودة وسقوف
بكت تغلب الغلباء يوم وفاته
…
وابرز منها كل ذات نصيف
يقلن وقد أبرزن بعدك للورى
…
معاتد حلي من برى وشنوف
كأنك لم تشهد مصاعا ولم تقم
…
مقاما على الأعداء غدو خفيف
ولم تشتمل يوم الوغى بكتيبة
…
ولم تبد في خضراء ذات رفيف
عليك سلام الله وقفا فأنني
…
أرى الموت وقاعا بكل شريف
2 -
تل نباتي والحشى
وقد حشى الأستاذ العفيفي على نباتي فقال: عين بالبصرة كما أن طابع كتاب الأغاني حشى عليها بمثل ذلك نقلا عن القاموس على أن الذي في معجم البلدان لياقوت نباتي بالفتح والضم أسم جبل ولم يعين موضعه.
وكذلك حشى السيد العفيفي على الحشى فقال عنها: عين قرب المدينة والذي في ياقوت: الحشى واد بالحجاز وجبل الأبواء بين مكة والمدينة وموضع في ديار طيئ.
3 -
نفي الصلة بين الخابور ونباتي والحشى
وأنت ترى أن لا صلة لحادثة في الخابور بعين في البصرة وأخرى بالحجاز والخابور نهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة له ولاية واسعة وبلدان جمة غلب عليها أسمه فنسبت إليه وأخر شرقي دجلة الموصل.
وقد وردت نباثا وبتاثا بالمثلثة والحشى باسم الحسى بالسين المهملة والجثى بالمثلثة ولا شك
في أنها جميعاً صحفت عند النقل على أن للأخيرتين في اللغة ما يشفع لهما ويجعلهما أقرب للمعنى من تلك العين أو ذلك الجبل فالحسى كإلى، سهل من الأرض يستنقع فيه الماء أو غلظ فوقه رمل يجمع ماء المطر وكلما نزحت دلوا جمعت أخرى جمعها أحساء وحساء.
وجثا الحرم بالضم والكسر ما أجتمع فيه من الحجارة التي توضع على حدود الحرم أو الأنصاب تذبح عليها الذبائح.
وإذا جاز لنا أن نبعد المدى ونطلق لأنفسنا عنان الاشتقاق والتمحل فنستطيع أن نقول أيضاً في صدد نباثا ونبيث: النبيثة تراب البئر والنهر.
4 -
الرجوع إلى الروايات الخطية
إلا أن كل هذا ليس بالذي عنته الشاعرة التي كانت متأثرة بمصيبتها الفادحة فكانت تستعين بما حولها من النبات والجماد فذكرت التل وارتفاعه والخابور وشجرة الجثا وإضمارها تلك الروح الثائرة.
بقي علينا أن نتثبت في صحة هذه الأعلام التي وردت في هذا الشعر الصادر من صدر مكلوم ونفس مهتاجة ولا سيبل لنا إلى ذلك إلا بالرجوع إلى بعض المخطوطات التي ذكرها فيها.
وقد كنت قرأت في فهرس دار الكتب المصرية أن فيها نسخة مخطوطة من الجزء الثاني من وفيات الأعيان وفي هذا الجزء ترجمة الوليد بن طريف الشاوي فاطمأنت نفسي إلى أنني أجد ضالتي فيها فكتبت إلى مدير الدار اسأله المعونة على هذا التحقيق البسيط الذي ضيقت دائرته وحصرته في كلمتين اثنتين هما نباتي والحشى ومضى الشهر تلو الشهر فلم يحر المدير جواباً فقلت لعل له عذراً وأنا ألوم.
بيد أنني أقول بكل أسف أنني ما سألت عالماً غربياً من المستشرقين ودور الكتب الأوربية سؤالاً من هذا القبيل إلا أجبت عنه بدقة وتفصيل أكثر مما طلبت. هذا وأنا أكتب للقوم باللغة الضادية لا برطانتهم الأعجمية فيتحملون عناء الترجمة والبحث والاستقصاء والإجابة في حين أن جارتنا الشرقية تضن علينا بفتح صفحة من الكتاب وكتب بضع كلمات دون اضطرار لترجمة أو تعريب. ثم رجعت إلى موظف كبير من موظفي الدار وسألته نفس السؤال فكان نصيبي من الثاني كنصيبي من الأول وكان أسفي من هذا أشد
لأنني أنزلت آمالي بمن خيبها.
ولذلك اضطررت إلى صرف الأستاذ سليم أفندي قبعين مجلة الإخاء في القاهرة عن عمله عدة ساعات وحملته على الذهاب إلى دار الكتب المصرية ومراجعة الكتاب المذكورة وبالرغم من كثرة مشاغله الصحافية فقد كتب إلي يقول:
راجعت الجزء الأخير من وفيات الأعيان الذي نسخة في أواخر ذي القعدة الحرام من شهور سنة 1043هـ 1604م على يد عبد الكريم بن أحمد بن العسكر بن محمد بن عمر بن علي بن جريشة المزي بلدا الصالحي منشأ الحنفي مذهباً الحنيفي ملة فإذا به يقول:
(وكان للوليد المذكور أخت تسمى الفارعة وقيل فاطمة (وقيل أنها لعبد الملك بن بجرة النمري الرسعتي وقيل لمنصور بن بجرة يرثي بها الأزرق بن طريف النمري) تجيد الشعر وتسلك سبيل الخنساء في مراثيها لأخيها صخر إلى آخر ما في النسخة المطبوعة أما القصيدة فقد جاء في مطلعها:
بتل بناتي رسم قبر كأنه. . .
وفي البيت السادس عشر:
إلا قاتل الله الحثا حيث أضمرت. . .
وقد مد الناسخ الحاء وجعل في وسطها وجاء سينا وجاء في العبارة التي أوردها تحت القصيدة: وتل بناثي في برية الموصل في بلد نصيبين.
5 -
الاختلاف بين المخطوط والمطبوع
أن الجملة التي وضعناها بين عضادتين وهي (وقيل أنها لعبد الملك الخ). لم ترد بتاتا في المطبوع وليس هناك محلها ولعلها سقطت بعض كلماتها وكانت ترمي إلى أن القصيدة قيل لعبد الملك أو المنصور وعلى كل حال فقد أتتنا هذه العبارة بشيء جديد في الرواية.
وأهم الاختلاف هو في التل ففي المطبوع نهاكي وفي شرحه أظنه في بلد نصيبين وفي المخطوط: بناثي وفي شرحه في برية الموصل في بلد نصيبين كما تقدمت الإشارة إليه.
ومن الاختلافات ورود الحثا في المخطوط وأن كانت تقرأ الحشا أيضاً لأن الناسخ مد في الحاء والثاء ووضع فوقها النقط الثلاث. والذي في المطبوع الحشى وليس من الاختلاف بين المخطوط والمطبوع في القصيدة ما يؤبه له سوى (ينهزنها) بدل (ينكزنها) في عجز
البيت الثامن من رواية أبن خلكان و (عفيف) بدل (عنيف) في عجز الثالث عشر و (حفرةد) بدل (حفردة) و (شقيف) بدل (سقيف) في عجز الخامس عشر وهي تصحيفات بسيطة ظاهرة لا تغير المعنى ولا يؤثر عليه وهي من فعل النساخ.
6 -
وجه الصواب في هذين العلمين
بالرغم من أن النسخة المخطوطة من وفيات الأعيان التي نقلنا عنها تقول بتل بناثي بالباء الموحدة التحتية والنون الموحدة الفوقية أننا نرجع أن الناسخ قد اقتصر على وضع نقطة واحدة على الثانية فتكون الروايات المتكاثرة على أنها نباتي هي مصحفة عن بتاثا التل الواقع في برية الموصل في بلد نصيبين إذ لا علاقة أبداً لنباتي العين بالبصرة في حادثة بالخابور.
أما الحشى فإذا لم تكن قد تصحفت عن الجثا وقد تقدم الكلام عليها فيكون قصد الشاعرة أن تلك الحجارة بالرغم من أنها في نظرها هي كالتي توضع على حدود الحرم أو هي كالأنصاب التي تذبح عليها الذبائح فهي تدعو وتقول قاتلها الله لأنها أضمرت ذلك الفتى الفذ والجثوة مثلثة الحجارة المجموعة ألم تكن مصحفة عن ذلك فهي موضع يغلب أن يكون الحشى.
ولا أدري أاسم الموضع هو (الحشى) أم حسكة التي نسبت إلى الحسك - وهو نبات له شوك - ويكثر نبته فيها كان السكان ولا يزالون يلفظونها بصورة أحسجه فتكاد تسمع السين والجيم من أفواههم كأنها شين كما أكد لي أحد الذين أوصلتهم الرحلة إلى تلك الجهات هي عنتها الشاعرة بقولها:
ألا قاتل الله الحشى كيف أضمرت. . .
فإذا كان أسمها الحشى فيكون قد تحرف الاسم اليوم فأصبح يلفظ حسجه وهي اليوم قرية على صفة الخابور في الحد القاصي لسورية.
والذي يجعلنا نميل إلى الأخذ بهذا الرأي هو ما كتبه صديقنا الوطني الكبير الأستاذ السيد فارس الخوري الدمشقي عن حسجه عندما كان مبعداً إليها ورفقاءه
الأحرار السوريين أنه سأل أهلها عن الوليد بن طريف فأجابوه بأنه يوجد قبر على الخابور يبعد ساعات عن حسجه يسمونه قبر أبن طريف ويحسبونه من أولياء الله قال: أما أسم التل فقد تبدل.
8 -
الخلاصة
وبعد فأن في اختلاف روايات الرواة والنقلة الذين ذكروا تلك المرثاة الطائرة الصيت البعيدة مدى الشهرة ما يؤيد ظنون الأستاذ عبد اللطيف ثنيان في الأغلاط التي وقعت في طبعات وفيات الأعيان وأتى على بعضها في مقالته (كتاب وفيات الأعيان) بل نرى أن الغلط والتحقيق لم يقعا في الكلمات والمعاني بل تعدياهما إلى الأعلام كما بسطناه لك في ثنايا هذا الكلام.
وربما كان الخطب يسيرا في كتاب وفيات الأعيان إذا قيس بغيره فأن أغلاطه تكاد تستقصي وتحصى.
والذي علمته بالممارسة والاختبار أن أكثر الأشعار تصحيفاً هي التي وردت في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي الذي يظهر أن ف. وستنفلد طبعة عن نسخة مخطوطة قليلة الأعجام فجاء مشحوناً بالأغلاط والتحريفات.
وتكاد تضيق الصحف عن أن تسع أمثلة من تلك التصحيفات الكثيرة التي نقلت إلى الطبعات المصرية حذو النعل بالنعل دون نقد أو تمحيص.
والذي زاد الطين بلة طبعة للمرة الثانية في ليبسك سنة 1344هـ 1925م بالزنكوغراف نقلاً عن الطبعة الأصلية وبحروفها فأصبحت نسخة المتداولة بالأيدي مغلوطاً في أشعارها.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب) في خزانتنا ثلاث نسخ خطية من وفيات الأعيان لأبن خلكان: اثنتان منها غير تامتين وواحدة تامة فالنسخة الأولى تبتدئ بالهمزة وتنتهي بآخر حرف السين أي بسهل بن محمد الصعلوكي وليست بمؤرخة لأن الورقات الخمس الأخيرة مزقت ووضع في مكانها الورقات جديدة فيكون هذا
الجزء بمثابة المجلد الأول من الكتاب المذكور.
والنسخة الثانية تنضم على الجزء الثاني والثالث والخامس وهي بحجم صغير طول الصفحة من كل منها 17 سنتيمترا في عرض 12 وكلها بخط مؤلفها كما هو مكتوب عليها فهي من هذه الجهة من نفس النسخ. والجزء الثاني يبتدئ ببعض حرف الحاء وينتهي بحرف العين المهملة والجزء الثالث يبتدئ بأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الجوزي إلى أبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة والجزء الخامس يبتدئ بالمسبحي
وينتهي بالحاكم بأمر الله العبيدي. أما بقية الأجزاء فقد سرقت في سقوط بغداد يف آذار سنة 1917 ولم نتمكن من استعادتها.
والأجزاء تكاد تتهرأ من تداول الأيدي لها وفي أوائل صفحاتها أسماء العلماء الذين طالعوها والورق يشهد على أنها للمؤلف فضلاً عن أن أسم المؤلف مذكور في كل جزء من هذه الأجزاء الثلاثة ولسوء الحظ لم نجد في الجزء الخامس ترجمة الوليد بن طريف الشاوي لنبحث فيها عن الرواية الأصلية بخط المؤلف.
أما النسخة الخطية التامة التي عندنا فدونك حروفها الأخيرة كما هي: (نجز الكتاب المسمى وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان بحمد الله تعالى ومنه وكرمه وذلك في نهار الخميس ثامن عشر شهر شوال سنة ثلث وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها من الله أفضل الصلوة والسلام).
وفي النسخة 813 صفحة دقيقة الحروف بديعة الخط ترمذية الورق والأعلام مكتوبة بالحمرة في قلب السطر ومكررة في خارجه وفي كل صفحة 29 سطرا. وطول الصفحة 28 سنتيمترا في عرض 16 وطول المكتوب من الصفحة 20 سنتيمترا في عرض 11 وقد عبث به الأرضة كل العبث وقد تعرضت بنوع خاص للحواشي البيض التي ترى حول الكتابة وأن أضرب بالكتابة في بعض المواطن إلا أن الطائفة الكبرى من الصفحة محفوظة أحسن حفظ وبعض الألفاظ مضبوطة ضبطاً كاملاً بديعاً لا يبقى للمحقق ريبا في ما يطالعه. وبين هذا النص المخطوط والنص المطبوع طبعات عديدة فروق جليلة ولهذا يحسن بالعلماء أن يعيدوا طبع هذا السفر النفيس الذي هو من كنوز لغتنا ويعارضوا نسخة بعضها ببعض وهو مما يقيم للسلف الشرف السامك الباذخ بين علماء مصنفي التراجم.
وقد طالعنا القصيدة التي يشير إليها صديقنا (المخلص) فرأينا فيها اختلافات طفيفة وإليك نقلها (من ص 589 من نسختنا):
بتل نهاكي رسم قبر كأنه
…
على جبل فوق الجبال منيف
تضمن مجدا عدمليا وسؤدداً
…
وهمة مقدام ورأي حصيف
فيا شجر الخابور ما لك مورقا
…
كأنك لم تجزع على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى
…
ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء ملذم
…
وكل رفيق السفر بين حليف
كأنك لم تشهد هناك ولم تقم
…
مقاما على الأعداء عين خفيف
ولم تستلم يوماً لدرء كريهة
…
من الرد في خضراء ذات رفيق
ولم تسع يوم الحرب والحرب لاقح
…
وسمر القنا ينهزنها بأنوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى
…
فأن مات لا يرضى الندى بحليف
فقدناك فقدان الشباب وليتنا
…
فديناك من فتياننا بألوف
وما زال الموت نفسه ضحى
…
شجا لعدو أو نجا لضعيف
ألا يا لقومي للحمام وللبلى
…
وللأرض همت بعده برجيف
ألا يا لقومي للنوادي وللردى
…
ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى
…
وللشمس لما أزمعت بكسوف
ولليث كل الليث إذ يحملونه
…
إلى حفرة ملحودة وشقيف
ألا قاتل الله الحدا حيث أضمرت
…
فتى كان للمعروف غير عيوف
فأن يك أرداه يزيد بن مزيد
…
فرب زحوف لفها بزحوف
عليك سلام الله وقفا فأنني
…
أرى الموت وقاعاً بكل شريف
وقد جاء في الحاشية بخط أحدث من خط الكاتب الأول ما ننقله بحرفه قال:
(الحدا في الأصل من بلاد اليمن ولما ظعن بعض من مراد إلى الديار التي سميت بعد حين بديار ربيعة وهجم عليهم في مربعهم الجديد سبع تذكروا موطنهم الأول الذي تنتابه الوحوش فسموا موطنهم الجديد باسم موطنهم القديم أي الحدا.
وقد روى بعضهم في مكان الحدا الجثى وهي جمع جثوة وهي الربوة الصغيرة وجماعة الحجارة تقام على القبر والقبر نفسه وموطن في ديار ربيعة فيه ربوة
أو جثوة ترى من بعيد).
وبعد هذه النقول لا نرى رأي حضرة الصديق المخلص أن الحشى هي التي تسمى الحسكة اليوم، لو فرضنا أن رواية النسخة الخطية المصرية صحيحة لا غبار عليها وأنها واضحة القراءة لا شبهة في أنها الحشى إذ لا مجانسة بين الحسكة والحشى وأن كان بادية العراق تلفظ جيما فارسية أو عجمية لا لهذه الكلمة فقط بل لكل كلمة فيها كاف مثل سمك وشبك
وشباك. . فأنهم يلفظونها سمج وشج وشباج بجيم مثلثة فارسية أي بين الجيم العربية والشين (راجع لغة العرب 5: 638 حيث ذكرنا الحسكة ولفظها).
أما رأينا الخاص فهو أن الكلمة الحقيقية هي الجثى (بضم ففتح) جمع جثوة أركام الحجارة الموضوعة على القبر لأن أهل البادية يفعلون اليوم ما كان يفعله أجدادهم في سابق العهد وهو أنهم أرادوا دفن ميت لهم اختاروا له المرتفع القريب منهم حتى يهتدوا من بعيد إلى ميتهم إذا أرادوا الاختلاف إليه. وألم يكن في جوارهم أرض مرتفعة وضعوا على قبره تراباً وسنموه ثم وضعوا فوقه ما تيسر لهم جمعه من الحجر أو المدر ويسمون هذا المجموع الجثوة أو الجثى كما سمعناها من لسانهم.
وفي ديار العرب عدة مواطن مسماة بالجثوة للأسباب التي ذكرناها وربما هناك من يذهب إلى غير ما ذهبنا، ولعل رأيه يكون غير بعيد من الحق بل يكون مقبولاً. أما أن الحشى هي الحسكة فهذا ما نستبعده ولا سيما وهذه اللفظة حديثة الوضع.
وذكر أبن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1: 443) أربعة أبيات من هذه القصيدة وهي كما يأتي: أيا شجر الخابور، وما بعده باختلاف في بيتين وهما:
ولا الذخر إلا كل جرداء شطبه
…
وكل رقيق الشفرتين خفيف
فقدناك فقدان الربيع وليتنا
…
فديناك من سادتنا بألوف
العربية مفتاح اللغات
1 -
إيضاح
مرت الإشارة في هذه المجلة (8: 26) إلى أن الأستاذ جوزي كتب مقالة في الكلية يفند فيها ما كنا قد أدرجناه في الهلال (37: 206) وقد كابدنا المشقة لتفهم عباراتها لإغلاقها ولأنها أقرب إلى الروسية أو الرومية منها إلى العربية قال حرسه الله. (. . . ولما انتهيت إلى عدد ديسمبر (كانون أول)(لعله يريد كانون الأول لأن كانون معرفة) وقع نظري على مقالة لحضرة الأب أنسطاس (كذا وأسمنا هو أنستاس). . . فقرأتها بإمعان (كذا ولا معنى لهذا الكلام في العربية. ولعله يريد أن يقول. فقرأتها منعماً فيها النظر، أو وقرأتها بتدبر أو تدبرت ما فيها يصح التعبير العربي لا الروسي) ولم أكد آتي على آخرها حتى أدركت السر من إطلاق صاحب الهلال على (نظرية) البحاثة المذكور صفة الجراءة. . . وقد صدق صاحبها حين قال وردد (أنه لم يسبقه أحد إليها) وفي اعتقادي أنه لن يسبقه أيضاً (قلنا: من يفهم هذا المعنى الدقيق: ولو قال: ولن يسابقه، أو ولن يتعرض له. لكان ثم شيء يعقل. أما ما نطق به وخطته أنامله المرتجفة فيحتاج إلى ساحر من سحرة فرعون لإدراكه) ومع ذلك فليسمح لي حضرة الأب الفاضل أن أعلق على مقالته بعض ملاحظات (كذا وقد أضاف بعض إلى نكرة. والمعروف بعض الملاحظات) دفعاً لما قد يعلق بذهن القارئ الغير الواقف (كذا والمعروف عند (الفصحاء) عدم إدخال أل على غير) على سير فلسفة اللغة من الآراء. . .
ثم ذكر لهذه الفلسفة أوليات كان في غنى عن ذكرها لو طالع ما كتبناه في لغة العرب في شهر آب (أوغسطس) 7: 593 بعنوان (فضل العربية على سائر اللغات) لكن الرجل أراد أن يبين للناس أنه يلم بعض الإلمام بهذه الفلسفة فكتب ما كتب بلا معنى، ومن جملة ما قال:(لا بد قبل الحكم على القرابة بين المفردات المتشابهة في لغتين أو أكثر مهما قربت ((كذا وقد استعمل (مهما)
في غير موطن الشرط وكان عليه أن يقول: وأن قربت) أو بعدت درجة القرابة بينها. . أه وقد بينا له في مقالنا (7: 594 وما يليها) أن الساميين على اختلاف قومياتهم: اختلطوا باليونانيين والرومانيين أكثر من الهنود بهم، لجوار مسكن
الساميين لمواطن الإغريق واللاتين وبعد الهنود عنهم. فكيف لم يجب عما كتباه ولعله لم يقرأه فإذا كان لم يقرأه فلماذا يكتب في بحث يجهل ما تكلمنا عليه أفهذا دأب من يقتل البحث علما؟ وفي مقالنا جواب لجميع اعتراضاته بلا شاذ ولجميع ما يسدده إلينا غيره من هذه السهام الطائشة، لأنها لم تكن مراشة.
وفي ص 3 يخبرنا أن: تجب مراعاة قواعد تحول الأصوات وهي اليوم معلوم ومتفق عليه (كذا فعلى من؟ وإلى من يعود ضمير (عليه) بعد أن قلت (وهي) لله درك من بليغ!) - والرجل الذي يدعي أنه دكتور في العلوم الأدبية - كما نراه يلقب نفسه بهذا اللقب في بطاقة الزيارة التي دفعها إلينا يجهل أن (قواعد تحول الأصوات) تسمى في لغتنا (لا في لغته اليونانية أو الروسية) قواعد الصرف، ثم يجهل أن الكاتب إذا أتخذ لغة أعجمية في مقالته لينقل إليها الألفاظ العربية اتخذها في المقالة كله، لا أن يستعين مرة بلغة وطورا بلغة أخرى وأنت ترى من الوقوف على ما سطرته يده المرتعشة أنه أعتمد في أول الأمر على اللغة الإنكليزية في اعجامه الكلمات ثم على اللغة الفرنسية إذ في الصفحة الثانية ذكر لفقه اللغة كلمة فرنسية والآن يقابل (الصرف) أو كما يسميه (تحول الأصوات) بكلمة فرنسية أخرى. فما معنى هذا الخبط والخلط؟ وليعلم أيضاً أن المستشرقين الذين نقلوا كلمتنا (الصرف) لم ينقلوها إلا بكلمة (مرفولوجية) لأن في هذا الفن من فنون العربية يجيء ذكر القلب والإبدال والنقل والإدغام وغير ذلك من تحول الأصوات كالحروف الشمسية والقمرية إلى غيرها. فبحق إذن: سمي هذا الفن بالصرف إذ بالصرف إذ تصرف الحروف والحركات عن أصواتها في بعض المواطن إلى أصوات أخرى تناسبها لما طرأ أو يطرأ عليها من التغيير.
ومما صرح به قوله: (لم يجد من تعرض لمقابلة العربية الأوربية الهندية أو (كذا، وهو يحاول أن يقول (ولا)) باللغات الغير السامية (كذا أي غير السامية) وأن هذا الخاطر لم يعن إلا على بال أثنين من المستشرقين وهما. . .
(وذكر هنا الاسمين مخطوءاً فيها. فليرجع إلى ما كتبناه ليتحقق أننا كتبناهما - لا كما فعل. وقوله بعد ذلك (وكلاهما على ما نعلم ليسا من المستشرقين المعروفين) قول يدل على جهله، فليراجع كتابيهما ليتضح له أنهما مستشرقان بارعان لا يشق حضرته غبارهما. وقد أخطأ في ضبط أسم نلد كي لا
وفيه غلطان.
وهنا لا نريد أن نتبعه في تصحيح الألفاظ الإفرنجية التي ذكرها فأن الغلط يكثر فيها وتصحيحها ليس من غاية هذه المقالة.
ونحن نعذره عن إتقان ضبط الأعلام الإفرنجية - لأنه يدعي أنه روسي أو متروس وفي بعض الأحيان يدعي أنه يوناني أو متيونن لكن ما عذره في كتابة أسمنا أنسطاس (ص3 في الحاشية ومرتين في ص 4 ومرة في ص 5 ومرة في ص 8) وقد صرحنا غير مرة أن أسمنا (أنستاس) أفيظن أن تشويه الأعلام مما يزيده قدراً بين العلماء مع أن هذا العمل يليق بأعاجم غلف القلوب هم من قلب أفريقية في القرون الأولى بعد الفطحل. ولهذا لا نعجب من قوله هذا وهو: فلو أتيح لحضرة الأب أن يطالع. . . لما أقدم على كتابة مقالته التي ترجع بنا بآرائها ونظرياتها إلى الجيل الرابع أو الخامس للهجرة. . .) فنحن نتحداه في أن يذكر أسم رجل واحد من الأقدمين سبقنا إلى هذا الرأي سواء أكان قبل الهجرة أم بعدها من أبناء يعرب أو من أولاد المغرب.
ومن براعته في الكتابة أنه يقول في ص 4 (وأغرب من ذلك أن صاحب المقالة لم يطالع حتى تأليف الكاتبين. . .) فيا حضرة الأستاذ في جامعة باكو ويا أيها الدكتور في العلوم الأدبية (؟) أين المعطوف عليه حينما تقول: حتى تأليف الكاتبين. .؟ فإذا كنت لا تحسن التعبير عن فكرك فلماذا لا تدفع نتاج يراعتك إلى واحد يقوم لك لسانك لنفهم ما تقول؟ فإلى متى هذه الرطيني؟.
على أن الداهية الدهياء هي في قوله في تلك الصفحة: (لأسباب نجهلها وأن كنا ندركها)) (!!!) فلله درك من غبي ذكي! ومن نير مظلم! ومن أعمى بصير! ومن عاجز قدير! فكيف تجهل الأسباب - يا رعاك الله - وأنت تدركها؟
ذلك ما نتركه لك لتفكر به سنين بل أحقابا ثم تعال وفسره لنا.
ومن رطيناه أنه يقول (في ص 5)(وخلاصة هذا الأسلوب - أن كنا فهمناه يكاد ينحصر في ضابطتين. . .) ولعله يريد (تكاد تنحصر) إذ لم يسمع جواز التذكير في هذا وأمثاله، لأنه مبتدأ وخبر والمضاف إليه مفرد لا جمع كما لو قيل (كانت جميع الناس) ومن تعابيره المفككة قوله في تلك الصفحة: وهذه الضابطة الأخيرة هي الأهم في نظر الكاتب) فأين
وجد أن أفعل التفضيل إذا أنث ودخلته أل يبقى على حالته؟ فالغلط واضح والصواب هي الهمى أو هي المهمة كل الأهمية.
وإذ قد بدأنا بأن نبين هنواته قبل الجواب عن اعتراضاته فلا بد لنا من أن نأتي على ذكر أهم ما في تلك العبارات المكسرة المهشمة والألفاظ المعفوط فيها ليصح لنا بعد ذلك الكلام بتسلسل في الأفكار من غير أن نق فيه. ومن تلك الأغلاط قوله (فلم أهتد إلى ما يقابلها في العربية أو أخواتها. وكان حقه أن يقول: ولا في أخواتها (راجع لغة العرب 7: 742) ومما يجري في هذا الوادي - وادي الأوهام - قوله في ص 6: لو أردنا أن نفي المقالة حقها. . . ولعله يريد أن يقول (أن نفي بحق المقالة) كما هو مثبت في معاجم اللغة.
ومن أعظم الأدلة أن الرجل أعجمي ولا يمكنه أن يصل يوماً إلى اكتناه أسرار لغتنا الضادية اعتراضه علينا في كلمة: (صور الحرف) فقد نقل في ص 6 كلامنا هكذا (ولما كانت الواو العربية في القديم تصور (؟) بالباء ولم يكن لهم (لمن؟) حاء بل. . .) قلنا: وقد جعل وراء (تصور) علامة استفهام كأنه يقول لنا: بأي لغة تتكلمون؟ - فنقول له: أننا نتكلم بالعربية لا بالروسية. فما عليك إلا أن تفتح أي كتاب في الصرف والنحو لترى أن الأقدمين قالوا: رسم الحروف وصورة وكتبه إلى غير هذه الألفاظ ونحن نحيله على أن يطالع كتاب المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية لنصر الهوريني وهو من النقدة المشاهير في المائة الماضية في ص 82 إلى ص 90 فيرى أن الكاتب التحرير استعمل صور الحرف تصويراً ورسمه. مراراً لا تحصى فكيف خفي على حضرة الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في علوم الأدب (؟) هذا الأمر الطفيف. واستغرب أيضاً قولنا: (ولم
يكن لهم) مع أننا لم نذكر الاسم الظاهر الذي يعود إليه الضمير والعبارة واضحة في أن الضمير عائد إلى مستتر معروف مشهور هو (الغربيون لخلو لغاتهم من الحاء) على حد ما جاء في الآية (كل من عليها فان) - ففي مثل هذا المقام يجوز استتار الاسم لا كما قال هو في ص 4 وأشرنا إليه فويق هذا وكلام أستاذ جامعة باكو والدكتور في الأدب (؟) كله من هذا القبيل (مبهم معقد مرتبك لا تكاد تفقه له معنى)(عبارة الأستاذ نفسه في ص 6).
ومن غرائب ما جاء في مقالته التي جمعت من الأوهام أغربها ومن السخافات أوهنها أنه يجهل ما كان يعرفه السلف من الأمم فأنه سمى الأمة القوطية: الغوطية. مع أن أجدادنا
اتصلوا بهم. وأبن القوطية مشهور عندنا لأن أمه كانت قوطية. وذكر اللغة القلطية المنسوبة إلى القلط فسماها كلتية مع أنه كان يجب عليه أن يعرف القلط لكونه أستاذاً في جامعة باكو ولأنه دكتور في العلوم الأدبية (؟) أفلا تعلم يا شيخي أن العرب قالت القلطي للقصير جداً من الناس والسنانير والكلاب لأن القلط كانوا مشهورين بصغر أجسامهم وعظم شجاعتهم. فكيف فاتتك هذه الحقيقة وأنت أستاذ ودكتور في علوم الأوائل والآخرين (؟) وواقف على أخبار المنقرضين والعائشين؟.
ومن فظائع ما جاءنا به حضرة الأستاذ الباكوي (حفظه الله للعلم وأهله)(عبارة المؤلف ص 4) إيراده ألفاظاً مدعياً أنها عربية وهي ليست بها اللهم إلا أن تكون (في مخيلة حضرة الأستاذ الواسعة وهذا وحده لا يكفي لتمحيص الحقائق والأصول إلى تلك الجنات الواسعة ذات الأزهار العطرة والأثمار الطيبة التي يجتنيها العقل حين يقتطفها (عبارة الدكتور المحقق (؟) في ص 8). فقد ذكر لنا في ص 7 ألفاظاً قال عنها أنها في السامية القديمة (؟) وهي لا وجود لها أبداً اللهم إلا أن تكون في أسفل قارورة الفودكة وتلك الكلم هي: كتب بمعنى المحفر والمبذل (؟ كذا) وقطب أو قطف أي المنجل وقصب أي السكين وخرف بمعنى قطف واجتنى من خرب أو خرف بمعنى آلة مقطع (؟ كذا) ولو قال من الخرف أو التخريف (بمعنى ضعف العقل من الكبر ولا سيما ذلك الخرف الباكر الذي يصيب شاربي الفودكة) لكان أقرب إلى الحق.
وهناك أغلاط لا تحصى ولا تستقصي كقوله في تلك الصفحة السابقة المشؤومة: فلا حاجة إلى ذكره - والسنكريتية - والفرنساوية. وهو يريد فلا حاجة (لي) أو (بي) إلى ذكره إذ لا يجوز نفي الحاجة نفياً جنسياً عاماً لأن العلماء ذكروا ذلك لحاجتهم إليه. فقولك مثلاً (لا علم موجود) هو غير قولك (لا علم عندي) فذاك نفي عام وهذا نفي خاص - والسنسكريتية - والفرنسية كما يفهم ذلك بالبديهي.
ومن رطيناه قوله في ص 8: (تلك النتيجة التي أسفلها العالم الكرملي - إلا في كلمة واحدة تكاد لا تصرف - أنها عربية من مئات من السنين بل ربما ألوف من السنين وأنها مأخوذة من لوح. . . (ولعله يريد أن يقول: التي استلها (بتاء قبل اللام) - لا تكاد تصرف - بل قبل ألوف، أو ربما كانت قبل ألوف لأن (رب) لما دخلتها (ما) صرفتها إلى الأفعال -
مأخوذة من. . . ولا نريد أن نمضي في وجهنا هذا أكثر مما مضينا فيه لئلا نخرج عن الموضوع والناس يعلمون أن الرجل (رومي شعوبي ولا صلة له بالعرب ولا بالعربية. فما احراه بالسكوت والأنقباع في غرفته وإلا فأن شاء فليكتب لنا بلغته التي نشأ فيها.
اضطررنا إلى ذكر ما ذكرناه ليهتدي القارئ إلى تفهم كلام حضرة الكاتب وإلا أنقطع به وهو يجري في عدوه الفكري.
(البقية للتالي)
د
جاء في معجم ياقوت ومثله في كتاب الأصنام: قلت لمالك بن حارثة صف لي ودا حتى كأني أنظر إليه قال: تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال قد ذبر عليه (أي نقش عليه) حلتان متزر بحلة ومرتد بأخرى، عليه سيف قد تنكب قوساً، وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة (أي جعبة فيها نبل). انتهى.
قلنا: هذا وصف أله الحب أو الود المعروف عند الرومان باسم وباليونانية وربما أريد به المسمى الذي سماه السلف أيضاً عامر. وعند اليونان ما يقابله عندنا وديد مصغر وداي وبالفرنسية
القفص والغرشمارية والكاولية
1 -
القفص
قال محمد شفيع معاصر الشاه سلطان حسين الصفوي (مترجم القاموس المحيط إلى الفارسية باقتراح الشاه المذكور وقد يزيد على الترجمة بعض الفوائد وسمى الترجمة (ترجمان اللغة) شرع بتأليفه في عاشر شهر شعبان سنة 1114هـ وفرغ منه في العشرين من شهر ربيع الأول سنة 1117 وهذا الكتاب مطبوع في هامش كتاب القاموس في إيران) ما تعريبه: (والقفص طائفة بكرمان وهو معرب كفج أو كوفج ويقولون أيضاً كوفجان).
2 -
الكاولية والغرشمارية
إذا مررت على البلدان المهمة في إيران وجدت فيها جماعات من قوم يقال لهم (غرشمار بضم الغين المعجمة والراء يليها شين معجمة ساكنة فميم فألف فراء أو (غريب زاده - أو (غربال بند - ولا جرم أن هؤلاء يرجعون مع الكاولية إلى نسب واحد وكأنهما الآن شعبتان. والقسم الأعظم من الغرشمارية يزاولون النجارة والحدادة وجميعهم شيعيون إماميون أما موطنهم الأصلي فالمشهور بين مؤرخي الفرس أن بهرام جور ملك الديار الإيرانية كان من أهل الهناء والطرب فدعا من الهند إلى ديار إيران نحوا من أثني عشر ألفاً والطرب والغرشمارية هم من بقايا أولئك النازحين من الهند إلى بلاد الفرس بأمر الملك الإيراني.
وقد يقال للكاولية (بنو ساسان) لأن هجرتهم إلى ديار إيران كانت في عهد الملك الساساني (بهرام جور) ولم ينتشر خبرهم قبل دور آل ساسان.
وكلمة الكاولية أما مشتقة من التكول بمعنى التجمع أو نسبة إلى كول
قرية بفارس أو أنها في الأصل الكابلية نسبة إلى كابل عاصمة أفغانستان فحرفها الفرس وقالوا: (الكاولية) كما كانت عادتهم في قلب الباء واواً فكانوا يقولون عوضاً عن (خواب) بمعنى النوم (خاو)، وبدلاً من آب بمعنى الماء:(آو) ولم تزل هذه العادة جارية في بعض القوى الإيرانية إلى يومنا هذا وهذه الوجوه الثلاثة هي التي ذهب إليها فكرنا القاصر ولم نسبق إليها ونرجح
الرأي الأخير الموافق لما ذكرنا من أن أصلهم من الهند وديار الأفغان كانت جزءاً من الهند في قديم العهد ونزيد على ذلك أن الدمشقيين يسمون هذه الطائفة بالزط وقد ذكر السلف أن الزط جيل من الهند هذا كله علاوة على أن ألبسة هؤلاء القوم تشبه ألبسة الأفغان.
وأظن أن موطنهم الأول كان شبه جزيرة العرب فانتقلوا منها إلى ديار الهند والأفغان لأنهم ينطلقون بأكثر الحروف من مخارجها الأصلية الفصيحة وألم يتمكنوا من أداء بعض الحروف كالضاد وغيرها، ومن المعلوم أن أداء الحروف من مخرجها من صفات الجنسية العربية، ولا ينافي ذلك عدم الاستطاعة لأداء بعض الحروف كالضاد فهذه مصر وهي من الأقطار العربية لا تستطيع النطق بحرف الضاد العربية.
ويسمى المصريون الكاولي ب (الغجري) وهو تصحيف القاجاري نسبة إلى قبيلة تركية الأصل كانت منها الأسرة المالكة (في إيران) التي انقرضت، فالقاجاري غير الكاولي ولا يصح إذن أن نسمي الكاولي بالقاجاري.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) أن أسماء القفص تختلف باختلاف البلاد، بل تختلف في البلاد الواحدة بحسب مناطقها فالفرس يسمون القفصي مثلاً: قره جي وسسماني وزنكنه (بكاف فارسية) وكوباز أو كاوباز (بكاف فارسية) إلى غيرها وذلك باختلاف ولاياتها.
وموطنهم الأصلي - هو كما قلنا - ديار القفص التي كانت من أراضي الهند مدة طويلة وأما أن سبب جلبهم إلى إيران كان بدعاء بهرام جور طائفة منهم فحديث خرافة على ما يظهر والمشهور أن ما يسوق هؤلاء الناس وأشباههم الاسترزاق فيضربون في أراضي الله نازحين من رقعة إلى رقعة أخرى منها.
وأما تسمية السلف إياهم ببني ساسان فقد ذكرنا ذلك مع سائر أسمائهم وآدابهم وأخلاقهم في (المشرق) البيروتية (5: 865 وما يليها) فوقعت في 46 ص من المجلة المذكورة وقد ذكرنا فيها أيضاً سبب تسميتهم بالكاولية فوافقنا عليها بعد ذلك علماء المشرقيات في ديار الغرب. فقول حضرة الكاتب المتفنن أنه لم يسبقه أحد إلى الذهاب إليه لا يوافق الواقع وكنا قد كتبنا مقالنا في سنة 1902 (أي قبل 28 سنة).
واشتقاق الكاولي من الكول لقرية بفارس لا يوفق المشهور عن أصلهم وأغرب من هذا
اشتقاق أسمهم من التكول كأن غير الناس لا يتجمعون وكأن التجمع خاص بهم هذا فضلاً عن أن هذا الجيل ليس من العرب حتى يشتق له أسم من لسانهم. والمعقول أنهم من كابل (التي يكتبها بعض الكتاب العصريين كابول وهو خطأ فظيع وذلك نقلاً عن الكتب المطبوعة في بيروت).
ولا نوفقه على رأيه أن موطنهم الأصلي هو جزيرة العرب إذ التاريخ والتسمية والأخلاق تظهر الخلاف، وحسن لفظهم للعربية لا يصدق إلا في أولئك يتنقلون في الديار العربية اللسان وإلا ففي ربوع الغرب أناس منهم لا يحسنون لفظ الحروف الحلقية السامية.
وعندنا أن الفجر لفظة تركية الأصل من (كوجر)(بجيم مثلثة فارسية) ومعناها الرحل لأنا سمعنا بعضهم يسمونهم إلى اليوم كوجر وذلك في شمالي الموصل ومنهم من يسمونهم الفرج (بجيم فارسية أيضاً). قال في سر الليال (1: 451)(أنه لم يجئ في الكلام غجر ولكن أهل مصر يقولون غجر للطائفة التي يقال لها في بر الشام نور. وفي تونس دقازة وأصلهم فيما قيل من الهند) أه واصل ملوك القاجار من قبيلة تركية رحالة هي الكوجر على رأينا فنقلت الكلمة إلى قاجار تفريسا لها (أي نقلاً لها إلى الفارسية).
اللغة العامية العراقية
تتمة اسم الفاعل
كنت أرى بين أوان وآخر بحثاً في اللغة العامية العراقية في لغة العرب للرصافي الشاعر الكبير الأستاذ حتى أنقطع استمرار البحث انقطاعاً تاماً فاستخبرت صاحب لغة العرب خبر ذلك فأنبأني بأعراض الرصافي عن ذلك وأستحسن أن أكتب في هذا البحث إذا كانت عندي إثارة علم به، وما تمكنت من إهتبال الفرصة إلا الآن والله المستعان.
1 -
قلبهم فاء اسم الفاعل الثلاثي ميما إذا كانت همزة
هذا من أسرار اللغة العامية العراقية فهم يعبرون عن الأكل ب (ماكل) وعن الأخذ ب (ماخذ) ومن هذا قولهم (المربعانية) منسوبة إلى (الأربعين).
2 -
اشتقاقهم اسم الفاعل من أفعال الجواهر وتصديره بهمزة
أن كان من الفعل الرباعي
يقولون (امبغل) بتشديد العين من البغل و (امجزر) من الجزر (وامخشب من الخشب و (امعصي) من العصا و (أمكسب) من القسب و (أمحنن) من الحمنان المفسد، ويقولون (أمحرمل) من الحرمل و (مكنفد) من القنفذ و (أمبرطم) من البراطم ويريدون بها الشفتين المنتفختين وتدليهما وقد جاء في القاموس (البراطام بالكسر: الضخم الشفة كالبراطم، والشفة الضخمة والبرطمة الانتفاخ غضبا) فالبراطم التي عندهم جمع برطام أي الشفة الضخمة ويزيدون على أفعال التغير واوا للتقليل لا للمبالغة كما في اللغة الفصحى فيقولون (مولس) بروم الميم ضما وفتحاً وتسكين السين لأنهم لا يحركون آخر الفعل ويقولون (حورك) و (طولع) فاسم الفاعل منها (أممولس) و (أمحورك) و (أمطولع) ولا يضيفون إلى المصوغ من الخماسي همزة في حين أنهم يضيفونها إلى فعله فيقولون (متكنطر) من (أتكنطر) وهو مشتق من القنطرة و (متنكرز) من
(تنكرز) المشتق من (أنكريز) بفتح الراء وتسكن الياء أي إنجليز أما المضعف العين فتضم عينة الثانية أن كانت باءاً نحو (متخبل) من (أتخبل)
أو راءاً مثل (متغرب) من أتغرب أو غينا مثل (متلغم) من أتلغم أي تلوث أو ميما مثل (متلمظ) من أتلمظ أو هاء نحو (مترهم) من أترهم أي لوئم وتكسر هذه العين في غير ذلك نحو (مترئس وتخثر ومترجل ومتوحل ومتوخر، ومتبزل ومتكسر ومتنشف ومتقصد ومتحضر ومتنطر ومتنعم ومتنفع ومتوقر ومتسكط (أي متسقط من تسقط) ومتعلم ومتبنج ومتلوك ومتليص ومتريض.
أما إذا ولي العين المضاعفة حرف الفاء فيعتوره الوجهان مع ترجيح القائل أحدهما على الآخر أو إيجابه أحدهما نحو (متصرف) بكسر الراء وضمها ويرجح الضم في متنظف) ويجب في متخلف).
3 -
استعمال اسم الفاعل ظرفاً
يشتقون من (جا) اسم فاعل هو (جاي) بدلاً من (جاء) في الفصحى وعندهم اسم فاعل آخر هو (غادي) من غدا ولكنهم أهملوا استعماله فيقولون (تعال جاي) أي (تعال قريبا) و (روح غادي) أي (تنح بعيداً) ولا اعتراض لأحد على استعمالهم اسم الفاعل ظرفاً ففي الفصحى (رأيت المدينة دخلا وخارجاً و (تهدمت المنازل ظاهراً وباطنا) أي (داخلها وخارجها وظاهرها وباطنها) والهاجرة والبارحة مثلاً على وزن (فاعله) ظرفي زمان.
4 -
تصريف جاي
للمفرد الغائب للمفردة الغائية للغائبين للغائبتين للجمع الغائب لجمع الغائبات هو جاي هي جاية أثنينهم جايين اثنينهن جايات (3) هم جايين هن جايات للمفرد المخاطب للمفرد المخاطبة للمثنى المخاطب للمخاطبتين لجمع المخاطبات أنت جاي (6) إنت جاية أثنينكم جايين أثنينجن جايات انتو جايين أنتن جايات للمفرد المتكلم للمتكلمة للمتكلمين للمتكلمتين لجمع المتكلمين للمتكلمات أني جاي أني جاية أثنينا جايين أثنينا جايات إحنه جايين أحنه جايات.
5 -
صيغة اسم الفاعل
يقولون (استاهل) بتسكين الفاء واللام يلينون الهمزة في الكلمات ما عدا أولها والمضارع (يستاهل) بكسر حرف المضارعة فهو (مستاهل) بكسر الميم وقد يضمون العين مثل
(مستربط) و (مسترطب) بضم الباء والطاء وتسكن الفاء والعين في (مستاهلات) و (مستاهلة) وتكسر الفاء في نحو (مستسبعة) و (مستسبعات) بتسكين عين الاسم أي الباء منه وتضم الفاء في نحو (مستربطة) و (مستربطات) و (مسترطين) أي ملتذين بالرطوبة في اصطلاحهم.
5 -
اسم الفاعل للمبالغة
أن (فعالا) كجبار مقيس عندهم للمبالغة في اسم الفاعل فيقولون (ركاض ومشاي وبواك - أي سراق - وحيال وكتال أي قتال) ويصوغون على وزن (فعلول بفتح الفاء، مثل (لفلوف) أي كثير اللف وطرطور أي جبان على وجه السرقة و (عكروت) من العكرتة أي الفسالة وعلى وزن (فعلول) بفتح الفاء والعين مثل (فلفوز) أي خفيف مثل (خلبوت وبقروت وحبروت ورهبوت ورحموت) الفصيحات ولا ينطلقون ب (فعلول) كعصفور أبداً لأنهم يستثقلون الضمة في الأول ويستخفون الفتحة.
بغداد: مصطفى جواد
الحروف العربية الراسية
نشرت صحف بغداد في ال 10 من كانون الثاني (يناير) من هذه السنة أشكالاً للحروف العربية الراسية لحضرة الرئيس الأول بهاء الدين بك نوري العراقي فاستحسنا منها (ج ح خ ع غ) وأما ما بقي منها وكلها مذيلة بسن تشبه نصف المدة فلا توافق المطلوب لأنها تزيد الحرف سناً فينشأ منها حرف هو أحد أسنان السين فيزيد الكلم تصحيفاً وفساداً ويصح فينا حينئذ المثل العامي القائل (أراد يكحلها فأعماها) أو كما يقول الفصحاء من سلفنا (أراد أن يعرب فأعجم) ويتضح ذلك من رسم هرب علي طريقته فأن حضرته يرسمها (هرب) إلى غيرها وذلك البلاء المبرم.
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
آل نظمي
ما كنا نتوقع أن تضع أخبار هذا المحيط الذي شغل إدارة العالم مدة بحيث لا نعرف من منشأ أسرة وما لحق بيوتاته من عز وضعة أو سعادة وشقا. - ولو قليلا - ويقنع بعضهم بصفحات عنهم كأمثال الصور المتحركة لنطلع عليها فنتعلل بهذه البقية أو نستضيء بهذه الشرارة. . .
انتبهنا فلم نجد ما يسد هذا الفراغ إلا قليلاً وحينئذ اضطررنا إلى تتبع الأخبار والتوصل إلى معرفة الحوادث عن اولائك الرجال ولو بشعلة ضئيلة. وقد مضني ما عليه من بلغ الجهد.
البيوتات البغدادية كثيرة في العلم والأدب والتاريخ والإدارة والتجارة والنقابة والمشيخة والزهد والتقوى قديماً وحديثاً وبقي من هذه ما بقي على رغم من المصائب الحائقة بهذا القطر من أوبئة وغرق ووقائع وبيلة ومؤلمة من حروب وسياسة. . . وهكذا إلى غيرها.
قد عدد السياهبوشي سنة 1239 جملة وافرة من الأسر المعروفة إلى الآن في قصيدة طويلة هجا بها أغلب هذه البيوتات، وتحامل عليها مما كان له اتصال بها، أو لم يخش بطشها ومكانتها. . . ولا يقال أنه حصرها أو استوعب الكلام عليها، فبين البيوتات المعروفة إذ ذاك، وله الفضل دون التفات إلى تحامله.
عرفت أسرا قديمة في العراق غير ما ذكره السياهبوشي خصوصاً في بغداد. وفي هذه العجالة أقدم لقراء (لغة العرب) الغراء بحثاً عن بيت عرف بالآداب والتاريخ من مدة أربعة عصور وعرف بهذا المحيط خير تعريف وتقلب في العلوم والسياسة والفتوى والنيابة إلى سنة 1271 من الهجرة واتصل بمصاهرة أكبر الأسر البغدادية المعروفة وأقدمها وأشرفها. أعني بها (آل المفتي).
هذه الأسرة عرفت بالتاريخ والأدب ثم بالعلوم الشرعية والفتوى فتمسكت بهذا اللقب الأخير
وأن كانت تسمى في الأول بآل شمسي البغدادية ثم آل نظمي البغدادية وبعدها بآل مرتضى وبعد ذلك كله بآل المفتي. واليوم تدعى بآل (محمد سليم جلبي) وهو آخر من اشتهر من هذه الأسرة. وهو والد صديقنا الفاضل طاهر جلبي أبن محمد سليم جلبي.
هذه الأسرة لم تخلق جدتها الأيام فلا يزال أبناؤها نافعي المجتمع، واليوم منها شخصيتان صاحبتا مكانة مهمة وهما: طاهر جلبي سليم، وعبد الله بك أبن عبد الله جلبي (ابن أخي طاهر جلبي).
فالأول أديب فاضل، مقل من نظم الشعر، ولكن روحه تنزع إليه وتميل. يحفظ منتخبة أحسنه وهو في إتقان المقام (الموسيقي) وأنواعه معروف وله أفضال عظيمة على غالب الأهليين فيكاد لا يرد له قول خصوصاً أثناء وقت الجندية وسحب القرعة وفي عضوية البلدية والتقديرات والإعانات. فلم يرهق الأهليين ما لا يطيقون، رؤوف بهم، ومحسن كل الإحسان إليهم، لا ينكر فضله ولا يهمل شأنه.
وأبن أخيه من الفضل بمكانة راقية، أتم دراسته في أميركة وأختص بفرع من فروع الزراعة فهو اختصاصي من نحو جديد، هو أبن خطته هذه. وقد أثر فيه دم آبائه وأجداده فمال إلى حب العلم والإطلاع. ركن إلى هذا النوع من العلوم فبرع فيه، والأمل فيه أن ينبغ كما نبغ أسلافه فيما اشتهروا به.
أرجع إلى أصل هذه الأسرة فأقول: أول ما عرفت - نظراً إلى ما وصل إلينا من سفر ألفه أحد أفرادها. وهو عهدي البغدادي ابن شمسي البغدادي وهذا الكتاب عرف أباه وأقاربه ومكانة أسلافه وأزال الغشاوة عن ظنون كانت تحوم حول تحقيق أمر هو أمر أكبر مؤرخ عراقي أي (مرتضى أفندي آل نظمي المعروف عند الترك بنظمي زاده) فأن هذا الكتاب أزال الإبهام عن مرتضى أفندي بتعريف نظمي أفندي واتصاله بهذا المؤلف فصحح أقوال كليمان هوار الفرنسي وأقوال الصديق الفاضل يعقوب أفندي نعوم سركيس وغيرهما.
وإليك أيها القارئ وصف هذا الكتاب:
كلشن شعرا
نسخة خطية عدد صفحاتها 297 مجدولة بمداد أحمر وفي كل صفحة منها 15 سطراً، وعناوين تراجمها بحبر أحمر أيضاً. طول الصفحة 17. 5 سنتيمترا في عرض 13. 5
على ورق خميس. وصفة كاتب جلبي في كشف الظنون بما نصه:
(تذكرة الشعراء تركي لأحمد بن شمسي المعروف بالعهدي البغدادي كتب المعاصرين من علماء الروم منذ قدم سنة 960 إلى خروجه سنة 71 ورتب على ثلاث روضات وسماه كلشن شعرا فصار أسمه تاريخاً لتأليفه) أه. وأقول أن روضاته أربع لا ثلاث كما ذكر، وأوله:(شكر وسباسي أول خالق منزهة كه الخ) والنسخة الموجودة بيدي مذكور في صدرها: (تذكرة الشعراء لملا عهدي بن شمسي البغدادي). وفي مقدمتها أنه صوفي ملازم لطريقة السالكين. سافر إلى بلاد الروم سنة 96 واتصل في طريقه بمختلف الطبقات من الناس واستطلع ما عندهم من علم وأدب وفضل. عاشر أنواع الناس من أرباب المشارب المتنوعة فلم يترك شيخاً إلا تحرى ما لديه، ولا شاباً إلا سبر نيانه ولا أرباب المناصب إلا أخذ من معارفهم، ولا أهل تصوف إلا اقتبس منهم فحصل من المعرفة صنوفاً ومن العلوم أنواعاً فوقف على ما عند أهل الدنيا وما في خزائن أهل الزهد والتقوى من رجال الآخرة.
ولما وصل إلى الآستانة رأى فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ثم بين أنه لم يتمكن من تدوين كل ما رأى ولا عشرة بل لا واحداً من ألف مما رأى من فضل وأدب جم ومعرفة غزيرة. . . فكانت هذه - كما قال - عجالة سريعة ونزرا قليلاً ينبئ عن معين لا ينضب.
اكتسب ما أكتسبه من مجالسة الشعراء المجيدين والأمراء الكرام ومن معاشرة العلماء الأبرار ومصاحبة أهل الفصاحة والبلاغة من عنادل البيان ومن الإطلاع على أغاريدهم اللطيفة. كل ذلك بطريق المحادثة أو المطارحات الشعرية
أو المذكرات العلمية.
وفي كل هذه كان طالباً متتبعاً. لازم القوم حتى أتقن لغتهم وتمكن من أن يحذو حذرهم حتى صار كأحدهم بل صار فريداً في الشعر.
وفي سنة 971هـ دعاه داعي الوطن الذي حبه من الأيمان فقال في التشوق إلى بغداد:
دل أز طور بتان روم جون عهدي بريشانست هواي دين بغداد وخوبان عجم دارد
يقول أنه مغرم بالروم إلا أن هوى بغداد والتشوق إليها وإلى الجمال الفارسي ملك زمام لبه فمال به إليه إلى أن قال: أنني عزمت على العودة فدونت ما خطر لي من خواطر وما لي عن السلاطين العظام والعلماء الفخام وأرباب الدولة والشعراء الأخبار مما جرى في مجالسهم وما عرفته عنهم وما اقتبسته من صحبتهم فجعلته في أربع روضات اكتبها حسب
الطاقة وأجمعها من أوراق متفرقة وبعد أن أتممتها سميتها (تذكرة أرباب الصفا) أو ما يقال له ب (كلشن شعرا) ومعناها (روضة الشعراء).
جعل الروضة الأولى في بيان صفات السلطان العادل وأبنائه ذوي الخصائل الجميلة والروضة الثانية في علماء زمانه العظام والموالي الكرام والمدرسين النبلاء والروضة الثالثة في الأمراء والدفتريين ومنتخبات أشعارهم والروضة الرابعة في مشاهير الشعراء. مرتين على ترتيب حروف الهجاء مع ذكر نتف من أشعارهم. .
وفي هذه الروضات أورد مقدار وافراً من شعره سواء في المناجاة أم في نعت الرسول (ص) أم ذكر السلطان سليمان وأولاده من سليم وغيره. ثم أنه قدم كتابه إلى السلطان فقال:
جمع أيدوب أرباب نظمي أيتدم أول سلطانه عرض عادت أو لمشدر صونر بنده شه دورانه عرض
خاكسا يندن بتر مقصودي أرباب دلك
نوله صونسه خالبايه عهدي فرزانه عرض
ثم مضى إلى ذكر محامد السلطان ومناقب أولاده وهكذا راعى ترتيب روضاته أن المؤلف لم يكتف بذكر رجال الروم وعلمائها بل تعرض أيضاً للبغداديين الذين توطنوا تلك الأنحاء وسكنوا الأستانة أو ما جاورها ممن نبغ في أدب أو علم وزيادة على ذلك ذكر ترجمة والده شمسي البغدادي وبعض من لهم به لحمة نسب وترجم بغداديين كثيرين ممن لا يزالون في خفاء عنا أو لا نعلم شيئاً كثيراً عنهم.
وسيأتي الكلام على بعض التراجم ممن لهم علاقة بالمؤلف استقصاء الأحوال هذه الأسرة بقدر الإمكان وقد ذكر ترجمة نظمي أفندي بصورة مفصلة ليس أوسع منها في كتاب فيذكر ولادته ووفاته وما قيل فيه الخ.
وفي هذا الكتاب مغمز واحد هو أنه ترجم نظمي أفندي في حين أنه ولد في السنة التي توفي فيها عهدي والظاهر أن المترجم له هو مرتضى أفندي أو أخوه فأنه ترجم أباه وأضاف ترجمته إلى التراجم المذكورة في الكتاب أما بصورة حاشية وأما بصورة تعليق ثم أدمجت بالمتن. ومما يدل على ذلك أن ختم مرتضى أفندي مختوم في آخر هذا الكتاب. وهذا الختم - وأن كان لا يقرأ لأول وهلة وبصورة واضحة - ظاهر للمتأمل.
وقد قال صاحب قاموس الأعلام عن عهدي بما تعريبه. (أن عهدي لقب ثلاثة من شعراء
القرن العاشر أحدهم أحمد عهدي وهو بغدادي. وجد في الأستانة كثيراً وله تذكرة الشعراء ترجم فيها شعراء عصره وله أيضاً البيت التالي:
عهدي ديار رومه كلوب أيده لي نظر كورنمز أو لدى كوزمة ملك عجم بنم
انتهى وفي سجل عثماني أو تذكرة مشاهير عثمانية: (أن عهدي جلبي هو نجل شمس الدين البغدادي. شاعر توفي سنة 1002 من الهجرة) أه.
ومجمل القول: لا يصح أن يقال عنه أنه شاعر ويكتفي بذلك بل هو مؤرخ أيضاً عرف أسرته وجمعاً من العراقيين. أما إطلاعه على التركية، وكون لسانه أدبي الأسلوب فمما لا نزاع فيه. وكذلك قل عن تضلعه من الفارسية لكنه لم يتعرض لاطلاعه على العربية ولا لأدبه فيها والسبب واضح هو أن الأديب لا يكون أديباً
يومئذ ولا يعترف بآدابه ما لم يتقن اللغة العدنانية خصوصاً أنه عاش في محيط عربي وكتابه هذا لا يستغني عنه وفي المقال التالي سوف أتكلم عن شمسي البغدادي ومكانته الأدبية والعلمية ثم عمن يليه من رجال هذه الأسرة أما الآن فاكتفي بهذا القدر والله ولي التوفيق.
بغداد: المحامي عباس العزاوي
تاريخ اليهود
في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
تأليف الدكتور (إسرائيل ولفنسون - أبو ذؤيب) أستاذ اللغات السامية بدار العلوم قوامه 190 صفحة عدا الخرائط وخلا المقدمة للدكتور طه حسين وعدا التصدير للمؤلف نفسه.
هو تاريخ غزير الفوائد واضح الحقائق بين الأسانيد ينم عن تضلع مؤلفه المتبقر من البحث في التاريخ عن حقائقه ودقائقه على أنه لا يقرأ هذا التاريخ قارئ إلا يتعجب من بعض عبائره السليمة الظاهر المريضة الباطن ولا غرابة في ذلك فأن الإنسان لما يبلغ درجات الكمال ولا خرج من دركات العصبية الدينية وهي ملجأ كثير من الأرواح. ذلك فضلاً عن أن الكتاب لم يخل من التعابير المغلوط فيها وها نحن أولاً، نبسط للقارئ بعض ما يستوجب الإصلاح والمناظرة:
1 -
قال في ص 7 (وإنما الذي يمكننا أن نقوله. . . هو أن القدماء قد اعتقدوا أنه قد وجدت في جهات يثرب وخيبر بطون إسرائيلية قبل وصول جموع اليهود إلى الأصقاع العربية في الدور الثاني ويؤيد هذه النظرية ما نجده في كتاب العهد القديم من النص على وجود علاقة متينة بين بلاد فلسطين وبلاد الجزيرة العربية) قلنا: ولم ينشب أن قطع هذه العلاقة في ص 11 بقوله (أن سكوت المراجع الإسرائيلية عن سرد حوادث اليهود في الجزيرة العربية يدل دلالة قاطعة على أن اليهود في بلاد العرب كانوا منقطعين تمام الانقطاع عن بقية أبناء جنسهم في جهات
العالم ولم تكن لهم بهم أي صلة وكأن الجزيرة التي انفردت بقبائلها وانقطعت عن العالم المتمدن انقطاعا كلياً قضت على كل من يسكنها من اليهود أن يكون مثل أبنائها وأن يقطع كل علاقة بينه وبين يهود البلدان الأخرى) أه. فالظاهر من كلامه الأخير أن العلاقة المتينة بين بلاد فلسطين والجزيرة العربية علاقة هوائية أو خيالية!!.
2 -
وتكلم على اليهود في ص 12 بقوله (وأخذوا ينزلون من أوج المدينة والحضارة شيئاً فشيئاً حتى وقعوا في هوة الهمجية وصاروا مثل غيرهم من سكان تلك الجزيرة. . ولكن يظهر أن البيئة الجديدة شلت قوى اليهود الروحانية فتغلبت عليهم العقلية البدوية حتى
صارت صاحبة السلطان على أفكارهم ونفسياتهم) قلنا ولم يلبث قوله هذا أن نقضه في ص 14 بقوله (أن بطوناً عربية كثيرة قد اختلطت بالعنصر اليهودي في بلاد الحجارة وأثرت في أخلاقه وعاداته تأثيراً ظاهراً ولكنها لم يستطع أن تتغلب على عقليته الأصلية بل بقي هذا العنصر ممتازاً بعقليته امتيازاً ظاهراً) وهذا نقض لقوله بتسلط العقلية البدوية على أفكار اليهود ونفسياتهم ولا شلال البدوية قواهم الروحانية كما في ص 12 فاعرفه جيداً وقد أكده في ص 24.
3 -
ونقل في ص 13 مؤيداً لا منفداً (ويقولون: أن الذين يعتبرون أنفسهم من اليهود في جهات خيبر ليسوا يهوداً حقاً إذ لم يحافظوا على الديانة الإلهية التوحيدية ولم يخضعوا لقوانين التلمود خضوعاً تاماً) غير أنه قال في ص 24 (فقد كانت النزعة الدينية قوية في نفوس يهود الحجاز فليس ممكناً أن لا يوجد هناك شعر ديني يمجد التوحيد وآل موسى وأنبياء بني إسرائيل) وهذا أن لم يكن نقضاً للطعن فهو توهين له وتخريق.
4 -
أن تأكيده عدم ذوبان العقلية اليهودية الذي أشرنا إليه آنفاً هو قوله في ص 24 (في حين أن هناك فرقاً شاسعاً (كذا) وهو القائل في ص 23 (كل ما كان يحرك نفس العربي ويدعوه إلى قرض الشعر. . . كان يحرك نفوس الشعراء من اليهود في الجاهلية) فقد نقض قوله باختلاف اتجاه الأفكار بين العرب واليهود
لأن العقول إذا تأثرت بمؤثر واحد ثبت أنها مشتركة في اتجاه الأفكار. وهذا هين على القارئ الصبور لولا أنه قال في ص 84 عن العرب واليهود (على أن هناك مقياساً آخر يجب ألا ينسى وهو ما قلته في ما مضى من أن الصلة الدموية في العنصر والتقارب في اللغة والأخلاق هو أساس التشابه بين العقلية واتجاه الأفكار والأدب بين العنصرين) فكأن التاريخ إثبات فنقض فاعتدال في أمر واحد.
5 -
وقال في ص 8 (كانت فلسطين بمثابة القنطرة التي تربط بلاد العرب وسورية من جهة ومصر والعراق من جهة أخرى) ولم نتمكن بعد من توهم هذه القنطرة الخيالية المخالف وضعها للحقيقة فأين مصر عن العراق حتى يقابلا سورية وبلاد العرب؟ فالصواب أن يقال (كانت فلسطين ميتاءاً بين سورية والعراق وبلاد العرب ومصر) وفي المصباح المنير (ويقال لمجتمع الطريق: ميتاء).
6 -
وعلق في ص 29 بقول السموءل (ولا ينفع الكثير الخبيت) ما نصه: (في نوادر أبي زيد الأنصاري طبع بيروت ص 104 أن الخليل سأل الأصمعي عن الخبيت في هذا البيت، فقال: يريد الخبيث وهي لغة خيبر ويروى لغة قريظة فقال له الخليل: لو كان لغتهم لقال: الكثير) كذا بالثاء المثلثة وهو وهم لأن الخليل أراد (الكتير) بالتاء المثناة.
7 -
وقال في ص 30 (أنتجته قرائح مختلفة) والصواب (نتجته) بحذف الهمزة لأن الثلاثي أفصح من الرباعي ولأن الرباعي أشتهر في (أنتج كذا أي حان نتاجه) فالهمزة للحينونة.
8 -
وقال في ص 37 (فيقاتلون جيوش الحبشة في اليمن قتالاً شديداً رغم ما كانت عليه) وقد جعل (رغما) منصوبة ولنصبها وجهان أولهما أن تكون (مفعولاً من اجله) فيكون القتال (من أجل رغم ما كانت عليه) وليس بمطلوب والثاني أن تكون (صفة لمفعول مطلق) نائبة عنه والتقدير (قتالا رغم ما كانت) والمعنى فاسد، فالصواب أن يقال (على رغم) كقول الشاعر:
وما هي إلا كالعروس تنقلت
…
على رغمها من هاشم في محارب
أو (على الرغم مما كانت عليه) كما في مختار الصحاح، أو (برغم ما) كما في قول أبن ميادة ص 327 من ج2 من الأغاني:
ولقد بلغت بغير أمر تكلف
…
أعلى الحظوظ برغم أنف الحاسد
9 -
ونقل في ص 45 قول أبن هشام (وبنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم وهم أهل فضل واستقامة فسار إليهم ذو نواس بجنوده ودعاهم إلى اليهودية فخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخد لهم الأخدود فحرق من حرق بالنار وقتل بالسيف من قتل ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا) ثم قال المؤلف (فليس من شك في أن عدد القتلى من نصارى نجران لم يدرك عشرين ألفا بوجه من الوجوه فهي مبالغة ظاهرة سببها أن اضطهاد ذي نواس لنصارى نجران كان عنيفاً جداً حتى أنه ترك آثاراً هاجت النفوس العربية في البادية والحاضرة) أه قد نقل هذا وقال فيه ما قال ولكنه عاودته بل عادته هجيراه فقال في ص 72 (ولسنا نعرف في تاريخ اليهود أنهم أرغموا بقوة السيف أمة من الأمم على اعتناق اليهودية إذا استثنينا حادثة واحدة أرغم فيها الملك اليهودي يوحنان هور
كانوس طوائف بني أدوم على اعتناق اليهودية صاغرين) فقد نسي ذكره الله إرغام ذي نواس محرق أصحاب الأخدود (البنار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد). (من القرآن)
10 -
وقال في ص 53 (حيث قرر ارتكانا على منقوشات) وليس الارتكان بفصيح ولا مقبول ولو قال (اتكالا أو اتكاءا) لأصاب.
11 -
وقال في ص 56 (لأن يهود الحجاز إنما كانوا أصحاب دين سماوي يأمر بالمعروف وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وليس من المعقول أن ملكاً يهودياً يرتكب جريمة منكرة كهذه تناقض روح التوراة وتخالف الإيمان بآله موسى) قلنا: أعن صبوح ترقق؟ وتسر حسوا في ارتغاء، فأنت الذي تقول في ص 141 في اليهود (فخرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله وقالوا: أنا سنكون معكم حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولي بالحق) فالذي يفضل الوثنية على التوحيدية ويضل بذلك كثيراً لا يمنعه دين سماوي ولا
أتباع لآله موسى!! ولذلك قال المؤلف في ص 142 (ولكن الذي يلامون عليه بحق. . . حيث فضل هؤلاء النفر من اليهود أديان قريش على دين صاحب الرسالة الإسلامية) فتنبه على ذلك وقف على اضطراب كتابه.
12 -
وقال في ص 60 (بمثابة التعهد) يريد (العهاد والمعاهدة) و (الكفال والمكافلة) وليس بشيء.
13 -
وقال في ص 74 (أن اليهود يعتبرون أنفسهم أبناء الله وشعبه المختار من بين شعوب الأرض ولا تسمح أنفسهم أن تكون هذه الميزات لشعب آخر ليس منهم، لهذا لا يقرون بأن الله يختار نبياً غير إسرائيلي) قلنا: فما باله يقول في ص 101 (ومن هنا يمكن أن يقال أن اليهود كانوا من أهم السباب التي ساعدت على ظهور الإسلام وأن يكن (كذا) ذاك بطريقة غير مباشرة) فيا ويلتا من هذا التناقض المستمر!
14 -
وقال في ص 89 (وقبيل ظهور الإسلام وجدت في الديار العربية نهضة فكرية
عظيمة كان الاضطراب من علاماتها وقبيل الإسلام أيضاً أصبحت القلوب صالحة لقبول دعوة دينية جديدة وصارت الديانة الوثنية موضوع السخرية جهراً عند بعض الطبقات من المفكرين) هذا قوله هنا ولكنه يقول في ص 100 على النبي (ص)(ولكنه نجاحه كان بطيئاً جداً في ذلك الحين لأن تعاليمه كانت تقوم على ترك عبادة الأصنام وهدم العقيدة الراسخة في نفوس العرب. . . وكان ذلك فوق ما تهضمه عقولها وتحتمله نفوسها) قلنا: فأين النهضة الفكرية العظيمة؟ وأين صلاح القلوب لدعوة دينية جديدة؟ وما هذا الخبط والخلط؟ وأين نضع قولك في ص 98 (ويحدثنا أبن هشام أن أهل مكة تآمروا على من اسلم واتبع الرسول فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش)؟ فهذا شيء عجاب.
15 -
وقال في ص 100 عن عرب يثرب وأول الأنصار (إذ لقي رهطاً من الخزرج أراده الله بهم خيراً فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج. . . ثم أنصفوا عن الرسول راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا) ثم قال عن هذه الطبقة (وكانت الثانية عقليتها مرنة قابلة للتطور مستعدة للترقي فلم تكد تسمع
دعوة الرسول حتى قبلتها واعتقدتها) قال هذا فلم ينشب أن خرقه بمخرقة الديني في ص 104 بقوله (أما الغرض الذي كان يرمي إليه الرسول فكان غرضاً دينياً. . . بينما كانت الغاية التي يرمي إليها بنو الخزرج سياسية قبل كل شيء وهي إيجاد قوة لمحاربة عدوهم الذي بالغ في قتلهم وإذلالهم وهو بطون اليهود في يثرب) فانظر أي دس وأي عبث؟ فقد كان جعل السبب دينياً أولاً ثم جعله سياسياً بحتاً ثانياً وذلك استهتار بالتمويه لا استهتار بالتحقيق.
6 -
وقال في قضية اليهودية التي أهدت إلى النبي (ص) شاة مصلية 171 (ووضعتها بين يدي الرسول فتناول الذراع فلاك منها فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله وأما بشر فأساغها وأما الرسول الله فلفظها ثم قال: أن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم) قلنا: في ع دد من مختار الصحاح (وفي الحديث: ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أو أن قطعت أبهري) هذا ما سمحت به النفس أما انتقادنا اللغة فأهملنا لفشوه في هذا الكتاب، وذلك يحتاج وحده إلى كتاب ومما يذكر من أتعاب المؤلف استناده إلى عربية وعبرية وإنجليزية وفرنسية لكن تاريخه يحتاج إلى تمحيص متضلع لا متشبع.
بغداد: مصطفى جواد
جمع مفعول على مفاعيل
مما ورد في هذا الباب وقفنا عليه في هذه الأيام قولهم: بلد مقحوط وبلاد مقاحيط (المصباح) والملقوط: الولد المنبوذ وتجمع ملاقيط (محيط المحيط وعنه دوزري وعنه الشرتوني) - المبسوط من الأقتاب ضد المفروق وهو الذي يفرق بين الحنوين حتى يكون بينهما قريب من ذراع والجمع مباسيط كما يجمع المفروق على مفاريق (اللسان والتاج) - والمواسيم الإبل الموسومة (التاج).
فهذه خمسة ألفاظ أخر تضاف إلى الخمسة والثمانين المذكورة في 7: 768 وما يليها فتكون تسعين لفظة.
فوائد لغوية
في الصحاح وفي مختار الصحاح
19 -
وقال ب ط أ (وأبطأ فهو مبطئ ولا تقل: أبطيت) إلا أنه قال في ر ج أ (لأن بعض العرب يقول: أرجيت وأخطيت وتوضيت فلا يهمز) فحكم أولاً وعقب حكمه ثانياً.
20 -
وقال في ق ن أ (وأحمر قان أي شديد الحمرة) فقال الرازي (قلت: المشهور المعروف، أحمر قانئ بالهمز كما ذكره أئمة اللغة في كتبهم حتى الجوهري رحمه الله تعالى، فأنه ذكره في باب الهمز أيضاً، ولو كان البابين لنبه عليه أو لذكره غيره في المعتل ولم أعرف أحداً غيره ذكره فيه فيجوز أن يكون من سبق القلم أه فأقول: ذكر أبو زيد القرشي في كتاب جمهرة أشعار العرب قول المتنخل بن عويمر الهذلي:
وصفراء البراية فرع قان
…
كوقف العاج عاتكة اللياط
وقال (قان: أي أحمر شديد الحمرة) والقرشي قديم والظاهر أن الرازي لم يقرأ كتابه ولا حفظ هذا البيت، أما استجازته كون قول الجوهري من سبق القلم فهي نفسها من عثرة الفكر والقلم.
21 -
وقال في ق م ر (وقمري مثل رومي. . . والجمع قماري غير مصروف) قلت: يجوز صرفه على التخفيف كما صرح بحكمه المبرد في كاملة فضلاً عن أن الجوهري قال في وق ي (والأوقية. . والجمع الأواقي بتشديد الياء وأن شئت خففت) فقد بان الصبح لذي عينين.
22 -
وقال في ق ض ي (وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء تقول: قضى دينه) قلت ولم يذكر (قضاة دينه) بتعديته إلى مفعولين بنفسه مع أنه قال في ق ر ض (والقرض ما تعطيه من المال لتقضاه) معدياً إياه إلى مفعول واحد بنفسه وهو مبني للمجهول.
23 -
وقال في غ ر ر (والغرارة بالكسر واحدة غرائر التبن وأظنه معرباً ولو فسره بالوطيئة لا فاد فائدة كبيرة فهو الذي قال في وط أ (والوطيئة على فعيلة شيء كالغرارة وفي الحديث أخرج ثلاث أكل من وطيئة أي ثلاث قرص من غرارة).
24 -
وقال في ن ح س (والنحاس أيضاً دخان لا لهب فيه) وقد استغربت هذا الشرط لأن
نابغة بني جعدة قال:
يضيء كضوء سراج السلي
…
ط لم يجعل الله فيه نحاسا
فهذا البيت يجيز اجتماع اللهب والنحاس في السراج ولولا الجواز لما نفي الدخان لأن نفي ما لا يمكن ضرب من اللغو واللهو فنفيه النحاس عن ضوء السراج يدل على اجتماع لهب ونحاس.
25 -
وقال في ع ر س (وأعرس بأهله بني بها ولا تقل عرس والعامة تقوله) فقال الرازي (قلت: قوله - بني بها - هو أيضاً مما تقوله العامة وهو خطأ كذا ذكرة في ب ن ي) قلت: أجل غلط الجوهري في هذه المادة من قال: بنى بها وتابعه عليه الرازي وكلاهما مخطئ فقد روى المبرد في (2: 152) من كاملة قول أبي جبير الفزاري معونة لعبد الملك بن مروان:
على غير شيء غير أني سمعته
…
بنى بنساء المسلمين بلا مهر
26 -
وقال في ع ر ف (وتعارف القوم عرف بعضهم بعضا) ولم يذكر (تعارف القوم الشيء أي تعالموه وتداولوه) وهو الذي قال في ع ب ق ر (ثم خاطبهم الله تعالى بما تعارفوه) وقال في وق ي (وأما اليوم فيما بتعارفه الناس فالأوقية. . .).
27 -
وقال في زور (والزور بالفتح أعلى الصدر وهو أيضاً الزائرون يقال رجل زائر وقوم زور) ولم أتمكن من الموافقة بين هذا وبين قول علي (ع) في (3: 304) من الشرح الحديدي (وزور لا يسرك لقيانه) بإضافة المصدر إلى ضمير الزور المفرد.
بغداد: مصطفى جواد
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرة في مقالة المطبوعات الحديثة في النجف
قال الكاتب في لغة العرب (7: 465) والجامعة لم يعرف من أنشأها قيل الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) وقيل جابر الأنصاري وقيل بعض المغالين للأئمة من العلماء الذين عاشوا في القرن الثاني للهجرة. . . وفي بعض جملها مغالاة كثيرة في حق الإمام بحيث تخرجه عن كونه من البشر، ولهذا شغف بها (الكشفيون). و (الشيخيون) اتباع الشيخ أحمد الأحسائي المعروف المتوفي سنة 1242هـ (كذا والصواب 1234هـ راجع الروضات 1: 26) الذي أدعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين وشرحت في الدين وشرحت عدة شروح وممن شرحها السيد كاظم الرشتي الحائري تلميذ الشيخ أحمد المذكور. أه.
زيارة الجامعة مذكورة في أمهات كتب الشيعة الإمامية (راجع من لا يحضره الفقيه (1: 198 - 201 من طبعة الهند) والتهذيب (2: 33 - 35) وقد رواها الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفي سنة 381هـ 992م عن علي بن أحمد بن موسى والحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب وهما عن محمد أبن عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عنه موسى بن عبد الله النخعي عن الإمام علي الهادي (الإمام العاشر عند الشيعة الإمامية) والإمام عليه السلام بعد أن وصف للنخعي آداب الزيارة قال له: ثم قل: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة. الخ. هذا ما ذكره العلماء والمحققون أما أن الجامعة للإمام زين العابدين أو لجابر الأنصاري أو لبعض المغالين للأئمة فلم نجد في كتب العلماء ذلك. أما قوله: وفي بعض جملها الخ فليس في الجامعة غلو في الإمام بحيث يخرجه عن صفات البشر كما يظهر للعلماء أولي البصيرة. والفصيح في قوله الكشفيون والشيخيون: الكشفيون أو الشيخيون لأن
الشيخية هم الكشفية نعم يمكننا أن نحمل الواو على التفسير وأني لنا ذلك والكتاب وضع نقطة بين كلمة (الكشفيون) و (الشيخيون) والنقطة علامة الفصل كما لا يخفى. وقول الكاتب (ولهذا شغف بها الكشفيون والشيخيون) كلام يؤاخذ عليه لأن الشيعة الإمامية على اختلاف نزعاتهم وطبقاتهم قد شغفوا
به شغفهم بكل ما يصح عن المعصومين وليس هذا الشغف خاصاً بالشيخيين. وقد عرف الكاتب الشيخيين بأنهم أتباع الشيخ أحمد الأحسائي، قلنا: أن الشيخيين يفترقون إلى فرقتين فرقة منهم تتبع الحاج محمد كريم خان الكرماني تلميذ السيد كاظم الرشتي (المتوفي سنة 1259هـ 1843م) وقد يعرف هؤلاء بالكريمخانيين نسبة إلى رئيسهم المذكور، وفرقة منهم تتظاهر باتباع الشيخ أحمد الأحسائي. أما قوله: الذي أدعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين فمنقول عن رسالة قهوة سوراة تعريب السيد أحمد التبريزي، إذ يقول الفاضل التبريزي في حاشية ص 23: الشيخ أحمد الأحسائي المعروف الذي أدعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين انتهى كلام السيد أحمد التبريزي الذي نقل عنه الكاتب بدون أن يشير إليه كما هو عادة المنتحلين ولا نعلم على من اعتمد التبريزي في كلامه.
وقد اختلف الباحثون عن الشيخ أحمد في حقيقة أمره فمن أصحابنا من يرى أنه كان مارقاً من الدين كالاغا الميرزا محمد رضا الهمذاني في كتابه (هدية النملة إلى مرجع الملة) والسيد محمد مهدي الموسوي القزويني (نزيل الكويت) في بعض كتبه ونرى إلى جانبهم آخرون يعدونه من كبار الشيعة الأتقياء والصلحاء ويرون أن عقائده. وافقة لمذهب الشيعة الإمامية كالميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري في روضات الجنات فقد أثنى عليه أطراً والمحدث النيسابوري
في رجاله وقال (لا شك في ثقته وجلالته): أما نحن فلم نتثبت في الواقع إذ نرى العلماء الكبار كالسيد محمد مهدي بحر العلوم النجفي الطباطبائي صاحب الرياض وغيرهما قد أجازوه إجازة عامة في رواياتهم وشهدوا له في إثباتهم بالفضل وعلو المنزلة: والظاهر من بعض كلماته في شرح زيارة الجامعة الزيغ والظلال (أعاذنا الله من ذلك) ويقول بعض الفضلاء أن الشيخ أحمد كان في أوائل أمره من العلماء العاملين الصالحين فأجازه العلماء وبعد ذلك اضطرب في دينه واعتقد ما يخالف ضروريات الدين والمذهب، وعلى كل حال فالسكوت عن أمر هذا الرجل أحق وأولى. أما قول الكاتب (وشرحت عدة شروح وممن شرحها الخ) فنحن لم نطلع على شرح سوى شرح الشيخ أحمد الأحساني شيخ السيد كاظم الرشتي وهذا الشرح كبير مطبوع يزيد على ثلاثين ألف بيت.
وفي س 467: ولم يقوس الذي ضمنه ولم يجعله بين عضادتين فيعد على هذا منتحلاً
لبعض الأشطر. ألا يمكننا أن نعد ذلك من خطيئات المستنسخ أو الطابع لا الناظم؟.
وفي ص 468: أصدرها مؤلفها. . . باللغة الفارسية ولم ندر سر ذلك، قلنا أراد المؤلف أن يستفيد منها الفرس وينتفع بها الإيرانيون ولذلك وضعها بالفارسية وللمؤلف تأليف آخر في الموضوع نفسه بالعربية سماه: أصفى المشارب في حكم حلق اللحية وتطويل الشارب (مخطوط).
وفي ص 468 أيضاً: السيد صالح القزويني البغدادي المتوفي سنة 1293هـ ولعل الصواب سنة 1301هـ 1883م (راجع مجلة لغة العرب 1: 329 والأعلام 2: 427).
وفي ص 469: المتوفي سنة 1232هـ ولعله 1233هـ (راجع روضات الجنات 4: 553).
وفي ص 471: الشيخ علي بازي: والفصحاء يكتبون: الشيخ علي البازي (أي بإثبات آل التعريفات) في البازي وحضرة الشيخ نفسه يكره أن يرى أسمه بغير
هذه الصورة لأنها كتابة الفصحاء ولا يكتب غيرها سوى الأعاجم الغفل، هذا وفي الختام نرجو من أمثال حضرة الكاتب الجليل أن لا يكتبوا شيئاً إلا بعد التروي والتحقيق الدقيق لئلا يقعوا في مهاوي الأوهام الفاضحة.
محمد مهدي العلوي
أصف الدولة والماء في النجف
قلتم في كتابكم الثمين أمنية الباحثين وضالة الأدباء ذلك الكتاب الذي يجد فيه القارئ (الفوز بالمراد) ص 8. (لأن أصف الدولة أحد أمراء الهند في لكنهور جاء إلى النجف ورأى قلة الماء هناك فأعاد كري النهر فسمى بالهندية وذلك سنة 1309هـ - 1891م) أه.
ننقل هنا كلاماً لمجلة المرشد البغدادية عن أصف الدولة قالت (4: 203 حاشية): الذي نعلمه هو أن أصف الدولة المذكور كان ملكاً من ملوك الهند المشهورين بالعظمة والنفوذ التام وأنه لم يتشرف بزيارة أئمة العراق ومشاهدها المشرفة والمشهور أن المؤسس العلامة أقا باقر البهبهاني بعد ما توفي عام 1204هـ وكان من تلامذته السيد دادار علي أكبر علماء الهند المتوفي سنة 1235هـ مقربا عند ملكها أصف الدولة نتهز الأمير السيد علي الكبير من أعلام كربلاء فرصة الاستفادة من الوقت فزار الهند واقترح على ملكها المذكور إجراء الماء إلى كربلاء والنجف وبناء سور للمشهدين المذكورين وشراء منازل عمومية
لزوارهما. وقد أجاب الملك مطالبة وتنفذ (كذا) الأمر بحفر النهر المعروف بالهندية لانتسابه لملك الهند وكان ذلك سنة 1208هـ ومادة تاريخه (صدقة جارية) أه.
وكلام المرشد نتيجة بحث وتحقيق والذي يفهم منه:
1 -
أن أصف الدولة لم يكن من الأمراء بل كان ملكاً من ملوك الهند (ل. ع. كل ملك يسمى أيضاً أميراً لأنه ذو أمر).
2 -
أن أصف الدولة لم يأت العراق خلافاً لما جاء في (الفوز بالمراد) أنه جاء إلى النجف.
3 -
أن أصف الدولة حفر النهر في عام 1208هـ لا كما ذكرتم أن الحفر كان في عام 1309هـ والصواب ما جاء في المرشد لأن بعض الثقاب ذكر أن أصف
الدولة هو جد النواب إقبال الدولة دفين داره المعروفة باسمه في الكاظمية، وقد توفي إقبال الدولة في عام 1308هـ وهو في دور الشيخوخة وكيف يعقل أن يموت الحفيد الشيخ في عام 1308هـ ويكون جده حياً اللهم إلا إذا قلنا أن جده كان من المعمرين وهذا لا يصح لأنه لو كان منهم لذكره العلماء الذين ذكروا المعمرين ولو صل إلينا خبره.
(ل. ع. اصل الرواية 1308 فوق الخطأ في الطبع)
هذا وعسى أن توافقوا على هذا التصحيح.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
في ما قيل وما أقول
9 -
وذكرتم في ص 635 قول الشاعر (حمامة بطن الواديين ترنمي) وقول الآخر (ظهراهما مثل ظهور الترسين) مستجيزين أن يعامل المفرد كمعاملة المثنى فأقول أما الدليل الأول فهو ضرورة شعرية اضطرت الشاعر أن يثني الوادي بإضافته إلى ما حوله تثنيه تغليب لا ترتيب فانظروا (روض) من معجم البلدان. وأما الدليل الثاني فلم أنكر مثله حتى تتخذوه دليلاً قلت ذلك لأن العرب تكره اجتماع تثنيتين متواليتين ففي (1: 487) من الشرح الحديدي (قول زيد بن وهب (وشد أبنا علي: حسن ومحمد عليه فضرباه باسيافهما) وفي ص 493 منه قول علي (ع)(ألم أنهك وأبن عباس أن تخلا بمراكركما) وفي ص 165 منه قول المصريين المتألبين على عثمان (رض) (بجلد عبد الرحمن بن عيس
وعمرو بن الحمق وحلق رؤوسهما ولحاهما) وفي ص 273 منه (قال رسول اله صلى الله عليه وآله لأخوين من الأنصار: لا تيئسا من روح الله ما تهزهزت رؤوسكما) وفي ص 373 (منكسين ترضخ رؤوسهما بالحجارة) وفي ص 396 قول الحجاج (فاشحذا سيوفكما) وفي ص 453 (فضرباه بأسيافهما فقتلاه) وفي ص 459 (وصرفت أثمانهما في غير وجهها) وفي ص 63 قول عمر رضي الله عنه (فأضرب أعناقها) ورواية أبن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة ص 23 (فاضربوا أعناقهما) والمراد حاصل وفي (2: 522) من الحديدي قول علي (ع)(وتكون السنتهما معه وقلوبهما تبعه، وفي (1: 281) من الأغاني) وقد رفعا أصواتهما) وفي ص 322 منه (ولا أرى في
وجوههما) وعندنا أكثر من هذه الأدلة التي أثبتت (أن إضافة الجمع إلى المثنى مرادا به اثنان أو اثنتان قاعدة عربية نصيحة جداً).
10 -
وذكرتم في ص 636 (عبارة عن تقال الأشياء الجسمية كما تقال للأشياء المعنوية) فمثلهم للجسمية بقوله في الكليات (التنفيذ عبارة عن وقوع بعضها) وقوله في التصديق (عبارة عن ربط قلبه) ولا أرى صواباً أن يعد (الوقوع) و (الربط) جسمين فكيف عددتموهما؟ وأن تجدوا (عبارة عن تتقدم جسماً مجروراً بعن فذلك مولد وأنتم القائلون في (7: 821) ما نصه (إنما هو من قبيل للولد أي العلمي وإذا قيل (هو كذا) بدلاً من (عبارة عن) فلا وجاهة في استحباب المولد على الفصيح.
11 -
وخطأت أنا في ص 636 قول من قال (حتى لتروى أمه) فظاهر تموه بأنه (قدر: (حتى أنه لتروي أمه) ثم حذف وهو ما يظهر من تركيب كلامه وهو غير ممنوع) وأرى أن هذا الحذف أيها الأب الجليل ممنوع لأن (إنه) للتوكيد والحذف ضد لتوكيد وكأنه انهياض بعد انجبار وليل بعد نهار. على أني مفرط في تخطئتي الأنفة ففي (1: 67) من الشرح الحديدي قول علي (ع)(ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان) وفي ص 247 من جمهرة أشعار العرب قول قيس بن الخطيم الأوسي:
طررناكم بالبيض حتى لأنتم
…
أذل من السقبان بين الحلائب
ولأن نقنع بهذا المسموع خير من تعليله الطويل الممل، فقد دخلت اللام على قد أولاً وعلى المبتدأ ثانية مع تقدم (حتى) إياها.
12 -
وعددتم فيها (شهرياً) منصوباً على الظرفية في قولهم (500 غرش عثماني شهرياً) وقلتم (كقولك: عاملته معاملة شهرية) فأقول (شهرية صفة للمفعول المطلق، معاملة) فأين النصب على الظرفية؟ هذا فضلاً عن أنه لا يقال (أقمت شهرياً ولا اتجرت شهرياً) بالنصب على الظرفية بل (قمت شهراً واتجرت شهراً).
13 -
وغلطت في ص 637 من قال (أثر عليه تأثيراً) فاتخذتم قول الطبري (ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر) مع أن (على) متعلقة ب (رأى)
فيقال (رأى عليهم علائم النقمة لا أثر النعمة) وأن نسلم بوجدانكم غير هذا الليل فلا نرجع عن استصوابنا (لتأثير فيه) فأن الأثر غير التأثير وقد يقال (أثر عنده أثر) ففي (1: 160) من أمالي الشريف المرتضى الدرر والغرر قول ودقة الأسدي:
قد كنت أثرت عندي مرة أثراً
…
فقد تقارب يعفو ذلك الأثر
ومن أدلتنا على صحة قولنا، قيلة المرتضى في ص 228 منها (وأن طعن فيه بما لم يؤثر فيه) وللمرتضى أيضاً مثلها في (1: 222) من الشرح الحديدي، وفي ص 388 منه وورد في (3: 191) من كامل المبرد (واثر في أصحابها) وفي (3: 206) من الحديدي قول علي (ع)(وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره) وبهذا نكتفي.
14 -
وخطأت في ص 637 من يستعمل (إذا) بدلاً من (هل) وهمزة الاستفهام) فقلتم (فقد أكثر منه المولدون) فلا عجب من الكاتب أن يقتفي آثارهم) فطوراً تجعلون المولد عامياً وتارة تستحسنون تأثره بلا اضطرار، هذا فضلاً عن أنكم لم تذكروا مثلا لذلك المولد الممسوخ، فأنه يقال (لا أعلم أجاء أم لم يجئ؟) ولا معنى في (لا أعلم عندما جاء أم لم يجئ) بوضع (إذا) موضع الهمزة وتأويل الجملة ذلك التأويل.
15 -
ورأيت في (4: 13) من لغة العرب قول محمد بهجة الأثري ينتقد محمد سليم الجندي (فوردة كتاب (من صديقنا) والصواب (ورد إليه كتاب أو عليه).
16 -
وقال فيها أيضاً (لا يكسر على مفاعيل سوى في ألفاظ) ففصل بين (سوى) ومجرورها بالحرف ولا يستغرب ذلك من هذا المدعي (الحبزبزي) فالصواب (في سوى ألفاظ) بتقديم حرف الجر.
17 -
وقال في ص 17 متحدياً الجندي (فأنا نطالبه بإثبات استعمال العرب بكلمة - كذا
بالباء - الواقع في قوله: ما لم يصدق به الواقع) فأقول جاء في ص ح ح من المصباح (وصح القول: إذا طابق الواقع) فما أضيق اللغة في ذهن هذا الرجل وما اسلقه بلسانه الحديد للمستجهلين له.
أسئلة وأجوبة
الداوية والاسبتارية
س - بيروت ط. خ - لم لم يسم المؤرخون العرب الرهبان المدعوين بالفرنسية هيكليبن على طريق الترجمة أو (تمبلارية) من باب التعريب على نحو تعريبهم بقولهم (اسبتارية) بل أطلقوا عليهم أسم (داوية)(بصيغة الفاعل وبياء مشددة) لا غير. ثم ما معنى (داوية أهي عربية أم دخيلة؟ وأن كانت أجنبية فمن أي لسان هي؟
ج - كان العرب المؤرخون يدونون ما يسمعون حرصاً على صحة الألفاظ وبالصورة التي كانوا يسمعونها أو يتصورون سمعها. وأسماء الرهبانيات أعجمية في الغالب منسوبة إلى مؤسسيها أو إلى الغرض الذي يرمون إليه. وكانوا يعتبرون (التامبلية والأسبتالية) أعلاماً أو أعلام جنس ولذا لم يشاءوا نقلها إلى ما تعني في العربية كما فعل الكتبة في المائة الماضية الحاضرة إذ سموا الأسبتالية (مضيفين) والداوية (هيكليين) ونحن لا نوافقهم على عملهم هذا لأن الأعلام لا تترجم. أفرايت الغربيين ينقلون إلى لغاتهم معاني عنزة وشمر وبني العنبر إلى غيرها وتعد بالمئات؟ لم يفعل ذلك قوم من أقوامهم ولهذا لا يحسن بنا أن نخالف الأصول العامة والأحكام الجارية ببن مختلف الأمم. ولهذا أيضاً حسن عمل السلف في إبقاء الأعلام على صورها.
أما داوية في العربية فليس لهما معنى سوى أنها كلمة مشتقة من الدوي
نعم أن كثيرين أنكروا دوي وزان روى الثلاثي. لخلو معاجم اللغة منه، إلا أنه شاع بين كثيرين من الكتاب مدعين أن المصدر إذا وجد. وجد الفعل نفسه والمعروف أن الدوي فعيل وورود المصدر على هذا الوزن مسموع فقد قالوا مثلاً رحيل وبريق ووميض ورسيم وذميل ووجيف ونعيب وشهيق وصهيل ونهيت إلا ما لا حد له. ولا سيما فعيل وأرد مصدراً للأصوات فدوى عندنا من هذا القبيل وأن قال اللغويون أن الدوي أسم لا مصدر فالذي عندنا هو مصدر ومنه الاسم.
وقد شبه الأقدمون أدعية الرهبان وصلواتهم بدوي النحل. فإذا جاز لنا أن نرى الداوية من الألفاظ العربية قلنا أنهم سموا كذلك لأنهم كانوا يصلون جميعاً معاً فيحصل من دعائهم هذا
دوي فسموا بالداوية.
أما الذي عندنا فالداوية تصحيف (التامبليه) الفرنسية لا غير. يشهد على ذلك اختلاف روايات المؤرخين في ذكرها فقد جات الداوية والدواوية (راجع مجاني الأدب 6: 321) والفداوية (فيه 6: 322) والراوية (منتخبات من كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية طبع باريس في سنة 1898 في ص 185 حيث يقول وردت في بعض النسخ الراوية) والديوية (في الكتاب المذكور ص 299) وفي غير هذا الكتاب روايات أخرى. وكان عندنا نسخة تامة من كتاب الروضتين يذكر الداوية باسم التاوية وأخرى بصورة التابية ومراراً عديدة: التاملية وبعض الأحيان التامية. ومن اختلاف هذه الروايات في كل صفحة بصورة من الصور يرى أن النساخ لم يفهموا معناها لغرابتها أو لعجمتها. ولا جرم أن الكلمة أعجمية وأنها من الفرنسية.
وكذلك القول في الاسبتارية فأنها لم ترد في جميع النسخ أو الكتب بهذه الصورة بل تختلف بين الأستبار والأشتبار والأستبارية والأستيارية والأسبتالية والأسبتارية إلى غيرها وهذه أيضاً من الافرنسية كأختها المذكورة.
وكل ذلك يذكرنا بأن أستاذنا السيد محمود شكري الآلوسي كان يقول أن الأنفلونزة (وهي النزلة الوافدة) مأخوذة من العربية العامية (أنف العنزة) لأن أنف المصاب بهذا الداء يسيل مادة تشبه المادة التي تجري من أنف العنزة. وسمعنا
بعض الأدباء من أبناء حاضرتنا يسمي الأمنيبوس: (أم البوس) - وقرأنا في النشرة الزراعية الموضوعية في (أسماء النباتات في العراق) أن الأوكالبتوس يسمى في العراق (كلمطوز) وسمعنا كثيرين يسمونه (قلم طوز) فلا جرم أن الأصل هو (أو) كلبتوس) فقلبوا الكاف قافاً والباء ميمياً والتاء هاء والسين زاياً وكل ذلك لمجاورة هذه الأحرف بعضها بعضاً فصارت إلى لذي ولم يكف بعضهم هذا التصحيف بل ادعوا أن الألفاظ الإفرنجية هي من العربية. فقد ذكرنا لماذا قيل الإنفلونزة أنف العنزة وأما سبب التسمية الحافلة بأم البوس فلان حالة العراق في جوه حار وبرد، غبار وطين جعلتهم يعتبرون تلك العجلة كالأم التي تباس (أي تلثم) وسبب تسمية القلمطوس بهذا اللفظ هو أن الأقلام المتخذة من عوده تبقى على حالتها والطوس دوام الشيء. ثم قلبوا السين زاياً تسهيلاً للفظ. وفي كل هذه الشروح والتأويل من الخرافات
الظاهرة مالا يخفي على أحد فكيف على العاقل؟.
شمخ بأنفه تشميخاً
س بغداد: م. م - قرأت في جريدة (البلاد) في عددها ال 40 مقالة حسنة الوشي لناسجها (الأستاذ محمود الملاح) عنوانها: (ساعة المغيب في الكرادة الشرقية) وفي مطاويها هذه العبارة: قد فاز بها (مقهى الكرادة الشرقية) بخصال استأثر بها دون (كارلتون) المشمخ بأنفه على ضفاف دجلة) - فهل شمخ بأنفه (من باب التفعيل) معروف في اللغة؟.
ج - كاتب المقالة التي تشيرون إليها كثيراً ما يستشير (المنجد) وهذا المعجم خلاصة أقرب الموارد للشرتوني وهذا الديوان نسخة ثانية من محيط كما أن (البستان) نسخة ثالثة منه وما محيط إلا طبعة عربية لمعجم فريتغ. أذن على من أراد أن يحقق أغلاط هذه الدواوين اللغوية الحديثة الوضع أن يرجع إلى هذا الأصل وينظر في المورد الذي ورده فريتغ وقد راجعناه فرأينا يقول أن شمخ بأنفه تشميخاً منقول عن مقامات الحريري في ص 247 دساسي فتصفحناها فإذا فيها هذه العبارة المقامة الرابعة والعشرين المعروفة بالقطيعية: (ثم شمخ بأنفه صلفاً ونأى بجانبه أنفاً) وكل من له أدنى إطلاع على كلام السلف يعلم أن لا وجود لشمخ تشميخاً
وأن عدوى هذا الغلط سرت من الإفرنج إلى محدثي أبناء العرب على حد ما سرى الداء الإفرنجي إلى أبناء وطننا العزيز.
على أن صاحب (المنجد) زاد في المادة غلطاً آخر في الطبعة الأخيرة منه وهي الطبعة التي سماها صاحبها (الطبعة الخامسة المكملة: فقد قال في مادة ش م خ: (وشمخ) أنفه وبأنفه: رفعه اعتزازاً وتكبراً فهو (شامخ) أه. وقد ضبط شمخ بشد الميم بعد أن ذكر شمخ المجرد بأربعة اسطر. أذن وقع في هذه العبارة غلطان شنيعان الأول: اتخاذه شمخ من الباب الثاني في المزيد الذي لا وجود له في كلام السلف الخلص والثاني - وهو أفظع وأشنع - قوله: فهو شماخ) وشماخ كشداد صيغة مبالغ فيها مشتقة من شمخ المجرد ولا أعلم كيف هوى حضرة المؤلف الهوى السحيق مع أنه قال في ص (ز) من المقدمة: (أوزان المبالغة كلها سماعية ولا تبنى إلا من الثلاثي ومما شذ: دراك ومعطاء ومهوان ومحسان ومتلاف ومملاق ومخلاف من أدرك وأعطى وأهان وأحسن وأتلف وأملق وأخلف) فلم يذكر بينها شماخ أذن شماخ من شمخ المجرد.
وفي قوله: مهوان من أهان غلك آخر لأن في معنى المهوان مدحاً لا ذماً بخلاف قولهم أهانه الذي معناه: أستحقره واستهزأ به وأستخفف ولم يأت أبداً بمعنى لأن. ومعنى مهوان الكثير اللين فكيف يكون من أهان؟ أما أن المهوان هو للمدح فمما لا شك فيه قال الكميت:
شم مهاوين أبدان الجزور مخا
…
ميص العشيات لا خور ولا قزم
وأما اللفظة التي تشبه المهوان وهي من الرباعي فهي المعوان المشتقة من أعان ولعل لصاحب المنجد عذراً خطأ الطبع لأنه ذكر المعوان بقوله: الكثير المعونة للناس ولم يذكر المهوان بالهاء بعد الميم بأي معنى كان وبأي صورة كانت.
ومن صيغ المبالغة الواردة على مفعال ومشتقة من الأفعال المزيد فيها ما ذكره لنا صديقنا مصطفى أفندي جواد إذ قال: (أن قصرهم قياس - مفعال للمبالغة - على الفعل الثلاثي ليس بشيء فأنه يصاغ من غير الثلاثي إلى الخماسي صوغاً مطرداً لا شاذاً كما ادعوا ومن ذلك قولهم: مكرام من أكرم، ومعطاء من أعطى ومنجاد من أنجد، ومكثار مكن أكثر، ومعوان من أعان، ومطلاق من أطلق أو طلق
ومزواج من تزوج ومر قال من أرقل، ومحسان من احسن ومحواج من احتاج ومتلاف من أتلف ومغوار من أغار ومخلاف من اخلف ومحضار من أحضر ومملاق من أملق ومضياف من أضاف. ومقدام من اقدم ومطعام من أطعم ومذعان من أذعن بل لقائل أن يقول أنه يصاغ من المصدر أو أسمه فيكون المذياع من الإذاعة والمزواج من الزواج ويدعم قولنا هذا قول المبرد في ص 175 من كامله: المناجيد مفاعيل من النجدة والواحد منجاد وإنما بقال ذلك في تكثير الفعل كما تقول رجل مطعان بالرمح ومطعام للطعام أه. فالمبرد جعل المنجاد من النجدة ولم يعترض الطعام بأنه من غير الثلاثي ومما يجب ذكره ههنا أن - فعيلاً للمبالغة - ليس من الثلاثي دائماً ولذلك قال الفيومي في مادة ع ق ب من مصباحه المنير: وأما عقيب مثال كريم فاسم فاعل من قولهم عاقبة معاقبة، فالفعيل أذن من فاعل يفاعل مفاعلة وفعالاً على ما ذكر الفيومي وغيره ومن ذلك الخصيم أي المخاصم والحجيج أي الماج والظهير أي المظاهر والصديق أي المصادق والقمير أي المقامر والنسيب أي المناسب والرسيل أي المراسل والقرين أي المقارن والنظير أي المناظر والحليل أي المحال والخليل أي المخال والرضيع بمعنى المراضع والبيع أي المبايع والعتيب أي المعاتب والحسيب أي المحاسب والعديل
أي المعادل والسمير أي المسامر والجليس أي المجالس والرفيق أي المرافق والتبيع بمعنى المتابع والنديم أي المنادم والشبيه أي المشابه والضجيع أي المضاجع والكميع بمعنى المكامع والحليف أي المحالف والعشير أي المعاشر والعميل أي المعامل والقسيم أي المقاسم والشريك وهو المشارك والخليط أي المخالط والكليم أي المكالم والي أي المولي والجري أي المجاري والرئي أي المرائي والفريق أي المفارق. هذا ما عرض لنا بحسب القياس المذكور فليقس عليه مالا يورث الالتباس نحو الركيض أي المراكض والسبيق بمعنى المسابق والعهيد أي المعاهد مذكورة في كتب اللغة أه.
العسيل (الفرشاة)
س. لنجة (خليج فارس) السيد م. م هل عرف أجدادنا العرب ما يسميه الإفرنج اليوم التي عربها بعضهم بقولهم فرشاة وآخرون بروش وآخرون شعرية؟
ج - أن الأقدمين مناعر فواهذه الأداة باسم العسيل قال اللسان في تعريفها: مكنسة الطبيب وهي مكنسة شعر يكنس بها العطار بلاطه من العطر) أه (ويستعملها غير العطار).
باب المشارفة والانتقاد
19 -
تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر
الإسلام
راجع هذا الجزء في ص 123 إلى 128
20 -
جغرافية العراق الثانوية
تأليف الزعيم طه الهاشمي (في 284 ص بقطع الثمن الصغير)
قررت وزارة المعارف تدريسه في المدارس الثانوية، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد سنة 1348 - 1929.
لا يعرف قدر هذا التأليف إلا من عانى وضع تصنيف في موضع بكر لم يسبق بسابق. كانت في مدارس العراق حاجة إلى سفر يجمع بين دفتيه وصف ديارها وصفاً ما في أرضها وليس للغربيين تصنيف من هذا النوع لينقل إلى لغتنا. حتى أن الترك مع وجودهم في ربوعنا سنين طوالاً لم يفكروا في وضع شيء من هذا القبيل صاحب السعادة الزعيم طه بك الهاشمي المدير العام للمعارف العراقية ووضع هذا الكتاب إفادة للمدارس.
وكنا نود أن يتولى تصحيح مسوداته حضرتكم لكي لا يقع فيها شيء من أوهام الطبع. ومما نأخذه عليه إتباعه آراء بعض الغربيين بلا تمحيص كقوله في ص 38 ما هذا نقله: (وكان الكلدان قبل نصف قرن وأكثر يتبعون المذهب النسطوري، إلا أن دعاية الأباء الكاثوليك نجحت فيهم فأصبحوا كاثوليك (كذا) يتبعون الكنيسة الكاثوليكية ويخضعون للبابا) أه. قلنا: أن عودة الكلدان إلى دين آبائهم القديم بعد انشقاقهم عن كنيسة رومه كان في القرن السادس عشر على يد (سلاقا) الذي مسحه البابا يليوس الثالث بطريركا وسماه يوحنا في 9 نيسان سنة 1552 فتبعه بعد ذلك كثيرون من النساطرة.
وفي الكتاب خرائط ورسوم عديدة توضح مواقع البلدان والجبال والأنهار
وتضع سرد تلك الحقائق على طرف الثمام. نفع الله به الوطنيين والأجانب ومعنا الله بطول عمر صاحبه ليضع لنا كل ما نحتاج إليه من التأليف التي تفيد أبناء المدارس.
21 -
في سبيل الكهنة للخير العام
وقفية ومشروع الخوري منصور عواد عواد البحر صافي في المطبعة الكاثولكية في بيروت 54 ص بقطع 12.
الخوري منصور عواد معروف بغزارة العلم وبعد الهمة والأقدام على المشاريع الجليلة لخدمة الناس خدمة عامة مفيدة لكل واحد منهم. وقد وقف في 15 أيار من سنة 1929 ما جمعه بعرق جبينه وكد يمينه وفضل المحسنين خمسة عشر ألف ليرة لبنانية ذهباً ليؤسس بها جمعية مساعدة للكهنة فأكرم بها من خدمة تبقي له الأجر الصادق والفخر الخالد!.
22 -
المخطوطات الشرقية في بلاط كترينة الثانية (باللغة
الروسية)
وصف دقيق لما في البلاط المذكور من الخطيات الشرقية. وقد أدرج في مجلة محفى العلوم الروسي ثم طبع على حدة وهو للعلامة المستشرق الروسي الجليل صديقنا أغناطيوس كراتشكوفسكي وقد ذكر عدة كتب عربية وفارسية وفي جملتها وفاة السلطان سليمان.
23 -
الشعر العربي في المائة التاسعة
هذه مقالة ألمانية العبارة وضعها الصديق الروسي المذكور وقد أجاد في تنميقها حتى أنها تعد من احسن الموارد لم يريد أنم يقف على شعراء تلك المائة وعلى الجاحظ المجلي في حلبة عصره واستشهد كثيراً كتابيه البيان والحيوان وأدرجت في مجلته العالم الشرقي ثم طبعت على حدة.
24 -
أوجه ملوكية شرقية
-
هذا كتاب فرنسي العبارة يكلمك فيه منشئه جان مليا عن أمان الله ورضا
شاه بهلوي وملكنا المحبوب فيصل ملك الشام سابقاً وملك العراق حالاً وجلالة والده المفخم الحسين بن علي وأبن سعود ملك الحجاز وسلطان نجد والكتاب في 206 ص بقطع 12 مطبوع بعناية فاسكيل في باريس ونحن في حاجة نفسنا إلى الإطلاع على هذا التأليف وأمثاله لأن الحرب
الأوربية هزت الشرق هزاً عنيفاً فأسقطت فيه ملوكاً وأقامت فيه آخرين جدداً وهو إلى الآن لم يجد مقره التام في بعض الديار إذ نرى ملوكها تخلع ثم يقام على عروشها آخرون بسهولة غريبة فجاء مؤلف (مصطفى كمال أو تجدد تركية) يعرض على أنظارنا جماعة من المتوجين الجدد ويطالعنا على ماضيهم وحاضرهم ويوقفنا على آرائهم وخططهم مبتدئاً بأمان ملك الأفغان الذي أراد أن يطفر بقومه طفرة هائلة إلى شاهق فوق منه وأضر نفسه ثم ينتقل بنا إلى كل من الملول الذين ذكرناهم فويق هذا حتى يصل إلى ابن سعود. ويستند في ذلك كله إلى أسانيد وأنباء مثبتة فيغنينا بذلك عن مطالعة الروايات الخيالية والأقاصيص الموضوعة.
25 -
الفصول
مجلة أدبية تصدر كل فصل (كذا) من فصول السنة، صاحبها ورئيس تحريرها: الأب مبارك مارون اللبناني، تصدر في سنتياغو دل أستيرو (في الأرجنتين في أميركة)، وبدل اشتراكها في الخارج ليرة إنكليزية.
وصل إلينا الجزء الأول من هذه المجلة وهو جزء (الربيع) في 150 صفحة عربية و 50 إسبانية وحلاها بالتصاوير المختلفة فنتمنى لها الرقي والرواج.
26 -
نشرة الاقتصاد
مجلة (لعلها صحيفة) أسبوعية اقتصادية مالية، لصاحبها عبد الله نسيم حاوي.
وصل إلينا العدد الثالث من هذه الصحيفة فإذا هو يحوي إعلانات عديدة تجارية واقتصادية وكأنه كتب على نوع طبعها وورقها وتنظيمها وإنشائها أنها لا تعمر طويلاً.
27 -
أشرق نجم
كتاب ظريف لطيف في 108 ص بقطع يحوي أقاصيص مأخوذة من نصوص الإنجيل الكريم وعددها إحدى عشرة. وكلها صور بديعة قد اعتنت الكاتبة غي دافلين البليغة بأن تصورها بألوان الوصف الدقيق حتى أنك لتتوهم أنك تشاهد الآن بعيني رأسك أشخاصاً مضى عليهم نحو ألفي سنة وهم اليوم يعيشون قريبين منك. وهذه مزية عجيبة امتازت بها
هذه الكاتبة الفرنسية الشهيرة فعسى أن لا تحرمنا أمثال هذه الكنوز من وقت إلى وقت.
28 -
أسرار المراهقة بالفتى
للدكتور شخاشيري الطبيب والجراح في المستشفى الإنكليزي بمصر القديمة، يطلب من صاحبة بميدان فم الخليج ومن جميع المكاتب الشهيرة.
الدكتور شخاشيري من مشاهير أطباء الشرق يتعب نفسه ليفيد وطنه وقد وضع هذا الكتاب الصغير في حجمه الكبير في نفعه في 68 ص بقطع 16 وكفانا تعريفاً أن نقول عنه ما عرفه هو لنا بقوله: (محاورات بين أب طبيب وأبنه. تبحث في شؤون دور البلوغ في الفتى وفي أهمية وظائف أعضاء التناسل وكيفية الاحتفاظ بها سليمة ونصائح قيمة عليها تتوقف صحة الأبدان ونضارة العمران) وقد أتم هذا البحث بكل دقة وكفاية وبعبارة واضحة جليلة مما يجعل هذا الكتيب البديع رفيقاً لكل شاب يريد العمر الطويل الهنيء والهرب من المفاسد والأمراض التي تنهك قواه وتكون سبب شقائه مدة عمره القصير.
29 -
أسرار المراهقة بالفتاة
هذا الكتيب بحجم أخيه وعدد صفحاته 80 وهو للدكتور النابغة الوطني المذكور. وفوائده كفوائد الأول وعباراته أدبية جلية المغزى (ومغلفة بغلاف عفيف) مما يوجب على كل رب بيت أن يدفعه إلى أبنته إذا ما بلغت سن المراهقة. ولقد قرأنا بعض الكتب المؤلفة في مثل هذا الموضوع وما كنا نكاد نمسكها حتى نرميها بين القاذورات لما فيها من العبارات البذيئة السمحة المرغبة في
الفحش. أما هذان الكتابان فأنهما آيتان في تهذيب الأخلاق وأبعاد الشاب أو الشابة عن كل ما يشين شرفهما. فعسى أن يروجا ليقبل صاحبهما على إفادة جمهور الناس بأمثالهما ونحن نشكره عليهما باسم جميع الناطقين بالضاد من ذكور وإناث لما أفاض عليهم من الخير والفضل.
30 -
الوقاية أفضل من المعالجة
الجزء الأول تأليف الدكتور شخاشيري، طبع بمطبعة وديع أبو فاضل في مصر في 410 صفحات بقطع 16.
لا يقبض الدكتور شخاشيري على يراعته إلا ليفيد قراءه على اختلاف طبقاتهم إذ يكتب
بعبارة جلية طلية، ليدفع عمن يطالع أسفاره كل ضرر ويجلب إليه كل نفع، ونفعه هذا لا ينحصر في وقت دون وقت، فما ينتجه قلمه يبقى حيا إلى ما شاء الله لأنه سلسلة تحقيقات ونصائح يهون في اقتنائها بذل كل نفيس، إذ يشتري القارئ صحة ولا يلوي رأسه إلى طبيب أو دواء. فنحن نشكر الطبيب النطاسي على هديته هذه ونوصي كل مطالع، رجلاً كان أو امرأة بأن يقتني هذا التأليف الجليل لأنه في مطالعته فائدة ولذة. فقد قال المؤلف نفسه في صدر تصنيفه:(يحتوي (هذا الجزء) على رسائل منوعة في مختلف الأمراض وأسبابها ومداواتها وكيفية الوقاية منها، وأنت في مطالعها تشعر كأنك قبضت بيديك على سلاح تستطيع به أن تقاومها وأن تدفع عنك شرها وأن تتقي سوء نتائجها) ولا يتصور القارئ أن المؤلف يبالغ في وصف كتابه ليبيعه، لأننا تحققنا في أثناء وقت المطالعة أن الخبر دون الخبر وما على الشاك أو المرتاب إلا اقتناؤه.
31 -
أنواع العمليات
التي أجراها الدكتور شخاشيري في المستشفى الإنكليزي وعيادته الخاصة، من أوائل سنة 1913 إلى أواخر يونيو سنة 1929.
هو جدول مرتب أحسن ترتيب يرى فيه القارئ أن الدكتور الخبير الماهر بضع من الفتق 2439 ومن القيلة 1294 ومن الدوالي 11 ومن الورم 21 ومن الإحصاء 33 ومن الكحت (الكشط) 4 ومن البتر 8 ومن الطهارة 33 ومن
البواسير 11289 ومن الناصور العادي 525 ومن الناصور البولي 8 ومن الخراج 1760 ومن التنظيف 188 ومن البزل 52 ومن الأسنان 490 ومن كسر الحصاة 23 ومن الزائدة 8 فيكون مجموع ما استعمل المبضع من الأعمال في مدة 17 سنة 18176 وهذه أحسن الأدلة بما له من الفضل في عالم الطب ومداواة المرضى ودفع الملمات عنهم فضلاً عن أفادتهم بكتبه ومقالاته.
32 -
الحصاد الأول
إحدى وثلاثون قصة عراقية: وضعها أنور شاؤل، طبع بمطبعة الجمعية الخيرية في بغداد 1930 في 169 ص بقطع 16.
أنور شاؤل من شبابنا الذين يعقد الوطن عليهم رقي الأدب العراقي وقد وضع هذه القصص
بأجمل صورة وأبدع رواية وأجاد أيضاً كل الإجادة في طبعها وتنسيقها فجاء هذا الحصاد قبل أوانه في ديارنا. وكنا قد طالعنا أغلب هذه الأقاصيص في صحف العاصمة. أما اليوم فقد صيغها صبغة جديدة ليبلوها على عشاقها فإذا هي من أحسن ما يكتب في هذا الموضوع. فعسى أن تلاقي إقبالاً ليبرز الكاتب بقية إبكار أفكاره فيكون من المجيدين في هذا الموضوع الشاق الشائق.
33 -
الكرخ
جريدة أدبية أسبوعية تظهر في بغداد.
لصحفنا البغدادية وخطط وغايات. وقد رأينا جريدة الكرخ من أحسن صحفنا لتهذيب المجتمع العراقي وتأديبه. ففي كل عدد يصدر منها مباحث مختلفة وعناوين متعددة وغايتها إصلاح ذوي الأمر والنهي ودهماء الناس وكل ذلك بعبارة تعجب الجميع، وهل من عجب أن تكون الكرخ في صدر صحفنا ومنشئها (الملا عبود الكرخي) شاعر الناس المحبوب ورئيس تحريرها (عبد الأمير الناهض)؟ على أن هذا التحسين بلغ أقصاه منذ أن تولى تحريرها هذا الشاب الناهض فأنه يفرغ على الكرخ من ذوب قلبه ودماغه ما يحليها في عيون الجميع حتى في عيون الأغراب.
وكان المستشرقان لويس ماسنيون الفرنسي وأشتريك البافاري طالبا منا أن نرسل إليهما بمجموعة (الكرخ) ففعلنا فأعجبا بمقالاتها المتفننة وأساليبها المختلفة
واعتبرها من أحسن صحف العراق وأوفاها بالمقصود الذي ترمي إليه. وكلفانا أن نشكر صاحبها ومنشئها الشاعر بهذا الفوز المبين!.
خطط الشام
2 -
ونحن لا نريد أن نتبع في كل صفحة من صفحات مجلدة هذا، إذ يقتضي لذلك وقت عظيم ويقع في مئات من صفحات هذه المجلة. إلا أننا نريد أن نجلب نظر صديقنا إلى ما كتبه حضرة الأرشمندريت توما ديبو المعاون فأن مقالة وحدة الطافح بالأوهام يستلزم وضع كتاب قائم برأسه لإظهار ما فيه من العورات والسقطات.
وأول هنواته أنه مسخ الأعلام مسخاً شنيعاً حتى أنه يستحيل على القارئ أن يقابلها بما ورد منها في مصنفات السلف. قال حرسه الله في ص 226 معدداً بدع اليهود في الدين المسيحي وذاكراً بينها (الكلسامين والشمشونيين والفنوستيين) وقد قلبنا جميع التأليف التي تذكر تلك البدع فلم نعثر على الأسماء التي ذكرها لتصحيفه إياها وتحريفها. والصواب الكسائيين وباليونانية وفيها روايات أخرى. والكلمة أرمية الأصل معناها أصحاب الأسرار أو الخفايا، ولا أثر للشمشونيين في التواريخ ولا في الأخبار وإنما هم السامفسيون وباليونانية ولم نجد اسما يقابل الفنوستيين من مبتدعي المائة الثانية ولعل اللفظة مصحفة عن ثيودوتسيين وباليونانية
ومن الأعلام الممسوخة أريوس فأنه ضبطه بالمد، والصواب بالهمز كما جاء في مدونات الناطقين بالضاد جميعهم من المحققين (راجع تاريخ المسعودي طبع باريس 2: 313) والملل والنحل للشهر ستاني (ص 174 من طبعة الإفرنج) وفي نسختنا الخطية في الطرة ما هذا: (أريوس بفتح الهمزة وراء ساكنة يليها ياء مثناة تحتية مضمونة فوار ساكنة فسين ويقال فيه أروس كعروس ومنه الأروسون لفرقة كانت في رهط هرقل) أه. وفي الكامل لأبن الأثير 1: 236 من مطبعة الإفرنج وفي التنبيه والأشراف للمسعودي أيضاً ص 142 فحرموا
أريوس الإسكندراني ولو أردنا أن نذكر جميع المصنفات التي ذكرت هذا الاسم لأحرجنا القراء. على أننا لا ننكر أن هذا الاسم ورد في مختصر الدولة لأبن العبري المطبوع في بيروت بصورة آريوس بالمد ص 136 إلا أن هذا الغلط من الناشر لا من صاحبه والدليل أننا وجدنا هنوات كثيرة هذا الوهم وكلها من الناشر فلينتبه الغافل.
ومن أغلاط الأعلام الواردة في الصفحة المذكورة مكدونيوس والصواب مقدونيوس أو مقدونس (المسعودي 2: 314 وغيره) وآفنوميوس وآفدوكسيوس وضبطهما بالمد والصواب أونيوس وأودكسيوس وهو كثيرا ما ينقل الحرفين اليونانيين إلى العربيين (أف) والحال أن هذا اللفظ حديث عند الإغريق أما اللفظ الحقيقي فهو القديم أي (أو) فقد قال العرب كلهم (أوطيخا) لا (أفطيخا) وقالوا أيضاً: أو أون واوثوذيمس واوثوفرن واوخس واوديمس واوليباسيوس إلى غيرها ولم يقولوها بألف وفاء في الأول. راجع تاريخ الحكماء لأبن القفطي وعيون الأنباء لأبن أبي أصيبعة. وغيرهما.
وقال في تلك الصفحة صباليوس. والمعروف عند العرب بالسين سباليوس (راجع الملل والنحل ص 173) وقال ماركلوس والصواب مرقلس. ولا نريد أن نذكر جميع الأعلام التي ذكرها في مقاله هذا لأنها كلها مخطوء فيها ولم يكد يصيب في واحد منها. وذكر أوطيخا باسم أوطينما وذكر خلقيدونية باسم خلكيدون، وخلقيدنية أشهر من أن تذكر وأوردها جميع أخباري العرب من مسلمين ونصارى ولا نرى وجهاً لأغلاطه هذه المتعددة وكلها في صفحة واحدة إذ نحن لم نخرج منها.
ومن أشنع أغلاطه قوله في تلك الصفحة: (أو من باله واحد آب ضابط الكل. . .) مع أن جميع النصارى على اختلاف نحلهم يقولون: أو من بالله الواحد الأب الضابط الكل. . . لأن الأب هنا علم للأقنوم الأول وأداة التعريف هنا للتغليب عليه ولا يجوز حذفها هنا لئلا يظن أنه اسم جنس يشمل عدة آباء. ولهذا وجب القول الأب. ومن غريب الأمر أن الكتبة المسلمين أوردوا هذا العلم بصحته خلافاً لحضرة الأرشمندريت، فقد قال أبو الفداء في تاريخه (1: 94)
من طبعة الأستانة): نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء. . . وقال كذلك صاحب الملل والنحل (174 من طبعة الإفرنج) وقال أبن حزم في كتابه الفصل في الملل، والأهواء والنحل، (1: 54 من طبعة مصر): أن أمانتهم التي اتفقوا عليها كلهم هي كما نورده نصا: نؤمن بالله الأب مالك كل شيء. . .
الأغاني
الجزء الأول
11 -
وورد في ص 27 قول الشاعر:
لا مني في هواك يا أم يحيى
…
من مبين بغشة أو صديق
فعلقوا عليه (قد تزاد من في الإثبات وحمل عليه قوله تعالى: يغفر لكم من ذنوبكم) قلنا: بين الآية والبيت فرق ظاهر هو أن المجرور في البيت عمدة والمجرور في الآية فضلة ودخول (من) على المفعول به للتقليل مطرد نحو (فلان أخذ من مالي وتناول من طعامي وشرب من شرابي) فنحن نعد الآية من هذا الضرب ونتلو (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك).
12 -
وجاء في ص 28 ما نصه (ورواه أسحاق - أواس - بالسين غير معجمة وقال وأحدها آسي وهو الأصل) قلت لما روى المبرد في ج 3 ص 245 من كاملة قول (شبل بن عبد الله):
لا تقيلن عبد شمس عثارا
…
واقطعن كل رقلة وأواسي
قال في ص 146 (والأواسي: ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر. . . وواحدها - آسية - (بالتشديد) وهي أصل البناء بمنزلة الأساس) فاختلف الوزنان وتفاضل الشرحان.
13 -
وذكر في ص 40 (ولا أؤذنه به) بهمزتين متواليتين والصواب (قلب الثانية واوا) دفعاً للثقل ووفاقاً لأسلوب العرب.
14 -
وفيها (دعني أدنو من الباب) فعلقوا به (في ت، ح ر، أدن، بغير واو وكلاهما صحيح) قلنا: يجوز الرفع إذا لم يجب الجزاء أي إذا جاز في الجملة وجهان هما كون الجملة جزاءاً أو حالاً، وههنا لا تجوز الحالية
لأن القائل لم يدن من الباب حتى يتلبس بحالة الدنو، ويتضح ذلك من قوله بعد ذلك (فدنوت من الباب) فالصواب إذن (أدن) بالجزم.
15 -
وورد في ص 56 (فكاد أن يخرج من جلدة طربا) فعلقوا عليه (كذا في جميع النسخ وهو غير الفصيح في - كاد - من عدم اقتران خبرها بأن) قلنا: جاء هذا التعبير في ص 225 من الجزء فأرسلوه ثم ورد في ص 379 فقيدوه بذلك التعليق نفسه وهو غريب. أما اقتران خبر كاد بأن فالأدلة تضافرت لتأييد فصاحته ففي ص 63 من جمهرة أشعار العرب قول النبي (ص) في أعشى بكر بن وائل (كاد أن ينجو ولما) وفي نهج البلاغة قول علي (ع)(وكاد أن يحترق من ميسمها) وفي ص 80 من الجمهرة قول أعرابي لعبد الملك بن مروان (وترفع يديها وتعطوا بفيها وكادت أن تنفد ما فيها) والمرهم لهم في ذلك أن (أن) تأتي مع المضارع دائماً للاستقبال و (كاد) من أفعال المقاربة فهو ضد الاستقبال الممتد، ولكن ليس الأمر كذلك ففي ص 19 من هذا الجزء قول الرسول (ص)(لو سمعت هذا قبل أن اقتله ما قتلته)(فأن) ههنا لمصدرية النحتة لا للاستقبال وإلا فسد المعنى لأنه قتله فليلحظ قولنا.
16 -
وذكر في ص 79 عمر بم أبي ربية:
ثم قالوا تحبها قلت بخرا
…
عدد الرمل والحصى والتراب
وفي ج2 ص 185 من كامل المبرد (عدد النجم والحصى والتراب) وفي ج 2 من آمالي الشريف المرتضى (عدد القطر والحصى والتراب) أما أبرو الأغاني فعلقوا بقوله (بهرا) ما نصه (أي أحبها حباً بهرني بهراً أي غلبني غلبا) وأما المبرد فقال في ص 187 (وقوله قلت بهرا يكون على وجهين أحدهما: حباً يبهرني بهرا أي يملؤني، ويقال للقمر ليلة البدر - باهر - أي يبهر النجوم أي يملؤها. . . والوجه الأخر أن يكون أراد: بهرا لكم أي تباً لكم حيث تلوموني على هذا).
وأما في آمالي المرتضى فهو (. . . أخبرنا ابن الأعرابي قال: يقال للقوم إذا دعوت عليهم - بهرهم الله والمبهور المكروب - أنشدنا. . . قال المرتضى
(رض) وقد قيل في معنى قوله - بهرا - غير هذا الوجه. . . وبهرا يجوز أن يكون أراد: نعم حبا بهرني بهرا ويكون بمعنى عقراً وتعساً. . . قال أبو عمرو: يكون بهرا بمعنى ظاهراً حبا يريد ظاهراً من قولهم: قمر باهر، وقد روى بعض الرواة أنه قال: قل لي هل تحبها قلت بهرا: والرواية الأولى هي المشهورة) أه.
17 -
وجاء في ص 80 (سرى الليل يطوى نصه والتهجر) في (3: 136) من الكامل (يحيى نصه).
18 -
وفي ص 83 قالوا (ما يساعد على التثبت من هذا المعنى) وقالوا في ص 141 مثله والفصيح (التثبت في هذا المعنى) ولو ورد مثل قولهم في تاريخ الطبري.
19 -
وورد في ص 84 قول الشاعر (مع الركب قصد لها الفرقد) ومن تعليقهم قولهم (في ت القرقد بقافين إذا لم نجد في هذه المادة سوى - قرقد - بدون أداة التعريف جبل قرب مكة) قلنا: ويحتمل أنه (الغرقد) بالغين قال المجد في القاموس (الغرقد: شجر عظام أو هي العوسج إذا عظم واحدة غرقدة وبها سموا. وبقيع الغرقد مقبرة المدينة على ساكنها الصلاة والسلام لأنه كان منبتها) أه. وورد في ص 103 قول عمر بن أبي ربيعة:
قالت لترب لها تحدثها
…
لنفسدن الطواف في عمر
وفي الكامل المبردي ج 2 ص 124:
قالت لها أختها تعاتبها
…
لا تفسدن الطواف في عمر
وفي هذه الصفحة من الأغاني (قومي تصدي له ليعرفنا) وفي تلك الصفحة من الكامل (قومي تصدي له ليبصرنا).
20 -
وجاء في ص 104 منه (ثم أسبطرت تسعى على أثرى) وفي الصفحة المذكورة من الكامل وفي ص 170 من جزء الأغاني هذا (ثم أسبطرت تشتد في اثري).
له بقية
مصطفى جواد
تاريخ وقائع الشهرة في العراق وما جاوره
1 -
طه بك الهاشمي
عرف القراء من الكتب العديدة والمجلة العسكرية التي نقدناها أن طه بك الهاشمي الزعيم الكبير من رجال العلم الصادق في العراق وكان مديراً عاماً للمعارف. وفي 23 من كانون الأول الماضي أصدر جلالة ملكنا المعظم أرادته المطاعة معيناً إياه رئيساً لأركان الجيش فأحزننا هذا التعيين وأفرحنا في وقت واحد. أحزننا لأن سعادته كان يدير بمهارة وحذاقة المعارف التي عهدت إلى خبرته الواسعة فوسع نطاقها ووضع للمدارس كتباً نفسية تقوم بحاجة الطلبة العراقيين، ومن الجهة الثانية أننا نعلم أن حفظ الوطن من الأخطار المحيقة به والتي يدفعها إلا جنود بسل ومدربون يقودهم قائد ذو رئاسيتين: رئاسة القلم ورئاسة السيف مما يقدم على توسع نطاق المعارف - إذ لا معارف بلا طلبة ولا طلبة بلا جنود يصونون مدارسهم من الهدم والتخريب - وطنا نفسنا على الرضى بالحالة التي رفع إليها زعيمنا متمنين له النجاح، وشاكرين له ايادية البيض في طول المدة التي أدار بها سكان معارفنا وطالبين إليه أن يواصل مباحثه وتأليف كتبه لكي لا يحرم المدارس التي أوصلها إلى هذه الدرجة من التقدم ثمرات جهوده ومتاعبه الجليلة. وقد رفعه جلالته ملكنا المعظم إلى رتبة فريق، فنهنئه بهذا التقدم الذي هو أهل له.
2 -
بين العراق وإيران
وافقت الحكومة الإيرانية في المبدأ على أن ينال العراق حصته من مياه (صوبار) الذي يجري بين التخوم الإيرانية والعراقية بحسب نصوص الاتفاقية المعقودة بين تركية وإيران سنة 1913.
3 -
بين إيران وتركية
فرغت لجنة الحدود الإيرانية التركية من مهمتها وعاد الوفد الإيراني إلى طهران ليعد الرفائع (التقارير) إلى وزارة الخارجية ووزارة الحربية وصرح الزعيم سيف الله خان تخطيط الحدود جرى
مطابقاً للمصلحة المشتركة بين إيران وتركية. وستكفل لجنة التخوم
ومراقبتها بصيانة الأمن والنظام لاتفاق الفريقين على تأليفها وستمنع تأليف العصابات في الجهة الواحدة ضرر الجهة الأخرى.
4 -
التحكيم بين العراق ونجد
لا تزال مسألة التحكيم بين العراق ونجد من أعقد المشاكل ويدور قطبها على تفسير المادة الثالثة من اتفاقية العقير ومسألة المخافر على الحدود فأن الحكومتين لم تتوصلا إلى الآن إلى حسم جلي في أمر تأليف لجنة التحكيم لاختلاف وجهة نظرهما في العناصر التي تنشأ منها.
5 -
معسكر ابن سعود
يخيم أبن سعود في (الصافة) التي تجاور تخوم العراق بجيش شديد العرام وهو على اتصال دائم بمعتمده في الكويت لمراقبة الثوار وقد حشدت إمارة الكويت عدداً من الصناديد لصد خصومهم عن اجتياز التخوم ولا يزال الدويش وأعوانه نازلين في أرض (البقلاوة) بين العراق ونجد. وأشاعت المصادر السعودية أن زرافات من رؤساء العجمان ومطير خفوا إلى المقر العام النجدي وقدموا طاعتهم وإخلاصهم للملك أبن سعود من دون قيد ولا شرط ولم يبق مع الدرويش إلا عدد ضئيل من الأعوان من أولئك الذين يئسوا من نيل الأمان بلا أداء الديات وإعادة المنهوبات. ثم هم أيضاً سلموا بعد حيز وقبض الإنكليز على الدويش وبعض الرؤساء وأرسلوا إلى جهات غير معلومة.
6 -
إزاحة الستار عن تمثال المس درترد لثيان بل
في ال 18 من كانون الثاني (يناير) في الساعة الثانية و 45 دقيقة بعد الظهر أزاح جلالة ملكنا المعظم الستار الذي كان يغطي تمثال المس بل وذلك بحضور فخامة المعتمد السامي والوزراء والمستشارين البريطانيين وممثلي الدول الأجنبية والجالية الإنكليزية والسيدات الإنكليزيات.
والتمثال يصور مذمرا (تمثالاً نصفياً) قائماً على لوح من نحاس محلي بنقوش حجمه متر مربع مبني في الحائط واللوح مقسوم شطرين يرى في شطر اليسار كتابة إنكليزية وفي الشطر المقابل له نقلها بالعربية وهذه هي بحروفها:
(صورة) حفلة كشف الستار عن تمثال المس بل
(وفي الوسط جلالة ملكنا المعظم وعن اليسار فخامة المعتمد البريطاني وعن اليمين معالي وزير المعارف)
كرتردبل
التي لذكراها عند العرب كل إجلال وعطف
أسست هذا المتحف في سنة 1923
بصفتها المديرة الفخرية للعاديات في العراق
وجمعت الأشياء الثمينة التي يحتويها
بإخلاص وعلم دقيق
واشتغلت بها مدى حر الصيف إلى يوم وفاتها
في 11 تموز سنة 1926
الملك فيصل وحكومة العراق
قد أمرا شكراً لها على أعمالها الكبيرة في هذه البلاد
بأن يكون الجناح الرئيسي باسمها وبأذن منهما
قد أقام أصدقاؤها هذه اللوحة
وفي نهاية الحفلة صفق الملك وجميع الحاضرين، ثم تقدم جلالته وأخذ ينعم النظر في اللوح ثم سلم على فخامة المعتمد السامي وسائر المدعوين وكان ذلك في الساعة الثالثة، والجماعة التي في الشارع تشيعه بالتصفيق العجاج.
7 -
جمعية عمال المطابع العراقية
سمحت وزارة الداخلية يوم 4 ك 2 (يناير) بإجازة (جمعية عمال المطابع العراقية) وجرى انتخاب أعضاء أدارتها في مساء ال 10 منه.
فنتمنى أن تتحسن حالة الطباعة على عهد هذه الجمعية، وأن تأمر بنبذ الاصطلاحات التركية التي يستعملها عمال المطابع مثل (داغطمه) أي التفريق و (طوبلمه) أي الركام و (يازي) أي الكتابة، إلى غيرها وأن يستعملوا في مكانها لغتهم التي نشئوا عليها وهي التي ذكرناها. وفقهم الله.
8 -
أول طيار عراقي
هو سليم أفندي دانيال بن أخي حضرة العين المحترم صاحب المعالي مناحيم أفندي دانيال وقد تلقى فن الطيران في إنكلترا وأتقنه وأشترى لنفسه طيارة سافر بها من بريطانية الكبرى إلى بغداد. وقد وصل إلى حاضرتنا في 2 ك 2 (يناير) من هذه السنة عند الغروب وهبط في محطة الطيران في غربي بغداد فاستقبله فيها أهله وأصحابه استقبالاً فخماً. ونحن نفتخر به لأنه أنفق على إتقانه فن الطيران من ماله الخاص ونتوقع أن تنتفع حكومتنا بعلمه وخبرته فأنه أهل للتشجيع واحتذاء مثاله.
9 -
أول طيارة في حضرموت وتأثيرها في الناس
ذكرت جريدة (حضر موت) التي تصدر في سورابايا في جاوة في عددها ال 222 أن طيارة إنكليزية نهضت من عدن وحلقت في حضر موت فوق هذه المدن: الشحر وظفار وسيحوت والمشقاص ودو عن وجول عبيد وشبام وسيون وتريم وشعب هود، وأخذت صور تلك المدن والجبال، ثم رجعت إلى المكلا ولما رآها الحضارمة انزعجوا أي انزعاج (من دويها في الفضاء فتراكض الناس إلى السطوح وإلى الساحات. وفر البعض فراراً وجفلت الإبل في بعض النواحي وذهبت تعدو عدوا في الصحراء، وتفرقت الأغنام أيدي سبأ وقلق البدو وخافوا سطوة هذا العقاب الذي لم يؤمنوا به، وأصبحت الطيارة حديث المجالس وموضع الآراء) أه.
10 -
الممثل الألماني
رفعت الجمهورية الألمانية قنصليتها في العراق إلى ممثليه في الثلث الأخير من كانون الأول وعين القنصل السابق القدير الهر ولهلم ليتن ممثلاً الحكومته ورفع في 28 ك 1 من السنة المنصرمة أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية، وفي صباح 6 ك 2 من هذه السنة مثل بين يدي جلالة ملكنا المعظم وقد قدم فخامة وزير الخارجية حضرة الممثل المبجل إلى جلالته فأبدى له ملكنا كل لطف وعطف.
ويعود رفع القنصلية إلى منصب ممثليه إلى أتساع المصالح الألمانية في العراق ولا سيما ازدهار تجارتها. وتقدم بعض الألمانيين - وبينهم الهر بشكن - إلى حكومة العراق طالباً
منحه امتيازاً بإنشاء معمل العطور. وهناك عدة شركات تتأهب لدخول الأسواق العراقية منافسة للشركات الأجنبية الأخرى.
11 -
سفر معالي طلعت قايا بك
غادر العاصمة بعد ظهر 2 كانون الثاني (يناير) معالي طلعت قايا بك الممثل التركي في العراق بعد أن قوى ربط الاتحاد بين جمهوريته وبين دولتنا العراقية.
12 -
الوزير التركي المفوض يقدم أوراق اعتماده
خلف معالي لطفي بك الوزير التركي المفوض الجديد معالي طلعت قايا بك المسافر وقدم وراق اعتماده إلى فخامة وزير الخارجية وبعد ذلك مثل معاليه بين يدي جلالة مليكنا المعظم في صباح 2 كانون الثاني (يناير) فقدمه إلى جلالته فخامة وزير الخارجية فتبودلت عبارات الولاء والوداد والمتوقع توثق عري الاتحاد أكثر فأكثر على يد معاليه.
13 -
النعمانية لا البغيلة
وافقت وزارة الداخلية على تسمية ناحية البغيلة بناحية النعمانية وكتبت إلى المراجع التي تعني بالأمر بتعميم هذا التغيير في جميع أنحاء لواء الكوت وذلك على ما لهذه الوزارة من السلطة التي تخولها إياها المادة الخامسة من قانون إدارة الألوية.
14 -
وفاة جبر ضومط
خسرت الجامعة الأميركية في بيروت ركناً من أركانها بوفاة أحد علمائها الأعلام الأستاذ جبر ضومط في 18 كانون الثاني (يناير) من هذه السنة عن سن يناهز الثماني والستين وقد قضاها بين المحابر والدفاتر وهو مشهور
بتأليفه التي نحا فيها منحى علماء الغرب العصريين ودخلت عدة مدارس فنعزي أولاده وجميع المنتمين إليه طالبين لهم السلوى والصبر.
15 -
مناجم فحم في إيران
صرح الهرهوفمان المتخصص الألماني في علم طبقات الأرض والموظف في وزارة الأشغال أن المساعي التي بذلتها دولة إيران للبحث عن مناجم الفحم والحديد، نتجت أحسن
نتائج لأن الباحثين عثروا على مناجم غنية بالفحم وقد بدءوا باستثمارها وينتظر أن تقوم إيران بحاجات سككها بما تصدره مناجمها بعد سنوات قليلة. وقد سافر الهر هوفمان إلى ألمانية بمهمة تتعلق باستثمار المناجم المذكورة.
16 -
إنكليزي يحكم عليه بالجزاء
أقام الدعوى المدعو خزعل بن مصطفى على البريطاني الذي أسمه نورمان ماكلان المهندس في الشركة الأنبراطورية الجوية بتهمة الاحتيال عليه. فسيق نورمان المذكور إلى محكمة الجزاء ونظر في التهمة الموجهة إليه المستر بريشرد رئيس المحكمة الكبرى ببغداد. وبعد المحاكمة حق نورمان (أي ثبتت إدانته على لغة عوام المصريين)
فحكمت عليه محكمة الجزاء بغرامة قدرها خمس وأربعون ربية وتعويضات قدرها 1200 ربية يقدمها إلى المدعي خزعل المذكور.
17 -
قتلة فظيعة
في مساء 12ك2 (يناير) غاب الشاب عبو (أو عبودي) بن نعمو صاحب فندق مود ولم يعرف أهله بأمره فأخذوا يبحثون عنه ويسألون عنه الغادي والرائح ونشروا عنه في الجرائد صورته ليستعلموا خبرة. ولم يتحقق نبأه المشؤوم إلا في 22 من الشهر المذكور إذ وجد جثته هامدة على بعد ميلين من ديالي وقد ثبت أن المظلوم أخذه بالحيلة في الساعة الحادية عشر ونصف زوالية ليلاً أحد الشبان وأركبه سيارته قائلاً له أنه يريد التنزه معه ترويحاً للنفس في طريق الهنيدي. ولما اجتازت السيارة الهنيدي بمسافة قصيرة نزل المغتال الخائن وطلب منه أن يماشيه قليلاً فوافقه الصبي فغافله ذاك وألقى في عنقه ربقة ثم شد عليها فوقع بين الاثنين دفاع وفي الآخر أغمى علي (عبد) فنحره ذاك المسخ وقلع عينيه حتى إذا أراد المحققون أن يصوروا الصورة الأخيرة التي انطبعت على بؤبؤ المقتول لا يعرف القاتل. وأما سبب القتل فلم يعرف على التحقيق فربما كان وراء القاتل شخص خفي حمله على هذا الأمر الفظيع.
(تصحيحات)
ص 1 س 10 نرنا: نرانا - ص 13 س 9 ما: على ما - ص 13 س 21 الجنارة:
الجنازة - 15 س 17 ووسطها وآخرها: أو وسطها أو آخرها - ص 17 س 13 كاسعتهم: داخلتهم - ص 17 س 19 المحتم: المحتوم - ص 17 س 25 الهاء: الراء - ص 19 س 6 - ص 21 س 26 الواو كما: الواو ألفا كما - ص 33 س 18 المنتقم: المنتقم له - ص 33 س 23 أودعوه: أدعوه - ص 34 س 14 أن: على أن - ص 35 س 22 منازلة: منازلة - ص 35 س 24 سبب: سب - ص 36 س 16 ويقاربوهم: ويقاربونهم - ص 37 س 4 يكون: لا يكون - ص 37 من 24 منه: منه نقص - ص 37 س 25 كاف: كان - ص 38 س 9 للشفتين: الشفتين - ص 38 س 24 الشعوبية: الشعوبية - ص 72 س 9 ما: على ما - ص 96 س 12 سيوف: سيوفه - ص 80 س 20 إلى أن نبشها: إلى نبشها - ص 111 س 18
العدد 78
- بتاريخ: 01 - 03 - 1930
رسالتان تاريخيتان
(ل. ع) بعث إلينا حضرة المجتهد الكبير أبي عبد الله الزنجاني برسالتين منقولتين بنصيهما الفارسيين عن أصليهما الواحدة صادرة من البابا والثانية من شاه إيران. والبابا المذكور أسمه في الرسالة الشنسيوس الثاني عشر، واسم شاه إيران في جواب الرسالة حسين الصفوي. فلم نجد هذا الأمر موافقاً للتاريخ: لأن البابا أنوشنسيوس الثاني عشر كان بابا من سنة 1691 إلى سنة 1700 م وملك السلطان حسين الصفوي في المحرم من سنة 1166 هـ (يوافق نوفنبر 1752م) ولم يبق السلطان حسين على العرش الكسروي مدة طويلة لأن كريم خان خلعه في السنة المذكورة نفسها (1166) وتوفي في سنة 1192هـ (1778م) فلم نفهم هذا الاختلاف الموجود بين عهد البابا وعهد السلطان حسين الثاني الصفوي. فلعل أحد القراء يرشدنا إلى سببه فنكون له من الشاكرين.
وقد طلبنا إلى الكاتب محمد صادق الحسيني وهو أحد الأدباء الإيرانيين المعروفين بالوقوف التام على أدب اللغتين الفارسية والعربية - وهو اليوم ضيفنا في بغداد - أن ينقل لنا النصين الفارسيين إلى العربية، فلبى طلبنا على ما هو معهود فيه من حسن الأخلاق وخدمة العلم والأدب ودونك الآن ترجمة الرسالتين:
رسالة البابا
صورة ترجمة كتاب بابا مملكة الروم الغربية، الذي كان قد ترجمه الأب المرسل محمد ونترجمه اليوم بالتفصيل بحرفه:
يود البابا انشنسيوس الثاني عشر أن تكون الأنوار الإلهية متهيئة لذلك الملك النبيل الواسع الاقتدار إذ طرق أسماعنا ما في دياركم من الراحة والطمأنينة اللتين يتمتع بهما سكان مملكتكم المترامية الأطراف الواسعة النطاق، مؤملين أن تكون لجماعة الأباء الصغار المنتمين إلى القديس فرنسيس والمعدودين من أهل الفضل والعرفان، الراحة والرفاهية في ظلكم، ولا سيما أنهم قد غضوا أبصارهم عن اللذائذ الدنيوية وحرموا على أنفسهم طيب العيش ليصلوا بأنفسهم ويوصلوا أنفس الغير إلى بارئها، مهتدين بهدى الديانة المسيحية، ومستضيئين بأنوارها. فنرجوكم وثيق الرجاء بأن تتفضلوا على هذه الطائفة التي لها قسط
من الفضل والعلم فتأذنوا لهم إذناً تاماً ليكونوا أحراراً في الممالك التي تحت سلطتكم، ولا سيما بلاد (كنجة وكرجستان) فيتمكنوا من أن يجروا ما يرونه لازما من الأمور الدينية وشؤونهم الروحانية في داخل البيوت الخالية أو البيع والصوامع ويعتمدوا على نفوذكم وسلطانكم في مقاصدهم الإلهية. والرجاء من مقامكم أيضاً أن تأمروا بإصدار الأوامر المؤكدة إلى خدامكم والمنتسبين إليكم بأن لا يمنعوهم أو يعارضوهم في شؤونهم وتعاقبوا عقاباً صارماً كل من يخالف أمركم العالي.
هذا وأن الابن المحبوب فليكس مريم دسلان الذي هو من الأفاضل يظهر لكم ما يكنه خاطرنا وما يجول في خلدنا. ونؤمل الأمل العظيم أن تعيروا أسماعكم للأجوبة التي يعرضها عليكم الأب المذكور من قبل خلافتنا وفي هذه الآونة ندعو لكم ونرجو من أبينا أن يفيض عليكم أنوار مراحمة الباهرة ويحيطكم بأشعتها المتلألئة لتحصلوا على الصدق والاستقامة التامة.
كتب في كنيسة مريم الكبرى وختم بختم الصياد في اليوم ال 26 من النيروز الإفرنجي سنة 1619 بعد ميلاد المسيح.
(لغة العرب) هذه السنة توافق عام 1029هـ وكان شاه إيران يومئذ عباس الأول الكبير الصفوي الذي دخل بغداد في سنة 1033هـ 1624م ولهذا نظن أن الرسالة الأتي نصها له لا للسلطان حسين آخر سلاطين الصفويين كما ذكر لنا ودونك نصها:
رسالة الشاه
بينما نحن مشتغلون بنشر أعلام الشريعة الطاهرة المحمدية، وترويج آثار أجدادنا الكرام الذين شيدوا صروح السنة الإسلامية، إذ ورد إلينا كتابكم المنطوي على خالص الود ومزيد الألفة والالتئام على يد حاملة زبدة الأشباه والأقران (فيلكس مريم دسلان) فطالعناه وفهمنا ما تضمنه أشعاركم من بذلنا الدعاية للقساوسة والرهبان الذين يقطنون هذه الممالك الفسيحة المسالك. ولا يخفي على رأيكم الرزين وعقلكم المتين ونصفتكم الأرسطوطالية كما لا يخفى على سائر الأعاظم والملوك في الديار الإفرنجية أن بيتنا العالي وسلالتنا ينتهي نسبها إلى الثمرة الطيبة المصطفوية وينتمي أصلها إلى أصداف بحر المكارم المرتضوية ولذا نرى من الواجب علينا أن نقوم بحفظ البيضة ونشر أو أمر الكتاب العزيز وإبلاغه نواهيه.
وغير خفي على أصحاب العقول النيرة وأرباب العقل والبصيرة أن المذهب الحق والمنهج الصدق الذي نتبعه جاء مانعاً للعصبية الجاهلية ومبيناً للناس طريق الحق من الظلال ولا يكره أحداً على اتخاذ طريقته المثلى وسنته العليا، ولا سيما القساوسة وجماعة الرهبان المسيحيين الذين قد شملوا بعناية وتوصية تلك الذات الكريمة التي تعتبر قدوة ملوك في الديار الإفرنجية وجميع الأمراء المسيحيين، فهم متمتعون دائماً بعوارفنا الملوكية والطائفية الشاهانية. وليس هناك أي مانع لمكثهم بين الطبقات المسيحية في تلك الجهات ولتعلم الجلة أمر أحكام الدينية اللازمة وسوف يكونون آمنين ومطمئنين في ما يريدون إجراءه من الأمور الخاصة بشريعتهم. أما الرسول المشار إليه فأنه صرف بكل إعزاز وإكرام بعدها حظي بتشرفنا وتشرف بخلعنا ومواهبنا الملوكية.
التوقيع
تاريخ هذا الكتاب يوافق زمن السلطان حسين الصفوي آخر ملوك السلالة الصفوية.
انتهت ترجمة ما كان بالفارسية.
محمد صادق الحسيني
من هو القرصوني
أطالع هذه الأيام مجموعة خطية حوت كتباً طيبة. وهي المجموعة المذكورة في كتابي (مخطوطات الموصل صفحة 237 عدد 175). من جملة ما في هذه المجموعة كتاب (كمال الفرحة في دفع السموم وحفظ الصحة) يليه (مقالة في الحمام). كتب تحت عنوان كمال الفرحة أنه للإمام العالم العلامة (شمس الدين محمد القرصوني الطبيب) وهو في 40 صفحة متوسطة. كتابتها وسطورها مرصوصة كأغلب الكتب التي في هذه المجموعة جاء في المقدمة أنه كتب لقانصوة الغوري. أول الكتاب: (الحمد لله الملك الحليم المدبر الحكيم ذي القوة والسلطان الدائم الباقي وكل من عليها فان. . . الخ).
وكتب تحت عنوان (مقالة الحمام) أنه لسيد الحكماء العظام وأوحد الفقهاء الأعلام العالم العامل الحبر البحر الكامل سيدنا الشيخ (بدر الدين محمد القرصوني الحنفي).
ورد ذكر محمد القوصوني الطبيب وتأليفه كمال الفرحة في تاريخ أدب اللغة العربية لجرجي زيدان (3: 250) حيث قيل: (محمد القوصوي الطبيب ألف لأبي النصر قنصوة الغوري كتاب كمال الفرحة في دفع السموم وحفظ الصحة بإشارة منه وفيه تفاصيل مفيدة عن معالجة السموم بعضها لم يأت العلم الحديث بأحسن منها. منه نسخة في المكتبة الخديوية في جملة كتب باشا في 246 ص) أهـ.
فيرى أن جرجي زيدان سماه (القوصوي) ولكن في المجموعة التي أبحث عنها جاءت نسبة في كتابه ونسبة ابنه بدر الدين محمد في مقالة في الحمام (القوصوني) بنون قبل ياء النسبة في أربعة أماكن واضحة.
أما الباعث إلى كتابة هذه المقالة فهو أولاً بيان أن من اشتهر بالقوصوني اثنان شمس الدين محمد وأبنه بدر الدين محمد. ثانياً بيان أن النسبة قوصوني كما جاء في هذه المجموعة لا قوصوي كما جاء في كتاب جرجي زيدان. ثالثاً تصحيح
الغلط الوارد في كتابي (مخطوطات الموصل) إذ نسبت كتاب كمال الفرحة ومقالة الحمام كليهما لشمس الدين محمد القوصوني. والصحيح أن مقالة الحمام هي لأبنه بدر الدين محمد. ومنشأ الغلط كون الأب والابن سميا محمداً ورابعاً لا عرف من هو القوصوني.
أما القوصوني الوالد شمس الدين محمد فلم أعثر على شيء من ترجمته سوى ما جاء ذكره في كتابه كمال الفرحة أنه كان طبيباً معاصراً لقانصوه الغوري.
وأما القوصوني الولد بدر الدين محمد فقد كتب أحدهم ترجمته تحت عنوان مقالته في الحمام في المجموعة المذكورة ولأهمية هذه الترجمة وعدم وجود غيرها على ما أظن ولوجود فوائد تاريخية فيها أنقلها هنا حرفياً. ولكن مما يوجب الأسف أن المترجم (بكسر الجيم) بقي مجهولاً لأنه لم يذكر أسمه. أما خطة فنسخي عليه مسحة من خط التعليق فهو يمد بعض الحروف كالنون والياء إلى تحت وهو مخالف لخط المجموعة. وهذه صورة الترجمة.
(مؤلف هذا الكتاب هو صاحبنا وصديقنا الشيخ بدر الدين محمد بن محمد القوصوني الحنفي رئيس الحكماء في باب السلطان. ولد سنة عشرين وتسعمائة وكان ذكياً حادقاً فاضلاً كاملاً متفنناً انتهت إليه رئاسة الطب مع المشاركة التامة في غيره من العلوم فائقا في الأدب والنظم والشر. له فيهما اليد الطولى. اجتمعت به في مصر في رحلاتي إليها. وبيني وبينه مراسلات وملاطفات نظماً ونثراً. ذكرت طرفا منها في تذكرني. ثم السلطان سليمان بن سليم خان سقي الله تعالى عهده صوب الرحمة والرضوان فقدم عليه في عام خمس (كذا) وخمسين وتسعمائة لأن يعالجه من النقرس. فظهر منه في علاجه اليد البيضاء ولاطفه أحسن ملاطفة إلى أن أختص به جداً وعزل لأجله هامون زاده اليهودي (كذا في الأصل ولعل كلمة هامون أصلها هارون. اتصلت فيها الراء بالواو من العجلة بالخط
فصارت تقرأ هامون) وأبعده عن بابه وولى الشيخ بدر الدين رئيس (كذا. والصحيح رئاسة) الحكماء. وعظمت مرتبته عند السلطان جداً وصار لا يصبر عنه ساعة واحدة ولا يتناول شيئاً إلا بعد العرض عليه. ومع ذلك فكان بخيلاً بجاهه جداً رحمه الله تعالى. واجتمعت به في رحلتي الثانية إلى اصطنبول سنة خمس وستين وتسعمائة فرايته في عظمة كبيرة. ومع ذلك فجاءني عند قدومي. واستعظم الناس ذلك لعلو مقامه على الوزراء فمن دونهم. وأحسن إلي وجابرني وكان متضجراً من منصبه يود الخلاص منه. وسأل في الحج مراراً فلم يؤذن له فلما توفي السلطان سليمان رحمه الله تعالى عظمة السلطان سليم كتعظيم والده. وكان جليل القدر علي الشأن. له تذكرة لطيفة ورسائل منها الحمام ومنها
طبقات حافلة كتبها ذيلاً على طبقات أبن أبي اصيبعة. وكنت جمعت جانباً من تراجم الأطباء المتأخرين عرضته عليه فأعجبه وإضافة إلى ما كتبه. وكان حج مع عمه في صحبة سليمان باشا الوزير وقبل ذلك في ما أظن. وبلغنا أنه توفي باصطنبول في سنة ست وسبعين وتسعمائة. رحمه الله تعالى ورحمنا إذا صرنا مصيره) أهـ.
قرأت هذين الكتابين للقوصونيين (كمال الفرحة في دفع السموم وحفظ الصحة (ومقالة في الحمام) فوجدت الأول لا بأس به يبحث عن حفظ الصحة وتقوية (الصلب) والتحفظ من السموم والتخليص منها. فكأن المؤلف رحمة الله سعى لحفظ صحة سيدة قانصوه الغوري وتقوية (عضوه) وحفظ حياته من الاغتيال بالسموم.
وأما مقالة الحمام فوجدتها من خير ما كتب في هذا الباب. ألفت لأبي الحسن البكري. فقد جاء في صدر الرسالة بعد الحملة والصلولة: (وبعده فهذه مقالة لطيفة في الكلام على الحمام ومنافعه وكيفية استعماله للصحيح والمريض وتدارك الخطأ الواقع في استعماله. الفتها بإشارة شيخ المسلمين ووارث علوم الأنبياء والمرسلين قطب دائرة العالم ورحمة الله المنزلة على بنبي آدم العالم الرباني والمحقق الصمداني أبي الحسن البكري الصديق سبط أبي الحسن فسح الله تعالى
في مدته. . .)
الموصل: الدكتور داود الجلبي
(ل. ع) الذي ساق جرجي زيدان إلى الوهم قول صاحب كشف الظنون في 1: 491 من طبعة الآستانة: دستور البيمارستان للعلامة أبن القوصوي. ذكر فيه الأمراض والعلاج وأنها من غلبة خلط من أخلاط الأربعة (كذا) أهـ. والصواب أبن القوصوني. كما حققه حضرة صديقنا المدقق. ونزيد على ما تقدم بسطه أن هذا الاسم جاء بصورة مختلفة في الكتب الخطية. وقد لاحظ ذلك طابع كشف الظنون ومترجمه إلى اللاتينية العلامة غستاف فلوجل وهو أول من بعثه من مدفنه إلى عالم الظهور وذلك في سنة 1835 وعنه طبعت نسخة بولاق فنسخه الآستانة وكلتاهما مشحونة غلطاً ووهماً. وقد قال فلوجل: أن بدر الدين محمد بن محمد يعرف بالقرصوني وأبن القوصوني وقوصوني زاده (راجع 7: 1049) وقيسوني زاده وقيسوم زاده (7: 942) قلنا: ولعل كلا من الولد والوالد يعرف بهذا النسب. ولم نجد معنى لهذه النسبة في أي كتاب كان. وعلى كل حال فهي ليست منسوبة إلى مدينة
قوصوة في يوغوسلافية في بلاد السرب القديمة كما يتبادر الذهب إليه لأول مرة ولا إلى قوص من ديار مصر.
قدم اسم مندلي
أفادنا حضرة صديقنا المحقق المدقق يعقوب أفندي نعوم سركيس أن اسم (مندلي) بهذه الصورة ورد في كتاب في الأنساب اسمه صحاح الأخبار وهو مطبوع في مصر سنة 1306 وكانت وفاة مؤلفه في سنة 885هـ.
وذكر لنا أن مانعاً الذي ورد اسمه في 8: 40 من هذه المجلة والذي قيل عنه أنه أمير قشعم هو على ما يظهر شيخ المنتفق وليس أمير قشعم والذي روى أنه أمير قشعم هو العمري صاحب غاية المرام وعنه نقل الكتبة هذا الوهم فنشكره على هذه التحقيقات.
عمر الأستاذ جبر ضومط
تحققنا أن الأستاذ جبر ضومط ولد في صافيتا في 26 أيلول 1829 وتوفي في بيروت في 18 ك سنة 1930 رحمه الله.
لواء العمارة
1 -
نظرة عامة فيه
اضطراب حبل الأمن في جنوبي العراق عام 1276هـ! بتمرد عشائر (البو محمد) على الحكومة العثمانية، فرفع زعيمها الكبير فيصل بن خليفة راية العصيان عليها. فاضطرت الحكومة إلى سوق جيش لجب عليها قاد زمامه (اللواء محمد باشا الدياربكرلي) فكانت الحرب سجالاً بين الطرفين. ثم انتهت بكسر فيصل بن خليفة وتنظيم الحكومة مقراً عسكرياً لها على ضفة دجلة اليسرى أسماه الأهلون (الأوردي) وهي لفظة تركية معناها مقر الجيش ولا يزال هناك من يطلق هذا الاسم على البقعة التي أنشئت فيها (العمارة) بعد قليل من الزمن.
ولما هدأت الحالة هناك وعادت السكينة إلى مقرها والسيوف إلى غمودها: نظمت الحكومة العثمانية (لواء عسكرياً) لحفظ الأمن في هاتيك الربوع ولمشارفة سير جباية الأموال الأميرية وأنشأت لجيشها المقيم هناك عمارة فخمة للسكنى وللتحصن فيها عند الاقتضاء وكان المجاورون لعمارة الجيش يفتحون بعض الحوانيت قياماً بما يحتاج إليه الجند ثم أنشئوا جملة مساكن لهم فانتشرت بذلك الحركة العمرانية وأطلق الأهلون ورجال الحكومة كلمة (العمارة) على ذلك المقر العسكري. وبعد مضي حولين كاملين على الحركة التأديبية المار ذكرها نظمت الحكومة (قضاءاً مدنياً) أطلقت عليه أسم (قضاء العمارة) فأخذ الأهلون يختلفون إليه من جهات نائية طمعاً في وفرة الكسب وعذوبة الهواء ونشف الأرض فأصبحت (العمارة) جنة غناء ومتنزهاً وتعد اليوم (باريس العراق) في نظر بعضهم لجمال موقعها وخصب تربتها وكان قائم مقامها إذ ذاك عبد القادر بك فأرخ الأخرس تاريخ إنشاء العمارة قائلاً:
قل لمن يسأل عن تاريخها (قد عمرت أيام عبد القادر)(أي عام 1278هـ!)(1861م) وتقدر نفوسها ب (19. 300) نسمة وفيها رصيف على طوار النهر يبلغ طوله زهاء 500 متر.
قلنا أن العمارة قائمة على ضفة دجلة اليسرى. أما الحقيقة فأنها واقعة على رأس الزاوية النائية من الأنهر الثلاثة: دجلة والكحلاء والمشرح (بفتح الراء وتشديده) فيها دار أمارة
فخمة ودار مسكن متوسطة الكبر ومستشفى ملكي جميل ومدارس جديدة البناء وسوق مستقيمة ترى فيها الحوانيت مشيدة على نسق واحد وعدة قصور شاهقة وحمامات جميلة ويربطها بالجانب الأيمن جسر من حديد أنشأته سلطة الاحتلال. ومعظم مبانيها منشأ على الطراز الصحي ولا سيما الواقع منها على ساحل دجلة. ومما يزيد في بهائها وجود الكهربية فيها.
وفي العمارة الآن ثلاثة أجسر أحدها يربط ضفة (المشرح) الواحدة بالأخرى والثاني يصل ضفة نهر (الكحلاء) اليمنى بضفته اليسرى. والثالث وهو الحديدي يربط جانبي البلدة أحدها بالآخر. وهذا الجسر أعظم الأجسر.
وكان فيها قطار حديدي ثم رفع بزوال الاحتلال البريطاني للعراق وانتهاء الحركات العسكرية فيه والبلدة تبعد عن جنوبي بغداد 358 ميلاً بطريق النهر وتصلها بها جادة مستقيمة لسير السيارات تحمل الركاب من بغداد إلى البصرة رأساً عن طريق دجلة. كما تربط السكة الحديدية بغداد بالبصرة عن طريق الفرات وتسير البواخر والزوارق التجارية في دجلة مارة بالكوت والعمارة وهما من أهم مرفئها.
2 -
حدود اللواء وتوزيع أراضيه
تقع أراضي العمارة على ضفاف دجلة والكحلاء والمشرح وتمتد من جنوبي لواء الكوت حتى حدود لواء البصرة وتحاذيه جبال بشت كوه الإيرانية الشهيرة. وهذه الجبال تفيد بعض مزارع اللواء البعيدة عن دجلة أو عن النهيرات المتشعبة من دجلة فوائد عظيمة لأنها تسقيها بينابيع المياه التي تتفجر فيها. ويحده من الشمال أراضي السودة على ضفة دجلة اليسرى وأراضي عشيرة المقاصيص على ضفة دجلة اليمنى ويحده من الجنوب أراضي الكسارة المحاذية لناحية العزيز (بالتصغير) العائد إلى لواء البصرة ومن الشرق أراضي الحويزة الإيرانية وجبال بشت كوه ومن الغرب بطيحة الغراف فالبطائح الشهيرة في التاريخ المتصلة بأراضي لواء المنتفق.
وطريقة توزيع الأراضي الزراعية في هذا اللواء لا تشبه الطرق المتبعة في بقية الألوية. بل توزع على شيوخ القبائل بطريق الأفدان المعروفة في القرون الوسطى بأن يعطي الشيخ الفلاني المقاطعة الفلانية لمدة تتراوح بين السنتين والخمس سنوات ويكون الشيخ في
غضون هذه المدة حر التصرف فيها لا ينازعه إياها منازع ولا يلتزم بتشغيل الفلاح الفلاني أو إرضاء الشيخ الفلاني أو خطب ود الحكومة. ولقد بحت أصوات الناقمين على هذه السياسة المتبعة منذ تأسيس لواء العمارة ولكن الحكومة لا تصغي إلى نقد الناقدين أو صراخ المستغيثين اعتقاداً منها أن من شأن هذه الطرقة في توزيع الأراضي الزراعية مد ظلال الأمن على جميع ربوع اللواء في حين أن الألوية التي تعطي فيها الأراضي الأميرية بطرق (التسقام) أي التكليف تسعر نار الفتن والاضطرابات فيها بين آونة وأخرى.
ولست ممن يستحسن أو يقبح شيئاً من هذا القبيل إلا أني أقول كلمة واحدة طالما سمعتها من أفواه العماريين والرجال المصلحين وهي أن طريقة توزيع الأراضي الزراعية في لواء العمارة أشبه شيء بالطرق المتبعة في القرون الوسطى المعروفة بقرون الأفدان والفروسية وكفى.
3 -
تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء العمارة من قضائين هما (قضاء علي الغربي وقضاء قلعة صالح) ومن ناحية واحدة يقال لها (ناحية المشرح) ومركز اللواء الذي مر البحث عنه وأربع قرى مهمة: وهي المسيعيدة وكميت والمجر الكبير والمجر الصغير. وكيفية إدارة هذه القرى تكون بتعيين رئيس بلدية لكل منها ولهذا الرئيس سلطة جزائية محدودة من الدرجة الثالثة للنظر في الدعاوي الجزائية الطفيفة التي تحدث في قريته، وجميع هذه القرى مربوطة بمركز اللواء رأساً.
وهذه القرى الأربع معمورة عمراناً يناسب مركزها وأهميتها الزراعية. واليك الآن بعد كل منها عن مركز اللواء مع زمن تمصيرها ونفوسها حسب الإحصاء الرسمي الأخير.
فقرية المسيعيدة قائمة على ضفة نهر الكحلاء اليمنى في محل يبعد عن الشمال الشرقي لمدينة العمارة 19 ميلاً وكانت قبل تعرف بالقلعة. وهي القلعة التي
أنشأها الشيخ خليفة رئيس البو محمد عام 1265هـ ونفوسها اليوم 1330 نسمة.
وقرية المجر الكبير تبعد عن شرقي العمارة 19 ميلاً أيضاً وأسسها الشيخ صهيود أحد رؤساء البو محمد عام 1293هـ وقيل أن سبب تسميتها بهذا الاسم يرجع إلى وقوعها على النهر المسمى باسمها والذي (يجر) الماء بكثرة من دجلة ونفوسها الآن 2657 نسمة.
أما قرية المجر الصغير فتبعد عن غربي العمارة 14 ميلاً وهي أقل عمراناً واضعف شأناً من قرية المجر الكبير وواقعة على ضفة النهر المسمى باسمها وقد أنشأها رئيس الأزيرق الشيخ سلمان عام 1295 وتقدر نفوسها بألف نسمة.
وأما قرية كميت فقد سميت بهذا الاسم لوقوعها على النهر المسمى باسمها وهي تبعد عن شمالي العمارة 29 ميلاً وأنشأها الشيخ حطاب أحد رؤساء البو دراج وذلك في سنة 1295 وفيها من النفوس زهاء 1730.
أما ناحية المشرح فمركزها (الحلفاية) وهي قرية على (المشرح) من الجهة اليسرى وتبعد عن العمارة 20 ميلاً وفيها زهاء 1860 نسمة.
4 -
قضاء قلعة صالح
(صالح) أحد أصحاب الرتب الذين تولوا قيادة عسكر (الهايتة) وأنشأت الحكومة العثمانية فرقته عام 1270 وكانت رتبته (دلي باش) وهو في الأصل زعيم من زعماء البو محمد شيد بعد إنشاء العمارة بخمس سنوات قلعة نسبت إليه فقالوا (قلعة صالح) وهي مركز القضاء المسمى باسمها وكانت تسمى في زمن الأتراك شطرة العمارة تميزاً لها من شطرة المنتفق ثم سميت بقلعة صالح تميزاً من قلعة سكر الواقعة في لواء المنتفق. ونفوس (قلعة صالح) اليوم حسب الإحصاء الأخير 3045 نسمة وهي تقع على بعد 28 ميلاً من جنوبي (العمارة) وقائمة على ضفة دجلة اليسرى. هواؤها نقي وماؤها نمير وأراضيها خصبة ويربطها بالجانب الأيمن من دجلة جسر سيار وفيها بعض الدور العامرة والقصور الأنيقة الواقعة على ساحل النهر كما أن فيها جملة مبان فخمة للحومة وهي قائمة على أنقاض بلد المذار الشهيرة في التأريخ في وسط البطائح المعروفة. وكانت قبل هذا خاضعة لسلطان المنتفق يدير شؤونها آل سعدون ثم تنازلوا عن ذلك
لحكومة بغداد فكانت قضاءاً مستقلاً مرتبطاً بلواء العمارة وليس لهذا القضاء أية ناحية وإنما يتقوم من مركزه فقط وهو مرجع العشائر والمزارعين.
5 -
قضاء علي الغربي
بين العمارة والكوت قبران في قريتين مختلفتين يحترمهما أبناء الشيعة لنسبة الأول إلى
(علي) أحد أحفاد الإمام موسى بن جعفر (ع) - على ما يرى - وهو قائم على دجلة من الجهة اليمنى. ولنسبة الأخر إلى (علي الشجري) من أحفاد الحسن بن علي (ع) وهو قائم على جهة دجلة اليسرى في محل يبعد عن القبر الأول 32 ميلاً. وقد صحف الأهلون (علي الشجري) فقالوا (علي الشرجي) وكان نعمة بن عرار أحد شيوخ بني لأم شاد عام 1281هـ بقرية قرب القبر الأول سماها (القلعة) إلا أن سكان هذه القرية استبدلوا هذا الاسم ب (علي الغربي) لوقوعها في غرب (علي الشرجي وهو لفظ العامة لكلمة الشرقي) تميزاً لها عن تلك. وهذه القرية هي اليوم مركز القضاء المسمى باسمها. نفوسها 2300 نسمة وتبعد عن العمارة 72 ميلاً وليس فيها عمران يذكر إذا استثنينا من ذلك دار قائم المقام والمدرسة الأميرية. ولها سوق حقيرة للغاية ومعظم بيوتها مبنية باللبن وينعطف دجلة عندها انعطافا واسعاً يقرب إليه جبال بشت كوه حيث تكون على بعد 11 ميلاً منها. وعلى بعد ميلاً منها تقع آبار النفط داخل الحدود الإيرانية المسماة ب (دهلران) وهذه الآبار كانت منذ خمس سنوات في يد شركة إنكليزية حسب الأصول وقد تركت هذه الشركة أمالها منذ مدة على أثر استيلاء الحكومة الإيرانية على أيالة لورستان.
وليس للقضاء ناحية وإنما ترتبط قرية يديرها رئيس بلدية يقوم مقام المدير على نمط القرى الملحقة بالعمارة التي مر ذكرها، وهذه القرية هي (الشيخ سعد) وقد أسسها سعد بن يوسف أحد رؤساء بني لأم عام 1288 هـ وهي تقع في منتصف طريق (الكوت إلى علي الغربي) وتقدر نفوسها بألف نسمة أما مبانيها فمناسبة أهميتها وموقعها.
6 -
المعارف في اللواء
نصيف لواء العمارة من المعارف في العراق أحسن بكثير من نصيب بقية
الألوية منه إذ لا تخلو قرية من قراره أو قضاء من اقضيته من مدرسة للحكومة أيا كان عدد صفوفها. ففي مركز اللواء ثلاث مدارس للذكر ورابعة للإناث وخامسة ثانوية هذا عدا مدرستين أهليتين إحداهما إسرائيلية والثانية إسلامية ومجموع مدارس الحكومة في هذا اللواء 13 فإذا أضفنا إليه المدرستين الأهليتين كانت مدارس اللواء 15 وهو قدر لا تتمتع بمثله بقية الألوية لو قايسنا عدد النفوس فيها بعدد نفوس اللواء وهذا يدل على عظم مستقبل لواء العمارة العلمي كما هو ممتاز عن بقية الألوية بعظمته الزراعية وطيب هوائه.
7 -
مياه اللواء
يتشعب من ضفة دجلة اليمنى على مسافة خمسة أميال من العمارة (بين العمارة وقرية كميت) نهر عظيم تقوم على ضفتيه مزارع جسيمة يقال له البتيرة (بالتصغير) فهذا النهر ينقسم إلى قسمين مهمين يرويان المقاطعات الجسيمة القائمة على ضفافها. يمر القسم الأول بالأراضي (المجر الكبير) حيث تصب مياهه في هور الكباب بمقاطعة الشيخ مجيد الخليفة وتسقي مياه القسم الثاني مقاطعة الشيخ حمدان السكر ثم تصب في هور العبد الذي هو الحد الفاصل بين لواء العمارة ولواء المنتفق.
ثم أن دجلة بوصوله إلى العمارة ينقسم إلى قسمين يتجه أحدهما نحو الجنوب فيختلط بالفرات عند (القرنة) حيث يتكون (شط العرب). ويجري الثاني نحو الشرق ويقال له نهر الكحلاء لجريانه في نهر قديم كان يعرف بهذا الاسم ومنه تتفرع عدة شعب تنتهي مياه جميعها في القسم الجنوبي من دجلة، وأهم هذه الشعبات نهر المشرح (بتشديد الراء وفتحه) القائمة عليه ناحية المشرح المعروفة بأرض السواعد وقد سمي بهذا الاسم لأنه مشرح تشريحاً أي متشعب تشعباً من دجلة وتصب مياهه في هور أم السجيان ومنه إلى هور أم طفر حيث يصب نهر الكحلاء وكلا النهرين (الكحلاء والمشرح) قديم.
أما أصل دجلة التي يتجه نحو الجنوب ويختلط بنهر الفرات فيتشعب منه شعب عظيمة أهمها شعبة المجر الصغير التي تسمى (الطبر) أيضاً ثم شعبة المجر الكبير وتليهما شعبة المكرية. وعلى كل من هذه الشعبات مزارع عظيمة ومضخات
كثيرة ويكفينا أن نقول أن في لواء العمارة أكثر من مائة مضخة.
8 -
عشائر اللواء
في لواء العمارة أكثر من 125. 000 نسمة من العشائر شأنها الزراعة بوجه واسع كما هو الحال في بقية الألوية العراقية: وأهم القبائل القاطنة في هذا اللواء: بنو لام والبو محمد والبو دراج وآل أزيرق والسودان والسواعد.
(فعشائر بني لام) يسكنون القسم الشمالي من اللواء على ضفتي دجلة وهم محادون أحياناً لجبال بشت كوه الإيرانية التي يرعون فيها أغنامهم لجودة المرعى هناك، و (البو محمد)
يقطنون في الجهة الجنوبية من قرية مسيعيدة حتى قضاء قلعة صالح ويحادون في الضفة اليمنى من دجلة لواء البصرة ولواء المنتفق ولهم عدة شيوخ كشيوخ عشائر بني لام. و (البو دراج) يرون على الضفة اليمنى من دجلة فقط في ضواحي قرية كميت. و (آل أزيرق) ينزلون على ضفتي (المجر الصغير). والسودان يسكنون على ضفتي نهر البحاثة المتشعب من نهر الكحلاء. والسواعد يحلون في الجهة الشرقية من مركز اللواء من حدود ناحية المشرح حتى حدود قرية المسيعيدة.
والمشيخة في لواء العمارة لا تنال عن شرف أو رفعة أو جاه أو صولة بل خاضعة لملتزمي المقاطعات في اللواء. فكل من التزم مقاطعة هناك خضع له الفلاحون بحكم وظيفته وسيطرته المالية فإذا انتهى أجل التزامه ولم يجدده، أنفصل عنه جميع أتباعه.
9 -
نتائج اللواء
أهم الحاصلات في هذا اللواء الأرز إذ يقدر النتاج فيه بنحو مائة مليون أقة ثم يلي ذلك الحنطة والشعير فالسمسم فالذرة فالماش فسائر أنواع الحبوب ومن صادراته التي لا يستهان بقدرها السمن والصوف والجلود والطيور المائية. وتختص عشائر بني لام فيه بنسج البسط الوطنية الفاخرة وتجبي الحكومة من جميع الحاصلات الزراعية نحو 27 لكا من الربيات أما مجموع حصتها من جميع الحاصلات والضرائب والرسوم فهو (3. 089. 725) رببة حسب الإحصاء العام المنصرم. وفي اللواء قدر صالح من النخيل والشجار المثمرة والخضروات التي تصدر إلى الأنحاء المجاورة.
السيد عبد الرزاق الحسني
اليحمور واليامور
في جزء مضى من هذه المجلة بحث لغوي دقيق للأستاذ عبد الله مخلص أورد فيه ما جاء عن اليامور في كتب اللغة وغيرها وعقب صاحب المجلة على هذا البحث ما وصل إليه تتبعه بوجه الاختصار وقال لعل بين القراء من يفيدنا أكثر من هذا فرأيت أن أطرح على القراء شيئاً مما وصلت إليه من البحث في اليامور واليحمور.
قال الأب انستاس: (اختلف العلماء في حقيقة هذا الحيوان اختلاف أبناء الغرب فيه والمشهور أن اليامور حيوان سماه اليونان مونوكيرس) فقول الأب أن علماء الغرب اختلفوا في المونوكيرس (أي الوحيد القرن) صحيح لكن لم يقل أحد في ما أعلم أن اليامور هو المونوكيرس وإنما قال بعضهم أن اليامور واليحمور واحد وهو حيوان من المجترات كما سيجيء قال لين في مادة حمر:
يحمور حمار: بقر الوحش بقر:) - أحمر.
وترجمته: اليحمور حمار الوحش أنظر حمار (الصحاح والمغرب والقاموس) ودابة من دواب البر (المغرب)(أي أوركس. . . وهو الاسم الذي يعرف به الأوركس في غالب الأحيان وهو كذلك بالعبرية. راجع بقر الوحش في مادة بقر) ودابة (القاموس والتاج) تشبه العنز (التاج) وطائر (القاموس) أنظر أيضاً أحمر. وقال في مادة أمر:
يأمور: تأمور
- يحمور
وترجمته: اليامور (المحكم والقاموس) كما في سائر النسخ والذي في اللسان وغيره من الأمهات (التاج) ودابة من دواب البحر وقيل دويبة (المحكم) أو جنس من الأوعال (المحكم والقاموس) أو دابة من دواب البر (القاموس والتاج) لها قرن واحد متشعب في وسط رأسه (المحكم والتاج) أنظر يحمور وهو الأوركس.
وفي التاج مادة حمر: (واليحمور الأحمر ودابة تشبه العنز. واليحمور طائر عن أبن دريد وقيل هو حمار الوحش).
وفي التاج مادة يمر: اليامور بغير همز الخ. على ما أورده حضرة الأستاذ عبد الله مخلص.
كذلك في التاج مادة أمر: (واليامور بالياء المثناة التحتية كما في سائر النسخ ومثله في التكملة عن الليث والذي في اللسان وغيره من الأمهات بالمثناة الفوقية كنظائرها السابقة والأول الصواب دابة برية لها قرن واحد متشعب في وسط رأسه قال الليث يجري على من قتله الحرم والإحرام إذا صيد الحكم انتهى وقيل هو من دواب البحر أو جنس من الأوعال وهو قول الجاحظ ذكره في باب الأوعال الجبلية والأيايل والأروى وهو أسم لجنس منها بوزن اليعمور).
وفي اللسان مادة أمر: (والتامور من دواب البحر وقيل هي دويبة والتامور جنس من الأوعال أو شبيه بها له قرن واحد نتشعب في وسط رأسه) أهـ. قول أبن مكرم والصواب ما ذكره الزبيدي أي أنه اليامور بالمثناة التحتية وعسى أن ينبه إلى ذلك الذين تولوا إعادة طبع اللسان.
وفي اللسان مادة يمر: اليامور بغير همز الخ. على ما أورده الأستاذ عبد الله مخلص.
وفي حياة الحيوان: (اليحمور دابة وحشية نافرة لها قرنان طويلان
كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر فإذا عطش وورد الفرات يجد الشجر ملتفة فينشرها بهما وقيل أنه اليامور نفسه وقرونه كقرون الأيل يلقيها في كل سنة وهي صامتة لا تجويف فيها ولونه إلى الحمرة وهو أسرع من الأيل وقال الجوهري اليحمور حمار الوحش).
وفي حياة الحيوان وقد أورده الأستاذ ولا بأس من أعادته للمقابلة بين ما ذكره الدميري عن اليحمور وما ذكره عن اليامور قال الدميري في اليامور: (قال أبن سيدة هو جنس من الأوعال أو شبيه به له قرن واحد متشعب في وسط رأسه وقال غيره أنه الذكر من الأيل له قرنان كالمنشارين أكثر أحواله تشبه أحوال البقر الوحشي يأوي إلى المواضع التي انتفت أشجارها وإذا شرب الماء ظهر بنشاط فيعدو ويلعب بين الأشجار وربما ينشب قرناه في شعب الأشجار فلا يقدر على خلاصهما فيصيح والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه وصادوه).
وفي عجائب المخلوقات للقزويني: (اليامور حيوان وحشي نفور له قرنان كالمنشارين أكثر أحواله تشبه أحوال بقر الوحش يأوي إلى الدوحات التي التفت أشجارها وإذا شرب الماء ظهر به النشاط يعدو ويثب على الأشجار وربما تشعب قرناه بشعب الأغصان ولا يقدر
على استخلاصهما فيصيح والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه فيصيدوه).
وفي حياة الحيوان البقر الوحشي أربعة أصناف المها والأيل واليحمور والثيتل).
وفي لين مادة بقر: البقر الوحشي أربعة أصناف المها والأيل واليحمور أو اليامور والثيتل يضاف إليها الوعل (عن ده ساسي عن الدميري والقزويني).
وفي دوزي مادة يمر اليامور هو اليحمور (عن باين سمث وبر علي).
وجاء ذكر اليحمور بلفظة هذا في آيتين من الكتاب المقدس فالآية الأولى على ما جاء في الترجمة الأميركية (والأيل والظبي واليحمور والوعل والرئم
والثيتل والمهاة) وفي الترجمة اليسوعية مثلها ما عدا المهاة فهي الزرافة في الترجمة اليسوعية (تت 14: 5)
والآية الثانية في كلتا الترجمتين (الأيائل والظباء واليحامير)(سفر الملوك الأول 4: 23 وفي الطبعة اليسوعية سفر الملوك الثالث) واللفظة التي هي اليحمور بالعربية هي كذلك بالعبرانية ومعناها أحمر في اللغتين.
فيتضح مما تقدم وما أورده الأستاذ عبد الله مخلص:
1 -
أن الفيروز أبادي خلط بين الإبل والأيل أو أن الذين نسخوا كتابه فعلوا ذلك وأن اليامور من دواب البر لا من دواب البحر كما بين الأستاذ المحقق كذلك صاحب اللسان فأنه أخطأ في قوله التامور بالمثناة الفوقية وهو اليامور بالمثناة التحتية كما ذكر الزبيدي.
2 -
أن اليامور واليحمور واحد وأن معنى اليحمور بالعبرانية والعربية الأحمر (كتب اللغة ومعلمة التوراة).
3 -
أن اليحمور أو اليامور من الأيايل لا من الأوعال.
4 -
قولهم طائر بعيد وقولهم حمار الوحش لا دليل عليه سوى المشابهة في اللفظ. كذلك قولهم أن له قرناً واحداً فأنهم وهموا فيه كما وهم أرسطو في الأوركس.
5 -
أن اليحمور أو اليامور من الحيوانات التي يحل لبني إسرائيل أكلها أي أنه من المجترات المشقوقة الظلف وعليه فلا يمكن أن يكون المونوكيرس سواء أكان هذا الحيوان خرافياً أم حقيقياً ولا الأوركس كما قال لين فهذا ليس فيه شيء من الحمرة بل هو مشهور ببياضة وليس قرناه متشعبين ومصمتين بل طويلين وأجوفين كقرون البقر لأنه منها لا من الأيايل. ثم أن الأماكن التي نزلها بنو إسرائيل أو التي جاوروها ليس فيها من الأيايل إلا
نوعان هما أو بالفرنسية وبالإنكليزية والثاني أو واسمه بالفرنسية وبالإنكليزية وهو أصغر من الأول ولونه إلى الحمرة واسمه واحد بالعربية
والعبرانية وقد قضى أحبار اليهود والنصارى عمرهم في تحقيق أسماء الحيوانات التي وردت في آية التثنية التي أشرت ويكاد يكون إجماعهم على تحقيقها كما ذكرت ولا عبرة بترجمات التوراة العديدة بل العبرة بالألفاظ العبرانية والأسماء العلمية لهذه الحيوانات. انظر المواد الآتية في معلمة التوراة.
وقد ذكرت الاسم العلمي وما يقابله بالإنكليزية والفرنسية في مقالتي التي أشار إليها الأب العلامة إلا أنه على ما يظهر سقطت لفظة من عبارة الأب سهواً فأني قلت ولم أقل فقط وأن كانت هذه الكلمة تأتي بمعنى اليحمور وبمعان أخرى ولذلك اقتصرت على لأنها أصح ولأنها لا تؤدي إلى هذا المعنى بخلاف فأنها تأتي بمعان كثيرة كما تقدم.
ثم أني لم أقل أن اليامور هو كذلك في السريانية والعبرانية بل قلت اليحمور فقط نقلاً عن معلمة التوراة لأني أجهل هاتين اللغتين.
أما الحيوانات الأخرى كالأوركس والمونوكيرس البري والبحري والأيل والوعل والرئم فقد سبق البحث عنهما في المجلد الرابع والثلاثين من المقتطف.
أمين المعلوف
(لغة العرب) ما من أحد يجهل مقام حضرة الزعيم أمين بك المعلوف فإن تحقيقه وتدقيقه في المصطلحات العلمية أشهر من أن يذكر ولا سيما تحقيقه لأوضاع علم الحيوان. وبعد أن نشر في المقتطف مباحثه في هذا الباب أخذنا عنه أصحاب المعاجم الأجنبية العربية ودونوها من غير أن يشيروا إلى فضله. ونخص بالذكر (القاموس العصري) الذي نقل عنه أغلب تلك المسميات ثم وضع في بعض الأحيان بجانبها أسماء أخرى مما دل على أن ناقلها حاطب ليل إذ لم يعتبر درجة علم الزعيم حق اعتباره حتى ساواه بمن لا خبرة له ولا فهم.
ومن بعد هذه المقدمة الضرورية لمن يجهل منزلة صديقنا الثقة نستأذنه في أن نبدي رأينا أن كان يسمح لنا فنقول: أن جميع العلماء لم يتفقوا على أن اليحمور أو اليامور هو المسمى
بلغة العلم إذ هناك من ذهب إلى رأي آخر قائلاً أنه المسمى بلسان العلماء وبالفرنسية
ونقلت الكلمة العبرية والعربية في الترجمة الإسكندرية بصورة وكذا في النسخة العامية المسماة باللاتينية (فلغاته) والترجمة الإسكندرية من أقدم النقول اليونانية إذ خطت في المائة الخامسة ومحفوظة في دار التحف البريطانية. ونقلت كذلك في الترجمة السبعينية التي هي أقدم نقل وجد على وجه الأرض لأن غلاة النقدة يأبون أن يرقوها إلى ما قبل المائة الثانية قبل الميلاد وأن كان ثم أدلة متضافرة على أنها نقلت قبل ذلك العهد. فهذه التراجم كلها تنص على أن اليحمور هو المسمى باليونانية والرومية بوبالس.
وما عدا هذه الثقات التي ذكرناها نرى جماعة من كبار الباحثين يقولون بذلك منهم بورشارت - 1793. 284 وروبرتسن - 1680 219
وولكنصن - 2 90
إلى غيرهم. واليحمور من المجترات من جنس المها ويشبه الأيل كل الشبه إلا أن قرنيه ثابتان يغشاهما غلاف قرني كغلاف قرن البقر وقرناه محلقان وأعوجان وطرفاهما إلى الوراء ويعيش اليحمور جماعات وكان كثير الوجود في سابق العهد وكان يرى في صحاري شمالي أفريقية وجنوبي البحر الميت وكان الأقدمون من المصريين يطاردونه لحسن ذوق لحمه وهذا ما سبب انقراضه أو يكاد ولهذا كان لحمه من جملة أطعمة سليمان الحكيم،.
واليحمور (أو البونالنس) غير الجاموس الذي أسمه العلمي بوس بوبالس أو بوبالس فيرس أو أما المسمى بالفرنسية أو بالإنكليزية فهو الثيتل. أما أن عرب السودان يسمون البونالس (أي اليحمور) ثيتلا فهذا ناشئ من التوسع في معنى الكلمة الواحدة العربية باختلاف الديار والأصقاع والقبائل. إلا نرى أهل الشام يسمون الخوخ أجاصا مع أن الخوخ غير الأجاص إلى غير ذلك من أسماء النبات والحيوان والسمك والحجارة الكريمة فأن الناطقين بالضاد لم يتفقوا على توحيد الأسماء وهو ظاهر من تتبع الأوضاع واحداً فواحداً.
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
آل نظمي
2 -
شمسي البغدادي
إن أهم الوقائع السالفة والحوادث الماضية - بالنظر إلينا - ما كان لها علاقة بنا واتصال برجالنا الحاضرين وعلميتنا وتاريخنا وهذه مما تتشوق إليها النفوس وترغب في الإطلاع عليها لتكون أرسخ في الذهن والميل إلى مطالعتها أشد تقوية للأواصر بين أشخاص الماضي ورجال اليوم فكل منا يود معرفة ماضية ودرجة علاقته بالمحيط الذي عاش فيه. والوقوف على من خدمه وأتخذه وطنه.
وهذا ما نطق به مترجمنا شمسي البغدادي في قطعة من شعره وسيأتي القول عنها. فإذا لم يبق من آثاره إلا القليل مما يمكن من الإطلاع عليه فأنه خلف ذرية صالحة مثل عهدي البغدادي ومن يليه من أولاده أولئك الذين هم خير أثر.
راجعت الكثير من المجامع والتذاكر وكتب الرجال لعلي اطلع على ترجمة مفصلة عنه. حافلة فلم أظفر بما يبرد غلة أو يوضح مقدرة علمية وافية، أو أدبية كافية.
وغاية ما عرفته أنه بغدادي معروف ومشتهر بشمسي البغدادي فكأنه نار على علم قد بين صاحب خلاصة الأثر في رجال القرن الحادي عشر عن (محمد أبن عبد الملك) أنه أخو شمسي البغدادي يريد أن يغني عن التعريف به أكثر وأنه أخذ العلم عنه.
ولما كان المعول عليه في التراجم تدقيق النظر في الآثار دون الاكتفاء بما قيل إلا نرى من المؤسف أن لم يتأت إلا الحصول على النزر القليل ولم نجد بداً من أن نرجع إلى
ما يقصه أبنه عهدي بقلمه فيقول:
(أنه من زمرة العلماء. كان يقضي أوقاته ليلاً ونهاراً في مطالعة الآثار المتداولة (الكتب) واختار العزلة فقنع بها، ولم يمل إلى ما مال إليه أبناء زمانه. وفي خلال ذلك قام بما يجب من خدمة لدوام السلطنة وعزتها ورفعتها ولم يبال بصروف الليالي. ولذا نظم ثلاثة دواوين من بحر المثنوي في إطراء السلطان (السلطان سليمان القانوني العثماني) والثناء عليه. وكل واحد منها مقبول لدى فضلاء الأوان وفصحاء الوقت.
وكان ممن ملك أزمة البلاغة فأنقاد له البيان وصار يعد في مقدمة الأدباء الأفذاذ. وله قصائد فارسية كثيرة في نعت سيد الأنام (ص) وفي مناقب الأئمة الكرام (رض) درجها في ديوان ورتب ديوانا مقبولاً في الغزل لدى أهل العرفان (أدباء المتصرفة وعشاقهم).
قال ذلك وأورد له أبنه عدة مطالع من قصائده الفارسية والتركية بياناً لدقته الأدبية في الوصف والغزل. أما التركية فأنها قديمة لا تصلح الآن للاستشهاد وأما الفارسية فمنها:
منجم كر شمارد اختران دائم رقم كيرد
أكر روى ترا بنيد حساب أزماه كم كيرد
وكرحسن خطت راخوش نويسي در نظر أرد
محالست أينكة ازحيرت دكرد ستش قلم كير
إلى أن يقول:
سيه جشمان بغداد بشمسي رهنمون كشتذ
كه در ملك عرب سازه وطن ترك وعجم كيرد
انتهى
ومعناه أن المنجم أو الفلكي المنهمك بحساب النجوم والمتوغل في تعداها دائماً، لو رأى طلعتك لما تمكن من الحساب ولغط حتى في البدر وعدة ناقصاً، ولو أن الخطاط المتقن الخط شاهد عذار محياك لاستحال عليه أن يمسك بالقلم مما أصابه من حيرة وذهول إلى أن يقول: أن سود الحدق من البغداديين (يريد العرب الموصوفين بنجل العيون) اهتدوا بشمسي الذي أتخذ بلاد العرب
وطناً في حين أنه من الترك وصار يقتص العجم.
والحاصل أن شمسي البغدادي أتخذ العراق وطناً له. والظاهر أنه لم يكن من أتراك الروم. وإنما هو من الأتراك الأصليين الذين سكنوا العراق قبل أن يكون في حوزة العثمانيين وقد توطنه كثيرون منهم. وفضل الرجل على كل حال إنما يتظاهر بقدر انتفاع الوطن منه. لذا حصلت الاستفادة من مواهب أرباب المواهب. والعرب هنا وفي الأقطار اضطروا الأقوام قسراً على معرفة آدابهم ولغتهم وحقائق دينهم. والكل ذو ارتباط باللغة العربية من نقطة تأثيرها على آداب اللغات الشرقية الأخرى.
ومع هذا فالعراق العربي لم يقصر تحصيله على لغته العربية بل تعلم غالب أدبائه الأدب
الفارسية التي هي واسطة التعارف بينه وبين حاكمية من فرس وترك واستطلاعا لمكنوناتها الأدبية وكذا الآداب التركية ولكن لم يكن ذلك بدرجة الآداب الفارسية.؟ وأن عهد دراستهما ليس ببعيد عنا فقد أدركنا أواخر أيامه وسمعنا عنه كثيراً.
أولاً شمسي البغدادي وأقاربه وسائر المعاصرين له ولأبنه من العراقيين:
1 -
عهدي البغدادي ابن شمسي البغدادي. وقد مر في مقال سبق.
2 -
رضائي. الأخ الكبير لعهدي من الشعراء ولهما بعض المختارات.
3 -
مرادي. - الصغير - من الشعراء ولهما بعض المختارات.
4 -
رندي البغدادي. وهو أبن عم عهدي. نظمه مقبول خصوصاً في الغزل ولم يذكر في كلشن شعراء أسم والده.
ومن تراجم هؤلاء يفهم أنهم زمرة علم وأدب ممتازة.
ثم أن عهدي عدد جماعة من العراقيين ممن ذهبوا إلى الخارج وامتازوا بالعلم والآداب أو كانوا ممن توطن بغداد - كما أشير إلى ذلك - ولا أرى في نفسي حاجة إلى تفصيل القول عنهم وإنما أكتفي بتعداد أسمائهم مع بيان نتف يسيرة عنهم لئلا نخرج عن الموضوع وهم:
1 -
داعي. بغدادي المولد وفي الأصل من الفرس من المدرسين ذكر في كشف الظنون له ديواناً.
2 -
حقيقي بك. من الأمراء ولد ببغداد واسمه مصطفى وهو أبن عم عثمان بك ترك بغداد أيام خضر باشا سنة 963 لمنافرة حدثت بينه وبين الوالي وكان (قوللو أغاسي) وهو من أمراء الألوية. له شعر في الفارسية والتركية.
3 -
فكري بك. ولد ببغداد وهو من البيكات الممتازين وأبن طويل سنان الذي كان في خدمة السلطان ثم صار والياً ببغداد. وله أشعار في اللغات الثلاث.
4 -
سليمان أفندي. من العلماء. دخل في سلك الحكومة فقام بوظائف كثيرة ثم صار دفترياً ببغداد شاعر وأديب.
5 -
أكري بك أبن قاتيمز بك. من بغداد وأصل نسبه من قره قويونلي. وهو أبن عم علي باشا والي بغداد، واسمه إبراهيم شاعر في اللغات الثلاث صاحب عهدي في الأستانة.
6 -
محمد بك. من غلمان السلطان سليمان. عين دفتري تيمار أتخذ لقب (فيضي) عنواناً
له. مشهور في النظم والنثر.
7 -
أحمد الحريري من العلماء بغدادي وهو صوفي مشهور.
8 -
أحمد ظريف، بغدادي، وفي الأصل ينتسب إلى العالم المشهور وهو المولي محمد الشيرازي العالم.
9 -
أتشي، بغدادي. من أرباب الصناعة وهو شاعر.
10 -
جوهري، بغدادي وهو سيد حسني شاعر أيضاً.
11 -
أبن رفيق، من بندنيج دخل في السباة ببغداد وهو صوفي شاعر ذهب إلى بلاد الروم عدة مرات.
12 -
حسيني من أعيان بغداد ومن عشاق المتصوفة.
13 -
خادمي، بغدادي من محلة قنبر علي شاعر صوفي.
14 -
ذهني جلبي. بغدادي اسمه عبد الدليل، شاعر اشتهر بالموسيقى.
15 -
روحي البغدادي أشهر من قفا نبك شاعر معروف أسمه عثمان، رومي الأصل ومن مماليك أياسي باشا والي بغداد. ولد ببغداد وتزوج فيها ودخل في بلوك المتطوعين. توفي سنة 1014هـ! وديوانه مطبوع.
16 -
ضائعي. بغدادي من أهل العلم. ثم مال إلى الشعر بكلية.
17 -
طرزي من أهل دزرفول ورد بغداد بأمل السياحة ولكن طاب له الوطن فأقام، وهو صديق حميم لعهدي. ويعد من حلالي المشاكل في الآداب.
18 -
فضول البغدادي وهو محمد بن سليمان. شاعر مشهور في الفارسي والتركي اشتهرت دواوينه. توفي بالطاعون سنة 963. قال في كشف الظنون توفي سنة 971.
19 -
فصلي بن فضول. شاعر أيضاً.
20 -
كلامي. كربلائي شاعر صوفي كان في الخانقاة في مشهد الحسين (رض) نزعت روحه إلى التطلع إلى العالم ومشاهدة الأقطار. وهو المعروف (بجهان دده) والظاهر أن آل الدده في كربلاء الآن من أولاده والخانقاة لا يزال في أيديهم.
21 -
نادري. بغدادي الأصل سكن الموصل وهو شاعر أيضاً.
22 -
محيطي أفندي. من القضاة ولد في جزيرة رودس. ودرس العلوم على بوستان زاده
محمد جلبي الذي من الموالي العظام تولى النيابة في الشام وأدرنة والأستانة أمداً طويلاً. وقد تقلب في مناصب شرعية حتى صار قاضي الفيلق (أردوي همايون) وله وقوف على العلوم العربية وشعر لطيف وعين أبنه أحمد أفندي دفترياً في الغزل قدمها للحضرة وعلى كل حال شعره في الغزل معروف ومقطعاته جميلة ورقيقة. وله (فتح نامة) تتضمن وصف الحروب في الجبهة الشرقية. فكان رحمة الله تعالى ممن توطن بغداد.
23 -
نصرتي. من الفرس توطن بغداد دار السلام مدة طويلة. وهو أبن أخت المولى الرازي الشيرازي. وكان يحفظ منتجات الشعر وخياره.
24 -
وللهي البغدادي. ومن زمرة أرباب الأقلام وكان من أرباب المعارف والعلوم. وسعي للتحصيل وله شعر لطيف رقيق.
هذا ما أمكن الإطلاع عليه من أحوال شمسي وأبنه عهدي وسائر أولاده وأبن أخيه كما ورد في كلشن شعراء. ومنه علمنا أحوال جماعة من البغداديين في العراق والخارج.
محمد بن عبد الملك البغدادي
في كلشن شعراء لم يرد ذكر لعم عهدي البغدادي وهو محمد بن عبد الملك مع أنه درس على أخيه شمسي البغدادي وهذا ملخص ترجمته نقلاً عن خلاصة الأثر: (هو محمد بن عبد الملك البغدادي الحنفي، نزيل دمشق الشام، الشيخ الإمام المحقق. كان من كبار العلماء خصوصاً في المعقولات كالإلهيات والطبيعيات والرياضيات. وهو من جماعة علامة زمانه منلا مصلح الدين اللاري. قيل أخذ عن أخيه شمسي البغدادي. وكان في الأصول والفقه علامة. وله اليد الطولى في الكلام والمنطق والبيان والعربية. قدم دمشق سنة 977 وحضر دروس البدر الغزي ولازم أبا الفداء إسماعيل النابلسي، وقرأ فقه الشافعي على الشهاب العيثاوي ثم تحنف وولي وظائف وتدريس منها المدرسة الدرويشية وبقعة في الجامع الأموي وتولى تصدير حديث بالجامع المذكور. وكان له من صندوق السلطنة في كل يوم ما يزيد على أربعين عثمانياً وتولى مشيخة الجامع فسمى شيخ الحرم الأموي، وتولى تولية الدرويشية وعظم أمره وتردد إلى القضاء. وشمخ بأنفه حين رجع الناس إليه. وكان يحضر دروسه أفاضل الوقت، ودروس التفسير بالجامع. وكانت في لسانه لكنة عظيمة حتى أنه كان لا يفصح عن كلامه أبداً. وشاع ذكره في الأقطار الشامية. توفي ليلة الاثنين في
العشرين من شعبان لسنة 1016 وقد احتال القاضي والنائب هناك لسلب أمواله استفادة من غياب أقاربه عنه. ثم جاء بعد مدة أبن عم له من بغداد إلى دمشق فصالحه النائب على شيء من المال ثم ذهب فشكاه إلى الوزير نصوح باشا. وكان الوزير المذكور راس العساكر إذ ذاك يحلب فوردت الأوامر بطلب النائب بسبب ذلك إلى حلب) انتهى ملخصاً.
ولا يعرف له أبن عم في رجال كلشن شعراً في حين أن له بني أخوة وهم عهدي وأخوته. وعلى كل يظهر من ترجمته هذه أنه رجل عظيم لا يقل عن شمسي وعهدي وأن كان لم يعرف له تأليف. فخدمته للتدريس والإرشاد غير قليلة. فهو ممن أنجبه العراق وأن استفادت منه دمشق. المنفعة حاصلة منه على كل حال. وليس هذا أول من رباه العراق واقتطف ثمرته قطر آخر.
وبعد ذلك يسدل الستار عن أولاد شمسي وأحفاده وسائر أقاربه ويظهر للوجود نظمي وهو أبن بنت عهدي والوارث لآداب أجداده لأمه. وسيأتي الكلام عليه فيما يأتي، ومن الله المعونة.
ملحوظات عن المقال السابق
1 -
أن ما نبهت لغة العرب من أن عهدي قدم إلى الأستانة سنة 920هـ نقلاً عن كشف الظنون طبعة أوربة غير صحيح فأن الكشف مخطئ في روايته. وقد ذكرت نقلاً عن التذكرة أنه سافر إلى بلاد الروم سنة 960 وقد أخذت هذا القول من الصحيفة الثامنة من الكتاب المذكور ونصه: (لا يخفى على أرباب الصفا وأهل الصدق. . . أن هذا العبد الفقير. . . عهدي بن شمسي البغدادي عزم إلى بلاد الروم في سنة ستين وتسعمائة) أهـ. فاقتضى الإشارة إلى ذلك لئلا يعول على كشف الظنون طبعة أوربة في هذا الموضوع.
2 -
من المؤسف أن القلم سها في السطر السادس من الصحيفة 119 فبين أن عبد الله بك أبن عبد الله جلبي والصحيح محمد بك بن عبد الله جلبي.
بغداد: المحامي: عباس العزاوي
النهوة
عادة معروفة عند أعراب العراق يمنع بها أحد الأقارب إحدى البنات من التزويج برجل
من الرجال لصلته بها أو الحق له عليها أو لأن المانع يريد أن يتزوجها متى تتهيأ له الأمور. وإذا خالفت البنت أمر ناهيها فقد تجيز له العادة المتبعة أن يقتلها.
وقد وقع عدة حوادث تبين أن هذه العادة الممقوتة جارية إلى اليوم عند بعض القبائل. فقد حدثت أن في الأسبوع الأول من فبراير (شباط) هجم حسن أبن مارد من سكان قرية الهويدر (في شمالي بغداد) وطعن بخنجره الابنة فطومة سلمان في دارها في محلة الفلاحات (في بغداد) وكانت الطعنات متعددة في صدرها وظهرها ومواطن أخرى من جسمها وهي تستغيث فلم يغثها أحد.
وقد اتفقت الحكومة مع بعض الشيوخ ورؤساء القرى لإلغاء هذه العادة الممقوتة فألغيت في متصرفية كربلاء والحلة والديوانية والمنتفق والدليم وديالى والكوت. أما في المناطق العربية الكردية فلم تتحكم فيها هذه العادة. وأما في الموصل فان متصرفها الجليل جاد في القضاء عليها.
العربية مفتاح اللغات
2 -
سخافة أراء المعترض
أول شيء يلاحظه القارئ في رد حضرة الأستاذ الدكتور الباكوري جهله المركب في ما تعرض له فقد قال في مجلة الكلية 16: 5: (أن هذا الأسلوب المبتكر (أسلوب رد اللفظية اليونانية أو اللاتينية الثنائية الهجاء بعد حذف الكاسعة من آخرها) مع بساطته لا يقدر على تطبيقه إلا من اكتشفه. فقد حاولت أن أطبقه بنفسي فلم أفلح. وقد جربته في عدة كلمات يونانية ولاتينية ك وألوف غيرها فلم أهتد إلى ما يقابلها في العربية. . .) إلى آخر ما قال. وهو يدل على جهل غريب مطبق لأن الكلم اليونانية ذات الهجاء والهجاءين لا تبلغ الألف. وكذا قل عن اللاتينية فأنها لا تجاوز الستمائة: فكيف قال: (وألوف غيرها)؟ فأن كان واقفاً على اللغتين فكيف كبا هذه الكبوة الفظيعة؟ وفي أي سفر رأى أن الكلم التي يدور عليها البحث تبلغ الألوف؟ وأن كان غير واقف عليهما فكيف جاز له أن يتعرض لأمر يجهله؟ ذلك أمر لا يقدم عليه إلا المتهورون.
أما عدم تمكنه من إرجاع الألفاظ الثنائية الهجاء إلى ما يجانسها في لغتنا أو في اللغات الأخوات فهذا غير راجع إلى قصور في القاعدة. وإجابة لطلبه نذكر له الألفاظ العربية المقابلة للكلمات التي ذكرها. وأول ما ننبهه عليه وننبه كل من كان على شاكلته أن يعلم أن لا حاجة إلى أن تكون الكلمة في لغتنا بمبناها اللاتيني أو اليوناني وبمعناها بل حسبنا أن يكون هناك مشابهة في المبنى والمعنى، كما أتفق عليه فقهاء اللغة، وكما ذكره الأستاذ نفسه في إيراده الألفاظ التي استشهدها. فإذا علم ذلك نقول:
كلمة يونانية معناها الحاذق والفطن والحكيم والمهذب والمحتال وهي تجانس العربية (صفي) ولا يكون حاذقاً أو فطناً أو حكيماً أو مهذباً إلا
من صنف أفكاره أو أخلاقه.
ونحن نكتبها هو الأب في اليونانية وفي اللاتينية وهو يوافق (الفاطر) في العربية. لأن الناس في جهلهم ينسون خلق الولد إلى أبيه فهو عندهم فاطره. أما العقلاء فيعرفون أن الوالد ليس إلا وسيلة للخلق فالوالد و (الفاطر) بمعنى واحد.
(ونحن نكتبها بالحروف الإفرنجية هي باليونانية كاللاتينية ومعناها الأم فهي (مدر) أي
ذات لبن من أدر. ولا تكون الأنثى ذات لبن إلا من بعد أن تلد. وهنا لا نعتبر الشواذ أو النوادر وهي بالفارسية مادر وبعضهم يقول مدر (كسبب).
يونانية معناها الكلام. وفي لساننا يقابلها (لغة).
يونانية من أصل سامي ويريدون بها زمن رجوع القمر إلى خسوفه وبالعربية (الساهور) تعني دارة القمر والقمر وكالغلاف للقمر يدخل فيه إذا خسف (اللغويون) ولا جرم أن الكلمة في أصل معناها ما نقلناه عن لغويينا وهي في الأصل آشورية من (سار) أي حلقة ودائرة والمدة المحدودة.
رومية معناها اللسان وتلك من هذه. لأن اللغوي الألماني ولدى يقول أن اللسان يسمى بالليتاوية ويعتبرها من اللاتينية المذكورة. قلنا: واللفظة الليتاوية تشبه العربية. وهي أقرب إلى هذه من تلك إليها.
رومية معناها العقدة وكل مرتفع عما جاوره وهو من (الهند) بمعنى الشيء المرتفع والثدي لأنه كالعقدة في نظر الرائي.
رومية معناها أراد وأحب وهي من ولي فلان فلاناً أي أحبه.
رومية معناها العقل، وهي مشتقة من (المنع) لأن العقل يمنع صاحبه عما لا ينبغي. ولهذا السبب سماه السلف أيضاً الحجر (بكسر الأول) لأنه يحجر صاحبه عن المخطوطات. كما قال بعضهم أن (العقل) سمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عما لا ينبغي.
فقد رأيت أن العربية والعربية وحدها تفك رموز تلك الألفاظ وتجلي معانيها، وإذا راجعت الدواوين اللغوية الإفرنجية التي تحلل الكلم إلى أصولها وجدتها لا ترضيك بخلاف لغتنا فأنها وحدها ترضيك وتشفي علتك وتروي غلتك، وهكذا ترجع المئات من الألفاظ الرومية واليونانية إلى أصول عربية، أو إلى أصول سامية. فأين بقيت اعتراضاتك وتهويلاتك وتطبيلاتك وطرمذاتك يا حضرة الأستاذ الباكوي؟.
وأما قولك بعد ذلك: (فقلت وقتئذ في نفسي لعلها تصدق - على الأقل - (كذا. وهو ليس من التعبير (العربي) في شيء إنما يقال مثلاً: على أقل تقدير أو أن يقال: فلا أقل من أنها تصدق على. . .) على تلك المفردات التي أوردها صاحب المقالة وبني عليها (نظريته الجريئة) لكني بعد التأمل والمطالعة رأيتها لا تصدق حتى على ذلك (كذا ولعله يريد أن
يقول: لا تصدق على شيء حتى على ذلك) (الوشل) الذي اقتصر على ذكره صاحب المقالة. . .) (ص 5). ثم أخذ يفند على طريقته ما ظن أنه أصاب المرمى في ما ثرثر به. فلنتصفح تلك الآراء وأن شئت فقل لنتدبر بحثه ذلك البحث (الذي لم ينتبه إليه أحد قبله لا من أبناء العرب ولا من أبناء الغرب)(عبارة الدكتور نفسه في ص 4).
ينكر حضرته أن تكون حوى ومن أصل واحد وحجته أن أصلها (ص 6) قلنا: ولو فرضنا أن هذا القول صحيح وهو رأي بعض الباحثين من أهل اللغات الغربية فهذا ما يؤيد رأينا لا رأيه أو رأيهم لأسباب منها أن التي يظن أن منها مأخوذة اللاتينية معناها قبض على. . . لا حوى أو حصل. ثانياً نرى في مذهبه أو مذهبهم هذا حجة قوية أن الأصل عربي لا خلاف فيه، لأن الحاء العربية كثيراً ما نقلت إلى أحرف شتى من لغاتهم. فقد قالوا في حام (رجل) وحلي (مدينة) وحوح (نبت) بالعبرية وحومر (كيل) بالعبرية وحوشاي (علم) هكذا أي نقلت الحاء إلى ويقابلها باليونانية الحرف الثالث قبل الأخير أي - ونقلوا الحاء أيضاً إلى مثل راحة ومسطح ومنهم نقلها إلى مثل حيفا وحبل
ومنهم نقلها إلى وهي أشهر من أن تذكر ومنهم من أسقطها كما في حواء ونوح وبيت لحم وهي أيضاً مشهورة ومنهم من ينقلها إلى كما يفعل الأسبانيون فيقولون في الحبق والكحل والحجام والحاج والخبل أذن لم يبقى صعوبة في نقل الحاء إلى الأحرف فهل بعد هذا الإيضاح من يستطيع أن ينكر أن الكلمة اللاتينية هي من العربية هذا فضلاً عن وحدة المعنى بخلاف ما ذكره الباكوي نقلاً عن لغوي الإفرنج.
ومما يدلك على أن رأيه فائل ذكره ألفاظاً عديدة وعدم تثبته في واحد منها. فقد قال: (أن الكلمة اللاتينية قريبة من حفن؟. أو قحف أو جحف (؟) وهي من أصل واحد يرجع إلى لغة واحدة كانت شائعة بين الأمم السامية والهندية الأوربية قبل أن تفترق وهو ما يرجحه اليوم علماء اللغة ولهم على ذلك أدلة لا تحصى. . .) انتهى كلامه - وهذا كله في منتهى الغرابة فأن من بعد أن أنكر أصلها العربي عاد فقال أنها تتصل بالسامية وما ذلك إلا لأنه لا يود أن تكون نسبة بين اللاتينية والعربية مع وضوح هذه القرابة لأن معنى اللفظتين واحد ويكاد يكون لفظهما واحداً. فأين بقي هذا الاعتراض البارد؟.
وقال: (واعتراضنا الثاني على تعليل أو تأصيل الكلمة المذكورة هو أن الباء - أو ال أو
ال أو ال في اللغات الأوربية لا تقابل الواو - العربية بل الباء أو الفاء مثال ذلك). . . أه. قلنا: نحن نكلمه بالعربية وهو يجيبنا بالروسية أو باليونانية. نحن قلنا أن (واو) حوى نقلت إلى الإفرنجية. وهو يقول لنا: أن الباء الإفرنجية أو. . . لا تقابل الواو العربية؟ أفيحق لهذا الرجل أن يدعي أنه يفهم العربية؟ ومع ذلك نجيب عن اعتراضه بشواهد لا يمكنه أن ينكرها، فنقول:
أن شواهد نقل الواو إلى (الباء) ترى في العربية نفسها وهي أكثر من أن تحصى نحو نبه باسمه ونوه. الباشق والواشق. بكباكة ووكواكة البزمة والوزمة وما له حبربر ولا حورور إلى غيرها وهي لا تحصى. فإذا كان ذلك أيضاً نقل الألفاظ التي فيها واو عربية إلى باء ثم تنقل إلى الإفرنجية بالباء، هذا وليس
لنا حاجة إلى هذا التخريج في حين أننا نرى أن الإفرنج أنفسهم نقلوا إلى لغتهم في العصور المتوسطة كلما فيها واو إلى باء مثال ذلك، النواب والقوس والوصي فقد قالوا (فأنت ترى مما ذكر أن اكتشاف الأستاذ الباكوي بسيط جداً كسائر الاكتشافات العلمية التي بدلت وجه الأرض بل كسائر اكتشافاته اللغوية التي تكلمنا عنها). (كلام الأستاذ الدكتور (؟) في الآداب).
ومما قاله في بحثه هذا الطافح بالعجائب والغرائب ما هذا نصه: (ثم هناك سبب آخر يرجح لدينا وجود قرابة بين وحفن أو جرف أو جحف (لله درك!) لا بينهما وبين (حوى) وهو أن كثيراً من الأفعال التي تنتهي بحرف (ب) أو يضارعه مشتقة من أسماء تدل على آلة ما أو شيء يشبه الآلة مثال ذلك. . . أهـ. (وهنا ذكر خمسة ألفاظ تنتهي بالباء شواهد على كلامه وأربعة تنتهي بالفاء).
فنقول له: بمناسبة أي أمر ذكرت أن الكلم المنتهية بباء أو فاء تدل على الآلة أو شبهها في الوقت الذي نتكلم عن (حوى) ومشابهتها اللاتينية التي ذكرناها فهذا منتهى الخرف والهراء. (ولسوء الحظ أو لحسنه عدلت عن تتمة هذا البحث)(كلام الباكوي ص 4) بحث التمادي في ذكر الشواهد إذ اعتبرت (أبرة) من الكلم التي في آخرها (كذا) باء وأن الراء الكاسعة نبعت من آبار باكو النفطية واتصلت بها! فبارك الله فيك يا حضرة الدكتور المبدع (وفي تلك المفردات التي أوردتها وبنت عليها نظريتك الجريئة (كلام الخصم في ص 5) في أن حفن (ولعلها حقن) أو جرف (ولعلها خرف) أو حجف (ولعلها سخف) تتصل
باللاتينية (أننا لو أردنا أن نفي بحق المقالة ونلم بجميع غرائبها وعجائبها لاحتجنا إلى عدة مقالات)(عبارة الأستاذ الدكتور في الآداب في ص 6).
فيا حضرة اللغوي الذي لا يشق له غبار أن راء (أبرة) أصلية لا كاسعة والزائد هنا هو الهمزة التي في الأول. وتعلم ذلك من مقابلة أسماء الإبرة في اليونانية وغيرها فهي في الإغريقية فمادة الأولى (بل) وهي
تشبه مادة (بر) ومادة الثانية (رف) وهي مقلوب (فر) وتشبه (بر) واللفظة الأخيرة تشبه لغتنا رفأ الثوب ورفاه ولا يكون إلا بأن تتخذ إبرة ليصلح ما وقع فيه من الأذى في الخلل وللإغريق أسماء أخرى للإبر من كبيرة وصغيرة وفي أصولها ما في أصول الإبرة أي الباء والراء فكيف أن الراء زائدة. فلله در ثرثرتك ودكتوريتك!.
وذكرت خمسة ألفاظ في آخرها باء واستنتجت منها أن الألفاظ المختومة بها تدل على الآلة أو على شبيه بالآلة، أفتجهل أن أسماء الآلات المنتهية بالراء هي أكثر من الآلات المنتهية بالباء؟ فنحن نذكر لك بعضاً منها: الإبرة، والحبير (البرد الموشى) والحبرة (وهي عقدة من الشجر تقطع وتخرط منها الآنية) والمحبرة والخبراء (المزادة العظيمة) والمعابير (خشب في السفينة يشد إليها الهوجل) والمعبر (ما عبر به النهر) والهبرة (خرزة يؤخذ بها الرجال). فهذه ثمانية ألفاظ ونحن لم نخرج فيها من إبدال الهمزة بحرف من حروف مبدلاتها فكيف لو استقرينا المواد المنتهية بالراء؟.
فيا حضرة الدكتور (؟) بع بضاعتك هذه على أصحاب مجلة (الكلية) فتحوا أفواههم مبهورتين بعلمك الغزير المتدفق كالسيل الجارف حتى أنهم قالوا عنك (ص 162) والذي قرأ هذه المقالة النفيسة (؟) أدرك بلا ريب (!!!) مقدرة الأستاذ اللغوية (!!! لا تضحك أيها القارئ وكن رزينا) وعرف أن حضرته براء من هذه الهفوات (!). قلنا: نعم لعله براء من الهفوات لكنه غير براء من السقطات الهائلات المدويات ولذلك ننصح لك يا حضرة الدكتور أن لا تعرض بضاعتك على أبناء هذا العصر الذين لا يعسر عليهم تفلية أقوالك وأفكارك وتزييفها فتعود بالخزي والكبت.
وذكرت لنا في ص 7 ألفاظاً وقلت لنا أنها في (السامية القديمة) وذكرت من ذلك: كتب - وقلت أنها في تلك السامية القديمة تعني المحفر المبذل. ولم نجد في دواويننا المبذل (التي
كررتها أيضاً في ص 94) بمعنى المحفر إنما المبذل: الثوب الخلق، فأي صلة لهذا اللفظ بما تريدان تثبيته للسامية القديمة (؟) التي تعني المثقب والمقدح والمحفر؟ أفلعلك تريد المبزل (بالزاي)؟ فإذا كان كذلك، أفلا تعلمت كيف (تصور) الألفاظ حتى لا تجبرنا على أن نقبل عثراتك في كل كلمة ترسمها؟ أفتريد أن تجعل ردنا عليك أطول من يوم
الصوم؟ ثم ما المراد باللغة السامية القديمة التي تعيدها علينا مراراً في ردك الذي لا يطالعه الأديب إلا يعود غارقاً في عرقة لما يكابده من العثرات والسقطات وينفق من الجد والعناء لتفهم عباراته التي لا تشبه لغة من اللغات المعروفة!.
ومن غريب خبطك وخلطك أنك قلت في ص 7: (والسيف وفي السريانية - ومنه أو لعله منه أسم السيف عند اليونان وهو - فأنك أنكرت في الأول كل صلة تصل اليونانيين والرمان بالعرب سلفنا والآن تنكر ما أثبت كأنك نسيت ما كتبت أو تناسيت فما أبدع ما تقول وما ترتئي! إذن أن كنت تسلم بأن اليونانية مأخوذة من العربية فلماذا لا تسلم أن تكون من حوى واللفظ واحد والمعنى واحد بعد حذف الكاسعة؟ أفلاننا ارتأينا ذلك لا تقبله أم لكي نقبل رأيك لأنه رأيك؟.
ولم تسلم أن تكون من أيس لأن اللفظة العربية مماتة الآن في لغتنا. إذن كن محافظاً على منطقك هذا وقل ليس لي جد أو جد جد لأنهما ماتا وليسا من الأحياء. قلنا: أفهذا منطق يا حضرة الدكتور في الآداب (؟) والأستاذ في جامعة باكو؟ أفهذه هي مقدرتك اللغوية التي يجاهر بها أصحاب الكلية؟.
ونحن لا يهمنا أن تسلم أو لا تسلم بأصل من لوح العربية فلقد بينا لك أن تقابل ح العربية وأنت ترى بعيني رأسك وعيني عقلك أن المعنى والمبنى واحد في العربية وفي اللغات الآرية واللفظة العربية وحيدة المقطع وخالية من كل داخلة وكاسعة فهي على وضعها الطبيعي الأول أقدم من سائر الألفاظ في بقية اللغات. فلماذا لا تكون عربية النجار وتريد أن تكون آريته أو يا فتيته؟ أفليس لأن شعوبيتك تنزغك نزغات إلى أن تنكر علينا ما هو أوضح من الشمس في رائعة النهار وما للعرب وللغتهم من الفضل على سائر الألسنة؟.
وكنا قد قلنا في مقالنا: (ومن غريب ما جادت به لغتنا على أصحاب اللغات الأوربية أنها
وضعت ألفاظاً في لغتين أو ثلاث فأتخذ منها اليونان لغة والرومان لغة أخرى). فعلق بها حضرة الدكتور النقادة (؟) قوله: (أقر بأني لا أفهم هذه العبارة) قلنا وقد صدق. لأنه يريد أن نكتب للقوم باللغة الروسية لا بالعربية إذ يظهر أنه لا يفهم غير تلك اللغة، ولا يريد أن يفهم ما يكتب بلغة أخرى
فيا حضرة اللغوي البارع (؟) معنى عبارتنا جلي لا يحتاج إلى شرح فأن كنت لا تفهمنا فنحن نشرحها لك لا لغيرك، لأن سائر القراء لم يجدوا فيها ما يعتاص على فهمهم ودونك هذا المعنى:(أن لغتنا وضعت ألفاظاً تتقارب في المبنى باختلاف زهيد في الحروف أو في الحركات وهذا ما يسمي في لساننا (لغة) وبالفرنسية فأتخذ اليونان الصيغة الواحدة وأتخذ الرومان الصيغة الأخرى. وهذا ما يرى في علف وعذف وعدف فأن الفرق بينها ظاهر من أن الأول باللام والثانية بالذال المعجمة والثالثة بالدال المهملة فهذه هي اللغات.
وقولك (علف) لم تأت قط بمعنى السمن (ص 93) فيكذبك قول أبن مكرم في ديوانه: (العلوفة والعليفة والمعلفة جميعاً: الناقة أو الشاة تعلف للسمن (كعنب) ولا ترسل للرعي. قال الأزهري: تسمن بما يجمع من العلف أهـ. أفرأيت كيف أن العلف يعني السمن وأن المعلفة: المسنة. أفما كان يحسن بك أن تبحث عن معنى الكلمة في أي ديوان كان لتجد ضالتك؟ أفرأيت كيف خزيت هذه الخزية التي تسجل عليك العار إلى أبد الدهر؟ فيا حضرة أستاذي ودكتوري وعلامتي ونقادتي ووو، تأن قليلاً قبل أن يحملك النزق على أمور تصمك وصمات عار لا يمحوها مر الأيام ولا كر الأعوام.
وقولك: (أن هذه أحداس (؟) ومقابلات سطحية) من النقائض التي لا ترى إلا على أسلة يراعتك كما رأينا سابقاً فأن الحدس ظن وتخمين يقوم على وهم والمقابلات تبنى على حقائق ثابتة. فلله درك! كيف تجمع بين الوهم والحقيقة! بين الظلام والنور! بين الموجود والمعدوم! لا نفهم كيف حزت لقب (الدكتور) وأنت بهذه الدرجة من التدقيق والتحقيق؟ وقد ظهر بعد هذا أن علف وعدف وعذف من قبيل اللغات (الصيغ في اللفظ) وسقط اعتراضك سقوطاً لا إقامة بعده.
وأما قولك أن أصل أو فينبذه لغويو الإفرنج ولا يسيغونه إذ يقولون أن أصلية لا زائدة (راجع ولدي ومعجم بواساك) فأنت ترى من هذا أن الدكتور يخالف فقهاء الأعاجم في
آرائهم ويخالف رأي من يذب عن العربية ذبابها فيصبح لا هو من المؤمنين ولا من الكافرين.
ولو فرضنا (جدلاً) أن الحرف الإفرنجي زائد في كلمتهم وأنه من الدواخل فنقول له: أن العربية أخذوا كلمتهم من العربية (لب) ثم أدخلوا عليها داخلتهم واللب خالص كل شيء فالشحم والسمن والسمن لب كما لا يخفى. أما سؤاله (أين الدليل على أن اللغات الأوربية وبينها السنسكريتية أخذت ألفاظها هذه عن العربية ومتى وأين وكيف؟). قلنا له الأجوبة عن هذه الأسئلة مدونة في مجلتنا 7: 593 وما يليها. والآن نسأله هذه الأسئلة عينها ونقول له: أذكر لنا أنت ما تعرف عن السنسكريتية واختلاط أصحابها بالأوربيين. فإذا كان الهنود مع بعدهم عن الغربيين خالطوهم وأخذوا منهم لغتهم فكيف لم يمد العرب الهنود بألفاظهم حين كانوا مجاورين بعضهم لبعض في سقي بحر الروم ومختلطين بعضهم ببعض؟.
ورده على (حرف) العربية و (غرف) اليونانية أبرد من الثلج وفساد رأيه ظاهر من ضعف رده وعدم تماسكه وأدلتنا أنصع بياضاً من جبين المعاند ثم نقله اللفظة اليونانية إلى لغات الغربيين المختلفة مأخوذة عن الإفرنج أنفسهم (راجع ولدي وبواساك) وهو لا يذكر المستند كأنه ينسب ذلك إلى علمنه الذي أفتخر به أصحاب (الكلية) حين فتحوا أفواههم مبهوتين وصارخين بملء أشداقهم: (والذي قرأ هذه المقالة النفسية (مقالة الأستاذ الباكوي) أدرك بلا ريب (؟) مقدرة الأستاذ اللغوية (؟) وعرف أن حضرته براء من هذه الهفوات!!!).
وكثيراً ما ينكر حضرة الدكتور (؟) أمراً ثم يعود فيثبته أو يرجحه أفلم ينكر كل صلة بين حرف وحفر العربيين وبين اليونانية غرف (في السطور الأولى من ص 94)؟ ثم نسمعه يقول الآن: (وجل ما يمكن أن يقال هنا أن (غرافو) اليونانية و (حفر) العربية من مصدر واحد يرجع إلى عهد بعيد. . .) فإذا كان كذلك فلماذا جئت وسودت تلك الصفحات تسويدا لا معنى له أفما كان عليك من الأول يا شعوبي أن تقول هذه العبارة فتكفي الناس شر مطالعة صفحاتك تلك العديدة وتكفينا مؤونة الجواب عنها وتفنيد تلك السخافات؟.
ثم قال (في آخر ص 93): (ولولا ضيق المقام وخوفي من ضجر القراء لبحثت مع علامتنا اللغوي عن أصل سائر المفردات التي أوردها في مقالته
(الجريئة) وما علق عليها من الملاحظات التي لا تتفق مع العلم الصحيح. . .) فمن لسانك أدينك يا صاح! لقد شعرت
من نفسك بأن مجلة (الكلية) ضاقت عن ثرثرتك كما شعرت بأنك أضجرت القراء فما أسعد حظنا إذن لكونك عدلت عن هذا البحث! وشعرت بأنك (أقدمت على كتابة مقالة ترجع بنا في آرائها ونظرياتها إلى القرن الرابع أو الخامس للهجرة فحفظك الله للعلم وأهله على هذه المبرة إذ لم ترهق النفوس في حسن كنت تتمكن من إرهاقها بتصديك لبحث تافه لم ينتبه إليه قبلك أحد من أبناء العرب ولا من أبناء الغرب ولو أردنا أن نفي بحق ما كتبت من العجائب والغرائب لاحتجنا إلى عدة مقالات) إلى هنا من عبارات الأستاذ الباكوي ببعض لأغلاطه المنطقية والنحوية واللغوية).
إلا أننا لا نريد أن نتساهل معه في أمرين هما: مسألة اللغة الضادية ومسألة القنص، فأما مسألة اللغة الضادية فقد قال فيها ما هذا حرفه:(قال صاحب المقالة (أن في لغتنا الضادية) ألفاظ (كذا) ماتت لا وجود لها اليوم في لساننا) (ص 95) ونحن لم نقل هذا القول الملحون الملعون (أي لم نذكر (أن) الماصبة وبعدها كلمة (ألفاظ) مرفوعة بل قلنا: (في لغتنا الضادية ألفاظ. . . (راجع الهلال 37: 207) ثم زاد الطنبور نغمة هذا الشعوبي المتهجم فقال في الحاشية: (يظهر أن حضرة الأب ممن يعتقدون أن لفظ الضاد لا يوجد إلا في لغتنا العربية وقد حان بأن نضرب (كذا. وقد جر الجملة الفاعلية بالباء وهو من أغرب ما جاء به العافطون في كلامهم) بهذه السخافات عرض الحائط. . .) أهـ.
قلنا: يا شعوبي! لا يحق لك أن تنتسب إلى العرب وأنت تسب لغتهم هذه الشريفة وتنزع منها أفخر وأفخم حرف عندهم. فقد أتفق جميع العلماء من أقدمين ومحدثين، من إنجاب العرب وإنجاب الغرب أن الضاد خاص بإيماء يعرب. فمن أنت وما قدرك حتى تأتي بين الناس وتنكر علينا وجود هذا الحرف في لغتنا ثم تحاول أن تنتسب إلى الناطقين به. كلا ثم كلا أنك لست بعدناني ونحن نتبرأ منك ومن نسبك ومن أقوالك، ونقول لك: أنك لم تنكر علينا هذا الحرف إلا لأنك لست من أبناء الناطقين به ولأنك لا تحسن لفظه ولو أحسنته لما بدرت منك هذه البادرة وتدعي مع هذا أنك دكتور! ودكتور في الآداب!!.
وفي الآداب العربية!!! وأنت أستاذ فيها!!!! وأنك عربي (؟).
أما صحة لفظ الضاد فهي: (أن الضاد تخرج من المخرج الرابع من مخارج الفم ومخرجه من أول حافة اللسان وهي المشار إليها بالأقصى ويستطيل إلى ما يليها من الأضراس
وأكثر الناس يخرجها من الجانب الأيسر وبعضهم يخرجها من الجانب الأيمن) (انتهى عن شرح العلامة أبن القاصح على الشاطبية ص 297 من طبعة المطبعة الميمنية بمصر) أفهمت الآن كيف تلفظ الضاد، أما الضاد التي تشير إليها فهي الضاد التي سماها سيبويه في كتابه:(الضاد الضعيفة)(2: 404 من طبعة بولاق) ثم الفرق بين الاثنتين فقال: (إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن، وأن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف لأنها من حافة اللسان مطبقة، لأنك جمعت في الضاد تكلف الأطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها. لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين وهي أخف، لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كنت في الأيمن، ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان كما كانت كذلك في الأيمن) ثم قال: (ومن بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الصاد (الفخمة)(2: 405).
وأما المسألة الثانية فهي مسألة (القنص) الظاهر أصلها العربي مما بيناه ومن الأخذ بقاعدتنا وهي أن إذا حذفت منها الكاسعة من اللفظة الإفرنجية بقي لك منها وهذه تجانس (قن) و (قنى) ومن المادة الأولى القن وهو العبد الخالص العبودة مأخوذ من القني أو القنو وهو الاكتساب لأن العبد يكسب لك من عمله. وكذلك قل عن القنص أي كلب الصيد فأنه يكسب لك الصيد. فأنت ترى أن المادة القنص لهذا الحيوان الأمين معنى ظاهر، بخلاف ما تراه في لغة الأعاجم فأنه خال من معنى في مادتهم. فأين رأينا من رأيه؟ نحن ندعم أقوالنا بالأدلة والبراهين، وحضرة الدكتور يؤيد كلامه بالشعوبية، أفبالشعوبية يقوم أو يظهر الحق؟ فلينصفنا القراء.
وفي القسم الأخير من مقالة كبا كبوات عديدة من معنوية ولغوية ونحوية
لكننا لا نريد أن نتعرض لها لكثرتها ولأننا لا نريد أن نجعل مجلتنا آلة تأديب وتهذيب لما يقول وينقل فتكون وقفاً محبوس النفع عليه (ولأن هذه السقطات بينه لعظمها وقبحها وشناعتها ويدركها كل قارئ مهما كان قليل العلم أو الفهم بل غير المتخصصين للمباحث اللغوية. فلا صعوبة إذن ولا فخر كبير في نقدها أو إصلاحها ولهذا عدلنا عن ذكرها) (هذه العبارة الأخيرة تكاد
تكون عبارته وقد وردت في ص 95 من مجلة الكلية).
وفي ما أوردناه سابقاً أمثلة يقاس عليها كل ما يكتبه حضرة الأستاذ الباكوي ولذا لا نلتفت بعد هذا إلى ما تنفثه يراعته المرضوضة، وفي ما كتبناه مجزأة لأن نتبرأ من فكرة الكاتب الأساسية ويعلم الله أنه لو حاول أن يبرهن بالأدلة الجليلة ما يريد أن ينقضه من بحثنا لما جادلناه في ذلك ولوافقنا على علمه وصدقنا أقواله، لكن الرجل قد أتخذ الشعوبية سلاحاً الخ مهما كلفته من الخزي والكبت وفي آخر أمره يظهر لك أنه غير داهية (وهو الذي يعاندك ثم يرجع إلى قولك) وهو يدل على أنه لا يجادل حباً للعلم والنفع العام، بل إظهاراً لما يحاول أن يتبجح به. فأن شاء فيؤمن وأن شاء فليكفر) (هذه العبارات تكاد تكون عبارات الكاتب في ص 96 من الكلية) أهـ.
اللغة العامية العراقية
2 -
اسم المفعول
اسم المفعول: هو الاسم المشتق من الفعل للذي وقع عليه الفعل عاقلاً كان أو غير عاقل، ويصاغ:
1 -
من الثلاثي على وزن (مفعول) نحو مكتوب من (كتبه) ومفهوم من (فهمه) فأن كان الفعل الثلاثي أجوف سقطت واو (مفعول) مثل قاله
فهو (مفعول) وباعة فهو (مبيع)، ونقل عن المبرد النحوي أنه قال بصوغه على (مفعول) من كل فعل ثلاثي نحو (مقوول) و (منيول) وقوله يقره العقل في اليائي لخفته وينكره في الواوي لثقله فالمديون والمخيول والمكيول والمغيوث أخف من المقوول والمصوون والمدوون والمعووق.
2 -
ومن غير الثلاثي على وزن (اسم فاعله) مع فتح ما قبل الأخر فيقال (مكرم بفتح الراء من (مكرم) بكسرها و (مكتسب) بفتح السين من (مكتسب) بكسرها و (مستنبط) بفتح الباء من مستنبط) بكسرها أو يصاغ على وزن (مضارعه المبني للمجهول) مع وضع (ميم مضمومة) في موضع حرف المضارعة بعد حذفه مثل (مكرم) من يكرم و (مكتسب) من يكتسب و (مستنبط) من يستنبط.
أما العامة فتصوغه من الفعل الثلاثي على وزن (مفعول) مطرداً سواء أكان أجوف أو غير أجوف نحو (مبيوع ومكتوب) إلا أنها تقلب واو الواوي ياءاً فتقول (مكيول)(بكاف فارسية) للمقول و (مكيود)(بكاف فارسية) للمقود.
ومن الرباعي على وزن (اسم فاعله) مع فتح ما قبل الأجر فتقول (امعلم) من امعلم و (امكسر) من امكسر و (امعارك) من أمعارك، فأن كان الرباعي على وزن (أفعل) كأكرم وآلم وأراد فتعدها العامة كالثلاثي وتقول (مكروم ومالوم ومريود) أما الخماسي والسداسي فلا تكاد تصوغ اسم مفعول.
وتعد الثلاثي اللازم متعدياً فتقول (مدمي) للمدمي و (ممشي) للمشي فيه و (مصوي) للصاوي ولا تشدد الياء في الآخر مثل ياء (المحني والمحمي) عند الفصحاء بل تخففها كما مضى في (المدمي والممشي والمصوي) وتعيد التشديد إلى المؤنث مثل (مصوية) وإلى
المثنى والجمع. وتقلب واو الناقص ياءاً في المضارع واسم المفعول فتقول (مغزي) للمغزو.
تصريفه
يتصرف تصرف اسم الفاعل، إلا أن فتح ما قبل الآخر في المصوغ من غير الثلاثي يظهر في المثنى والجمع وهما سواء عند العامة فتقول:
المفردالجمع الجمع
مجروح - مجروحة مجروحين - مجروحاتمجروحين - مجروحات
امكسر - امكسرة امكسرين - امكسراتامسكرين - امكسرات
أمعارك - امعاركة امعاركين - امعاركاتامعاركين - امعاركات
مصطفى جواد
القريض في فن التمثيل
نظرة تحليلية انتقادية في (مصرع كليوباترا)
في الشرق اليوم نهضة، بل نهضات في الأدب عامة وللشعر مكانه الخاص منها دواماً وذلك شأنه في مختلف أيامه عند العرب. وكل من تذوق لذة الأدب العربي ورشف من منهله الفياض، أعجب بذلك الينبوع ينبوع الحرارة المتواترة التي ما تكاد تبيخها الكوارث هنيهة، حتى تعود فتبهر في فضاء اللانهاية بأشد لمعان وبهر نواظر دراسها بألوان قوس قزحها الفاضحة. وهذا ما نكاد نلمحه الآن بل نتلمس بوادره الزاهرة، ويضرمنا الأمل أن تكون فاتحة جديدة لعهد جديد طريف. ولسنا نعني بهذا أن ما أمامنا يضاهي بفخامته وروعته وأناقته وجماله ما كان عليه فن القريض أيام كان له عند بني أمية وبني العباس صولة ونفوذ، هذا من جهة ذلك الافتنان والغلو والشدو في الأنواع التي تعهدها فيه من إضراب الثناء والمديح والقذع والقذف والتشبيب والغزل والاستبكاء وذكرى الليالي الخوالي، وما إليها. تلك الوجهة التي نقر بكل تواضع وثقة أن لن يضارعهم فيها أحد. فلهم
وحدهم قصب سبقها إذ أن عهدها قد بلي وسلم عليه الدهر. وأن هنالك من مرام لم يسعنا قبلاً وحالاً إلا أن نحاسب عليها
العرب ونستغرب فيهم ما دعاهم إلى نبذها هذا النبذ الشائن حتى خلت منها آدابنا بل فقدنا فيها - وأتجاسر أن أصرح - أكبر سند ومعوان على تقدمنا الأدبي، ورقينا في فن الشعر، بل أصدق مؤيد لهذا الرقي والفلاح، وأكبر ظننا أنها من أهم العوامل على رذل الغربيين لشعرنا ونظمنا فيه. والكثير من الحقائق تؤيده: إذ ليس هذا الفن الراقي مقتصراً على أن يكون آلة أغراض وغايات. ووسيلة استعطاف واسترحام بل ضراعة. إذ لو أسعده الحظ بمنحه هذه المنحة فيه. لارتقي ارتقاء سامياً ولكان على غير ما هو عليه اليوم، إذ من خصائصها الراهنة أن تبتدع فيه عوامل وعواطف وأهواء وأجواء يقظة، تناجز كل المناجزة ما تعرفه فيما لدينا من قديمه وشاهدنا على ذلك الشعر الغربي، الغني بما يحوطه من ميادين واسعة رحبة يجول فيها، مبدعاً متفنناً. وهذه الناحية التي ألمعنا إليها هذا التلميح الطويل ما هي سوى: فن تأليف الملاحم والقصص التمثيلية. ولو تتبعنا نهضتنا فيه وتأثرناها خطوة خطوة لوجدناكم أثر في مضمار الشعر العربي العصري، ولعلمنا حقيقة ما مبلغ نفوذه ووطأته عليه. وأني أقول غير وجل ولا واجف عنفاً ولا لوما، أنه من أهم أسباب انتعاش الشعر ويقظته من غفلته بل العامل الرئيسي في الانتقاض على الطرق القديمة البائرة، وهدم الصروح المتهدمة والميل إلى الابتكار والتفنن. وأنا منذ ما سالمناه ورضينا بصحبته واستكنا إلى قوانينه كانت نهضة مباركة، وخطوة جديدة سعيدة إلى الأمام. ومع أننا لسنا نرى في بوادر نضجها ما يحقق منها اليوم رجاء بعض آمالنا المتواضعة - مع إقرارنا ببعدنا الشاسع عن أمثال كورني وراسين وموليير بل لاروستان الابن وجان كوكتو - فأنا نبصر شعاعا منير من فجر ذلك اليوم المتلألئ ونرى جرثومة ذلك الصرح الفخم العتيد!.
ويجب ألا نغفل قط أن نشوء هذه الرغبة صدر من موطن الخيال ومهبط الوحي، أعني سورية ولبنان، فالآداب العربية أنعم عليها بنهضتها الحاضرة أبناء تلك البلاد فالمقتضي تطوراتها يتعرف في الحال أنه لم يتأت لها نهضة ما في جميع أطوار حياتها، منذ استيلاء عمر على القديس إلى يومنا ذا. إلا كان للشام
قسط عظيم بل شرارتها الأولى المنبعثة ما تتوقد به سورية من آمال وعواطف وأحاسيس عنيفة ملتهبة فأبناؤها كانوا الأوائل على
المدى حملة ألوية الشعر العربي ومعيار النبوغ فيه وبلاغته وسموه. وما أنوار هذه النهضة الباهرة إلا أثر من أثارهم الجليلة،؟ ونبعة من ابتكاراتهم. فهم أول من ابتعث فيه الحياة - وقد كاد يضمحل - في مختلف ألوانه وجاحد قولنا كر شروق النائرة صباح كل يوم. وقد شهد بضلعهم في العربية، الأوربيون جمعاء من بحثه وكتبه - ولا نقول علماء الاستشراق منهم - ممن نثروا شيئاً عن المشرق. كالكاتب الفحل لويس برتران مثلاً. إذ نعتهم في كتابه العظيم (سراب الشرق) بأنهم (ورثة الشعر العربي القديم) وقس على ذلك الكثير من الرواد الكتبة.
وكان القرن الخالي وفجر الحالي، ميداناً لتجلي هذه الموهبة إذ ظهرت الروايات التمثيلية العربية لأول مرة في سورية. وكان ابتداؤها بعناية المرحوم مارون نقاش اللبناني. ولكن نشوء التمثيل الجدي المفيد حين ظهر الحداد والجميل والمطران وسواهم وعكفوا على التأليف فكانت عطيل وتاجر البندقية والسيد وروميو وجوليت والسموأل الخ. وانكشف الميدان عن أفراس رهان.
أسعدت ديار سورية أن تختلج فيها هذه البادرة في القرن المحتضر، غير أنها ما عتمت أن انتقلت في عجزه إلى أرض النيل والهرم. أثر هجرة أحرار السوريين وتركهم وطنا تعساً عزيزاً، خيم عليه ديجور الظلم ورعته ذئاب النميمة الناهشة فنزحت مع أفئدتهم النابضة حياة وفتوة، وجنانهم النابع جرأة وابتكاراً نبعة الفن الجديد وروحة الحساس ثم ما لبثت أن عمت هذه الرغبة طائفة لا بأس بها من الكتاب السوريين والمصريين. فأتحفونا بشيء يتراوح بين الابتذال والإجادة وأنشئت الفرق التمثيلية وظهر في إشعاعها في القطر المصري المرحوم سلامة حجازي، أبي التمثيل العربي الغنائي. فراجت سوق الروايات ولما كان لا بد للنور من اسداف وإعتام. سنة الكون والوجود ظهر بينها ويا أسفاً! عدد ليس باليسير يدرن الأخلاق ويجرحن النفوس! ولمن تلبث أن امتلأت ديار مصر بهذه الحركة المباركة بل القدرة السعيدة نحو رفد الآداب العربية وتدعيمها بهذه الأسس التي كانت للإغريق والرومان، من أخلب وأحب
الفنون الفتانة.
هدانا إلى هذه التوطئة ما خالجنا من عواطف عنيفة أثر وقوع نسخة إلينا من الرواية التمثيلية التي شاءت مخيلة (أمير الشعراء!) أحمد شوقي بك، أن تتحف بها العربية، والتي
دلت دلالة ظاهرة أن مبدعها، يهمه رقي الآداب عن نهج فنون، هي منها بمثابة الجوهر من العرض وعلمنا حقاً أننا عكفنا جداً على التوغل في تذليل الصعاب، وإقامة رواسخ البنيان على أجود الأصول، في حين أيقنا أن إبداع شاعرنا في جوانبها وغمراتها كفيل له بنيل الغفران، وأعذاره عن تباطؤه وجموده في صددها إلى حيننا هذا.
قرأناها، فخلتنا حتى أوهمتنا أو كادت. أننا نمر قصة من روائع القصص التمثيلية الغربية. ولولا تلك الروح الشرقية - التي لا مرد لسؤددها وتعنتها - تعبث بسطرها، لجزمنا بذلك: وقد كشف لنا هذه القصة عن نفسية شوقي الحقيقية وشاعريته المستترة. نقول مستترة لأن شاعرنا (أبو (أمير الشعراء) على رواية أدبائنا!) لم تظهر شاعريته من قبل، حيث يلذ له كثيراً الاستدراء وراء حواجز واقامات لا تناسبه. فيرسل قصائد مزججة بإضراب الألفاظ الوقعية، فتعكس رسمه وتشوه صورته. وأننا نجهر أن نبين ما أظهره حتى الآن من أشعار طائفة عظيمة لا نميل لقراءتها، إذ نحملها على التصنع والتجمل فماله في شعره من مزالق ومعاثر، هي ذلك التقليد الشائن الذي يحاول إجادة سبكة جهده وأن نجد وهو يقول بالتجديد، يتشبث بمذهب القدماء. في رن الألفاظ وزقزقة العبارات، دون كبير التفات إلى تسلسل المعاني، فالتكلف أظلم بلاغته وضرب عليها أستارا حالكة كئيبة. فاضطربت مبانيه وارتجت مشيداته الرملية بفعل المد والجزر النقدي.
قد يحمل بعض عشاق منظوم شوقي إشارتنا البريئة هذه على غير مبناها - إذ هي طبعاً عرضتة للمظان - فيغررون أننا نتعنت لغاية في النفس. ومن إدراك أنهم لا يدعون أننا من الجمود والركود أيضاً، نؤثر الأساليب العتيقة ونشذب التجديد في التلميح والتشبيه والاستعارات؟ في حين أننا لا نذخر وسعاً في
أن ننهض بالتبعة الطريقة من التداخيل في اللغة. ولا نألو - والله يعلم - جهداً ولا نذخر مضاء في الثورة على القديم، وبعثة إلى اسفل سافلين: إذا كان هنالك فائدة تنتج أيضاً بغلونا أحياناً في الدعوة للتجديد!.
ولست اخالني افجأك بإدلائي أن لشوقي مزلق الصبوة إلى المعارضات، وأشباهها، التي هي من شأن طلاب المدارس أكثر مما هي من منازع الشعراء الفطاحل. إذ هي الرجعية بذاتها، الرجعية بما فيها من مثالب ومساقط. ومادة الشعر العصري يجب تشييدها من باعثات الإحساس النفسي وما تنشئه الذكريات من شجون ويدفعه الوجدان من مثيرات، لا
ما يستوحي من قريحة أخرى ويستعار بن تأوهات، إذ يغدو ما يضمه الشعر عند ذاك ليس سوى عواطف مرئية. منافقة خداعة تستلب حلل غيرها، لتسمو بها وتخدع مبصريها بألوانها القزحية ولا أظنك تجهل يا قارئي العزيز، معارضات شوقي لقصيدة الحصري ولسينية البحتري في التشوق إلى مصر، ولبردة البوصيري في (نهج البردة) وغيرها. وخذ هذا مثالاً ناصعاً:
يا بنت ذي اللبد المحمي جانبه
…
ألقاك في الغاب أم ألقاك في الاطم؟
فالشطر الأول يوهمك أنه مأخوذ من شطر مطالع قصيدة أبن هانئ الشهيرة:
يا بنت ذي البرد الطويل نجادة. . .
وما أشبه الشطر الثاني بعجز هذا البيت من قصيدة أبن هانئ أيضاً:
. . . وفي وادي الكرى أم واديك؟
وهنا يا صاح وقفة أخرى لا تقل غرابة، وأغراباً في التقليد عن سابقتها، إذ تكاد تحدثك تلاوة هذه الأبيات، من صدر قصيدة له:
قفي يا أخت يوشع خبرينا!
…
أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا
…
ومن أخبارهم ما تعلمينا
فمثلك من روى الأخبار طراً
…
ومن نسب القبائل اجمعينا
ويا لك هرة أكلت بنيها
…
وما ولدوا وتنظر البنينا
فتهيج أشجانك وقد تمر على ذهنك سحابة الذكرى، فتخالك تستعرض عقلك عما علق بذاكرتك من قصيدة عمرو بن كلثوم: والتي توهمك بتشابه مطلعها:
قفي قبل التفرق يا ظعينا!
…
نحدثك اليقين وتخبرينا
قفي نسألك هل أحدثت صرما
…
لوشك البين أو خنت اليمينا
أفلا تشعر بالريح الهوجاء العاصف، تهب بك من منحاها بدوية جاهلية، أو بدوية مخضرمة إذا شئت وهو يسأل نسب القبائل ووحشية السنانير؟ أفلا تهاجم منافسك روائح الصحراء الوحشية الكريهة وتستوسطك مواقحة؟ أما والله لأبصرنك تخاتلها وتحاول استدبارها من كل جانب، كي تجد لك مخرجاً لطيفاً أو كي ترى بين أوارها وجدانا واضطراما عصرياً فإذا مخالجها ومباعثها كألفاظها وترسلها جفاوة وقساوة وخشونة. وأنك إذا ما صابرتها
اشتدت في أثرك فأرهقتك واغتالتك!.
ولكم تجده في غير هذه يحاول أن يقتفي أثر الجاهلية أو الخضرمة في ذكري البان والعلم والوقوف على الطلول. وبكاء العهود الخالية ونحوها من مواقف الشعر البائدة، كقوله مثلاً:
ريم على القاع بين البان والعلم
…
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رمن القضاء بعيني جؤذر أسداً!
…
يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم!
ولعمرك ما شر الوجود غير تغلب عواطف بربرية على اختلاجات خفيفة مدنية واستبطانها مشاعر عصرية يافعة أشاختها بيبوستها وعجفها! عبثاً يحاول وباطلاً يطلب، فأن رجلا رقيقاً متمدناً، لن يتمكن قط من الشعور أو التوسل إلى عرض حاسياته، على استار شعر هجين الوطأة حوشي المنطق ولن يرسم شعره جفاوة الصحراء إنما تكتنزه من رائحة الجمال والنياق والبعر والوبر كما يرسلها أعرابي جلف خشن إبرته رمضاء البادية وابلته رمالها، ومحال أن تتآخى المتناقضان: المدنية والتوحش. ويمل القارئ العصري المجد، أن يمر على تلك الهياكل المنشأة من مقالع عفت حجارتها الطيبة، أو أن يحول بين أجداث قصائد بادية التعفن والنتن. وإذا أردت فلا ضربن لك مثلاً أيضاً من نثره، كي لا تنالني بقارصة ولا بتهمة باطلة. فالمس السجع لم تطلق قيوده وخيمت عليه إطناب العرب فأنزله بعليائه إلى موطأة وليس للسجع العصري من لذة ومحاسن سوى إحراج المتوسل لقارئه والتفوق على مخارجه!! وهاكها مجلوة من بقية (الوطن).
(الوطن موضع الميلاد، ومجمع أوطار الفؤاد ومضجع الأباء والأجداد الدنيا الصغرى وعتبة الدار الأخرى الموروث الوارث الزائل عن حارث إلى حارث مؤسس لبان وغارس لجان وحي من فان دواليك حتى يكسف القمران وتسكن هذه الأرض من دوران. . .).
فيالله! أابن ساعده جديد؟ وماذا من هذه الثرثرة المملة؟ أو ما يكفيك الآن ما أرسلناه لك من أمثلة وبراهين أم لا تزال تطالبنا بمزيد غير قانع بتأييدنا أو غير راضخ لإحكامنا رضيخة تسليم أو تظننا على غير إمكان بإعداد لك سفرة مكتظة الدوافع الثابتة أجل ففي يدنا ما تشاء وأني أعيذها منك نظرات صادقة أن تخفق في تفنيدها وتنقيبها، بعد لجك وحك. . . آه!. لو أردت تعداد جميع محاكاته ومماحكاته ومعارضاته وإضرابها لهذه الأساليب والمرافق البدوية البائدة لا مللتك، وأحرجتك من لجاجك بل أقسمت وجدتك صائحا بي، أن
هل مرادي من هذا المبحث المنحي المسئم الكئيب أو ليس سواها مسهدي!. نعم هنالك جم منها. فما لنا ولها: وكفانا جزؤها المبسوط. فقد أطلنا الشرح يا صاح، فحسبنا أذن من روائح نكرة ما لدينا وحسبنا من شعرائنا هذا الاستخفاف بعواطفنا المنتفضة عياء وتعباً وإلا فما ذنبنا إليهم إذا نبذناهم نبذ النواة واحتقرناهم كأحقر العبيد، عبيد العادات المنقرضة!.
لقد أطلنا الترسل في بسط قضايانا، فهلم نتفحص هذه الرواية التمثيلية. فشوقي أحب أن يخلد في العربية ذكرى ملكة كانت لها على مصر صولة وسؤدد زمناً ليس باليسير. فحبك إطراف قصة، وتنميقها جهده مغدقاً عليها من حلل الشعراء أكثرها فضفصة واسماها زهواً. وأنه والحق يقال أجاد غاية الإجادة في جمعها (دون تعرض (للنظرات التحليلية) ولنا إليها عودة) وتنسيقها هذا التنسيق البديع ولست اغتابه فأقول أني لم أقرأ لشوقي هذا شعراً أشد نطقاً بشاعريته وأمتن إفصاحا عما يكنه فؤاده من المشاعر الحية الراقية كهذه الفاجعة الشعرية البليغة. وأنت أن تقلبها يأخذك هذا التفنن البادي عليها ويعجبك تأنقه البالغ فيها - وأن تكن غير خالية من مزالق سيأتي الكلام على شيء منها -
ولا يسعني إلا أن أقدم لك مثالاً ناطقاً في مناجاة أنطوان لروما وقد احتاط به اليأس فجبن وهمدت همته الحربية وخانته تلك الحميا التي كانت له وهو يخطب جماهير الرومانيين أمام جدث يوليوس قيصر. وقف ينظر إلى (أمه روما) وهو على قصوة منها فيتحسر على ملك ضاع وعز زال ومجد باد. ويعجبك هذا التعانق في العواطف النافضة المتباينة وتستهديك تلك الاستصراخات الحوار تكلها وتزينها ولا غرو أن انطوان في ساعة يأسه الحقيقية تتنازعه أمثال هذه العوامل اليائسة. وإلا ما لجأ إلى حكم الموت الفاصل. وأن الباحث النفساني في وقائع الانتحار يكشف كثيراً من نزعات مضطربة تجانسها في نبضاتها الهاتفة. فالمنتحر وهو يقدم على فعلته النكراء ترعاه سكرات متباينة يضع في تيارها ولجتها تعكس عليه النور ظلاماً ديجوراً قد لا يجد له منفذاً سوى شبابه وإلا ما انتحر:
روما حنانك واغفري لفتاك
…
أواه منك! وآه ما اقساك!
روما سلام من طريد شارد
…
في الأرض وطن نفسه لهلاك!
اليوم يلقي الموت لم يهتف به
…
ناع ولا ضجت عليه بواكي
أن الذي أعطاك سلطان الثري
…
لم تنعمي لرفاته بثراك
أن الذي بالأمس زنت جبينه
…
بالغار، عقك جهده وعصاك
الأمهات قلوبهن رقيقة
…
ما بال قلبك لم يلن لفتاك؟
أعرضت غضبي في الحياة فرحمة!
…
لا تحرمني في الممات رضاك!
أن كان موتي كل ما تبغينه
…
فهناك! هأنذا أموت هناك!
البقية للتالي
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
فوائد لغوية
في الصحاح وفي مختار الصحاح
28 -
وقال في ن ح ر (والتحرير بوزن المسكين: العالم المتقن) والصحيح بوزن النقريس) لأن المسكين مفعيل من سكن ولعل هذا الوزن لفظي لا تناظري.
29 -
وقال في غ ل ط (والعرب تقول: غلط في منطقة وغلت في الحساب وبعضهم يجعله لغتين بمعنى) غير أنه اعرض عما رجحه بقوله في وهـ م (وهم في الحساب: غلط فيه وسها).
30 -
وقال في وج ع (وفلان يوجع رأسه. . . وأنا أيجع رأسي ويوجعني رأسي ولا تقل: يوجعني رأسي والعامة تقول) قلت: إنه قال (الإيجاع: الأيام وضرب وجيع أي مؤلم) وإذا وجع الإنسان رأسه فقد آلمه وآذاه فلا سبب لذلك الشرط.
31 -
وقال في زري (وازدراه أي حقره) ولم يذكر (أزدرى به) مع أنه قال في غ م ط (وغمط الناس الاحتقار لهم والازدراء بهم) فتأمل.
32 -
وقال في م س ك (أمسك بالشيء وتمسك به واستمسك) ولم يذكر (استمسكه) مع أنه قال في س ل س (وفلان سلس البول إذا كان لا يستمسكه).
33 -
وقال في ع د ل (وعدل عن الطريق: جار وبابه جلس) ولم يذكر (عدله) بمعنى عدل به، مع أنه قال في أح د (وجاؤا أحاد أحاد غير مصروفين لأنهما - معدولان - لفظاً ومعنى) ولم يقل معدول بهما ولعله من حذف الصلة كقولهم (مدلول ومأنوس ومحجوز) والأول كقول الكميت: -
إلى السراج المنير أحمد لا
…
تعدلني رغبته ولا رهب
ومثل قول أبي الأسود لرجل (عن الطريق تعدلني) وقول علي (ع): (ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر).
35 -
وقال في أن ن عن لفظ (أنا) ما نصه وتوصل بها تاء الخطاب فيصيران كالشيء الواحد من غير أن تكون مضافة إليه تقول: أنت) فقد عد التاء من (أنت) حرف خطاب وهو الذي قال في أي أ (أيا: اسم مبهم ويتصل به جميع المضمرات المتصلة تقول: إياك.
ولا موضع لها من الإعراب فهي كالكاف في ذلك والألف والنون في أنت) وهو يؤيد التاء من أنت ضمير وبذلك يتناقض قولاه.
36 -
وقال في ف وق (وفاق الرجل أصحابه: علاهم بالشرف وبابه قال) ولم يذكر (فاق عليهم) وهو القائل في ب ر ز (وبرز أيضا فاق على أصحابه).
37 -
وقال في دوم (والمداومة على الأمر: المواظبة عليه) ولم يذكر (دوام الأمر) مع أنه قال في د م ن (ورجل مدمن خمر أي مداوم شربها).
38 -
ولم ينقل الرازي في غ ش أقولهم (غشاه كذا) بتعديته إلى مفعولين بنفسه وهو الناقل في ج ون عن الأزهري (الجونة سليلة مستديرة مغشاة أدماً).
39 -
وقال في أرك (والأريكة سرير منجد مزين في قبو أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجله) ولكنه قال ح ج ل (والحجلة بفتحتين واحدة حجال العروس وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور) فقد نفي السرير عن الحجلة أولاً والزمها إياه ثانية وهو غريب.
40 -
وقال في س ل ب (سلب الشيء من باب نصر) غير ذاكر (سلبه الشيء) وقد نقل في ح ر م (وفي الحديث: الذين تدركهم الساعة تبعث عليهم الحرمة ويسلبون الحياء).
41 -
وقال في ح س ن (وحسن الشيء تحسيناً: زينه) ولم يذكر (أحسنه) بمعنى حسنه مع أنه نقل في م ل أ (وفي الحديث أنه قال لأصحابه حين ضربوا الأعرابي: أحسنوا إملاءكم) والإملاء الأخلاق.
42 -
وذكر في هـ م م (واهتم له بأمره) مع أنه قال ح م م (وحميمك الذي تهتم لأمره).
مصطفى جواد
باب المكاتبة والمذاكرة
أعنز أم عنزة
كنا قد نقدنا في شهر أيار (مايو) من سنة 1928 (لغة العرب 6: 379) كتاباً ركيك العبارة وافر الأغلاط أعظم أسمه أعظم حرب في التاريخ لصاحبه جرجس الخوري صاحب مجلة المورد البيروتية. وأشرنا إلى بعض ما جاء فيه من الأوهام ومن جملتها كلمة العنزة وأنها لا تقال بل يقول الفصحاء بدلاً منها العنز والفظة مفردة لا جمع ولا شبه جمع ولا اسم جمع ولا ولا. فأخذ المنتقد يدافع عن نفسه وما رجع عن مسعاه إلا بما رجع به حنين. وقد جاءتنا في هذا الشهر مجلته (المورد الصافي) وإذا بصاحبها يقول في (14: 431) ما هذا نقله:
(جرت مناظرة منذ مناظرة منذ مدة بيننا وبين الأستاذ الأب انستاس (ماري) الكرملي صاحب مجلة لغة العرب جاء في سياقها كلام عن (عنزة) و (عنز) وقد اطلع الكاتب الأديب جورج أفندي مسره على هذه المناظرة فأبدى رأيه فيها بمقالة في جريدة (فتى لبنان) الغراء في أميركا الجنوبية. وقد أرسل إلينا أحد الأدباء نسخة (كذا) من الجريدة بهذا العنوان قوله:
(أن (عنز) اسم جمعي أو شبه جمع (كذا) وهذا النوع من الجموع هو الذي يفرق (تعبير مكسر فما كان أغناه عن حذف (هو الذي)) بينه وبين واحدة بالهاء - أي بالتاء المربوطة - (كأن الرجل يكلم عنوزاً لا يفهمون معنى الهاء في مثل هذا التعبير) أو بالياء. الأول مثل نخلة ونخل وثمرة وثمر وحمامة وحمام وتفاحة وتفاح (كأن عليه أن يعكس الشواهد ويقول مثل نخل ونخلة. . . ليظهر اسم الجنس ثم يظهر مفرده بوضع الهاء). والثاني مثل رومي وروم. وإفرنجي وإفرنج وقبطي وقبط وزنجي وزنج الخ. . .).
وعليه فأن العنزة مفرد (كذا) وعنز اسم جنس جمعي أو شبه جمع. . .
بناء عليه يجب (كذا) أن يكون كلا (كذا بالنصب) من عنزة وعنز صحيحاً). إلى آخر ما قال مما هو خارج عن الموضوع.
ونحن نقول للغالط ولمصوب غلطه: إنكما مخطئان. فقد أتفق جميع اللغويين وجميع النحاة
وجميع الفصحاء على أن عنزا لفظ مفرد مؤنث لا جمع لغوي ولا يجوز أن يقال فيه عنزة. اللهم إلا في كلام العوام. ولا نريد أن نطيل البحث في هذا الموضوع لاستفاضة نصوص اللغويين فيه ولطولها لا نحب أن ننقلها وهي مبسوطة في جميع دواوين اللغة. إلا أننا ننقل لمجلة المورد حكاية أو مثلاً من الأمثال المنسوبة إلى لقمان الحكيم وترى في جميع الكتب ونرويها هنا عن (اللفيف في كل معنى طريف تأليف اللغوي الكبير والعلامة المدقق أحمد فارس الشدياق صاحب الجوائب) فقد نقل في ص 91 هذا المثل بعنوان: (إنسان وخنزير).
(إنسان مرة حمل على بهيمة له كبشا وعنزا وخنزيرا وقصد بها المدينة ليبيع الجمع. أما الكبش والعنز (أتسمع يا ناقد ويا منقود؟) فلم يكونا يؤذيان البهيمة. وأما الخنزير فأنه كان يغرض دائماً ولا يهدأ. فقال له الإنسان: ياشر الوحوش مالي أرى الكبش والعنز ساكتين لا يضربان وأنت لا تهدأ ولا تستقر؟ فقال الخنزير: كل يعرف شأنه. أنا أعلم أن الكبش لصوفه والعنز للبنها وأنا الشقي فلا صوف لي ولا لبن. فما يكون بعد وصولي إلى المدينة إلا إرسالي إلى المسلخة).
فهل يقال بعد هذا أن العنز اسم جنس جمعي أو شبه جمع؟ اللهم نعم يقولها المعاندون والمكابرون والمماحكون والمشاغبون ومن جاراهم.
في ما قيل وما أقول
14 -
وفي ص 639 منها ذكرت أن (حدثة) تجمع على (أحداث) قياساً فأقررتم بصحة القياس وخصمتموني بأن الإشارة إلى ذلك الجمع مسموعاً (من قبيل المستدرك لأن كتب اللغة لم تذكرها) فأنا مخصوم لا محالة غير أنكم استطرقتم إلى أنه (ما كل قياسي يقال فالخبز وزان قفل لا يجمع على أخباز ولا على خبوز ولا على غيره مع أن جمعه عليهما قياسي) فأقول: أما الخبز فهو اسم جنس واحدته خبزة والعرب تستغني باسم الجنس الجمعي عن الجمع كما
أنها تجترئ على جمعة إذا أرادت، وعلى هذا لا غرابة بل لا شذة في جمع الخبز على أخباز، أما أن من مقيس جمعه (خبوزا) فلا أذهب إليه ما لم تثبتوه بنص قديم أو اجتهاد مصيب!.
وأما القياسي فيقال إلا إذا ثبت السماع فأنه يرجحه لا يكبحه سواء أكان المسموع مقيساً أم
شاذاً، فقد قال الجوهري في س ج د من المختار (وقد روي مسكن ومسكن. وسمعنا المسجد والمسجد والمطلع والفتح في كله جائز وأن لم نسمعه) وقال المبرد في ب ي ص من المختار (ليس الشاذ حجة على الأصل المجمع عليه) وقال أبن الأنباري في ص وع من المصباح وليس عندي بخطأ في القياس - أي جمع صاع على أصع - لأنه وأن كان غير مسموع لكنه قياسي ما نقل عنهم وهو أنهم ينقلون الهمزة من موضع العين إلى موضع الفاء فيقولون: أبآر وأبار) وقال في المبرد في 1: 41) من كامله (والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الضعيفة) وقال أبو الحسن الأخفش في ص 27 منه (والسماع الصحيح والقياسي المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة) ونستخلص مما ذكرنا أن المقيس مقبول يستعمل في ذلك الزمان فكيف يتردد في استعماله الأب الجليل وهو هو في عدم التخرج من المقيس والسعة في الاستعمال؟؟.
15 -
وقال الأثري في ص 18 (ولو شاء لأنكر عليه أيضاً قوله). . . أن تفيقه وحذلقة بعض الكتاب. حيث عطف على المضاف كلمة حذلقة قبل أن يأتي بالمضاف إليه، وهذا شائع في المقالات الكتاب فلينتبه إليه) أهـ. فأقول: هذا التركيب إقحامي فصيح فما الذي درسه هذا الرجل من النحو حتى كتب هذه القيلة الباردة؟ وقد تكلمت عليه في 7: 165 من لغة العرب وأضيف إليه الآن قول الفيومي في ض ي ف من مصباحه (ويجوز أن يكون الأول مضافاً في النية دون اللفظ والثاني في اللفظ والنية نحو: غلام وثوب زيد ورأيت غلام وثوب
زيد. وهذا كثير في كلامهم إذا كان المضاف إليه ظاهراً) فليتأمل ذلك الأدباء ولا يلتفتوا إلى الأقوال الواهية.
16 -
أن انتقادكم أيها الأب لبعض ما نظرت سابقاً لم أتطرق إليه أما لأنه فرع من أصل تكلمت عليه وإما لأنكم مصيبون وأنا المخطئ والاعتراف بالخطأ من أفضل الفضائل عند العاقل.
مصطفى جواد
صاحب مختار الصحاح
ورد في ص 18 و 19 من هذا الكتاب للسيد عبد الله مخلص (راجع ص 221 من هذا الجزء) ما نصه (ولما لم نتأكد من تاريخ وفاته على التحقيق فسنضطر للقول بأن زين
الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي نسبة إلى مدينة الري مدينة كبيرة من بلاد الديلم بين قوس والجبال، قد توفي بعد سنة 666هـ 1267م).
ونقل في ص 2 عن كشف الظنون (وفي أخره - أي أخر مختار الصحاح - وافق فراغه عشية يوم الجمعة سنة 760 ستين وسبعمائة) أهـ.
قلنا: أن مؤلف كشف الظنون نفسه تكلم على (غريب القرآن) في باب الغين ومما قاله) غريب القرآن أفرد الأليف فيه جماعة غير ما ذكر أبن الأثير منهم الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط المتوفي سنة 221. . . والزاهد الإمام زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي صاحب مختار الصحاح. . . فرغ من تعليقه في سنة 668 ثمان وستين وستمائة) فالظاهر أن السبعمائة المذكورة أو لا محرفة من الستمائة لفرط التشابه بينهما.
وقرأنا في ص 9 أن من العلماء الذين ذكرهم بأخر ورقة من الجزء التاسع من كتاب جامع الأصول المسموع بمدينة قونية (قلمشاه) فنقول أن أبن بطوطة قال في رحلته إلى قونية سنة 733هـ (نزلنا منها بزاوية قاضيها ويعرف بأبن قلمشاه) فلعله أبن قلمشاه المذكور بل هو الراجح.
وها نحن نقف القلم غير يائسين من التحقيق، وقد وجدنا الرازي المذكور يشير في مادة (ربض) من المختار إلى شرح الغريبين ولم نتمكن من معرفة الشارح حتى نقابله بما ورد من زمن الرازي فهل من ملم بذلك فيفيدنا؟.
بغداد: مصطفى جواد
أسئلة وأجوبة
الفصح والفسح
س - بغداد - ب. م. م: قرأت في المشرق 28: 13 إلى 23 مقالة كادت تصرعني لطولها وتشعب مباحثها - والحبل على الجرار لأنها لم تتم - قال صاحبها (ص 22)(أنها (أي أن لفظة فصح) لم ترد إليها (أي إلى العربية. كذا وهو يريد أن يقول أنها لم تنتقل إليها) رأساً (من العبرية) بل بواسطة (كذا أي عن طريق) السريانية كما نرجح ذلك مع العلامة الأب شيخو اليسوعي، والسبب هو أنها (كذا والصواب حذف هو) تكتب بالصاد كما في السريانية، ولا (كذا، أي لا) بالسين كما في العبرية. . . وقد وردت بهذا اللفظ، لا بغيره، في الشعر الجاهلي. . .) أهـ. فما رأيكم مع كل هذا التعبير السقيم؟.
ج - هذا الرأي من تبجحات بيك المير الميراندولي. وإلا فأن الأقدمين من العرب نطقوا بالفسح وبالفصح أي بالسين وبالصاد معاً منذ أقدم الزمن إلى عهدنا هذا وذلك في بعض الديار العربية اللسان. فقد ذكر الفسح أبو الفداء في تاريخه (1: 93 من طبعة الأستانة) قال: (الفسح وهو اليوم الخامس عشر من نيسان اليهود). . . وكرر الكلمة ثانية بعد ثلاثة أسطر وهكذا وردت اللفظة مضبوطة بكسر الفاء في النسخة المطبوعة في أوربة بعنوان تاريخ الجاهلية ص 160 س 15.
وقال المقريزي: وشهر نيسن عدد أيامه ثلاثون يوماً أبداً وفيه عيد الفاسخ (بخاء معجمة) الذي يعرف اليوم عند النصارى بالفسح (بكسر الفاء وسين مهملة) أهـ.
وأما سبب قلب السين صاداً فليس لأن الكلمة نقلت عن السريانية مباشرة، بل لأن هناك قاعدة لغوية لم ينتبه إليها حضرة البيك الميراندولي وهي التي ذكرها أبو محمد البطليوسي في كتاب الفرق بين الأحرف الخمسة من هذا الباب
ما ينقاس ما هو موقوف على السماع: كل سين وقعت بعدها ع أو غ أو خ أو ق أو ط، جاز قلبها صاداً. . . قال: (وشرط هذا الباب أن تكون السين متقدمة على هذه الأحرف لا متأخرة بعدها وأن تكون هذه الأحرف مقاربة لها لا متباعدة عنها وأن تكون السين هي الأصل فأن كانت الصاد هي الأصل لم يجز قلبها سيناً لأن الأضعف يقلب إلى الأقوى ولا يقلب الأقوى إلى الأضعف. وإنما قلبوها
صاداً مع هذه الأحرف لأنها أحرف مستطيلة والسين حرف متسفل فثقل عليهم الاستعلاء بعد التسفل لما فيه من الكلفة. فإذا تقدم حرف الاستعلاء لم يكن وقوع السين بعده لأنه كالانحدار من العلو وذلك خفيف لا كلفة فيه. قال: فهذا هو الذي يجوز القياس عليه وما عداه موقوف على السماع) ثم سرد أمثلة كثيرة. . .
قلنا: ولما كانت الحاء من جنس الخاء يجوز لنا أن نعتبر حالها كحالة أختها ولهذا قال الأقدمون في حس الجليد النبت: حصة أي احرقه وهذه لغة في تلك (عن أبي حنيفة الدينوري) وفي مسح في الأرض: مصح أي ذهب (اللغويون) وفي السحرة: الصحرة (عنهم) وفي دحس برجله: دحص (عنهم) إلى غيرها وهي كثيرة وكلها غير منقولة عن السريان بل جارية على سنة من سنن لغتهم البديعة التي تخفي أسرارها على المتبجحين والميراندوليين والشعوبيين ومن نحا نحوهم.
انطلياس وبر اليأس وقب اليأس
س - بيروت - طالب في التاريخ وعلم البلدان: سألت هنا أناساً عن معنى انطلياس وبر اليأس وقب اليأس فأجابني عنها أجوبة لم تقنعني ثم ذكروا لي أن أراجعكم فيها. فما رأيكم؟.
ج - انطلياس مركبة من أنتي اليونانية بمعنى مقابل. واليأس أي الشمس في اللغة المذكورة. فيكون مؤداها: المقابل للشمس والشمس عندهم اسم إله كان الأقدمون قد بنوا له عدة معابد فتكون انطلياس مبنية في بدء أمرها بازاء معبد كان هناك. وهي تابعة لمدينة بكفيا من محافظة المتن ويبلغ سكانها زهاء 670 نفساً.
وبر اليأس منحوتة من بر باليونانية أي قوي وشجاع واليأس الإله
المذكور أي الإله القوي الشمس. أو الشمس القوي (والشمس في لغة الإغريق ذكر لا أنثى) تابعة محافظة زحلة وعدد سكانها نحو 1386.
وقب اليأس من كلمتين: قب (وس) أي بستان أو جنة واليأس الإله المنوه به هنا أي الشمس وهي قرية بها الجنات الغن والكروم البديعة وهي من محافظة زحلة ويقرب عدد أهلها من 175 نسمة وكل من قال أنها مشتقة من قبر اليأس أو قبو اليأس أو قباء اليأس فقد أخطأ خطأ بيناً.
سيقمور
س - مصر - السيد أ. م: وجدت في محيط المحيط (السيقمور الجميز يونانية) ولم أجدها في سائر كتب اللغة المؤلفة قبل محيط المحيط فعمن نقلها؟.
ج - نقلها عن أبن البيطار في مادة جميز، إذ قال في هذه المادة (يسمى هذا باليونانية سيقومون (ووردت مطبوعة خطأ سنفو مورى) ومن الناس من يسميه أيضاً سوقامينن (وطبعت خطأ سوماسيس) ومن الغريب أن يتخذ المولدون منا الكلمة اليونانية وبصورتها الإغريقية ويجهلون أن الكلمة عربية الأصل أي (سوقم مور) أي جميز لين. ومن الأدلة على أن اليونانية هي من لغتنا أو الواو تنقل عندهم في قديم الزمن إلى حرف والقاف إلى وأما في الارمية فالسوقم يسمى (شقما) ومور (بفتح الميم) لا تعني هذا المعنى إلا في لغتنا الضادية ثم أن لغويي الغرب في عهدنا هذا يقرون أن اللفظة من أصل سامي، فلم يبق على المعاندين إلا التسليم عند رؤية الحقيقة التي تأتيهم من كل ناحية.
حبزبز
س - بغداد - ب. م. م: ما اصل كلمة (جبزبز) التي يستعملها البغداديون بمعنى (الرجل الشجاع الذي لا يبرح مكانه) ومن أي لغة هي؟.
ج - حبزبز نعت رجل عرف بشجاعته وكان يطوي أيامه في بغداد قبل نحو عدة سنين ولم يكن أسمه كذلك بل لقب به حين شب وأظهر من البطولة ما دعا الناس إلى تلقيبه به. ويقال أنه أبن الملا عليوي وكان هذا الوالد صالحاً وحبزبز لفظة عربية عن حبلبس بالمعنى أشرتم إليه. والكلمة
مركبة من الحبس مكررة أي (حبس حبس) والحبس: الشجاعة. واصلها ذو الحبس أو ذو الشجاعة وكررت لإفادة الشجاعة العظيمة كأنك تقول: شجاع الشجعان وبالفرنسية
الجسر وأصله
س - منه - قرأت مقالة في مجلة (الكلية) في 16: 96 يقول صاحبها بندلي جوزي أن كلمة (جسر) يونانية الأصل من أفهذا صحيح؟.
ج - نعم على حد أن (البقرة) من (البقة) وهي من الأقوال التي اشتهر بها (صاحب
الرطازات) (لقب بندلي جوزي) وأما أصحاء العقول فيقولون أن الكلمة اليونانية هي لا ما قال وقد قلنا أن أغلب الكلم (المصورة) بالحرف الإفرنجي مخطوء فيها. والكلمة (جفسورة) اليونانية غير أصيلة في اللغة الإغريقية. ذكر ذلك بواساك وولدي وصولمسن ويافلينية وأغلب لغويي الغرب على اختلاف قومياتهم. وذهب أغلبهم إلى أن المادة سامية الأصل وصرح اللغوي الكبير م أ. بايي تصريحاً لا ريب فيه أنها سامية ونحن توافقه على ذلك لأن (الجسر) ترى بالسين المهملة أو بالشين المعجمة في جميع اللغات المذكورة ونقول أن الأصل الأب هو العربي (جسر) وهو من مادة (ج ر) ثم وسطتهما السين للدلالة على امتداد ذلك الجر أو ذلك الانبساط وأنت تعلم أن السين إذا توسطت الكلمة أفادت الطول والاتصال وكذا يقال في الحروف المبدلة منها كالشين المعجمة والصاد والزاي من ذلك قولهم: في بط: بسط وفي مد: مسد وقد تفيد هذه الحروف عين هذه الفائدة ولو دخلت على المادة أو كسعتها كقولهم في جر نفسها: شجر وفي طب: شطب وفي فر: فرش ثم فرشط. وفي صح سطح إلى غيرها وهي تعد بالعشرات.
ومما يدلك على صحة قولنا هذا أن للكلمة اليونانية لغتين أخريين ولكلتيهما وجهاً في لساننا وأولي هتين اللغتين أي بجعل الجيم دالاً على حد ما ورد مثل ذلك في كلامنا نحن العرب. وقلب الجيم دالاً كان عند الغرطونيين (نسبة إلى غرطونة مدينة من أعمال أقريطش كان كلام سكانها بالإغريقية مع
بعض فرق). وأما أن بعض السلف كان ينطق بمثل هذا القلب فقد مر البحث فيه في مجلتنا 6: 48 و 4: 4 و 5 فليراجع. وفي معنى (دسر) ما يدل على جمع شيء إلى شيء آخر ومنه الدسار وهو مسمار محدد الطرفين يضم به اللوح الواحد إلى اللوح الآخر. والدسار: خيط من ليف تشد به ألواح السفينة بعضها إلى بعض والدسر كعنق السفينة لأن المسافر فيها يجمع بين بلد وبلد وهناك غير هذه المعاني تؤيد جميعها تركيب الكلمة.
وثاني هتين اللغتين هي باليونانية وهي لغة اللاقونيين من اليونانيين أي من قبيل قلب الجيم باء موحدة تحتيه على حد ما يرى مثله في لساننا المبين. فقد قال قوم منا في الزمن السابق في الجلسام: برسام (فيه ابدالان الباء والراء) وفي جصص الجرو: بصص. وفي أجشت الأرض: أبشت وفي الجلأز: البلأز إلى غيرها وهي كثيرة. فإذا عرفت ذلك فهمت
لماذا عرفت قيل في الجسر (الدال على جمع شيء إلى شيء آخر) اليسر بمعنى الجمع أيضاً. فقد قال السلف بسر النخلة: لقحها قبل أوانها. وبسر الفحل الناقة: ضربها من غير ضبعة. والبسر أن تخلط البسر مع غيره في النبيذ (والخلط يوجب الجمع) إلى غيرها من الحروف الدال تركيبها على الجمع. فهل بعد هذا التحقيق والتوضيح من يشك في سامية بل قل في عربية هذه الكلمة ولغاتها؟.
ولا تعجبوا بعد هذا أن تروا مقالة (صاحب الرطازات) نسيج هراء وهذاء بعد أن ابنا سقطها ومن جملة ما يروى فيها من الأوهام (لأنك كلما قرأتها وجدت فيها خطأ جديداً لم تره في المرة الأولى) قوله القفص مأخوذ من وهو من والفلس من وهو من أفلس الذي اعتبر جمعا لفلس، وبلقيس من والصواب من ومومس من والصحيح من إلى غيرها وهي لا تحصى لكثرتها ولأننا لا نريد أن نجعل مجلتنا (مجلة تصحيح لما ورد في مجلة الكلية) وما يرد فيها من ركام الأغلاط في كل جزء يصدر منها).
قبر النبي دانيال
س - الإسكندرية - ع. ط - نشر المقتطف بالجزء الأول من المجلد
الثالث والسبعين بتاريخ يوليو سنة 1928 مقالاً عن النفط في العراق للأستاذ أمين المعلوف أفندي في أثناء هذا المقال صورة كتب تحتها قبر النبي دانيال والفتية الثلاثة في كركوك والمعروف في كتب التاريخ المعتبرة أن النبي دانيال دفن بمدينة السوس بخوزستان بالعراق كما ذكر ذلك الطبري في تاريخه وياقوت في معجمه وغيرهما فهل يمكن أن تتفضلوا بإفادتنا عما يوجد بقبر النبي دانيال بكركوك من الأدلة التي تثبن أنه قبره ككتاب أو نحوها.
وهل مدينة كركوك في موقع مدينة السوس القديمة أو ماذا؟.
أننا نعلم بعد الشقة بين بغداد وهذه الجهة ولكن ربما أمكنكم بواسطة من تعرفونه وتثقون به، الاستفهام لنا عن ذلك وأفادتنا.
ج - المدفون في كركوك أحد الربانين اليهود أسمه دانيال. ولما كان اسمه واسم النبي متشابهين وهم العوام في أمر الرباني هذا الوهم. مثل ذلك كثير في العراق وسائر الأنحاء الشرقية ففي الكرخ قبر أحد كبار الكهنة اليهود واسمه يوشع والعوام تزعم أنه قبر النبي يوشع. وفي الكرخ أيضاً قبر مدفونة فيه أميرة سلجوقية أسمها زبيدة والعوام وأشباههم
تزعم أنه قبر السيدة زبيدة زوج هرون الرشيد مع أنها دفنت في مقابر قريش. وبين البصرة وبغداد قبر يعرف بالعزيز مع أن العزيز (أوعزرا الكاتب) لم يدفن هناك وفي الموصل محل يعرف بقبر يونس والمعروف في التاريخ أنه في ذلك المكان كانت كنيسة للنساطرة على أسم النبي يونس أو يونان فزعم العوام أنه قبر النبي المذكور. ومثل هذا لا يحصى. وقد سمعنا مثل ذلك في ديار الغرب أيضاً. ولا يعتمد على أوهام العوام.
أما محل قبره فلا يعرف على التحقيق. وكذلك يقال عن المدينة التي توفي فيها. إنما يعرف أنه مات في مدينة من مدن ديار بابل. وما عدا ذلك فمن قبيل الروايات التي لا يعتمد عليها.
أما مدينة كركوك فليست بالسوس القديمة إذ السوس في خوزستان وكركوك (واسمها القديم كرخا دسلوك) في شمالي العراق الشرقي. ولم تسم يوماً بهذا الاسم كما لم يتوهم أحد المؤرخين هذه التسمية.
باب المشارفة والانتقاد
34 -
صاحب مختار الصحاح
لعبد الله مخلص عضو المجمع العلمي العربي بدمشق
كراسة نفيسة في 25 ص بقطع الثمن حقق فيها حضرة الصديق ترجمة صاحب مختار الصحاح وهو زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي وأنه كان من معاصري الصدر القونوي المتوفي في سنة 673هـ 1270م وأنه كان في قيد الحياة سنة 666هـ 1267م وأنه توفي بعد هذه السنة لكن لم تكن وفاته في سنة 760هـ كما ورد في كشف الظنون، إذ بين المحقق شناعة هذا الوهم.
والذي نأخذه على الصديق أنه أدرج صور رسائل الأصدقاء العلماء المعاصرين ولم يذكر محل كتابتها ولا تاريخ كتابتها. وهذا ما ننكره عليه كل الإنكار فعسى أن يشار إلى ذلك في طبعة ثانية. (وراجع ص 214 من هذا الجزء).
35 -
بديعية العميان
نظم شمس الدين عبد الله محمد بن جابر الأندلسي
عني بنشرها صديقنا المذكور
كل ما يحرره الصديق (المخلص) يطبع بطابع التحقيق والتدقيق والإفادة الجمة ففي هذه البديعية التي لا تزيد صفحاتها من قطع 16 على 52 تجد فوائد لا تعثر عليها في كبار الأسفار وكلها تشهد على غوصه في بحار العلم لاستخراج ما فيها من الدرر والفوائد وإهدائها إلى الناطقين بالضاد فشكراً له على الهديتين.
36 -
التعقيم في كليفرنية من وضع بولس بوبنوي
عقمت حكومة كليفرنية منذ سنة 1909 إلى آخر سنة 1927 نحو 5000
شخص في بغية
تحسين النسل وقد وضع العلامة بولس بوبنوي مقالة بديعة نشرها على حدة بعد أن عمم فوائدها في درجها في إحدى مجلات أميركة الكبرى والأميركيون يحرصون على تحسين النسل منعاً للأمراض ونشراً لقواعد الصحة وهم في مقدمة الأمم التي تفرغ ما في وسعها لهذه الغاية.
37 -
التعقيم بلا إتلاف الجنس
هذه رسالة ذات 29 صفحة بقطع 12 لمؤلفها العلامة الكبير روبرت. ل. دكنسن من علماء نيويورك وقد عرض فيها صاحبها 5820 حادث بضع في غاية إصلاح الجنس من غير أن يضر بضرر وقد زين بحثه بالصور العلمية والتحقيقات العصرية فجاء من أحسن ما صنف من نوعه وعسى أن تحذو حذوا أميركة سائر الدول الساعية لتحسين الذرية.
38 -
التعقيم في تحسين النسل في كليفرنية
كان صديقنا بولس بوبنوي يعني بغراسة النخل حين قدومه إلى بغداد قبل الحرب. والآن ضري حضرته بإصلاح الذرية وتخصص فيه ولا تمضي سنة إلا يضع فيها رسائل ومقالات في مداركة مباحثه وهذه الرسالة في 18 صفحة بقطع الثمن الصغير وقد ذكر فيها من الأحداث والأمثلة ما يوضح للأقوام حسن المسعى الذي ترمي إليه ديار أميركة نيلاً لتحقيق أمانيها. وعسى أن يستفيد من هذه المباحث أولو الأمر الذين عهد إليهم تحسين الصحة والنسل والأخلاق إذ جميع هذه الأمور متصلة بعضها ببعض اتصالاً ولا انفصام فيها.
39 -
مباحث في الأدب العربية العصرية
بقلم هـ. أ. ر. جب
3 -
المصريون الحدثاء
في 21 ص بقطع الثمن وباللغة الإنكليزية
لم نقف على مقالة أطلعتنا على الحركة الأدبية المصرية كالمقالة التي وضعها العلامة الإنكليزي المذكور هنا. فأن أحاط بالموضوع أحسن إحاطة ووفي به
أحسن وفاء. وعلى كثرة من كتب عندنا في هذا البحث لم نلف من قام به هذا القيام الذي يشكر عليه ونحض أدباء مصر أن يطلعوا عليه إذ فوائده جمة.
40 -
تأسيس تحسين البشر (باللغة الإنكليزية)
رسالة تظهر ما للرجل الداهية أ. س. غصني من الفضل على الأميركيين من تأسيس جمعية تعني بتحسين نسل البشر، باتخاذ وسائل فعالة تبعد الناس عن الأمراض القبيحة والإمعان في المساوئ وتقرب لهم الفضيلة وتضعها لهم على حبل الذراع. فلمثل هذه الأعمال ليتنافس المتنافسون.
41 -
العالم
مجلة ومعارف وأحاديث، تصدر في تونس وهي نشر مكتبة العرب، مجلة بقطع الثمن الكبير في 32 صفحة وتنشر وقد برز جزءوها الأول في غرة يناير من هذه السنة فنتمنى لها الرقي والرواج والعمر الطويل.
42 -
المجمع العلمي اللبناني
خلاصة أعماله إلى السنة الحاضرة 1930
وصلت إلينا هذه الخلاصة بعنوان (الأستاذ انسطاس الكرملي المحترم) وليس في دائرتنا من هو (أستاذ) ولا هو (انسطاس) وإنما المذكور على غلاف المجلة (الأب انستاس ماري الكرملي).
وقد رأينا في هذه الخلاصة تساهلاً عظيماً في استعمال الألفاظ ففي الصفحة الأولى منها (وهي ص 3)(واتخذت الدول في التمدن الحديث من سير هؤلاء العظماء أمثولة جعلتها في السنن الدولية. . .) والذي نعرفه أن الأمثولة بيت من الشعر يتمثل به ولا محل لوقوعها في هذه العبارة. وفيها (فأنشئت المجامع العلمية والمكتبات) ولم نجد المكتبات بمعنى الخزائن. إنما المكتبات جمع مكتبة والمكتبة ما تكثر فيه الكتب وأكثر ما استعملت
في معني جمعها أي بمعنى الفرنسية أو الإنكليزية لا بمعنى الخزانة.
وقد كررت هذه الكلمة مراراً عديدة. وذكر في تلك الصفحة المتحف. ولا
وجد له لأن الدار لا تتحف، والأصوب المتحفة أي المكان الذي تكثر فيه التحف وقس على ذلك سائر الصفحات فأنها لا تخلو من غلط أو أكثر سواء أكان ذلك الوهم مما يخالف أصول لغتنا أم من عيب الطبع. والصفحة الوحيدة التي سلمت من الخلل هي الصفحة ال 27 لا غير وهذا أمر عجيب إذ لم يتمكن (مجمع علمي) من أن يبرز كراسة بلا غلط. وما عدا ذلك فهي مفيدة لمن يطالعها.
43 -
تاريخ نظام الحركة القومية وتطور نظام الحكم في
مصر
بقلم عبد الرحمن الرافعي بك، الجزء الأول في 492 ص والجزء الثاني في 436 ص وكلاهما طبع في مطبعة النهضة بشارع عبد العزيز بمصر.
أتريد أن تفاخر مؤرخي الغرب وتعارضهم في تأليفهم؟ خذ بيدك هذا السفر الجليل - أتحب أن تقف على أسرار السياسة ومحاوتاتها وعلى ما فيها من الخداع؟ طالع هذا التاريخ البديع - أتود أن ترى كاتباً شرقياً عربياً يفند مزاعم الغربيين ويفلي أقوالهم؟ - ليس لك سلاح آخر تحاربهم به سوى هذا التصنيف - أتهوى أن تقرأ ديواناً جمع صدق الرواية إلى حسن العبارة وصحتها؟ - لا يحقق أمنيتك إلا هذا التأليف.
هذا أقل ما يقال في (تاريخ الحركة القومية) وكان الدافع إلى وضعه أن المؤلف - حرسه الله - أراد أن يصنف تاريخاً لفقيد مصر العظيم (مصطفى كامل) مؤسس النهضة الوطنية ومضرم الشعلة القومية المصرية فساقته الحركة إلى شقة اتسعت بين يديه وتشعبت مسالك السعي فيها فطوى أوراقه الأولى التي كان قد جمعها لهذه الغاية ثم شرع يبحث مواضع الكتاب من جديد فأخذ في الرجوع إلى الأدوار التي تقدمت عصر مصطفى كامل باشا ليقف عند حد يصح في نظرة أن يكون مبدأ الحركة القومية. وما زال يرجع بالحوادث إلى أحداث تقدمتها حتى أداة البحث أنه يقف في أواخر القرن الثامن عشر حيث وجد عصراً هو عصر المقاومة الأهلية تلك المقاومة التي بدت في أبناء النيل حين ناهضوا الحملة
الفرنسية التي أتت قبل مائة وثلاثين سنة فكانت أول شرارة أشعلت جذوة الروح القومي في المصريين.
قال المؤلف في موضوع كتابه: (ما هي الجهود التي بذلتها الأمة في سبيل تحرير مصر من النير الأجنبي وفك قيود الاستبداد عنها وتقرير حقوق الشعب السياسية؟ ما هي الجهود التي بذلتها والآلام التي احتملتها في سبيل تكوين مصر الحرة المستقلة؟ ما هي الحوادث التي ارتبطت بهذه الجهود أو وقعت خلالها وناصرتها أو عرقلتها؟ ما هي الأدوار التي تطورت إليها الحركة القومية من بدء ظهورها إلى اليوم؟ ما هي نظم الحكم التي تعاقبت على البلاد في خلال تلك الأدوار وما مبلغ أثرها في تطور الحركة القومية؟ - هذا هو موضوع الكتاب وتلك هي المسائل التي بحثتها جهد المستطاع على هدى الحقائق التاريخية) أه.
فيظهر من هذا البسط حاجتنا - نحن العراقيين وسائر الشرقيين من الناطقين بالضاد - إلى مطالعة هذا السفر الجليل لنعرف كيف نتخلص من الكابوس الذي يروعنا وينغص حياتنا على حد ما فعل إخواننا الأكبرون المصريون الذين تقدمونا أشواطاً في ميدان الحضارة ولنستفد من معلمينا في جميع أمورنا ولا بد من الأخذ بما يملونه علينا من دروس الحياة والعلم والوطنية مع المجاهدة حق الجهاد للحصول على أمانينا. إذن ليقتن كبارنا وصغارنا هذا الكنز النفيس ولنجعله قبلة آمالنا ليكون لنا نوراً وهدى في متابعة تحقيق أمانينا.
44 -
قراءة كتابات قبرية قديمة (بالروسية)
من وضع المحفي الروسي السوفييتس (في 126 ص و 10 ألواح مصورة).
يحوي هذا الكتاب تصوير اثنتي عشرة شاهدة تصويراً مطابقاً للأصل كانت موضوعة على قبور المسلمين وتاريخ أقدم شاهدة سنة 218 للهجرة وأحدثها سنة 492 قرء من هذه الشواهد عشر وأهملت اثنتان لكونهما غير تامتين وكلها مكتوبة بخط يشبه بديع الأزهار أو النقوش العربية ووضع في الأخر أشكال الحروف التي اتخذت في تلك الشواهد مع ما يقابلها من حروفنا النسخية. والكتاب يبحث عن كل كلمة جاءت في تلك الحجارة وأصلها ومعناها بحيث جاء أحسن ما يصنف في بابه. ونحن نعجب من أبناء الغرب ومن
غرامهم بنشر هذه القبريات ولا ينهض في البلاد العربية اللسان من يعني بمثل هذه الآثار التاريخية
فعسى أن يبعث نشاط الغربيين الهمة في نفوس الغيارى منا لينافسوا من تقدمنا في هذا الميدان ثم نسبقهم فنفوتهم في بمراحل.
45 -
في سبيل الاتحاد
إلى إخواننا أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية
رسالة حسنة البراهين في 27 صفحة بقطع الثمن يحسن بالروم الأرثوذكس الانطاكيين أن يقفوا عليها وينعموا النظر في أدلتها. فيجدوا فيها ضالتهم المنشودة.
46 -
مملكة النحل
مجلة شهرية في النحالة العصرية
هذه مجلة جديدة في موضوعاتها ومبتكراتها وهي الأولى من نوعها في لغتنا وتظهر بقسمين قسم عربي وقسم إنكليزي وتعني بالنحالة (أي بعلم تربية النحل) ويبلغ عدد صفحات كل من القسم العربي والإنكليزي 16 بتصاوير مختلفة توضح الموضوع الذي يعالجه فيكون عدد الصفحات 32 ما عدا التصوير. فنتمنى لها الرواج والعمر الطويل.
47 -
العصور الأسبوعية
إسماعيل بك مظهر من العاملين في نشر المبادئ التي أشتهر بها منذ قبضة على عنان اليراعة وهذه المجلة وقفها صاحبها على النقد في الأدب والفن والسياسة فهي (انتقادية للإصلاح وأدبية للتجديد وفنية للمثل العليا ومسرحية للفن وسياسية على مبادئ حزب الفلاح المصري) وكثيرة التصاوير الهزلية. ولا بدع من أن يكون لهذه المجلة الجديدة إقبال عظيم لأن المرء يميل إلى ما يخالف المعتقد العام وقد قال صاحبها عن مبدأها ما هذا نصه: (أما مبدؤنا من الناحية الأدبية فهو مبدأ العصور الشهرية بعينه لا نحيد عنه ولا نجد لنا سلوى في غيره) وقد ظهر الجزء الأول منها في 31 يناير من هذه السنة في 48 ص بقطع العصور الشهرية
ومما نأخذه على مظهر بك قلة عنايته بعبارة ما يكتب وتراكم أغلاط الطبع في كل صفحة من صفحات مطبوعاته وهو مما يضر بسمعه ما يتولى نشره من الصحف والكتب.
48 -
الإفصاح في فقه اللغة
تأليف عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى، المتخرجين في دار العلوم والمدرسين بالمدارس الأميرية طبع بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1348هـ 1929م في 736 ص بقطع الثمن.
هذا الكتاب من غرر المؤلفات، بل من دررها، ولا بد من إدخاله في كل مدرسة تحرص على إتقان اللغة العربية، وفي كل ديوان يعني صاحبه أو أصحابه بمعالجة بحث فصيح في لغتنا الضادية. والسبب انه زبدة (المخصص) لأبن سيدة وهو معجم معنوي تطلب فيه موضوعات تعرف مجملة ولا تحضرك أسماء مفصلة فتعمد إلى هذا الكنز البديع فتجد فيه كل ما تنشد من الضوال. وكم كنا نرغب في تلخيص (المخصص) ليستفيد منه أبناء المدارس وما كنا نجد من يقوم بأعبائه! أما اليوم فقد خرجت هذه الحسرة من صدرنا بفضل ما أصدره لنا حضرة الأستاذين الجليلين عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى اللذين أبدعا في وضع هذا الأثر النفيس الذي لا يقدر ثمنه مهما بالغنا فيه.
وهذا السفر الجليل مبوب تبويب (المخصص) وعباراته كعبارته في أغلب الأحايين وأن كان صاحباه استمدا من سائر أمهات الكتب اللغوية الشيء الجليل على ما قالا في المقدمة في ص (ث) وهذه عبارتهما: (وقد حرصنا الحرص كله على أن نحتفظ بعبارات الكتب التي اتقينا منها مادة الكتاب، فذكرناها بنصها وفصها، ولم نحاول أن نصلح من العبارات، أو نتصرف في الألفاظ رغم وجود (لعلها على رغم أو برغم وجود) بعض مواضع يشعر القارئ بضرورة الحاجة إلى الإصلاح والتغيير فيها. لم نقدم على هذا ليكون الكتاب موضع ثقة تطمئن النفوس إليه، ويعتمد القارئ والباحث عليه).
على أننا نرى في هذا الاستعباد للأولين والغض من رقي المعاصرين ما يسقط ثمن هذه الدرة من عيون الطلبة الذين أمعنوا في علوم العصر ولهذا كان يمكن
أن يصلح هذا العيب بإشارة في حاشية الكتاب لكي لا نثير في صدر المحققين من أبناء العصر ما يزري بقدره أو يقلل من الاعتماد عليه ولا بد من إيراد بعض الأمثلة ليسفر لنا وجه الحقيقة كما هو.
جاء في ص 405: (الحشرة. الدابة الصغيرة من دواب الأرض والجمع الحشرات منها اليربوع والضب والورل والقنفذ والفأرة والجرذ والحرباء والعظاية وأم حبين والعضرفوط وسام أبرص والثعلب والهر والأرنب. . .) أما علماء العصر من لغتنا فانهم خصصوها
بطائفة من الدويبات لا يدخل فيها الثعلب والهر والأرنب ومن أعظم الأدلة على ذلك أن (الإفصاح) نفسه ذكر بعد ذلك الثعلب والهر والأرنب في عداد الوحوش والسباع (ص 387 و 390 و 391) فوقع في هذا كله شيء من التناقض، كنا نود أن لا نراه في هذا السفر البديع. فلو علقا على عبارة ص 405 ما معناه:(هذا رأي الأقدمين وقد هجره المعاصرون) لكان في ذلك مجزأة. ومثل هذا التنافر تنافر القديم والحديث شيء لا يستهان.
وفي بعض المواطن لا توافق الصور نص الكلام. فشكل الضب الذي يرى في ص 406 هو المسمى بالوزغة. وأما الضب فاسمه بلسان العلم ويكون ذنبه ضخماً كثير العقد. ونظن أن الذي ساق المؤلفين إلى هذا الوهم ما رأياه في (المنجد) وهذا المعجم قراره أوهام النحاة والصرفيين واللغويين وعلماء المواليد. فيحسن بهما أن يضعا في زاوية الإهمال والنسيان. وهكذا نقول عن كثير من التصاوير فأنها كلها منقولة عن (المنجد) - فيا للأسف على هذه الأوهام! - فالصل يقع على ما يسميه العلماء وعلى أو والصورة الظاهرة في ص 414 منقولة بعينها عن المنجد وليست بها ونحن نعلم أن ليس لصاحب المنجد أدنى إطلاع على علم المواليد. وهناك عدة تصاوير لا توافق الحقيقة كالصرصور (ص 418) والنسر (430) والغداف (فيها) والصقر والعقاب (431) إلى صور عديدة. ونحن هنا لا نلوم صاحبي (الإفصاح) بل نلوم صاحب المنجد الذي سقط تلك السقطات الهائلة وحمل غيره على أن يلقوا أنفسهم في تلك الهاوية البعيدة القعر.
وكنا نود أن نرى فهرساً هجائياً للمواد حتى لا يضطر الباحث إلى مراجعة
جميع مواد الفهرس الحالي مما يضيع الوقت على غير طائل.
ومما كنا نود أن ينزه هذا الكتاب البديع عما حوى بعض الآراء في أصل الألفاظ، فقد ذكر في ص 401 عن الزرافة أنها معربة. ثم زيد على ذلك ما هذا نصه وهو نص اللغويين:(دابة مسماة باسم الجماعة لأنها في صورة جماعة من الحيوان. ففيها مشابهة من البعير والبقر والنمر. . .) والصواب أن الكلمة مصرية ولا وجه لتفسيرها بالعربية.
وقد وقع بعض أغلاط طبع لم ينبه عليها في الآخر كما جاء في ص 405 واثنتان يلتقيان ويختلفان والأحسن: تلتقيان وتختلفان. وفيها: ليست في ساقيه أظفار وهي عبارة المخصص 8: 91 ولو قيل: ليس في أصابعه أظافير لكان أحسن، وجاء معنى البق ما هو
مشهور في ديار مصر وسورة أي الفسافس والعرب الأقدمون لم يعرفوا هذا المعنى للبق بل ورد عندهم بمعنى البعوض الضخم وبهذا المعنى يعرف في العراق كله إلى اليوم. وقول الإيضاح (ص 418) فإذا قتلت (البقة) كثرن من دمها. قول نطق به الأقدمون لكنه لا يوافق العلم. نعم أنهن يكثرن إذا كان في دمهن بيض، أما إذا لم يكن بيض في ذلك الدم فلا يمكن أن يكثرن منه. ولو زاد المؤلفان على تلك العبارة:(إذا كانت أنثى بالغة) لصح الكلام.
وليس كل هذه الأمور تنزع شيئاً من هذا الكنز الثمين الذي يجب إدخاله في جميع المدارس لما فيه من جمع شتات اللغة وتنسيقه تنسيقاً منطقياً فضلاً عما يحوي من الألفاظ الجمة بعبارة عربية محضة صحيحة لا غبار عليها كأنها أفرغت في قالب سحبان أو نطق بها رضوان.
خطط الشام
3 -
وقال ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3: 22 من مطبعة النيل في مصر) ووضعوا الأمانة وثبتوا أن الابن مولود من الأب قبل كون الخلائق. إلى غير ذلك من الشهادات التي لا تحصى عدا. فأجتز أنا
بما ذكرناه لنبين أن علماء المسلمين عرفوا مصطلحات النصارى أحسن من هذا الارشمندريت العائش في القرن العشرين.
ومن غريب ما يجري في هذا الوادي قوله (ولا تطلب المبحث خارجاً عن تلك الصفحة العجيبة): (لولا زعيمهم أسقف أرفاً يعقوب لزنزلي المشهور بالبرادعي) قلنا: لم يكن في عصر يعقوب البرادعي مدينة باسم (أرفا) إنما هذا الاسم حديث والذي كان معروفاً في ذلك العهد هو الرها. فلو قال أسقف الرها المعروفة بأرفا لعذرناه أما أنه قال مباشرة: أسقف أرفأ فخطاً صريح.
ومن عجيب عمل حضرة الارشمندريت المحترم أنه لم يذكر اسماً واحداً من إعلام المدن أو الرجال إلا وقد أخطأ فيه وما كاد يصيب إلا في علم واحد لا غير أورد بالصورة غير المشهورة عند العرب وهو (نسطوريوس) قال في القاموس في مادة س ط ر: النسطورية بالضم وتفتح أمة من النصارى تخالف بقيتهم وهم أصحاب نسطور الحكيم. . . وهو
بالرومية نسطورس) أهـ. ترى أنه ارتكب ثلاث غلطات في علم واحد.
كل ما أتينا به كان من باب تحقيق الأعلام التي وردت في صفحة واحدة ولم نرد أن نتجاوزها لئلا يتسع الخرق علينا والآن نريد أن نذكر في مقالة هذا من روح التعصب وما قذفته يراعته بحق أناس لم يتعرضوا له ولم يهينوه. فقد قال عن النساطرة الحاليين: (وباتت بدعته (أي بدعة نسطور) تذمى في الكلدان كالخنفساء إلى اليوم) (ص 226). - وقال عن القائلين بالمشيئة الواحدة وعن المارونية: (فباتت هذه البدعة تعالج النزع في شيعة الراهب يوحنا مارون التي عرفت (بالمردة)(كذا) وانحصرت على فتن لبنان (كذا، كأن الموارنة ليسوا في سائر بلاد الله) وتسمى الآن (بالمارونية) نسبة إلى الراهب المذكور الذي صار أول عليها (كذا) حتى استوفت أنفاسها أيام ركبات (كذا) الفرنج الصليبيين على الشم سنة 1182، فأنهم جذبوا الموازنة إلى الخضوع لكنيسة رومية. . . إلا أنهم أبدلوا بدعة (المشيئة الواحدة) بما ابتدعته رومية من الأضاليل (كذا) بعد أن قطعتها الكنيسة عن شركتها في القرن الحادي عشر) أهـ. إلى آخر ما تكلم على هذا الطراز الدال على أدب وحسن ذوق
ورقة أخلاق مما يشف عن روح مسيحي يقاوم الشر بالخير!!! وما بعد هذا عبارات أخشن وأقذى وأقذع. سامحه الله وعامله باللطف والرحمة! فقد قال مثلاً في ص 228 ما هذا بحروفه:
(ولما نحجب نور الشرق عن رومية (كذا) تاهت كنيستها في شعاب الباطل (كذا) فأجفل منها معظم أوربا (كذا) متعوذين (كذا) بالمذهب البرتستاني. فأنشأت لهم (ديوان التفتيش) المشهور بفظائعه (كذا)، ثم لما سطع فجر العالم في أوربا (على يد البرتستانية التي قال عنها في ص 227 إلا أن هذه بدعة (بدعة محاربة صور الأولياء) تجددت في الشيع البرتستانية في أوائل القرن الخامس عشر ولا تزال ترمقها بأضرار جمة عاملة على تشعث (كذا) لغتها وتمرق (كذا) شملها وامتنع عليها إكراه الناس على التدين بما تمليه عليهم عمدت إلى دها. الرهبانيات كالجزويت (كذا) والكبوشيين وغيرهم فاستغوت بالمال (كذا) حزائق من الطوائف الشرقية القديمة منها حزيقة الروم الكاثوليك الذين استغوتهم من الملة الأرثوذكسية فانتحلوا لأنفسهم وصف (الملكيين) ليوهموا الناس أنهم الأصل ولكن لم يوهموا إلا أنفسهم. . .) إلى آخر ما قال وكل ما جرى فيه قلمه على هذا النغم الطافح
بالأوهام التاريخية الدال على مخالطة في العقل وخبط في الأحداث والأزمنة وجهل للتعبير للفصيح المانوس وولع بالسب والشتم والثلب والقدح بالكبير والصغير.
ونحن لا نريد أن نجيب عن هذه السفاسف لبيان ما في تضاعيفها من السخف والدناءة والنذالة التي لا ترى إلا في أناس من أذناب الطغام والسفلة لكنا نحيله على ما كتبه أبناء حزيقته (في المقتطب 76: 22) وهو الكاتب الكبير والمحامي الشهير سامي الجريديني وهذا نصه:
(. . . وعظمة الكنيسة البابوية سر من أسرار الدهر - حاربتها السلطات الزمنية دهوراً طوالا فأخذت ما كان لها من قوة عالمية، وظن أعداؤها أن قد حان أجلها فإذا هي مجردة عن السيف أقوى واثبت منها وسيف الدنيا مصلت على رقاب الملوك والشعوب. و (انشقت) عنها الكنيسة البرتستانية (ومن قبلها الأرثوذكسية (أتسمع يا حضرة الارشمندريت توما ديبو المعلوف والمتكلم
هو أحد إتباع انشقاقك) فإذا هذه تلبس لباس الشرق وما عليه من (خيال وسفسطة وبلاء) وما البابوية (فراسخة) تمتد فروعها إلى كل الأنحاء (وأصولها إلى السماء). ذلك لأنها تكيفت مع الزمن وهذا هو سر العظمة في (نظامها العجيب). . .) أهـ.
أفتستطيع يا حضرة الارشمندريت أن تقول مثل هذا المقال عن حزقك أو حزقتك أو حزيقتك أو حازقتك أو ما يحزقك؟.
أي فرق بين ما خطته يراعتك وما كتبه الأب لويس شيخو اليسوعي عن الكثلكة (من ص 230 إلى ص 236) وما حرره الخوري بطرس غالب (من ص 236 إلى 238) وما نمقه القس أسعد منصور (من ص 238 إلى 245) ففي كلام هؤلاء الكتبة كلهم رزانة وعلم واقتدار وحسن تعبير وكلها مزايا ظاهرة للقارئ وللناقد ولا يرى منها شيء في ما سودته من الصحائف. ولو كانت مجلتنا موقوفة للمباحث الجدلية والدينية لأطلعناك على ما في كلامك من الأوهام التاريخية والمزاعم الباطلة والمفاسد المقلقة للمحبة والألفة: إلا أننا نشير إليها إشارة لكي لا تغر بسكوت الأكثرين وهم لم يسكنوا إلا لأنهم لم يروا في أنفسهم حاجة إلى الرد، إذ من شأن الباطل التفسخ والاضمحلال من نفسه.
والذي استغربناه أن يكون لمقال حضرة الارشمندريت التقدم على كلام سائر الذين عالجوا
بحث الدين في (خطط الشام) مع أن الكثلكة أقدم عهداً في العالم من الفرقة الأرثوذكسية (المنشقة منها) بحسب ما أريده سامي بك الجريديني وكل من سبقه في موضوع التاريخ الديني.
نقف عند هذا الحد من النقد لئلا يمتد بنا إلى أجزاء عدة فسيكثره القراء فيسأمونه. وكنا نود أن يلطف حضرة المؤلف عبارة الارشمندريت بعبارات قلمه لكي لا يكون الكتاب أداة لجرح العواطف في أي فريق كان من سكان رقعة الشام المباركة.
والذي نوجه إليه الأنظار أن الأستاذ محمد كرد علي أظهر من الشجاعة الأدبية ما لم يظهره أي مؤلف شرقي كان في بلادنا وذلك أنه ذكر في آخر هذا الجزء السادس أقوال المنتقدين واحداً بعد واحد بلا خوف ولا وجل. وهذه
مزية تفرد بها حضرته مما يدل على علو نفسه ومقامه وسمو أدبه وعلمه فنمحضه التهنئة ونتمنى لكتابه هذا كل رواج وانتشار.
الأغاني
الجزء الأول
21 -
ورد في ص 35 من تصدير هذا الجزء الأول من الأغاني في مختصري الأغاني ما صورته: ومنهم أبو القاسم عبد الله المعروف بابن باقيا الحلبي المتوفي سنة 485 قلنا: هكذا رأينا (باقيا) بالباء الموحدة والذي في تاريخ أبن خلكان من ترجمه المذكور ما نصه (وناقيا بفتح النون وبعد الألف قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها مفتوحة وبعدها ألف) وذكر أبن خلكان أنه كان من أهل بغداد وتوفي فيها.
أما أن المختصر (حلبي) وأنه (أبن باقيا) فقد نقل من كتاب (كشف الظنون) والخطأ سار منه في كل طبعاته الأستانية والفرنجية والمصرية، ولعل باقيا فيه من أغلاط الطبع.
22 -
وقالوا في هامش ص 112 (قدوم الوليد بن عبد الملك مكة واجتماعه بعمر) وليست (اجتمع به) من الفصاحة على شيء والاجتماع مصدر لاجتمع فله ههنا ما لفعله من التشارك فالصواب اجتماعه هو وعمر) أو اجتماعه مع عمر) لجواز وضع (مع) في موضع الواو العاطفة في الفاعل والافتعال المؤذنين بالتشارك.
23 -
وجاء في ص 122 (سئمونا وما سئمنا جواراً) فعلقوا به (في ح. ر: سقاما، وفي ديوانه بين) قلنا: أن سقاما ههنا محرف عن (مقاما) وقد ورد في ص 106 فارجعوا إليه.
24 -
وقالوا في ص 131 (النكباء: الريح التي تنكب عن مهاب الرياح) قلنا: ورد في 3: 20 من الكامل (والنكباء: الريح بين الريحين لأن الرياح أربع وما بين كل ريحين نكباء فهي ثمان في المعنى) وهذا أوضح لطلاب الأدب.
25 -
وورد في ص 136 قولهم (بأربعة وجوه) والفصيح (أوجه) بالقلة.
26 -
وروي في ص 137 (أنين مكاكي فارقت بلداً خصباً) ومما علقوه عليه (وفي ديوانه المطبوع بليبزغ: مكاك بحذف الياء وهو غير جائز) قلنا أن ذلك جائز وقد روينا في المادة 12 من نقدنا هذا قول المبرد (الأواسي: ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر) وفي (م ن ي) من مختار الصحاح (والأمنية واحدة الأماني. قلت يقال في جمعها: أمان وأماني بالتخفيف والتشديد) وقال المبرد في ج1 ص 198 من الكامل (ويقال في قلبي منك حوجاء إي حاجة ولو جمع على هذا لكان الجمع: حواج، يا فتى! وأصله: حواجي، يا فتى! ولكن مثل هذا يخفف كما تقول في صحراء: صحار يا فتى! واصله: صحاري) أهـ. فمنع جواز التخفيف إذن غير جائز.
27 -
وقالوا في ص 152 (المقصد: من طعن أو رمي بسهم فلم يخطئ مقاتله) والصواب (فلم تخطأ) لأن المقصد بضم المقصد بضم الميم وفتح الصاد مذكر ولأن الفعلين السابقين مبنيان للمجهول.
28 -
وقالوا في ص 154 (والبلاقع: جمع بلقع وهي الأرض القفراء) والصواب (القفر أو القفرة) فلا قفراء في العربية بهذا المعنى ونظن وأن هذا الوهم من وجودهم (قرا) في القوافي وظنهم أنها مقصورة من (قفراء) لضرورة الشعر. وفي ص 195 من هذا الجزء.
وبجيد آدم شادن خرق
…
يرعى الرياض بلدة قفر
29 -
وقالوا في ص 172 (وفي سائر النسخ - متزوجة بابن عم - قال في اللسان نقلا عن التهذيب: وليس من كلامهم، تزوجت بامرأة ولا زوجت منه امرأة، وقوله تعالى: وزوجناهم بحور عين، أي قرناهم بهم، وقال الفراء تزوجت بامرأة لغة في أزد شنوءة) أهـ. قلنا: فما لكم قلتم في هامش ص 233 (تزوج الثريا بسهيل)؟. أما (زوجه منها) فنراه فصيحاً، ففي ص 341
من هذا الكتاب قول نصيب (أزوجت أبني هذا من ابنة أخيك) وفي الأغاني (3: 363) قول أبي عبيدة (خطب النوار. . . وكان أبن عمها دنيه ليزوجها منه)
وفي الكامل 2: 107 ما نصه (فخطب عبد الله فزوجها من المصعب) وفي ص 62 يذكر امرأة تزوجت من غير كفء) وفي 3: 122 ما نصه (فتكلم الحسين فزوجها من القاسم) وبعد هذا قول الحسين بن علي عليهما السلام لمروان (فتكلمت أنت فزوجتها من عبد الله بن الزبير) وأما (زوجها به) فقد ورد في ص 484 من جزء الأغاني هذا وهو قول جندب بن عمرو ل (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (يا أمير المؤمنين، أن وجدت لها كفئاً فزوجه بها ولو بشراك نعل).
وأما (تزوج بها) ففصيح: وفي الكامل 2: 167 قول الوليد بن عبد الملك لعلي بن عبد الله بن العباس (إنما تتزوج بأمهات الخلفاء) وسيستغني القارئ بما ذكرنا له عن مراجعة معاجمنا الناقصة. وبما في الأساس ونصه (وتزوجت فلانة وبفلانة وزوجنيها فلان وزوجني بها) وبما في المصباح ونصه (قال الأخفش ويجوز زيادة الباء فيقال: زوجته بامرأة كتزوج بها.
30 -
وقالوا في ص 122 (يريد أنهن بعد أن تأملن في أنكرنني بعد أن عرفنني) وفي الجملة غلطان أولهما تعديتهم (تأمل) بفي وهو متعد بنفسه دائماً والآخر جعلهم (إنكارهن له) بعد التأمل وبعد العرفان معاً ولا يصح ذلك فلا يقال (جئت بعد أن خرجت، بعد أن جلست) فالصواب (أنهن تأملنني فأنكرنني بعد أن عرفنني).
31 -
وورد في ص 191 قول عمر أبي ربيعة (فخرجت خوف يمينها فتبسمت) وفي الكامل 1: 205 (فخرجت خفيفة قولها فتبسمت).
32 -
وقالوا في ص 236 (المراد أنه أرسل لها كتاباً مكتوباً) والصواب (بكتاب) لأنه لا يرسل وحده فيكون على حد قوله تعالى (وأني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) ولا يجوز إرادة (أرسله بمعنى أطلقه) كما جاء وهما في شرح الطرة.
بغداد: مصطفى جواد
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 -
المكان العربيان يتلاقيان
نهض صاحب الجلالة ملكنا المحبوب من حاضرته في الساعة التاسعة والربع من مساء الخميس 20 فبراير (شباط) فركب القطار وشيعه أصحاب المعالي الوزراء وحضرات الأعيان والنواب ورؤساء الدواوين. وكان في القطار فخامة السير فرنسيس همفريز المعتمد السامي ومعه قرينته وكريمته وقائد القوات الجوية في العاصمة.
وفي اليوم الثاني في الساعة الخامسة وصل القطار إلى محطة معقل في البصرة ومنها سار الموكب إلى الباخرة العراقية (نرجس) ومنها إلى الباخرة الإنكليزية التي تمت فيها مواجهة الملكين الجليلين فطابت ثمرتها إذ وقع الاتفاق على أسس المعاهدة وفي 24 فبراير أبرق ممثلو الصحف الثلاثة (رفائيل بطي عن (البلاد) وسليم حسون عن (العالم العربي) واميل كرمي عن (الأوقات البغدادية)) هذه البرقية (في 23 فبراير):
(توالت اجتماعات الوفدين بنجاح عظيم وحصل الاتفاق على أسس المعاهدة التي ستعقد وقبلت نجد النظرية العراقية في كيفية حل مسألة المخافر، وتسوية المنهوبات، وحسن الجوار، وحسم سائر المسائل المعلقة والمأمول توقيع الأسس اليوم. وأقيمت الآن مأدبة فخمة لتكريم الملك أبن سعود في الباخرة العراقية التي رست في الفاو ظهراً.
(وفي 24 فبراير): انتهت الاجتماعات أمس بالاتفاق: أولاً على التحكيم في قضية المخافر بعد بضعة أشهر - ثانياً تأليف محكمة من الفريقين لتسوية المنهوبات حسب معاهدة بحرة - ثالثاً تأجيل البحث في تبادل المجرمين - رابعاً إطلاق حكومة العراق سراح أبن مشهور وإتباعه الذين نالوا أمان أبن سعود - خامساً تم التفاهم على مشروع اتفاقية حسن الجوار المتضمنة المناسبات المتقابلة على الحدود والصلات الودية والتمثيل السياسي وتنقل عشائر الطرفين وتعاون الطرفين على الحدود.
سيجري عقد هذه الاتفاقية بعد سبك صيغتها النهائية - سادساً يعقد مؤتمر لإنجاز كل هذه المسائل بعد الحج - تبودلت المكاتبات الرسمية بهذه النتيجة - تحركت الباخرة صباح اليوم عائدة - يصل الموكب بغداد قبل ظهر الثلاثاء (25 فبراير).
2 -
وفاة الشيخ شعلان أبو الجون
أنتقل إلى دار البقاء في 29 ك 2 (يناير) الشيخ شعلان أبو الجون رئيس عشيرة الظوالم وكان من أعلام الثورة الوطنية في سنة 1920 ونائباً عن الديوانية في المجلس التأسيسي وكان ممن صرحوا برفض المعاهدة والانتداب البريطاني رفضاً باتاً، تغمده الله برحمته.
3 -
الكرنك لورنس في كردستان وسورية وشرقي الأردن
أشاعت صحف العراق أن الكرنك لورنس كان في هذا الشتاء في ديار كردستان فكذبت الخبر مديرية المطبوعات ثم جاء في جريدة (القبس) الدمشقية أن الكرنك المذكور مر ببيروت متخفياً وأقام فيها يومين بزي بدوي. ثم ذهب منها إلى شرقي الأردن فاعتقل في عمان عاصمة شرقي الأردن باسم نكرة أي باسم إنكليزي بزي بدوي يتقن العربية.
4 -
القاصد الرسولي
هبط الحاضرة في الساعة الرابعة يوم الأحد 16 شباط (فبراير) سيادة القاصد الرسولي انطونين درابية رئيس أساقفة نيكسار ومعه الأب روسل الدمنكي رئيس مبعث الموصل فاستقبله أرباب الدين النصراني بجميع طبقاتهم ورحبوا به أعظم ترحيب وخرج بين يديه طلبة المدارستين اللاتينية والسريانية وتلميذات الراهبات فكان لقدومه استقبال حافل ندر أن يكون له نظير ونزل سيادته ضيفاً على الباء الكرملين. فأهلا به وسهلاً.
5 -
تسليم الثوار النجديين
كان فيصل الدويش وابن حثلين وأبن لامي ومن لف لفهم ثاروا على أبن سعود ملك نجد والحجاز وفي نيتهم أن يقلبوا الحكومة رأساً على عقب فطاردهم الملك الباسل حتى لم يبق لهم ملجأ يلوذون إليه فاضطروا إلى أن يسلموا أنفسهم إلى الإنكليز ليتقوا الموت الزؤام. فألح صاحب الجلالة السعودية على الإنكليز أن يسلموا إليه هؤلاء الشيوخ المفسدين فأبوا في أول الأمر ثم ألح فألحف في الطب حتى دفعوهم إليه في 28 يناير وكان الإنكليز قد نقلوهم إلى دراعة
لهم في البحر على متن طيارة.
6 -
أبن مشهور
ابن مشهور شيخ من شيوخ الرولة وأبن عم نوري الشعلان رئيس الرولة في سورية. وكان أبن مشهور في الأراضي النجدية مع من ينتسب إليه وبعد نشوب ثورة الدويش أنضم إليه ولما دحر هذا الشيخ ومن معه فر أبن مشهور مع أتباعه إلى حكومة العراق ويقال أن حكومة أبن سعود تطلب تسليمه إليها وتطالب به أيضاً السلطة الفرنسية في سورية. ثم عفا عنه وعن إتباعه جلالة ابن سعود فأطلقت الحكومة العراقية سراحه.
7 -
كسوة الحكم والقضاء
صدرت الإرادة الملكية بأن يرتدي الحكام والقضاء في أثناء المرافعات منذ 1 نيسان 930 بالملابس الآتية: -
1 -
معطف أسود ذو كمين عريضين مستطيلين (2) طوق أبيض منشى (3) ربطة بيضاء (4) سيدارة سوداء وفقاً للأمثلة المحفوظة في ديوان وزارة العدلية.
أما الذين يرتدون اللباس العلمي فعليهم أن يلبسوا حبه سوداء أثناء المرافعات.
7 -
كيفية تسليم الثوار إلى أبن سعود
قال أحد القادمين من معسكر أبن سعود: شاهدت الثوار في أثناء تسليمهم، وقد حشدوا في خيمة وضع عليها الحرس الكافي وفي هذه الخيمة قيدت أرجلهم وأيديهم بسلاسل من حديد وبعد هنيهة حضر جلالة الملك فوقف يشاهدهم وعلامات الكدر مرتسمة على وجهه الكريم بصورة واضحة شفقة على أولئك الجهلاء الذين خدعوا فتورطوا بحمأة الشقاء والتعس فاستحقوا لعنات التاريخ من جراء الأعمال المنكرة التي ارتكبوها وبعد أن بقي الملك واقفاً يشاهد هذا المنظر المؤلم زهاء خمس دقائق عاد إلى مقره وأمر أمراً باتاً بإرسال الثوار مخفورين إلى الرياض حيث يبقون مسجونين ريثما يعود جلالته إليها فتحكم الشريعة في مصيرهم.
هذا ويتذكر القراء أن الزعماء المذكورين سلموا إلى السلطة البريطانية في 8 كانون الثاني في منطقة الكويت وعلى هذا لم يتجاوز بقاؤهم في أسر الإنكليز عشرين يوماً، وهكذا كان موقف الحزم الذي وقفه الملك عبد العزيز آل سعود بازاء قضية التجاء زعماء
الثوار إلى الحكومة البريطانية أثره البليغ في هذه القضية فقد أضطر الإنكليز في سواحل الخليج
الفارسي إلى النزول على الأمر الواقع فسلموا الثوار إليه، وبعد تسليم الثوار فوزا مبيناً لسياسة ابن سعود يستحق عليها التهنئة من جميع المشتغلين بالقضية العربية.
8 -
حكومة أبن سعود تعترف بحكومة أفغانستان الحالية
تفيد أخبار الحجاز أن حكومة جلالة الملك أبن سعود أبلغت وزارة خارجية أفغانستان رسمياً الاعتراف بها على لسان البرق وهذا نص البرقية التي أرسل بها وكيل الشؤون الخارجية ودونكها بحروفها:
وزير الخارجية الأفغانية - كابل لقد أحطت علم حكومة جلالة الملك ببرقيتكم التي نقلتم إلي فيها خبر انتهاء الفتنة الأهلية في أفغانستان وانتخاب الأمة الأفغانية بالإجماع لحضرة صاحب الجلالة محمد نادر خان للجلوس على عرش المملكة ونظراً للروابط الدينية والعواطف الإسلامية المتبادلة بين بلادينا فقد حكومة جلالة الملك هذا النبأ بكمال السرور وعهدت إلي أن أبلغكم رسمياً أنها تعترف في هذا اليوم بحضرة صاحب الجلالة محمد نادرخان ملكاً على أفغانستان.
فؤاد حمزة وكيل الشؤون الخارجية
9 -
مدير المعارف العام
قدم صاحب السعادة رشيد بك الخوجة من ديار مصر في أواخر العقد الثاني من شهر شباط (فبراير) وباشر أعماله الجديدة نهار الخميس ال 20 منه. فنتمنى له النجاح والسعي الحثيث في هذه الإدارة.
10 -
المفتش المالي العام
انتهت خدم سعادة اسقان بك المفتش المالي العام منذ صباح أول شباط من هذه السنة. فأسف موظفو الوزارة على فاقة لما أظهره من الاستقامة وحسن الإدارة والكفاية في مدة السنوات الخمس التي قضاها في خدمة وزارة المالية وكان في أثنائها موضع تقدير واحترام جميع الموظفين من عراقيين وبريطانيين. ومثال جد واجتهاد نادر المثال.
11 -
وكيل المفتش المالي العام
أودعت وزارة المالية وظيفة المفتش المالي العام وكالة إلى عهدة يوسف بك عز الدين آل إبراهيم باشا الهمام
من الدرجة الأولى وباشر وظيفته منذ أول فبراير.
12 -
وفاة ممتاز بك
استأثر الله ليلة 6 فبراير (شباط) بممتاز بك أبن رشيد أفندي الدفتري ووالد علي بك المعاون لمديرية الواردات العامة فتوفي فجأة ومشى في موكبه المهيب كبار موظفي الدولة وجم غفير من وجوه البلدة.
نشأ الفقيد في دار السلام وتلقى علومه في المدرسة الملكية الشاهانية في الآستانة وعين بعد ذلك قائم مقام في عدة مدن من العراق وبعد نشوب الحرب العظمى بسنتين أحيل إلى الاستراحة وفي سنة 1920 قبل أن يكون قائم مقام في الكاظمية أجابه لإلحاح الأصدقاء عليه وكان أول قائم مقام نصب بعد تسلم الدولة العراقية الحكم في هذه الديار وبقي هناك أربعة أشهر ولما شاهد الثورة العراقية مشتعلة والمحتلين يشدون الإرهاق استعفى ولازم دارة إلى أن وافاه القدر المحتوم وكان قد بلغ من السن الثالثة والستين فنقدم إلى المنتمين إليه ولا سيما نجله النجيب علي بك عبارات التعزية والسلوان.
13 -
انتشار الأمراض الاجتماعية في العراق
انتشر القمار والفحش وشرب المسكرات انتشارا هائلاً في العراق وقد حملت لها عليها. أما القمار فأنه دخل بيوت الخواص فضلاً عن بيوت العوام والأندية والمقاهي وشوارع المدينة. والمومسات يتنزهن في الأزقة وفي السيارات والعجلات داعيات الشبان إليهن. والمسكرات أفلست أرباب البيوت إذ كثيراً ما يرى أصحابها يتركون عيالهم يتضورون وهم يصرفون أموالهم على مشترى تلك المسكرات ويعاقرونها من غير رحمة وحنان على أفلاذ أكبادهم فعسى أن تأخذ الحكومة الوسائل الفعالة لقطع دابر هذه الأدواء الهائلة النتائج.
14 -
عشائر المياح والبيكات
اختلفت عشائر من قبائل البيضان وقبائل البيكات في أرض السكنى والحكومة ساعية في إصلاحه ذات البين بين الجمعين.
(تصحيحات)
ص 164 س 24 إلى: على - ص 169 س 8 ضفة: ضفتي - ص 183 س 1 يقتص: يقتنص - 205 س 9 بن: بين.
العدد 79
- بتاريخ: 01 - 04 - 1930
الفتوة والفتيان قديما
الكشف والكشافة حديثاً
الفتوة مذهب حيوي ديني سلك بعد ظهور الإسلام لتهذيب الأخلاق ونعش النفوس وبث العبقرية وتوكيد المؤاخاة بين الناس والدعوة إلى الفضائل والشجاعة والتجافي عن الرذائل والجبن. فالفتوة عند الفتيان هي استجماع النعوت الكريمة والأخلاق القويمة والطباع السليمة والجراءة والإقدام ولا سيما السخاء والكرم.
مبعث الفتوة
إن الفتيان ينسبون طريقتهم هذه إلى الإمام علي عليه السلام على ما سنذكره من الحوادث فهو قدوتهم فيه وفيه أسوتهم ويؤمنون بأنه أول الفتيان وأقدسهم لورود (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) في فتوته المقدسة وشجاعته الفذة. وقد قال الشريف الجرجاني في كتاب (التعريفات) الفتوة في اللغة: السخاء والكرم. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هي أن تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة) وباستمرار الأزمان على الفتوة صارت رتبة تقام لها الإقامات والحفلات ولها شعار ولباس خاصان بها فأشبهت الرتب السلطانية التي يوصل
إليها الخليفة أو من ينوب عنه ونقل جرجي زيدان في (153: 5) من تاريخ التمدن الإسلامي أن الناصر لدين الله العباسي كتب سنة 607هـ إلى ملوك الأطراف الذين يعترفون بخلافته أن يشربوا له كأس الفتوة ويلبسوا سراويلها وأن ينتسبوا إليه في رمي البندق ويجعلوه قدوة لهم.
التفتي وشعار الفتوة
يقال: فتى فلان فلانا تفتيه أي جعله فتى من الفتيان. فتفتى هو أي صار فتى. أما شعار الفتوة فقد كان (سراويل) تسمى سراويل الفتوة وينقش صورة كأس أو سراويل أو صورة كلتيهما فيتخذ الفتى هذه الصورة رمزا إلى انه من الفتيان. وإذا رغب امرؤ في التفتي فتقام له إقامة يشهدها الفتيان فيلبس سراويل الفتوة ويشرب كأس الفتوة. وفي صفحة 80 من نسختنا الخطية لتاريخ (الحوادث الجامعة) في حوادث بغداد وما جاورها ما نصه (وفيها -
أي سنة 646 الهجرية - توفي جلال الدين عبد الله بن المختار العلوي الكوفي. كانن عريق النسب كبير القدر أديبا فصيحا، حفظ القرآن في نيف وخمسين يوما. . . وكان يحضر عبد الخليفة الناصر في رمي البندق والفتوة ولعب الحمام، وكان يفتى فيه ويرجع إلى قوله، ولم يزل على ذلك إلى أيام الخليفة المستنصر بالله فأشار عليه أن يلبس سراويل الفتوة من أمير المؤمنين علي عليه السلام وأفتى بجواز ذلك فتوجه الخليفة إلى المشهد ولبس السراويل عند الضريح الشريف، وكان هو النقيب في ذلك) اهـ فالتفتية إذن كانت من حق العلويين ولها عظمة وآبهة يتشرف بها الخلفاء فكيف السوقة؟ وفي صفحة 236 من تاريخ الفخري كلام في الناصر لدين الله منه:(وسمع الحديث النبوي صلوات الله على صاحبه وأسمعه، ولبس لباس الفتوة وألبسه وتفتى له خلق كثير من شرق الأرض وغربها ورمى بالبندق ورمى له ناس كثير) فالناصر لدين الله كان رئيس الفتيان في زمانه وكان الرماة يرمون باسمه والظاهر لنا من هذا انهم يذكرون اسمه حين الرمي.
تطورات الفتوة
حكم التطور جار على كل أمور الدنيا ولذلك تطورت الفتوة أطوارا شتى فدخل فيها الغناء ورمي البندق وتطيير الحمام للمسابقة وقد دعا ذلك إلى تسطير كتب في انساب الحمام كما ألفوا قبلا كتبا في انساب الخيل ومن براهين ذلك أن عبد الله بن المختار العلوي عين كاتب شرائج الحمام ولم يزل على ذلك إلى أيام المستعصم بالله وقد ضبط أنسابها في الدساتير.
وفي سنة 626هـ نفذ (فخر الدين أبو طالب احمد بن الدامغاني) والشيخ (أبو البركات عبد الرحمن) والأمير (فلك الدين محمد بت سنقر الطويل) إلى (جلال الدين منكوبري بن خوارزمشاه) وهو يومئذ على مدينة (خلاط) محاصرا لها ومع هؤلاء تشريفات وكراع ولباس الفتوة، وقد وكل الخليفة المستنصر (فخر الدين بن الدامغاني) والشيخ أبا البركات في تفتيته، وكان هؤلاء الثلاثة المرسلون صادفوه خارج مدينة (خلاط) للحصار فخلعوا عليه ما أرسل به الخليفة إليه والبسوه سراويل الفتوة.
وفي سنة 634 حضر (عبد الله الشرمساحي مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية (بالبدرية) عند شرف الدين إقبال الشرابي وأنعم عليه بلباس الفتوة نيابة عن الخليفة) ذكرنا هذه الحوادث ليتحقق القارئ أهمية الفتوة وتنفيذها.
الفتوة في زمن الأمويين
روى أبو الفرج الأصفهاني في ص245 ج2 من الأغاني في أخبار (حنين الحيري) المغني ما نصه: (كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة وكان لطيفا في عمل التحيات فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت - الفتيان - ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين إلى الحيرة ورأوا رشاقته وحسن قده وحلاوته وخفة روحه استحلوه) فهذا الخبر يدل على أن الفتيان في ذلك العهد قد عكفوا على التنعم واستهوتهم الملاهي وتمكنوا من الدرز وقد وصف لنا عيشتهم بما رواه في ص246 عن حنين نفسه، قال حنين (خرجت إلى - حمص -
التمس الكسب بها وارتاد من استفيد منه شيئا فسألت عن - الفتيان - بها وأين يجتمعون فقيل لي: عليك بالحمامات فانهم يجتمعون بها إذا أصبحوا، فجئت إلى أحدها فدخلته فإذا فيه جماعة منهم، فأنست وانبسطت وأخبرتهم أني غريب ثم خرجوا وخرجت معهم فذهبوا إلى منزل أحدهم فلما قعدنا أتينا بالطعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا فقلت لهم: هل لكم في مغني يغنيكم؟ قالوا: ومن لنا بذلك؟ قلت: أنا لكم به هاتوا عودا فأتيت به فابتدأت في هنيات أبي عباد معبد فكأنما غنيت للحيطان لا فكهوا لغنائي ولا سروا به) اهـ وليس لهؤلاء الفتيان مزية سوى إضافة الضيفان وإعانة اللهفان، إذ ليس في هذه الأخبار ما يدل على التأله.
الاخية فرقة من الفتيان
ذكر ابن بطوطة في رحلته جماعات (الاخية) وواحدهم (أخي) مضافا إلى ياء المتكلم ورئيسهم (أخي) أيضاً وأنهم بجميع البلاد التركمانية الرومية في كل بلد ومدينة وقرية ووصفهم بأنهم لا يوجد في الدنيا مثلهم اشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج والأخذ على أيدي الظلمة وقتل الشرط ومن لحق بهم من أهل الشر ورئيسهم رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبان الأعزاب والمتجردين ويقدمونه على أنفسهم ويبني الرئيس زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات أم اتباعه فيسعون في النهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما اكتسبوه فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك مما ينفق في الزاوية فان ورد في ذلك اليوم مسافر أنزلوه
عندهم ولا يزال عندهم حتى ينصرف وان لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعاتهم في الغدو وأتوا بعد العصر إلى مقدمهم بما تيسر لهم ويسمون بالفتيان ويسمى مقدمهم الاخي ووصفهم أن لباسهم الأقبية وفي أرجلهم الأخفاف وكل واحد منهم متحزم على سكين طوله ذراعان وعلى رؤوسهم قلانس بيض من الصوف بأعلى كل قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض إصبعين، هذه خلاصة ما ذكره ابن
بطوطة في كلامه على مدينة (أنطالية).
وقال في مدينة قونية (نزلنا منها بزاوية قاضيها ويعرف بابن قلمشاه وهو من الفتيان وزاويته من اعظم الزوايا له طائفة كبيرة من التلاميذ ولهم في الفتوة سند يتصل إلى أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب عليه السلام ولباسها عندهم السراويل كما تلبس الصوفية الخرقة) اهـ كلامه بنصه، وهذا الخبر يؤيد ما قلناه من أن الفتيان ينتسبون إلى علي عليه السلام.
الفتوة المذهبية
قال ابن جبير الكناني في ص 260 من رحلته مطبعة السعادة (وسلط الله على هذه الرافضة طائفة تعرف بالنبوية سنيون يدينون - بالفتوة - وبأمور الرجولة كلها وكل من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه منهما يحرمونه السراويل فيلحقوه بهم ولا يرون أن يستعدي أحد منهم في نازلة تنزل به، لهم في ذلك مذاهب عجيبة وإذا اقسم أحدهم بالفتوة بر قسمه وهم يقتلون هؤلاء الروافض أينما وجدوهم وشأنهم عجيب في الألفة وائتلاف) اهـ من كلامه على مدينة دمشق وهو يدل على أن الفتوة في تلك الربوع كانت تعصبية بحتة ولا خلاص من التعصب فانه مباءة كثير من الأرواح والدين مع النفس والحق مع العقل ولا يغلب عقل امرئ نفسه إلا بتوفيق من الله عظيم.
الرمي في الفتوة
كان غالب رمي الفتيان لإظهار الحذق والمهارة وقد كان صبيان المدينة المنورة في زمن الأمويين يتدربون على رمي السهام عن القسي للتمرن واللعب واستفاض ذلك بين الناس حتى كان بعض الخلفاء الأمويين يقضي هو ووليجته الأوقات في الرمي إلى هدف معلق
في الهواء تسلية للنفس وتمرنا على هذا الفرع من فروع الشجاعة فقد روى مؤلف كتاب (صحيفة الأبرار) ص361 من الجزء الأول عن دلائل الطبري أن هشام بن عبد الملك أمر بأشخاص محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق (ع) إلى دمشق فاشخصا ودخلا عليه قصره وهو قاعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم متسلحين وقد نصب البرجاس حذاءه وأشياخ قومه يرمون فقال هشام لمحمد الباقر (ع) يا محمد ارم مع أشياخ قومك
الغرض، يريد أن يظهر عجزه ويضحك منه فاستعفى الإمام من ذلك فلم يعفه فتناول عند ذلك قو شيخ من الأشياخ ثم تناول سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصب السهم فيه ثم رمى فيه ثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة اسهم بعضها في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم هل زعمت انك كبرت عن الرمي؟ ثم قال: يا محمد لا يزال العرب والعجم يسودها قريش ما دام فيها مثلك لله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟ فقال له الإمام: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين من ذلك عدت فيه، فهذا دليلنا على ما ذكرناه من أن الرمي كان يتعاطاه الشبان ضربا من الشجاعة واللهو ولإقبال الناس على هذا الضرب من اللهو تنوع الرمي ففي ص 256 من شرح الطرة قول الحريري:(ويقولون للقناة الجوفاء التي يرمى عنها بالبندق: زربطانة والصواب: سبطانة) قال الشارح: (واستعمال زربطانة واقع في كلام المولدين كقول ابن الحجاج:
به ترمي لحى متعشقيها
…
كما يرمي الفتى بالزربطانة
وفي مادة (ح س ب) من المصباح المنير ما عبارته: (وقال الأزهري: الحسبان مرام صغار لها نصال دقاق يرمى بجماعة منها في جوف قصبة فإذا نزع في القصبة خرجت الحسبان كأنها قطعة مطر فتفرقت فلا تمر بشيء إلا عقرته) وقال في ب د ق (والبندق أيضاً ما يعمل من الطين ويرمى به الواحدة بندقة) وقال في ج ل هـ (والجلاهق بضم الجيم: البندق المعمول من الطين الواحدة جلاهقة وهو فارسي لان الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية ويضاف القوس إليه للتخصيص فيقال: قوس الجلاهق) وكان الرماة يتخذون البندق من الحجارة والرصاص ايضا، ونقل جرجي زيدان في 153: 5 من تاريخ التمدن
الإسلامي عن 90: 3 من تاريخ ابن الأثير أن العرب اقتبست لعبة الرمي بالبندق في أواخر عثمان بن عفان (رض) ونقل عن الأغاني 93: 20 أن رماة البندق في العصر العباسي طائفة كبيرة يخرجون إلى ضواحي المدن يتسابقون في رميه على الطير ونحوه، وقال في ص154 (ومن قبيل رمي البندق رمي النشاب في
البرجاس وهو غرض في الهواء أو على رأس رمح أو نحوه يطلبون إصابته بالنشاب وهي لعبة فارسية أول من لعبها من الخلفاء الرشيد) قلنا: وهذا وهم منه فقد قرأت في ما نقلنا لك أن وليجة هشام بن عبد الملك كانت تتعاطى هذه اللعبة في مجلسه معه وروى مؤلف الحوادث الجامعة أن أحد أمراء الدولة الأيوبية كان يرمي الحمام في بيت الله الحرام بالبندق عدوانا على حرمته، ونرى انه قد نقض بفعله المثل المشهور (آمن من حمام مكة) وورد في ص17 من كتاب مناقب بغداد أن الوزير (عميد الدولة أبا منصور) خط السور على الحريم من بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وشرع الفعلة في بنائه وأذن للناس في الفرجة فعمل أهل سوق المدرسة قلعة خشب تسير على عجل وفيها الغلمان يضربون بقسي البندق والنشاب.
الفتوة وصيد السباع
في سنة 640 الهجرية سأل جماعة من شبان محال بغداد أن يؤذن لهم في الخروج إلى قتل السباع فأذن لهم جريا على القاعدة القديمة في أيام الخليفة الناصر لدين الله وانعم عليهم بشيء من البر فاجتمع من كل محلة جوق اللعابة بالدفوف والزمور والمغاني وسائر الملاهي. وكان هؤلاء الشبان كثيرا ما يتواثبون بعضهم على بعض على حسب المحال فيحدثون في بغداد فتنة كبيرة يكون القتل فيها من اسهل الأمور وان هذه الافعال مضادة للفتوة على الحقيقة والغالب في طرق الإصلاح أن تترامى الناس بها إلى الفساد، ومثل هذا الانقلاب انقلبت الفروسية التي نشأت في أوربة في القرون الوسط فإنها بنيت على حماية المظلوم والنساء ودفع الشر على غرار الفتوة لكن الأوربيين لم يحافظوا على قواعدها فنشأ منها ما خالف قواعدها.
الاقامات لصيد الرماة
في سنة 634 وصل إلى بغداد (بشر) خادم الأمير (ركن الدين إسماعيل)
ابن (بدر الدين
لؤلؤ) صاحب الموصل ونفران من رماة البندق ومعهم طائر قد صرعه (ركن الدين) وانتسب في ذلك إلى (شرف الدين إقبال الشرابي) فقبله وأمر بتعليقه فعلق تجاه (باب البدرية) وأمر أن ينثر عليه ألفا دينار ثم خلع على الخادم بشر والواصلين في صحبته وأعطاهم ثلاثة آلاف دينار. وفي سنة 635 علق (بباب البدرية) أيضاً طائر قيل انه رماه (كيخسرو بن كيقباذ) ملك البلاد الرومية ونثر عله ألف دينار وتولى هذه الإقامة أي الحفلة (عبد الله ابن المختار) العلوي الكوفي المار ذكره وكان مولد عبد الله سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وهاتان الاقامتان من مرويات الحوادث الجامعة. إلا أن اسم (عبد الله بن المختار) ورد خلوا من (العلوي الكوفي) واغرب ما ننقله أن الرمي اثر في الشعر زمن العباسيين فاستعمل في الشعر ألفاظ رماة البندق والتشبيه بالطيور المصروعة. وقد روي في حوادث سنة 629. من الحوادث الجامعة قصيدة عن ذلك الغرار.
الفتيان والكشافة
يستنبط مما سبق أن الفتوة قديما تماثل الكشف حديثا وان الفتيان في الإسلام يضاهون الكشافة اليوم في الممالك المتمدنة والمتمادنة. ويستحسن استبدال الفتوة والفتيان بالكشف والكشافة وكأن الداعي إلى هاتين الأخيرتين (السر بادن باول) رئيس الكشافة الأعظم وهو رجل حديث العهد فالكشف والكشافة لا تميل إليهما الأذواق العربية. حتى أني قلت متكلفا في قصيدة نشرتها في مجلة الكشاف العراقي:
سميت كشافا وأنى يصلح
…
خلل الحياة وناشر إرشادا
ومما تفاوت به فتيان جيلنا الفتيان القدماء: الاقتصاد: فإن أخبار أولئك مكتظة بإسرافهم وتجاوزهم حد الاقتصاد. وكذلك في الشفقة على الحيوان
لا على الإنسان وحده. والرأفة بالحيوان من جلائل الإسلام ومهماته فمن وصية الإمام علي (ع) قبل وفاته (والله الله في ما ملكت أيمانكم (فانه كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: (أوصيكم بالضعيفين في ما ملكت أيمانكم) قال ابن أبي الحديد في 45: 2 من شرحه (يعني به الحيوان الناطق والحيوان الأعجم).
هذا ما تمكنا من استقصائه على قلة علمنا وهو شيء يسير عسى أن يجد فيه القارئ لذة علمية أدبية وما كل حديث يعاب.
بغداد: مصطفى جواد
جعفر باشا العسكري
أطلعتنا أنباء لندن أن كتيبة دورست دعت جعفر باشا إلى وليمة الائتلاف التي أقامتها في ليلة 27 شباط، وكتيبة دورست هي التي أسرت جعفر باشا في موقعة فرقة الفرسان التي حدثت في طرابلس وكان جعفر باشا العسكري ضابطا عراقيا في الجيش التركي في أوائل الحرب الكبرى وكان يقود السنوسيين في الهجوم بهم على مصر. فاسر في تلك الواقعة واعتقل في القلعة بمصر. ولكنه حاول الفرار من معتقله إذ فتل حبلا من البطانية التي أعطيها ليلتحف بها وحاول أن ينزل بهذا الحبل من سور القلعة فانقطع به وسقط في الخندق فأصيب بكسر في ساقه وقد نقل إلى المستشفى وهناك قرأ في الصحف أخبار الثورة العربية وأتلاف الأتراك أصدقاءه العرب فقرر في الحال عدوله عن إخلاصه لحكومة تركية والتحق بمعسكر الأمير فيصل (جلالة ملكنا اليوم) وأسندت إليه القيادة العامة لجيوش الأمير فاظهر كفاية تامة في القيادة. وهو الضابط الوحيد الذي نال وسام الصليب الحديدي من حكومة ألمانية ووسام سي. أم. جي. من بريطانية أثناء الحرب العظمى. وجعفر باشا دخل مؤخرا امتحان مدرسة الحقوق (في لندن) فادى هذا الامتحان بتفوق عظيم.
(صورة) صاحب الفخامة جعفر باشا العسكري
لواء البصرة
توطئة
لواء زراعي مشهور بكثرة النخيل وجودة التمور. يحده من الشمال لواء العمارة ومن الجنوب خليج فارس ومن الشرق بلاد إيران ومن الغرب الصحراء الشامية وتقدر نفوس سكانه بنحو 600ر165 نسمة جلهم من المسلمين. هواؤه رطب ثقيل وماؤه عذب لأنه يتكون من نهرين عذبين عظيمين هما دجلة والفرات ومعظم أراضيه تسقى سيحا لان المد والجزر الناشئين من جاذبية الشمس والقمر وسيلانية الماء هما العاملان الأساسيان في صعود الماء وهبوطه والمد هو الذي يروي أراضي هذا اللواء ويجعلها غابة كبيرة من النخل فالماء في شط العرب يعلو في كل 24 ساعة مرتين فيسقي الأراضي الكثيرة بدون استعمال آلات السقي المختلفة فإذا أتم فعله عاد إلى حيث أتى.
ولقد كان هذا اللواء بؤرة أمراض في ما مضى من الأعوام لان الحمى تشتد فيه أشهر الصيف إذ ترتفع الحرارة أحيانا إلى درجة 51 مئوية فتخلق أنواع الأمراض أما اليوم فبوسائل التنظيف والتبريد خفت وطأة تلك الأمراض بل تكاد تكون معدومة. على أن اشتداد الحرارة في هذا اللواء من أقوى العوامل الفعالة في نمو الأثمار ونضاجها وتروج التجارة فيه رواجا عظيما فهو مفتاح باب التجارة العراقية ومخزن من مخازنها المهمة.
مركز اللواء
مركز لواء البصرة، مدينة البصرة وهي عظيمة لم تكن في أيام الفرس وإنما مصرها العرب أنفسهم وقد مصرت قبل الكوفة بسنة ونصف على ما قال الشعبي والبصرة في كلام العرب: الأرض الغليظة التي فيها حجارة صلبة تقطع حوافر الدواب وقد أطلقوها على المدينة التي شيدها عتبة بن غزوان عام 15 للهجرة بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب وخلاصة أمرها أن خالد بن الوليد لما تقدم لفتح العراق عام 12هـ سار إليه والبحر ونزل في موضع يسمى (الابلة) وكان بلدا
عظيما في زاوية الخليج الفارسي يتخذه الفرس مسالح لهم، فلما وصلت الأخبار إلى عمر عن تقدم المسلمين: ولى عتبة بن غزوان تلك الأطراف
وأمره أن يتخذ فيها مصرا للمسلمين فكان أول ما شيده عتبة في هذه البقعة مسجدا من قصب مع دار إمارة ثم صار المسلمون ينشئون المنازل من القصب أيضاً حتى إذا غزوا محلا نزعوا القصب وحزموه حالا فإذا عادوا من الغزو سالمين آمنين أعادوا المنازل إلى ما كانت عليه. ثم صارت البيوت تشيد بعد ذلك بالحجارة الصلبة فكثرت العمارة وتقدمت وصارت البصرة من الحواضر المهمة التي قل أن تماثلها بلدة بحسن عمارتها وعظمة بنائها وبهائها. ولم يلبث الدهر طويلا حتى قلب لها ظهر المجن فجعلها آكاما ترى اليوم على بعد ثمانية أميال من مدينة البصرة الحالية التي انتقلت إليها العمارة بعد خراب الأولى.
ولقد حدثت في هذه البقعة حوادث مهمة عظيمة ففيها التقى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) والسيدة عائشة (رض) وكانت قد خرجت لقتاله وهي على ظهر جمل فعرفت تلك الواقعة بواقعة الجمل. وفيها أسرف الخوارج في الفساد واستباحوا المنكرات حتى هزمهم الأمويين شذر مذر. وفيها وقعت حروب أبكار وعون بين الفرس والعرب حتى دخلت في قبضة آل عثمان عام 951هـ وكان آخر أمرها في دهرنا أن احتلتها الجيوش البريطانية في غرة المحرم الحرام سنة 1333 (22 تشرين الثاني 1914) ثم انتقلت إلى الحكومة العراقية الحالية بعد ذلك وهي تعلو عن سطح البحر ثماني أقدام وتبعد عن جتوبي بغداد 356 ميلا بالسكة الحديد التي أنشأتها الحكومة البريطانية أيام الاحتلال.
وفي هذه المدينة مبان جليلة وبيوت عامرة وجادات واسعة وخانات كثيرة ومساجد جميلة وفنادق أنيقة وحمامات منتظمة ومخازن تجارية مهمة ومدارس وكتاتيب عديدة وبساتين لا تحصى وجنائن لا تستقصي وغير ذلك من لوازم الحواضر الكبرى وهي تبعد عن ساحل شط العرب الأيمن بميل ونصف ميل في جهته الغربية وتقرب منها قصبة العشار الجميلة القاعدة على ضفة شط العرب اليمنى والتي هي اليوم بمثابة سوق للبصرة على رغم جسامة البصرة وكثرة جاداتها وبيوتها ومخازنها ونقاوة الهواء وعذوبة الماء فيها. وبين البصرة والعشار جادة
مستقيمة معبدة لسير السيارات والاهلين. وعلى بعد بضع أميال من البصرة ميناء فخم ترسى عنده البواخر التجارية والحربية ولهذا الميناء رصيف صناعي بديع ويقدر خشبه وسائر أدواته بنحو ثلاثة ملايين ربية وهو الوحيد من نوعه في العراق.
تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء البصرة من مركزه وثلاثة اقضيه مهمة. أما مركزه فمدينة البصرة التي تقدم البحث فيها. وأما اقضيته الثلاثة فهي - 1 - قضاء السيبة - 2 - قضاء شط العرب - 3 - قضاء القرنة. وها نحن أولا نبحث عن كل منها بقدر الإمكان.
1 -
قضاء السيبة
هذا قضاء حديث أحدثته الحكومة في الآونة الأخيرة أن وبعد أن تحسنت الأمور بين العراق وجارته إيران ولا توجد فيه أي ناحية بل هو يتقوم من مركزه فقط. ومركزه دار حكم مع مخفر الشرطة واقعين في قرية السيبة الواقعة على ضفة شط العرب اليسرى في محل يقابل بلدة عبادان التابعة لإيران ويبعد عن جنوبي البصرة 35 ميلا.
2 -
قضاء شط العرب
وهذا القضاء حديث أيضاً إلا أن توابعه قديمة في التنظيمات الإدارية وهو يتقوم من أربعة نواح مهمة وهي الزبير والهارثة وأبي الخصيب وشط العرب وتتبع كل هذه النواحي قرى عديدة بعضها كبير. أما مركز القضاء ففي مدينة البصرة نفسها. والبصرة احسن محل رأت الحكومة أن تتخذه مركزا لهذا القضاء الجسيم لتوسطه بين توابعه والنواحي الأربع المذكورة بعضها مهم وكبير وبعضها غير مهم ونبدأ الآن بالبحث في كل منها فنقول:
1 -
ناحية الزبير (بالتصغير) مركزها قصبة الزبير وهي قصبة كبيرة جرداء واقعة على طف الجزيرة يحيط بها سور أنشأه الأتراك عام 1217هـ - 1802م لرد عادية الوهابيين لأنها احسن مكان يمكن اتخاذه حصنا للدفاع عن البصرة وما يجاورها. فيها من النفوس نحو 22. 000 نسمة معظمهم من النجديين وفيها مشهد الزبير بن العوام مقاما وسط صحن عظيم يدل مشهده على انه تجدد غير
مرة. وتقع هذه القصبة بجوار طلول البصرة القديمة وتبعد عن الجنوب الغربي لمدينة البصرة الحالية 18 ميلا وليس فيها مياه جارية ولهذا يجمع سكانها مياه الأمطار في الحفر والخنادق حتى إذا صار الصيف حفروا الآبار لاستسقاء ما يسد حاجتهم من الماء كما أن مزارعها تروى بمياه الأمطار أيضا. وينمو أجود البطيخ في الزبير بكثرة فائقة وجميع البيوت فيها مبينة بالجص فهي بيض والزبير تعد
المرحلة الأولى في طريق البصرة للكويت ونجد وما يجاورهما.
وعلى بعد ميلين من الزبير قرية الشعيبة التي اكتسبت شهرة عالمية في الحرب الكونية حيث دارت فيها رحى الحرب بسرعة وفظاعة وقد اتخذت الآن مطارا للقوة الجوية البريطانية في العراق.
2 -
ناحية (الهارثة) ناحية جسيمة ذات انهار غزيرة المياه كثيرة النخيل تقع على ضفة شط العرب اليمنى وفيها مساكن للزراع لا بأس بها وعدد النفوس فيها ثلاثة آلاف يشتغل بعضهم بنسج الأعبئة الممتازة.
3 -
ناحية (أبو الخصيب) ناحية جسيمة أيضاً تخترق أراضيها الشاسعة الجداول الكثيرة المتشعبة من شط العرب وهي غابة من النخيل تمتد على شط العرب في ضفته اليمنى إلى مسافة بعيدة. ولما كان معظم البصريين أصحاب مقاطعات ونخيل فيها شيدوا لهم قصورا بديعة سامقة تطل على شط العرب فتخيل للناظر إليها أنها جنة من جنان الدنيا وحديقة من حدائقها الغن. ولقد كانت قبل مدة وجيزة قضاء فأصبحت اليوم ناحية.
وفيها زهاء 7800 نسمة جلهم من الزراع وبالغرب منها قبور لبعض الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود الكندي وغيرهما. وحالتها المالية حسنة جدا وأهلها مشهورون بالكرم.
4 -
ناحية (شط العرب) مركزها التنومة (بتشديد النون) وهي قرية حقيرة قائمة على ضفة شط العرب اليسرى في محل يقابل قصبة العشار تماما. فيها بعض الصرائف والأكواخ التي يسكنها الفلاحون الذين يقومون بخدمة البساتين التابعة لها وتعد (التنومة) المرحلة الأولى في طريق البصرة إلى المحمرة وعبادان وما جاورهما.
3 -
قضاء القرنة
القرنة محل اقتران دجلة بالفرات ولفظها اسم من الاقتران كالفرقة من الافتراق وكان الرومانيون يسمون محل اقتران الفراتين في القرن الأول للميلاد (دقبة أو دجبة) حيث كان يلتقي الفراتان. وفي أواسط القرن الثاني للميلاد كان النهران يجتمعان عند مدينة (افامية) وفي عهد ياقوت كانا يجتمعان في (مطارة) قال ياقوت في معجمه (مطارة من قرى البصرة على ضفة دجلة والفرات في ملتقاهما بين المذار والبصرة) وذكر الحاج خليفة في كتابه
(جهان نما) أن دجلة كانت تلتقي هي والفرات في موضع يسمى (الجوازر) لان المياه كانت تجزر هناك. فالقارئ يرى مما تقدم ذكره أن محل اقتران دجلة والفرات تسمى بأسماء مختلفة كان آخرها (القرنة) وقد كانت قلعة قديمة تصد الهاجمين على البصرة. واتفق أن هذه القلعة تهدمت في أيام آل افراسياب فقام بتجديد بنائها علي باشا جد هذه الأسرة ونسبت إليه أياما حيث سميت (العلية) فلما طوي بساط آل افراسياب استرجعت القلعة اسمها القديم وهو القرنة. ولم يظهر حتى الآن من يرشدنا إلى تاريخ بناء هذه القلعة أو الشخص الذي بناها إلا أن بعض المؤرخين يذكرون أن القرنة كانت أول مركز للشيعة في العراق بعد واقعة الجمل ومما يؤيد هذا القول وجود قبر عمر بن زين العابدين فيها يؤمه الناس.
والقرنة اليوم مركز للقضاء المسمى باسمها وهي قصبة جميلة المنظر تمتد على ساحلي دجلة والفرات فيها 2500 نسمة وحالتها الاقتصادية منحطة وسير العلم فيها مهمل ومبانيها متوسطة وأسواقها متناسبة مع أهميتها التجارية وطرز بنائها. ويشاهد فيها إلى اليوم آثار شجرة قديمة مشهورة عند أهلها باسم (البرهام) ويزعم أهلها أنها من زمن آدم (ع)(كذا) ويقول البعض أنها من زمن المسيح (ع) وقد اعتاد البلة من السكان هناك أن يشدوا الخرق حولها ويطلوا المحيط بها بالحناء تبركا بقدمها وأملا أن تقضي حوائجهم وتبعد هذه القصبة عن الشمال الغربي لمدينة البصرة 46 ميلا ولكون دعاية الشيعة كانت محتدمة أيام عزها وصولتها حدثت في هذه البقعة حرب هائلة بين سكانها والعباسيين ونظرا لوقوعها في وسط البطائح كانت ولا تزال محمية بحكم موقعها الجغرافي وما يحيط بها من
أهوار.
وتمتد أراضي هذه القضاء على ضفاف الأنهر الثلاثة دجلة والفرات وشط العرب واكثر أراضيه اهوار تكثر في وسطها هضبات تدل على وجود آثار أبنية قديمة ترتقي إلى عهد الفرس ولا يزال أفراد العشائر هناك يستخرجون منها قدرا مهما من الطاباق لتبنى به منازل القصبات والقرى القريبة منها أو المجاورة لها.
لقضاء القرنة ثلاث نواح هي:
1 -
ناحية المدينة (كجهينة بالتصغير) وهي ناحية جسيمة تشمل أراضيها قسما من ضفة الفرات اليمنى وقسما من ضفته اليسرى وللحكومة في مركزها بناية فخمة مع مدرسة أميرية عامرة كما أن للآهلين في قيصرية (قيسارية) بديعة ومقاهي كثيرة وسوقا مستقيمة
فبها عدة دكاكين يشتري منها سكان الناحية ما يحتاجون إليه من المأكل والملبس. أما السكان فكلهم زراع وهم يقطنون نحو 51 قرية مختلفة الأسماء والمساحات ويبلغ عدد نفوسهم زهاء 21. 000 وأما مركز الناحية فقرية مسماة باسمها وهي جسيمة قائمة على ضفة الفرات اليمنى بين القرنة وسوق الشيوخ تبعد عن الأولى 14 ميلا وعن الثانية 68 ميلا. تكتنفها البطائح المشهورة
في التاريخ وتحيط بها المياه من جميع جهاتها فهي إذن جزيرة وقد كانت هذه القرية حاضرة الجزائر في العصور الخاوية إلا أنها انحطت بالتدريج انحطاط بقية المدن والقصبات المهمة في العراق.
2 -
ناحية السويب (بالتصغير أيضا) وتمتد أراضيها على ساحل دجلة الأيسر وساحل شط العرب الأيسر وهي محادة لإيران عن طريق الحويزة وعلى الرغم من هذه المجاورة كان أهلها الذين يسكنون نحو 33 قرية ويبلغ عددهم زها 000ر15 نسمة كلهم من العرب الاقحاح يزاولون الزراعة التي هي معتمد عيشهم ولا يعرفون غير العربية لغة يتفاهمون بها، وللحكومة بناية حقيرة اتخذتها مركزا للناحية وهذه البناية واقعة فوق تل مرتفع يسمونه الجبل في موضع يبعد عن شرقي القرنة (مركز القضاء) أربعة أميال فقط.
3 -
ناحية الشافي، تقع أراضي هذه الناحية على ساحل الفرات الأيمن وساحل شط العرب الأيمن وهي ليست معمورة إذ كل ما فيها من العمران مركز للناحية يسكن فيه المدير مع آخر للشرطة واقعين على متن نهر الشافي الأيمن ويبعدان عن جنوب القرنة 15 ميلا ويربط بين جانبي نهر الشافي المتفرع من شط العرب جسر حديدي محكم إحكاما عجيبا يبلغ طوله 200 قدما وليست تحته عمد فيعتمد عليها بل هو معلق تعليقا وقد أنشأته السلطات الإحتلالية لعبور القطار الذي كان ممتدا بين البصرة والعمارة، ويبلغ عدد القرى التابعة لهذه الناحية 35 قرية فيها نحو 000ر30 نسمة.
ملحوظات
ترتبط بقضاء القرنة ارتباطا إداريا عدة قرى تراجع مركز القضاء في معاملاتها الإدارية والمالية واهم هذه القرى قرية العزير التي فيها مدفن عزير (ع) وعلى ما قيل وما يقال له فيها مزار فخم يحتوي على ما يناهز مائتي غرفة يسكن فيها زوار اليهود في مواقيت الزيارات المسماة. وهي تقع على ضفة دجلة اليمنى في محل يبعد 26 ميلا من الشمال
الغربي لقصبة القرنة بينها وبين قلعة صالح ونفوسها نحو 400.
وقد كان قوام مركز (عزير) إلى أواخر أيام الحرب العمومية من عشيرة
مسلمة يقال لها (كوام) بالإضافة إلى صاحب القبر ولا يزال لهذه العشيرة نحو 75 دارا على ضفتي دجلة بالقرب من هذا المرقد ولكن اليهود اخذوا سدانة المرقد من المسلمين في أيام الاحتلال فبقيت السدانة بأيديهم حتى هذه الأيام.
السيد عبد الرزاق الحسيني
الدن في التاريخ
من غرائب تلاعب الناس بالألفاظ أن (الطن) المشهور في الأوزان هو الدن فنقله الغربيون عنا ببعض تحريف وتصحيف فقالوا ثم عاد المعاصرون منا وأخذوه من الغربيين فقالوا (طن) ويراد به اليوم برميل ضخم وما يسعه من السوائل وقدر وزنها ألف كيلو غرام. وهم يقولون أن كلمتهم الإفرنجية من القلطية. إلا أن العلامة اللغوي الكبير دياز يقول: أن اللفظة دخيلة في اللغات الأوربية ولم يهتد إلى اصلها لأنه يجهل العربية.
أما أن العرب عرفوا الدن قبل الغربيين فهذا مشهور عنهم لأنهم اتخذوا منذ القدم أنواع الآنية من الفخار أو الصلصال ومن الجملة هذا الدن. قال لغويونا الدن: الراقود العظيم هو أطول من الحب مستوي الصنعة في أسفله كهيئة قونس البيضة أو أصغر من الحب له عسعس لا يقعد إلا أن يحفر له. قال ابن دريد: عربي صحيح. وانشد: وصل على دنها وارتسم.
على أن الإفرنج صنعوه من الخشب لان ديارهم رطبة. والخشب توافقه الرطوبة ليبقى على حالته فمادة صنعه لا تغير شيئا من أصل لفظه.
أما قول بعض لغويي الغرب أن الكلمة الفرنسية مأخوذة من اللاتينية أو اليونانية فالمعروف عن هذه الكلمة إنها تعني الإناء الصغير الذي يتخذ للخمر نحو الإبريق قدرا وليس كالحب ولهذا نرى أن القول بعربية اصلها اقرب إلى الحق. ولكل امرئ رأي.
محمود العنتابي الأمشاطي
وسري الدين بن الصانع
كنت نقلت ترجمة بدر الدين محمد بن شمس الدين محمد القوصوني من مجموعة طبية خطية هي في مكتبة مدرسة يحيى باشا في الموصل ونشرت الترجمة في هذه المجلة (164: 8) ولما كانت المجموعة المذكورة تحوي ترجمة طبيبين مؤلفين آخرين أحببت تعريفهما للقراء فأقول:
مما في المجموعة من الكتب (كتاب الأسفار عن حكم الأسفار). قيل تحت عنوانه انه للشيخ الإمام العلامة (مظفر الدين محمود العنتابي المعروف بالامشاطي)، ودون ذلك ترجمة المؤلف مكتوبة بعين الخط الذي كتبت به ترجمة القوصوني وهذا نص الترجمة:
(مؤلفه محمود بن احمد بن حسن بن اسمعيل بن يعقوب بن اسمعيل الشيخ مظفر الدين بن الإمام شهاب الدين الامشاطي العنتابي الحنفي القاهري أخو قاضي القضاة بمصر محمد الامشاطي الحنفي. ولد في حدود سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وكان فقيها طبيبا أفاضلا متفننا في جميع العلوم. درس وأفتى وحدث وألف شرحا على النقاية في الفقه وشرحا على الموجز في الطب لابن النفيس حسنا جامعا حافلا في مجلدين كبيرين وشرحاً على اللمحة في الطب أيضاً لابن أمين الدولة وكتب عدة رسائل في الطب منها تأسيس الإتقان، والمتانة في علل الكلي والمثانة ومنها القول السديد في اختيار الإماء والعبيد ومنها رسالة في ما يحتاج إليه المسافر كتبها لابن البارزي. وكان صالحا خيرا حسن الاعتقاد. ذكر انه رأى وهو دون البلوغ رجلا يمشي في الغمام لا يشك في ذلك. وكان على طريقة حسنة وعمر واسن فنزل عن وظائفه واقبل على الله تعالى وعمل عدة من الخيرات والآثار إلى أن توفي سنة اثنتين وتسعمائة بالقاهرة. رحمه الله تعالى نقلت ذلك من الضوء وغيره) اهـ.
جاء في مقدمة كتاب الأسفار المذكور انه كتبه لأبي المعالي محمد الجهني
البارزي الشافعي ناظر دوواين الإنشاء الشريف بالديار المصرية لما عزم على السفر حاجا. ذكر فيه التدابير اللازمة الاتخاذ من قبل المسافر في المواسم المختلفة من برد وحر والأنواء المختلفة من مطر وثلج وريح وسموم ومعالجة المياه غير الصالحة تماما للشرب وما ينبغي أن يأخذه
المسافر معه من لباس وأدوية إلى غير ذلك مما يعود إلى حفظ صحة المسافرين. أول الكتاب بعد البسملة:
(الحمد لله الذي أمر بالأسفار للتفكر والاعتبار وأداء فرائض الحج والاعتمار. . .) تاريخ النسخة 976هـ
وفي آخر المجموعة عينها كتاب (كفاية الأريب في مشاورة الطبيب). قيل دون العنوان انه تأليف الشيخ الهمام الفاضل القمقام مولانا الشيخ (سري الدين ابن الصانع) الحنفي سلمه الله تعالى وكتب دون ذلك بعين الخط السالف الذكر ما نصه:
(وتوفي إلى رحمة الله تعالى بعد أن حج في موسم سنة تسعين وتسعمائة وهو راجع إلى مصر في الطريق في أوائل إحدى وتسعين وتسعمائة بالتاء المثناة الفوقية فيهما) اه.
أما الكتاب فهو من قبيل إرشادات وذكر وصفات للمرضى في الإصابات الخفيفة وفي غياب الطبيب ذكر انه كتبه لشيخ الإسلام قاضي القضاة أبي الثناء حسن وفرغ منه سنة 979هـ. أوله بعد البسملة: (يا من حكم سيوف العدم في نحور الموجودات وحكم. . .) وهو في 55ص.
الموصل: الدكتور داود الجلبي
(لغة العرب) إننا نشك في صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن الصانع، لأننا نجد في كشف الظنون (323: 2 من طبع الآستانة) ما هذا حرفه: (كفاية الأريب عن مشاورة الطبيب) للشيخ الإمام سري الدين احمد بن محمد العلفي وفي طبعة الإفرنج العلقي بالقاف قبل الياء) الحنفي. أوله: يا من حكم سيوف العدم، في نحور الموجودات وحكم الخ ذكر فيه انه من بيت العلم وأراد أن يصنف رسالة ضامنة لحفظ الصحة وتعديل المزاج وأهداها إلى المولى برويز فألفها ورتبها على مقدمة وثلاث مقالات وخاتمة اهـ كلام الحاج خليفة.
القريض في فن التمثيل
نظرة تحليلية انتقادية في (مصرع كليوباترة)
تتمة
أرد المؤلف وأبدع أن يصور في انطوان، حمية الروماني، وقد فقد اعز ما لديه في الوجود إذ أضاع شرف القائد في هزيمته الشائنة، ووجد روما ألهته ومعشوقته تحاربه باسم اكتافيوس، فابى عليه آباؤه الضيم، ذلك الإباء الروماني الشهم وتناوشه خبر انتحار كليوباترا الكاذب (الذي يظهر لنا خدعة من كليوباترا نفسها حين أرادت به تحطيمه كي لا ينازعها وهو المقهور فيما تؤمل نيله من إشراكها للظافر العظيم) وسما إذ تلمس كلوما دامية في فؤاد اليائس وما أهول ما يكون المرء آلاما وشجنا ومصابا حين تدهمه الحقيقة القاسية وجها بوجه وتهتك أستار أحلامه. فيرى نفسه شريدا طريدا منفيا مقصى عن بلاده فتفيق دواميه، وتنهل مدامعه، فهو بائس حزين! وتقفى الشاعر هذا المنوال في إظهار وله القيصر المنكود الطريد، بسالبة لبه ورشاده فغدق عليه أبياتا متموجة وأشاده:
صفحا كليوباترا! فربت زلة
…
قد كنت تغتفرين حين أراك!
لما لقيتك في الجمال وعزه
…
قهرت قواي الظافرات قواك
فنسيت في واديك ذكر وقائعي
…
وسلوت أيامي بيوم لقاك
سجدت لأعلامي الصوارم والقنا
…
وابن مهند لحظك الفتاك
قدت الجحافل والبوارج قادرا
…
مالي ضعفت؟ فقادني جفناك!
أخرجت أمري واختياري من يدي
…
وتركتني نفسا بغير ملاك
خلت السلامة في نواك فذقتها
…
فإذا الكوارث كلهن نواك!!
أبدع تنسيقا وتفننا في حين ازدرى انطوان أي ازدراء وإهانة بل أراد نزله، حين الصق به، في هذه الأبيات (خروج أمره واختياره من يده) ثم حاول أن يثبت عصيانه روما، في حين انه لم يعصها، وإنما خلافه لاكتافيس، وأرث يوليوس قيصر هو الذي جر عليه هذه المشاكل، وكفى أن خصمه اكتافيس
لم يسعه سوى ندبه حين بلغه خبر انتحاره. . . وأبن فيه (حليفه ورفيقه في الإمبراطورية، الذي طالما تحمل معه المشاهد والمعارك) وذلك حين
عرض على جميع القواد رسائل انطوان (المملوءة حماسة وحميا) نعم، انه اتبع كليوباترا في كثير من آمالها وأمانيها، وخضع لإشارتها في محاربة قيصر على اثباج البحر، وهذا لا ينفي حبه لبلاده ووطنه ولو تركنا التاريخ جانبا وبحثنا منطقيا، لما ارتضينا بما اجتراه المؤلف بل لحكمنا - لو صح هذا المدعى - بانفضاض قواده عنه حينئذ ولربما ألحقوه بيدهم وأثابوه مآل يوليوس. ولسنا نخال شوقيا يندفع في تبرئة صفحة كليوباترا من حيلتها في هذا الإرشاد المضل (لأنها فكرت في الهرب، بعد أن بذلت كل شيء من جهتها ليس لتزكية النصر وإنما لتضمن الانهزام السهل، حين تنضب الحيل) وان اخذ علينا أستاذنا لبلوتارك، وادعى ذبذبة المؤرخ واحتكامه للقوة في تأريخه، فهل يدفعنا هذا القدر إلى إقامة التأريخ على أسس الحدس والتخمين، أو على مشيئة الأميال الوطنية كما نراه في ذيل روايته في (النظرات التحليلية)؟
تفنن شوقي وقد وقف كليوباترا على باب اليأس تسعى إلى تبابها حثيثا فأرانا منها صورة امرأة، جميلة فاتنة، عاكسها القدر فاخفق حيلها وحاصرها فكسر قناتها وكأن الزمان أبى إلا استرداد ما غدقه عليها من نعم وأطايب أو لعله طلب الانتقام منها، لأنها استعملت رخاءه عليها، في انتهاج الشر والخطايا. وقد أصاب الشاعر حين وصفها، في حين لم يرد:
. . . أنثى أفنت العمر بالهوى
…
بهيمة اللذات والشهوات!
وأجاد في تصوير حاسيات المرأة الفخور بجمالها، وضرب على عود الضعف وانك لتشعر بموجات الغضاضة والألم، تجتاح عواطف كليوباترا وهي تحاول اجتياز مضيق الأبدية، وقد جثت أمام تمثال إيزيس وأفلتت التأوهات:
اليوم اقصر باطلي وضلالي
…
وخلت كأحلام الكرى آمالي
وصحوت من لعب الحياة ولهوها
…
فوجدت للدنيا خمار زوال!
وتلفتت عيني فلا بمواكبي
…
بصرت ولا بكتائبي ورجالي
وطئت بساطي الحادثات وأهرقت
…
كأس وفضت سامري ونقالي
إيزيس! ينوبع الحنان تعطفي
…
وتلفتي لضراعتي وسؤالي
أنت التي بكت الأحبة واشتكت
…
قبل الأرامل لوعة الارمال
أني وقعت على رحابك فارحمي
…
ذل الملوك لجسدك المتعالي
هل تأذنين بان اعجل نقلتي
…
وأحث عن دار الشقاء رحالي
وعلاك ما ادع الحياة جبانة
…
أو ضيق ذرع أو قطيعة قال
أني انتفعت بعبقري جمالها
…
وتمتعت من عبقري جمالي
بنت الحياة أنا وتشهد سيرتي
…
ما كنت من أمي سوى تمثال
منها تناولت الرياء وراثة
…
وأخذت كل خديعة ومحال
وقسوت قسوتها ولنت كلينها
…
وأقتست في صدي لها ووصالي
ولربما رشدت فسرت برشدها
…
وغوت فأغوتني وضل ضلالي
ولمس تلك الأوتار الهائجة في قلب المرأة الغاوية، وهي تحول أن تنتزع روحها بيدها باختيارها، فتفقد بها تيهها وجمالها وهي ميزتها على أترابها في مشاركتها للرجال، فأرسل صرخاتها الأليمة للموت، تستعطفه للرفق بروائها وبهائها، وتستدر أعطافه، وأكد لنا بلوتارك، إنها اختبرت فعل جميع أصناف السموم القاتلة، وجربت لدغات الأفاعي السامة، في أناس كثار امامها، كي تعلم أي القواتل ارحم لجمالها الفاتن وأخف إيلاما وارأف لأنوثتها البضة. وبعد عدة تجارب يومية (اكتشفت أن لدغة الصل، هي الوحيدة التي دون تشنج ولا تمزيق، تبعث الخمود والكرى يتلوهما خضل في الملامح، فوهن متتابع في الحواس، يقود إلى ميتة هادئة. وان الملدوغين به يشبهون الغرقى في نوم عميق وقد أزعجوا إذ أريد إفاقتهم ونهوضهم).
يا موت! لا تطفئ بشاشة هيكلي
…
واحفظ ظواهر لمحتي وجلالي
يا موت! اطف بالروح واسرقها كما
…
سرق الكرى عين الخلي السالي
حتى أموت كما حييت كأنني
…
بيت الخيال ودمية المثال
وكأن إغماض الجفون تناعس
…
وكأن رقدتي اضطجاع دلال!
سر بي إلى انطونيو في نضرتي
…
ورواء جلبابي وزينة حالي!. .
لقد أرادت أن يكون (إغماض الجفون تناعسا) ولا غرو فبين الردى والنوم نسبة وقربى، ولم ترد أن يمحى اثر جلال جمالها في كل حين حتى حين إمعان روحها في اللانهاية، انتحرت كليوباترا حين رأت أن حيلتها لم تعبر على اكتافيوس، فإنها تخيلت أسره بقواتل لحظها، كما أسرت قبلا قيصر الرومان فرأت من ازدرائها لجمالها ما آلمها وأمضها ثم سنح
لها مكرها ودهاؤها ففضحت تحايله عليها في شروطه، فحذرت أن عقباها قد تكون كعاقبة المدعية سلالتها زنوبيا مع اورليان، فتقاد إلى روما مكرمة ذليلة، وتكون هدفا لزهو انتصار اكتافيوس، وكيف ترضى وهي (بنت الحياة) وقد تعلمت منها المراوغة والرياء أن يلاقيها هذا لشنار، فاهتفها شوقي في مواقع عدة صرخات قد لا تشك في إنها مرت بخاطرها في دقيقتها العسيرة:
يا موت! أنت احب أسرا فاسبني
…
لا تعط روما والشيوخ عقالي!
سطت روما على ملكي ولصت
…
جواهر أسرتي وحلي آلي
أأدخل في ثياب الذل روما؟
…
واعرض كالسبي على الرجال؟
وأحدج بالشماتة عن يميني
…
ويعرض لي التهكم عن شمالي؟
وألقى في الندي شيوخ روما
…
مكان التاج من فرقي خالي؟
وأغشى السجن تاركة ورائي
…
قصور العز والغرف الخوالي؟
وتحكم في روما وهي خصمي
…
وتسرف في العقوبة والنكال؟
يراني في الحبائل مترفوها
…
وقد كان القياصر في حبالي!
يحاول قيصر من المحا
…
ل ويذهب في غير وجه الطلب
يريد ليعرضني في غد
…
على شعب روما كأني سلب
ويفضح روما وسلطانها
…
وتاج العصور وعرش الحقب!
ويعيد شوقي مزية الجندي الروماني لانطوان بعد أن حاول إفقاده إياها، في
هذه الأبيات الرائعة:
اسر؟ وهمت كليوباترا! أتظفر بي
…
أيدي الكماة وفي كفي أظفار؟
لو قلت قتل، لكان القتل أشبه بي
…
كأس المنايا على الأبطال دوار!
الحرب تعلم والأيام تشهد لي
…
أني شديد على الأقران جبار!
لو كنت شاهدتي والحرب جارفة
…
والصف تحتي بعد الصف ينهار
قد جن تحتي جوادي فهو عاصفة
…
وجن نصلي بكفي فهو إعصار
رأيت حملة صدق غير كاذبة
…
لا السيل يحملها يوما ولا النار
لما صدمت جناحيهم وقلبهمو
…
عن الخيام وعن أوكارهم طاروا
ولكننا نأخذ عليه ما اعتدنا صدوره في شعره، فقد استقى بعض أفكاره من معدن آخر حين يتناول في البيت الثالث مثلا روح المتنبي في بيته الشهير كما تتسيطر في الأبيات الأخرى روح عنترة، التي تكاد تفصح عن نفسها بأجلى دليل لدى ذكر المواقع ثم انه يذهب في البيت الأول إلى تورية بائرة، وتلميح عقيم ممقوت، فيكنى عن الأسلحة بالاظفار، وفي البيت الأخير بالأوكار عن الملاجئ، وهو شيء غير خليق بروح العصر، بل بروح هذه الفاجعة الفذة في حين انه أبدع في تشبيه جنون جواده بالعاصفة القالعة (وجنون) نصله بالإعصار الذي لا يبقي ولا يذر، وهذا ما يتخيله المرء من باب المجاز، ويكاد يحسبه واقعيا حين يشهده في موقعة وان تفننه وبلاغته في جميع هذه الخواطر متراصة متعانقة بعضها لبعض ليغفر له القصور والزلل فيها، ولكن ها أن روح البدوية تعاوده ولا تزال تنتفض في الأبيات التالية على قدر زهيد في حماسة وافتنان:
ذريني أعبئ للقتال كتائبي
…
فلي في غد شأنان في البر والبحر
ذريني أهيئ للأحاديث في غد
…
فإن غدا يوم سيبقى على الدهر
ذريني أزد تاجيك غار وقائعي
…
واقرن بثعبان جلالهما نسري
ولست أخاف الدارعين وإنما
…
أخاف فجاءات الخيانة والغدر
وليس كمين الحرب ما أنا هائب
…
ولكن كمين الغدر في ظلمة الصدر!
ويأخذ اليأس انطوان على اثر إيحاء كليوباترا بموتها فيعمد إلى الانتحار فينادي
خادمه الوفي ايروس (الذي وعده أن يجهز عليه حين يأمره) ولكن هذا العبد الشهم يقتل نفسه فداء سيده ومليكه فيثني عليه انطوان في حرقة وهو ما ينقله الشاعر تقريبا عن بلوتارك:
اوروس عفوا! قد ذهبت ضحية
…
وجنى عليك ترددي الممقوت
فعلمت مني كيف يجبن قيصر
…
وعلمت منك العبد كيف يموت
وقس على ذلك سائر مجاول هذه الفاجعة الشعرية مما يخفق ظنك أن تراها موسومة بطابع شوقي المعروف لدينا ولا اكتمك إنها أبانت لنا من خلالها شخصية وصفات أخريات له ما كنا نشعر بها لولاها وهاك هذه الأبيات تستطلعها:
انوبيس:
زعمت ابنتي الموت شخصا يحس
…
وعظمت من خطبة ما صغر
وما هو إلا انطفاء الحيا
…
ة وعصف الردى بسراج العمر
وليس له صورة في العيو
…
ن على قبح صورته في الفكر
إذا جاء كان بغيض الوجو
…
هـ وان جيء كان حبيب الصور
كليوباترا:
إذن هذا الرقط في ذمتي
…
فصنها واحسن عليها السهر
واقسم لتأت ألي بهن
…
ولو أن دوني الظبا والسمر
انوبيس:
يمينا بازيس احملهن
…
إليك ولو في سلال الخضر!
إذا بات في خطر تاج مص
…
ر سبقت إليك بهن الخطر
وإذا أنت تطلب مثالا آخر لتهدئ من ثائرتك وتصدر حكمك فتشاركني أم تناقضني - وأني لأخالك في جانبي تهللها - لا أتباطأ أن أمدك بشيء وأهديك إليه فلست أود الاستئثار بالحكم والانفراد بعواقبه فهاكه من محاورة انطوان:
انطوان:
ردي على هامتي الغار الذي سلبت
…
فقبلة منك تعلوها هي الغار
كليوباترا:
اليوم تعلم روما أن ضرتها
…
تقلد الغار من تهوى وتختار
واليوم تعلم روما أن فارسها
…
جيش بمفرده في الروع جرار
انطونيو سيدي هل نحن في حلم؟
…
أسالم أنت؟ لا أسر ولا عار؟
وهاك أيضاً أبياتا آخر:
حابي:
لم تأت حتى جاء في آثارها
…
للحب أجنحة بهن يطار
ويقال بل أخذته تحت شراعها
…
ونجا به فلك لها محضار
تجري الرياح بما تشاء قلوعة
…
ويسير في طاعاته التيار
ويقال غضبان عليها عاتب
…
ويقال بل حنق الفؤاد مثار
وعلى صفاء العاشقين سحابة
…
وعلى سلام الصاحبين غبار
آلي واقسم لا يرى في قصرها
…
حتى يقوم مجده المنهار
إن البلاء اجل من ألا يرى
…
ديون: عجب أتخفى في الهشيم النار؟
حابي:
انطونيو منا بأقرب ثكنة
…
يدعو من الرومان من يختار
ويعد اهبته ليوم حاسم
…
في البر يغسل عنه فيه العار
ويكون ميدان الرحى ومدارها
…
تلك التلال وهذه الأسوار
فهناك خاتمة الصراع وموقف
…
أما الدمار به وأما الغار!
ولا اكتمك أن اظهر شيء في مجال القصة وصف شاعرية الخلود المتدلهة الحسناء إذ تفتكر في قرب المنية العابسة وزوال الترف والنعيم والدلال وتيقنها بملك الأبدية ناشرا جناحيه مرنقا فوقها فجزعها كالوالهة الثكلى على حسنها الرطيب أن تمتد له يد السوء القاسية. . . ويسمو شوقي حين يصرخ كليوباترا في جزعها واضطرابها مستجيرة بالموت أن يرحم غضارة جسدها ويبقى على
. . . نضرتها
…
ورداء جلبابها وزينة حالها
بل ذهب إلى ما فوق ذلك حين طلبت أن تكون
…
. . . رقدتها اضطجاع دلال!
فنحن إذن نستشف خلو الأبيات من التصنع والتكلف والتجمل التي تفسد عليه روائع ديوانه وتكشف لنا روحا جديدا له، نود من كل فؤادنا أن تلازمه في أشعاره، فتظل ظاهرة فتانة كما عهدناها هنا، وتنقشع تلك السحابة القاتمة التي عرفناها تعكر جو سمائه وبذا نستطلع قليلا ضياء شمسه. ولا ننكر أن هذه الفاجعة المبتكرة أعجبتنا بما حوت من أفانين وإبداع وسلاسة وقد زادها حسنا ورواء انه لم يتقف فيها قافية واحدة ولا لزم بحرا واحدا بل ذهب إلى إبدال القوافي والبحور على مدار القصة بل ذهب إلى اكثر من ذلك إلى إبدالها أيضاً في معرض ترسل اكثر الأشخاص. فأظلها طلاوة وروعة ودفع بالإملال الذي كان سيراوحها حتما. وهذا المبتغى والطلب في الروايات التمثيلية الفنية البديعة.
والآن لنقف الاسترسال عند هذا الحد من بحثنا في روائع الرواية ولنعرض بالفحص هنيهة بعض مسائل (النظرات التحليلية) أو بالحري لما أراد من صبه من تاريخيات في ذيل القصة. فان الفاجعة أولا من حيث هي قصة تمثيلية شعرية لا يراد بها سوى تدوين حادث،
وإعادة ذكرى ملكة عظيمة توجت على ديار مصر نيفا وعشرين عاما وأسرت ببهائها وروعة جمالها ملوك وأمراء العالم المتمدن، وعاصرت اعظم عظماء الرومان لخليقة بكل مدح وثناء. ثانيا: - من حيث جودة تنسيقها ووقائعها وفصولها لا تقل قيمة في عرفنا عن كثير من الروايات الغربية العصرية، أما من حيث شعرها وتعابيرها فقد أرسلنا سافا قولنا الفصل فيها. . . إنما من حيث هي رواية تاريخية، وهنا نقطة الضعف، يراد بها محض دعم حوادث (تاريخية) وتأييد نظرات وطنية وخواطر تاريخية فمن العبث القول إنها على صواب. وكفانا تأييدا لنظريتنا أن نلقي نظرة عجلى على (النظرات التحليلية) - أو بالأحرى التخيلية - فنجد قضايا توهمية عدة لم يرد بها الحشو لتلطيف الرواية وإذكائها وسد فجوات عسيرة مما يجملا أمام جمهور النظارة والقراء، وإنما ابتغيت لتأييد ظنون تاريخية شيدت على الحدس والتخمين وعصفت بها الحاسة الوطنية المضلة، فأخفقت مسعى وبينة.
ونكتفي بإيراد وتفنيد أخطرها، إذ ليس من العقل والتبصر أن نقنع ونذعن إزاء تمور تخالف عقيدتنا أو بالأحرى تناحر فن التاريخ ووقائعه الفاصلة فليس من حياء في الدفاع، كما لا حياء في الدين!
إن أول ما ينالك من صدمات عنيفة، لدى اطلاعك على (النظرات التحليلية) ولع شوقي بإثبات (مصرية) كليوباترا وتوطيدها، زعما أن قضاء ثلثة قرون في مصر قد أحال دماءها اليونانية إلى مصرية بحتة، عن طريق التزوج فهذه لا تدعمها وثائق تاريخية. والتباني بعائلتها شهود بحقنا، وعنه ينتج لأمراء حفظ كثير من الدم النقي المقدوني في أقنية العائلة. ولنا بها ذاتها برهان بين. ألم يكن الشرط (أن تبني بأخيها الأكبر وتتولى العرش معه)؟ فهي إذن متمصرة لا مصرية، وإننا لا ننكر قط نقاءها من دم مصري، بل نعترف له به بكل خضوع وتواضع، ولكن ادعاء بحوتته يقضنا ويضحكنا معا فمهما حاول ودافع صاحب المصرع في تأييد فكرته عن طريق البلاغة والفصاحة فلن يفلح فيه. فلا التاريخ لهو لاه، ولا تبع مشيئة كاتب، ولا رهن إرادة شاعر يستهان به تبذيرا وما هو سوى ما أبرمته الحوادث وخلقته الأيام لا ما أريد وقوعه وقد سبرت أجيال. . . وان شوقي ليدعي في هذا المكان كادعاء بعض عجاف العقول من السوريين واللبنانيين، اعتباطا وجهلا، وتشبثهم بالعروبة - وما هم منها على كثير - وهذا فحش وشطط مروع من جهتهم،
فالسوريون بوجه الإجمال، واللبنانيون منهم على وجه أخص - وان يكونوا بأجمعهم حقيقة خليط أمم كثيرة - من أنقى الشعوب التي خالطت العرب، وعاشرتها من دماءها، فالأدلة تؤيدنا والتاريخ يثبتنا، وان نقر باحتمال وجود بعض قطرات تافهة في بعض الأسر من أبناء الأقطار الشامية مما لا يؤبه له في التاريخ وفي الحكم العام فالسوري سيئ بمدنيته ومزاجه واصله. والعربي شيء آخر بمدنيته ومزاجه واصله. وكذلك الروماني أمر والمصري أمر آخر. فشتان ما بين ثقافة كل وشتان ما بين مدنية كل، وشتان ما بيم مزاج كل، وشتان ما بين عادات كل، وشتان ما بين منهل كل!!! فيا شاعرنا لا تحاول بل لا تؤمل أن تخلق كليوباترا جديدة (مصرية) من كليوباترا (المقدونية) الأصل (الإغريقية) تهذيبا ونشأة بان
عيشها تحت سماء مصر، وحسبك قناعة بتمصرها، مما يقرك عليه كل عاقل أريب فالقناعة رأس الفضائل. . . وما إبداعك وتحليقك الخيالي بعذيرك!
وقد يفجؤك أيضا، فيريد اغرارك بعفة كليوباترا، ولا أخالك تفوتك تلك المتناقضات والتذبذبات في حكمه عليها أثناء وقت الفاجعة ذاتها أو ما كفاه أن أمر على شفتيها إقرارا رهيبا، في ساعة انتحارها:
بنت الحياة أنا وتشهد سيرتي
…
ما كنت من أمي سوى تمثال
منها تناولت الرياء وراثة
…
وأخذت كل خديعة ومحال
وقسوت قسوتها ولنت كلينها
…
وإقتست في صدي لها ووصالي
ولربما رشدت فسرت برشدها
…
وغوت فأغوتني وضل ضلالي
ووجدتها حبا يفيض ولذة
…
فجعلت لذات الهوى أشغالي
أما في هذه إثبات (منه) لما حاول نكرانه وجحوده؟ أما فيه البرهان الحسي الذي لا يطرد على اضطراره لإبرازه بتمثالها الحقيقي؟ وكيف يسعنا أن نسألك وهذه سيرتها تقابلنا كما درسناها في المدرسة، وكما ألفناها وعرفناها في التاريخ الجدي. . . وهات امرأة تتسكع وتتخبط في كل حين من ذراعي رجل إلى ذراعي آخر. ولم تترك لشهواتها وملذاتها البهيمية منزعا، فنصفها بملك طهر وعفاف!. . . إذن ماذا نقول عن هاته النسوة اللاتي يقضين الحياة في خدمة الله والقريب ويضحين بالغالي والنفيس حبا لمرضاته تعالى ولا يعرفن رجلا طول عمرهن؟ بل ماذا نقول عن امرأة ذات بعل لم تحد قط عن جادة
الصواب قيد شعرة ولم تعرف سواه؟ فهل من سبيل لمضاهاتهن لتلك البغي العاهر وتسويتهن معا في مرتبة الشرف والعفة، ألا والله ماذا نحن فارقون؟ وما الميزة إذن يا صديقي، بين حياة قصف وخلاعة وحياة تقشف وورع واستقامة إذا كان مآل الحكم واحدا والنظرية سواء والاعتبار متجانسا؟ افتنا أيها القارئ أمنطقيا أأدبيا، اإنسانيا قضية تحليل عفتها؟ سيرتها المخجلة واضحة، العفة والوقار لم تعرفهما، بل تنقلت من عناق رجل إلى سواه، والحق نقول أن لو تمكن جمالها أيضاً من أسر اكتافيوس - لتغير وجه التاريخ بكماله - ولعادت تلك الرقطاء بأجمعها تسعى إلى غرورها وزهوها وفتنتها وفجورها وعهرها كبدئها
وأسدلت ألف ألف ستار على انطوان التعس، كما أسدلتها من قبل على يوليوس قيصر وسواهما. وكما أمر المؤلف على شفة اكتافيوس:
لعبت بانطونيو ويوليوس حقبة
…
كما جاء بالمسحور أو راح ساحر
ولكن قيصر ولكن قيصر لم يكن بالغر الأبله، فأرادها شارة لنصره، لا متاعا للشهوات الدنيئة، وأحست اللبوة بنزعته، فحملها كبرياؤها وحبها لعرشها المزلزل على الانتحار. . . فعلى شاعرنا أن حاول تبرئتها من عار فجورها، فالتاريخ لن يخدع نفسه، وقد لفظ صاعقة حكمه، وأثبته وسيثبته على المدى قاسيا مرا، يدعمه بأقوى حجة دامغة هي: سيرتها المتهتكة!
ويذهب شاعرنا إلى تبرير فرارها من المعركة كل مذهب ويحاول جعله بمثابة حياد، مكتتمة مقاصده وذلك زعما بكرها إلى الميدان، وقد نهكت اكتافيوس، فتضربه الضربة القاضية ولكن أين هي؟ ضاعت المعركة وهي ساكنة كأن لم يبلغها خبر؟ أليس في هذا عار وشنار؟. . . ويريد أيضاً الدفاع عنها، في إنها لم ترسل الخبر القاتل الى انطوان بانتحارها. . . ولماذا؟. . . ولماذا لا تستحل كليوباترا هذا المسعى، كما استحلت من قبل مآتيها المخجلة الفظيعة مع سواه؟ وهل لعاهر أي رادع خلق يصدها عن الشائنات؟. . . وان أراد إفحامنا ببكائها وعويلها على ضريح انطوان، فلأنها علمت، كما اشرنا، انها فقهت معنى شروط صلح قيصر، فوازنت بين الكفتين، وعلمت أي هفوة شتيعة ارتكبت فانتحرت.
ثم يذهب إلى اضطرارها انطوان أن يظهر أمام جنوده وقواده الرومانيين بمظهر المتأفف
من روما. ولو كان ذلك - وكما أسلفنا - أما تعتقد وتوافقني لما سكتوا له، ولا ذاقوه كأس منيته صرفا، ولو بين ذراعيها البضتين. فأنت تعلم مثل ما مثل الرومان الشهم ليرضوا بإهانة وطنهم، وخيانته إمامهم ومن قائدهم الأعلى!.
وأراد صاحب المصرع أيضاً أن (يمصر) انطوان، كما مصر كليوباترا، لكنه هنا كان تمصيرا مجازيا، إذ أرسل جواباً على لسانه، متمما إهانته السابقة لبلاده: -
بل وزدت أنني مصري. . .
ونحن في هذا الموقف نعذره، إذ نرى انه لم يرد (التمصر) الصريح، ولعل إيراده لهذا القول هو من باب حشو الرواية. وهذا جائز.
ونكتفي فتقول أن النظرات التحليلية التي ذيلت بها القصة لهي من شر المضحكات المبكيات، إذ يظهر بها الإقرار العجيب على تشييد عواطف ومشاعر كليوباترا وعفتها ووطنيتها طبقا لمجرى الشعر لا على الحوادث الراهنة، فما أعجبه تاريخا يكون على الشعر، لا شعرا يبنى على التاريخ الصريح! وألف رحمة لك أيها التاريخ فليتك لم تكن كي لا تغدو العوبة أفكار وغايات أهواء وتخرصات!
ويا ليت شاعرنا تدبر ولم يحكم عواطفه الثائرة في حادثات الأجيال. فما العواطف بالتي يستكن إليها في هذه المسائل ولا سيما وهي وطنية، بل يا ليت شاعرنا اكتفى بنسج بردة فاجعة - كما سبقنا أيضاً فأشرنا - من حيث هي قصة لا غير، يراد بها مجرد التاريخ لا تأييد للتاريخ (وللتأريخ التخيلي). وليته لم يعد للأذهان ما حدث في أوربا العام الفائت حين أراد روستان الابن إعادة ذكرى ولد نابليون الثالث، إذ ألقى تبعة مقتله على الملكة فكتوريا والحكومة الإنجليزية وهي ليست على شيء منه. ولعمري أن لولا تناقضاته غير التعقلية، لما كان أيضاً هنالك من اعتراض، ولم يكن لها شيء عدا ما أوردناه في بحثنا في تركيبها وشعرها، وهو ليس بكاسف زهوها وجلالها.
وإننا نأمل أن يتحاشى فيما يؤمل بعثه من قصص تمثيلية أخرى - كما بلغنا - مسلكه في المصرع من فسخ ومسخ ابتغاء تأييد قضية زعمتها مخيلته أو أبطال اعتقاد رفضته عقيدته، ففن القصص ارم والتاريخ أمر آخر. ونحن لا ننكر أن ليس من رواية تمثيلية أو قصة مسلية دخلت بين تضاعيفها تاريخيات، بل نشرت على إنها تاريخية لم تشوه حقيقة
وقائعها أو بعضها ولم يماطل فيها شيئا لا بأس به من حشو ونسخ ولكن لم يكن مؤلفها على الأغلب يريدها هدفا أو أداة لإثبات ادعاء وتخرصات بل نشد فيها مجرد الذكرى والعبرة.
اذا، فمعاندتنا له ليست عن طريق القصة بحد ذاتها بل لصد غاياته وترهاته
المقصودة فيها فمن الحمق والغباوة الاعتراض على عبر أرسلت قصصا مهما نال التاريخ فيها من تشويه وتجريح - ما لم يقصد فيها دعم الباطل - فالمبدأ إذا نقاتل لا الفاجعة ذاتها، ونحن ما كنا لنقف منه وقفتنا هذه الإعتراضية لو لم يفض شوقي ويقر إلى أحد محرري المجلات بمقصده التحريفي بغية في وطر نظريته ودفاعا عن كليوباترا المضطهدة في عرفه، ثم ما رأيناه أيضاً في النظرات التحليلية التي ترمي بكل ما فيها من قوة وعزم ومضاء في تحليل مذهب المؤلف وأعذار تذبذباته الكثيرة وتلونه العجيب الذي لا يدانيه تلون الحرباء. . . ولكنها صرخة منه جوفاء في وادي الوقف على مجرى التاريخ!
وعليه نختتم الفاجعة التي أخرجتها لنا قريحة شوقي - بغض النظر عن مراميه - لهي دليل ناطق على نهضة جديدة في عالم الأدب العربي، وإنها دون منازع ولا محاباة أروع قصة تمثيلية جادت بها قريحة شاعر توا في العربية في نجاة من وطأة غربية، ولهي تقصارة لألأة في جيد الآداب العربية الناهضة، بل أروع الرموز في نهضته، وإننا نأمل أن تكون فاتحة مباراة بين شعرائنا، ودعوة لهم للجري وراء ارتقاء العربية المطرد، لا وراء السراب الخداع، وزيادتنا مما لا طائل تحته، فتحقق بذلك الآمال الذهبية وحبذا بوادرها في القريب العاجل، وأنا لجهودهم بارتقاب!
فإلى الميدان أيها المتنافسون!. . . إلى الميدان المنصف!. . .
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
الكرباسي
في لغة العرب (811: 7) الكرباهي، والصواب الكرباسي، نسبة إلى محلة كرباس بهراة.
محمد مهدي العلوي
اعتذار
في حاشية 213: 8 سبق قلم بعمق الأستاذ المعروف بهجة أفندي الأثري، وقد تحققنا أن
ليس في كلامه ما يخالف الأمانة والثقة وعزة النفس وكذلك ليس فيه سرق اجتهاد مجتهد ولهذا حسن التنبيه عليه.
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
محمد نظمي البغدادي والد مرتضى أفندي المشهور بنظمي
زاده
2 -
إن الآداب واللغة لا تقوم لها قائمة ما لم تتكاتف المواهب لترقيتها وان استخدام الأقوام الأخرى لهذا الغرض مما يزيد في نموها وتكاملها كما وقع ذلك فعلا في اللغة العربية إبان نهضتها وفي كثير من لغات اليوم. لذا نرى عصور التدهور والانحطاط ألحقت كل الخسارات بهذا القطر فجعلت أبناءه آلة لغيرهم في خدمة آدابهم ورعاية شؤونهم العلمية والإدارية حتى نفذت في مناهج الأمة كافة فكانت هذه الوجهة شديدة الخطر على الآداب العربية إذ صار أبناؤنا يخدمون لغة الأغيار وعادت مواهبهم تصرف لمنفعتهم.
وقد رأيت أيها القارئ جماعة ممن خدموا آداب غيرهم فضلا عن انتهاج سياستهم فصاروا يعدون من أكابر الأدباء لديهم مثل الشاعر فضولي وروحي البغدادي وأمثالهما كثيرون. ومنهم مترجمنا محمد نظمي أفندي، وهذه صدمة قوية زعزعت من أركان اللغة العربية.
كان العرب يجذبون إليهم الأقوام الأخرى ويستخدمونهم لمصالحهم العلمية والأدبية والصناعية والسياسية. والشواهد على ذلك كثيرة بحيث يعسر إحصاؤها بل يستحيل. ولكن من أمد غير يسير انقلبت الحال وعكست القضية فصارت مواهب العرب مصروفة إلى مماشاة رأي الحاكمين ومراعاة رغباتهم وترويج مطالبهم، فكأنهم خلقوا متاعا لغيرهم.
كاد يقضى على الأدب العربي بزوال حماته والقائمين به فانحط إلى الدرك الأسفل وأوشك أن يمحي أثره لولا البقية الباقية من كتب الأدب، ولولا المدارس الدينية والشعائر الإسلامية وتكرر تلاوة القرآن الكريم ورسوخه في
الأذهان. . . ومع هذا بقي الأدب عاميا أو أرقى من العامي بقليل، أو محصورا في فئة معينة.
فالمترجم نظمي أفندي كان معروفا لدى الأتراك ويعد من أفاضل أدبائهم، فلا يعرف
مرتضى أفندي إلا به فيقال (نظمي زاده مرتضى) أي مرتضى أفندي آل نظمي فشاعت لفظة زاده عوض آل فاتخذها أبناء العرب في العهد التركي شعارا لعلو المنزلة وشرف الأسرة، فهو أديب. ولكن ماذا يستفيد الأديب من أدبه في ذلك الحين؟ فغاية ما كان حصل عليه (كتابة الديوان) وهي من أكبر الوظائف القلمية آنئذ ولا تسلم لأحد ما لم تكن له مادة غزيرة تؤهله ولم يحصل على اعتماد في أمانته بحيث يكون موطن الأسرار. وقد نال شهرة في آدابه وتبين فعلا إخلاصه وصدق طويته كما يأتي قصص ذلك.
ومهما كان الأمر فالعربية خسرت مقدرة آدابه بتوغله في الآداب التركية. وأضاف هو أيضاً إلى اللغة التركية أدبا جما وتجددا باهرا باطلاعه الواسع على اللغتين العربية والفارسية.
إن المؤرخين - نظرا لما عرف واشتهر من أحوال مرتضى أفندي المؤرخ العراقي - حاولا إيضاح ما خفي من أصل أسرته فتضاربت آراؤهم في البحث عنه. وكلها من تعد الحدس والتخمين، فهي ظنون وأكثرها أوهام. وهذا نص ترجمته منقولة من كلشن شعرا الذي سبقت الإشارة إليه حول هذه الترجمة وهي:
(إن محمد نظمي أفندي هو ابن بنت عهدي البغدادي. توفي في الليلة الرابعة من رمضان المبارك من سنة 1074 وقت العشاء، وكان ولد سنة 1002. ولما بلغ السن التي تؤهله للتحصيل سلك طريق أجداده الاماجد وبذل مجهوداته لاكتساب العلوم ومجالسة العلماء والظرفاء وبهذا قضى غالب أوقاته ومعظم أزمانه.
وكانت الرغبة ذلك الحين مصروفة إلى الشعر ولعض العلوم المألوفة فمال إلى ذلك حتى تمكن من قرض الشعر ونالت أشعاره مكانتها من الرقة والعذوبة حتى تكون لديه ديوان شعر. ومال بكليته إلى التحرير فامتلك القلوب ببلاغته واخذ بمجامعها في حسن نياته.
وبينما هو في هذه الحالة من رغد العيش وهنائه مع أبناء وطنه وأحبائه في
راحة وطمأنينة إذ فاجأ عصيان من قبل (بكر صوباشي) أدى إلى استيلاء العجم على بغداد زمن (الشاه عباس الصفوي المتوفي سنة 1038هـ) فتبدل هذا النعيم بالشقاء وتلك الراحة بالعناء فلم يطق البقاء على هذه الحالة ولم يرافقه هذا التغير في الحكومة فترك ممتلكاته من أموال ودار فذهبت نهبا واتخذ القول المشهور (الفرار مما لا يطاق من سنن الأخيار) فاختفى
بادئ بدء نحو خمسة أيام أو ستة ثم بدل أثوابه وغير كسوته ولبس لباس الدراويش واخذ أمه معه فتوجه نحو الحلة وكربلاء فكانت هذه له دار الأمن والأمان.
عاش هناك عيشة الدراويش وصار في حيرة من أمره لا يدري ماذا يصنع فارتبكت حالته وساءت، ولم تمض مدة طويلة حتى ورد الوزير الأعظم حافظ احمد باشا لإنقاذ بغداد من أيدي العجم فلما علم بذلك وكانت بينه وبين المشار إليه معارفة قديمة جاءه وامتدحه بقصيدة رنانة بين فيها ما جرى عليه في نكبته وما لقيه من الغربة وما عاناه، ولم نر في نفسنا حاجة إلى سرد مطلع هذه القصيدة وإنما غاية ما يفهم فحواها انه صدرها بغزل وجعله براعة استهلال، ثم وصف في أثناء المدح حالته فبين أن ظاهره ينبئ عن مكنون سره، صار متشردا في الطرقات والبراري، فتارة يقال: مجنون، وطورا تقذفه الصحاري فيلجأ إلى الوهاد، وقد اخضلت الأرض بدموعه التي هي كالسيل المفعم. وانبتت الأعشاب فالديار تتقاذفه ويكاد يحترق بنار أنينه ولهيب اهاته، يحسب مرة أن العدو ظفر به أو انه جاءه ليقضي عليه لما اختلج في فكره من الوهم وصار يرتعد كأغصان أصابتها الريح. . .
حاقت به المصائب من كل جانب فكأنها من هولها عوسج اكتنفه بحسكه من جميع جهاته. . . واخذ يذكرها الواحدة تلو الأخرى ويصورها ببديع أدبه حتى انه أبدى: لا يدري ماذا يصنع من الاضطراب الذي ناله، وان الأدب حبب إليه البيان وعلمته المصائب أن يبوح بما لقي بتعبير جاذب خلاب. وهكذا لازمه كمال البيان إلى أن مضى بها بين غزل ووصف حالة وبين شكر ومدح. . . وهي تقرب من ستين بيتا. . . ثم انه بعد أن لقي الباشا المشار إليه عاد إلى الحلة تارة أخرى ومنها ذهب إلى كربلاء وفي هذا الوقت لم يتيسر للباشا فتح بغداد
ولا تمكن من الاستيلاء عليها فاضطر إلى الرجوع بخفي حنين، فلما علم المترجم بالخبر تأثر كثيرا، ولذا اختفى أيضاً وتكتم في الذهاب إلى البر فسلك طريق الصحراء خائفا، فوصل إلى الرها بعد أن تجشم الأخطار واجتاز الأهوال فاتخذها مأوى له وجعل سكناه فيها فعدها وطنا ثانيا له وصارت دار هجرته.
وهناك اتخذ له دارا ومحلا معلوما وتعرف بأشراف البلد ومشايخه وعلمائه فصار يجالسهم، وبينا كان مطمئنا وراضيا بحالته إذ سقط يوما من فرسه فكسرت رجله، ولازم داره مدة في خلالها ألف ديوانا سماه (ناز ونياز) وهو بمعنى الفتح والطموح، جعله من بحر المثنوي
مماثلا لما ألفه فضولي من (مجنون ليلى) فأثبته في ديوانه، وهذا غير ناز ونياز الفارسي المذكور في كشف الظنون فانه لمؤلف آخر.
ثم انه بعد ذلك توجه السلطان مراد إلى بغداد لاستخلاصها، ولما وصل الرها استقبله بقصيدة مدحه بها ودعا له فيها بالسفر الميمون.
وأرخها في سنة في سنة 1048هـ (1638م) قائلا: (مبارك أوله أكان دائما طريق وسفر) وعندما علم أن السلطان مراد قد افتتحها في مدة يسيرة وانه أعاد إليها نظامها وانتظامها وسمع أن المهاجرين صاروا يعودون رويدا رويدا تحرك حينئذ من الرها سنة 1053هـ وعاد إلى وطنه القديم بسرور لا مزيد عليه، فحمد الله على الرجوع مع أمه ولم يكن معهما أحد وكان هاجر عنه بزي درويش ناسك ومن ثم صار له من الأهل والعيال والأولاد والمال والجاه ما يغبطه عليه، وتولى بعض المناصب مما يتعلق (بكتابة الديوان) وله آثار حسنة ومناقب جميلة.
وفي سنة 1066هـ سافر إلى حج بيت الله الحرام مع والدته وأهله وعياله، وتقدم لزيارة روضة المصطفى (ص).
إن المومى إليه كان فريدا في النظم والنثر وحيدا في عصره باللغة العربية والفارسية، وهو شيخ نوراني جليل، اعتقاده طاهر، ومواظب على الأوراد، قد صاحب شيوخا كثيرين من أرباب العرفان وجالسهم فاقتبس من أنوار حقيقتهم فهو عارف بالسلوك إلى طريق الحق وله اليد الطولى في التصوف وعدا ذلك فخيراته عميمة وحسناته وفيرة يسعى لعمل البر، وفي كل أحواله مراع للشرع
الشريف وفي أواخر أيامه أي قبل أن يتوفى بنحو خمس سنوات ترك الأشغال ولازم تلاوة القرآن الكريم والأوراد والأذكار.
وفي سنة 1074 توفي عن 72 عام، وقد رثاه ابنه وأرخ وفاته (الظاهر انه أخو مرتضى أفندي) بقوله:
كيجدي أول مرحوم حق نظمي أفندي ذو الفنون
دار دنيادن بقادة ايلدي جاي ومكان
عالم أر وأحدن كلدى نداكيم سويلكز
تاريخن (يا رب اجعل بيته دار الجنان) 1074
وأرخ أيضاً وفاته سيفي الذي هو من فصحاء الزمان فقال:
جك ايكى ألف سينه يه كيم رسم غرادر
اندن صوره تاريخني (دي نظمى ايجون اه)
وكذا أرخ وفاته غوثي فكان له وقعه: (وفيه تنويه بفضله وبيان لمكانته ومنزلته في النفوس):
اكمل أهل خرد افصح أرباب سخن
…
سعدي دور زمان صاحب أخلاق سليم
عارف مبدأ وداناى رموزات معاد
…
واصل رحمت ابجار خداوند كريم
إلى أن يقول:
فوتنه سويلدي اخلاصله غوثي تاريخ
…
أوله روحي همه جا جنت اعلاده مقيم
ومطلع ديوانه: 1074
قد بدا من كأسنا أنوار مشكاة الهدا
…
الصلا أي باده نوشان محبت الصلا
جامه مي آتش فروزطوراولور أول عارفه
…
كيم ويرر طبعية عسقك انجلا
اهـ.
هذا ما جاء في كلشن شعرا والظاهر أن هذه الترجمة لأحد أبنائه كما أشير إلى ذلك فيما سبق، وقد ذكر له ابنه مرتضى تاريخا منظوما في جامع السلحدار محمد بك فلا نرى في نفسنا حاجة إلى إيرادها هنا بعد ذكر الأبيات الكثيرة له. ومن هذه يتضح أن ولادة المترجم ووفاته معينان وانه لم يذهب إلى بلاد الأناضول في أثناء خروجه من بغداد بسبب تبدل الحكومة. وحين عودته إلى بغداد لم يكن معه أولاد أو أحفاد نظرا للصراحة بذلك من انه رجع
مع والدته فحسب. . . وبهذا انتفى ما في تاريخ كليمان هوار وزال الخفاء عن هذا الرجل كما انه لم يكن اسمه السيد علي بخلاف ما جاء في سجل نفوس عثماني عن مرتضى انه ابن السيد علي فهذا غير صواب منه، والذي يتبين من ترجمته انه أديب في اللغات الثلاثة وارث لعلوم جديه عهدي وشمسي ومنتهج سلوكهما وانه كان كاتب الديوان. وقد ذكر جملة صالحة من أبياته التركية وكنا نود أن يبين مترجمه بعض أبياته الفارسية والعربية ويا للأسف لم يتعرض لها كما أن المسيو كليمان هوار يقول أبقت الأيام ديوانه ولكنه لم يصفه ولا ذكر محل وجوده لنتمكن من الاطلاع عليه لعلنا نقف على معاصريه
عدا غوثي وسيفي اللذين مر ذكرهما في رثائه. وكان له ولدان وهما:
1 -
حسين أفندي. 2 - مرتضى أفندي المؤرخ العراقي الشهير.
وسيأتي الكلام عليهما في المقال التالي، والله ولي التوفيق.
بغداد: المحامي عباس العزاوي
الاقراباذين وأول من ألف فيه عربي نصراني
الاقراباذين لفظ يوناني معناه: (التركيب أي تركيب الأدوية المفردة وقوانينها)(عن كشف الظنون) وقد ذكرت معلمة الإسلام هذه الكلمة وقالت إنها (من ومعناه التأليف الصغير بعد أن مرت باللغة السريانية (جرافاذين) وقد فسر عيسى بن علي هذه الكلمة بقوله: (رسم الأدوية أو نسق أو مجموع أي ما يسمى عند الإفرنج اه.
قلنا: نحن لا نوافق على هذا الرأي والكلمة اليونانية لم ترد بالمعنى الذي أشير إليه. والذي عندنا أن الكلمة من اليونانية ومعناها التركيب الطبي كما قال في كشف الظنون وقد استعمل هذه اللفظة اليونانية وبهذا المعنى ديسقوريدس في كتابه: (على العقاقير أو على المادة الطبية 207: 1) أي بمعنى
وأول عربي ألف في الاقراباذين سابور بن سهل النصراني (عن ابن القفطي ص207) وكان طبيب المتوكل ومن جاء بعده من الخلفاء، توفي ابن سهل في 21 ذي الحجة سنة 255 (31 نوفنبر سنة 869م).
الدولة القاجارية وانقراضها
1 -
تمهيد
توفي في باريس احمد شاه من ملوك القاجار وأخرهم وذلك في 1 آذار (مارت) فانقرضت به الدولة المنتمي إليها فرأينا من المناسب أن نعقد فصلا لهذه الدولة.
2 -
معنى القاجارية ونسبهم
يرى علماء اللغة الفارسية أن القاجار تصحيف (قجر) بقاف وجيم فارسية مثلثة وراء في الأخر، ومعناها السريع في سيره ويراد بالقجر قبيلة من بادية التركمان كانت كثيرة التنقل في ديار تركستان وكثيرا ما كانت تظعن إلى ربوع إيران المجاورة لها انتجاعا للكلا ثم تعود إلى وطنها فتقيم فيه زمنا. وكنا قد قرأنا في سنة 1894 كتابا خطيا لأحد علماء إيران يقول فيه أن القاجار لغة في الكوجر أي المتنقل والراحل بالتركية، وكان الشاه الذي انشأ هذه الدولة من قبيلة تركية متنقلة بادية وكلا اللفظيين يرجع إلى أن أصل الدولة المذكورة من قبيلة بادية راحلة. إلا أن الشائع هو أن القاجار منسوبون إلى القجر القبيلة التركمانية المذكورة التي كان أصل مقامها في أرجاء استراباد.
ويزعم مؤرخو الفرس أن القاجار يمتون بنسبهم إلى قبيلة جلائر الكبرى وهي تلك القبيلة التركية المشهورة في التاريخ وان الملوك القاجارية منسوبون إلى قجر نويان بن سرتاق نويان الذي هذب وأدب غازان خان. وسرتاق هذا هو الذي قتله بايدو زاعما انه كان من حزب غيختو وذلك في سنة 694هـ (1295م) ويزعم هؤلاء المؤرخون أن القبيلة المذكورة أقامت على تخوم ديار الشام بعد تملك أبو سعيد أو بوسعيد في سنة 731هـ (1335م) ثم أعادها تيمورلنك إلى إيران وفي تركستان أصل منشأها وذلك في سنة 803 (1400) وكانت إحدى القبائل السبع التركمانية التي أجلست على عرش فارس الدولة الصفوية. والى هذه القبيلة أيضاً ينتمي (شاه قلي قرجي (الحرسي) الذي أوفد مرتين في سنة 962 (1555) وسنة 975 (1567) ليتذاكر في أمر الصلح مع العثمانيين
وقد فوض إليه أمر السفارة.
وفي سنة 995 (1587م) لاحظ الشاه عباس الأول ازدياد أبناء هذه القبيلة فقسمها إلى ثلاثة أبطن، فأقام البطن الواحد في مرو بازاء الازبك والثاني في كنجة واريوان. والثالث في استراباد في قلعة مبارك آباد التي شيدها فالذين أقاموا في الأعالي سموا يوخار باش والذين توطنوا في أداني البلاد عرفوا باشق باش. وكانت الغاية من إسكانهم تلك الأرجاء حمايتهم ودفع عوائل التركمان الذين كانوا وراء التخوم.
هذا أصل القاجارية على رواية مؤرخي الفرس الذين كتبوا ما كتبوا تزلفا من الدولة المالكة وخوفا من سطوتها وبطشها يوم بلوغها إلى عرش الاكاسرة والذي عندنا أن وصل نسب القاجارية بالجلائرية، مشكوك فيه كل الشك إذ لم نجد له أثرا في المؤرخين الذين دونوا الأخبار قبل تسلم القاجارية غارب المملكة ولهذا لا نوافق على تلك الرواية الضعيفة إلا إذا جاءنا أحدهم بنص قديم صريح يثبت هذا الرأي. وسوف ننتظره سنين عديدة مديدة ولعل عينينا لا تقعان عليه أبدا.
3 -
ملوكهم
كان فتح علي خان ابن شاه قلي خان ابن مهدي خان ابن ولي خان ابن محمد قلي وكان من أمره انه وضع يده على استراباد ليثأر دم أخويه وفي سنة 1135 (1723) حارب الأفغانيين الذين حاصروا اصفهان وهو على رأس ألف فارس فوشي به عند الشاه حسين انه طموح فعاد إلى دياره وترك الشاه الصفوي يتقلى على جمر الغضا الذي أضرمه الأفغان. ثم دعاه أهل الري ليدفع عنهم غائلة العدى من الأفغان الذين كانوا في إبراهيم آباد بقرب وراوين لكنه لم يوفق فعاد إدراجه إلى مازندران ليخدم الشاه طهماسب، وفي زحفه إلى المشهد قتل بأمر نادرشاه في 14 صفر 1139 (12 ت1 سنة 1726).
وحاول نادرشاه أن يقتل ابنه محمد حسن خان وكان يتأثره ففر هذا إلى التركمان وجمع منهم من تحزب له واسترجع استراباد فانتزعت منهم بعد زمن فأقيم من رؤوس القتلى منارتان عرفتا باسم (كله منار) وقد رآهما الإنكليزي هنوي وصورهما ونقلهما السير مرك سايكس (تاريخ إيران 364: 2)
فذهب محمد حسن إلى قبيلة داز فأبت ضيافته على إلحاح نادرشاه فقضى أياما عديدة في البادية حتى سمع اتفاقا وعلى غير انتظار منه قتل نادرشاه فعاد إلى استراباد واستحوذ عليها (1166هـ 1747م) فهاجمه بعد ذلك كريم خان زند الذي
حاصره فيها مدة أربعين يوما ثم ترك الحصار تاركا معسكره (1165هـ 1752م).
وفي سن 1168 (1755م) دوخ احمد شاه مدينة مشهد رضا وأرسل شاه بسند خان ليهاجم أملاكه وكان يقود 15. 000 فارس فكسر هذا الجيش في سبزوار. فلما كان الظفر حليف محمد حسن نشط كل النشاط فدوخ قزوين وكيلان وزحف إلى اصفهان فخسر كريم خان واقعة كلون آباد على أربعة فراسخ من هذه المدينة وفر إلى شيراز وفي سنة 1169 (1756م) استولى على أذربيجان وكان يحكم فيها أزاد خان الأفغاني. فوصل إلى هذه الولاية في سنة 1170 (1757) وعقد لواءها لابنه آغا محمد شاه وكان عمره يومئذ 18 سنة وفي السنة التالية زحف إلى شيراز إلا أن جيشه تفرق شذر مذر لقحط وقع في تلك السنة، ثم قمع بعض عصيان رآه في قسم من الجند، ولما تعب عسكره من الزحفات المتداركة غادروه غير آسفين على مفارقته فرجع إلى استراباد بجماعة من (اشق باشية) وحشمه فناهضه الشيخ علي خان في بادية قرق فساخت سنابك جواده في الوحل فقتل وهو في تلك الحالة وكان قاتله كرديا اسمه (سبزعلي) وكان أحد خدمه الذي انحاز إلى عدوه (سنة 1171هـ - 1758م).
وفي تلك الأثناء دخل حسين قلي خان - ثاني أولاد الشاه السابق وهو الملقب (بجهان سوز) لجراءته وشجاعته - في خدمة كريم خان الذي خص ببلاطه آغا محمد وكان عمره يومئذ ثلاثين سنة فذهب هذا إلى شيراز وأقامت أسرته في قزوين ثم عين حسين قلي حاكما على دامغان وكان طموحا إلى الأعالي فهجم على استراباد وسير فيها النار والبتار فدوخ مازندران وفاجأ في بادفروش حاكمها مهدي خان الذي كان قد عينه كريم خان عاملا لتلك الكورة، فقتله في خيمته ضربا بالبارودة (تزكمان يوموت) العصاة وكان عمره سبعة وعشرين عاما، وهو أبو فتح علي شاه.
ودونك الآن أسماء ملوك الدولة القاجارية مع سني مواليدهم وتملكهم ووفياتهم.
4 -
أسماء ممهدي طريق العرش
(فتح علي خان) ولد في 1097 (1685) أو في 1104 (1693) ورقي العرش في سنة 1133 (1721) وتوفي في سنة 1129 (1726 أو 1727) ودفن في خواجه ربيع قريبا من المشهد.
(محمد حسن خان) كانت ولادته في سنة 1127 (1715) وعلا الأريكة سنة 1164 (1751) وودع الدنيا في سنة 1172 (1758 أو 1759) ودفن في (شاه عبد العظيم).
(حسين قلي خان) ولقبه جهان شوز (أي محرق الدنيا) ولد في 1164 (1751) وامتطى غارب المملكة في 1184 (1770) وانتقل إلى الآخرة في سنة 1191 (1777م) ودفن في استراباد.
5 -
أسماء الملوك أرباب المملكة
1.
(آغا محمد شاه) ولد في 1155 (1742) وقبض على الصولجان في سنة 1193 (1779) وانضم إلى آبائه في سنة 1211 (1796 أو 1797) ورمس في النجف (مشهد علي في العراق).
2.
(فتح علي شاه) ولد في 1185 (1771) وقبض على زمام المملكة في طهران سنة 1212 (1797 أو 1798) وتوفاه الله في 1250 (1834) وقبر في قم.
(عباس ميرزا) نائب السلطنة ولد في 1203 (1788 - 1789) وقضى نحبه في خراسان قبل والده (1249 أي 1833 - 1834) ودفن في مشهد رضا.
3.
(محمد شاه) ولد في سنة 1222 (1807) وجلس على كرسي الملك في سنة 1250 (1834) ووافاه الأجل في سنة 1264 (1848) ولحد في قم.
4.
(ناصر الدين شاه) جاء إلى هذه الدنيا في سنة 1247 (1831 - 1832) وملك في سنة 1264 (1848) وقتل في سنة 1896.
5.
(مظفر الدين) كانت ولادته في 1269 (1853) وتسلم العرش
في 8 حزيران 1896 وانتقل إلى دار البقاء في 14 يناير 1907.
6.
(محمد علي) ولد في سنة 1289 (1872) وملك في 19 يناير سنة 1907 واستعفى في 16 يوليو 1909.
7.
(احمد شاه) ولد في سنة 1898 وبلغ سن الرشد في 1914 وخلع وتوفي في هذا السنة.
(أغلب هذه المقالة معرب عن معلمة الإسلام)
دار شيعان
أو شيشعان
هذا اسم نبات شائك، وهو مركب من كلمتين من (دار) الفارسية أي خشب أو عود، وشيعان (كجوعان) من شوع رأسه (ككرم) أي انتشر شعره وتفرق وصلب حتى كأنه شوك، أو بعبارة أخرى: ثار وشعث. وسمي كذلك لان لهذا النبت شوكا منتشرا متفرقا صلبا كما رأيناه، وقد ذكره بعضهم بصورة شيشعان كأنه منحوت من (شيعان) المكررة فاكتفوا بشين ثانية عن تكرير الكلمة نفسها لان هذه الشين هي الحرف الظاهر المتفشي الصوت والمهم في الكلمة. وقد جاء هذا الاسم مصحفا تصحيفا قبيحا في كثير من كتب النبات واللغة، فقد ورد في محيط المحيط (دار شيشفان بالفاء أو دار شيشفار)(بالفاء والراء) أو دار ششفار (بحذف الياء من بين الشينين) شجرة عظيمة شائكة وتعرف بالقندول، (فارسية) اه. وكرر هذه الأغلاط صاحب البستان وعرف الشجرة بقوله: شجرة شائكة فارسية معروفة عند فريق من العامة بالقندول (وضبط الدال بالفتح) اه.
قلنا ليست شجرة فارسية بل ترى في كثير من البلدان غير الفارسية أيضا. والقندول عند العامة بضم الدال كما سمعناها من كثيرين في فلسطين وسورية لا بفتحها، وذكر البستانيين هذه الكلمة المركبة في مادة (دار) من اغرب الغرائب. وحق ذكرها في شوع لسبب اشتقاقها ومعناها.
فوائد لغوية
العربة وأصلها
وقفنا على ما كتبه حضرة الخوري جرجس منش في مجلة المجمع العلمي (699: 9) بعنوان: (العربة، هل هي من وضع ابن بطوطة؟) فتعجبنا من هذا العنوان الغريب، لأنه لم يذهب إلى هذا الرأي أحد، إذ كلنا يعلم أن ابن بطوطة ذكر اللفظة سماعا عن أهل البلاد الذين كانوا ينطقون بها فهو راو لا واضع، فكيف نسب حضرته هذا الأمر إلى ابن بطوطة في ذيالك العنوان المغالط به؟ فلو قال مثلا:(العربة، هل هي من عصر ابن بطوطة) لما ناقشناه. أما انه ينسبها إلى الرحالة المذكور، في الوقت الذي يصرح فيه بأنه يروي الكلمة رواية، فهذا مما كنا نحب أن يرفع نفسه عنه.
وهناك نسبة أخرى كنا نود أن لا يذكرها بالوجه الذي ذكره، فقد قال حضرته:(وقد كان. . . الأب انستاس الكرملي ذهب إلى أن العربة تركية الأصل في نقده على الشيخ إبراهيم اليازجي قال في مجلة المشرق (519: 5) وكثيرا ما يستعمل كلمة (عربة) بمعنى مركبة وعجلة وهي تركية الأصل!!.) كذا رأينا هذه العبارة مكسوعة بعلامتي تعجب. ونحن لم نفعل ذلك، فهي إذن من حضرة الخوري الفاضل ومن زياداته، وكان يحسن به أن يقول انهما من عنده أو أن يجعلهما بين عضادتين أو هلالين أو غير ذلك من العلامات، ليشعر القارئ بأنهما ليستا لنا إذ لسنا ممن يسخر بمعرفة اليازجي، ومقامه من اللغة أشهر من أن يذكر.
إذن وضع حضرته هتين العلامتين هو من عنده ليدل بهما على تعجبه من جهلنا. قلنا إننا نقر بهذا الجهل وقد صرحنا به مرارا، لكن مع هذا كله لم ننسب إلى نفسنا القول بتركية أصل العربة، وكلامنا صريح فويق هذا وهو:(وهي تركية الأصل.) ولم نقل: (وعندنا إنها تركية الأصل)، إلى غيرها من
العبارات التي تدل على ادعاءنا بالأمر. إنما أوردنا رأي الغير والذي صرح به قبلنا أنها تركية صاحب مرآة اللغات، ومؤلف الدرر العمانية في لغة العثمانية، وصاحب لهجة اللغات وغيرهم كثيرون. ولما قلنا أنها تركية لم نقل أنها بلفظها الحالي تركية الأصل بل أردنا أن نقول تركية التركيب والوضع. ألا يعلم الناس أن عولس
أو عوليس علم يوناني ومع ذلك نقله بعضهم بالعين كما ترى. أفلكون تبتدئ بعين يزول عنها أصلها اليوناني؟ - فقول حضرة الخوري: (وهذا يؤكد (أي كتابة الكلمة بالعين) ما سبق (كذا) وقلته لا أظن العربة من أصل تركي) قول يقرب من قول الأطفال والرضع.
أنا أن العربة (تركية) فنحن لا نشك فيها. وذلك لأننا نراها مدونة بهذا المعنى في كتاب (ديوان لغات الترك) لمؤلفه محمود بن الحسين بن محمد الكاشغري وقد فرغ من تأليفه سنة 466هـ (1073م) أي في أواخر المائة الحادية عشرة. وأنت تعلم أن المؤلف تركي صنف كتابه في بغداد ونقل ألفاظه عن الترك، كما تعلم أيضاً أن اللفظة لا تشيع بين الأمة البعيدة الأوطان والأطراف إلا بعد مئات من السنين، بخلاف ما يجري في هذا العهد إذ يعم اتخاذ اللفظة نقلها على أجنحة الصحف والمطبوعات، أما في عهد البداوة فان الكلمة ما كانت تنتشر إلا بعد مئين من السنين. فوجود العربة عند الترك بصورة أربه أو أرابه بمعنى العجلة أو المركبة في لساننا: أقدم من نقل معناها بهذا اللفظ نقلا عن الارميين أن صح هذا النسب الموهوم فيه. أما
أنها سريانية فهي لم ترد فيها بهذا المعنى وهل يمكن أن يستشهد بوجود كلمة بمعنى من المعاني غير المعنى المطلوب الذي يجري فيه الجدال؟ - ومن الغريب أن حضرة الخوري يلوي النصوص ويقلبها ظهراً لبطن ويسومها عذاب الهون ثم يحاول أن يخرج منها معنى العجلة الذي يولي عنه بعيداً كلما عالج القبض عليه. فالمراد من قول المؤلفين الأرميين: جناح دولاب العربة (العنفة)(كقصبة) وهو ما يضربه الماء فيدير الرحى. فأين هذا من العجلة يا حفظك الله؟ نعم أن العربة هي الرحى التي يكون في السفينة في الماء ليطحن بها القمح أو يعصر بها البزر، أو يستخرج بها الزيت لكن بين أن يكون الزورق عجلة أو مركبة فرق كالفرق الذي يرى بين السمكة السابحة في الماء والحيوان الذاب على الأرض فأن يكون هذا يوافقه فلا يوافق الغير من المنصفين.
وليس حضرته (أول من سار غره قمر) فأن العلامة الكبير والمستشرق الشهير دي خوية الهولندي ذكر في المعجم الذي ذيل فيه تاريخ البلدان للبلاذري أن العربة وردت في هذا السفر الجليل مجموعة على عرب بحذف الهاء. على حد ما نرى في قولهم زهرة وزهر وثمرة وثمر وتمرة وتمر وإليك عبارته: (عرب جمع عربة وهي العجلة. راجع ص8 على ما في النسخة الأولى. أما في النسخة الثانية فعرب وردت بصورة غرب (بفتح فسكون) إلا
أن رواية النسخة الأولى تفضل رواية النسخة الثانية لأن كلمة (محارثة) المجموعة تتقدمها. . .) اه تعريباً وهذه عبارته بحروفها الإفرنجية حتى لا نتهم بالترجمة التي نتصرف فيها:
8.
عربة عرب. عرب غرب محارثة
وجوابنا عنه أن العلامة الجليل أخطأ في القراءة والتأويل. والعبارة التي يشير إليها في البلاذري وأنها ترى في ص8 هي هذه: (وإذن لصاحب الناضح في الغضا وما يصلح به محارثه وغربه). ففي النسخة الأولى جاءت غربة بالعين المهملة أي عربه وفي النسخة الثانية بالغين المعجمة أي غربه. وسبب تفضيل المؤلف رواية العين المهملة على الغين المعجمة أن كلمة محارثه تسبق (غربه) ولما
كانت عربه معطوفة على محارثه كان المعطوف من طبقة المعطوف عليه أي عطف جمع على جمع. وليس ذلك صحيحاً لأن محارثه ليس جمع محرث والمحرث آلة الحرث وآلة الحرث تتركب من عدة أدوات فصح أن تسمى محارث. أما الغرب (بفتح فسكون) فهو الدلو العظيمة يستقى بها للزرع أي ما نسميه نحن بدلو الكرد. والغرب لا يكون إلا واحداً. فصحيح الرواية إذن (وغربه) أي ودلوه. أما فساد الرأي المراد هنا (عربه) أي عجلاته فظاهر من أن الفلاحين من السلف لا يتخذون العجلات في الزراعة والحراثة والفلاحة بخلاف أهل أوربة - ثانياً أن شبه الجمع أو الجمع الجنسي في مثل ثمر وثمرة معروف في المخلوقات لا في المصنوعات. وأن ورد بضعة ألفاظ في المصنوعات أيضاً إلا أن الشائع المستفاض هو في المخلوقات - ثالثاً أن لفظة (العربة) بمعنى العجلة لم تشع بين الناطقين بالضاد قبل المائة الرابعة للهجرة أو المائة العاشرة للميلاد والبلاذري من أهل المائة الثالثة للهجرة. فكل دليل من هذه الأدلة الثلاثة كاف وحده لتوهين القول بأن المنصوص في أصل عبارة البلاذري هو العرب (العجلات).
وممن وهم وهمه دوزي، قال: عربة بمعنى عجلة تجمع على عربات وعرب (راجع معجم البلاذري ومعجم دوزي ومحيط المحيط).
ومن غريب ما استنتجه حضرة الخوري قوله: (وقد ذكر ابن علي عربا على اللفظ الشرقي بمعنى العربة (العجلة) كما مر بك) والعبارة التي يشير إليها حضرته هي: (ابزارا) جناح دولاب العربة) والحال أننا نعلم أن لا جناح للعجلة كما أن لا جناح للعجلة (بكسر الأول
مؤنث العجل) والعربة المذكورة في هذا النص هي المعصرة لا غير فكيف يلوي حضرته النصوص ويستنتج منها تلك النتائج؟ أن هذا لمن الاستخفاف بعقول القراء والضحك من شواربهم ولحاهم ولا يمكن أن يسلم به جاهل فضلاً عن عاقل.
فمعنى العربة التي استعملها الارميون يوافق المعنى المذكور عنها في معاجم
لغتنا العربية أي معنى المعصرة الموضوعة في السفينة ولها دولاب للدولاب عنفات يضرها الماء فتحركه أي وليس هناك أثر لمعنى العجلة.
والعربة التي يكتبها صاحب (ديوان لغات الترك) أربه (كقصبة وبهاء في الأخر) تركية الأصل لا شبهة فيها وقد عربها العرب بالعين كما عربوا ألفاظا كثيرة ناقلين إياها من اللغات التي لا عين فيها ولا سيما هذه الأربه عربت بالعين لقربها من لفظة (العربة) التي ألفوها لوجودها عندهم علما ونكرة وأن كان المعنيان يختلفان فإننا نسمع العراقيين يقولون الآن: أم البوس في امنيبوس وهي الحافلة - وقلم طوز في كالبتوس إلى غيرهما من الألفاظ التي يسمع مثلها وتجري على هذا الوجه من التحريف والتصحيف في جميع الديار واللغات لمشابهة بين الكلم الغربية والكلم المألوفة على السماع.
(تذييل) أغلق علينا فهم بعض الألفاظ فنرجو من حضرته أن يفيدنا عنها قال: (ذلك ما تبادر إلى ذهني)(ص699) أفيريد أن يقول: (ذلك ما تبادر ذهني إليه، أو بادر إليه ذهني؟ - وقال فيها (ليس هو من أئمة اللغة بل ليس هو الذي وضع. . .) أفلو حذف (هو) من الجملتين ألما كانتا أخف وأرشق؟ وأن كنا لا نخطئ قوله المذكور.
وفي ص700 (في العهد العباسي أي في أواخر العصر التاسع للمسيح) قلنا: سر العهد العباسي بأواخر القرن التاسع للمسيح. والذي نعلمه أنه يمتد من سنة 132هـ (749م) إلى سنة 656هـ (1258م) أي 524 سنة. هذا فضلا عن أننا لم نجد بين الأقدمين من استعمل العصر بمعنى القرن أو المائة سنة، ومما شق علينا فهمه قوله في ص700 (عربة خطأ محض (بالتركية) لأن العين لا وجود لها في اللغة التركية ولعل المراد (أرابه در). فهذا كلام يدلك على أن اللفظة التركية هي (أرابه در) وهذا أمر مضحك، إنما المعنى (هو أرابه) بالتركية. لأن در في اللغة التركية أداة وصل الخبر بالمبتدأ ويقابله (هو) بلغتنا والسلف يحذفونه فيقولون مثلا:(العلم نافع) لا العلم هو نافع - ومما لم يأنس بالنطق به
فصحاؤنا قول حضرة الخوري في حاشية 700 (مثل برنساه وما أشبه) -
والذي ينطق به أئمتنا: وما أشبه (راجع سبب هذا التعبير في هذه المجلة 555: 7) ففيه فائدة لا تنكر.
ومن ألغاز كلامه هذا التعبير: (وهذا يؤكد ما سبق وقلته لا أظن العربة. . .) ولعل هناك غلط طبع إذ الصواب (ما سبقت وقلت) أو (ما سبق إذ قلت) أو أشباه هذا التعبير وهو كثير.
ومما لم نفهمه قوله (من اعتاد الحرب ص701 أفيريد (من عتاد الحرب) بلا همزة في الأول. أو اعتد الحرب أو عتد الحرب)؟ فإذا كان هذا هو المطلوب فلماذا كل هذا التحذلق؟ - وفي تلك الصفحة: (ولما كانت العجلات. . . فقد توسطوا) والصواب حذف الفاء من الجواب إذ يتلقى جواب (لما) بالفاء بخلاف (أما) فلعل تشابه اللفظيين استدرجه إلى الوهم. ولما كانت. . . توسعوا). وفي تلك الصفحة كرر قوله: (وما أشبه) والصواب الاحتفاظ بالفضلة وأن يقول: وما أشبهه. وضبط (إرمية)(وزان عنب بالنسبة والتأثيث) كما صرح بذلك صاحب القاموس، وأحسن الأقوال إرم (كعنب) لأنها واردة في سورة الفجر.
أرسلنا بهذا الكلم على ما حضرتنا ونحن أول من يتهم نفسه بالخطأ ويقر به إذا ما رآه متبلجاً في سماء التحقيق الصاحية.
من الأوهام الشائعة
قال أحد الأدباء (وقد زود الوفد العراقي بكل التساهلات المقتضية وكل العطف) وقال أخطأ في قوله (المقتضية) والصواب (المقتضاة) أي اسم مفعول من (اقتضى) والأصل (مقتضية) بفتح الضاد والياء التي قلبت ألفا لانفتاحها وانفتاح ما قبلها. أما (المقتضية) أي اسم فاعل من ذلك الفعل فتستعمل في قولنا (التساهلات المقتضية للنجاح) بمعنى (المستوجبة للنجاح) لا غير.
مصطفى جواد
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرات في رسالة النابغة
طالعت في الجزء الأول من لغة العرب في سنتها الثامنة ص (32 إلى 39) رسالة النابتة للجاحظ التي عني بنشرها حضرة الدكتور داود الجلبي. وقد ظن أن هذه الرسالة لم تنشر سابقاً. والحق أنها برزت إلى عالم الطبع على يد الأستاذ فان فولتن فقيد العلم والأدب وكان قد اعتمد في طبعها على النسخة المحفوظة في الآستانة. والرسالة مدرجة في أعمال المؤتمر الحادي عشر، مؤتمر المستشرقين في القسم الثالث في ص115 إلى 123 (طبع باريس سنة 1897) وقد ذكرت هذه الرسالة في كتاب (الآداب العربية) تأليف بروكلمن (ولعل حضرة الدكتور الجلبي لم يقف عليها لأنها ليست تحت يده) إذ هي في موطن منزو من ملحق المجلد 2ص 693، ولهذا نلفت أيضاً نظر حضرة الأديب يوسف آليان سركيس إذ لم نر لها ذكراً في معجمه الذي وسمه بمعجم المطبوعات العربية. والمفيد في نسخة الآستانة المطبوعة أن النسخة المذكورة تشابه كل المشابهة النسخة الموصلية حتى في بعض أوهامها الظاهرة للعيان، وهذا ما يحدو بنا إلى القول أن الرسالتين منقولتان عن أصل واحد هو الأب. وفي عدة مواطن ترى النسخة الآستانية (وهي التي نرمز إليها بحرف (ن) أضبط من النسخة الموصلية التي (نرمز إليها بحرف (م) وتؤيد في أغلب الأحيان صحة فكرة الدكتور الخبير فليسمح لي إذن حضرته أن أقابل روايته برواية النسخة الآستانية لينجلي الحق لمن يريد اتباعه.
ص32 س2 ن: الامتناع كما في م وأظن أن الامتناع بتاءين هو الصحيح -
وفي (ص) و (س) المذكورين في ن (لا) غير مذكورة
س4 ن تذكر (اتقاء) كما قال حصرته.
ص33 س6 ن تذكر (ذيلها) كما قال حضرته
(في ن غربهم في مكان عنهم
س13 ن (يقتل) كما ذهب إليه الجلبي
(ن كولى كما في م. والصواب أن يقال مول (بضم ففتح فتشديد)
كما يذهب إليه فان فولتن
س14 ن ذمروا عوض دفروا
(15 ن تقدم
(16 ن دما كما أصلحه الجلبي
(17ن تروى: يضيع الله دم، لا يضيع دم الله
(وفيه ن والمنتقم له، لا والمنتقم
(18ن بطائلته في مكان: بطائله
(19 في ن محبته كما في م
(20ن أقامته في موضع إمامته
(21ن رباعه في موطن رياعه
(وفيه ن أقواله كما في م. وفان فولتن يعرض على القراء أن يقال أمواله كما ارتآه الجلبي
س 22ن طمره بدل ظهره
(23ن كلما قذفوه مثل في م. وفان فولتن يرتئي أن يقال: كل ما قذفوه كما ارتآه الجلبي
س وفيه ن وادعوه عليه عوض: أو أودعوه
ص34 س1: ن: قاتله في مكان القاتل
س2 فان ولتن يزيد (أن) بعد (على) الأولى
(5ن أبو حنيفة في مكان أبو حيف. وفان فولتن يذهب إلى أن صحيح الرواية هو: ابن حنيف وهو الصواب عينه
ص34 س8 ن انتثار في موطن: انتشار
(وفيه ن تزيد على ما بعد (أصحابه) هذه العبارة: (وما رأى من الخلل في عسكره وما عرف من اختلافهم على أبيه
س11 ن عصبا (كذا) في موطن (عضبا). وفان فولتن يرى إنها (غصبا) كما ارتأى حضرة الجلبي)
س14 ن اجتماع في مكان (إجماع)
(17ن بالفيء واختيار كما أصلحهما الدكتور
(18 فان فولتن يرتئي أن يقال (جحد) بدل من (حد)
(20ن جحد في مكان (حجر)
(22 ن لم تكن إلا فيمن في موضع: (لم يكن إلا فمن أو ممن. . .
(24ن نابتة وتسبوه كما صححها الجلبي
ص35 س4 ن: أمر كما أصلحهما حضرته
س7 ن تقول في مكان يقول. وقبله في موطن (قتلته)
(8 ن المتحرز في مكان المتحزب
(10ن م) مما
(11ن المثل كما أصلحها الدكتور) وشيا، كما في م. وهو لا غبار عليه بخلاف ما ارتآه حضرة الدكتور
س12 ن تصنع في محل يصنع
(16ن تقول بدل يقول
(18ن تدل بدل يدل وأنفسهم بدل نفوسهم
(19ن فيهم كما في م
ن أتدل عوض أندل وبغضاء عوض (بغض)
(20ن تدل عوض يدل
ص36 س2 ن: شتمهم كما صححها الجلبي
س5 ن بالتجوير بدل بالتجويز.
ص36 (7ن الزبعري كما قال الدكتور
(9ن يا يزيد في مكان يد نريد. وتسل عوض تشل وفان فلوتن يرى أن يقال (فشل). ولعل ذلك لأنه يرقى في العقد الفريد 312: 2 (من طبعة سنة 1293): ولقالوا ليزيد لا فشل، إلا أنه يحتمل أكثر أن تكون (يا) الموجودة في نسخة ن مصحفة عن (يد) على أن هذا البيت لم يرو في عداد الأبيات الواردة في هذه القصيدة المنسوبة إلى عبد الله بن الزبعري وهي مروية مرارا عديدة في كتب أخرى.
ومن الغريب أن الجاحظ نفسه (في كتاب الحيوان 163: 5) يروي:
ليت أشياخي الخ بموجب نص آخر
س10 ن فاعتدل بدل فعدل. ولا يمكن أن يقال: (فعدل) لأن تقطيعه يجب أن يكون (فأعلن)
س11 ن تجوير بدل تجويز). واقطع بدل وافظع
س15 ن يتسكعون عوض يتشكعون
س18 ن مسلمة كما في م. أما فان فولتن فيصححها بقوله (مسلم)
وهو الصواب عينه، غذ لا وجود لرجل اسمه يزيد بن أبي مسلمة
وفيه ليس في ن الكرة كما في م
س22 ن إنكاره كما في م
وفيه ن الجبار كما يراه الدكتور
(24ن فزجروا بدل فزجوا
ص37 س2: ن مولدا (كذا) في مكان مؤكدا
(3ن قراهم عوض قرى
(4ن لا يكون عوض يكون. و (تقول) في مكان (نقول)
(7ن العزة بالإثم كما في م. وفان فلوتن يرتئي أن يقال (الحربة بلا أثم)
وفيه نثر كما في م
(8 ن تراه بدل يراه
ص37 س13 ن جنس كفر هؤلاء غير كفر أولئك في مكان: جنس كفرها لا غبر كفر أولئك
(18ن يظن كما صححها الجلبي. و (تعريا) كما في م. أما فان فلوتن فيرى أن تصلح (تقززا)
س19 ن نبتت كما صححها الدكتور
(24ن أن ينقص منه نقص. عوض: أن ينقص منه
(وفيه ن أن يبدله عوض تبدله
(25ن ونسخه عوض نسخه وفان فولتن يصلحها بقوله ينسخه
(وفيه ن أنزله عوض نزله
(ن كان عوض كاف
ص38 س1 ن تزيد بعد خلق: ومنعوا اسم الخلق.
(1ن فإذا كما في م.
(6ن مخلوق عوض بمخلوق في السطر الذي يليه: بمخلق بدل مخلوق
(9 وان ما كان على. . . كما في م. وفان فولتن يظن أن الرواية الصحيحة هي: وما كان على غير.
(10ن فان لوتن يرى أن تحذف (غير) الأولى ليصح معنى العبارة.
(15ن حكيت كما صححها الجلبي.
(16ن نجمت)
ص39 س2 ن قال كما في م.
(3ن افنحن عوض فنحن.
(4ن بقديمنا كما صححها الدكتور.
(5 نفي العجم عوض: من العجم. وفان فولتن يصحح الرواية بقوله من العجم.
(وفيه ليس في العبارة التي زادها الجلبي بقوله: الحديث دون القديم وللعجم.
ص39 س7 ن كما صححه الدكتور.
(8ن ليبس فيها (بعد ان) للمرة الثانية بعد (اسمعيل).
(13ن ليس فيها (لمن) الأولى لمن زادها فان فولتن.
(15ن (قد) عوض (وقد).
(16 في ن (فخور) بدل (فجور) وقد أردفها فان فولتن بقوله (كذا).
(17ن (أغيظ) كما صححها الدكتور.
(23ن موفقا كما في نسخة م: إلا أن فان فولتن صححها بقوله (موفق).
وأظن أن هذه التصحيحات والمقابلات والمعارضات تسر الدكتور الجلبي فأرجوك أن تطلعه عليها من قبلي وتهنئه بصحة نظره في التصحيحات والجهد الذي بذله في إخراج النص بهذا الوجه الصبيح.
رومة: جرجيو ليفي دلافيدا
مدرس اللغات الشرقية في جامعة رومة.
(لغة العرب) أننا نشكر لحضرة الصديق الكريم السنيور جرجيو ليفي دلافيدا عنايته برسالة (النابتة) وأعمال النظر فيها، فأصبحت بهذا السعي المحمود كالإبريز الذي لا عيب فيه، والقراء جميعهم ينضمون إلى الدكتور داود أفندي الجلبي ليجاورنا في الشكر للأستاذ الإيطالي والاعتراف بفضله الجزيل وتعبه الظاهر.
العسيل والمسواك
قرأت في مجلتكم 142: 8 جوابا عن سؤال جاءكم من لنجة فاستحسنته غاية الاستحسان إذ لم أجد من ذكر العسيل للفرشاة سواكم مع وفرة كتب اللغة الناقلة الأعجمية إلى العربية وبالعكس. فكلهم يذكرون (فرشة وفرشاة وشعرية وفورشة وفرشابة وبرشيمة وممسحة) إلى غيرها وكلها لا تؤدي معنى الإفرنجية إلا لفظتكم لصحة معناها ولأنها عربية محضة. ولهذا أقدر سعيكم كل التقدير والآن أود أن اعلم أي لفظة تصلح لأن تكون (لفرشة الأسنان) مع الاشتراط أن تكون الكلمة عربية من طبقة لفظة العسيل؟
مصر القاهرة: س م. ح
(ل. ع) أحسن لفظة هي (المسواك) وقد اجتمعت فيها جميع شروط المعنى والمبنى. ويخصص السواك بما لا يكون متخذاً من الشعر.
أسئلة وأجوبة
قبر إبراهيم الخليل وموضعه
س - سبزوار (إيران) - م. م. ع: قال أحد الفضلاء في مجلة المرشد (2. 2: 4) فقام السلطان (طهماسب) بهادر خان الصفوي فزار مرقد الإمام (ع) سنة 943 هجرية واهتم بإيصال الماء إليه من الفرات فأمر بحفر نهر له من الحلة وكانت يومئذ من الحواضر الكبرى الآهلة بالعلماء والأدباء فحفر من فوق نهر التاجية في جهة الغرب نهرا أخذة على الطريق السائر من الحلة إلى قرية (نمرود) المعروفة اليوم عند العامة بقبر (إبراهيم الخليل - ع -) انتهى المقصود من إيراده. والأماكن التي تعزى إلى النمرود في العراق (كما أعلم) ثلاثة:
1 -
مدينة النمرود وهي المشهورة ببابل.
2 -
نمرود وهي قرية قريبة من الموصل الحدباء كانت في الاعصر الغابرة مدينة تسمى (كالح).
3 -
برس نمرود وكانت في الاعصر الغابرة مدينة تسمى (بورسيبا).
فأين قرية نمرود المعروفة بقبر إبراهيم الخليل والواقعة على طريق الفيحاء.
ج - لم يمت إبراهيم الخليل في العراق حتى يكون له قبر فيه. وقد اتفق علماء الإسلام والنصرانية واليهودية على أن أبا إسحاق توفي في حبرون ودفن في القبر الذي دفنت فيه سارة. ولهذا لا يلتفت إلى كلام العوام القائلين (قبر إبراهيم الخليل في العراق).
والمدن والأبنية المنسوبة إلى نمرود أكثر من أن تحصى. وسب ذلك أن نمرود اشتهر بالعظمة والجبروت فنسب إليه العوام كل مدينة قديمة عظيمة وكل بناء فخم. ودونكم بعض ما جاء في هذا الصدد: قال ياقوت في مادة أجمة برس (واجمة برس بحضرة الصرح. صرح نمرود بن كنعان بأرض بابل). . . وقال.
في اردشير خرة. . . (قال البشاري: اردشير خرة كورة قديمة رسمها نمرود بن كنعان ثم عمرها بعده سيراف بن فارس). . . وقال في مادة بلاطة: بالضم قرية من أعمال نابلس من أرض فلسطين، يزعمون اليهود (كذا): أن نمرود بن كنعان فيها رمى إبراهيم (عم) إلى
النار. وبها عين الخضر، وبها دفن يوسف الصديق (عم) وقبره بها مشهور عند الشجرة. وإما إبراهيم والنمرود فالصحيح عند العلماء أنه كان بأرض بابل من أرض العراق وموضع النار هناك معروف والله أعلم).
ولياقوت المذكور في مادة دمشق (. . . سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجى الله تعالى إبراهيم من النار. . .) وله في مادة رحبة مالك بن طوق (. . . وفي التورية في السفر الأول في الجزء الثاني أن الرحبة بناها نمرود بن كوش. . .)
قلنا: لا رحبة في التوراة وإنما هناك رعمة وهو اسم رجل تسمت به قبيلة.
وقال المسعودي (78: 1 من طبعة الإفرنج) ونزل ماش بن ارم بن سام أرض بابل على شاطئ الفرات فولد نمرود بن ماش وهو الذي بنى الصرح ببابل وجسر بابل على شاطئ الفرات.
وذكر الآثاريون من الإفرنج أن الترك كانوا يسمون عقرقوف (تل نمرود).
إذن لا يمكننا أن نعلم ما المراد من قول العوام (قبر إبراهيم الخليل) اللهم إلا أن يقال أنه ما يسميه الغير مشهد إبراهيم.
ابن بشكوال والفصحي
س - بغداد - ب. م.: قرأت مقالة أطول من يوم الصيام في المشرق
104: 28 إلى 110 يثبت صاحبها أن العرب أخذوا في العصور الوسطى اسم بشكوال عن الأندلسيين الأجانب إلا أنهم بعملهم هذا لم يستردوا بضاعة خاصة بهم لأن ليست (بعربية النجار) بل (عبرية محضا) وقد تيوننت فتحبشت وتسرينت ثم تعربت في المشرق. وأما في المغرب فتليتنت فتأيطلت فتأسبنت فتفرنست فتأنكلزت إلى آخر ما تشاء) فما رأيكم في هذا وبأي كلام ينطق صاحب تلك المقالة البديعة؟
ج - قد ذكرنا سابقاً أن بيك الميراندولي كان يتقن عدة ألسنة شرقية وغربية وله وقوف عجيب على علوم عصره وفنونه وكان - إذا تكلم - يدخل كلمات لغة على ألفاظ لغة أخرى والميراندولي العصري على غرار ذلك الداهية الشهير. ولهذا لاحظتم أنه استعمل أوضاعاً غريبة خاصة به وبذوقه وبعيدة عن الذوق العربي. جارياً فيها على منحى من
يقول تمضر وتمعدد وتبغدد وتدمشق ونسي أن السلف يستعمل لفظة أو كلمة واحدة من هذه الكلمات ليرصعوا بها عبارة من عباراتهم لا أن يأتوا بها دفعة واحدة في عبارة صغيرة فتصبح في لسان صاحبها كمن يتكلم اللغة الهندية أو الصينية أو (الشنقناقية) وكان يمكنه أن يقول مثلاً: (ثم نقلت إلى اليونانية فالحبشية ونقلت إلى السريانية ثم عربت. . . وأما في الغرب فأنها نقلت إلى اللاتينية فالإيطالية فالأسبانية فالفرنسية فالإنكليزية. . .) لكن الرجل غريب الذوق الذوق والتعبير يفسد كل ما يمر به.
ألا تراه كيف يأتي بعبارات حروفها عربية وتراكيبها (سريانية) كما يراه كل أديب يطالع مقالاته بل زد على ذلك أنه يفسد عباراتنا نفسها حين يأخذها بقلمه فقد قلنا: (ولم تر أحد صرح بهذا الأصل سواء (أكان) من أبناء لغتنا (أم) من أبناء الغرب) فنقلها هكذا: سواء (كان) من أبناء لغتنا (أو) من أبناء الغرب. فتأمل هذا وقس عليه ما ينطق.
ومن عجيب عمل بيك الميراندولي العصري أنه يورد كلام الغير ولا يفهمه فإننا منا نقول أن (بشكوال) عربية الأصل لفظاً لا وضعاً واستعمالا كما يفهم من صريح كلامنا فخبط الرجل وخلط وأخذ يسعى على رأسه بين أيدي الناس وهو يدعي أنه يسعى على رجليه! ولله في خلقه شؤون!!!
باب المشارفة والانتقاد
49 -
الحياة الاجتماعية
أهدت إلينا السيدة جان قرينة الدكتور المرحوم سليمان غزالة عدة تآليف من قلم زوجها وأولها (الحياة الاجتماعية) وكان قد قدمه إلى صاحب الجلالة ملكنا المحبوب في سنة 1924 والكتاب بقطع 12 ومطبوع في دار الطباعة الحديثة ببغداد طبعاً متقنا في 364ص. والكتاب الثاني.
50 -
منهاج العائلة
ويليه خطاب في المعضلة الأناثية وقد قسم المنهاج إلى عشرة أقسام سماها محاورات فوقعت في 272ص بالقطع المذكور ووقع الخطاب في 8ص وجعل المنهاج الكتاب الثاني من جملة التأليف التي أطلق عليها اسم الوضيعة في الحركة الخلقية. والكتاب الثالث:
51 -
خلاصة أركان الاقتصاد السياسي وتعلقه بعلمي الأدب
والحقوق
جاء في 127 صفحة وأدار محوره على أربع مقالات وعلى 15 محاورة وختم الكل بما سماه (سوانح الكلم الاقتصادية) وهذا السفر هو الكتاب الثالث من الوضيعة المذكورة أما الرابع فسماه:
52 -
العشق الطاهر
ويليه القصيدة الفردوسية وقد أهدى هذا القسم إلى سمو الأمير زيد المعظم وجاء في 112 ووقعت القصيدة في 22ص وهي ميمية وعليها حواش تشرح ما أغلق فيها من الألفاظ. والكتاب الخامس:
53 -
الحب البشري
نظرة إلى الحياة الاجتماعية
أهداه صاحبه إلى عبد المحسن بك السعدون في سنة 1921 حين كان رئيس الوزارة وقد ورد في 126ص شائدا دعائمها على فصول ومحاورات آخذة بعضها برقاب بعض. والكتاب السادس:
54 -
علم الأدب الرياضي العملي
أتحفه لجعفر باشا العسكري حين كان رئيس الوزراء في 1927 في صدر هذه الهدية رسالة من الباشا المذكور ومجموع صفحات هذا التأليف 209. والكتاب السابع:
55 -
الاقتصاد السياسي
وقد جعله (عراضة) إلى (الأرشد الأنجب عماد الأمة العربية وركن المملكة العراقية فخامة سيدي يس باشا الهاشمي وزير المالية)(في سنة 1927) وكان هذا الكتاب طبع طبعة أولى فأضاف إليه المؤلف شيئاً كثيراً وبدل منهاجه فجاءت الطبعة الثانية الحالية أحسن من الأولى بكثير. والكتاب الثامن:
56 -
الأدب النظري العمومي
وقد أهداه (إلى الأنجب الأشرف صاحب الجلالة المليك المعظم علي الهاشمي) وهو في 145 صفحة قائمة على اثنتي عشرة محاورة متساندة أتم التساند. والكتاب التاسع:
57 -
المعضلة الأدبية
وهو هدية (إلى معالي الأستاذ الأرشد الفاضل البارع رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية) في سنة 1927 وعدد صفحاته 151 ذكر فيها الأدوار الخمسة مع رجالها الذين اشتهروا فيها. والعاشر:
58 -
خطاب الاعتماد على النفس في الكفاح للحياة
وهو في 28 ص بقطع 16 وهذه التصانيف كلها بقطع 12 ومطبوعة طبعاً
حسنا ومتقنة التجليد. فنشكر السيدة التي جادت علينا بها. ونستمطر الرحمات على نفس مؤلفها الذي أظهر من الهمة والتعب والكد وهو في أواخر عمره ما أدهش الشبان على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم وأعمارهم. ونتمنى لوطننا رجالاً لا يعرفون الملال ولا الضجر. والحادي عشر:
59 -
القصيدة الفيصلية وهي دليل النجاح في منهاج الفلاح
قدمها ناظمها (عراضة إخلاصية للشبيبة النجيبة) وهي مضبوطة بالشكل الكامل وألفاظها الغامضة مفسرة وهي في 28 ص.
60 -
الأضواء لبول بوبنوي
في الحديث (اغتربوا ولا تضووا) أي تزوجوا في الأجنبيات ولا تتزوجوا في العمومة. وقد أظهر صديقنا الأميركي في هذه الرسالة ما يؤيد هذا الحديث وما جاء مثله وقبله في الديانة النصرانية وقد وقعت في ثماني صفحات بقطع الثمن. ووضعها بأقوال العلماء الأكابر الذين بحثوا في هذا الموضوع فجاءت من أنفس ما كتب فيه.
61 -
بعض مناح تهجينية في النغولة
لا يطيب لصديقنا الأمريكي إلا البحث في النسب وما يتعلق به أن في البشر وأن في الحيوان وان في النبات. وقد بدأ هذا الأخير فساقه إلى الأول الذي يستحق أن يفرغ له العلماء ما في وسعهم وراء تحسين الذراري. والمؤلف بين معايب النغولة وما فيها من الأضرار لمن اتصفوا بها ولما يقع في المجتمع البشري والمصنف من المتفرغين لهذا الموضوع وقد عالجه علاج من (يضع الهناء في موقع النقب) فوقعت الرسالة في 13 ص بقطع الثمن الكبير.
62 -
الأسرة أم المخادنة
يميل بعض شبان العصر إلى الفجور أكثر مما نعرفه عن شبان العصور
السابقة فهم يهجرون سلوى الأهل ليذوقوا الثمرة المحرمة ثمرة السفاح أو ثمرة المخادنة وقد جاءنا صديقنا المذكور بول بوبنوي وأظهر برسالته هذه الممتعة - التي وقعت في 10 صفحات
- ما في البيت والمنتسبين إليه من الأفراح الطيبة وما في نتيجة (المخادنة) من الأضرار العظيمة العقبى.
فيحسن بشبان هذا العصر أن يطلعوا عليها ليقفوا على ما يخبئ لهم الدهر من الرزايا والمحن.
63 -
ترجمة محمد عياد الطنطاوي (بالروسية)
للأستاذ أغناطيوس كراتشكوفسكي
الشيخ محمد عياد الطنطاوي من مشاهير الأساتذة الذين درسوا سابقاً العربية في المدرسة الإمبراطورية الكبرى في بطرسبرج. وكانت ولادته في قرية قريبة من طنطا اسمها تجريد في سنة 1225 هجرية وتوفي في شهر جمادي الثانية سنة 1278 هجرية.
وقد وضع حضرة الأستاذ الروسي كراتشكوفسكي ترجمة لهذا الشيخ وافية بالمرام لم يدع فيها صغيرة أو كبيرة إلا ذكرها. فجاءت في 85ص من قطع 12 ثم اتبعها بالخزانة الخطية التي كانت عند الشيخ الفقيد وهي 47 كتاباً ووصفها أتم وصف فنشكر للصديق هديته هذه ولإحيائه ذكر رجل عرفه جماعة من المستشرقين الذين احتك بهم حينما كان في القاهرة وأخذوا شيئاً من أدبه وعلمه.
64 -
الفتى والفتاة
حقائق ناصعة تثبت سوء قصد مؤلفي كتابي (السفور والحجاب) و (الفتاة والشيوخ)، بقلم عبد الرحمن محمود الحمص سنة 1930.
هذه رسالة في 48 ص بقطع 12 شحنها صاحبها شتماً وسبباً لابنة ممتازة عرف فضلها القاصي والداني ونحن نرى أن مثل هذه المطبوعات لا تفيد فائدة حسنة ولا ترفع شأن من يعانيها. والسكوت أعظم مبرر ومزك لمصير الأمر الذي يجري عليه البحث إذ لابد من أن الزمان يبقي النافع وينفي المضر فهو الحكم الأخير ومنه فصل الخطاب وكفى به قاضياً ومنفذاً معاً.
65 -
معجم الأدباء أو إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
لياقوت الرومي، وقد اعتنى بنسخه وتصحيحه د. س. مرجليوت، الجزء الخامس الطبعة
الثانية.
أقبل الأدباء على اقتناء هذا الكنز الدفين الثمين إقبالاً عجيباً حتى نفذت طبعته الأولى فأعاد طبعه للمرة الثانية حضرة صديقنا الأستاذ مرغليوث وعنى بطبعه بمطبعة هندية بالموسكي في مصر وصحفه أبدع تصحيف على الطراز الإنكليزي فجاء درة من الدرر الغوالي وقد لاحظنا أنه أصلح فيه عدة أغلاط طبع كانت فيه قد وردت في الطبعة الأولى إلا أنه بقي فيه أوهام نحب أن نعرضها على حضرته عرضاً سابرياً. لتصلح في الطبعة الثالثة من ذلك:
ص9 س16 كلب زيني: كلب زئني.
ص17 س16 و25 من غير أن أقرأ عليه: أن يقرأ عليه.
ص19 س11 تجبب أو تذرع أو تقبأ (أي لبس الجبة أو الدراعة أو القبا).
ص20 س18 غير مغلول غير مفلول.
ص21 س10 الكفالة: الكفاية.
ص23 س2 يسموا: يسمو.
ص26 س11 وخرصوا: وحرضوا
ص29 س3 لا أقولها أبدأ: أبداً
ص34 س17 ها أنا: ها أنا ذا.
ص45 س9 و11 بكا: بكى.
ص46 س19 الميزر: المئزر.
ص58 س15 الأحوال: الأجيال.
ص58 الحاشية - يجب أن تحذف لأن في النص إشارة إلى قاعدة نحوية.
ص59 الحاشية - يجب حذفها لظهور معنى العبارة.
ص61 س3 إذا: إذ.
ص70 س11 الأنام: الأيام.
ص72 س6 إلى الحلاوة: وإلى الحلاوة.
ص72 س16 أخدوها: أحذوها.
ص74 س5 تتكأكئون: تتكأكؤون.
ص74 س8 طسئة: طسأة.
ص74 س15 بغلة: بغلة (مؤنثة هنا كما يتضح في سياق الكلام).
ص76 س11 تبغا: تبغى (بتشديد الغين المفتوحة).
ص77 س6 هكذى: هكذا.
ص77 س7 تعر: نفر (كزفر) اسم طائر.
ص77 س7 صوع: ضوع (اسم طائر ليلي كزفر)
ص77 س11 واسله: وأسأله أو وسله.
ص81 س8 زحر سور الذئب لعلها رجز سؤر الذئب.
ص83 س9 بكتاب: من كتاب.
ص83 س10 الفالي: القالي.
ص84 س2 بثمنه: ثمنه.
ص93 س7 لا حرق: أحرق.
ص94 س3 بنا: بنى.
ص96 س3 مطلعي (بتشديد الطاء).
والصواب (بإسكانها).
ص102 س7 حارة: حاجة.
ص102 س17 رواق: راووق أو رواق.
ص107 س19 ينبت: تنبت.
ص113 س4 تلقن: تلقى.
ص122 س18 معزب: معذب.
ص125 س4 حجبه: حجابة.
ص125 س7 تفألت: تفاءلت.
ص126 س10 لبرسلان: ألب أرسلان.
ص128 س18 الضريج: الضريح.
ص133 س10 الممصمي: المصمي.
ص133 س15 الدما: الدمى.
ص135 س7 إلاّ (بتشديد اللام): إلا بتخفيفها.
ص138 س7 وأمننا (بتشديد النون الثانية): وأمنا (بنون واحدة مشددة).
ص140 س6 ومنا: ومنى.
ص142 س3 الخندق: الخنادق.
ص146 س18 و 19 أقصى: أفصى.
ص147 س1 هكذى: هكذا.
ص151 س10 تسع: تسعة.
ص151 س12 بحضرتي: يحضرني.
ص152 س20 لعله ثوباً: النص صحيح أي ثوب لأن يغسل يقرأ بصورة المعلوم.
ص154 س4 أملت للإحسان غير الخالق: والرواية المشهورة: أنزلت آمالي بغير الخالق.
ص160 س5 الكرى: الكرا (مخفف كراء).
ص165 س9 ومحت: وأمحت (بمعنى انمحت)
ص166 س8 وظبى: وظبا (لأنها
جمع ظبة).
ص169 س7 للجد: للمجد.
ص169 س11 واضع: واصنع.
ص170 س10 ومنظر: وبمنظر.
ص171 س3 حناق: خناق.
ص181 س6 ليت: لي (مصدر لوى).
ص185 س14 ادؤب: أذؤب.
ص190 س2 من أعراب من أعراب: من أعراب.
ص191 س11 ننفع: ننتفع.
ص192 س15 بينكم: بينكما.
ص193 س9 وذكرنا: وسنذكر أو نذكر.
ص196 س5 لمن الفلح منهما فلما صار: لمن الفلج (بالجيم أي النصر والفوز) منهما فلما صارا (بالتثنية)
ص198 س16 عزيز العلم: غزير العلم.
ص198 س20 لعله متفزغاً (لا محل لها لأن معنى متفرعاً (بالراء المهملة) كما في المتن مكشوف الرأس والكلمة عراقية معروفة).
ص199 س11 وكان خرجا: وكانا خرجا.
ص200 س10 فيشتد: فتستد (من الاستداد).
ص201 س13 الجنا جنا: الجنى جنى.
ص204 س13 و 17 و 20 حجبة: حجابة.
ص205 س5 دق: دف.
ص205 س5 محظور: مخصور (آلة دق).
ص205 س6 الشنك: الجنك (وهي الرواية المشهورة وأن كان بعضهم عربها بالشين).
ص206 س12 فأن: وأن.
ص207 س3 أقول: أقوم.
ص208 س13 الصبى: الصبا.
ص209 س8 الحراز: الخراز.
ص211 س3 وها أنا: وها أنا ذا.
ص211 س9 صدا: صدأ.
ص213 س17 هذا البيت:
أعاد رصاع القلب في رحل ورده
…
وغادر وغادر في قلبي ضواع هواه.
لا معنى له والصواب أن يروى:
أغادر صاع القلب في رحل وده
…
وغادر في قلبي صواع هواه.
ص214 س8 و 9 المكثر: المكسر.
ص222 س6 والبلد: في البلد.
ص232 س4 إلا أربع مجلدات أحدهما فقهي وآخر أدبي، والصواب أربعة مجلدات، أو أن
يقال أربع مجلدات إحداهما فقهية والأخرى أدبية.
ص233 س14 ورسب: ورست.
ص226 س6 والولع: والولد.
ص240 س4 صفت: صغت.
ص240 س16 هاهو: هاهو ذا.
ص243 س11 تخطا: تخطى.
ص144 س2 وتفاءل: أو تفاءل.
ص245 س5 من: في.
ص248 س10 قيقعان: قيعيقعان.
ص249 س1 أرا: أرى.
ص251 س 10 اليسر: العسر.
ص251 س 11 العسر: اليسر.
ص252 س12 ما غفر: بما غفر.
ص253 س9 أود: أؤد (من أدى).
ص256 س12 أوت: لوت.
ص259 س12 فانخزل: فانخذل.
ص276 س17 المسؤل: المسؤول.
ص278 س3 ألف ديناراً: ألف دينار.
ص278 س15 في: من.
ص284 س3 فسر: تفسير.
ص284 س6 بوقهم: طوقهم.
ص284 س16 به: له.
ص285 س11 وقطريا: وقطربا.
ص285 س20 الفقر: القفر.
ص287 س 19 وخمسين مائة: وخمسمائة.
ص289 س11 نجا: نجى (بتشديد الجيم)
ص291 س11 تبدا: تبدي (بتشديد الدال)
ص292 س9 أي: آي.
ص296 س1 أدي: أدى.
ص296 ص1 سلى: سلا.
ص302 س8 بكا: بكى.
ص303 س20: إليهم: إليهن.
ص305 س5 تناشى: تناسى.
ص305 س5 إلي: إلى.
ص305 س14 واستحيى: واستحيا.
ص310 س15 بكا: بكى.
ص311 س16 أحياهم: أحياؤهم.
ص314 س15 صابيء: ضابيء.
ص320 س6 لهي: لها.
ص321 س8 واستحي: واستحيا وقد تكرر مراراً عديدة.
ص333 س5 والمحضرمين: والمخضرمين.
ص340 س14 يحرق: يخرق.
ص342 س4 وزف: ودف.
ص432 س8 العرش: الفرش.
ص343 س6 مجلوء: مجلو (بشد الواو).
ص343 س11 حين: حيث.
343 س20 نضاد: نضار.
344 س4 ناهي: ناه.
345 س3 يمتزح: يمتزج.
347 س10 يوحدا: يوجدا.
ص348 س13 ومكاتبة: ومكاتبته.
ص349 س16 وحز: وجز.
ص353 س16 أني مالي وتسألي: أتى مالي وتسألني.
ص357 س9 ويوتبهم: ويرتبهم.
ص357 س14 بالسر: بالشر.
ص359 س6 عن: من.
ص359 س15 صداه: صدأ.
ص360 س16 ووعدهم ومناهم. . . بهم: ووعدهما ومناهما. . بهما.
361 س9 قير: قين.
361 س15 وأخذه: وأخذ.
363 س6 بنا: بنى (من البناية)
364 س17 تفرق: نفرق.
366 س7 كأنني: كاتبي.
367 س7 أنا أعرف: أنا لا أعرف.
367 س8 مسكنة: مسكته.
368 س11 تلاجأ: تلاحا.
368 س16 طاق: أطاق.
370 س10 وغيره: وغيرها.
360 س16 واستقصى: واستفصي (بصيغة المجهول).
372 س19 ومشي: ومشى (بصيغة المعلوم).
373 س4 تراقي: ترقي.
373 س17 مخاليب: مخالب.
377 س6 وحزبه: وحربه.
ص397 وروي (مكررة): وروى (بصيغة المعلوم).
382 س14 الإمتاع: الإمتاع لك.
383 س16 الرد: البرد.
384 س6 الأحجار: الأجحار.
387 س7 وأحيا: وأحيي (بصيغة المتكلم).
388 س14 الكبرة: الكبر.
389 س12 وطرحه: وطرحها.
392 س10 وتربا: وتبا.
394 س18 وكذى: وكذا (وقد تكررت مراراً بهذه الصورة ولم نفهم سبب هذه الكتابة المخالفة للأصول المتعارفة. وراجع ص398 في س3 و 4 و 5)
399 س5 من: عن.
401 س17 والانخاء: والأنحاء.
401 س18 أثلته: أسلته.
403 س18 أقوام: أقول.
404 س10 خدلانة: خذلانة
414 س14 يأم: يؤم.
415 س13 بكرى. . . بشرى بكراه. . بشراه.
424 س15 باعلا: بأعلى (وكثيراً ما نرى كتابة الألف القائمة بألف جالسة ولا نعلم سبب مخالفة
هذه الأصول المتعارفة. وأن كنا لا نجهل أن جماعة من الأقدمين (أجازوا هذه الكتابة).
430 س5 ذجرا: ذخرا.
435 س16 أقصى: أفصى.
437 س3 المنا: المنى.
337 س6 والنواهي: والنوى هي.
439 س9 سنفنا: سنفنى.
441 س18 المروة: المروءة.
446 س7 استطلتها: فاستطلتها.
446 س18 استغرقت تفتيش الخزانة: استغرق تفتيش الخزانة.
448 س2 مر (بتشديد الراء) مر (بلا شد).
451 س20 لعله بالمثال لا وجه لهذا التعليق.
452 س3 أثرها (بتشديد الثاء) آثرها (بند الهمزة وحذف التشديد).
ص452 س12 والمعنى: والمعني (بتشديد الياء).
452 س20 كذا في النسختين: لا وجه لهذا التعليق.
ص453 س6 وأنه: وأني.
456 س5 كانت: التي كانت.
ص461 س1 تأثث: تأثت.
465 س19 كان: كاد.
469 س13 صفقت: صففت.
471 س14 بحروب: لحروب.
472 س15 فلائق: خلائق.
472 س19 كلما: كل ما.
474 س10 وعدت: وعذت.
475 س14 طالبه: طلبه.
479س2 لكان: لكأن.
479 س12 أحد: إحدى.
490 س2 ينفق: يفتق.
490 س17 فأخذ: أخذ.
491 س14 ظريفة: طريفة.
497 س5 يبقي: يبقى.
497 س10 و15 كان: كأن.
499 س17 فكان: فكأن.
501 س14 إذ: إذا.
506 س9 ولا غر: ولا غرو.
513 س5 بتكافيء: بتكافؤ.
514 س23 تضمنتها: تضمنها.
ما ذكرناه هنا نعتقده خطأ. ولم ننظر أكان هذا الوهم من الناسخ أم من الطابع أم من المنضد ولم نتعرض لما أصلح في الطبعة الأولى، إنما تعرضنا لما جاء في الطبعة الثانية والطبعة الأولى.
وقد وجدنا مراراً عديدة خطأ في رسم الهمزة ورسم الألف المقصورة ولم
نذكر من هذين الوهمين غلا ما كان بمنزلة المثال لا غير.
وكنا نود أن يطرح من هذا الكتاب العبارات الدالة على الفحش الصريح من شعر ونثر وهي كثيرة لا تكاد تخلو من ترجمة. وأم تجمع وتجعل على حدة لكي يتمكن كل قارئ من أن يطالع هذا السفر الجليل بكل طيبة خاطر وأن يباع الذيل الطافح بتلك الأقذار للعلماء الذين يفرغون لدرس آداب ذلك العصر وأخلاق أهله.
وكنا نود أيضاً أن نرى في آخره معجماً يحوي الألفاظ اللغوية الواردة في هذا المجلد مع شرحها، تلك الكلم الخاصة بذلك العصر ولا وجود لها في معاجمنا التي في أيدينا. كقوله في ص129:(ودخلت عليه فوجدته شيخاً كبيراً قضيف الجسم في حجرة من المسجد وبين يديه جامدان مملوء كتباً من تصانيفه فحسب) والجامدان في أصل معناه صوان الثياب والكلمة فارسية. ثم نقل إلى صوان الكتب على حد ما نرى هذه الكلمة العربية نفسها أي (صوان) فأنها كانت موضوعة للصندوق الذي تحفظ فيه الكتب. والجامدان فارسية الوضع لا وجود لها في دواويننا اللغوية.
وفي ص159 (الذكران) الواردة في هذا البيت:
مرت بنا في الدير خمصانة
…
ساحرة الناظر فتانة
أبرزها الذكران من خدرها
…
تعظم الدير ورهبانه
والكلمة لم ترد في معاجم اللغة من قديمه وحديثه من فصيحة وعامية وهي أرمية ومعناها يوم العيد المخصص بأحد أولياء الله من غير أن ينقطع الناس فيه عن الأشغال المتعبة. لأن أعياد النصارى على قسمين: قسم لا يجوز فيه الأشغال المتعبة وقسم تجوز فيه تلك
الأعمال. وهذا القسم الأخير هو المعروف بالذكران بضم فإسكان. ومثل هذه الأوضاع شيء كثير في جميع أجزاء هذا المعجم.
والأمر الثالث الذي كنا نود أن نراه فيه فهرس لأعلام الرجال والمدن والمواضع غير أعلام المترجمين فيه كدير الثعالب ونهر يزدجرد (بقرب هذا الدير)(ص158) والفيض وسكة قريش وحصن مهدي إلى غيرها في ص159 وفي هذا المجلد أعلام مواطن عديدة لا وجود لا في معجم البلدان لياقوت نفسه وكنا
نحب أن نعرف وجودها في هذا الكتاب والعودة إلى ترديد النظر فيها عند حاجتنا إليها. وكل ذلك غير ميسور الآن لنقص في الفهارس، وأملنا أن الطبعة الثالثة تزدان بكل هذه المحسنات وليس ذلك بصعب على من جعل همته ركوب متون الأهوال وخوض غمرات المعاطب.
الأغاني
تابع لنقد ما في الجزء الأول
30 -
وورد في ص191 قول عمر بن أبي ربيعة (فخرجت خوف يمينها فتبسمت) وفي الكامل 205: 1 فخرجت خيفة قولها فتبسمت).
31 -
وورد فيها (شرب النزيف ببرد ماء الحشرج) فعلقوا به (الحشرج النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو) اللسان مادة نزف) قلنا يبنى على هذا أن ماء الحشرج هو ماء النقرة في الجبل، لكن المبرد قال في (205: 2) من الكامل (وقوله ببرد ماء الحشرج: فهو الماء الجاري على الحجارة) فأين الجاري من المستحوض المستنقع؟ وقال الشريف المرتضى في أماليه ج1 ص187 (ويقال للماء الذي يجري على الصخر: ماء الحشرج) أما الماء الذي أراده آبرو الأغاني في تفسيرهم فهو (ماء الوقائع) جمع وقيعة) وقال الشريف المرتضى في تلك الصفحة من أماليه وهو القائل:
إذا شاء راعيها استقى من وقيعة
…
كعين الغراب صفوها لم يكدر
والوقيعة المستنقع في الصخرة للماء ويقال للماء إذا زل من صخرة فوقع في بطن أخرى: ماء الوقائع، وأنشد لذي الرمة:
ونلنا سقاطاً من حديث كأنه
…
جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع) اهـ
32 -
وجاء في ص223 (استوضعهم أو دعني اماكسهم فقد اشتطوا عليك) وفي أمالي
المرتضى 22: 2 (استوضعهم شيئاً أو دعني أماكسهم فقد استطولوا عليك) وفي هذه الصفحة من الأغاني (ومن ملح الدنيا أن تم الصدع بين عمر والثريا) وفي تلك الصفحة من أمالي المرتضى (ومن ملح الدنيا أن يلتئم الصدع بين عمر والثريا)
مصطفى جواد
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
خطبة يس باشا التاريخية
خطب صاحب الفخامة يس باشا الهاشمي وزير المالية بعد استعفائه من وزارته فبين في 13 آذار (مارت) الأسباب التي حملته على هذا العمل. وكان قد سبقه إلى الكلام صاحب الفخامة ناجي باشا السويدي رئيس الوزراء المستعفي أيضاً، ودونك تلك الخطبة بحرفها:
(لفخامة رئيس الوزراء بالطبع بصفته رئيساً لحزب الأكثرية أن يوضح بمقدار ما تسمح به مسئوليات الأكثرية من الوجهة الأدبية والمادية أن يدلي ببيان، ولكن بصفتي (طفيلياً) أضيف إلى وزارة الأكثرية وكان لي مدة من الزمن شرف الانتساب إلى المعارضة فيترتب علي أن أقول كلمتي:
أشكر نائب رئيس المجلس لأنه أعطاني هذه الفرصة لكلام. أتألم جداً من الظروف التي مرت على هذه البلاد والتي كانت ولا تزال من أشد الأدوار وأصعب الأيام. ونحن نعالجها - ويا للأسف - بطريقة سخرية. أقول عن رأي فيما يتعلق بالتحاقي إلى رفاق المرحوم من أنني كنت معتقداً أن للجدال العنيف والصراع المستديم الذي دام بين السلطات التشريعية في هذه البلاد وبين المسئولين عن تنفيذ السياسة الانتدابية كافياً لإفهام الحليفة.
أن نقطة الخلاف الحقيقية ونقطة الخلاف الأصلية هي التي صرح بها الفقيد المحترم عندما تكلم وفاه بأول خطبة بصفته رئيساً للوزراء أمام الموظفين الإنكليز حيث قال: لا أسمح لأحد أن يحيد عما هو مكتوب في القانون الأساسي من السلطات التي يتمتع بها الوزراء والموظفون العراقيون. هذه الكلمة التي فاه بها رئيس الوزراء وكان رئيساً للأكثرية ومتمتعاً بثقة مجلسكم مدة من الزمن وبرهن على أنه جدير بهذه الثقة قال للموظفين البريطانيين أنه يطلب منهم أن لا يعارضوا الوزراء في سلطاتهم التي يتمتعون بها
(صورة) فخامة يس باشا الهاشمي وزير المالية المستعفي
بموجب القانون الأساسي وأنه لا يسمح بالمعارضة. فهذا الشكل من الطلب لم يرق بالنظر للتجارب القصيرة لأولئك الموظفين.
نحن أمام شكلين عجيبين وقوتين متعارضتين وشيئين متناقضين وصفهما خامة رئيس
الوزراء أحسن وصف.
كان القصد من تأليف الوزارة الأخيرة القضاء على هذا التناقض والقضاء على هذا الاختلاف والقضاء على هذا الشكل العجيب، القانون الأساسي محترم من قبل الشعب يمثله مجلس أمة يراقب تنفيذه بجعل الوزراء مسئولين تجاه المجلس وبجانب هذه السلطة الرهيبة.
وبجانب هذه المحاسبة العنيفة تجد من جهة أخرى أناساً يستهزئون بهذه السلطة ويستهينون بهذه السيطرة وبما يسمى بالشكل الدستوري في هذه البلاد.
قلنا أن من واجب كل عراقي أن يقضي على المعاهدة والاتفاقيات وهذا هو مبدأ الكفاح الذي قامت به كل حكومة سواء كانت تقدمية أو مؤتلفة وجميع الإضبارات الموجودة في ديوان مجلس الوزراء تسجل هذا الكفاح وتسجله أيضاً الاضبارات الموجودة في ديوان المندوب السامي.
قلت هذا الكفاح مسجل في إضبارات الطرفين وعلى هذه الإضبارات والأسس قامت الحكومة البريطانية بوعد شرف على لسان مندوب سام كان في الحقيقة خير وسيط في التعبير عن آراء الحكومة العراقية والهيئة التشريعية إلى الحكومة البريطانية الحليفة وعندئذ أعطي التصريح إلى المرحوم عبد المحسن بك السعدون من أننا سندخل عصبة الأمم سنة 1932 وأننا سنبني صلاتنا على أساس المعاهدة أو الاقتراحات المصرية البريطانية أو البريطانية المصرية على أن المرحوم لم يكتفي بذلك بل وضع منهاجاً عملياً وقد لخصناه كخطط إلا أنه لم ينشر لأن المرحوم لشدة تواضعه ولكثرة التجارب التي مرت عليه خشي أن ينشر منهاجاً يمكن أن يوصف بالجبار كما وصفوه ولا يتمكن من تطبيقه ولكن هذا المنهاج كان معروفاً لدى المندوب السامي وأقول لكم مع الأسف أنه كان مصداقاً عليه.
أما المواد الرئيسية التي يحتوي عليها المنهاج فهي مادتان. أولاً أن المفاوضات يجب أن تجري على أساس الاستقلال التام. أن يعجل أما في تطبيق المعاهدة من تاريخ إبرامها أو تسريع دخول العراق في عصبة الأمم.
وتحت هاتين المادتين وضعت مادة ثالثة تنص أنه يجب أن تتطور الإدارة في البلاد على
أساس التصريح الجديد وأن تطرح الاتفاقيات والمعاهدات التي لم تنل الاحترام التام من الطرف المقابل جانباً لنتولى المسؤوليات بصفتنا دولة مستقلة سيكون لها بعد سنة أو سنة ونصف أو سنتين المركز اللائق في عصبة الأمم قوية متولية جميع المسؤوليات هذه المادة الثالثة كانت ولا تزال نصب أعين جميع الوزراء أثناء ممارسة السلطة.
دخلنا لنعمل على هذا الأساس وعلى أساس التوفير في نفقات الدولة لإيجاد
النفقات اللازمة للقيام ببعض المشاريع المفيدة. ولم تمض مدة طويلة من الزمن على العمل على هذا الأساس إلا وجوبهنا: وجوبهت أنا ببيانات وإفادات وتصريحات تجعل الشيء الذي كنا سمعناه وقرأناه غير موجود وخيالاً، كأننا كنا في حلم.
فالإفادة الأولى هي أنه لا يوجد تبديل! قلنا الرجل هازل فأن هناك تصريحات من حكومة هي حكومة بريطانية وهذا التصريح مؤيد من الأحزاب المختلفة في تلك الحكومة. ومؤيد أيضاً من الصحافة التي هي حقيقة تعبر عن آراء الشعب والحكومة بصلاحية تامة وهذا التصريح محبذ ومحبب إذن فما معنى هذا القول؟ يجب أن يكون هراء!
باشرنا التشديد في طلب الدخول في المفاوضات فوجدنا الطريق طريق (المكاتبة) لما كان يجري سابقاً!
طلبنا إنهاء إعفاء الشيخين (شيخ المحمرة وشيخ الكويت) فقالوا (مكاتبة)!
طلبنا حسم قضية السكك الحديدية وفق المعاهدة قالوا (مكاتبة)!
طلبنا تسجيل أراضي الميناء باسم الحكومة العراقية فقالوا (كتب)!
وخلال ذلك كانت الحكومة تشتغل مع المجلس بتقديم اللوائح وتهيئة الميزانية وتنظيم منهاج لحل أزمة خطيرة نشأت في البلاد وخمسة أشهر بالكاد تكفي لتعجيل ميزانية! ففي كل مادة من فصول أشكال وألوان من الآراء المتناقضة! ولكن في اللحظة الأخيرة فهمنا شكلاً جديداً وذلك أن صلاتنا ليست مبنية على المعاهدة المكتوبة فقط وإنما توجد مواد لم تكتب أيضاً!!! ويجب على العراق أن يعترف بها! وعند ذلك علمنا أننا (مخدوعون) ببيان رسمي؟ وتصريح مندوب سام، وعلمنا أن الأشخاص الموجودين في العراق آرائهم هي المنفذة والمحترمة في العراق، وأن آراء الحكومة البريطانية غير معروفة!) انتهت
2 -
المعلنات الوطنية الكبرى
اجتمع في يوم النيروز (21 مارت) خلق عديد في جامع الحيدر خانة في بغداد معالن حقوقه فامتدت الجماهير في الجادة الواصلة باب المعظم بالباب الشرقي مارة أمام دور القناصل وقبل ابتداء المعالنة خطب بعض الأدباء نيابة عن الجموع فتحمس الكل ورفعت في الأخر (لجنة التظاهرات) احتجاجا وقدمت صورة منه إلى
1 -
صاحب الجلالة ملك العراق المعظم.
2 -
صاحب الفخامة المندوب السامي البريطاني.
3 -
رئيس الوزارة البريطانية.
4 -
رئيس مجلس النواب البريطاني.
5 -
مجلس النواب العراقي.
6 -
مجلس الأعيان العراقي.
7 -
رئيس الوزارة العراقية.
8 -
جمعية مقاومة الاستعمار.
9 -
أمهات الصف العربية والأجنبية.
وهذا هو الاحتجاج بنصه:
العراق بأسره ساخط وناقم على سياسة الكتمان والتمويه الذي درج عليها الإنكليز في حكمهم العراق، فقد مر عليه عشر سنين كوامل عانى الشعب في خلالها شر ما تعانيه الشعوب المضطهدة ونال من سوء الإدارة البريطانية ما لم تنله الشعوب الرازحة تحت عبء الاستعمار الممقوت.
فالشعب العراقي الذي خسر في صداقته لبريطانية الشيء الكثير من حقوقه وأمانيه القومية يحتج على هذه السياسة الغاشمة أشد الاحتجاج معلناً للملأ أن تمادي الإنكليز في سياستهم هذه مما يزيد في حنق هذه الأمة المضطربة وينذر بما ينجم عن هذا الحكم الممقوت وهو يتطلب تبدلاً جوهرياً فيه.
وأن سلوك بريطانيا هذا مما يضر بمصالحها فسياستها الصارمة هي التي أدت إلى نفور الشرق وإلى تذمره الشديد من بريطانية الناكثة للعهود.
وإذا كانت عصبة الأمم وفي ضمنها بريطانية داعية حقاً إلى السلم العالمي فعليها أن تستمع
إلى نداء الشعوب المطالبة بحقوقها قبل أن تتطلب تحديد التسليح البحري لأن ذلك أضمن للسلم.
وأن بريطانيا لابد أن تقدر موقفها الراهن في العراق المتحفز.
3 -
الوزارة النورية
ألف نوري باشا السعيد الوزارة التي ترأسها وهو وزير الخارجية أيضاً وذلك في 23 آذار:
جعفر باشا العسكري لوزارة الدفاع
علي جودت بك للمالية
جميل بك المدفعي للداخلية
عبد الحسين الجلبي للمعارف
جمال بك بابان للعدلية
جميل باشا الراوي للمواصلات والأشغال.
أما وزارة الري فبقيت شاغرة فنهنئ الجميع بوزاراتهم الجديدة.
4 -
حل مجلس الأعيان ومجلس النواب
بعد أن أنشئت الوزارة النورية أصدر جلالة ملكنا المعظم أرادته حل الندوة أي مجلس الأعيان ومجلس النواب في 24 مارت.
5 -
ملك بلجكة في الزوراء عاصمة العراق
في الساعة الخامسة إلا ربعاً من مساء السبت 15 مارت (آذار) هوت في الجو طيارة كبيرة كان فيها الملك البر صاحب بلجكة ومعه مرافقه القائد سواجرس وكان ينتظره في ذلك الموضع المعتمد السامي وقائد القوات الجوية وممثلان من قبل جلالة ملكنا المحبوب وممثل جلالة الملك علي وقنصل بلجكة واثنان من الرهبان الكرمليين البلجيكيين ومدير الشرطة العراقية والمدير العام والمدير الخاص.
وفي اليوم الثاني ذهب جلالة الملك البلجيكي إلى كنيسة اللاتين وكان يوم أحد فصلى فيها وكان وصوله إليها في الساعة التاسعة والنصف صباحاً ثم زار دير الرهبان وصعد إلى سطح الكنيسة العالي وشاهد منه مدينة بغداد على مد البصر وقضى الأسبوع كله في زيارة
أور الكلدانيين وبابل وطيسفون والموصل ونينوى إلى غيرها من المواطن القديمة وفي صباح نهار الجمعة 21 مارت غادر جلالته حاضرتنا في الساعة السادسة وقد أبقى فيها ذكراً طيباً لا يمحى.
6 -
هدايا ابن سعود
أهدى جلالة الملك عبد العزيز بن سعود الطافا هي:
ثلاثة جياد عراب وثلاثة سيوف مذهبة وثلاثة خناجر من العقبان مرصعة بالحجارة الكريمة وثلاث طنافس إيرانية فاخرة إلى ملكنا المبجل.
جواد عربي وسيف وخنجر وطنفسة من جنس ما أهدي منه إلى جلالة الملك الهاشمي لفخامة المعتمد السامي.
ومثل هذا اللطف إلى كل قنصل من قناصل أبي شهر والبحرين والكويت الإنكليز على مثال ما اهدي إلى المعتمد السامي في حاضرة العراق.
وقد نقل هذه التحف وفد خاص من قبل جلالة الملك ابن سعود.
وأهدى جلالته أيضاً عقداً نفيساً من الدر إلى عقيلة الكرنل (دكسن) قنصل الكويت لأن في سنة 1922 كانت تلك السيدة في البحرين تترجم مقالات جريدة (الطان) الفرنسية وترسل بها إلى صاحب الجلالة النجدية الحجازية.
7 -
تكريم الدكتور محمد شرف بك
إذا كان بين الناطقين بالضاد من يستحق التكريم فيجب علينا أن نجعل في مقدمتهم صاحب السعادة الدكتور محمد شرف بك فأنه وضع معجماً علمياً نقل فيه الألفاظ الإنكليزية إلى العربية وسهر عليه الليالي الطوال لتمحيص ألفاظه وتحقيقها وتدقيق النظر في انتقائها فجاء ديواناً لا يتيسر لوضع مثله إلا لجماعة تتضافر على العمل. ولهذا اجتمع العلماء في مساء 7 يناير على دعوة من الجمعية الطبية المصرية وأقاموا حفلة شاي شائقة في نادي كلية الطب اعترافا بفضل ذاك الخادم الأمين، خادم اللغة العدنانية والوطن العربي الواسع الأكناف.
فشكروا له سعيه المحمود. وكان في مقدمة المحتفلين به الدكتور علي بك إبراهيم عميد
متقن الطب وصاحب السعادة محمد شاهين باشا وكيل وزارة الداخلية للشؤون الصحية والدكتور الكبير وفخر شعراء العصر احمد زكي بك أبو شادي، وبعد شرب الشاي ألقى الدكتور علي بك إبراهيم كلمة في مزايا المحتفى به وأفضاله على المنتسبين إلى لغة الضاد. ثم نهض في أثره عارف قدره وصديقه الحميم الدكتور أبو شادي وانشد قصيدة لم يسبقه إلى مثلها أحد من شعراء العرب وكانت أبياتها تسيل رقة وعذوبة وتعمل في النفوس السامعة هزة وطرباً. وقام بعده الدكتور المحتفى به ففاه بكلمة شكر كلها تواضع وتصاغر دلت على منزلته الرفيعة في القلوب.
ومما قاله الدكتور شاهين باشا: (ويهمني بهذه المناسبة أن اذكر جزيل فضل هذا القاموس لأعمالنا بمصلحة الصحة فلقد أصبحت أعمال تلك المصلحة في أيدي الوطنيين وجميع رؤسائها منهم فمثل هذا القاموس قد سهل عملنا وسيكون دائماً أنفع أداة لتذليل ما نقابله من صعوبات في ترجمة المصطلحات الطبية والفنية، وحبذا الحال لو دعيت الصحافة العلمية لهذه الحفلة).
ونحن ننتظر اليوم الذي يشترك في تكريم هذا النابغة تكريماً يقوم به جميع أبناء اللغة اليعربية لأن فضل شرف بك غير مقصور على أبناء وطنه العزيز بل يشمل جميع المتكلمين بهذه اللغة البديعة. ولأن معجمه قد دخل في جميع الدوائر والدواوين التي يحرص أهلها على اتخاذ الألفاظ الصحيحة في لغتهم. وعلى كل حال أننا نهنئ الدكتور
شرف بك بظفره العلمي وفتوحاته الاصطلاحية متمنين له يوماً مشهوداً تظهر في تقديرات أبناء العربية لأفضاله الجمة التي يعترفون بها له.
8 -
خالد الشابندر
قضى خالد الشابندر نحبه في 23 مارت وكان ضليعاً في القانون والقضاء وقد خدم الوطن بأعماله الجليلة من وظائف إدارية وعدلية وتأليف علمية قضائية.
9 -
الشيخ عبد الله البستاني
توفي هذا الشيخ اللغوي في بيروت في 16 فبراير (شباط) وكانت ولادته في الدبية (في الشوف من لبنان) عام 1850 وواله الخوري ميخائيل ناصيف البستاني الماروني ووالدته
عبلة يوسف نادر المعدودة حجة بين قوالي الزجل المعنى في عهدها.
درس العربية في المدرسة الوطنية التي كان أنشأها في بيروت نسيبه المعلم بطرس البستاني صاحب محيط المحيط ومن أساتذته ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير وعلم أولاً في مدرسة الدروز الداودية في عبية (لبنان) ثم في صيدا فالدامور. ومن هناك ذهب إلى قبرص فأنشأ فيها جريدة مع المرحوم اسكندر عمون وسمياها (جهينة الأخبار) لكنه لم يصدر منها إلا عدد واحد منها إلا عدد واحد لأن الحكومة العثمانية منعت دخولها بلادها فعاد من قبرص إلى مدرسة الحكمة المارونية في بيروت 1880 ثم انتقل منها بعد عشرين سنة (أي سنة 1900) إلى المدرسة البطريركية) للروم الكاثوليك إلى سنة 1914
وله مؤلفات عديدة منها أربع روايات تمثيلية وخمس شعرية وواحدة هزلية ونقح وصحح كتباً عربية عديدة منها بحث المطالب لجرمانس فرحات. وديوان أبي فراس الحمداني ومقدمة أبن خلدون فضبطها بالشكل الكامل (طبعت سنة 1900) والاقتضاب في شرح أدب الكتاب لابن السيد البطليوسي (طبع سنة 1901) وترجم مصنفات من الفرنسية وله قصائد شعرية عديدة و (البستان) خاتمة مؤلفاته وزبدة تحقيقاته واختصره فسماه (فاكهة البستان) وكان لدفنته حفلة جليلة تليق بمقامه رحمه الله.
10 -
تزييد القوة الجوية في العراق
أضيفت طيارات جديدة من طرز (ويكرز) إلى القوة الجوية المرابطة
في العراق وكل هذه الطيارات تحمل عشرين جنديا بعدتهم الكاملة من سلاح وعتاد وزودت كل منها محركين من المحركات القوية الشديدة وهي تستهلك من الوقود أقل من أخواتها السابقات وبذلك تستطيع أن تطير مدة طويلة من غير أن تحتاج إلى تجديد وفي أجنحتها ما يمنع صدمها بغيرها فقلت الأخطار بذلك.
11 -
الجراد النجدي
هجم الجراد النجدي على الألوية الجنوبية من ديارنا فأتلف من مزارع (المحمودية) و (أبو عوسج) و (شيشبار) ما يقارب ربعها ويرى الخبراء أن شر هذا الجراد لا يزيد على هذا القدر لأنه غرز، إنما يتوقع ضرره للمزروعات الصيفية ولهذا أخذ مكافحو هذه الآفة
الممقوتة يطاردونها شر طراد.
12 -
الفحص عن بقر الحاضرة
جاء في تقرير المفتش البيطري: جرى الفحص عن 4242 بقرة حلوباً في الرصافة فوجدها سالمة من الأمراض المعدية وفحص مثل هذا الفحص عن بقر شركة الحليب فوجدها سليمة أيضاً.
13 -
وقوف الصادرات إلى إيران
حدث في شهر آذار وقوف في الصادرات لا يستهان به وذلك في إصدار السكر والشاي إلى إيران لكثرة تخوف التجار في هذه البلاد من أزمة النقد الإيراني والأفكار مرتبكة كل الارتباك من جراء ذلك إذ يتوقع حصول تغيرات فجائية لا مناص منها.
14 -
أسعار المنتجات
التمور
نسب الطن منه من 60 - 61 ربية
الحبوبربية
الحنطة بين 70و78 ربية
الشعير الطن بين 47. 5 - 50 ربية
الأرز (التمن) الوزنة من 14 إلى 20 ربية
القطن
غير محلوج المن8 - 3
محلوج0 - 14
العفص (الحقة 224) 195 إلى 300
(تصحيحات)
ص182 س16 بنيد: بيد - ص182 س21 سازة: سازد - ص209 س24 رغبته: رغبة - 240 س11 أفلست: فلست - 240س20 اختلفت: اختلفت - 261 س18 وابن: وأبي
- 262 س كأس: كأسي - ص265 س18 متعانقة: معانقة - 271 س22 ما مثل: ما كان مثل - ص271 س22 الشهم: الشم.
العدد 80
- بتاريخ: 01 - 05 - 1930
إلى عكبرى وقنطرة حربي
1 -
حربي
سافرنا قبل اشهر إلى ناحية (السميكة) أي دجيل القديمة ولبثنا فيها أربعة أيام عند ذي قربانا فالح أفندي ابن حسن أفندي العبيدي السرايلي، وهو في السميكة معلم مدرستها الأول. وفي صباح أحد تلك الأيام امتطينا دراجتنا ودرجت بنا إلى قنطرة حربي على نهر دجيل وكان بعض المطلعين قد وصفها لنا وذكر لنا أن علينا كتابة تاريخية، أما العوام من أهل السميكة فيزعمون أنه كتب عليها ما نصه (عمي يا خميس، لا تكرب غير الطربيس أو لو جارك الجور، عليك بالثور عليك بالتبن، أصفره ذهب وأبيضه فضة، والعندة عشا لا يلف بالدجيل) ويزعمون أن السبب الباعث على هذه الوصية
كثرة الظلم التي لاقاها الدجيليون من الحكام وتسخرهم للناس تسخر الحجاج للواسطيين، وبقينا تدرج بنا الدراجة والريح مضادتنا ومتجهنا الشمال الشرقي من قرية السميكة حتى وصلنا إلى قنطرة مبنية من الطابوق تحتها أربعة مجار عظيمة وكل منها قد طوق بطاق على الطراز العباسي، ولكن ثلاثة من المجاري قد طمرتها الرمال الراسبة والأطيان اللازبة، ولم يبق لنهر دجيل إلا مجرى واحد قد ضيقته الرواسب والإدغال، ولما تخطينا القنطرة وجدنا طولها 72 خطوة ولما خطونا عرضها ألفيناه 15 خطوة، وعلى محاط القنطرة الأعلى ما نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واقرضوا الله قرضاً حسناً، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله خيراً وأعظم أجراً واستغفروا لله أن الله غفور رحيم، الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار، سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً. أمر بإنشاء هذه القنطرة المباركة، تقرباً إلى الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً وطلباً للفوز بجنات الفردوس التي أعدها للذين آمنوا وعملوا الصالحات نزلاً، سيدنا ومولانا الأمام. أأمر المسلمين ووارث الأنبياء والمرسلين وخليفة رب العالمين، وحجته البالغة على الخلائق أجمعين).
هذه الكتابة على الجانب الغربي، وعلى الجانب الشرقي:
(الذي أيد الله تعالى بإعزاز نصره الدين وأفرض (كذا) طاعته على الخليقة من البادين أح. . يعجز عنه حصر العادة - أبو جعفر المنصور المستنصر بالله - أمير المؤمنين، مكن الله له في أرضه تمكين الوارثين ورفع مقدس أعماله الصالحات إلى عليين ونشر بعدله الزاهر في آفاق الأرضيين، وأوضح للخلائق بولاية سيل الرشاد ومنهج الحق المبين أبن الأمام السعيد البر التقي - أبي محمد الظاهر بأمر الله - أبن الأمام السعيد الزكي الطاهر الوفي - أبي العباس الناصر لدين الله - أبن الأمام السعيد الزكي - أبي محمد الحسن المستضيئ
بنور الله. . . الأثر الذين قضوا بالحق كانوا يعدلون، صلوات الله عليهم أجمعين وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين. . .) أه.
والعامة تسمي هذه القنطرة (جسر الحربي).
2 -
عكبري
وفي يوم آخر درجنا دراجتنا إلى جهة عكبري وهي في الجنوب الشرقي من السميكة وفي غرب قبر الشيخ (جميل) الذي هو في الجانب الغربي من دجلة قبالة قرية السعدية التي على الجانب الشرقي من دجلة، قال أبن خلكان في (1: 289) من ترجمة أبي البقاء عبد الله العكبري ما نصه (والعكبري بضم العين المهملة وسكون الكاف وفتح الباء الموحدة وبعدها راء، هذه النسبة إلى عكبري: وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم) وقال في ترجمة الأمير سعد الملك أبن ما كولا علي بن هبة الله (وكانت ولادته في عكبري في خامس شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة) وورد في القاموس (وعكبراء بفتح الباء ويقصر بلدة والنسبة عكبراوي وعكبري) قلنا: وفي (1: 389) من تاريخ أبن خلكان (ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب وزنه ألف مثقال مملوء شراباً قطر بليا أو عكبريا) وهذه الحكاية من حوادث القرن الرابع للهجرة فعكبري إذ ذاك كانت محمود الشراب، والآن نعود إلى سيرتنا الأولى:
ولما وصلت إلى محطة السميكة لقطار ما بين بغداد والموصل رأيت قبراً على شرق السكة الحديدية وعليه قبة فقط فسألت عن اسم صاحبة فقيل لي أنه السيد محمد أبو الحسن، وكنت في ذهابي إلى قنطرة حربي صادفت مثله، في شرق السكة أيضاً فقيل أنه (للشيخ سعدي) والأعراب تقول (الشيخ أسعدي) وكلتا القبتين مبنية من الطاباق.
ومن المحطة توجهت إلى عكبري وأدرت محور دراجتي مدة تجاوز ساعة ونصفاً حتى انتهت إلى قبر الشيخ (جميل) وحوله أبيات القوام وهو يزار وينذر له وعليه اعتماد السنيين في دلتاوة لإبراء المرض وإزالة العاهات،
ثم جنحت إلى الغرب فوصلت إلى أنقاض عالية وطلول متبحثرة وطابوق مبثوث كثير وبين هذه الآثار أثر مجري نهير يمر وسط هذه البلدة فوقفنا على قمة طلل عال واستنطقنا تلك الأطلال العافية عن زمان بهجتها وألوان جمالها ونعيم حياتها وسألتها عن أنهارها المطردة المتلألئة وبساتينها المدهامة المزهرة أو المثمرة ورياضها ذات الخمائل والأزهار وأهلها المتنعمين الراكنين إلى السعادة والاطمئنان والعلم والعرفان، فكأنها أجابتني اعتباراً واستعباراً، بأن أهلها تعاورهم أنواع الفناء وطحنهم الدهر بأسنانه فصاروا عبرة لمن يعتبر ومزدجرا للذي يزدجر وقد خلف التراب الشراب والفناء الهناء والبلاء الرخاء والقبور القصور والدثور الظهور والأشواك الزهور.
وفي تلك الأراضي إلى بغداد لا تعد الأنهار ولا الأنيهار ولا الترع لكثرتها وتقاربها ولكنها تدندن الريح بيبسها وتتداول الرمال بطونها وتتلاطم عليها حرارات الشمس وأشعتها فتفيض سراباً هو المثل الأعلى للحياة الدنيا وتلطم متونها الدوامات لطم الظالم للمسالم ويمر قطار سكة الحديد وهي متحوية في منعرجاتها تحوي الحياة الكسير الظهور فتلتقي الدنيا والآخرة فتستخف الثانية بالأولى وتكبح من جماحها وتنقص من طماحها فعكبري اليوم أهل لأن تكون أنيسة للأنبياء ومسيلة للأتقياء ورادعة للأدنياء.
وبعد ذلك أبناء من عكبري إلى بغداد فرأينا في غرب السكة قبراً يشبه القبرين المذكورين آنفاً واسم دفينه (الشيخ إبراهيم) ويدعي بعض العامة أنه قبر (إبراهيم الأمام العباسي) صاحب الدعوة العباسية وشهيد حران الذي قال فيه شبل بن عبد الله:
والقتيل الذي بحران أضحى
…
ثاوياً بين غربة وتناسي
وليس من دليل يؤيد تلك الدعوى وبعضهم يدعي أنه قبر مصعب بن الزبير وإبراهيم بن مالك بن الأشتر وهو الصحيح لأن (مسكناً) هناك، هذا مرادنا وبقية رحلتنا فلعل فيها فائدة.
مصطفى جواد
(لغة العرب) جاء في معلمة الإسلام مقالة للدكتور الأثري أرنست هر تسفلد فنقلها إلى لغتنا
ليطلع عليها القراء فتتم بها الفائدة ودونكها:
حربي
حربي (بالألف القائمة بالياء المهملة) اليوم هي جسر حربي وهي أخربه في أرض دجيل على بعد نصف ساعة من غربي نخيل (بلد) على الضفة الغربية من عقيق دجلة المعروف بالشطيط في نحو 34 درجة من العرض الشمالي:
الاسم والموضع من عصر الجاهلية. وقد ذكر ياقوت أسماء قديماً لهذا الموطن (معجم ياقوت 1: 167) هو الأخنونية ويشبه أن يكون بابليا. وكانت إدارة الساسانيين تبدأ تخوم شمال سورستان - (أو دل إيران شهر) وهي البلاد التي عرفت بعد ذلك باسم سواد العراق - من هذا الموطن حربي في طسوج مسكن (اليوم تل مسجن) ومن العلث (بالفتح وتقال بالكسر واليوم تلفظ العلث بالفتح) الواقعة في شرقيها وبأزائها في طسوج بزرج شابور وفي الشمال كانت ترى تخوم كورة أثور. وبقيت هذه الحدود إلى فجر العهد الإسلامي وإلى عهد العباسيين فقد كانت في حين مسح البلاد عمر بن الخطاب (طالع أبن خرداذبة ص 14 واليعقوبي ص 104 والمسعودي في التنبيه ص 38 وياقوت 3: 174) ومن أقدم ما جاء ذكرها ما أورده الطبري في (2: 916) ويتعلق بأحداث سنة 76 إذ سار شبيب الخارجي إلى الحجاج وعبر دجلة بالقرب من حربي (وفي الكلمة جناس إذ حربي تجانس حرب في اللفظ) وكان في حربي عدة مناسج للثياب القطنية الغليظة التي كانت تحمل إلى سائر البلاد (راجع معجم ياقوت 2: 235 ومراصد الإطلاع ص 295) والسهل الذي يرى اليوم في ذلك الموطن كثير الشقف (كسر الخزف) وهو مما يدل على صناعة الخزف كانت منشرة فيها كل الانتشار وكانت هذه السلعة الرقة وترجع إلى المائة الثانية عشرة والثالث عشرة للميلاد.
لما تحولت دجلة عن مجراها في صدر خلافة المستنصر بالله وغادرت مسيلها في أعيلي حربي لتجري في موطن نهر القاطول أبي الجند وهو مجرى دجلة اليوم شرع الخليفة في أعمال الكري (شق الأنهر) ليستقي من جديد دياراً عطشى ومن أعماله نهر دجيل الحالي الذي حفره بلا أدنى شك. وحفر أيضاً نهر المستنصر في أعلى حربي وبني القنطرة العظمى القريبة من حربي ولهذا عرف
المحل بعد ذلك بجسر حربي، تلك أعمال تدل على
ما كانت عليه من الجلالة.
وكان قد صور الجسر تصويراً شمسياً ج. ف جونص وأعيد طبعه في المجموعة المسماة بالإنكليزية ما معناه (نخب من مذكرات حكومة بمبي) المجلد 43 (سنة 1857) ثم صورته أنا تصويراً شمسياً أيضاً بنوع أشد أتقانا والجسر محكم البناء من الأجر وطوله 55 متراً في عرض قراب 12 متراً ويقوم على أربعة عقود وثم كتابه طولها مائة متر تمتد على الجانبين وتاريخ بناء الجسر سنة 629 من الهجرة وهذه الكتابة مفيدة جداً لما فيها من التفاصيل التي تكاد تكون كفراً في نظر السنة (كذا) ومما يميز هذا السهل سهل الأخربة القبة المبنية على قبر هناك وهي ترى من بعيد ويقال لن المدفون تحتها الشيخ أو السيد سعد.
القوق ومرادفاته
قال أبن منظور في ديوانه لسان العرب: القوق: طائر من طير الماء طويل العنق قليل نحض الجسم وأنشد: كأنك من بنات الماء قوق) وكذا ورد في العباب وحياة الحيوان الكبرى للدميري والعباب لكن هذا التعريف غير كاف بنفسه ليطلعنا على حقيقة هذا الطائر والكلمة واردة في التوراة التي نقلها سعديا إلى العربية وسعديا توفي في سنة 942م أما أبن منظور فتوفي في 1311م. والقوق واردة في عدة مواطن من نص التوراة منها في المزمور ال 101 في الآية ال 7 وهذا نصها: (شابت قوق البرية صوت مثل بومة الأخربة) واسمه بالأرمية كذلك. وجاءت أيضاً في التوراة المسماة بالفشيطتا (أي البسيطة) وهي من صدر المائة الثانية للميلاد. ويراد بالقوق الحوصل المعروف عند السلف باسم البجع وله أسماء كثيرة تختلف باختلاف الديار، منها: العلجوم والكي (بضم الكاف) وجمل الماء وأبو جراب وأبو قربة. والعراقيون يسمونه اليوم (نعيج الماي) وهو تصغير علجوم مع بعض تصحيف. ويدعي بعضهم أنه مصغر نعجة الماء وهو بعيد في نظرنا. ومن أسمائه السقاء وجمل البحر وهو ليس المسمى بأبو طنطر أو أبو سعن وكان أهل البطائح يسمونه في عهد العباسيين بالبيضاني.
البعد في اللغة
(لغة العرب) لأبن سيدة كتاب جليل لم يؤلف مثله من سبقه ولا من تلاه أفاض عليه شيئاً من ذوب دماغه فجاء سفراً بديعاً يشهد له بعلو الكعب في لغة عدنان. ويقع في سبعة عشر جزءاً وأسمه المخصص. وهو معجم تذكر فيه الألفاظ المتشابهة المعنى أو المتشاركته فانك إذا بحثت فيه عن موضوع توخيته سرد لك كل ما يتعلق به أو يتصل فهو ديوان لغة ضروري لكل من يعالج اللغويات ومن الغريب أنك إذا فتشت فيه عن معنى (العبد) وما يتصل به لا ترى له أثراً وقد أتحفنا حضرة اللغوي (السيد سالم خليل رزق) المشهور بمباحثه العربية الدقيقة - بمقالة بديعة ترأب هذا الصدع في ديوان أبن سيدة المذكور. إلا أننا نأخذ عليه شيئين: أنه أستشهد بأبيات بعض المعاصرين والثاني أنه نقل عن (البستان)(أو أقرب الموارد) أو الألفاظ الكتابية (الذي عني بنشره الأب لويس شيخو) من غير أن يتثبت في صدق تلك المنقولات. ويظهر لك ذلك في موضعين ظهر لنا عيبهما ولعل هناك غير ما ذكرناه إذ لم يتسع لنا الوقت لتدبر ما في تلك الألفاظ من الزلق أو الزلل.
على أننا نشهد لصاحب المقال بتضلعه من اللغة وإحاطته بالموضوع إذ لم نجد في ما بأيدينا من التأليف من تعرض لهذا الموضوع وقتله خبراء فنشكر له هذه الهدية اللغوية باسم جميع المحققين المدقيين من الناطقين بالضاد.
بعد (ككرم) الرجل بعداً (كعلم) يبعد بعداً (كسبب) ضد قرب فهو بعيد وبعادو جمع بعيد بعداء. وكذلك أبعد وتر (كمد) عن بلاده تروراً، وأتن اتناناً، وسحق (كعلم) سحقاً (كسبب) وأسحق وانسحق ونأا (كغرا) ينأوا نأوا وناي (كرمي) فلانا وناي عنه يناي نأيا فهو ناء وهي نائية. قال الشاعر أحمد محرم:
طوى الأرض يدني ما ناي من فجاجها
…
وأمعن في أقطارها يتوغل
وقال المنفلوطي:
وفي العصر بين الظل والماء غادة
…
تميس بلا سكر وتناي بلا كبر
وقال الطغرائي:
ناء عن الأهل صفر الكف منفرد
…
كالنصل عري متناه عن الخلل
وكذلك ناء الرجل ينء نيئا مقلوب ناي أو لغة فيه. ونشد يعقوب:
أقول وقد ناءت بهم غربة النوى
…
نوى خيتعور لا تشط ديارك
وناء ينوء نوءاً وتنواء، وناطت الدار تنوط نوطاً وانتاطت، وناط الرجل ينيط نيطاً وانتاط، وهرب في الأرض وهرباً، وتواضع ما بينهم، ونزج الشيء ينزح (بالكسر وبالفتح) نزحاً ونزوحاً يقال نزحت الدار. قال الشاعر:
لو أن لبنان فيه العيش منبسط
…
لما ابتغينا نزوحاً أراضينا
وانتزعت النية. ونضب القوم والمفازة، ونطنطت الأرض ونطا المنزل ينطو، وأمعن في الأمر، ونأث عنه ينأث نأثا ومنأثاً: وأنتخع عن أرضه، وقصا المكان يقصوا قصواً وقصوا وقصا وقصاء وقصي يقصي - وعن القوم: تباعد فهو قاص ج قاصون وإقصاء. وأنقضع عنه، ولحلح القوم وتلحلحوا واعنقت البلاد وغرب الرجل - والنجوم غروباً، بعدت وتوارت في مغيبها، وشحطت الدار (كفتح) شحطاً وشحطا وشحوطاً ومنه قولهم شحط المزار قال الحريري والضمير للصاحب:
وأطعه أن عاصي وهن
…
أن عز وادن أن شحط
وقال أبو جعفر بن خاتمة:
ومن يكن بالذي يهواه مجتمعاً
…
فما يبالي أقام الحي أم شحطوا
وقال أبو زبيد:
من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا
…
أن الفؤاد إليهم شيق ولع
وشحط فلان في السوم إذا استام بسلعة وتباعد عن الحق وجاوز القدر واشص فلان وشطب (كنصر) وشطن عنه (كذلك) وشطرت الدار شطوراً وشطنت الدار شطوناً، وشغر الرجل شغوراً - والبلد: بعد عن الناصر والسلطان واشتغر الرجل في الفلاة، وصقب المكان كعلم صقبا، وأضحى عن الأمر، وطمس الرجل يطمس طموساً (كنصر)، وسحق (كعبد) سحوقه، وانخشع في الأرض ودعلق في الوادي، وأعزب وتنازح وشسعت الدار (كفتحت) شسعاً وشسوعاً قال عباس محمود العقاد:
بيضاء ترتع في فضاء شاسع
…
صافي السراة على السنى مرفوع
وشط المنزل (كعلم وبعد) شطا وشطوطا - وعليه في سلعته: أبعد قال المتنبئ:
كن حيث شئت فما تحول تنوفة
…
دون اللقاء ولا يشط مزار
وقد تبعد وتباعد عنه وابتعد عنه واستعبد عنه ضد تقارب ومثله تخوف عنه، ورام يريم ريما وانتزح عن دياره وزهل عن الشيء زهلا، وأجنب وانتسأت الإبل في المرعى. وتنطنط الشيء وأنتاي عنه تقول أنآه فانتاي، وتنعنع زيد عنه، وتمعدد وتناءوا عنه، وقصا عن القوم، وتماحلت بهم الدار وكتع في الأرض كتوعاً ومنه قولهم مجازاً: كتعت في المخازي ما كفاك سب وكتعت في المحامدما كفاك حمد، وتمازت (بتشديد الزاي) به النية، وشطف (كنصر) شطفا أي ذهب وتباعد، وطلب طلبا، وطلق طلقا، وتعادى الرجل كقوله:(وتعادي عنه النهار فما تعجوه) أي تباعد عن ولدها في المرعى لئلا يستدل الذئب بها على ولدها، وسحر عنه، وانزاح ودحل عني وتراخى وتباطن المكان وفرسخ عنه المرض وأفرنسخ، وتماته القوم وتمتهوا وطعا يطعوا وتمقق. قال رؤية:
عن ظهر عريان المعاري أعمقا
…
أمق بالركب إذا تمققا
وبتع في الأرض (كعلم). وحشر فلاناً أي تباعد عنه، وتزاحك القوم وتشائي ما بينهما. وانفرج ما بين القوم وطمس الرجل وراغم زيداً - والقوم نابذهم وهاجرهم وعاداهم، وتشعب وانشعب عنه.
وقد نمت الإبل إذا تباعدت تطلب الكلا في القيظ، وتتايع القوم في الأرض إذا تباعدوا على عي وشدة وأنوي الرجل أنواء إذا تباعد أو كثرت أسفاره، ونبا بصره ينبو نبوا ونبيا ونبوة إذا تجافى وتباعد، وتباين الأمران: تباعداً وتفارتا، وتصوع القوم: تباعدوا جميعاً، وسبخ الرجل: تباعد في الأرض، وأنسا عنه: تأخر وتباعد قال مالك بن زغبة الباهلي:
إذا أنسئوا فوت الرماح
…
عوائر نيل كالجراد تطيرها
وزحل عن مكانه (كفتح) زحولا: تنحى وتباعد فهو زاحل (كحذر) ومثله تزحل عن مكانه، وزاح عنه يزيح زيحاً وزيوحاً وزيحانا، ذهب وتباعد وأعرى صديقه أعراء: تباعد ولم ينصره، وتمايط القوم تباعدوا ونابأ
القوم ترك جوارهم وتباعد عنهم، وقالوا حطني القصا أي تباعد عني: وحاطونا القصا أي تباعدوا عنا وهم حولنا وما كنا بالبعد عنهم لو أرادونا.
وقد جفأ الشيء أو فلانا: بعد عنه وفي الحديث. اقرءوا القرآن ولا تجفوه. أي لا تبعدوا عن
تلاوته، وأهرب: أبعد في الأرض ومثله اعترط وطس القوم إلى المكان أبعدوا في السير وشعل الأمر أمعن فيه وانبلط الشيء بعد ومثله باص يبوص يقال طريق بائص أي بعيد وشاق، وجنب الشيء بعد عنه ومثله تجنبه واجتنبه. وخسأ الكلب وخسوءا بعد وأنزجر ومثله خسئ وأنخسأ وجانب الشيء جنبه ومثله رفضه، وأشجذ المطر بعد واشط الرجل في الطلب أمعن وعرنت الدابة عرانا بعدت وأطلب الماء والكلأ بعد فلم ينل إلا بطلب وأطنب النهر بعد ذهابه ونزح بفلان بعد عن دياره غيبة بعيدة. وتنكب الشيء تجنبه واعتزله وبد الشيء تجافي وماط عني يميط وميطاناً تنحى وبعد تقول مط عنا يا هذا أي أبعد. ومثله أماط عنه وعمق الطريق والمكان بعد وطال وأنبسط فهو عميق الرجل يطحو بعد وهلك وقالوا كان منه ذلك مكان الفرقدين من النجوم أي بعد عنه بعد الفرقدين من النجوم ولج في جناب قبيح أي في مجانبة أهله، وتفكه: تجنب الفاكهة.
التباعد في الأعضاء
وقد فرق البعير وغيره فرقاً أي كان أفرق والفرق التباعد ما بين الثنيتين - وما بين المنسمين، وفركح الرجل: تباعد ما بين اليتية والاسم الفركحة أيضاً، والفركاح والمفركح الرجل الذي أرتفع مذرواً أسته وخرج دبره وبد الرجل يبد بددا: تباعد ما بين فخذية من كثرة لحمهما - والدابة تباعد ما بين يديها والأبد الفرس بعيد ما بين اليدين - والحائك لتباعد ما بين فخذيه - والرجل المتباعد اليدين عن الجنبين - والعظيم الخلق المتباعد بعضه من بعض - والمتباعد ما بين الفخذين من كثرة اللحم، وحنب (بتشديد النون) الفرس كان بين رجليه بعد من غير فحج وهو مدح فالفرس محنب ومحنب (بكسر النون وفتحها) قال أمرؤ القيس:
فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا
…
على ظهر محبوك السراة محنب
والجانب فرس بعيد ما بين الرجلين من غير فحج وهو مدح، ومثله المجنوب
والمجنب والأخجى: البعيد ما بين الرجلين وروح (كعلم) يروح روحاً كان أروح والروح انفراج بين الرجلين دون الفحج أي تباعد القدمين وتداني العقبين وسميت النعامة روحاء لتباعد ما بين ساقيها وفحج في مشيته: تداني صدور وتباعد عقباه ومثله فحج فالفحج تداني صدور القدمين وتباعد العقبين وفي المغرب الفحج تباعد ما بين أوساط القدمين من الرجل والدابة
والزجج في الإبل روح في الرجلين وفجي الرجل يفجى فجا: تباعد ما بين فخذيه أو ركبتيه أو ساقيه - والبعير: تباعد ما بين عرقوبية - والقوس: بعد وترها عن كبدها، والفخج (بالخاء المعجمة) كالفحج (بالحاء المهملة) إلا أنه أسوأ منه تبايناً، والقعن: انفحاج في الرجل وفلج فلجا: كان افلج وهو المتباعد ما بين القدمين - وما بين اليدين وما بين الأسنان يقال رجل الفج الأسنان وامرأة فلجاء الأسنان ولا بد من ذكر الأسنان على رأي أبن دريد والمشقة: تفحج في قوائم ذوات الحافر وتشحج.
وراخ الرجل يريخ ريخا وريوخا وريخانا: تباعد ما بين فخذية حتى عجز عن ضمهما والزيل تباعد ما بين الفخذين وصاحبه أزيل وأما البدد فقد ذكر. والفنجلة: تباعد ما بين الساقين وما بين القدمين والافجل المتباعد ما بين القدمين وقد فشق الظبي فشقا إذا تباعد ما بين قرنيه فهو افشق.
بعد النظر
وقالوا طمس بعينه إذا نظر بعيداً، ورفع له الشيء أبصره عن بعد، وباصره إذا أشرف ينظر إليه من بعيد وطرف مطرح بعيد النظر والطماح البعيد الطرف ومثله الشيئان (بتشديد الياء) والسدف الشخص يرى من بعيد. ج سدوف وعين غربة بعيدة المطرح ورجل غرب العين قد انفسح طرفه إذا لم يرده عن بعد النظر شيء ويقال في ذلك قد انفسح طرفه وتقول رأيت طرة القوم إذا نظرت إلى حلتهم من بعيد فأنست بيوتهم.
النسب البعيد
والقصا النسب البعيد والجنابة ضد القرابة. ويقال أنك لتمت برحم عودة أي قديمة بعيدة النسب وهو انسلهم أي أبعدهم عن الجد الأكبر والكرشاء الرحم البعيدة والكلالة ما لم يكن من النسب لحا فالعرب تقول هو أبن عم الكلالة وأبن
عم كلالة إذا لم يكن لحا وكان رجلاً من العشيرة وحكي عن أعرابي أنه قال (مالي كثير ويرثني كلالة متراخ نسبهم) وقد طرف (كحلم) الرجل أي صار طريفاً غير قعدد تقول هو أطرفهم وهو طريف بين الطرافة إذ كان كثير الأباء إلى الجد الأكبر ومثل الطريف (كحذر) والقعدد هو القريب الأباء من الجد الأعلى ويأتي أيضاً بمعنى البعيد الأباء منه من الأضداد.
بعد الخطى
شبرقت الدابة في مشيها باعدت خطوها ومثله شحا الرجل يشحو شحوا ومنه حديث كعب يصف فتنة قال (ويكون فيها فتى من قريش يشحو فيها شحوا كثيراً) أي يمعن فيها ويتوسع وذرع (كحلم) الفرس ذراعة كان واسع الخطو فهو ذريع وبخدج في مشيه تفتح وفرحج وسطاً الفرس ابعد الخطو ومثله فسح ففلان قال أعرابي لخراز إذا خرزت فأفسح الخطى لئلا ينخرم الخرز أي باعد بين الخرزتين وباع الفرس أو الناقى بوعاً - والرجل الأرض قطعها بخطو واسع وحركة سريعة وفنجل مشى مفاجأ وفرجل في مشية وأسرع وفرحج في مشيه تفحج ووسع (كحلم) الفرس وساعة وسعة اتسع في السير، ووخد البعير يخد وخذا كان واسع الخطو فهو واخد ووخاد ووخود الاسم الوخد وسدت الناقة سدوا تذرعت في المشي أي اتسع خطوها يقال ما أحسن سدو جليها وأتو يديها وتبازي تبازيا الفرس كذلك وخذي يخدي خديا وخدايانا وقد واعست الابل واوعست إذا مدت أعناقها ووسعت خطاها. وخطرف الرجل وتخطرف إذا جعل في مشيه كل خطوتين خطوة في ساعته.
والهرجل البعيد الحطو (ج) هراجل ومثله السهوق والطرمح والطرمح والساطي وهذا الفرس البعيد الخطو وناقة شحوة بعيد الخطو. وفرس رغيب الشحوة أي كثير الأخذ من الأرض بخطوة وفرس بعيد الشحوة أي الخطوة والشحواء الناقة الواسعة الخطو والرهوق الناقة الوساع الجواد التي إذا قدتها رهقتك حتى تكاد تطأك بخفيها والذروع الخفيف السير الواسع الخطو ومثله الذريع والذرعات السريعات الواسعات الخطو البعيدات الأخذ من الأرض والرزوف الناقة الطويلة الرجلين الواسعة الخطو. والقطوف مقارب الخطو في سعة والخبقة (بكسر الأول والثاني
وتشديد القاف) الوساع من النياق. وناقة ذراعة واسعة الخطو وكذا فرس هملاج وفريغ ومعناق وناقة معناق وفرس وساع ونوق سواد (بكسر الدال المنون جمع سادية).
السير البعيد
وأمعن الفرس تباعد في عدوة وأسهبت الخيل أمعنت في سيرها، وأوغل القوم أمعنوا في سيرهم داخلين بين ظهراني الجبال أو في أرض العدو ودومت الكلاب أمعنت في السير،
واقنب الرجل باعد في السير وسبح مثله وسخ سخا، وقد أنذرع في السير أي أنبسط فيه.
الذهاب البعيد
وأبعد الرجل في الأرض أمعن فيها ومثله غرب فيها وأعرب وغلق فيها وقد وغل يغل وغولاً إذا ذهب وابعد وكذا أوغل في البلاد وتوغل في الأرض أو العلم وشقذ (كعلم) وشقذ (كنصر) وطاء يطاء وطسس ودقس فيها دقسا ودقوسا ومعد فيها واصمعد في الفلاة وقد شطن في الأرض إذا دخل فيها أما راسخاً وأما وأغلا.
السفر البعيد
ونطنط الرجل باعد سفره وبرق تبريقاً سفراً بعيداً ونوى المسافر نية ونوى تباعد والنطوة السفرة البعيدة وكذا الطلبة والمسبأة (بضم أولهما) تقول أريد سبأة أي سفرا بعيداً والسوبة (بالضم وبالواو الساكنة غير المهموزة) والآنط ج نطط (بضمتين) وسفر نعور ومثله سفر شاسع وجاسع ونية قذف (بفتحتين) وقذف (بضمتين) تقول شطت بهم نية قذف أي رحلة بعيدة والخيتعور النية البعيدة أو النوى البعيدة ويقال نوى خيتعور.
ورجل مبعد (كمنبر) بعيد الأسفار قال كثير عزة:
مناقلة عرض الفيافي شملة
…
مطية قذاف على الهول مبعد
والنمط (بمضتين) المسافرون سفراً بعيداً.
الأبعاد
وبعد الشيء تبعيداً وأبعده أبعاداً ضد قربة وكذلك باعده مباعدة وبعاداً وشاعب صاحبه وزاحكه عن نفسه وعادى الشيء وناءى زيداً وقاصاه وماز بينهما
ممازة وفحصه عنه (بالتشديد) وأفحصه عنه ومحصه (بالتشديد) وامحضه عنه وناساه واشذاه عنه وأجفاء عن المكان وحصبه عن كذا واحصبه وشحصه (بالحاء المهملة المشددة) وعبر متاعه وأنمى الراعي الإبل، وأوجى الشيء عنه وأبهصه (بالصاد المهملة) وراخاه قال الشاعر:
ولصاحب راخته عنك حوادث
…
الدنيا الآن ينشد قربه
وأظلفه عن كذا وأناثه انآثا، ونأشه وأناه عنه وانخس به وأقصاه عنه ومخاه عنه وأشسعه وشسع به وشطته شعوب واشقحه واضرح فلانا عنه وطرده يطرده (أبعده وساقه ونحاه)
وظلفه عنه وطهر الشيء واتره عن مكانه وجانب فلانا (كأنه جعله في جانب أو مشى في جانب) وحصفه عن كذا واحصف الشيء ودحقه وادحقه وأعزب فلانا وزحزحه عن الشيء وزحله (بالتشديد) وأزحله وزحنه عن المكان وعبر الوادي السيل وضرب الدهر بيننا وأشذاه عنه ودحر الشيء دحراً ودحورا ومدحرة.
وقد غيبه أي أبعده وواراه وأجبي زيد غيب أبله عن المتصدق أي معطي الصدقات وجافي عضديه باعدهما عن جنبيه وغرب (بالتشديد) الدهر زيداً أي تركه بعدا.
وقالوا أغوط بئرك أي لبعد قعرها وقبحة الله وأما زمعت به قبوحاً أي أبعده الله وأبعد والدته، وآب الله فلاناً يؤوبه أي أبعده (دعاء عليه) وذلك إذا أمرته بخطة ثم وقع في ما يكره فاتاك فأخبرك بذلك فعند ذلك تقول له (آبك الله) وبد صاحبه عن الشيء أي أبعده وكفه يقال أنا أبد بك عن ذلك الأمر ورافضه بمعنى باعده (الألفاظ الكتابية) وسحق الله الكافر، أبعده عن رحمته وانفض فلاناً عنه أبعده ونفي وداده وفيحق بين رجليه باعد وفرشد زيد باعد بيم رجليه والطاءة الأبعاد في المرعى والعدى المتباعدون.
ونزه أبله نزها باعدها عن الماء وأنسأ سربته أبعد مذهبه وطخ الشيء كنصر
رماه وأبعده وأطرحه. أبعده واسحق زيداً صرفة وأبعده وأدحقه الله باعده عن كل خير، وودر الشيء نحاه وبعدة تقول (در وجهك عني) أي نحه وبعده وكذلك أماطه أماطة وشحن فلاناً عنه وزلقه عن مكانه (كضربة) وإزاحة إزاحة وتقول طوحت بي طوائح الزمن ورمت به حوادثة وقذفتني قواذفه وأبعدتني جوائحه والزحل (كخدب) الجمل يزحل الإبل في الورد حتى ينحيها فيشرب والنوى القسوم هي المفرقة المبعدة وأنشد أبن الأعرابي:
نأت عن بنات العم وانقلبت بها
…
نوى يوم سلال البتيل قسوم
والمشقوح المبعد، والبهر المباعدة عن الخير.
البعيد
وهو بعيد وباعد ويقال بعد باعد على المبالغة وبعد (محركة) تقول منزل بعد وبعد (كحذر) يقال ما أنت ببعد منا والبعيد جمعة بعداء وبعد وبعدان وقد يقال ما أنتم منا ببعيد وما أنت منا ببعيد حملاً على بعد بكسر العين وأن اختلفا باللفظ وجاء في البستان أن الفراء قال: إذا قالت العرب دارك منا بعيد أو قريب أو قالوا فلانة منا قريب أو بعيد لا يراد بذلك النعت
بل يراد به الاسم والدليل على انهما اسمان قولك (قريبة قريب وبعيده بعيد) ومن لم يؤنث وبعيداً لم يثنهما لكن قال هما منك قريب وهما منك بعيد ومن أنث ثنى وجمع وإذا أردت
بالقريب والبعيد قرابة النسب وبعده أنثت لا غير ويرادف البعيد متمعدد ونئيش واسحق وسحيق وشطين قال بعضهم:
لكنما الأنباء شاموا موعداً
…
في مغرب الغبراء جد شطين
وطامس (ج) طوامس ونفناف ونزوح ونزيح تقول جاء من بلد نزيح ونزيع ونطي (بتشديد الياء) تقول هذا طريق نطي وأمقه وقصي ج إقصاء ويقال لمن أبعد في ظنه أو تأويله (لقد رميت المرمى القصي) وقذوف يقال نوى ونية وفلاة قذوف وبلدة قذوف أي طروح لبعدها وقذف (بالتحريك) قال المتنبئ:
كم مهمة قذف قلب الدليل به
…
قلب المحب قضائي بعدما مطلا
وقال فؤاد الخطيب:
متحفز قلق الوساد لنية
…
قذف تشق على القوى الأيد
وشطير يقال هذا منزل شطير وعريد وشعب تقول التأم شعبهم أي اجتمعوا بعد التفرق وشاع (مثل رام) وشموخ. تقول: (هذه نغازة شموخ وشمخ (نية شمخ) وضريح وبطين (شأو بطين) وجنب وحجول وزحزاح وساقب.
ويقال سير مماتن أي بعيد وكذا بلد نازح ونية شطون وطرد مشقذ وسفر مجرن وعقب أجواد. وقرب حذا حذ وحذ حاذ ونية زموج ومكان ساحق وأرض سرداح، ورجل شاطب المحل وشاطنه وماء سعب ج سعوب وأمور عدوة وغاية منتاطة ومكان متنوع وفلاة نزوع ج نزع وبلدة نسيخة ونسخية، وخرق ناضب ومكان نطيط وعقبة نطاء ونية نعور ورجل نعير الهم وبلاد معنقة وطريق عميق وماء غب (بكسر الغين) (ج) أغباب وشأو مغرب ومنزل قذيف وشاحط وشحاط (كجبار) قال الحجاج يصف ككلابا هربت من ثور كثر عليها:
فشحن في الغبار كالأخطاط
…
يطلبن شأو هارب شحاط
ونوى شطر وشطرف وشطران وضرح وطرح وسير ضراحي ونية طوح (بالتحريك) وديار عارنة وعران، وفلاة زوراء وبلد سهدر وسمهدر وعقبة زحول وزجول وفج عميق
ومحلة نازحة ونوى غربة.
وتقول هذا قبر منبوذ أي بعيد منفرد ونهر مطنب بعيد الذهاب وطريق متقعقع: بعيد ومكان نزل بعيد واسع وعقبة زلوخ طويلة بعيدة وكذا عقبة حجون
ودوية سرنج بعيدة واسعة الأرجاء وقرب هذهاذ بعيد صعب أو سريع وبلد أمق الأرجاء وهي مقاء ونخلة ناوية بعيدة عن الماء، وتقول سرنا عقبة متوحا أو متوجاً أو محوجاً أي مسافة بعيدة وسبسب متماحل بعيد ما بين الطرفين وليلة مراسلة بعيدة دائبة السير ومكان قاتم الأعماق أي بعيد النواحي مع سوادها وبلدة قذوف طروح لبعدها ورجل شاط بعيد الشطاط والشطاطة أي بعيد ما بين الطرفين وبلد شاغر عن الناصر والسلطان وماء مطلب (كمحسن) بعيد عن الكلأ ومكان رجيل بعيد الطرفين وعقبة زمج وزموخ شديدة بعيدة ومثلها الزلوخ.
وقالوا الأقواس البلد البعيد والمتبطبطة الأرض البعيدة والمرزح المقطع البعيد والسمهد الأرض البعيد المضلة والعزيب الرجل يعزب عن أهله وماله والوصلة الأرض البعيدة والخاسئ الكلب المبعد والخنزير وكلاهما لا يترك أن يدنو من الناس والسربخ الأرض البعيدة - أو الواسعة المضلة التي لا يهتدي فيها لطريق ومهم مسربخ بعيد واسع قال أبو داود:
أسادت ليلة ويوماً فلما
…
دخلت في مسربخ مردون
والشاطن البعيد عن الحق والعران الدار البعيدة والنائخة الأرض البعيدة والمهوئن (كمطمئن والمهو أن (على المفعولية) المكان البعيد ونزه الفلاة ما تباعد منها عن المياه والأرياف والنزيه المكان البعيد عن الريف وغمق المياه وذبان القرى وومد البحار وفساد الهواء والمعق (بالضم والفتح) والمعق (بالتحريك)
ما بعد من أطراف المفاوز والمنتأى الموضع البعيد والقصوى والقصيا الغاية البعيدة والمتماحل الدار المتباعدة والغيل الذي تراه قريباً وهو بعيد والطراح والطرح (بالتحريك) والطروح المكان البعيد ومثله العدوة والعازب الكلا البعيد المطلب والعزيب من الإبل والشاء التي تعزب عن أهلها في المرعى والمعزاب والمعزابة من يعزب بماشيته عن الناس في المرعى والمعزب من عزب به عن الدار.
ويقال هذا المنزل أنفس المنزلين أي أبعدهما وقولهم لا مرحباً بالأخر أي بالأبعد، والأقصى
إلا بعد (ج) الأقاصي يقال عرف ذلك الأقاصي والأداني والأذناب والنواصي وما رأيت سفراً أفلق من هذا أي أبعد.
وهو مني مناط الثريا أي بعيد مني بقدر بعد الثريا وأتانا فلان من بعده أي من أرض بعيدة وهؤلاء قوم منازيح أي بعيدون عن أوطانهم وفي الأساس: ابل منازيح: من بلاد بعيدة، وهو بنزهة عن الماء ومنه أي بعيدة وقعد عني مازيا ومتمازيا أي مخالفاً ويوقون هو بذي بلب (كقديس) وبذي بلى (كذكرى) وبذي بليان (بكسر الأولين وتشديد اللام والياء ومثل صليان) أي هو بعيد لا يعرف موضعه وهو من بل في الأرض أي ذهب وأنشد الكسائي:
ينام ويذهب الأقوام حتى
…
يقال أتوا على دي بليان
وهذا مكان مطرد أي بعيد ويقال أفصح العرب أبرهم أي أبعدهم في البر والبدو دارا.
البعد
والبعد ضد القرب وقولهم بعد له أي أبعده الله وهو دعاء عليه أن لا يرثي له إذا نزل به البلاء ومثله سحقاً له ينصبونه على المصدرية وتميم ترفع فتقول بعد له وسحق وكذلك البوهة والشوهة والشزن والشطة والشظان والشعب والبعد (كسبب) والجنابة والحضوضي والحواذو الزحزح والسحق (كقفل) والسحق (كعنق) والسيفى والمساف والمسافة (ج) مساوف تقول كم مساف هذه الأرض والشقة والعبدة والشحط (بالفتح) والشحط (بالتحريك) قال النابغة:
وكل قرينة ومقر ألف
…
مفارقة إلى الشحط القرين
وكذلك البهر (بالفتح والتعس (بالتحريك) والخزي (بالكسر) والشمم
(بالتحريك) تقول دارة شمم والنضو (بالفتح) والعفر (بالضم) يقال هجرت أخي على عفر أي بعد من الحي. والنوي (بالتحريك) والهوب (بالفتح) والغرب (كذلك) والغربة (كذلك) وتقول نوى غربة. والعادية والعدواء (بضم ففتح) والعداء (بالتحريك) والعران (بالكسر) ويقال هو بمنتزح عن كذا أي ببعد عنه، وهذه مسافة ذات غول (بالفتح). ذات بعد كأنه يغتال من يحاول اجتيازها. وبيني وبينهم ضرح (بالفتح) أي تباعد ووحشة. والشبراق (بالكسر) شدة تباعد ما بين القوائم والشعب (بالتحريك) بعد ما بين المنكبين وما بين القرنين والمقق (بالتحريك) كل تباعد بين شيئين.
والمتزحزح اسم مكان من نزحزح ومنه قول الكروس:
فقد كان لي عما أرى متزحزح
…
ومتسع من جانب الأرض واسع
أي كان لي مكان أبتعد إليه.
متعلقات بالبعد
الباسطة المسافة البعيدة ومنه يقال سرنا عقبة باسطة أي بعيدة وكذلك الجذبة (بالفتح) تقول بينه وبين المنزل جذبة أي قطعة بعيدة وقالوا بعكس ذلك بيننا نبذة وجذبة أي هم منا قريب والشقة (كقبة) السفر البعيد وكذا الشكة والرتوة (بالفتح) قدر مد البصر يقال بيننا وبينهم رتوة أي مسافة بعيدة قدر مد البصر.
والمزاح الموضع الذي ينزاح إليه والمزحل المكان يزحل إليه - ومصدر ميمي - فيقال أن لي عنك مزحلاً أي منتدحاً قال الشاعر:
ويركب حد السيف من أن تضميه
…
إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
ويقال قاصاني فقصوته أي كنت أقصى منه وماتن فلاناً باعده في الغاية.
ومن أقوالهم تنح هاهنا وهاهنا (بتشديد النون) وههنا (كذلك) أي أبعد قليلاً ويقال للحبيب: ههنا وهنا أي اقترب وأدن وللحبيب ههنا وهناك وههناك (بفتح الهاءات والنونات) أي تنح بعيداً وهو مني على قدر مجاع الشبعان، وعلى قدر معطش الريان أي بيني وبينه من المسافة ما لو مشاه الشبعان لجاع والريان لعطش وتقول رأيته بعيدات (بالتصغير والجمع) بين أي رايته بعد حين وذلك إذا كان الرجل
يسمك عن آتيان صاحبة الزمان ثم يسمك عنه نحو ذلك أيضاً ثم يأتيه.
وهيهات (بتثليث حركات التاء) اسم فعل بمعنى بعد ومثله إيهات وهيهان وإيهان وهايهات (وفي كلهن تثليث الآخر) وهايهات (بضم الآخر) وهيهاة (بإسكان الآخر) وأيها (بفتح الأول) وايأت (كجيأل) وشتان فتقول شتان ما زيد وعمرو وشتان ما بينهما. قال أبو الأسود الدؤلي:
وشتان ما بيني وبينك أنني
…
على كل حال استقيم وظلع
وقال الأعشى:
شتان ما يومي على كورها
…
ويوم حيان أخي جابر
أي تباعد الذي بينهما وقال الزهاوي:
رمت الحياة لهم وراموا مقتلي
…
شتان بين مرامهم ومرامي
(وقد أفرد فيه الفاعل لفظاً ومعنى وهو غير جائر (لغة العرب))
واستجفاه: طلب بعده وجفاءه.
واستبعد الشيء: عدة بعيداً ووجده بعيداً. قال أحمد شوقي:
ومطلب في الظن مستبعد
…
كالصبح للناظر في قربة
النبك (سورية): سالم خليل رزق
تتمة للغة العرب
هذه المقالة مع سعتها وانتظامها لا تحتوي كل ما جاء في الذي توخاه حضرة الكاتب اللغوي فلقد فاته شيء كثير وكرر ألفاظاً عدة ولعل ما لم يذكره يقع بالقدر الذي فصله، ونحن نورد بعض الأمثلة لكي لا نتهم بالتقول ولا بإلقاء الكلام على عواهنه. فقد ذكر اللغويون التماته من مته والتماته التباعد. والهوب البعد وتركته في هوب دابر ويضم أي بحيث لا يدري، وابعط الرجل باعد وفلان فلاناً أبعده ولا جرم أن الأصل هو أبعد. إلى غير ما هناك.
وكنا نود أن يراعي المؤلف ترتيباً هجائياً في إيراد الألفاظ حتى إذا أراد أحد أن يتحقق من ورود الكلمة يستطيع أن يقع عليها من غير مطالعة المادة كلها فيضيع وقته، وعدم إتباعه طريقة سهل الرجوع إليها أوقعه في مكررات كما يتبينها من طالع هذه المقالة مطالعة متئدة ووعي في ذهنه أوضاعها.
القصر الذي بالقلقة
في الجنوبي الغربي من القلعة ببغداد الآن قصر على دجلة فيه عدة حجر وبينها إيوان مستقبل دجلة فيه من الريازة العربية ما يعجب ويفرح ولكن أيدي البلى قد تعاورته فشوهت من صورته ورفتت من ريازته وهدمت من آخره وهو على ذلك دليل على العظمة والفخامة.
وأجرة وسط ليس بصغيرة الحجم ولا كبيرة فهو من طرز الأجر الذي في منارة مدفن الشيخ معروف الكرخي وأصغر من أجر المدرسة المستنصرية وقنطرة حربي، ويشبه طابوق بابا الحلبة (أي الطلسم) على ما حققناه بإنعامنا النظر في صورة ذلك الباب.
أما منارة الشيخ معروف فقد كتب على ظاهر حوضها ما نصه (بنيت هذه المنارة سنة اثنتي عشرة وستمائة) فهي مبنية زمن خلافة الناصر لدين الله العباسي ومثلها في البناء منارة جامع قمرية ومنارة جامع الخفافين اليوم بلصق المدرسة المستنصرية من الجنوب.
والقصر الذي بالقلعة اليوم يسميه العامة وأمثالهم (قصر المأمون) ولا نعرف لهم دليلاً على هذا القول الغريب والحكم المتفسخ فأن للمأمون قصراً في الجانب الغربي من بغداد. ففي ص 27 من تاريخ مناقب بغداد ما عبارته: (وفي الجانب الغربي قصر عيسى وقصر المأمون والتوثة وغير ذلك) وقصراً بالجانب الشرقي لم يحافظ على أسم المأمون فقد ذكر ياقوت الحموي في مادة (تاج) ما عبارته: وكان إلى ذلك الوقت يسمى: القصر الجعفري ثم انتقل إلى المأمون) ثم قال (وبقي الحسن مقيماً في القصر المأموني) فهذا يدل على أن للمأمون قصراً آخر نسب إليه فلنلخص كلام ياقوت على هذا القصر لنعرف أمره والخلاصة هي:
أن جعفر بن يحيى البرمكي بني بالجانب الشرقي قصراً فلم يستحسنه صاحبه
مؤنس بن عمران وراوضه على أن يخص هذا القصر بالمأمون عند حضور حضرة الرشيد ففعل وتحمل الرشيد ما نفق عليه وتركه لجعفر فلم يزل جعفر تتردد إليه أيام فرحه ومتنزهاته إلى أن وقع الرشيد بالبرامكة، ثم أنتقل إلى المأمون ففتح له باباً شرقياً إلى جانب البرية وأجرى فيه نهراً ساقه من نهر المعلي وابتنى مثله قريباً منه منازل برسم خاصته وأصحابه
سميت (المأمونية) وكان قد أسكن فيه الفضل والحسن أبني سهل، وفرغ بسفرهما إلى خراسان مع المأمون ولما ورد الحسن بن سهل بغداد سنة 198هـ (813م) نزل في القصر المذكور وكان يعرف: بالمأموني، فتزوج المأمون بوران وأنزلت بهذا القصر وطلبة الحسن من المأمون فوهبه له وكتبه باسمه وأضاف إليه ما حوله وغلب عليه اسم الحسن فعرف به مدة وكان يقال له: القصر الحسيني، وبعد موت الحسن بقي لابنته المذكورة بوران إلى أيام المعتمد علي الله العباسي فاستنزلها عنه بعوض وأخذت هي في إصلاحه وتجديده ورمة وأعادت ما دثر منه، ثم توفي المعتمد على الله بالقصر الحسني سنة 279هـ (802م) ثم استولى عليه المعتضد بالله فاستضاف إلى القصر الحسني ما جاوره فوسعه وكبره وأدار عليه سوراً وأتخذ حوله منازل كثيرة ودوراً وابتدأً ببناء قصر التاج وجمع الرجال لحفر الأسس فاتفق له أنه خرج إلى أمد فلما عاد رأى الدخان يرتفع إلى الدار فكرهة وابتنى على نحو ميلين منه الموضوع المعروف بالثريا ووصل بناء الثريا بالقصر الحسني وابتنى تحت القصر أزاجا من القصر إلى الثريا تمشي جواريه فيها وحرمه وسراريه وما زال باقياً إلى الغرق الأول الذي صار ببغداد فعفا أثره. ثم مات المعتضد بالله في سنة 289هـ (901م) وتولى أبنه المكتفي بالله فأتم عمارة التاج الذي كان المعتضد وضع أساسه ومذلة مسناه طاعنة إلى وسط دجلة. وكانت صفة التاجر
مبنية على خمسة عقود كل عقد على عشر أساطين خمس أذرع ووقعت في أيام المقتفي سنة 549 (1154م) صاعقة فتأججت فيها وفي دارها وقبة الحمار وبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام ثم أطفأت وقد صيرته كالفحمة وكانت - أي الصفة - أية عظيمة فأعاد المقتفي بناء قبة الحمار على الصورة الأولى ولكن بالجص والأجر دون الأساطين الرخام وأهمل إتمامه المقتفي حتى مات وبقي على ذلك إلى سنة 574 (1178م) فتقدم المستضيئ بنقضه وإبراز المسناة التي بين يديه - لعلها مسناة صفة التاج - إلى أن تحاذي به مسناة التاج، فشق أساسها ووضع البناء فيه على خط مستقيم من مسناة التاج واستعملت أنقاض التاج مع ما كان أعد من الآلات لعمل هذه المسناة ووضع موضع الصحن الذي يجلس فيه العباسيون للمبايعة ويسمى إذ ذاك: الثلج وهو دار مشهورة جليلة المقدار واسعة الأقطار من دور الخلافة زمن ياقوت الحموي وفي موضع دار الخلافة كان القصر الجعفري أي القصر المأموني أي القصر الحسني.
موضع القصر الحسني والتاج
وضع العلامة لسترنج رمزاً القصر الحسني في جنوب المستنصرية مما يلي جامع الخاصكي غرباً على دجلة قرب ما يسمى اليوم (المحكمة الشرعية) وهذا على حسب خريطة ص 263 من تاريخه. ووضع شرق القصر الحسني رمز جامع الخلفاء أي جامع سوق الغزل اليوم ووضع تحت القصر الحسني (قصر التاج) قرب جسر مود اليوم من الشمال وجامع الخلفاء لم يسم عندنا بجامع القصر إلا إضافة إلى أحد هذين القصرين فباني التاج وباني جامع الخلفاء هو المكتفي العباسي كما ذكر أبن الطقطقي في الفخري، ولكون القصر الحسني أندمج في دار الخلافة ولكون دار الخلافة تحت الجسر العباسي القريب من شمالي المستنصرية ولأن باب الغربة جنوب طريق الجسر المذكور كما ذكر العلامة لسترنج في الخريطة المذكورة ولكون المدرسة المستنصرية فيما يلي شمالي دار الخلافة كما نقل البحاثة يعقوب نعوم سركيس عن تاج أبي الفداء (170: 3) في لغة العرب (453: 5) يظهر لنا:
1 -
أن دار الخلافة لا تتجاوز شارع الجسر القديم اليوم.
2 -
وأن قصر المأمون الشرقي جنوب المستنصرية لا شمالها وبين القلعة اليوم والمستنصرية قراب ميل واحد.
3 -
وأن باب الغربة ليس بشريعة المصبغة نفسها اليوم بل بشرقها قليلاً خلافاً لما حققه الأستاذ يعقوب نعوم سركيس.
4 -
وأن قول العامة وأمثالهم بأن قصر القلعة اليوم هو قصر المأمون الذي لم يبق في الدنيا إلا أسمه ضرب من الجهل أو الظن أو التغليب كما غلبوا لفظ (العادي) على كل شيء قديم.
قصر القلعة: قصر الناصر لدين الله
وبعد علمك بإتقان بناية هذا القصر وصفة أجره وقدمه كما قدمنا في صدر مقالنا وأن عصر الناصر لدين الله أطول عصور الخلفاء العباسيين وأنه من اكثر متأخريهم عمارة وسعادة وسياسة وأن أعلى بغداد في زمنه لا يتجاوز السور الشمالي وأن السور المذكور لا يتجاوز
سور القلعة الشمالي اليوم لوجود إطلالة ننقل لك ما قاله ابن جبير في قصر الناصر لدين الله الشمالي ونقلناه في لغة العرب (6: 488) ونصه - والضمير عائد إلى الناصر لدين الله -:
(وقد انحدر عنها صاعداً في الزورق إلى قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط) فقصر القلعة اليوم بأعلى الجانب الشرقي أيضاً وعلى دجلة فهو قصر الناصر لدين الله اعتماداً على الأدلة المذكورة، وأن أقوى شاهد على أن شمالي القلعة اليوم كان شمالي بغداد إذ ذاك هو أن الناصر لدين الله خرب سنة 587هـ (1191م) محلة (المخرم) التي كانت بين الرصافة ونهر المعلي فكان شمال القلعة خراباً في ذلك الزمان على ما ذكره المؤرخون فهل من مفند لقول من أقوالنا حباً للتاريخ؟.
مصطفى أجواد
(لغة العرب) من يطالع هذه المقالة يجد أن هذه الأدلة العقلية والنقلية (التاريخية) يصعب نقضها إلا أنه إذا ثبت لمحقق آخر أن البناء الذي شاده الناصر خربه من جاء بعده وأقام على موطنه عمارة أخرى فالحق يكون بجانبه وتضعف هذه البراهين.
فهل بين القراء العراقيين من يرشدنا إلى ذلك وله منا الشكر سلفاً.
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
حسين أفندي أبن نظمي البغدادي
4 -
قد تصفحنا مؤلفات عديدة فلم نعثر على تاريخ ولادته. ولكن على كل حال ولد بعد سنة 1053هـ (1643م) أي بعد عودة والده إلى بغداد. والظاهر أنه الأخر الأكبر لمرتضى أفندي المؤرخ الشهير. توفي في غرة المحرم الحرام سنة 1130 من الهجرة (5 ك 1 سنة 1717).
قال سالم أفندي قاضي العسكر في زمن الحكومة التركية (المتوفي سنة 1156) المعاصر له ولأخيه مرتضى أفندي في تذكرته المعروفة بتذكرة سالم التي أتم تأليفها سنة 1134 في الصفحة 620 من النسخة المطبوعة سنة 1315 في الآستانة ما نصه:
(أنهما - أي حسين أفندي ومرتضى أفندي - من أدباء بغداد ومن خيرة شعرائها. أشتهر بنظمي زاده (آل نظمي) وهما من أفاضل الكتاب. اتخذا اسمهما لقباً لهما. وفي حياتهما نالا الشهرة وذاع صيتهما إلى أن قال: أن هذين الأخوين من بيت عريق في العلم وهما من نوادر الدهر وأفذاذه في العرفان) انتهى.
وقد اشتهرت مؤلفاتها في زمنه ووصلت إليه أيام كان معاصراً لهما وهي (شرح وصاف) للمترجم حسين أفندي و (كلشن خلفا) لأخيه مرتضى أفندي وقليل من المؤلفين في ذلك العصر من تنتشر مؤلفاته في حياته وتذيع في الأقطار النائية. فالمومأ إليهما نالا الشهرة الكافية في حياتهما وقد وصف هذا المعاصر في تذكرته مؤلفاتهما المذكورة خير وصف ولم يرجح واحداً منهما على الآخر في الفضل والمنزلة الأدبية والعلمية وحسن السمعة وعراقة النسب في العرفان. ولكن الأيام لم تبقى لنا نماذج من شعر المترجم حسين أفندي المذكور
لتوضيح مكانته الأدبية إيضاحاً بيناً ومع ذلك فأن مؤلفه كاف للتدليل على مقدرته وإطلاعه الواسع على اللغات الغريبة من مغولية وفارسية وخوارزمية فضلاً عن تضلعه من العربية
والتركية.
كنت أستغرب أن يلم مثل صالح أفندي السعدي الموصلي بلغات كثيرة كما هو مبين في ترجمته المدونة في كتاب الأدباء في زمن داود باشا وفي تاريخ الموصل للقس سليمان الصائغ في حين أننا نشاهد من حسين أفندي الإطلاع الواسع على اللغات الأخرى.
ومن مؤلفات حسين أفندي (شرح وصاف). وتوجد منه نسخة في الموصل (صفحة 73 من مخطوطات الموصل للدكتور الفاضل داود بك الجلبي) ونسخ أخرى في الآستانة وفي خزانة فينة (النمسة) ولما كان قد وصف الكتاب في خزانة فينة وفي تذكرة سالم فأني اكتفي بمجمل ما ورد فيها عنه بعد أن أعرف القارئ (بتاريخ وصاف) وهو أصل هذا الكتاب.
تاريخ وصاف
ويسمى (تجزية الأمصار وتزجية الإعصار) للخواجة عبد الله الشهير بوصاف الحضرة. فرغ من تأليفه في شعبان سنة 711هـ (ك 1 سنة 1311) وهو تاريخ فارسي نظير العتبي في لعربي سلك فيه مؤلفه مسلك أبيه في تاريخه المعجم (طبع تاريخ المعجم في إيران عدة طبعات وهو متداول مشهور) ذكر وصاف في تاريخه هذا جنكر خان وأولاده إلى غازان خان. وقد اعتمد المؤرخون عليه وجعلوه في مقدمة مأخذ تواريخهم. ولم يقصد فيه بيان التاريخ بل أراد إظهار مهارته في الإنشاء وإيراد لطائف النظم والنثر كما جاء في كشف الظنون أيضاً. وفي خزانة فينة نسخ متعددة منه. وفي الموصل بعض الأجزاء الخطية وفي خزائن الآستانة نسخ كثيرة منه وقد رأيت الجزء الثالث والرابع منه في مجلد واحد خطي كما أني شاهدت الجزء الأول مطبوعاً في إيران طبعة حجرية في سنة 1272هـ وأوله: حمد وستايشي كمه أنوار أخلاصش الخ وعلى هذه الطبعة تعليقات كثيرة. ولم تصل ألينا الطبعة الحجرية التي ظهرت في ديار الهند بمدينة بمبنى سنة 1852م.
وأما شرحه فهو كما يلي:
شرح وصاف
قال عنه في تذكرة سالم: أنه (أي حسن أفندي) قد شرح فيه اللغات المشكلة (الغريبة أو الصعبة) وفسرها باللغة التركية من تاريخ وصاف الحضرة. وعلم على اللغات التركية
بمداد أحمر فجمع العربية والفارسية بتأليف لطيف إلا أنه كتب أكثر اللغات التركية بلسان الأتراك القديم فلا تأتلف مع التعابير المرعية اليوم (يشير إلى زمنه) فإذا أردنا أن نتحرى لغة وجدنا صعوبات ولذا تصديت لجمعها وتحويلها إلى لغتنا المعتادة الدارجة وحررتها بهذا الوجه. . . انتهى ما قاله سالم أفندي. وفيه إشارة أنه أصلح هذا الشرح الذي عدة ثميناً وقيماً في نظرة فأراد أن يقدره حق قدره وأن لا يهمل شأنه.
أما خزانة فينة فأنها قالت عنه ما ملخصه: أوله: (الحمد له الذي رفع سبع طباق الخضراء بغير عمد ترونها الخ. وجاء في مقدمته أنه يبين العبارات المغلقة والفقرات المعضلة واللغات الغريبة المشكلة من عربية وفارسية وجغتائية ومغولية وخوارزمية ومصطلحات علوم. . . الخ ويستمر في وصف هذا المعجم ويوضح أهميته للقارئ بحيث يبدي أنه لا يستغني عنه من يقرأ الأصل بحيث أن يقال أن الشرح هو الأصل وأن التاريخ (تاريخ وصاف) في الدرجة التالية.
وقد أطنبت الخزانة في وصف أجزائه وبينت أن عبد الله أفندي القاضي ببغداد آنئذ قد أكمله قائلاً: أن شرح نظمي زاده وجدت فيه نقصاً فأكملته بعدة أوراق من محافظ بغداد حسن باشا (المتوفي سنة 1136) لأن مؤلفة توفي قبل أن يوفق لإكماله فاعتمد على مسوداته ورتبها.
وقد وصف صاحب الخزانة النسخ الموجودة أحسن وصف مما لا نرى الإطناب فيها ضرورياً بعد أن تعينت مواطن النسخ منها نسخة في الموصل.
ولعل اهتمام المؤلف حسين أفندي البغدادي بهذا الشرح كان بسبب علاقته بتاريخ العراق وتسهيلاً لمطالعيه ولذا نرى مرتضى أفندي يعتمد على الأصل
ويجعله من جملة مصادره في تاريخ العراق. وقد اهتم العلماء بهذا المؤلف وممن أكمله الحاج محمد أفندي من صوفية وله نسخة موجودة في خزانة فينة أكملت في رمضان سنة 1126هـ (1714م) أي في حياة المؤلف أيضاً.
هذا ولا أطيل القول أكثر من هذا للتنبيه على مقدرة المترجم سوى أنني أقول أن لنا اليوم حاجة إلى أمثال هذه المؤلفات لمقابلة الألسنة وللتوسع في مباحث اللغات الشرقية خصوصاً لغات الأقوام التي تجاورنا وأن لا نهمل ما قام به أسلافنا من التحقيقات أمثال هذه ولنطلع
على أصول لغتنا الدراجة والكلمات الأجنبية المستعملة فيها مما نسي أصله ولنقف على معنى الألفاظ التي لا نعرف مدلولها إلا بواسطة المقابلة ألفاظ اللغة الفصحى بما هو معروف منها في التراجم اللغوية القديمة التي تعارض اللغة الواحدة باللغة الأخرى وهذا النقص عندنا ناشئ من قلة المصادر وعدم وجود ما هو واف بالغرض مما عانى أسلافنا في أمر التوغل فيه وأشبعوه تمحيصاً كافياً. والبحث عن هذا يطول. والآن اكتفي بهذا القدر عن حسين أفندي اللغوي الجليل وأمضي إلى بيان أحوال مرتضى أفندي. . . واختم مقالي هذا بتصريحي أنه لم أعرف لحسين أفندي هذا ذرية ولم أجد لها ذكراً في أي كتاب وقع تحت يدي. فهل هناك من يخالف رأينا ويدعمنا بالأسانيد التاريخية؟ فأننا نشكر له يده سلفاً.
المحامي عباس العزاوي
(لغة العرب) بحثنا نحن أيضاً في المدونات التاريخية التي في أيدينا لنرى ما يمكن أن نريده على ما كتبه حضرة الأستاذ عباس أفندي العزاوي فلم نعثر على ما يزيد هذه الترجمة وهذه التحقيقات شيئاً يذكر. فدل عمل الأستاذ على بحث دقيق وإمعان فيه قد راجعنا كتاب (أخبار السلطنة العثمانية) الذي صنفه ج دي همر فلم نجد فيه ضالتنا ولم يبق لنا إلا طلبنا هذا الأمر من حضرة صديقنا يعقوب أفندي نعوم سركيس فأنه جهينة الأخبار وعنده الخبر اليقين فلعله يلبي طلبنا.
مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها
1 -
المقدمة
كل من وقف على جزء من أجزاء هذه المجلة (مجلة المجمع العلمي العربي) عرف ما لها من صدق الجد وخدمة اللغة العربية خدمة لا يمكن أن ينكرها أن ينكرها إلا من أعمته الغايات وحطته إلى اسفل الدركات وفي كل جزء يصدر منها جواهر نفسية ينظمها في عقدها المتزايد قيمة جماعة من أفاضل الشرف والغرب والجميع يتنافسون في قتو هذه الملكة - ملكة اللغات طرا - فينقلب القارئ بعد وقوفه على ما فيها من بديع المقالات حافل الوطاب مفتخراً بما في اللغة الضادية من دفائن الكنوز التي لا يقف الطرف على طرفها وأن صرف عمره بل أعماراً في هذا السبيل.
ومما نستحسنه في القائمين بشؤون تحبيرها وتحويرها أنهم لا يستنكفون من نشر ما يخالف آراءهم الخاصة، ولا سيما ما يخالف رئيسيها الجليلين:(محمد كرد علي والمغربي) وهذا أدل دليل على أنهما ومن معهما يتوخون الحقيقة والصدق في كل ما يقولون أو يقولون به ولهذا لا ينكرون الحقيقة على من يجاريهم في هذا الصراط إذا كان من يخالفهم في آرائهم يخلصون النية وخدمة اللغة ونشد الضالة المطلوبة.
وقد بدأت المجلة المذكورة سنتها العاشرة بطبع الجزء الثامن من كتاب نشوار المحاضرة تلك الدرة البديعة التي أتحفنا بها القاضي التنوخي. وقد ظفر به الأستاذ الإنكليزي الشهير د. س. مرجليوث كما ظفر بالجزء الأول ونشره في مصر في سنة 1921 ومجلة المجمع لم تفعل هذا الأمر إلا إجابة لطلب الأستاذ مرجليوث الذي طلب إلى أعضاء المجمع أن ينشروا هذا الجزء الذي وجده مخروماً في متحفة لندن وأن يكون النشر تباعاً في مجلتهم ثم يفرد على حدة بعد أن يعلق عليه بعض التصحيحات منها للأستاذ مرجليوث ومنها للمجمع نفسه فاستحسنا هذا
العمل ولا جرم أن جميع أبناء العرب ومحبيهم يرحبون بهذا الأثر وبناشريه لما ينجم منه من الفوائد الجليلة.
وفي الجزء المزدوج من هذه السنة وهو الجزء الأول والثاني مقالات أخرى فاخرة نمقها جماعة من علماء الشرق والغرب ومن جملتها مقالة الأستاذ كركو نلينو العلامة الإيطالي
عنوانها (تصحيفات غريبة في معجمات اللغة العربية) فحمدنا الله على ما جاء وما يجئ من القلائد الحسان في هذه المجلة الجليلة الثمينة.
وفي أثناء مطالعتنا لصفحات نشوار المحاضرة ومقالة الأستاذ نلينو وقع في خلدنا خواطر شتى فأحببنا أن نضبطها بتدويننا إياها في هذه السطور لعل ما ينقدح منها من الشرر الضعيف يكون سببا لنار شديدة تنبعث منه أضواء رائعة فيستفيد منها من به حاجة إليها. وعلى كل حال ليس في تقييدها أدنى ضرر ولهذا نعرضها هنا للقارئ:
2 -
نقد كتاب نشوار المحاضرة
لما كنا نود أن كل ما يبرز باسم المجمع العلمي - الذي نتشرف بانتسابنا إليه يكون مطبوعاً بطابع العلم والتحقيق وأن يصدر قليل المعايب ألم يصدر منزهاً عنها نذكر هنا ما نظنه خطأ ولعله غير صواب في نظر من هو أعرف منا بدقائق اللغة وأسرارها.
جاء في الصفحة الأولى من هذه السنة من المجلة (1: 10) ذكر القاضي. . . التنوخي المتوفي سنة 384 وجاءت الباء منقوطة بثنتين ونحن أن هذا التنقيط صادر من المنضد لأن الصحيح المتوفي بألف مقصورة في الأخر.
وورد في حاشية 7 تعليقاً على كلمة (المغزى) المكتوبة بصورة (المغزا) قول المجلة: (كذا في الأصل) - قلنا: ولو يزاد على ذلك أن الأبياري قال في كتابه (سعود المطالع، لسعود المطالع) جماعة من النحويين مشوا على كتابة اليائي كله بالألف حملاً للخط على اللفظ) - لكان حسناً. ولا جرم أن الذين يرسمون اليائي بالألف يجارون الأرميين الذين يلفظون ويرسمون بالألف القائمة ما كان مقصوراً وغير مقصور لخلو لغتهم من اصطلاح في الكتابة مثل اصطلاح لغويينا أو كتابنا أو علمائنا ولا سيما أنهم يلفظون ما كان منتهياً عندنا بالألف
القائمة كلفظهم ما كان مختوماً بالألف الجالسة بلا أدنى فرق بخلاف علمائنا فانهم ينطقون بالإمالة ما كان مرسوماً آخره بالياء وبالفتح المشبع ما كان مرسوماً بألف قائمة.
وفي ص 10 س 13 (وليس هو بعد وزير) ونظن أن المعنى يتطلب أن يكون: (وليس هو بعد وزيراً).
وفي ص 11 س 4 (ولا يقدر له على نكبة) ونظن أن الصواب هو: (ولا يقدر له على نكبة) بهاء الضمير في الأخر. وأن كان للأول وجه في المعنى.
وفي ص 12 س 14: (فأن أفصى هذا الأمر إلي) ولعل الصواب (فأن أفضى بالضاد المنقوطة.
وجاء في ص 13 س 10: (فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف بالحسيني) والمذكور في التاريخ هو (الحسني) نسبة إلى الحسن بن سهل وهو الذي جاور التاج وكان به منازل الخلفاء في بغداد (راجع التاج في معجم البلدان لياقوت وراجع هذا الجزء من مجلتنا ص 343).
وجاء في ص 13 س 5: والله (لا قسمت الارتفاع) وفرق بين (لا) و (أقسمت) والظاهر أنها لا قسمت كالكلمة الواحدة أي أن الكلمة مركبة من اللام، لام جواب القسم ومن أقسمت.
وعلقت المجلة على كلمة إيوان زمام الخراج قولها: هكذا جاءت في الأصل اه. ولم نفهم سبب هذا التعليق في حين أن ديوان زمام الخراج هو الديوان الذي يضبط فيه ما يجمع من الخراج. راجع معجم دوزي في مادة زمام.
وورد في ص 77 س 6: (وكان يتقلد الذاب) والصواب الزاب بالزي وهو أشهر من أن يذكر ومثل هذا الغلط يرى في ص 79 س 2 حين يقول الكاتب: لا تهلكي جذعاً فأني واثق برماحنا. . . والمعروف الصحيح: (لا تهلكي جزعا).
وفي ص 82 س 6: ما رأيت الفعلة شبيها إلا ما عمله أبي الفرات) فلعلها (أبن الفرات) على ما هو مشهور.
وعلق على العلم (يوسف بن فنحاس) قول المجلة: (في تاريخ الوزراء
فيجاس) ولم يصحح إحدى الروايتين والصواب هو أنه فنحاس بالحاء المهملة لا فنحاس بالجيم. وفنحاس من أعلام اليهود المعروفة في جميع ديارهم.
وجاء في حاشية ص 83 تعليقه على ما ورد في النص وهو قوله (فأن أبن الفرات فاز بجمعها) ما حرفه (لعله بجميعها) ونحن لا نرى فرقاً بين اللفظتين بين الجمع والجميع إذ الواحدة تعني الأخرى.
وفي ص 84 س 10 كلمة (أزيل) مضبوطة بالهمزة المفتوحة للمتكلم المفرد من فعل أزال والأفصح أنها بضم الهمزة.
وعلق على كلمة تنائها من هذه العبارة (ص 87 س 6): (صرفت ما كنت جمعته من
ضياع وبستاين بالبردان وصاهرت بعض تنائها) ما هذا حرفة (كسكان جمع تانئ وهو المقيم ببلدة. راجع ص 28 من المجلد المجمع العلمي). قلنا: والذي عندنا أن التناء هنا جمع تان من إتاوة أو التناية وهي الفلاحة والزراعة كما قاله ابن الأثير في مادة ت ن و: فيكون المعنى: وصاهرت بعض فلاحيها أو زراعيها والكلمة في الأصل مشتقة عندنا من التناية اليائية لا من لا من التناوة الواوية. والتناية تعني بالأرمية الفلاحة والكراب (بكسر الكاف وهو قلب الأرض وحرثها وشقها).
وفي تلك الصفحة س 9: وليس معه من أصحاب كثير أحد. وعلق بكثير في الحاشية: (م. ع (أي مجلة المجمع العلمي العربي) كذا في الأصل: ولعل صوابه الكثيرين أحداً. اه ونحن نقول. لعل الأصل هو: وليس معه من أصحابه كبير أحد.
وفي ص 89 علقت المجلة على القارية التي شرحت في المتن بقول المؤلف: (والقارية ساجة عظيمة تستعمل صحيحة) بقولها (لم نعثر على القارية بهذا المعنى) اه. قلنا: القارية بتخفيف الياء تعريب اليونانية أي السارية أو الصاري.
وضبطت أرمينية في ص 91 س 5 بفتح الهمزة والذي أثبته علماء البلدان وفقهاء اللغة بكسرها.
وقال مصطفى جواد ورد في ص 1 س 10 من مجلة المجمع قولهم عن
مؤلف النشوار.
1 -
فهو لم يسرد وقائع التاريخ وأخبار رجاله كما سرده غيره. ولم نعرف صاحبا للضمير المتصل ب (سرد)(وقائع) والمعطوف عليه (أخبار) فالصواب (سردها) أو (سردهما).
2 -
وقالوا في ص 3 س 11 (ولكنها كانت أحياناً تصطدم بجمل وتعابير) فوقع في هذا التعبير غلط بين لأن (اصطدام) فعل مشترك كتصادم لا يصدر إلا من أثنين أو أكثر منهما لفظاً أو معنى بشرط التضاد فلذلك تقول العرب والفصحاء من غيرها (اصطدام هذا وذاك) و (هذان قد اصطدما) و (اصطدمت أنا وجمل وتعابير) وفي أساس البلاغة (وتصادم الفحلان والجيشان واصطدما) وفي ص 439 من تاريخ أبن خلكان قول راجع بن اسمعيل الحلي الأسدي:
ولا اصطدمت عند الحتوف كماته
…
ولا ازدحمت بين الصفوف جنائبه
فالصواب (تصطدم هي وجمل وتعابير).
3 -
وورد في ص 7 س4 قول مؤلف النشوار (فتلقطت هذا الفن وأثبته وخلطت به ما حدث وتحدث من مليح شعر لمن ضمنا وإياه دهر) وعلق الأستاذ مرجليوث ب (تحدث) قوله (لعل صوابه: ويحدث) قلنا (أنه قال: وأثبته وخلطت به ما حدث) فكيف يثبت (ما يحدث) في المستقبل؟ وقد تقدم خلطه بين الكل؟ فالأصل الذي نراه (ما حدث وتحدث به من مليح شعر) ولو كان تعليق الأستاذ مرجليوث محتملا للزم ذكر اسم وصول ثان ليحصل التباين بين (ما حدث) و (ما يحدث) فحذفه يوجب أن يكون الماضي والمستقبل سواء وهو محال قال تعالى في سورة البقرة (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) بتكرير (ما) الموصولة لتباين المنزلين في الكيفية والوقت.
4 -
وفي ص 8 س 6 و 7 جاءته رسالة الراضي يستدعيه ليقرر معه أمر الوزارة ويوليه إياها فقال: (الآن!!) بمدة فوق الهمزة الأولى وبعلامة التعجب مكررة وذلك خطأ لأن همزة أل في (الآن) همزة وصل فتسقط إذا سبقتها كلمة وتبقى همزة الاستفهام وحدها وهذا الاستفهام استنكاري فلا موجب لعلامة التعجب فضلاً عن تكريرها.
5 -
وفي ص 9 س 8 وما يليه (كان سبب رفعة عبيد الله بن يحيى طلب المتوكل لحدث من أولاد الكتاب. . . فأسمى له جماعة فاختار) وقد تركوا (أسمى) مبنياً للمعلوم خلاف قاعدتهم مع أن المسمي غير مذكور فالصواب عندهم (أسمي) بياء مثناة منقوطة من تحت وكانوا جدراء بان يلحظوا ورودها في ص 91 هكذا (فأمر أن يطلب له حدث من أولاد الكتاب ينصبه لذلك فسمي له جماعة) ببناء (سمي) للمجهول.
6 -
وفي 11 س 8 (وقوي أمر عبيد الله حتى حذف بنفسه من غير أمر اسم وصيف من التاريخ) وطبع هذه الجملة مضطرب وتصعب قراءتها بفهم فالمسهل لفهمها الفصل كما يأتي (حتى حذف بنفسه من غير أمر (اسم وصيف) من التاريخ).
7 -
وفيها س 12 (وبطأ حوائجه) وقد علق عليه علماء المجمع ما عبارته (المعروف: أن أبطأ وبطأ يتعديان بحرف الجر وفي مستدر كاتنا أن (بطأ) ورد متعدياً بنفسه فسألنا عن ذلك الأب انستاس ماري الكرملي فإذا تعديه بنفسه من مستدركات التاج على القاموس.
8 -
ورد فيها س 13 (فقتله على يد إسحاق بن إبراهيم الظاهري ببغداد) بالظاء المشالة المعجمة من الظاهري، والمشهور في ذلك العصر (الطاهري) بالطاء المهملة نسبة إلى
(الحريم الطاهري) وهي محلة ببغداد.
9 -
وورد في ص 15 س 7 (مدة تقلد عبد الرحمن. . . ثم مدة أيام أبي العباس. . . لديوان الخراج) وعلق به مرجليوث الأستاذ (الصواب: تقلد) قلنا إذا صار الكلام (بديوان الخراج) كان ذلك أولى من إضافة (تقلد).
10 -
وفي ص 77 س 8 (وأخذ خطة يصححها فصحح خمسمائة وأربعين) وعلق به الأستاذ المذكور (ولعله بتصحيحها) قلنا: أن كان ذلك موافقاً فيفسد قول (فصحح خمسمائة وأربعين) بعد أخذ خطة بتصحيحها فالموافق لمقتضى الحال (وأخذ خطة لتصحيحها) بوضع اللام بدلاً من الباء لأنه لا يفيد حصول تصحيحها كما تفيد الباء التي للمصاحبة.
11 -
وورد في ص 82 س 10 (بيت المال العامة والخاصة) وعلق عليه علماء المجمع ما نصه (كذا في الأصل، وذكر بعضهم أن المال يؤنث ولكن في تاريخ الوزراء: بيت مال الخاصة والعامة) قلنا فانظروا إلى ص 83 ففيها (بيت مال العامة) فلا شك في أن الصواب ما ورد في تاريخ الوزراء وأن (ال) في المال من زيادة السهو.
12 -
وورد في ص 83 س 3 (وكان مبلغه فيما ظنه الكتاب وكانوا يتعاودونه نحو ألف دينار) فعلق المجمعيون ما نصه (كذا في الأصل ولعله: يتعاورونه أي يتداولونه بالعد أو التخمين) قلنا ليس ذلك بشيء وغنما هو متكلف ظاهر لأن قوله (ظنه الكتاب) ينفي عدة ولان التعاور لا يكون بالعد ولا بالتخمين فمعنى (تعاوروا المال أخذه بعضهم بعد بعض أو بعضهم مرة وبعض أخرى) وعلى ذلك قول أعشى بكر:
دمنة قفرة تعاورها الصي
…
ف بريحين من صبا وشمال
وقول عنترة العبسي:
إذ لا أزال على رحالة سابح
…
نهد تعاوره الكماة مكلم
فالأصل المذكور (يتعاودونه) هو الصواب ومعناه (تشاركوا في معاودته لتفقده).
13 -
وفيها س 9 (فأمر بحبسها وتهديهما ففعلت ذلك، فأحضراني حسابا مبتورا) والصواب (فأحضرا لي حساباً مبتورا) لأنهما استجلبا له الحساب.
14 -
وفي ص 87 س 6 قد صرفت ما كنت جمعته من ضياع وبساتين بالبردان) وقد علق به مرجليوث (الصواب: في) وقد أراد في (ضياع وبساتين) وليس في هذا الإصلاح
صلاح والصواب الأصل سواء أكانت (من) بيانية أم سببية.
15 -
وورد فيها س 9 (وليس معه من أصحابه كثير أحد، فاجتاز في الطريق) فعلق به المجمعيون ما عبارته (كذا في الأصل ولعل صوابه: الكثيرين أحد) قلنا لا وجوب في جمع الكثير عند ترجيح الصحيح فأنه يستعمل للمفرد والجمع على غرار قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم) وقوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا).
16 -
وورد فيها س 14 (قلت لم لا أخلف على هذا القائد وأضيفه عندي على هذا الطعام المعد) فانشب فيه ابروه من المجمع ما نصه (أخلف عليه: عوضه. ولعله: أحلف بمعنى أقسم، وهو الأظهر) قلنا: دعواهم أن هذا هو الأظهر تسند الحماقة إلى المضيف لأن مبادرته المار عليه بالقسم ليست من كرم الأخلاق ولا من العادات المألوفة وفي مختار الصحاح (وأخلف فلان لنفسه من: إذا كان قد ذهب له شيء فجعل مكانه آخر) فذاك من هذا النوع والتقدير (أخلف لنفسي على هذا القائد) لأن ضيفه المنتظر لم يحضر.
17 -
وفي ص 88 س 1 (فنحن نشرب أس الجيش في طلبه وعرفوا خبرة وأحاطوا بالدار) وعلق به مرجليوث (لعله إذ أتى) وهو مقبول صحيح ولكن الحق به المجمعيون ما نصه (الظاهر: أنه أنبث الجيش أي تفرق) قلنا ليس هذا بظاهر لأن إنبثاث الجيش يجوز لو لم يعرفوا خبره أحاطوا بالمنزل فالصواب أذن (إذ أتى الجيش في طلبه وعرفوا خبره وأحاطوا بالدار) ولأن جهلهم خبره وموضعه يسبب إنبثاثهم.
18 -
وفي ص 89 س 3 (فوعدته بها وأدفعه أياماً ثم حملتها إليه) فعلق به علماء المجمع ما نصه (الظاهر: ودافعته) وما زال إصلاحهم مباءة للغرائب مدعاة للاستغراب، قال تعالى (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) باتخاذ المصارع بدلاً من الماضي لأنه يفيد الاستمرار بالماضي إذا أقحم مع الأفعال الماضية وهذا أسلوب العرب فيجب أن يعرف ذلك من يتصدى لمثل هذه الأمور. انتهى كلام مصطفى جواد.
وما عدا ما ذكر ناه هنا فالحواشي والتصحيحات من أنفس ما جاء في إعادة نص المؤلف إلى نصابه ولو بعث اليوم لشكر لناشري تصنيفه ومصححيه فضلهم أصدق الشكر. فأثابهم الله على هذه الخدمة العظيمة.
3 -
الفقنس والققنس والقوق
وقرأنا في الجزء الثاني مقالة نفيسة للأستاذ الإيطالي كرلو نلينو (10 من 65 إلى 76) مقالة وسمها (تصحيفات غريبة في معجمات اللغة) حقق فيها هذا العلامة الجهبذ أصل هذه الألفاظ المذكورة وهي الفقنس والقوقيس والقوق
والمقوقس، وكنا قد سبقنا حضرته فكتبنا في المشرق سنة 1899 في 2: 926 و 927 نبذة في تصحيفات كلمة فنقس وأثبتنا أنها وردت في أسفار مختلفة بصور شتى منها، فنقس وفقنس وقوقيس وققنوس وقوقش. ومن بعد أن نشرنا مقالتنا المذكورة عثرنا في كتاب البلدان لأبن الفقيه (وقد ألف في سنة 289هـ 902م) على البنجس قال (ص 207)(وزعم طمياث (لعله طمستيوس) الحكيم في كتاب له في الحيوان أن في المشرق طيراً يقال له (بنجس) في مدينة يقال لها مدينة الشمس ليس له أنثى ولا شكل في فعله وأهل المدينة يعبدون الشمس وتسمى المدينة أغفطوس، قال: فيطير هذا الطائر فيجمع بمنقاره عيدان الدار صيني ثم يضطرب عليها بجناحيه حتى يشعل نارا من تلك العيدان فتأكله حتى يصير رماداً ثم ينشأ من ذلك الرماد دودة فلا تزال تنمي وتزيد حتى تكون طيراً كما كان وذلك في خمسمائة عام) اه. فهذا كلام واضح على أن البنجس هو الفنقس أو الفقنس أو القفنس
4 -
الققنس والقوق
ونحن نوافق الأستاذ نلينو على أن الققنس (كهدهد) أو الققنوس أو القوقفوس أو القوقيس (بقافين في الأول) هو لكننا لا نوافقه على أن القوق هو الققنس (بقافين كهدهد) ولا أنه الفنقس (بفاء ونون وقاف) بل هو طائر ثالث. وقد جاء ذكره في التوراة العربية التي نقلها سعيد بن يعقوب الفيمومي المشهور عند الغربيين باسم سعديا (راجع هذا الجزء من المجلة ص 326). وقد سبقه إلى ذكره أيضاً التلمود المؤلف في المائة الثانية للمسيح أي قبل الهجرة بأربعمائة سنة إذ جاء فيه اسم هذا الطائر (قوق) مبني ومعنى وذلك في عدة مواطن. فالكلمة إذن ليست يونانية الأصل وأن ورد ما يشبهها في الإلياذة المؤلفة في نحو السنة الألف قبل الميلاد لأن المذكور في الإلياذة هو الققنس (كهدهد وبقافين) لا القوق الذي هو وليس القوق عبرياً لأن اسمه في هذه اللغة (قأت)(مهموزة الوسط وكسبب).
ولعلك تقول أنها أرمية. قلنا: قد يكون ذلك محتملاً لكننا لا نقول به بل نذهب إلى اللفظة عربية النجار لأن في أصول مادتها ما يؤيد معناها ويوجه
سبب اشتقاق اسم منها أحسن توجيه لطلاقها على الطائر فمادة قوق (وفيه روايات (قاق وقيق) تدل على البياض مثل (يقق) وفيه قلب الأحرف. ومنه قولهم أبيض يقق والقوق طائر يغلب عليه البياض لأنه المسمى بلسان العلم ومن مادة ق وق: القوقة وهي الصلعة لظهور جلدة الرأس بيضاء إذا ذهب عنها الشعر - والقيقية وهي القشرة الرقيقة من تحت القيض من البيض ولا تكون إلا بيضاء وجاءت في بعض نسخ القاموس القيقة وهي خطأ ومنها أيضاً: القئقئ كزبرج وهو بياض البيض. ومنها أيضاً القيقاة والقيقاءة والقيقاية لوعاء الطلع لاشتماله على النضيد أو الكفري الذي هو أبيض اللون. ومنها القويقية وهي البيضة.
وقد ترقق القاف فيقال. الكيكة وهي البيضة وقد تبدل إحدى القافين فيقال القيض الذي هو قشر البيض من باب إبدال القاف الأخيرة من الضاد ولو تتبعنا هذه المادة إبدالا ونقلاً وقلبنا لطال البحث طولاً يمله القارئ فنكتفي بالإشارة إليه.
ومما ننكره على حضرة الأستاذ (أن الفقنس والققنس والقوقنش والقوقيس وما أشبه ذلك. . . غير معروف بالبلاد الشرقية)(ص 72) قلنا: أن الققنس - ومن أسمائه في العربية التم (عن الدميري) والأوز العراقي) - طائر معروف في بلادنا العراقية ومنه اسمه عند أهل الشام الوز العراقي، وهو يطير في أيام الربيع والخريف رفوفاً ويحلق في الجو ويجلب فيه جلبة يسمعها القاصي والداني وطيرانه لا يكون إلا بعد غروب الشمس بنحو من ساعة أو ساعة ونصف وهو أشهر من أن يذكر لكنه لا ينزل في جوار المدن بل يقيم في البطائح الكثيرة في جنوبي العراق ويذهب أيضاً إلى ديار إيران. وأسمه بالفارسية قو أو غو وبالتركية قوغو وهو ليس بالمسمى (كي) فهذا هو الحوصل أي ضرب من القوق.
5 -
المقوقس
وذهب حضرة الأستاذ نلينو أن المقوقس تصحيف القوقنس وهذه عبارته (ص 76): (أما الكلمة الأخرى التي أظنها أيضاً تحريفاً (للققنس) أدخل غلطاً في بعض معاجم اللغة فالمقوقس حيث يزعم أنه اسم طائر ولا ذكر لهذا المعنى في الصحاح ولا في لسان العرب ولكن أتى به صاحب القاموس وشارحه) اه.
قلنا: عدم ذكر الصحاح ولسان العرب لفظة لا يدل أنها لم ترد في كلام الأقدمين. فكم من لفظة ترى في شعر الجاهلية ولا ذكر لها في معاجم اللغة كبيرها وصغيرها. وما ذلك إلا دليلاً على أن دواوين اللغة على سعتها لا تحوي جميع ما نطق به الأقدمون فقد يذكر بعضهم ألفاظاً نسيها الفريق الآخر وهذا أمر يبقى على هذا النقص إلى انقضاء الدهر من غير أن يحصر حصراً تاماً.
وتعريف المقوقس لا يوافق تعريف القوقنس أو الققنس، فالمقوقس على ما جاء في تاج العروس:(طائر مطو طوقاً سوادة في بياض كالحمام) عن أبي عمرو) اه. وأما الققنس فقد عرفه حضرته بقوله هو من جنس الأوز إلا أنه اشد منه بياضاً جميل الصورة ذو عنق طويل جداً ظريف للغاية كان يضرب به المثل في صفاء البياض عند اليونان والرومان ولم يزل يضرب عند الإفرنج (كذا. لعلها يضرب به عند الإفرنج) اه. فأين هذه التحلية من تلك التحلية؟ فالققنس بحجم الأوز أو أكبر والمقوقس بحجم الحمام ومطوق. فأين هذا من ذاك؟. والذي عندنا أن المقوقس هو اسم لطائر معروف في ديار فارس وتركستان وهو المسمى بلسان العلم أو الككم (أي الككو أو الكوكو) المطوق وهو بحجم الحمام وبقية وصفه يوافق اللفظ العلمي كل الموافقة.
أما أنه كيف سمي العرب طائراً ليس في بلادهم. فمثل هذا كثير فهذا الكركدن والفيل والببر والسمور والببغاء والطاوس والغرغر وغيرها أسماء حيوانات وطيور غير موجودة في ديارهم لكنهم نقلوها عن لغات أصحاب الربوع التي ترى فيها تلك المخلوقات فليحفظ.
6 -
السمندر أو السميدر أو السمند
وذكر حضرته في حاشية 7 السمندر فقال عنه: (الظاهر من هذا الوصف (وصف بر بهلول لعنقاء مغرب أو فونيكس أو فنخس) أن فونيكس بهذا المعنى (بمعنى أنه يعمل من ريشه مناديل فإذا اتسخت يلقونها في النار فتنظف وتنقي وهي تصلح للملوك) لفظ مرادف للفظ الآخر السرياني سلمندر وهي ما يسمى في كتب العرب السمندر أو السميدر أو السمند أو السمندل أو
السبندل. تقول العرب أنه طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار وإذا أنقطع نسله وهرم ألقى نفسه في الجمر فيعود إلى شبابه وزعموا أيضاً أن المنسوجات غير المؤثرة بالنار المجلوبة من أقاصي البلاد الآسيوية كانت من وبره أو ريشه والحقيقة أن كل هذه
الألفاظ محرفة عن كلمة سلمندرا اليونانية. . . وهو نوع من الحرذون موجود باوربا كان القدماء يولون أنه لبرودة طبيعية يستطيع أن يجتاز بالنار بدون احتراق. . .) إلى آخر ما قال.
فكل ذلك مأخوذ من تحقيقاتنا بيناها في المشرق 6: 9 في سنة 1903 أي قبل 27 سنة. فوقع المقال في ست صفحات بحجم هذه المجلة مع تصاوير السمندل فنتعجب من حضرة الأستاذ كيف استعمل تحقيقاتنا - بل في بعض الأحيان - عباراتنا ولم يشر إليها، ونحن نعلم أن ليس هناك من سبقنا إلى هذا البحث والإمعان في تدقيق النظر فيه. ولا يمكن أن حضرة الأستاذ لم يطلع عليه وهو ذاك النقابة البحاثة دعيميص الرمل في آداب العرب.
هذا بعض ما أردنا تعليقه على ما جاء في مجلة الجمع العلمي العربي. ويعلم الله أننا ى نريد إلا نخل الحقائق مما يشوبها من الشوائب وعلمه فوق كل ذي علم.
7 -
تتمة في أوضاع بقطر ودوزي
وهنا لا يمكننا أن نسكت عن الأوضاع التي أدخلها اليأس بقطر في معجمه الفرنسي العربي ونقلها عنه كل من ألف معاجم إفرنجية عربية وقد نقرنا في معجم بقطر عما يقابل كلمة من الألفاظ العدنانية فرأيناه يضع للفرنسية (أردف - فون - بجع - قوغى) ونقلها دوزي في معجمه الكبير ولم يضبط الأردف ولا الفون ولا القوغي لأن بقطر لم يضبطها. أما الأب بلو اليسوعي فأنه نقل ألفاظ بقطر في المادة المذكورة وضبط الأردف كالأحمر ضبط حركات. وشكل فوق بضم الأول وأهمل البجع والقوغي. فمن أين أتى بقطر بهذه الأسماء التي لا اثر لها في المصنفات العربية التي ألفت قبل خلقة في العالم؟.
قلنا: كان بقطر (اليأس) ترجمانا خاصاً بحملة نابليون على مصر ثم عين ترجاناً في وزارة الحربية الفرنسية في باريس والرجل ما كان يحسن العربية، إنما كان يعرف قليلاً من العامية المصرية، إذ كان من أسيوط (ولد فيها سنة
1784) وكانت المصرية يومئذ كثيرة الكلم التركية لمكث الترك في ديار النيل مدة طويلة فكانت تلك اللغة البقطرية ملونة بألوان قوس قزح القومية. فأردف تصحيف اردق لغة في أردك التركية أو أوردك أب البطة. وفون (بالفاء) صوابها قون (بالقاف المضمونة) وهي مقطوعة من قوق (نس) وهو الاسم اليوناني للطائر المسمى بالعربية التم أو الإوز العراقي وأما القوغي فهو القوغو أو القوغى
(وتلفظ بضم القاف والعين) وهو أسم التم بالتركية.
فهذه هي حقيقة أصول الألفاظ التي أدخلها بقطر في لغتنا وتبعه متأثراً إياه كل من نقل عنه كدوزي والأب بلويو وسف حبيش وشركائهم، على أني أقول أن معجم يوسف حبيش الفرنسي العربي هو أحسن الكتب اللغوية الفرنسية العربية، إذ هو قليل الغلط بالنسبة إلى غيره، ومن العجيب أنه وضع بازاء بجعة ج بجع (طائر) يسمى أيضاً ردف (كذا) اه. فكان كلامه كله غلطاً لأن البجعة هي كما ذكرها في مادتها. وردف لا وجود لها إنما هي الأردف التي تعني البطة لا الإوزة العراقية. وأما قوله الردف فالذي ساقه إليه هو أن في الدجاجة التي هي من صور السماء تسمى بلسان العلماء نجما هو ذنب الدجاجة أي المسمى بالإفرنجية أو فسمي الكل باسم الجزء. وهو في غير محله هنا إذ هو من قبيل وضع الشيء في غير موطنه.
فأنت ترى من الجهة الواحدة صعوبة السقوط على الألفاظ الصحيحة العربية للأوضاع الإفرنجية في أي علم أو فن كان. ومن الجهة الثانية أن المعاجم العلمية في حاجة إلى إصلاح دقيق فعسى أن ينهض الأدباء والعلماء في هذا العصر ويضعوا لنا معجماً صحيحاً لتطمئن إليه النفوس فيحسن النقل من اللغات الغربية إلى لغتنا العربية. أننا لا نكر أن صاحب السعادة محمد شرف بك أدى خدمة لا بينة للعالم العربي بوضعه ذلك المعجم الجليل الإنكليزي العربي إلا أنه فاته ألفاظ كثيرة في علم النبات والحيوان والجماد وفي بعض المواطن يحتاج إلى تصحيح. وفي مواضع آخر إلى حذف أو إلى زيادة. ومع هذا كله يبقى تأليفه جبار في اللغة لأنه فاق به جميع من تقدمه في هذا البحث. فعسى أن يعاد النظر فيه مرة ثالثة ليكون أوفى بالموضوع.
الأسر المنقرضة
-
بيت قرة قاش
في أوائل منتصف القرن الثامن عشر كان في البصرة رجل سرياني من ديار بكر أسمه الشماس حنا أبن الميرزا قرة قاش (أي الأسود الحاجب) وكان قد قدم المدينة المذكورة مع امرأته سيدي (التي توفيت هناك في 10 كانون الأول سنة 1778) وأبنيه يوسف ويعقوب وقد ورد ذكر الشماس حنا لأول مرة في أوائل سنة 1756 والظاهر أن أسرته كانت تتعاطى البيع والشراء وقد أثنى عليها الأب أندرياس أوزونيان المرسل الأرمني الكاثوليكي العينتابي الذي كان في بغداد سنة 1770 وطلب منه رئيسه العام المقيم يومئذ في رومية العظمى أن يرسل إلى جميع أعضاء أسرة قرة قاش برسالة بركة وشكر مكافأة لما أبدوه نحوه من الإحسان وتوفي الشماس حنا في المدة التي بين سنة 1770 وسنة 1778.
يوسف بن الشماس حنا قرة قاش
أن يوسف تزوج في البصرة في 24 تشرين الأول سنة 1762 بامرأة أرملة بغدادية من جماعة الكلدان أسمها شموني بنت مقصود الموصلي واسم أمها بربارة بنت داود السريانية البغدادية ورزق منها أربع بنات عاشت واحدة منهن فقط وهي مريم تريزية التي ولدت في 3 أيلول سنة 1763 وكانت حسناء غير أنها اضطرت وقتاً ما إلى تشوه جمالها بصبغ وجهها بالكريم لتظهر دميمة في عيني علي محمد خان الإيراني والي البصرة يومئذ المشهور بسوء سيرته وكان
قد صوب الحاظه إلى تلك الفتاة البديعة الصورة فعقبها ثلاث مرات واضطهدها غير أن العناية الإلهية صانتها في تلك المرات وحفظتها من الوقوع في براثنه.
وفي الآخر تزوجها في البصرة في 15 شباط سنة 1777 بدروس ماغو الأرمني الكاثوليكي وهو الجد الأعلى في بغداد لآل مغاك لأنه كان قد انتقل من البصرة إلى الوزراء بعد ما توفي الله امرأته المذكورة في 6 تموز سنة 1778 وهي إحدى الضحايا العديدة التي ذهب بها مرض معد كان قد تفشى في البصرة في تلك السنة أثر فيضان نهر الفرات
وطفوحه حوالي المدينة المذكورة فزادت إذ ذاك الضيقات وتفاقمت البلايا بحيث أنها قامت جميع ما تجرعه أهالي البصرة من الغصص في أثناء وقت الطاعون الجارف الذي حدث سنة 1772 وقد دامت هذه الحالة التعسة إلى 18 أيار سنة 1779 وتوفي يوسف أو الشماس يوسف الأمدي في 1 آب سنة 1781 وكانت وفاته في دير الأباء الكرمليين في البصرة حيث كان يسكن من مدة طويلة لنفور وقع بينه وبين أهله.
يعقوب بن الشماس حنا قرة قاش وذريته
أن يعقوب كان متزوجاً بسيدي بنت يعقوب السرياني وهي حسب ظني ابنة يعقوب بن إبراهيم البغدادي واسم أنها كاترينة ابنة حنا الطويل السرياني البغدادي وقد ولدت سيدي في 25 آب سنة 1761 وبعد وفاة يعقوب زوجها الأول وكانت الوفاة في بغداد في 7 آب سنة 1782 تزوجها في 8 ك 2 سنة 1784 بدروس أغا كوركجي باشي الهمذاني الأرمل وكان يعقوب قد رزق منها عدة أولاد عاش منهم واحد فقط اسمه حنا.
حنا بن يعقوب قرة قاش وأولاده
وهو المشهور بحنا ناني أي حنا بن هيلاني لأن أمه كانت تدعي هيلاني أيضاً كما يظهر وكان حنا يتعاطى البيع والشراء ويقوم بأشغال البعض من تجار بغداد في بلاد إيران وقد تزوج في شهر ك 1 سنة 1808 بسيدونة بنت قسطنطين الامدي واسم أمها سارة بنت بدروس أغا كوركجي باشي المار ذكره وصار له عدة أولاد نذكر منهم: كسبر أنطون الذي ولد في 29 تموز سنة 1811.
تريزية التي ولدت في تشرين الثاني سنة 1814 وهي امرأة القس الياس جاقر الكلداني البغدادي وتوفيت في شهر حزيران سنة 1885.
نعوم الذي ولد في 30 أيلول سنة 1816 وتوفي بلا عقب.
كسبر أنطون بن حنا ناني ونسله
وهو كسبور الذي كان موظفاً في الطمغة ولذلك كان يدعي كسبور العشار ويقال أنه كان حسن الصورة ورعا تقيا حتى أنه رفض أن يكون شاهبندرا (مقيما) في المكس خوفا من أن يعرض نفسه لما يخالف ضميره وتزوج أولاً في سنة 1843 بسوسان أرملة أكوب
جاقر سركيس وهي ابنة نعمة الله عبود الحلبي المولد وبعد وفاتها تزوج ثانية في 27 ك 2 سنة 1846 بوردة بنت بهنام أبن سمعان النقار الكلداني واسم أمها مريم، ورزق تاكوهي التي اعتمدت في 5 ك 1 سنة 1847 وهي امرأة يوسف كمش. وقد توفيت في 19 آب سنة 1926 وبوفاتها انقرضت هذه الأسرة.
اليزة امرأة مقصود ابن القس الياس جاقر التي اعتمدت في 3 أيلول سنة 1851 وتوفيت في شهر نيسان 1890.
سارة التي تزوجها في 27 نيسان سنة 1878 كاستون لكسندروف الفرنسي وبعد وفاتها تزوجها مقصود المذكور وتوفيت في شهر شباط سنة 1891.
دير نرسيس صائغيان
فوائد لغوية
ليلة الحاشوش وليلة الماشوش
1 -
ليلة الحاشوش
الماشوش والحاشوش لفظتان وردتا في كلام الأقدمين من الناثرين والشعراء ولا وجود لهما في دواوين اللغة القديمة ولا الحديثة ولا في أسفار المستشرقين التي وضعوها ليستدركوا فيها مافات كتبه العرب الفصحاء والمولدين.
وأول من ذكرها على ما عثرنا عليه من الصحف البيروني في كتابه (الآثار الباقية، عن القرون الخالية المتوفي في رجب من السنة ال 440 للهجرة إذ يقول في ص 311 في كلامه أعياد النصاري النسطورية ما هذا نقله: (. . . وأما ليلة الماشوش وهي ليلة جمعة زعم الذاكرون لها أنهم يطلبون فيها المسيح، فقد اختلفوا فيها، فبعضهم: أنها ليلة الجمعة التاسعة عشر من صوم أيلي. وبعضهم قال: أنها الجمعة التي طلب فيها المسيح وهي الصلبوت وبعضهم قال: أنها جمعة الشهداء وهي بعد الصلبوت بأسبوع. والترجيح للقول الأول بين الثلاثة الأقاويل) اه.
قلنا الكلمة أرمية الأصل من وضع نصارى العرب وهي الحاشوش بحاء في الأول وفي الأرمية حاشوشا في الأخر كما هو المألوف في ألفاظهم ومعناها المتألم والمفعول والمنفعل والحاس. ويشيرون بذلك إلى الجمعة التي تألم فيها المسيح أو جمعة الصلبوت التي أشار البيروني في القول الثاني من أقوله وربما توسعوا فيها وأرادوا بها: كل ليلة يذكر فيها آلام أحد الأئمة الأقدمين تأمما للمسيح. هذا هو المشهور عندنا. واليوم يسمي نصارى بغداد هذه الليلة بجمعة الآلام وأهل الموصل وما جاورها من البلاد يسمونها بجمعة الحاش
تخفيفاً للفظ وأهل سورية وفلسطين يسمونها جمعة الآلام أو الجمعة الكبيرة أو الجمعة الحزينة أو الجمعة المقدسة وبالفرنسية وبالإنكليزية فلا جرم أن النساخ الذين نقلوا كتاب الآثار للبيروني وهموا في النقل. والوهم ظاهر لا يحتاج إلى تفنيد لجلاء الأمر.
2 -
ليلة الماشوش
على أننا لا ننكر أن كلمة (الحاشوش) وردت في جميع الكتب العربية التي نقلت اسم هذه الجمعة بميم في الأول بدلاً من الحاء، وقد وردت في بعض النسخ الماسوس بميم وسينين ونسبوا إلى معناها تأويلاً قبيحاً ولم يكتفوا بذلك بل نقلوا اليوم إلى يوم آخر غير جمعة الآلام. وممن ذكر ذلك ياقوت في معجمه في مادة دير الخوات وفعل فعله صاحب مراصد الإطلاع في المادة المذكورة وكلاهما نقل كلام الشابشتي، وقد صرح ياقوت باسم الشابشتي صاحب مراصد الإطلاع فلم يفعل. قال ياقوت في معجمه البلداني في المادة التي ذكرناها (دير الخوات. . . وعيده الأحد الأول من الصوم يجتمع إليه كل من قرب من النصارى. قال الشابشتي: وفي هذا العيد ليلة الماشوش وهي ليلة يختلط فيها الرجال والنساء فلا يرد أحد يده عن شيء) اهـ.
وما نسبة ظلما الكتبة إلى النصارى سبقهم غيرهم إلى مثل هذا القول وعزوه إلى القرامطة وأنت تعلم أن القرامطة نشأوا سنة 264هـ وما بعدها (أي في سنة 877) وتعلم أيضا أن الشابشتي توفي سنة 390هـ فتكون هذه الإشاعة قبله بأكثر من قرن.
أما أن هذه الإشاعة تنسب إلى القرامطة فقد ذكره ابن مقرب في شعره قال:
منا الذي أبطل الماشوش فانقطعت
…
آثاره وانمحى في الناس وانطمسا
وقال في تفسير هذا البيت (الذي أبطل الماشوش أبو شكر المبارك بن
الحسن بن أبي مقرب العيوني. والماشوش: بدعة ابتدعتها القرامطة في البحرين وجعلوها دينا وهو: أن يجتمع الرجال والنساء في ليلة عندهم معلومة في السنة ويشعلون الشمع ويقومون ويرقصون ويختلطون وفيهم أخوات الرجل وأمه وبناته وعماته وخالاته. فإذا استكفوا من الرقص اطفأوا الشمع واختلطوا وقبض كل رجل منهم يد امرأة من الجمع وواقعها أن كانت من محارمه أو أجنبية فحين ملك عبد الله بن علي العيوني البحرين وصارت تلك الليلة ركب أبو شكر المباركة وركب معه غلمانه وهجموا على جمع الفساد فضربوهم وسلبوهم ومضوا هاربين. فصار فيهم رجل ضرير فصار يقول: يا مولانا والله ما نحن في شيء مما يضر بدولتكم، إنما هذا مذهب نراه في ديننا فقال له الأمير: لئن اجتمع منكم اثنان على هذا الأمر لأعملن فيكم السيف لا العصا، فأمات هذه البدعة من البحرين فما بقيت فيها تعرف)
أه.
فترى من هذا الكلام أن ما نسبه بعضهم إلى النصارى نسبوه إليهم جوراً وظلما إذ هو خاص بالقرامطة إن كانت الرواية صحيحة. على أننا لا نصدق أن مثل هذه الليلة وجدت عند قوم أو عند اليهود أو النصارى. أما المسلمون الذين في سورية ولبنان فانهم ينسبون مثل هذه الليلة إلى الدروز ومنهم من ينسبونها إلى النصيرية الذين يسمون أنفسهم علوية.
أما أهل العراق والجزيرة من مسلمين ونصارى أو يهود فينسبون مثل هذه الليلة إلى اليزيدية والشبك والكاكائية وغيرهم وغيرهم من الفرق أو المذاهب الخفية. ومنهم من ينسبها أيضا إلى الصابئة البطائح المعروفين اليوم عند العراقيين باسم الصبة.
ونحن نقول: أن كل هذه الأمور المنسوبة إلى أولئك الأقوام من سورية وعراقية لا نصيب لها من الصدق، إنما توارثها الناس الناسبون هذه المنكرات إلى الأقوام المخالفة لهم في المعتقد من الآراء التي كانت شائعة شيوعا صادقاً لانتسابها حقيقة إلى الرومان واليونانيين فأنه كان عندهم مواسم يطلقون فيها لنفوسهم أعنة الشهوات ويستحلون فيها كل محرم واسمها عندهم الباخوسيات
والباخوسيات منسوبة إلى الإله باخوس (وباليونانية ديونوسوس ابن المشتري وسميلة بنة قدموس) وهو أله الخمر ونشأت هذه الأعياد في وادي النيل ومنها انتقلت شيئاً فشيئاً إلى فينيقية واليونان وإيطالية وكانوا يقومون بها في الليل ويجرون فيها من الجلبة والضوضاء ما كان يسمع من بعد بعيد وكانوا يضربون على الطبول والصنوج الفريجية وكان يباح للنساء فقط أن يدخلن فيها وفي نحو من سنة 198 قبل الميلاد ظهر فيها الرجال في رومة فسبب وجودهم مع النساء منكرات أية منكرات حتى اضطر مجلس الشيوخ إلى منع إقامة تلك الأعياد.
3 -
الكفشة عوض الماشوش
وليلة الماشوش غير معروفة اليوم والمشهور الآن على السنة العوام (ليلة الكفشة)(بالفاء المثلثة أي وكنا كتبنا قبل إحدى وثلاثين سنة مقالة في اليزيدية في مجلة المشرق (2: 732) وذكرنا فيها ما يلي نقله.
(وكل من كتبوا عن اليزيدية ذكروا عنهم أمراً منكراً ليس موجوداً فيهم قطعاً، بل في شيعة
أخرى تسمى الشبك وهذه الفظيعة هي أنهم يجتمعون ليلة معينة عندهم في كل سنة عند مدخل مغارة سرية يحبونها في الأكل والشرب والقصف واللهو إكراماً (للطاوس الملك) وهي الليلة المعروفة عندهم بليلة (الكفشة). ثم يختمونها بارتكاب أشنع المنكرات واقبح المساوئ التي يندى لها جبين القلم حياء (راجع كتاب الفاضل فيتال كينه ص 77 وغيره) وقد أشاع هذه الخبر نصارى تلك النواحي بدون أن يتحققوا ما يذيعونه عنهم. بل في سنتهم أن كل امرأة أو رجل يزني بشخص أجنبي عن ديانتهم قتلوه أن تمكنوا من اغتياله وإلا يبسل ولو تاب توبة نصوحاً أما الذي يزني بأبناء دينه
فيعاقب عقاباً شديداً لكن لا يقتل. وإذا كان الرجل زنى بامرأة مزوجة فعليه أن يرضي زوجها، أما إذا كانت ثيبا فالمرتكب الآثم يرضي المتولي أمرها بحسب حكم الأمير. أما إذا وقعت المضاجعة بين الذكور للذكور أو بين الإناث للإناث فقتل الاثنين للحال واجب. وإذا لا يستطيع أفراد الحامة (العائلة) من الفتك بحياة المجرمين لانتباه الحكومة أو لأي مانع كان، يطرد الأثيمان من اليزيدية طردا لا مرد له ويبعدان عن البلاد ومن هنا ترى أن العفة ونزاهة الأخلاق مشهورة مشهورة عندهم) انتهى كلامنا المذكورة في المجلة البيروتية.
وفي سنة 1913 كتب الفاضل شكري الفضلي (وكان كردي الأصل) مقالة في لغة العرب (3: 308) قال ما هذا إعادة نصه: (ويحتم عليهم (أي على الكاكائية وهم غير اليزيدية وغير الشبك وقد كتبنا عنهم مقالاً أدرجناه في هذه المجلة 6: 264 إلى 269) أن يجتمعوا رجالاً ونساء في ليلة معلومة من السنة في محل مخصوص يطفئون فيها السرج والأضواء وتسمى هذه عند أهالي تلك الأنحاء (ليلة الكفشة) ومن الناس من ينسب هذه الليلة إلى اليزيدية ومنهم إلى الشبك، (ولعلها كذبة مختلقة) وكانت تعرف هذه الليلة في عصر العباسيين أو في العصور المتوسطة (بليلة الماشوش) وقد تركوا هذه العادة القبيحة منذ أن فهموا معنى الإسلام وفرائضه فهما معقولاً. . .) اه المقصود من إيراده.
وفي هذه الأيام وقع بيدنا رسالة بالعربية واللاتينية وهي في الأصل محاضرة ألقاها أسقف كلداني اسمه (بهنام) تبحث عن الكرد المسلمين واليزيدية وقد طبعها بعبارتها السقيمة العلامة متى نوربرغ في ليدن سنة 1808م وقد ذكر في الصفحة 6 منها ما نعيد نقله بعبارته الركيكة قال: (في زمان عيدهم (عيد اليزيدية) الذي يصير مرة بالسنة بيجوا (أي
يأتون) مع نسائهم والهداية (والهدايا) إلى كنيستهم من الغنم والبقر ويعملوا عيد عظيم حوالي (حول) الكنيسة بالأكل والشرب والغنا والرقص. . .) ولم يذكر اسم هذه الليلة ولم يزد على هذا القدر من الشرع. ولعله فعل ذلك تأثماً وتحرجاً.
وكنا قد ذهبنا في اشتقاق كلمة الكفشة إلى أنها من الكفش في لغة العوام العراقيين ومعناها: قبض على شعر رأسه ليؤذيه، ويقولون: تكافش الرجلان
أخذ الواحد بذؤابة رأس صاحبة وهو التساور في اللغة. أما الآن فنعدل عن هذا الرأي ونقول: أن الكفشة لفظ فارسي أو كردي للكوشة العربية أسم مرة من كلش المرأة يكوشها كوشا وفيها إشارة إلى ما يجري من الأعمال المنكرة في تلك الليلة.
وقد ذهب ف. مينورسكي في معلمة الإسلام في مادة شبك إلى (أن الكلمة لعلها مشتقة من (كفش) الفارسية ومعناها الخف. وفي ذلك إشارة إلى ما يجري بالخف في مدة تلك الليلة) وفي هذا القول من ضعف التأويل ما لا يخفي على كل أديب.
هذا ما تسير لنا ذكره في هذا الموضوع ومن له زيادة عليه فليتحفنا به.
تصحيح أوهام لبعض الكتاب
1 -
قال أبن أبي الحديد في 1: 46 (وأما قوله: وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره: إلى موضع منتقلة) قلت ليس في الكلام مضاف محذوف أبداً لأن (المنتقل) أن لم يكن اسم مكان سماعياً فهو قياسي لا محالة والغريب أنه نقض قوله بقوله من دون أن يشعر فقد قال في الصفحة 66 من ذلك المجلد (والمعتلف موضع العلف) فإذا جاز له أن يجعل (المعتلف موضع العلف) فلم منع نفسه أن يجعل (المنتقل موضع الانتقال)؟ هذا من غريب التناقض.
2 -
وقال أناس كثيرة (كاتب أول المحكمة الفلانية) و (معلم أول المدرسة الفلانية) ومن المحزن أن نجد مثل هذا الغلط الفاحش مبثوثاً! فمعنى (كاتب أول محكمة)(كاتب المحكمة الأولى) ومعنى (معلم أول مدرسة)(معلم المدرسة الأولى) والمقصود خلاف هذا فالصواب (كاتب المحكمة الفلانية الأول) أو (الكاتب الأول للمحكمة الفلانية) و (معلم المدرسة الفلانية الأول) أو (المعلم الأول للمدرسة الفلانية).
3 -
وقالوا (طمنة وزان عظمة والتطمين وزان التعظيم) وليست هاتان الكلمتان عربيتين
فالصواب (طمأنة وزان دحرجة وطمأنة وزان دحرجة. فمن يقل (وطمنت نفسه تطميناً) أتبع الشطط والغلط.
مصطفى جواد
باب المكاتبة والمذاكرة
ملحق بالفتوة
استملحت مقالة الصديق الأستاذ مصطفى أفندي جواد في موضوع الفتوة التي صدرت في الجزء الرابع من هذه المجلة (8: 241 وما يليها) وكنت أود أن أرى فيها ما جاء في ص 150 من عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب المطبوع في بمبي سنة 1318هـ) وهذا نص ما جاء تاج الدين محمد بن معية من علماء الأمامية:
(وكان يتولى إلباس لباس الفتوة ويعتزي إليه أهله ويحكم بينهم بما يراه فيطيعون أمره. ويمتثلون مرسومه وهذا المنصب ميراث لآل معية من عهد الناصر لدين الله. وقد كان بعض آل معية يعارض النقيب تاج الدين في ذلك وينقسم الناس بالعاق أحزابا كل ينتمي إلى أحدهم. فلما مات النقيب فخر الدين بن معية والنقيب نصير الدين بن قريش بن معية لم يبق له معارض ولم يكن عوام أهل العراق ولا خواصهم يسلموا ذلك الأمر إلى أحد من غير آل معية ما دام منهم أحد فكيف بالنقيب تاج الدين وكان إليه إلباس خرقة التصرف من غير منازع في ذلك لا يلبسه أحد غيره أو من يعزى إليه)؟ انتهى كلام المؤلف.
يعقوب نعوم سركيس
قبر أحمد بن حنبل
ذكر الكاتب الفاضل عبد الحميد عبادة في (7: 288) من لغة العرب أن في جامع (حاج أفندي) ويسمى أيضاً (مسجد اللالات بمجلة (كوك نظر) رخامة على الجدار الذي يلي الباب مكتوباً عليها ما صورته: (هذا قبر المرحوم المغفور له الدارج إلى رحمه الله تعالى الشيخ المجتهد السيد أحمد من الأربعة المجتهدين. وذلك في 12 ربيع الأول سنة 562) ثم قال: فتوارد إلى خاطري أنه قبر
الأمام المشار إليه - أي أحمد بن حنبل - إذ لا يبعد أن نقل إلى محلة الحالي لسبب غرق بغداد الذي وقع سنة 544هـ - 1149م. . . والحال أن التاريخ المحرر في الرخامة هو بعد الغرق بثماني عشرة سنة ذلك الغرق الذي جعلها كالجزيرة وسط الماء. ومن هذه الملاحظات يظهر أن هذا التاريخ هو تاريخ النقل لكن
تحرير التاريخ على الرخامة بهذه العبارات أضاع قضية تاريخية يقام لها ويقعد).
قلنا نستغرب من صديقنا الفاضل هذه التطويحات التاريخية لأمور:
أولها - أنه لم يثبت عنده زوال قبر أحمد بن حنبل بهذا الغرق المذكور زوالاً حتى يجوز لنفسه ما ذكره.
وثانيها: أنه ليس من المعروف عند المسلمين نقل القبر لكونه غرق أو احرق مثلاً فقد أجرى المتوكل الماء على قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ولم ينقلوه وغرق المشهد الكاظمي ولم ينقلوا صاحبيه.
وثالثها - أن المستنصر بالله العباسي أمر في سنة 634هـ بعمل مزملة بالقرب من قبر (أحمد بن حنبل) لأجل الزوار الواردين فيها حباب ملئت من الجلاب على ما جاء في ص 28 من نسختنا للحوادث الجامعة المجهولة مؤلفة.
ورابعها - أن عز الدين أبا زكريا يحيى بن المبارك توفي سنة 637هـ فحمل إلى (مقبرة باب حرب) فدفن بالقرب من قبر (أحمد بن حنبل) فالقبر في هذه السنة المذكورة ثابت معمور لا زائل ولا مغمور وهي بعد الغرق الذي ذكره الكاتب ب (93) سنة ومصدر هذا ص 45 من الحوادث الجامعة.
وخامسها - أنه إذا جاز الظن في غرق قبر أحمد فعليه أن يسنده إلى غرق سنة 646هـ فقد قال مؤلف الحوادث (وأما الجانب الغربي فغرق بأسره من محلة الحربية - إلى - الخليلات - وسوى بعض باب البصرة والكرخ).
وسادسها - أن هناك حادثة تخص القبر المذكور قبل هذا الغرق ما رواه مؤلف الحوادث من أنه في سنة 646هـ توفي قيران الناصري ودفن بمقبرة أحمد بن حنبل.
ولكن بقي علينا أن نثبت أن القبر بقي بعد هذا الغرق العظيم، وذلك هين فقد ذكر مؤلف الحوادث الجامعة في حوادث سنة 672 أنه توفي فيها
(الشيخ كمال الدين علي بن وضاح) الشهراباني الحنبلي مدرس المجاهدين ودفن تحت أقدام الأمام أحمد بن حنبل كما في ص 116 من نسختنا فالقبر لم يغرق بذلك الغرق. وعلى المتتبع أن يتأثر حوادثه بعد سنة 672 المذكورة.
والذي لا يعرف هذا ربما يسند زوال القبر إلى غرق بغداد سنة 654 فقد قال عنه مؤلف
الحوادث (فانهزم الناس والماء في أثرهم فأحاط بغداد وغرق الجانبين منها. . . وكانت السفن والأكلاك تسير من الريحانيين حتى تصل إلى باب العامة. . . واتصلت الصفوف في السفن من باب المستنصرية إلى سوق المدرسة) إلى آخره.
المدرسة الشرابية
ذكر مؤلف (عمران بغداد) السيد محمد صادق الحسيني في ص 153 من العمران (المدرسة الشرابية) وعلق بها ما نصه (اختلف السهروردي ومصطفى جواد في موضع هذه المدرسة فروى السهرودي أنها كانت في الكرخ وذهب مصطفى جواد إلى عكس ذلك كما جاء في جريدة البلاد 4 شباط 1930 والعراق 7 شباط 1930 قلنا: أن المؤلف ذكر أنها كانت (بسوق العجم) بالشارع الأعظم بالقرب من عقد سور السلطان مقابل درب الملاحين وهذا ما ذكره مؤلف الحوادث الجامعة والرجل الذي عارضنا به قبل قليل التثبت في رواية التاريخ فقد ذكر أن المدرسة الشرابية بالكرخ ولا دليل على ذلك سوى الزعم، وأما دليلنا على أنها في الرصافة فما جاء في ص 73 من الحوادث ونصه (وغرق في الجانب الشرقي ما كان ظاهر السور من مساكن استجدت منذ أيام الخليفة المستنصر بالله وبولغ في عمارتها وكان بها أسواق مادة وحمامات وبساتين مثمرة. . . وكان ذلك مما يلي العجم) فسوق العجم بالرصافة والمدرسة الشرابية بسوق العجم ومن أنكر ذلك ففي نفسه ما يعذر عليه ولا شك في قولنا.
مصطفى جواد
أسئلة وأجوبة
البيداغوجية أو التفتية
س - بيروت - أ. س: هل في لغتنا العربية لفظة تؤدي معنى الإفرنجية بيداغوجية
ج - البيداغوجية: علم تعليم الولد وتهذيبه وتنشئته. والكلمة الإفرنجية منحوتة من اليونانية أي فتى وأي حجا وساق وقاد. وكلا اللفظيين الأعجميين ينظر إلى العربيين فتى وحجا، ومع ذلك لا حاجة لنا إلى الأعجمية لأن في لغتنا ما يغني عنها فقد قالوا تفتى الرجل: إذا كان ذا فتوة والفتوة عند العرب تشمل أرقى التهذيب فإذا كان عندنا تفعل جاز لنا أن نصوغ منه فعل فتقول التفتية، فالتفتية إذن: تهذيب الفتى على أكمل وجه.
وإليك ملخص ما قرأناه عن الفتوة في معجم دوزي والتاج وأبي الفداء ابن بطوطة: (الفتوة تفوق السادة المنتسبين إلى النبي الحنيف وتميزهم عن سواهم بشرفهم ورفعتهم. وفي عرف أهل التحقيق: أن الفتى من يؤثر الخلق على نفسه بالدنيا والآخرة. ومنه الكلام المأثور: لا فتى إلا علي) وكان ينتفع بمثل هذه المآثر والمكارم كل من كان ينضم إلى هذه البيت المنيف في نظرهم أما بمنزلة أصدقاء لهم وأما بمنزلة منسوبين إليهم من قبل الموالي. وكل من يفت يعتبر عضو جماعة أو شركة أو طريقة. وإذا فتى أحدهم البسوه بحضور الجمهور لباسا أسمه (سراويل الفتوة) أو (لباس الفتوة) دلالة على رجوليته وخلعوا عليه ثوباً أو ملبوساً آخر ينتقل إلى الخلف من السلف. وهذا ما اصطلحوا عليه في عرفهم بقولهم: (البس الفتوة أو فتى فتفتي) وكانوا إذا فتوا واحداً دفعوا إليه أيضاً كأساً تسمى كأس الفتوة وكان يحق لمن ينتسب إلى هذه الفتوة أن يصور على شعاره صورة الكأس أو سورة السراويل أو صورة الكأس والسراويل معاً. والقسم بالفتوة يعتبر من الأقسام المغلظة عند أبناء هذه الطريقة وكانت تعرف الفتوة في بلاد الروم (وهي المعروفة ببلاد الأناضول)(بالإخوان الفتيان) وكان من فرائضهم قرى الضيف وردع الظالمين وقتل تبعتهم.
باب المشارفة والانتقاد
66 -
مصرع كليوباترة
راجع نقد العبرة (الأوبرا) لغة العرب 8: 201 إلى 208 و 261 إلى 273.
67 -
الآلهة
أوبرا (عبرة) رمزية ذات ثلاثة فصول (في 98 ص بقطع 12).
نظم أحمد زكي أبي شادي، طبعت في مطبعة دار العصور للطبع والنشر وثمنها خمسون مليما.
لا نظن أن في العالم العربي على سعته من يجهل مقام أكبر شعراء مصر من المجددين العصريين، فأن قصائد الرنانة وعبراته العديدة البيعة المعنى والمبني له بعلة الكعب وأنه حامل لواء الشعر الغريض الديباجة في وادي النيل. وهذه العبرة أتت فأغنت كنزنا المنظوم ومسرحنا الفقير بعبراته العربية النفس والنسج واللباس وفي مطالعتنا إياها وجدنا فيها من المبتكرات ما لم نجده في مؤلفاتنا العصرية. هذا فضلاً عن أنك تراه يحث على الفضيلة ويطعن بالرذيلة وكل ذلك بعبارات تسيل رقة ونغمة وعذوبة وسلاسة مثال ذلك أن آلهة الجمال تخاطب آلهة الشهوة وتقول لها (ص 68):
أن أتباعي حياة للوجود
…
مثلما وحيي حياة للحياة
والذي ينسى مدى فضلي جحود
…
ثم يرجوني إذا شاء النجاة
ذاك حظي
إنما (الشهوة) عبدي لا دليل
…
فإذا اعترت وثارت فالخراب
وجميل الحظ طوع (للجميل)
…
وجميل (الحب) مأمون الحساب
ذاك شأني. . .
ولا جرم أن مثل هذا النظم الرقيق وهذه الحكم الرائعة تعمل عملاً عجيباً في النفس إذا ما مثلت هذه الرواية على أي مسرح كان من مسارح الشرق والغرب.
68 -
السائح
صحيفة برزت في نيويرك في سنة 1912 واليوم ظهرت بزي مجلة وهي ما نسميها (بالوضيعة) وفي 32 ص بقطع 4 فنتمنى لها الاطراد في التقدم والفلاح.
69 -
الرابطة
جريدة أسبوعية تصدر في مان باول (البرازيل)
هي جريدة وطنية سورية جامعة تصدرها الرابطة الوطنية السورية وبدل اشتراكها 300 غرش برازيلي عن سنة وهي الآن في سنتها الثانية فنتمنى لها الرواج.
70 -
بريد برقية
جريدة تصدر في بنغازي ينشئها محمد طاهر المحيشي وصاحبها عمر فخري المحيشي. وهي الآن في سنتها الثامنة فنتمنى لها اطراد النجاح.
71 -
النور
جريدة سياسية أدبية حرة تصدر مرة في الأسبوع في القاهرة.
وصل إلينا منها العدد 1348 لصاحبها محمد زكي باشا وبدل الاشتراك فيها 100 قرش في الداخل و 25 شلناً في الخارج. وهي من الصحف المصرية الأسبوعية المشهورة فلا حاجة لنا إلى تعريف الناس بها.
72 -
الزمان والاستقلال والنهضة العراقية
الإفراج عن هذه الجرائد، منع نشر هذه الجرائد الواحدة بعد الأخرى قبل بضع اشهر واليوم أذن لهن إلى العودة. وقد وقفنا على العدد 488 من النهضة الذي صدر في 13 نيسان (أبريل) فإذا هي بتلك اللهجة الوطنية الحرة. فنتمنى لها الجهاد الدائم مقرونا بالنجاح.
73 -
أسرار الكتابة
كتاب فرنسي العبارة تأليف ج كريبو جامين - وهو موضوع في أن خط كل كاتب يكشف لمن يقف عليه أسرار الذي رسم حروفه وهو أمر إذا كان يصدق في بعض أمور
فأنه يكذب في أغلب الأحيان وهو في 276 ص بقطع 12 ومطبوع في باريس عند أرنست فلماريون
74 -
الحولية الخلدونية لسنة 1930
هذه الحولية للأستاذ الحصري وقعت في 200 ص بقطع 16 وهي جزيلة العوائد يستفيد منها فائدة طيبة الصغير والكبير القريب والبعيد الجاهل والعالم، إلا أن أغلاط الطبع تشوه محاسنها فأنك تجد في كل صفحة منها (والصفحة صغيرة) ثلاثة أغلاط في أقل تقدير ففي ص 17 سوريا. . . بحدودها الطبيعة. . . من مطالبي الحقوق القومية. والصواب سورية (بالهاء كما أشار إليها صاحب القاموس والتاج وياقوت الحموي). . . بحدودها الطبيعية. . . من المطالبين بالحقوق القومية. وأملنا أن تنقي من هذه الشوائب في السنة المقبلة.
75 -
مملكة النحل
(راجع مجلتنا 8: 226)
هذه المجلة على حداثة عهدها بلغت شأواً بعيداً في إفادة القراء والعلم والاقتصاد فهي تنشر في أربعين صفحة وفيها من العصور الجميلة المتقنة الصنع ما يشرح حقائق النص شرحاً بديعاً. وأن كان القارئ ممن لا يستفيد من النحالة فهو يستفيد فائدة جليلة من عبارتيها العربية والإنكليزية لأن كتابها المشاهير يحبرون مقالاتهم في إحدى اللغتين تحبيراً منقطع النظير في الصحة والدقة وتأدية المراد ولهذا نراها تستحق أن يطالعها أيضاً طلبة المدارس ورجال الزراعة وكل ذي حاجة إلى قضاء وقته الفارغ في أمور يستفيد منها فائدة مالية وعقيلة وصحية. بدل اشتراكها السنوي 30 قرشاً مصرياً (أو 6 شلنات) وتباع في جميع المكاتب الشهيرة في العالم العربي.
76 -
مختار القصص
بقلم كامل كيلاني طبع في دار العصور بمصر في 204 ص بقطع الصغير.
هذه قصص للكاتب الشهير كامل كيلاني صاحب (مصارع الخلفاء) و (قصص للأطفال) و (نظرات في تاريخ الأدب الأندلسي) وشارح (رسالة الغفران) وأغلبها مأخوذ من المصنفات الإفرنجية وقد أفرغها راويها في قالب عربي فصيح يجعلك تظن أن الأصل صادي النص
من أرباب القلم في العهد العباسي وهي لذيذة المطالعة وثمنها زهيد أي 5 قروش مصرية.
77 -
مختارات كامل كيلاني
مقالات شتى في التاريخ والأدب، طبع في مطبعة المعاهد بالجمالية بالقاهرة في 254 ص بقطع الثمن.
هذه المختارات هي للكاتب المذكور وكتابة هذا مصور كمختار القصص وهو أوسع من أخيه وعبارته محكمة السبك لذيذة المطالعة لكننا كنا نود أن يتحاشى في بعض المقالات الحط من بعض الأديان كما ورد في مقالة ص 114 وفي غيرها. وفي هذا التصنيف ما يشهد للكاتب البارع وقوفه على علوم عديدة وتمكنه من إفراغ ما يقرأ بعبارة لا تشوبها كاكة ولا عجمة فعسى أن تكون مباحثه مفيدة دائماً من غير أن يدخل فيها ما يمنع بعضهم من مطالعتها.
78 -
عمران بغداد
تأليف السيد محمد صادق الحسيني، طبع في مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1930 في 220 ص بقطع.
نشرت هذا الكتاب إدارة مجلة (المرشد) ببغداد وأهدته إلى مشتركيها. وحفظ المؤلف حقوق طبعه لنفسه والكتاب هو حسن الوضع والتبويب. إلا أنه كثير الخطأ في العبرة والآراء. والظاهر أن حضرة صاحبة لم يقف على أقوال العلماء الأخيرة فآراؤه في سبب تسمية بغداد والعراق قديمة لا يقبلها محقق. فليراجع مجلتنا في سنيها قبل أربعة أعوام.
وكثيراً ما يغلط في أسماء المصنفات التي استشهدها من ذلك مثلاً الأعلاف
النفسية، فأنه لك يذكر إلا باسم (الأعلاق النفسية)(نحو من 20 مرة) وأحسن التقاسيم ذكره بعنوان أحسن التقاسم (ص 27) ومراصد الإطلاع، مراصيد الإطلاع (ص 43) وبستان السياحة: بسان السياحة (ص ز) إلى غيرها وذكر في ص 42 قوله: (وكان كل ذلك البناء بالرهض وفسرها في الحاشية بقوله: (بكسر الراء وسكون الهاء: الطين الذي يبنى به يجعل بعضه على بعض (محمد بهجة الأثري) قلنا: والرهض بالضاد المعجمة غير معروفة في لغتنا فلعلها الرهص بالصاد المهملة.
وأما ضبط بعض الألفاظ فكثيراً ما يكون موهوماً فيه فأول كلمة صدر به سفره وهي (عمران) ضبطها في ظاهر الكتاب وباطنه بكسر العين. والمشهور أنها بضمها وأحياناً يحلي في الأعلام باللام ما هو غفل منها. ويغفل ما هو محلي بها. فيقول مثلاً طروس والأشور (ص5) وهو يريد طورس (أو طور بلا سين في الأخر أو الطورس بتقديم الواو على الراء لا بالعكس كما فعل) وأشور ويقول بعكس ذلك الوسط (وقد تكررت مراراً في ص 9 وبعدها) وهي واسط ويذكر أسماء أعلام لا وجود لها في لغة العرب فينقلها عن الأعاجم في حين أنها معروفة بأسماء أخرى عند العرب فيقول مثلاً سفليكة والبحر الأبيض المتوسط (ص 9) والمعروف: سلوقية والبحر المتوسط أو بحر الروم.
وهو يخطئ دائماً في نصب المعدود حيث جره وبالعكس فيقول مثلاً 300. 000 كيلو متراً مربعاً والصواب كيلو متر مربع ومثل هذا لا يحصى لوفرته ويخلف متابعة النعت للمنعوت أو بالعكس فيقول (ص 7): لعدم وجود مواد الخام وهو يريد المواد الخام بتعريف المنعوت والنعت ويذكر أشياء غير معروفة عندنا فيقول مثلاً (ص 7) (وفي شهر أيار يقع المطر الغزير المعروف بالبرصات) مع نه لا يحدث أبداً في أيار (مايو) مطر غزير.
ونحن لا نريد أن نتبع المؤلف في جميع صفحات كتابه لأن ذلك مما يزعجه ويزعج القراء أيضاً فكان من المناسب أن تفتح عبارته قبل طبعة ونتوقع أن تتحقق أمنيتنا في نشرته الثانية إلا أن كل ذلك لا ينقص من الكتاب قيمته.
79 -
رسام السيدة
كنا قد ذكرنا في مجلتنا هذا الكتاب البديع في وضعه (8: 64) وقد نفدت طبعة لإقبال القراء عليه في مدة ثلاثة أشهر حتى أضطر محل مام وأولاده في تور (فرنسة) إلى طبعة بقطع 14 وبحرف أكبر وبتصاوير أشد أحكاماً فبرز بحلة جديدة رائعة فنهنئ غي دافلين (عقيلة المرحوم الدكتور سليمان بك غزالة) بما نالته من استحسان الأدباء لمؤلفاتها ونتمنى لها العمر الطويل الهنيء ومداركة أسفارها بهمة صاعدة.
80 -
الطبيب والمعمل
للدكتور أحمد زكي أبي شادي، طبع في دار العصور للطبع والنشر في مصر بقطع 12 في
800 ص ويليه ملحق مصور وعدد صفحاته 112، (وثمن الكتاب مع الملحق 150 مليما أو 15 قرشاً مصرياً وثمن الكتاب وحده 100 مليم أو 10 قروش وقيمة الملحق 50 مليما أو 5 قروش مصرية).
إذا لفظ أسم الدكتور أحمد زكي بك أبو شادي بدر إلى الذهن أنه يسمع باسم (محرر الشعر من قيود الأقدمين وسلاسلهم الثقيلة وأحس في قلبه بشكر يؤديه إلى حامل المبتكرات الغريبة إلى اللغة العدنانية الفصحى) ولا يخطر بباله شيء آخر. مع أننا نعلم كل العلم أن أبا شادي (أو أبو شادي على سبيل الحكاية) طبيب ماهر وقد تقلب في وظائف لا يدفع زمامها إلا إلى من رسخت قدمه في الطب. وله شهادات جليلة تنبئ بعلو كعبه في المهنة التي برع فيها. وهذا كتابه الضخم ينفك إلى الحقائق الطبية والمكشوفات العصرية بحيث يحملك على أن تظن أن هذا الطبيب الضليع أفنى عمره في صناعة بقراط ولا يدري فناً آخر.
وقد تناول العلامة الكبير في الطب جميع الأمراض وذكر أسبابها بعد أن عرفها أحسن تعريف ووصف الناجعة التي أفضى إليه الطب العصري بعد معالجات متنوعة. ومما استحسناه كل الاستحسان أنه عالج موضوعات الأمراض والأدواء المعروفة في البلاد الحارة، وهي البلاد التي يغلب على لسان سكانها العربية كديار مصر وجزيرة العرب وسورية وفلسطين والعراق وطرابلس
الغرب ومراكش وبلاد المغرب كلها.
وعبارة هذا السفر متينة منقحة وقد ذكر بعض الأمراض وأدويتها بالحروف الإفرنجية حتى إذا أراد العليل أن يداوي نفسه أو أراد أبن أسكولابيوس أن يشفي المصاب بداء من الأدواء التجأ إلى هذا التصنيف العجيب ورسم الدواء لنفسه أو لغيره بلا أدنى صعوبة.
ولهذا الكتاب ملحق مصور فيه أشكال جميع الجراثيم المرضية وحقق بنفسه منافع الآلات التي تتخذ لمداواة أذاها في الجسم.
ومن غريب الأمر أن هذا التأليف الجليل مع منافعه الجمة يباع بثمن بخس لا يكاد يذكر بجانب ما في مطاويه من فرائد الفوائد. ولا جرم أن العراقيين يقبلون على اقتناعه فهو أداة لازمة لكل أديب ونافعة في كل بيت أو دار فعسى أن يرى في جميع الربوع والديار. أثاب الله مؤلفه على ما أدى من الخدم للناطقين بالضاد ولمن ينتمون إلى اللغة العدنانية الشريفة.
81 -
صناعة تسفير الكتب وحل الذهب
للفقيه أبي العباس أحمد بن محمد السفياني، مصحوباً (كذا) بتفسير الكلمات المصطلح عليها في الصناعة المذكورة، جعله المسيو ريكار متفقد الفنون الأهلية ومدير متحف الآثار بفاس، طبع لأجل إهدائه إلى الشبان المشتغلين بالتسفير.
الكتب العربية التي تبحث عن تلقي بعض الصنائع والمهن قليلة جداً وما وضع منها لا يتجاوز القرنين أو الثلاثة القرون. وهذه المؤلفات تعد من أنفس الأشياء لأنها تبحث عن وسائل إنجاح الصناعة وبثها بين الناس. فضلاً عن أن فيها مصطلحات كثيرة توقفنا على ما كان يعرف منها في عهد المؤلف أو الصانع.
على أن هذه المصنفات لا تفيد إلا إذا تولى نشرها أناس واقفون على أوضاع أهل الفن، وإلا جاءت تلك الكلم في منتهى الفساد والتصحيف والتحريف. وقد رأينا كثيراً منها عني بنشرها أهل مصر في هذه الآونة وهي مشحونة أغلاطا وأوهاما تخجل الجاهل، فضلاً عن العالم. فكيف بهذه الكتب إذا تولى بثها بين الناس أدباء أجانب عن اللغة لا عهد لهم بأسرارها.
بين المستشرقين طائفة واقفة على لساننا أتم الوقوف، وبينهم جهلة يدعون أكثر مما يدرون وبين هؤلاء نعرف جماعة من الفرنسيين تلقوا العربية في فرنسة أو في ديار المغرب لكنهم لم يجيدوها. لكنك تراهم ذوي صاف عجيب.
ومن جملة هؤلاء الأدباء ناشر الكتاب الذي ذكرنا عنوانه فويق هذا. فأنه تولى إبرازه لأهل الفضل لكنه لم يحسن قراءة ألفاظه فصحفا وحرفها واعتبرها ألفاظاً جديدة من مصطلحات أهل الفن. مع أن الحقيقة ليس هناك شيء من هذا القبيل.
وأول ما نأخذه على ناشر الكتاب أنه لم يذكر لنا معنى التسفير فأنه غير وارد في المعاجم واللفظة خاصة بأهل المغرب من أبناء العرب ومعناها التجليد أو كما يقول العراقيون التصحيف. نعم أنه عرف معناها. إذ نقلها إلى الفرنسية لكنه لم يذكرها في العربية.
وقال في مفتتح الكتاب: مصحوباً بتفسير الكلمات. . . جعله المسيور ريكار. . . ومدير متحف الآثار. فقوله مصحوباً بتفسير الكلمات، كلام أعجمي ولو قال: وفي آخره أو ذيله تفسير الكلمات لكان أحلى وقوله: جعله بمعنى وضعه غريب لم يرد في كلامهم. وقوله
المتحف بمعنى المتحفة من الغلط الشائع القبيح إذ لا وجه له في العربية، وأن لم يرد أن يقول المتحفة فليقل دار التحف.
وفي باب تفسير الألفاظ جمة جسيمة من ذلك ضبطه الإبرة بمد الألف والصواب أنها على وزن حكمة.
وذكر بين الألفاظ المستدركة على أصحاب المعاجم فعل (أرخ) وقال معناه أرخى المكبس أو كل آلة ضاغطة. وقد استنتج هذا الاستنتاج من قول المصنف ص 11: 5 وبعد ذلك أجر من عليه السبابة حتى تتيقن أن النشا قد دخل بينهما أي الكراريس كلها، فحينئذ أرخ التخت وأجذب الكتاب كله في قلب التخت، حتى أحوال الكراريس مستوية. .) فصواب قراءة أرخ هنا بقطع الهمزة المفتوحة وإسكان الراء وكسر الخاء والكلمة فعل أمر من أرخى يرخى إرخاء ومعناه حل قليلاً الآلة الضاغطة المسماة هنا تختاً لأنها مركبة من تختات أي لوحات. وقال: قد دخل بينهما والصواب بينها أي بين الكراريس كما
فسرها.
ومن أغلاطه في تفسير الألفاظ الغريبة قوله: الآنية الوعاء ثم قال ويجمع على أوان. وهو رأي كثيرين من أصحاب الجرائد والصحف والصواب أن الآنية جمع أناء. وجمع الآنية المجموعة: أوان فهذه إذن هي جمع الجمع لا جمع المفرد.
وذكر البرشمان بمعنى ما يسميه مجلدو العراق الشيرازة، ولم يهتد إلى أصل الكلمة. قلنا: يبرشمان جمع برشيم أي أبريشم أو أبرسم وهو الحرير والبريشم فارسية والبرشمان جمعها.
ومن أوهامه المبزق بقاف في الآخر بمعنى المبزغ وهذه فصيحة وتلك عامية مغربية. وذكر الحجرة الملساء وقال عنها أنها قطعة من الحجر ملساء تتخذ بمنزلة رخامة أو حجر يضرب به. والحجرة لا وجود لها في العربية بهذا المعنى. إنما عندنا الحجارة جمع حجر، وتجمع أياً على أحجار وحجار وأحجر.
ومن مضحكاته أنه أعتبر: (أتخثر) بمعنى (تخثر) وهو من العامي القبيح وذكر (دبد) بمعنى قاس بالدوارة (أي الفرجار أو البركار) والصواب دير كقلوب دور وهو من أغلاط العوام.
وذكر فعل (سقع) بمعنى نزع من الجلد المدبوغ ما عليه من الأوساخ بعد دباغة وهيأة
للصبغ. وليس في العربية ما يقارب هذا المعنى والصواب سفع بالفاء مع سفعت السموم وجهه: لفحته لفحاً يسيرا فغيرت لون بشرته، ومن سفع بناصيته قبض عليها فاجتذبها بشدة. أو من سفعه بمعنى ذله والجلد يذل أي يكشط ليصبغ.
وقال: الأشفة وهو يريد الأشفى أي المخصف.
وقال العراقب بمعنى العراقيب وحذف الياء لا يجوز إلا في الشعر.
وذكر التلعم بمعنى التعلم ولعله من خطأ الطبع.
وذكر الغراغرة بمعنى الغراء الشديد. ومألوف إصلاحهم في مثل هذا التعبير: غراء الغراء الأول مضاف إليه ويراد به الغراء الشديد اللصوق كما قالوا رجل الرجال أو الرجل الرجل. وهو من مزايا اللغة العربية.
وذكر قاس يقيس في مادة ق س ي وبعد كلمة قرطبون والصواب ذكرها في مادة ق ي س كلمة قفا.
وذكر الكاغط والكاغيط بمعنى الكاغد أو الكاغذ (بدال مهملة أو معجمة) والكلمتان الأوليان قبيحتان لا وجود لهما في فصيح الكلام.
ولو أردنا أن نتبعه في جميع أغلاطه أعدونا منها عشرين في كل صفحة وليس في النص العربي سوى 26 سطراً لا غير فهذا منتهى علم هؤلاء المتبجحين عرباً كانوا أو أجانب. ولهذا يحسن بمن يتولى نشر كتاب في المصطلحات الفنية أن يطلع أصحاب الفن عليه ليفلوه من هوامه ودويباته. عاملهم الله بالحسن.
82 -
بغداد
وصوك حادثة ضياعي، محرري، سابق التنجي عراق أردوسي أركان حربية استخباراتن شعبية سي مديري، أركان حربية بيكباشي، محمد أمين، در سعادت مطبعة عسكرية 1338 - 1341.
كتاب وضعه محمد أمين أفندي السليمانية لي (السليماني أي من السليمانية) بين فيه ما ارتكب قومه الأتراك من الخطأ في حين محاصرة الإنكليز لبغداد وختمه بوله (المقدر لا يغير) والكتاب حسن الإنشاء لا يخاف صاحبه من أن ينطق بالحق وأن كان عليه. فعسى أن نرى في عراقنا رجالاً يقرون بما لهم وعليهم لكي لا يخدعوا ولا يخدعوا غيرهم. مماثلين الترك الذين. يسعون حثيثاً في طريق الرقي.
83 -
الذخيرة
إلى المعاد في مدح محمد وآله الأمجاد، نظم الشيخ الفاضل سليمان ظاهر العاملي طبع بمطبعة العرفان بصيدا سنة 1348.
هذا الكتاب الجميل بقطع 12 ملاكه 368 صفحة احتوت على قصائد في مدح محمد وآله صلى الله عليه وسلم وكثيراً من سيرهم الجليلة وبعض التقاريظ عدا ما قال عنه المؤلف الجليل في ص 5 (ثم أفرغ في روعي. . . أن
أعقد لها ثلاثة فصول في البحث عن العقائد الثلاث متحرياً أسهل طرق الإقناع ليعم بها الانتفاع مجتنباً البراهين الفلسفية والنظريات الكلامية) وقد تألفت هذه القصائد المدخرة من متين الكلام وجميل المعاني إلا أن الأسلوب النظمي قديم ففيه ذكر الأطلال والتعريض والتنقل من غرض إلى آخر مع وهن الرابط بينهما وهذا ذوق المؤلف فلا يلام عليه. ونحن نشكر له هذه اليد الخالدة، ومما نحب التنبيه عليه أنه:
1 -
ورد في ص 315 ما نصه) في مدح حادي عشر الأئمة الغر الميامين أبي محمد بن (كذا) الحسن العسكري) والصواب (أبي محمد الحسن العسكري).
2 -
وفي ص 11 (الانقياد إلى من يفضلهم في مواهبه) والصواب (الانقياد لمن يفضلهم).
3 -
وقال في ص 14 (أفلا يجدر بهذه الأمة أن تشيد بذكره وترتل أي حمده، ما شاد بذكر رجالهم الذاكرون واحتفى بعظائمهم المحتفون) وهذا تعليق لا محل له عند المخلصين إذ لا خير في تعظيم يقترن دوامة بدوام تعظيم الأجانب وينقطع بانبتاته لأنه تقليدي ولا تقليد في الحب، قلنا ذلك لأن قوله (ما شاد) يفيد الوقت المعلق.
4 -
وقال في ص 20 (ومن مطموس غير بال لم يغير ديباجته الملوان وقد استعمل (المطموس) لغير معناه المشهور.
5 -
وقال في ص 18 (في الألوهية والاعتقاد بالإله العظيم) وفي ص 286 (الاعتقاد باستحقاق الرضا) والمشهور أن يقال (أعتقده) ومن ذلك قول يزيد المهلبي يرثي المتوكل على ما في (3: 306) من كامل المبرد:
لما اعتقدتم أناساً لا حلوم لهم
…
ضعتم وضيعتم من كان يعتقد
6 -
وورد في ص 193 (يختش) وفي ص 244 (لم يختش) فاستبدل بهما في ص 368
(يخف) و (ما أن خشيت بها) والظاهر لنا أنه عد (يختش) خطأ، معتمداً على ما جاء في ص8 من كتاب المنذر إبراهيم فقد عد هذا الفاضل (اختشى) من الأفعال التي لم يرد استعمالها، وهو مخطئ ففي ص 148 من شرح الطرة قول الشاعر:
ولا يرهب أبن العم ما عشت صولتي
…
ولا اختشي من صولة المتوعد
وإني وإن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف أيعادي ومنجز موعدي
وهذه مغبة الاعتماد على ناقص التحقق فضلاً عن أن العربية لا تمنع (اختشى) قياساً فهو مثل (عاقة وإعتاقه، رجعه وارتجعه، بعثة وابتعثه، خارة واختاره غاله واغتاله، خلقة، نخبو وانتخبه، نهبة وانتهبه، سلبه واستلبه غصبه واغتصبه. نهرة وانتهره، فرعه وافترعه، رقبه وارتقبه، إلى آلاف.
مصطفى جواد
84 -
الحياة
جريدة يومية سياسية أدبية اجتماعية اقتصادية تصدر في القدس مديرها المسؤول ورئيس تحريرها عادل جبر إدارتها خالد الدردار وهي حسنة الخطة والعبارة والطبع فنتمنى لها الرواج والعمر الطويل.
85 -
مفصل جغرافية العراق
العراق الحديث، العراق في زمن العباسيين، العراق القديم، لمؤلفه طه الهاشمي، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد في سنة 1930 في 560 ص بقطع الثمن وقيمته 8 ربيات.
كان أمس طه بك الهاشمي مديراً عاماً للمعارف، أما اليوم فهو الفريق طه باشا رئيس أركان جيش العراق فهو ذو رئاسيتين، رئاسة السيف ورئاسة القلم. ومن عجيب أمره أنه لا يعرف الراحة دقيقة واحدة، فهو قائد مقدام شجاع يسوق الجنود إلى حومة الوغى في جهة ويقبض على اليراعة فيحكم سيرها فتنقاد له طوعاً انقياد الجندي له في جهة أخرى.
وقد أصدر في أواخر الشهر الفارط سفراً جليلاً هو الذي ترى أسمه فريق هذا. وقد طالعنا مئات من صفحات فوجداها كنز أدب وعلم يبخس بجانبها كنز المال. فقد طرق صاحب التأليف جميع ما يتعلق بجغرافية هذه الديار وزين كتابه بعشرات من الخرائط، تمتاز بينها
ثلاث عشرة طبع منها تسع وبقي منها في الطبع أربع وكلها أية في الإتقان كأنها رسمت في إحدى مدن الغرب الكبرى.
(صورة) سعادة طه باشا الهاشمي صاحب المؤلفات العديدة
ومن مضامين هذا السفر النفيس وضع العراق الجغرافي والعسكري والجيولوجي - العراق في التاريخ الشمريون والأكديون والأموريون والآشوريون والماذيون والكلدانيون وأسكندر الكبير والساسانيون والعرب والعثمانيون - إقليم العراق، وما يعرض فيه من الأحداث الجوية - الأمراض فيه - قومياته - أديان أهله - حدوده - أنهاره - جباله - طرق الاتصال فيه - الري - الزراعة - الحيوانات - المعادن - الاقتصاديات - الصناعة - القبائل - المدن - الآثار القديمة ومدنها - العراق الإداري.
هذا بعض ما في هذا الكتاب الجليل وفوائده لا تحصى. إلا أن هناك ما يشوه شيئاً من محاسنه هو ما وقع فيه من أغلاط الطبع والنحو كما ذكر هذه الحقيقة حضرة المؤلف نفسه فعسى أن تزال جميعها في طبعته الثانية التي لا بد من أن تكون في مدة قريبة لما نتوسم فيه من الرواج في ديارنا وفي ربوع مجاورينا أو في الأرجاء البعيدة.
86 -
مختصر في علم النفس الإنسانية
لابن العبري صححه وعلق عليه حواشي القس بولس سباط.
ابن العبري من مشاهير كتبة الناطقين بالضاد المتوفي في سنة 1286 للميلاد وكتابه هذا من أفخر الكتب المصنفة في النفس. ومما يزيده قيمة في عيون العلماء والأدباء أن القس بولس سباط الشهير تولى طبعه وتصحيحه وذكر اختلاف روايات نسخة فجاء طرفة نفيسة يتهاداها الأكابر والأصاغر فعسى أن تروج سوقه في ديارنا هذه وهو في 65 ص بقطع 12 ومزين بثلاثة فهارس مرتبة أحسن ترتيب.
الأغاني
تتمة نقد الجزء الأول منه
32 -
وقالوا في ص 236 (المراد أنه أرسل لها كتاباً مكتوباً) والصواب (بكتاب) لأنه لا يرسل وحدة فيكون على حد قوله تعالى (وأني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع
المرسلون) ولا يجوز إرادة (أرسله بمعنى أطلقه) كما جاء وهما في شرح الطرة.
34 -
وورد في ص 254) يا عين جودي بالدموع السفاح) فعلقوا عليه (السفاح: لعله جمع سافح أو سفوح، يقال: سفح الدموع أرسله وسفح الدمع أنصب ولم نجد هذا الجمع في كتب اللغة ولا هو قياسي في فاعل أو فعول) قلنا أما (فاعل على فعال) مثل (راع ورعاء وضار وضراء وجائع وحياع وحائل وحيال) فكثير وأما (فعول على فعال) نحو قلوص وقلاً وعقوق وعقاق فقليل ولعل الأب انستاس يذكر لنا من جموع هذين الوزنين ما يجيز قياسهما.
(لغة العرب) جمعنا من جموع فعول على فعال الألفاظ الآتية: نقي ونقاء، لقوح ولقاح فتي وفتاء، فلو وفلاء، مصور ومصادر، جدود وجداد، عضوض وعضاض، شصوص وشصاص، خدوج وخداج، رغوث ورغاث، لبون ولبان فإذا أضفنا إليها خروفاً وخرافاً، قلوصاً وقلاصاً، عقوقاً وعقاقا، أصبح عددها أربع عشرة كلمة ففاقت جمع الكثرة الذي يقف عند العشرة وجاز لنا أن نتخذ منها قاعدة تبيح لنا أن نجمع فعولاً على فعال وألم يصرح بها أحد من النحاة أو
الصرفيين أو اللغويين) اهـ. ولا جرم أن هناك غير هذه الكلم مما هو مدون في دواوين اللغة انتهى كلامنا.
35 -
وقالوا في هامش 268 (واختلاف إبراهيم بن المهدي وإسحاق الموصلي على ذلك) والصواب (في ذلك) يقال (اختلفوا فيه) إذا تباينت آراؤهم في أمره و (اختلفوا عليه) إذا استعصى عليه أمرهم أو عصوه ولا محل له ههنا.
36 -
وجاء في ص 270 قول الشاعر:
فتركته جزر السباع ينشنه
…
ما بين قلة رأسه والمعصم
وفي جمهرة أشعار العرب قول العبسي (يعجمن حسن بنانه والمعصم) قال أبو زيد القرشي (العجم العض) وهذا يؤيد بعض الرواية.
37 -
وورد فيها قول عمر بن أبي ربيعة:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر
…
ولا كليالي الحج افتن ذا هوى
قلنا: ومن شطور هذه القصيدة قوله (إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى) وقد علقوا على البيت المذكور ما نصه (التجمير: رمي الجمار) وهو خطأ ظاهر لأن التجمير ههنا يراد به
(التجميع) قال المبرد في (2: 179) من الكامل وقوله: إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى، الجمرة إنما سمت لاجتماع الحصى فيها ومن ثم قيل: لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم وتفتنوا نساءهم أي لا تجمعوهم في المغازي، والتجمير: التجميع) اهـ. وقد نطق الدليل.
38 -
وروى في ص 277 قول الشاعر:
لسنا نبالي حين ندرك حاجة
…
ما بات أو ظل المطي معقلا
وفي (2: 205) من الكامل (أن بات أو ظل المطي معقلاً) وهي رواية واضحة المعنى.
39 -
وجاء في ص 282 قول عمر بن أبي ربيعة:
وانظر بعينك ليلة وتأنها
…
فلعل ما بخلت به أن يبذلا
وفي (2: 205) من الكامل:
امكث لعمرك ساعة فتأنها
…
فعسى الذي بخلت به أن يبذلا
40 -
وروى في ص 312 (نباكر ماءه صبحا) فانشبوا فيه (حرك - أي صبح - هنا لضرورة الشعر لأن القصيدة من مجزوء الوافر. . .) قلنا: أننا قد تطرقنا إلى هذا ليس بضرورة ففي (عسر) من المختار (العسر: بسكون السين وضمها ضد السير: قال عيسى بن عمر: كل أسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله مثل عسر وعسر ورحم ورحم وحلم وحلم).
41 -
وورد في ص 338 (جمل عبد العزيز بن مروان، النصيب بالمقطم - مقطم مصر - على بختي قد رحله بغيط فوقه) ففسروا غبيط النصيب بقولهم الغببط: (الرحل وهو للنساء يشد عليه الهودج والجمع غبط) قلنا وهو أيضاً لرجل فقد قال أبو زيد القرشي في ص 90 من جمهرة أشعار العرب (الغبيط: مركب من مراكب النساء ويقال لمركب الرجل والمرأة جميعاً).
42 -
وروي في ص 368 (فخوضنا بي السم المضرج بالمخض) فقال فيه الأبرون (كذا في أكثر النسخ وفي ت: المصرح بالمخض، ولم يظهر لكلتا الروايتين معنى مناسب)، لعله أراد اخلطا لي السم الخفيف بالسم الخالص) لأن المضرج هو المخلوط، قال أبو زيد في ص 150 من جمهرته (والتضريج: الخلط).
43 -
وورد في 390 (فبت أسقى باكواس أعل بها) فناطول به ما نصه (كذا في الأصول
ولم نعثر على هذا الجمع في كتب اللغة والموجود منها في هذا الباب: اكؤس وكئاس وكؤوس وكأسات. فلعله محرف عن أكواب) قلنا لا يجوز الالتجاء إلى التحريف في مثل هذه الأمور فالمعاجم ناقصة، وهذا يزيد ثروة اللغة، فمما لم يعدوه من جموع الكأس (الكؤوسة) قال أسحق بن خلف:
ألذ إليه من المسمعات
…
وحث الكؤوسة في يوم طل
ههنا نقف ونكف القلم عن الاستنان والله المسدد للصواب والموفق للحق.
(تتمة في مختصري كتاب الأغاني) أن لجنة الأدب في دار الكتب المصرية ذكرت في الجزء الأول بعض مختصري كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وليس في ذلك البعض (جمال الدين محمد بن علي الكاتب) وقد قال
فيه صاحب الحوادث الجامعة ص 11 من نسختنا (شبح فاضل عالم بالسير والأخبار كتب بخطه كثيراً وجمع عدة مجاميع واختصر كتاب الأغاني للأصفهاني وخدم في عدة أعمال منها كتابه المخزن وخزانة الغلات بباب المراتب وأشراف البلاد الحلية وغير ذلك وصنف كتاباً في علم الكتابة سماه (جواهر اللباب في كتابه الحساب) وذكر أنه توفي في خامس شوال سنة 629 الهجرية.
مصطفى جواد
87 -
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 8 -
68 -
وقال في ص 211 (والأنصار الذين أغدق عليهم الأمويون الأموال) وكرر (أغدق) متعدياً بنفسه في ص 226 ولم نعثر على تعدية إلا أن القياس مطرد في تعدية الثلاثي اللازم بالهجرة أو التضعيف وغذ ورد (أغدق) لازما لا يبقى لنا إلا أن نعديه بالتضعيف فالصواب (غدق عليهم الأموال تغديقاً).
69 -
وقال في ص 218 (فتقبلت مصارعهم صابرة محتسبة) ولم أعرف تقبلاً يستوجب الصبر لأنه فرع من الرضا والاختيار والصبر ضد الرضا والاختيار.
70 -
وقال في ص 221 (النواصي جمع ناصية وهي شعر مقدم الرأس فوق الجبهة وجزها قطعها وكانت العرب تفعل بالرجل الشريف إذا أسروه وأرادوا إطلاقه) وفي ص 236 نقل عن منظور عن الأزهري (أن العرب كانوا إذا أسروا أسيرا خيروه بين التخلية
وجز الناصية والأسر. . .) فنقض اختصاص ذلك بالأشراف كدأب الذين لا يحسنون النقل وجاء في الكامل 1: 175 (قالوا: نواصي الفرسان الذين كان يمن عليهم) أي في تفسير قول الحطيئة (مجدا تليدا ونبلا غير انكاس).
71 -
وقال في ص 22 (فوجد لها ضجيجاً كضجيج الجيج) ونحن ننصح له بان يتخذ هذه الجملة مثلاً حينما يعلم تلاميذه (تنافر الكلمات) المعادي للبلاغة العربية فهي أولى من مثلهم (في رفع عرش الشرع مثل يشرع) و (ليس قرب قبر حرب قبر).
مصطفى جواد
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 -
افتتاح ناظم البدعة
في صباح الخميس 10 أبريل ذهب صاحب الجلالة إلى ناظم البدعة في لواء المنتفق ومعه الركاب العالي وجرت حفلة افتتاح الناظم المذكور بحضور جم غفير من الأهلين وشيوخ القبائل والموظفين العراقيين والبريطانيين والوفود من البصرة وتلك الأنحاء واستقبل هناك جلالته استقبالا فخماً وافتتح جلالته الناظم بقطع الشريط الذي كان مربوطاً بالناظم وكان القطع بسكين من فضة هدية من وزارة الري إلى جلالته ووقع الافتتاح بين الخطب والأدعية الحارة.
2 -
افتتاح بناية المتقن الطبي الجديد
في الخامس من شهر نيسان (أبريل) جرت حفلة جليلة هي حفلة البناية الجديدة للمتقن الطبي وذلك في الساعة العاشرة صباحاً. والبناية واقعة في المستشفى الملكي في المجيدية من محلات باب المعظم أو باب الشمال وقد حضر الحفلة جلالة ملكنا المحبوب وفخامة رئيس الوزراء وفخامة المعتمد السامي ويليهم الوزراء الحاليون والأسبقون وفخامة القائد روبرت بهام رئيس القوات الجوية البريطانية في العراق وحضرت ممثلي الدول وقناصلها وحضرات الرؤساء الروحيين ورؤساء الدوائر وأطباء المستشفى من عرب وأجانب والممرضات وأطباء الجيشين العراقي والبريطاني وغيرهم وكان مع بعض البريطانيين عقيلاتهم. أما طلبة الطب فكانوا في محل خاص.
وكان التدريس قبل هذا العهد يلقي في أحد البنية التي لم توضع لهذه الغاية ودام فيها سنتين.
وفي ذلك الافتتاح وزعت جوائز على الطلبة الذين استحقوها. فكان كل منهم يتقدم وينال الهدية من يد جلالة ملكنا الكريم المحبوب. ويصافحه جلالته مهنئاً إياه.
ثم تقدم أحد الطلاب وبيديه وسادة من حرير وعليها مفتاح من فضه مذهب فقدم الوسادة إلى معالي وزير الداخلية
أخبار الشهر
(صورة) جلالة ملكنا المحبوب في حفلة افتتاح المتقن الطبي الجديد وعلى يمينه صاحب الفخامة المندوب السامي وعن يساره صاحب الفخامة رئيس الوزراء
فقدمها معاليه إلى جلالة ملكنا فاخذ المفتاح الذي عليها وسار جلالته يتبعه صاحب الفخامة رئيس الوزراء والمعتمد السامي ففتح جلالته بيده الكريمة باب المتقن. ثم تبعه الجمهور وفي تلك الأقسام والأروقة المختبرات العديدة في علم الحياة وعلم الأمراض وعلم المواليد والكيمياء وردهة التشريح والبضع وغرفتان للمحاضرات وهما مجهزتان بالمصباح السحري والخزانة الحاوية لمئات من المؤلفات النفسية ومعرض النماذج الطبيعية لأنواع الأمراض ومعرض الحيوانات والنباتات العراقية وغيرها.
وسر الجميع بما رأوه من النظام والترتيب وأدوات الفنون العصرية الراقية وأجهزة الفحص والدرس والخزع.
جوائز المتقن الطبي العراقي
وقف بعض المعاهد المالية في العراق جوائز مالية في كل سنة ودونك أسماء الذين جادوا بها:
1 -
(جائزة شركة النفط الإنكليزية الفارسية المحدودة) ومبلغها ثمانية جنيهات تمنح سنوياً للطالب فائق أصحاب في سنة الدراسة الأولى.
2 -
(جائزة البنك الشرقي) ومبلغها عشرة جنيهات للأول في الكيمياء والطبيعيات.
3 -
(جائزة البنك العثماني) ومبلغها عشرة جنيهات للأول في علم المواليد لسنة الدراسة الأولى.
4 -
(جائزة البنك الشاهي) ومبلغها عشرة جنيهات للأول في التشريح لسنة الدراسة الثانية.
5 -
(جائزة الجمعية الطبية) وهي كتب ونوط للأول في الصف الثاني.
6 -
(جائزة شركة نفط العراق) وهي كتب ونوط للأول في علم الحياة في الصف الثاني.
وفي 15 من شهر نيسان خصصت (السيدة غي دافلين) أرملة المرحوم الدكتور سليمان بك
غزاله) جائزة لذكرى قرينها سمتها جائزة الدكتور سليمان بك غزاله وقد رغب الدكتور سندرسن عميد المتقن في أن تهدي إلى الطالب الناجح في درس الرمد للسنة الرابعة. وسيبتدئ منها في تشرين الأول (أكتوبر) من السنة المقبلة إلى نهاية حزيران (يونيو) من سنة 1931 فنثني على همه السيدة المؤلفة الكبيرة لتخليدها ذكرى قرينها المغفور له. ونتمنى أن يقتفي الكثيرون والكثيرات هذا العمل المبرور.
3 -
بيان رسمي
بشأن اللغة الكردية في العراق (بحروفه) رأت الوزارة بعد لن تقلدت زمام الأمور أن تعني بما تراه هاما ومطمئناً لرغبات الشعب وأمانيه. من ذلك بعض قضايا تختص بقسم من سكان الألوية الشمالية. فقررت إحضار لائحة قانونية تعرض على مجلس الأمة عند اجتماعه القادم لجعل اللغة الكردية لغة رسمية في الأماكن الكردية استناداً على المادة السابعة عشرة من القانون الأساسي والحكومة على روح الوعود التي سبق لها أن وعدت بها الأكراد في العراق.
نوري السعيد
رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
4 -
الشيخ سالم الخيون
أذنت الحكومة للشيخ سالم الخيون رئيس عشائر بني أسد (بني سد) بان يقطن البلد العراقي الذي يختاره ما عدا ألوية العمارة والبصرة والمنتفق فنتمنى لحضرة الشيخ طيب الإقامة في البلدة التي يختارها.
5 -
الوفد العراقي للدفاع عن الشبان العرب المحكوم عليهم
بالإتلاف
أنشئ في المحاضرة في 12 نيسان (أبريل) وفد عراقي لمقابلة جلالة ملكنا المعظم وفخامة رئيس الوزراء، وطلب التوسط لإنجاء الشبان العرب الستة عشر الذين حكم عليهم بالإتلاف في فلسطين. فبلغ عدد أعضاء الوفد عشرين. وفي 13 ذهب الوفد فقابل جلالة ملكنا المحبوب فوعده بأن يبذل كل جهوده للتوسط في المطلوب، ثم انطلق إلى ديوان
رئاسة الوزراء فأجاب رئيس الديوان أنه يبذل كل جهده للتوسط بعرض شعور العراقيين على الحكومة الإنكليزية ثم طيرت برقيات إلى جلالة ملك بريطانية ورئيس وزراء إنكلترا والمندوب السامي في فلسطين والوفد الفلسطيني في لندن واللجنة التنفيذية العربية في القدس.
6 -
وفاة عبد الرحمان باشا الحيدري
قضى عبد الرحمان باشا الحيدري نحبه في 12 نيسان (إبريل) عن عمر يناهز الخامسة والسبعين ودفن في الحضرة الكيلانية. وكان تولى رئاسة البلدية في العهد العثماني مراراً عديدة. ومن أعماله إجراء الماء في القسم الجنوبي من الحاضرة وتنظيم جادة ناظم باشا وكان عضواً في مجلس الاستئناف في العهد المذكور وكان في الوزارة النقيبية في عداد الوزارة غير العاملين. فنعزي أولاده بهذا المصاب ونطلب من الله الرحمة لنفسه.
7 -
الطريق الجديد ين المدينة وحائل
اهتمت المحافل المختصة بالطريق الجديدة التي وجدتها حكومة نجد والحجاز بين المدينة وحائل. وقد جرت فيها سيارات الملك أبن سعود لأول مرة ويتوقع البصراء أن تسير السيارات بعد اليوم من النجف في العراق إلى حافل فالمدينة. فيعود إلى تلك البادية النشاط والحركة يوم كانت مسلك الألوف والألوف من الحجاج وقد صرح أحد النجدين الخبيرين بشؤون البادية أن طريق النجف إلى حائل إلى المدينة كثيرة الآبار وستؤثر تأثيراً كبيراً في طريف الصحراء بين دمشق الفيحاء وبغداد الزوراء.
8 -
القوالون اليزيديون
القوالون هم من طائفة خدمة الدين اليزيدي وكان قد ذهب أحد عشر منهم إلى ديار روسية تذكيراً لليزيديين الروس أن لا ينسوا حسناتهم إلى رؤساء الدين
فسجنهم الروس ثم توسطت الحكومة العراقية لفك أسرهم فأطلقوا من السجن فوصل منهم إلى الموصل خمسة وأما الستة الآخرون فماتوا في ديار الغربة.
9 -
بلية الجراد
كان الجراد كثيراً في هذه السنة في ديار مصر وأرض الأردن والعراق وديار إيران في
كمران وبلوجستان وخوزستان وخراسان وقد وقف أرباب الأمر في الربوع المذكورة مبالغ طائلة لإبادة هذه الدويبات الفاتكة ولا بد من أن يقطع دابرها في مستقبل الزمن لتكاتف الدول على قتلها.
10 -
اعتصاب طلبة جامعة آل البيت في الحاضرة
اعتصب هؤلاء الطلبة احتجاجاً على النظام الجديد الذي أدخل فيها حديثاً. ثم وعدوا خيراً فعادوا إلى مواطنهم وكان في العقد الأول من أبريل.
11 -
مياه الفراتين (بيان رسمي)
كان معدل منسوب نهر دجلة خلال شهر آذار من هذه السنة أوطأ ما سجل خلال ال 24 سنة المنصرمة.
فمن هذا ومن درس السنين المذكورة السابقة يظهر الآن أن من المحتمل جداً أن يكون المنسوب الصيفي أيضاً واطئاً للغاية.
وأما من جهة نهر الفرات فأمر التكهن بالمنسوب الصيفي بالضبط يعد سابقاً لأوانه وكان معدل المنسوب في الرمادي خلال آذار هذه السنة في ال 22 السنة المنصرمة (906 - 1928).
ومن المشكوك فيه ما إذا كان سوف يصل المنسوب الصيفي إلى معدل الارتفاع لذلك الموسم كما حسب من مدة السنين المذكورة.
12 -
الأمراض المعدية في بغداد
ظهر في جدول الأمراض المعدية في الأسبوع المنتهي في 5 - 4 - 1930 أنه وقع في الحاضرة ثلاث إصابات بالطاعون وثلاث وفيات وإصابة واحدة بالخناق ووفاة واحدة وثلاث إصابات بالحمى المحرقة وحدث في الكاظمية إصابتان بهذه الحمى.
13 -
الطعام في الموصل وسامراء والكاظمية
يظهر أن مجموع ما في لواء الموصل من الحنطة 27. 000 طن ومن الشعير 15. 500 طن وفي سامراء 1194 طنً من الحنطة وألف طن الشعير. وفي الكاظمية 1. 500 طن من الحنطة و 1800 طن من الشعير.
14 -
دخل الحكومة العراقية لغاية شهر شباط
يؤخذ من الإحصاء الذي نشرته جريدة الوقائع العراقية في أحد أعدادها الأخيرة عن دخل الحكومة خلال شهر شباط المنصرم أن مجموع المبالغ التي حصلتها الحكومة خلال الشهر المذكور بلغ 794. 664 ربية يقابل ذلك 1. 080. 614 ربية مجموع دخلها في مثل هذا الشهر من العام الماضي. وقد بلغ مجموع الدخل من أول السنة المالية إلى آخر شهر شباط الماضي 15. 119. 052 ربية يقابل ذلك 17. 375. 854 مجموع دخلها في مثل هذه المدة من العام الماضي.
وقد بلغ دخلها خلال شهر شباط المنصرم 674. 408 ربيات من المحصولات الزراعية و 11. 059 ربية من سائر المحصولات الطبيعية و 76. 568 ربية من الحيوانات و 4. 033 ربية من المعادن و 28. 596 ربية من الاجارات ورسوم العبور.
15 -
مؤتمر للعشائر العراقية
عقد في بئر سبع في اليوم الثاني من شهر نيسان (إبريل) مؤتمر عربي كبير الأهمية لتسوية المنازعات والضغائن بين القبائل ودعي إلى هذا المؤتمر زعماء قبائل شبه جزيرة سنا وجنوبي فلسطين وشرقي الأردن وكان الأمير شاكر رئيس المحكمين ومثل شبه جزيرة سينا الميجر جريفس مدير المديرية ومثل شرقي الأردن الكولونيل بيك باشا من فرقة متطوعي العرب ومثل فلسطين المستر مفروحوردانو حكمدار بوليس فلسطين وحضر ممثلو القبائل كلهم عن تلك المنطقة في الصحراء الواقعة بين غزة والعقبة حيث تلتقي البلدان الثلاثة المختصة وحيث يلجأ العرب الفارون من طائلة القانون إلى عبور حدود هذه البلدان للاعتصام فيها والتخلص من الاعتقال ودفع الغرامات.
ومؤتمر مثل هذا لا شك في أن وسيلة لراحة للقائل وإفراج صدورها ومعلوم أن العلاقات الودية بين مصر وفلسطين وشرقي الأردن هي علاقات وثيقة والتعاون بين حكومات هذه البلاد مضمون فالمجرمون الذين يتخطون الحدود لا يكونون في مأمن من طائلة القانون.
16 -
الإفلاس في بغداد
توقف عن الدفع منذ تشرين الثاني (نوفنبر) الماضي إلى نيسان (أبريل) واحد وسبعون
تأجراً منهم 7 من تجار الفغفوري (الصيني) و 8 من تجار التبغ
(الدخان) و 2 من البقالين و 21 من تجار الأقمشة و 15 من تجار السلع (الخردوات) و 1 من تجار الغزل و 5 من تجار العطارة و 2 من التجار بالعمالة (بالقومسيون) و 5 من الخياطين و 1 من أرباب المقاهي و 1 من النجارين و 1 من الصيارفة و 1 من الحدادين و 1 من الصبابين.
وكانت حوادث الإفلاس الرسمي في خلال هذه المدة تسعة عشر.
17 -
صحة ملكنا المحبوب
اضطربت صحة ملكنا المبجل وكانت درجة الحرارة في خلال ليلة 22 نيسان (فريل) 37 ونصفاً من المقياس المئوي وهي الحرارة المألوفة فعسى أن تكون الصحة ملازمة لشخصه المحبوب، إذ جميع الناس يدعون له العافية التامة.
18 -
ولي عهد الكويت
وصل إلى حاضرتنا سمو الأمير الشيخ عبد الله السالم ولي عهد أمارة الكويت وزار في 23 نيسان دار التحف العراقية والمستشفى الملكي وطاق كسرى في طيسفون (سلمان باك).
19 -
مكافحة الجراد بالطائرات
يتفاقم خطر الجراد في العراق وسورية وفلسطين ومصر يوماً بعد يوم ويزداد قلق الناس ساعة بعد أخرى وقد أصبح القول بأن الحكومة مهتمة بمكافحة الجراد لا يشفي غلة ولا يفي بحاجة فقد ملأت أسرابه حزون البلاد وسهولها وتغلغلت في مواضع الحياة منها. في المساحات المزروعة التي في إنتاجها قوام حياة الفلاح وقوام خزينة الدولة فواجب حكومة وأهالي تلك الأقطار أن ينصرفوا إلى مكافحته بكل وسيلة ممكنة وقد طالعنا أخبار هذا الجراد الذي طغى من كل ناحية فوقفنا على كلمة لطيار في مصر خبير بأنواع مكافحة الحشرات الزراعية فأثرنا نقلها فيما يلي لعلها تهيب بولاة الأمر هنا إلى درس هذا الموضوع والاعتماد على هذه الواسطة فقد تكون خير الوسائل وأخصر طريق للخلاص من هذه الآفة. وهذه هي الكلمة:
قال الطيار: أنه وقف على حالة انتشار الجراد في صحراء سينا وصحراء فلسطين وأنه أسف كل الأسف أن تقوم السلطات المختلفة بمجهودات مضنية تكلفها الأموال الكثيرة
لمحاربة هذه الآفة دون أن تثمر هذه المجهودات ودون أن تأذن بالنجاح لأن أتساع الصحراء وترامي أطرافها يجعلان المكافحة بطريق السيارات من أشق الأمور.
ثم قال: ولا أستطيع أن أفهم لماذا لا تفكر السلطات في المكافحة بواسطة الطيارات؟ فالغازات السامة في متناول اليد وسلاح الطيران موجود ونفقات استعماله لا تزيد عما سينفق على المكافحة الحالية فتستطيع طيارة واحدة أن تغادر المطار مزودة بالغازات القاتلة للجراد فتحلق فوق المناطق الأهلة بالأسراب فإذا تبينتها جيداً هبطت إلى العلو المطلوب وأحاطت المنطقة كلها بحائط من الدخان السام لا ينقشع إلا بعد إبادة كل ما في المنطقة من أسراب.
وتستطيع الطيارة أن تعود إلى مركزها حتى تنبئها السلطات تلفونياً بظهور أسراب أخرى واتجاهها أو بوجود مناطق وضع الجراد بها بيضة فتجري هذا العمل وتكرره حتى يتم تطهير الصحراء تطهيراً تاماً.
ونجاح هذا العمل متوقف على شيء بسيط جداً هو عقد مؤتمر كالذي عقد في العوجاء بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية من أيام واتفاق السلطات على استخدام الطيارات حتى يكون العمل المشترك كفيلاً بضمان التطهير التام). (عن الأوقات البغدادية بتصرف قليل).
20 -
الاختلاسات في إيران
قرر مجلس النواب الإيراني محاكمة البرنس فيروز نصرة الدولة وزير المالية السابق ووزير الخارجية الأسبق لحكومة الملك أحمد قاجار عن الاختلاسات المعزوة إليه في مستودعات الدولة من الذخائر والحبوب ويعني الرأي العام عناية كبيرة بهذه المحاكمة التي لا تخلو من صبغة سياسية.
(تصحيحات)
ص 248 س 20 يصلح: مصلح - 252 س 25 جسامة البصرة: جسامة العشار - 253 س 25 معظمهم: بعضهم ص 257 س 21 مماملاتها: معاملاتها ص 275 س نياته: بيانه - ص 277 س 8 الفتح: الغنج - 363 س 1 لكث: لمكث - 363 س 8 بلويووسف بلو
ويوسف - 363 س 16 موطنة: موطنه - ص 363 س 21 لا بينة: ص 372 س 24 الشرع: الشرح بينة - 372 س 9 به: بها - ص 374 س 14 يسلموا: ليسلموا - ص 375 س 22 ما رواه: على ما رواه - ص 376 س 5 بغداد: ببغداد - ص 377 س 18 يفت: يفتى - ص 377 س 23 سورة: صورة.
العدد 81
- بتاريخ: 01 - 06 - 1930
الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية
-
1 -
المقدمة
المراد بالألفاظ اليافثية: الكلم الهندية الأوربية أو كما يقوله العلماء قبل خمسين سنة: (الهندية الجرمنية أو الهندية الألمانية) أما اليوم فإن أغلب الباحثين غيروا هذه التسمية وأخذوا يقولون (اليافثية) اجتزاء بالكلمة الواحدة عن الكلمتين وباللفظ الوافي بالمعنى عن الناقص في مؤداه.
2 -
نظرة عامة في الألفاظ العربية
وقد لاحظنا قبل أكثر من ثلاثين سنة أن ألفاظ لغتنا تقسم إلى ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية. وهي على تعددها ترجع إلى أصل واحد هو الثنائي وهو الوضع الطبيعي لكل لفظة عربية أو سامية، فيزاد على الثنائي حرف أو حرفان أو ثلاثة أو رباعياً أو خماسياً وربما زيد أربعة أحرف أو خمسة فتكون الكلمة سداسية أو سباعية.
وظهر لنا أن أغلب الألفاظ الثلاثية الأحرف عربية الوضع والسبك. إلا أن هناك نحو العشر منها دخيلة جاءتها في أغلب الأحيان من اليونانية أو الفارسية
أو الرومانية (اللاتينية). والألفاظ الداخلية أكثر ما ترى في الرباعية والخماسية والسداسية وإذا كانت أبنية الكلم لأبنية لغتنا فلا جرم أنها دخيلة فيها.
على أنه ليس كل رباعي أو خماسي أو سداسي أو سباعي دخيل الوضع، بل هناك ما هو منحوت من كلم عدنانية فمثل سفر جل ليس دخيلاً في لغتنا إنما هو منحوت من سفر (أي صفر) و (جل) أي كبير. ومعناه الثمر الأصفر الجليل أي الكبير وهو كذلك في البلاد التي يكثر فيها الماء ويشتد فيها الحر.
3 -
ألفاظ عربية الصيغة دخيلة الوضع
وفي لساننا ألفاظ وضعها وضع عربي محض وصيغتها صيغة عربية وحروفها حروف ضادية ولا يعن على بال أنها دخيلة الأصل وهي مع ذلك دخيلة في لغتنا. فهذه كلمة (الفحص) فمن يراها من قراء العربية أو يسمع بها من الناطقين بالضاد، لا يمر بخاطره
أنها من وضع الأجانب إذ ليس في صيغتها ما ينبه على أنها غير عربية. ومع ذلك ليست من أوضاع السلف قال ياقوت الحموي في المعنى الذي نذهب إلى عجمته: (بالمغرب من أرض الأندلس مواضع عدة تسمى (الفحص). وسألت بعض أهل الأندلس ما تعنون به؟ فقال: كل موضع يسكن سهلاً كان أم جبلاً بشرط أن يزرع نسميه فحصاً. ثم صار علماً لعدة مواضع فلما في لغة العرب فالفحص شدة الطلب خلال كل شيء) أه.
فأنت ترى من هذا التفسير الدقيق أن الفحص بمعنى شدة الطلب عربي فصيح صحيح لا غبار عليه وأما بمعنى السهل للزرع فهو دخيل والذي عندنا أنه من اللاتينية ومعناها كذلك وهي في لغتهم مشتقة من أي زرع وغرس وزارع ثم توسع في معناه العرب وأبناء الغرب فجاءت اللفظة عندنا وعندهم بهذه المعاني: البليدة والقرية والقضاء وأما أصل معناها فكان السهل والقراح ثم المرعى والحمى (كإلى) ومن هذا القيبل (الكيس)(وزان سيد) الذي معناها الظريف الخفيف المتوقد الذهن فهو من الرومية (أي اللاتينية) ومعناها مدني ومن كانت أخلاقه أخلاق أبناء المدن يغلب عليه الظرف والخفة وتوقد الذهن وحسن الأدب إلى غير هذه
الصفات المشهورين بها سكان المدن والحواضر كما أن سكان القرى والجبال يعرفون بالغلظة والجفاوة والخرق وثقل الخلق ولا جرم أن اصل (كيس: كيوس) على اللفظ اللاتيني. ثم وقع فيها الإدغام كما وقع في سائر الكلم المصوغة هذه الصيغة.
ومثل هتين الكلمتين ألفاظ جمة تدل على السلف جاوروا الأغراب وأخذوا منهم ومن آدابهم شيئاً غير يسير: ولما كان جودهم اشهر من وجود غيرهم أمدوهم هنا أيضاً بألفاظ لا تحصى فكان عطاؤهم على مجاوريهم فيضاً وكان عطاء غيرهم عليهم قيضاً وليست الغاية من هذا المقال أن نقفه على هذا الموضوع إنما نريد اليوم أن نوجه أنظار العلماء والباحثين إلى أمر لم يذكره أحد من اللغويين الأقدمين والعصريين الأغراب أو الأعراب.
وهذا الأمر عجيب غاية العجب. هو أن ألفاظ اللغة تقسم إلى أربعة أقسام جليلة: قسم الألفاظ العربية الخاصة بها التي لا يرى مثلها في اللغات السامية ولا في اللغات اليافثية أو الحامية - وقسم فيه ما يشبه في اللغات السامية دون غيرها - وقسم فيه ما يشبهه في اللغات اليافثية وحدها وقسم رابع فيه ما يشبهه في اللغات الحامية فقط.
أما أن يكون في لغتنا ألفاظ تضارع ما في سائر اللغات السامية فهذا أشهر من أن يكون وقد أنتبه له الأقدمون منذ عصور تدوين اللغة. وكذلك قل عن المشابهة التي ترى بين الكلم العربية والكلم الحامية (أي المصرية ونحوها) فمخالطة العرب لساكني وادي النيل قديمة لا تخفي على أحد فإذا أقتبس قوم شيئاً من قوم خالطوهم منذ أقدم الأزمنة فلا عجب أيضاً. أما أن في لساننا ألفاظا تماثل الألفاظ اليافثية أي الهندية الأوربية فهذا منتهى العجب. على أننا ذكرنا في مقالتنا التي نشرناها في السنة الماضية وأزعجت كثيرين من الشعوبيين وعنوانها (فضل العربية على سائر اللغات)(7: 593 إلى 602) أن أجدادنا العرب اختلطوا مع أمم كثيرة في صعيد سقي البحر المتوسط في نحو الألف الثالث أو الثاني قبل المسيح (7: 598 و599) ولهذا اقتبس منا الأجانب ألفاظاً كثيرة وفي تتبعاتنا لدقائق اللغة وجدنا كلمات مختلفة المبنى مؤتلفة المعنى فهي من
المترادفات، إلا أن فيها ما يشبه الألفاظ اليافثية في الصيغة الواحدة وينظر إلى الألفاظ السامية في مبناها الآخر. وهذا هو الأمر العجيب. ولا بد من أن نوضح ذلك بمثل مزدوج اللفظ مؤتلف المعنى ليظهر بمنتهى الجلاء.
4 -
شاهد يثبت وجود ألفاظ يافثية في العربية وهي عربية لا
يافثية في نظرنا:
الصنو
يزعم لغويو الإفرنج الذين لا يودون أن يسمعوا مرة واحدة أن بين لغتنا ولغتهم بعض المشابهة أن لا صلة بين الكلمة الإنكليزية وبين العربية (أبن) وأن الإنكليزية هي من الصكصونية العالية وهذه من الهندية الفصحى (أي السنسكريتية) بمعناها. ولهذا لا يريدون أن يسمعوا منا أدنى حجة تشير - ولو من بعيد - إلى أن في لغتنا ألفاظاً غير الشائعة وهي تشابه كل المشابهة صكصونياتهم أو هندياتهم الأوربية الفصحى. وقد جمعنا منها طائفة جليلة ومن جملتها هذه اللفظة أي صنو.
فصنو (بكسر الأول) معناها الابن. وهي لا تبعد كثيراً عن لفظتهم الصكصونية العالية صنو (بضم الأول والثاني) أي كما لا تفترق كثيراً عن الهندية الفصحى (صونو
أما أن الصنو (بكسر الصاد) يعني الابن فهذا ما يرى مدوناً في جميع معاجمنا العربية ومن
جملة معانية العديدة قال في اللسان: (الصنو الأخ الشقيق والعم والابن والجمع أصناء وصنوان (بكسر الأول) والأنثى صنوة) أه.
وقد بحثنا في جميع الكتب اللغوية الإنكليزية التي تعني بمقابلة ألفاظها بألفاظ سائر اللغات المجانسة لها فرأينا أنها تذكر هكذا: هي بالإنكليزية وبالصكصونية العالية وكذلك بالصكصونية القديمة. وبالفريسية القديمة (هي غير الفرنسية القديمة) وبالهولندية أو الدجية وبالجرمنية السافلة وبالأسلندية أو وبالسويدية أو الاسوجية وبالدنيمركية أو الدانوية وبالقوطية (أو الغوطية أو الغططية) وبالجرمنية وباللغات المتصلة بالروسية وباللثوانية وبالسنسكريتية وختموا البحث كله بقولهم: والمادة مأخوذة
من صو أي ولد أو صار انتهى. هذا ملخص ما جاء في دواوينهم اللغوية ولم يشيروا أدنى إشارة إلى وجود مناسبة بين ألفاظ تلك اللغات جميعها وبين العربية (صنو) مع وضوح هذا انسب كل الوضوح وتشابه الألفاظ بعضها لبعض من غير أدنى لبس.
ومعنى (الصنو) وسائر معانية ظاهرة للعيان في العربية أجلى من سائر اللغات بحيث يقر بها الكبير والصغير، الذي يفهم كيف تجري الولادة أو لا يفهم وذلك أن أصل الصنو هو للنخل كما قال صاحب التاج أو للشجر كما قال الزجاج وفي التاج (النخلتان زاد) ثلاث أو خمس أو ست يكن (في الأصل الواحد) وفروعهن شتى (كل واحد منهما) أي من النخلتين. والأولى كل واحدة منها:(صنو) بالكسر ويضم حكاة الزجاج (أو عام في جميع الشجر).
أذن الصنو هو فرخ الشجرة التي ينبت في الأصل الأم. فبنوته ظاهرة بخلاف بنوة الحيوان فأنها لا تبين إذا فارق الولد أمه لعدم لصوقه بها أما في النخل أو في الشجر فأن البنوة ظاهرة لظهور لصوق الفرخ بأمه. وإذا حمل الفرخ صار أخا لمن نشأ منها فصار الابن أخا. وإذا عظم وبلغ ضخم الأصل صار كأنه عم للأصل أي نشأ من هذا الفرع الثاني فرع ثالث وهكذا صار معنى (الصنو) الابن والأخ والعم والشجرة الواحدة قد تتفرع فروعاً كثيرة حتى تبلغ أرضاً واسعة ويصعب أن يعرف الأصل الأول بل قد تصبح الشجرة غابة واسعة. فأنظر كيف اللفظ العربي يوافق نشوء الطبيعة ويحتفظ بمختلف المعاني الأمر الذي لا يرى في سائر اللغات.
وقال العرب سلفنا: أصنى النخل: أنبث الصنوان عن أبن عرجي، فإذا كان يقال للخل يقال
أيضاً لسائر الشجر بل للبشر أيضاً. إذ لم تنشؤ عندنا معاني الصنو على اختلافها إلا اعتماداً على المبدأ الذي بسطناه قبيل هذا.
وليس للصنو شبيه في سائر اللغات السامية فهو خاص بلغتنا البديعة وحدها دون جميع أخواتها الساميات.
ولما كان بعض القبائل تجعل الصاد المهملة ضاداً معجمة في بعض الأحوال قالت في الصنو (الضنو). قال أبو عمرو: الضنو والضنو الولد بفتح الضاد
وكسرها بلا همز. وقال الهروي والخطابي ضنت المرأة أي كثر أولادها يقال: امرأة ماشية وضانية وقد مشت وضنت أي كثر أولادها.
ثم أن بعض السلف كان يبدل النون راء قال بعضهم الضرو بالكسر أيضاً. وقالوا معناه (الضاري من أولاد الكلاب والأنثى ضروة بهاء) قلنا. الحق أن يقال ولد الكلب لا غير. لكن بعضهم لما رأى فيه مادة ضري ظن أن المواد بالضرو هنا الضاري من أولاد الكلاب. وكيف يكون ولد الكلب ضارياً وهو جرو. فالوهم ظاهر ولو قالوا: الولد من الكلاب الضارية لكان أنسب.
ونزيد على ما تقدم أن عرباً آخرين كانوا يهمزون الناقص في بعض الأحيان. ولهذا نرى اللغويين يقولون ضنت المرأة وضنأت وأضنأت: إذا كثر ولدها وقال أبو عمرو: الضنء الولد مهموز ساكن النون (مفتوح الأول) وقد يقال: الضنء (بكسر الأول). والضنى بضم الأول: الأولاد. انتهى.
ولما كان بعض العرب من أقدمين وعصريين يجعلون الضاد زاياً قال بعضهم: الزنية بكسر الأول: آخر أولاد الأسرة وليس لهذه اللفظة أدنى صلة بالزني كما يتبادر الذهن إليه. إنما الصلة هنا بالضنى لا بسواها.
وكذلك قل عن (الصنو) فقد نشأ منه (الصبي) إذ باؤه مقلوبة عن النون وأن كان يجوز أن يقال برأي آخر ليس هنا محل بسطه ويظهر أنه أرجح من ذاك الرأي على أن في عرض الآراء على المفكرين فائدة لا تنكر إذ شرار الحقائق لا ينقدح إلا عند احتكاك الرأي الواحد بالآخر.
أما الكلمة العربية التي لها أشباه ونظائر في اللغات الأخوات فهي أبن.
5 -
الابن وأصله ونظيره في اللاتينية
أثبتنا (في نظرنا) أن الكلمة الصكصونية المأخوذة من الهندية الفصحى عربية النجار، أو لا أقل من أن يقال أن (الصنو) العربية وصنو الصكصونية العالية من مصدر واحد لا يمكن أن ينكره ناكر مهما حاول التشنيع علينا.
والآن نخطو خطوة ثابتة لنجرؤ أخرى ونقول: أن الكلمة اللاتينية فليوس عربية الوضع أيضا وأن كره الشعوبيون وهزؤوا منا؟
يقوم لغويوهم أن فليوس مشتقة من فعل (أي بلامين
أو لام واحدة) ومعناه مص أو رضع فيكون أصل معنى (فيلوس) الماص أو الراضع ولا يكون كذلك في أغلب الأحيان إلا ولد الأم فالظاهر أن تسمية الولد أو الابن والبنت. ولا جرم أن الأصل كان (البل) بهجاء واحد ثم مد فصار كما رأيت.
أما أن أصل وضعه كان (البل) فهذا ظاهر من قول لغويبنا ودونك نص عبارتهم: (بلك الله تعالى أبنا وبلك به أي رزقكه وأعطاكه) أه. فلو لم يكن للبل معنى الولد لما ورد الفعل بهذا المعنى. وفضلاً عن ذلك ما ورد في لساننا من معنى آخر يؤيد ورود البل بمعنى الولد فقد جاء في كلام السلف قولهم: (بلو الأرض إذا بذروها بالبلل كصرد أي البذر أو البزر. وأنت تعلم أن المتكلمين باللغات الشرقية والغربية اعتبروا (البذر أو البزر) ولدا أيضاً تسمية له بما كان عليه في أول نشوءه.
فإذا علمت كل هذا اتضح لك أن فاء فليوس بدل من الباء. وورود هذا البدل أكثر من أن يحصى.
هذا فضلاً عن أن فقهاء لغات الغربيين اعترفوا به في أسفارهم. أما أن هذا الإبدال يرى في لغتنا فالشواهد عليه أكثر من أن يحصى.
هذا فضلاً عن أن فقهاء لغات الغربيين اعترفوا به في أسفارهم. أما أن هذا الإبدال يرى في لغتنا فالشواهد عليه أكثر من أن تحصى من ذلك وجف القلب ووجب. أكفحت الدابة وأكبحتها، زحف وزحب. الكفرة والكنبرة. ضف الناقة وضبها. فنش في الأمر تفنيشاً وبنش فيه تبنيشاً إلى غيرها.
والذي يؤيد رأينا أن اللاتينية مأخوذة من العربية أن ليس في اللغات القديمة من ديار
الإفرنج لفظة تقارب (فليوس) أما الأفرنسية فحديثة ومأخوذة من اللاتينية أما كل ما ذكر من الألفاظ في بعض اللغات الأوربية فقليل عددها ومجانستها اللاتينية أقل وكلها حديثة مأخوذة من هذه اللغة الأم.
6 -
الابن وما جاء فيه من اللغات والمشتقات
رأيت أن اصل الابن هو (البل) بمعنى الولد وبمعنى البذر. ثم مد وسط الهجاء فصار (بول) للمذكر و (بولة) للمؤنث. ولما غلب معنى البول على السائل الذي تفرزه الكليتان، أنف الناس من أن يتخذوا اللفظيين المذكورين بمعنى الابن
والابنة فعدلوا عن استعمالها بهذين المعنيين الأخيرين. ونقلوا (البل) إلى صورة (بن) والنون من أقرب الحروف إلى اللام. ومنهم من زادها ميماً في الآخر حتى لا يلتبس على السامع الحرف الواحد بالحرف الآخر فقال: (بنم) وقد ورد في بعض في بعض لغات القبائل، إلا أنهم زادوا في أول بن و (بنم) همزة وصل تمكنا من قطع دابر الالتباس في الأول وفي الآخر فقالوا أبن وابنم.
أما العبريون والأرميون فقالوا في (بل)(بر) بمعنى الابن وقد حفظ بعض السلف منا ذلك في قولهم: ما أدري أي البرنساء هو، وأي برنساء هو، وأي برنساء هو، أي الناس هو، أو بعبارة أدق: أي أبن الناس هو أو أي أبن الإنسان هو. ولم ينشأ من البل (البر) فقط، بل البذر والبزر بفتح الباء، وكلاهما يعني الولد كما تقدم الكلام عليهما.
ومن اللغات التي تنظر إلى لفظتنا (بر) بور بالفارسية وبثرا بالزندية وكذا بالهندية القديمة أي السنسكريتية.
وزاد السلف حاء على أول (بل) فصارت حبل والحبل هو ابتداء خلق الولد في بطن أمه وأبدلت باء الحبل من الميم فكان عندنا (الحمل) ففي كل من لحبل والحمل ثقل. وما يحمله الإنسان يكون عريزاً عليه وفي عزته شيء يشبه عزة الولد.
وإذا رجعنا إلى (بر) ودققنا النظر في ما أخرجت لنا من الألفاظ. رأينا للحال نشوء كلمة أبر يقال: أبر الرجل أبراراً: إذا كثر ولده وغبر القوم كثروا والبر ولد الثعلب - ومن بر نشأ (البرء) و (البرء: الخلق. ومن خلق شيئاً كان له كالولد بل والداً. وكان المخلوق مولوداً. فالبرء ناشئ من (بر) نشوءاً واضحاً جلياً.
وقد تجعل الهمزة في الصدر وتؤصل فيها فيقال: (أبر) وأبر النخل والزرع ألقحه وأصلحه
وابر كل شيء عمله (راجع لغة العرب 7: 839).
وقد تزاد الثاء المثلثة على (بر) فيقال ثبر بمعنى ولد. واللفظة مماتة بهذا المعنى إلا أنها حية في قولهم (المثبر)(كمسكن) ومعناه الموضع الذي تلد فيه المرأة أو الناقة. فهو اسم مكان من ثبر) وكما أنه لم يقولوا (مولد) إلا لوجود ولد، كذلك لم يكن عندنا المثبر إلا لوجود قبر في أول الامر ثم ماتت
لإهمال الناس إياها. ومن البر: الذرء والذرية ولد الرجل وهي من الذرء أي الخلق.
وأبدلت باء (ثبر) من الميم فقيل (ثمر) وثمر الشجر صار فيه الثمر والثمر ولد الشجر لو جاز لنا هذا التعبير.
وقد تقلب مادة (بر) فيقال (رب) ورب النعمة زادها والرب خالق الكون وإذا زيد على آخر ألف قيل (ربا) وربا المال: زاد ونما، وإذا أبدلت من الألف غينا معجمة قلت (ربغ) ومنه ربغ القوم. إذا أقاموا في النعيم والخصب وقالوا: ربع بالمهملة فلان: إذا أخصب وأربعت الإبل: إذا سرحت في المرعى وأكلت كيف شاءت وشربت. وكذلك الرجل بالمكان. وتبدل العين من الحاء فيقال ربح. ومنه ربح الرجل. كسب والربح كالربع أي وزان صرد وهو الفصيل الصغير.
ومن هذه المادة الربل وقد زيد في آخرها اللام. قالوا: ربل القوم ربلا: كثرت أموالهم وأولادهم. ومن هذه المادة أيضاً (الربو) فقد قالوا: ربا المال: زاد ونما. وقد تبدل باء (بل) من النون فيقال (نل) ومنه أخذ (النجل) و (النسل) للولد والذرية.
وقد يبدل حرفاً (بل) جميعاً من حرفين قريبين منهما في المخرج فتبدل الباء فاء واللام راء ثم يمد ما بينهما فيقال (فار) ومنه قولهم فارت القدر أي جاشت وغلت وارتفع ما فيها. وفي هذا المعنى ما يفيد الزيادة لأنه جاش في ما في القدر بقوة الحرارة أو الغليان أو البخار زاد فالزيادة هنا نوع من الولادة أو النتاج وفار الماء نبع من الأرض كأنه ولد منها، إلى آخر معاني هذه المادة.
ويقال في فار يفور: ثار يثور:
ويزاد في آخر مادة (فر) خاء معجمة ومنه الفرخ وهو ولد الطائر وكل صغير من الحيوان والنبات.
وتبدل الخاء من العين فيكون منه الفرع، وهو كل ما ينشأ من الأصل فيكون أعم من الفرخ في معناه.
وقد تزاد اللام في آخره فيقال فرعل ومنه الفرعل لولد الضبع فان كان ذكراً قيل فرعلان وأن كان أنثى قيل فرعلة.
ومثل الفرعل البرعل وهو ولد الضبع ولد الوبر من أبن آوى.
ولو أردنا أن نطيل البحث في هذا التفرع أو هذا النوع من الاشتقاق لامتد بنا النفس إلى إحراج النفس، وهو ما لا نريده إنما أتينا بما أتينا لنبين للقارئ محاسن هذه اللغة البديعة التي لا تعارض بلغة من لغات الأرض كلها بلا شاذ فهي أجملهن وأبدعهن وأقدمهن وهي الأم وما سواها بنات لها.
وما توسعنا قليلاً في (ابن) وما ورد فيه من الاختلافات والروايات والمشتقات إلا لنوضح للناس انه من وضع الناطقين بالضاد وليس من سواهم.
7 -
ملخص المقالة
في لغتنا العدنانية ألفاظ لها نظائر في أشهر لغات العالم القديمة الكبرى أي لها أشباه في اللغات السامية والحامية واليافثية. والذي نريد أن نثبته لكل عاقل غير معاند أن في المترادفات التي تكثر في لغتنا كلمات تنظر إلى اليافثية أي إلى اللغات الهندية الأوربية. وهذا أمر أنكره علينا أبناء الغرب إلى يومنا. أما نحن الذين عالجنا هذا البحث منذ أكثر من خمسين سنة فقد وجدنا في لساننا أوضاعاً تجانس الألفاظ اليافثية وهي كثيرة لا تحصى. وقد أردنا أن نؤيد بهذا المقال أن هذا المدعي ليس خيالياً إنما هو حقيقي وأتينا بذكر شاهد وأحد بمنزلة مثال بين ظاهر وأضح لا ينكر يقاس عليه أمثلة كثيرة. وإلا فعندنا من هذا القبيل مئات من الأمثلة:
و (صنو) معناه أبن كما في الإنكليزية وهو كذلك في اللغة الهندية القديمة (السنسكريتية) و (ابن) هو في الأصل (بل) ثم نقل إلى صور مختلفة عديدة. ومن لغتنا عبر إلى اللغة اللاتينية (الرومية) ومن يشك في هذه الحقيقة فليأتنا بأدلة تنقض مدعانا ونحن أول من يرجع عن رأيه إذا تبلج له الحق على غي ما أبدا له في اجتهاده الخاص به. فالحق مبتغانا وهدفنا وإليه نرمي في جميع مباحثنا.
لواء كركوك
لمحة تاريخية
(كركوك) بلدة قديمة تعلو سطح البحر بنحو (1160) ألف ومائة وستين قدماً واستيفاء البحث عن قدمها يكلف صاحبه كثيراً لعدم وجود مصادر تاريخية يصح الركون إليها. ومن الكتب التي جاء ذكرها فيها كتابان كلدانيان قديمان نقل أحدهما إلى اللغة التركية المطران أدي شير عام 1896م دون أن يذكر اسمه ولا تزال النسخة التركية مخطوطة ومحفوظة في كنيسة الكلدان في كركوك، والآخر (أسمه أخبار الشهداء) طبعة بلغته الأب بولس بيجان في لا يبسيك (ألمانية) ونسخة نادرة جداً وذكر في هذين السفرين الجليلين أن سردنابال ملك الآثوريين هو الذي أنشأ هذه المدينة وكان سبب إنشائها أن ضابطاً من الماذيين يدعى (ارباق) عصا حكومته ذات يوم فعزله سردنابال عن وظيفته وأمر بإنشاء مدينة هي التي سميت بعد ذلك (كركوك) في كورة (باجرمي) وجعل رجلاً أسمه (كرمي) حاكماً عليها ثم جلب ألف نسمة من الآثوريين وأسكنهم فيها فتوسعت عمارتها وعظم شأنها إلا أن (كرمي) أيضاً استقل بالولاية بعد حين فاصبح الحاكم المطلق على هاتيك الديار وكان مع ذلك يراجع الآثوريين أحياناً. ثم انتقل حكم العراق إلى (الاسكندر الكبير) فكانت (كركوك) في ضمن أجزاء مملكته ولما توفي الاسكندر وتقاسم ملكه قواده الثلاثة (بطليموس وسلوكس وانطيغونس) على النحو الذي يعرفه التاريخ، كانت (كركوك) من نصيب سلوكس فهدم مبانيها البالية وأقام سوراً فخماً جعل له 65 برجاً مهما ووسع عمارتها توسيعاً عظيماً وجعل لها بابين سمي الشمالي منهما (طوطي) باسم حاكمها يومئذ. ودعي شأن (كركوك) وصارت تسمى باسمه أي (كرخ سلوك) المنحوتة من (كرخا دبيث سلوك) أي (مدينة سلوكس) باللغة الأرمية ثم انتقلت إلى خلفائه من بعده وبقيت في حوزتهم زمناً طويلاً حتى انتقلت إلى
البرثيين عام 256 ق. م في ضمن ما انتقل إليهم وبقيت بأيدي هؤلاء أيضاً ردحاً من الزمن حتى شق أردشير عصا الطاعة على البرثيين عام 227م فاستقل ب (كركوك) وبقيت تحت شوكة الفرس حتى استيلاء العرب على العراق وقد سماها بطليموس (كركورا) ودعاها استرابون (ديمترياس).
(لغة العرب) هذه اللمحة التاريخية هي أقرب إلى الخزافة منها إلى التاريخ فالملك سردنابال لم يوجد إلا في مخيلة بعض مؤرخي اليونانيين. وفضلاً عن ذلك أنهم لم يتفقوا في تعيين سني حياته. فمن قائل أنه أحرق نفسه مع حرمة وأمواله في سنة 759ق م (راجع بويه في سردنابال) ومنهم من ذهب إلى أنه ملك في سنة 836 ق م وأحرق نفسه في سنة 817 ق م. وعلى كل حال لم يكن ملك حتى لا ملك وهمي أو خيالي في سنة 800 ق م ليبني المدينة التي سميت بعد ذلك كركوك.
والمصنفات التي يشير إليها حضرة الكاتب هي تأليف موضوعه لا قيمة لها في نظر الأخباريين والمؤرخين. والذي يمكن أن يقال أن باني هذه المدينة غير معروف (لعدم وجود مصادر تاريخية يصح الركون إليها) إذن كل ما يقال من باب التاريخ هو تزوير محض أو نبأ مختلق. وما يروي من أخبارها من عهد الاسكندر مما لا يوثق به أيضاً لأنه مستند إلى موارد صحيحة.
وليسمح لنا القراء أن نذكر لهم أن المعلمة الإسلامية كتبت أسم كركوك بالحرف الإفرنجي هكذا أي بكسر الكافر الأولى وضم الثانية وهو مخالف للفظ العربي. نعم أن الترك يلفظونها بكسر الكاف الأولى لكن الكلمة ليست تركية حتى يتخذ هذا اللفظ اسماً صحيحاً، إنما الكلمة من نحت العرب لها فيجب أن يقال أو أما فخطا صريح وذكر في ذلك المقال أن جبال حمرين واقعة في الشمال الشرقي وضبط اسم هذه الجبال بفتح الحاء والصواب بضمها كما ضبطها ياقوت في مادة بارما والهمداني في صفة جزيرة العرب (ص 133) ولم نجد في كتب مؤرخي العرب من المسلمين من ذكر كركوك بهذا الاسم. أما النصاري فكانوا يسمونها الكرخ كما ذكر ذلك ايليا الدمشقي والأرميون ذكروها باسم (كرخا دبيث سلوك) وهكذا وردت في كتاب السينودكون (منذ سنة 410م).
مدخل البحث
هذا هو موجز تاريخ قلعة (كركوك) الحالية والمدينة تتقوم من قسمين مهمين يقال لأحدهما (القلعة) وما مر بك يتعلق بتاريخها والقلعة اليوم في حالة متوسطة العمران تطل بعض بيوتها على القسم الأسفل من البلد وفيها جامعان عظيمان يدعي الأول منهما جامع (مريمانه) ويسمى الثاني (جامع النبي دانيال) وسدانة كلا الجامعين بأيدي المسلمين وتدعي
النصارى أنهما كانا كنيستين لهم
ويستشهدون على ذلك بوجود بعض الرسائل الدينية خطت لهتين الكنيستين خاصة. وفي الجامع الثاني ثلاثة قبور من الكبار هم (حنانيا وعزريا وميشائل) وتزعم اليهود أن (النبي دانيال) دفن في هذا الجامع وهو زعم لا يسنده دليل على الرغم من تأديتهم الفرائض الدينية له في كل سنة لأن النبي دانيال توفي في خوزستان على ما يقال ودفن في (ششتر) من أعمالها ولا يزال قبرة معروفاً هناك بموجب الرواية الشائعة.
وأما القسم الثاني من (كركوك) فيدعي (السهل) وهو حديث على ما يظهر للمتتبع إذ يؤكد الطاعنون في السن أن قد بدأت العمارة فيه عام 1144 هج (1729م) ولم نعثر في الكتب على تاريخ له سوى ما جاء عن قرية (قورية) التي هي إحدى محلات كركوك اليوم مع بعدها الشاسع عن قسم (القلعة) فقد ذكر أن طهماسب جاء إليها عام 1146 هج (1733م) فضرب سكانها ودمر منازلهم وأحرق خيامهم واضطربت القرية بمن فيها وهجرها سكانها فقصدوا قرية (بشير) التي تبعد عن كركوك 20 ميلا ولما رحل طهماسب عنها عاد السكان إلى المحلة التي كانت تعظم بالتدريج بالقرب من القلعة.
وكانت كركوك من المدن العراقية المهمة في العهد السابق وهي اليوم لا تقل أهمية عما كانت عليه والذي يجول فيها الآن يشعر بانشراح في الصدر وراحة في النفس لسعة شوارعها ونقاء هوائها وجمال منظرها وحسن عمارتها وكثرة ما فيها من وسائل الراحة وموارد العيش. يضاف إلى ذلك قربها من الجبال وارتباطها بالعاصمة بسكة حديد يبلغ طولها 203 أميال. وبيوت المدينة مبنية بالحجارة الكلسية لأن أرضها حجرية والتجارة فيها واسعة وتخترقها جادات مستقيمة صفت فيها الحوانيت صفاً بديعاً. ويمر بها نهر كبير يقال له (الخاصة) تتدفق فيه مياه الأمطار إذا كثرت أو فاضت مياه العيون الكثيرة. ويستقي السكان ماءهم من أربعة نهيرات تتفجر مياهها العذبة من جبل يبعد عن المدينة 30 ميلاً وهذه النهيرات هي (القورية والتسعين والزاوية والبيلاوة) وتقرب
من المدينة عدة آبار نفطية تستغلها شركات أجنبية تدفع إلى الحكومة العراقية أربعة شلينات ذهبناً عن كل طن تستخرجه من الزيت وقفاً للمادة العاشرة من الامتياز الذي خولته. وهذه الآبار منحصرة في أربع مناطق مهمة وهي (بابا كركر) و (طوز خرماتو) و (جم جمال) و (التون كوبري)
وفي مراكز هذه المناطق بنايات فخمة وعمارات كثيرة ومكائن مختلفة وكلها للشركات صاحبات الامتياز النفطي وستتركها كلها للحكومة العراقية في عام 2000م وهو العام الذي ينتهي فيه أمد هذا الامتياز.
تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء كركوك من ثلاثة أقضية (عدا النواحي المرتبطة بها) وسبع نواح وعدة قرى بين صغيرة وكبيرة. أما الأقضية الثلاثة فهي كفري وجم جمال (والجيمان فارسيان) وكيل (بالكاف الفارسية) وأما النواحي السبع فهي:
1 -
كركوك. 2 - شوان. 3 - التون كوبري. 4 - ملحة. 5 - شبيجة. 6 - طاووق. 7 - قرة حسن. وأما القرى فيبلغ مجموعها 578 بعضها مرتبط بالأقضية وبعضها بالنواحي السبع الملحقة بمركز اللواء رأساً. وقد صعب علينا جمع أسماء هذه القرى ولا سيما الصغيرة منها ولهذا أرجأنا البحث عنها إلى فرصة أخرى وهانحن أولاء نبدأ بالكلام عن الأقضية والنواحي فنقول:
النواحي الملحقة بمركز اللواء سبع وهي:
1 -
ناحية كركوك وهذه داخلية أي يقيم مديرها في مركز اللواء وتتبعها 57 قرية.
2 -
ناحية شوان وتتقوم من 89 قرية ومركزها قرية (ريدار) التي تبعد عن الشمال الغربي لمدينة كركوك 25 ميلاً وهي متوسط العمران والسعة.
3 -
ناحية التون كوبري وهي تتألف من 33 قرية مهمة ومركزها قصبة التون كوبري (أي قنطرة الذهب) التي تبعد عن شمالي كركوك 30 ميلاً وهي مهمة يخترقها نهر الزاب الصغير وفيها جسران مهمان أنشأتهما السلطة الاحتلالية بعد أن نسفت الحكومة البائدة قنطرتها الحجرية التي شيدها السلطان مراد الرابع عام 1048هـ عندما أراد أن يعبر الزاب الصغير المسمى يومئذ (زاب البو
حمدان) وقد نسفتها بمقذوفاتها لتعطيل الحركات العسكرية على عدوها (وعدوها يومئذ الإنجليز والروس).
4 -
ناحية ملحة وتتبعها 37 قرية ومركزها (تل علي) التي تبعد عن غربي كركوك 50 ميلاً وفيها الملح بكثرة.
5 -
ناحية شبيجة (بالتصغير والجيم الفارسية ولفظها الصحيح شبيكة) وهذه تتألف من 25
قرية ومركزها القرية المسماة باسمها والتي تبعد عن الجنوب الغربي لكركوك 49 ميلاً وهذه القرية مبنية في أرض منخفضة تحيط بها هضاب وقد بنى فوق هذه الهضاب دواوين الحكومة ومراكزها المهمة. ويمر بها نهير يدعى باسمها وأغرب ما شهدته في هذه القرية كثرة المياه فأنك لا تستطيع أن تحفر في الأرض شبرين حتى يندفق الماء بغزارة.
6 -
ناحية طاووق وهي واقعة في جنوب كركوك وعلى بعد 28 ميلاً عنها. وتشتمل على 29 قرية وأراضيها مخصبة للغاية ومركزها قرية طاووق المتوسطة العمران و (طاووق) كلمة تركية معناها (الدجاج) وربما سميت بهذا الاسم لكثرة هذا النوع من الطيور الداجنة فيها ويسير قطار بغداد إلى كركوك بالقرب منها فيعبر قنطرة حجرية يبلغ طولها ثلاثة أرباع الميل ويمر بها نهر (الخاصة) الذي تقدم ذكره ويقرب منها مزار للأمام زين العابدين (ع) فترى الناس يقصدونه من سائر الأطراف للتبرك به والاستشفاء مما ألم بهم وكثيراً ما يعودون إلى أوطانهم وهم على أتم صحة.
7 -
ناحية (قرة حسن) ومركزها قرية (خالد بازيان) التي تبعد عن شرقي كركوك 25 ميلاً وهي متوسطة وقراها 52 قرية هذا وصف موجز للنواحي السبع المرتبطة بمركز اللواء ومعظم قراها عامرة وكلها آهلة بالسكان من العشائر الكردية التي تمتهن الزراعة وهي مدار العيش في جميع أنحاء العراق.
1 -
قضاء كفري
كفري وزان (كرسي) اسم ثان للصلاحية في (الخالص) من ديار العراق
وهي اليوم مركز القضاء المسمى باسمها وتبعد عن جنوبي كركوك 78 ميلاً ويربطها بالعاصمة الخط الحديدي (من بغداد إلى كركوك) وهي تقع إلى سفح الجبل المسمى (شهسواب). هواؤها جيد ومعتدل وماؤها عذب زلال إذ يتفجر في موضعين يقال لهما (سر قلعة وقوشة جايان) ويقرب من هذه القصبة بعض معادن يستخرج منها الفحم الحجري وقد استعملها الألمان مدة الحرب الكونية وبالقرب منها نوع من القار يقال له (الكفر) قال أبن شميل القير ثلاثة أضرب الكفر والقير والزفت فالكفر يذاب ثم يطلى به السفن والزفت يطلى به الزقاق (وهو الإسفلت عند الإفرنج). أه. والقصبة عامرة جداً وبيوتها جميلة وفيها متنزهات كثيرة وأسواقها متداخلة وتسير فيها الحركة العمرانية سيراً مطرداً وتجارتها حسنة وربما
أصبحت من أهم القصبات في هاتيك الجهات بعد زمن قليل.
للقضاء أربع نواح وهي كفري وطوز خرماتو وقره تبة وشيروانة. فناحية كفري داخلية وقد أبنا سابقا المقصود من الناحية الداخلية، وهي تتقوم من 119 قرية ويقيم مديرها في مركز القضاء أي (كفري).
وأما ناحية طوز خرماتو فصقع واسع من أغنى أصقاع العراق بنفطه الفاخر وتستغل هذا النفط شركة أجنبية أوضحنا سابقاً بعض ما يهمنا معرفته عنها. وتتقوم هذه الناحية من 162 قرية ما بين صغيرة وكبيرة ومركزها القصبة المسماة باسمها وهي في حالة متوسطة وتبعد عن جنوبي كركوك 48 ميلاً وتقرب منها منازل عمال الشركة النفطية ومعاهدها ومكائنها وسائر ما يقتضي لها ولأشغالها ويحيط بها جبال بعضها شاهق والبعض الآخر قليل الارتفاع ويقربها أودية كثيرة فيها لأشجار الباسقة والثمار اليانعة مما يزيد في بهجتها وبهاء منظرها ويمر بها نهر الخاصة والقطار يعبر هناك جسراً حجرياً طويلاً.
وأما ناحية (قره تبة) فتشتمل على 61 قرية متوسطة ومركزها البليدة الجميلة المسماة باسمها والتي تبعد عن الجنوب الغربي من مركز القضاء 21 ميلاً وقد سميت هذه القرية باسمها الحالي لوجود تل أسود بطرف من أطرافها ويأخذ الاهلون حاجتهم من الماء من نهير صغير يمر بقريتهم ودار الحكومة فيها يطل
على هذا النهير والقرية مشهورة بجودة لبنها وكرومها. ولكثرة اللقالق فيها يدعونها الناس (أم اللقلق) وأما ناحية شيروانه فيبعد مركزها عن شرق كفري 25 ميلاً وهي متوسطة العمران بها 13 قرية وفي وسطها قلعة حصينة شيدت فوقها مراكز الحكومة المهمة ومعظم سكان الناحية من عشيرة الجاف الكردية.
2 -
قضاء جم جمال
كان هذا القضاء تابعاً للواء السليمانية قبل الحرب وبعدها إلا أنه الحق بلواء كركوك في الأزمنة الأخيرة وهو يتقوم من مركزه ومن ناحيتين فقط يقال للأولى منهما ناحية (جم جمال) وهي داخلية وتسمى الثانية ناحية (أقجه لر) وهي تبعد عن الجهة الشرقية من مركز القضاء 25 ميلاً وليس أهمية تذكر غير أهميتها السياسية من وجهة الأمن. ومركزها قرية صغيرة قاعدة في وسط جبال شاهقة وعلى طول الطريق المؤدية إليها أشجار البلوط
البديعة وبيوتها مبنية بالحجارة الكلسية وللشرطة فيها عمارة فخمة جداً وقد غرست حولها أشجار الرمان والماء فيها عذب.
أما مركز القضاء فقرية واقعة وسط سهل مترامي الأطراف وهي تبعد عن شرقي كركوك 33 ميلاً وتسمى باسم القضاء والطريق بينها وبين كركوك وعر لكثرة الحفر والأخاديد التي فيه في حين أن الذي بين السليمانية وبينها معبد ومبلط وهذه القرية تقع في منتصف طريق (كركوك إلى السليمانية) وبالقرب منها منطقة نفطية غزيرة ولولا هذه المنطقة لما كان لهذا القضاء أهمية تذكر.
وقرية جم جمال متوسطة بين ألوية أربيل والسليمانية وكركوك وهي حقيرة جداً ويمر بالقرب منها نهير صغير ماؤه عذب وبارد للغاية وفي وسط القرية تل مرتفع تسكن الحكومة فوقه أما الآن فقد شيدت لها مركز متناسبة مع أهمية القرية والقضاء.
3 -
قضاء كيل
(كيل) من المناطق الغزيرة النفط في لواء كركوك ونفطها من احسن الأصناف ونقي كل النقاء ويؤكد المختصصون أنه أفضل من النفط الروسي في الاحتراق. وقضاء كيل واسع وأن كانت نواحيه قليلة. ومركزه قرية صغيرة
واقعة في سهل (روخانة) على بعد 51 ميلا من شرقي كركوك ويقال لها (قادر كرم) وتتبعه 67 قرية كلها آهلة بالسكان من عشيرة الداوودة والزنكنة أو الجنكنة وهما كرديتان.
للقضاء ناحيتان هما (كيل)(وسنكاو) أما ناحية كيل فمركزها قرية (قال قان لو) وهي حقيرة تبعد مركز القضاء (قادر كرم) عشرة أميال في غربيها الجنوبي. وأما ناحية سنكاو فمركزها (موك تبة) وهي قرية لا بأس بها وتبعد عن شرقي مركز القضاء 38 ميلاً وفيها حمامات نظيفة للغاية ويمر بها نهير عذب سريع الجري وصرح الحكومة فيها متناسب مع أهميتها.
السيد عبد الرزاق الحسني
مصطلحات حقوقية
سألنا بعض طلبة الحقوق في بيروت أن نذكر لهم في مجلتنا ما يقال هذه الألفاظ الفرنسية التي لم يجدوا لها مقابلات في المعاجم الإفرنجية العربية وهي هذه: 1 - 2 - 3 - .
وقبل ذكر ما في لغتنا من الأوضاع نفسرها لتتضح معانيها لغير الحقوقيين فالأولى معناها موطن يقرض فيه دراهم بفائض على وديعة يودعها المقترض وهذا يقابله عندنا المرهن بفتح الأول والثالث. وهو ظاهر المعنى.
والثانية معناها معاقبة أو مكافأة تمنع أو تعاقب من يخالف الشرائع وليؤكد تنفيذها. وهو (الزناج) على ما جاء في مستدرك تاج العروس.
والثالثة تعني (الوسيلة القصوى) وهي ظاهرة المعنى والاستعمال. وقد طالعنا مصطلحات (الموجز في علم الاقتصاد تأليف بول لروا بوليو وتعريب حافظ إبراهيم وخليل مطران) فلم نجد من هذه الألفاظ الثلاثة سوى الأولى وقد اصطلحا عليها بقولهما (مصارف الرهن المحتاز) وهو وضع أطول من يوم الصوم ولا يؤدي المعنى المطلوب فالمرهن أسد وأوفى بالمرام وأخف على اللسان والسمع وقد وجدنا أغلب أوضاع هذين الأديبين بعيدة عن مانوس الكلام فضلاً عن أنهما لم يلتفتا إلى ما وضعه من سقمها في هذا البحث.
قبر راحيل
على يمين الجادة السابلة من بيت المقدس إلى مدينة خليل الرحمن وعلى بعد تسعة كيلو مترات من الأولى وبين الدور القور المستحدثة في ضاحية مدينة بيت لحم قبر السيدة راحيل زوج سيدنا يعقوب وأم ابنه يوسف الصديق عليهما السلام وهو تحت قبة كانت مكشوفة الجوانب فسدت بالشيد والحجارة ولم يترك لها غير باب واحد يدخل إليه من مصلى صغير ونافذتين في جانبيها.
وهذه القبة وهذا المصلى يقعان على جانب مقبرة لمسلمي بيت لحم التي شطرتها الجادة إلى شطرين فظل القليل منها عن اليسار والكثير في اليمين وفي كليهما أشجار باسقة من الزيتون.
وعلى الرغم من أن في الجانب الأيسر بعض وجبانة للدفن فان الأرض التي تضمنتهم قد بيعت من رجل مثر أسمه ناتان ستروس من محسني اليهود ليبني عليها دار ضيافة لليهود الذين يقصدون إلى زيارة قبر راحيل في موسم معلوم من السنة. ذلك لأن أوقاف المسلمين في كل قطر ومصر كانت ولا تزال نهبة الناهب وطعمة الطامع.
والغريب في أمر قبر راحيل أنه كان منذ الأزمنة المتطاولة في القدم في
يد المسلمين يدلنا على ذلك ما رواه غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المتوفي سنة 872هـ 1467م من عمارة أبيه شاهين الظاهري قبة وصهريجا ومسقاة للسبيل في ذلك الضريح وما ذكره الأب مايسترمان في دليله من إقامة محمد باشا وإلى بيت المقدس سنة 968هـ 1560م الجدران الأربعة تحت أقواس القبة المكشوفة وبنائه قبراً تحتها بدلاً من الشكل الهرمي الذي كان فيها واتخاذها مزاراً للمسلمين وقد ظل هذا القبر بأيدي المسلمين إلى القرن الماضي فحصل السير موسى منتفوري من كبار اليهود البريطانيين على أذن من الدولة العثمانية صاحبة السلطان على الأرض المقدسة إذ ذاك بتسليم مفتاح القبة لليهود على أن يبني إلى جانبها مصلى للمسلمين فبنى لهم سنة 1257 هـ 1841م وجعل المحراب في وسطه هذا ما يقوله الأب مايسترمان في دليله.
والذي سمعته من شيوخ بيت لحم أن مفتاح قبة راحيل كان إلى الأيام الأخيرة في أيدي
المسلمين وأن قبيلة التعامرة الضاربة بجوار بيت لحم هي التي كانت قيمة عليها إلى أن أغري أحد شيوخهم بالمال فسلمة لليهود للقاء دراهم معدودة وكان فيه من الزاهدين. وأن المكان المعقود بجانب القبة والذي نستطيع أن نسميه مصلي قد بني في سنة 1322هـ 1904م.
ولإزالة اللبس بين الروايتين يجوز لنا أن نستنتج أن القبة أعطيت لليهود بأذن الحكومة ولكنهم لم يتمكنوا من القيام عليها ومحافظتها في تلك الأيام بدون حام يحميهم فاستعانوا بتلك القبيلة وائتمنوا شيخها على القبة والمفتاح إلى أن اشتد ساعدهم وقويت شوكتهم فأخذوا المفتاح نهائياً واستقلوا بالقبة.
أما بناء المكان فقد نعله بانهدام الذي بناه اليهود قبلاً وإعادة المسلمين له إذا صح أن الشرط الذي اشترطته الحكومة نفذ في حينه.
فلما تمكن اليهود منه زخرفوا داخل القبة واتخذوا الشهر العبري الذي يوافق شهر أيلول - سبتمبر - من كل سنة موسماً خاصاً لزيارتها وأخذوا يفدون عليها في ذلك الشهر زرافات ووحدانا مشاة وركبانا يشمعلون حولها ويبكون ويعولون وهذه صورة القبة والمصلي:
(صورة) قبة راحيل والمصلى
والظاهر أن اليهود الذين لم يكن بأيديهم قبل قبة راحيل أي موضع ديني أثري قد جعلوا منها محجاً يحجون إليه تقليداً للنصارى الذين يملكون في بيت المقدس كنيسة قمامة بتسمية المسلمين. والقيامة بتسمية النصارى وكنيسة ولادة السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم وللمسلمين الذين يملكون المسجد الأقصى في بيت المقدس ومسجد إبراهيم عليه السلام في خليل الرحمن.
وإلا فأن قبر راحيل لم يكن معبداً لليهود ليعنوا به هذه العناية ولا شأن له عندهم كشأن حائط المبكي - وهو الجدار الغربي من سور المسجد الأقصى المعروف عند المسلمين بالبراق - الذي أثيرت بسببه الحفائظ وأريقت الدماء في الأرض المقدسة في السنة المنصرمة.
صفة القبر
تدخل إلى القبة من تحت قنطرة متجهة إلى القبلة فتصبح القبة عن يمينك والمصلي عن
شمالك. وللقبة بابا مغلق يتجه إلى الشرق فعندما تفتحه يقابلك القبر وهو يزيد ارتفاعه على المترين وقد طلي خارجه بطبقة من الرمل والشيد وليست عليه كتابه تاريخية قديمة أو حديثة ولكن على جدران القبة بعض ألواح حجرية كتب عليها باللغة العبرية وهي حجارة تذكارية خلفها بعض الزوار الذين يرغبون في تدوين أسمائهم. وقد رأينا أمثالها في كنيسة الأرمن المجاورة لكنيسة الولادة في بيت لحم وهي باللغة الأرمنية والتركية.
وعلى جدران القبة بعض الستائر الحريرية نقش عليها مجن داود أي مثلثات يتألف منها شبه نجم وهو شارة الصهيونيين اليوم بخطوط زرق على أرض بيضاء.
ما حول القبر
الأشجار التي حول المقبرة هناك - ومنها الشجرة الظاهرة في الصورة الشمسية إلى جانب القبر - هي من شجر فلسطين المبارك أي الزيتون.
وعلى مقربة من القبر أنقاض مسقاة ماء إلى جانب صهريج تجتمع فيه مياه الشتاء. ولعل تلك المسقاة وذلك الصهريج هما اللذان ذكرهما غرس الدين الظاهري في ما تقدم من كلامه.
وبأخر المقبرة مقلع حجارة منه الناس ما يحتاجون إليه لبناء بيوتهم وقد علمت أن المتر الواحد يكسر في مثله من هذا المقلع قد بيع بجنية واحد مما يدل على وجودة نوعه ونقاء معدنه.
مدينة بيت لحم
قبر راحيل على ما ذكر في التوراة في طريق أفراثة التي هي بيت لحم وعلى قول الشريف الأدريسي الجغرافي العربي هو وسط الطريق بين بيت المقدس وبيت لحم وهو وهم لأن القبر يبعد عن الأول زهاء خمسة أميال بينا هو لا يبعد عن الثانية نحو ميل واحد.
وعلى رواية السائح الهروي في الطريق من القدس إلى مدينة الخليل. وعلى رأي غرس الدين الظاهري بأواخر كروم القدس.
أما على قول مجير الدين الحنيلي فهو بيزبيت المقدس وبيت لحم وكل هذه الأقوال
صحيحة فأن الطريق من بيت المقدس إلى مدينة الخليل (حبرون) كانت وما زالت تمر بقبة راحيل ثم تتفرع بعد ذلك إلى بيت لحم وبيت جالا ويتصل من الجادة الأصلية إلى خليل الرحمن.
أما اليوم فقد أصبح القبر محاطاً به عن أيمانه وشمائله بالدور الفخمة والقصور الشاهقة لأغنياء بيت لحم وأضحى جزءاً من المدينة. وأننا ننقل فيما يلي ما جاء في التوراة عنه ثم نردفه بأقوال جغرافيين العرب ورحالتهم وكذلك أقوال الأب مايسترمان التي نقلها عن رحالة الفرنجة.
قبر راحيل في التوراة
جاء في سفر التكوين في الإصحاح 35: 16 - 20 من طبعة جمعية التوراة البريطانية والأجنبية:
(16 ثم رحلوا (أي يعقوب عليه السلام ومن معه من بيت أيل ولما
كان مسافة من الأرض بعد حتى يأتوا إلى أفراثه ولدت راحيل وتعسرت ولادتها (17) وحدث حين تعسرت ولادتها أن القابلة قالت لها لا تخافي لأن هذا أيضاً ابن لك (18) وكان عند خروج نفسها لأنها ماتت أنها دعت أسمه أبن أوني، وأما أبوه فدعاه بنيامين (19) فماتت راحيل ودفنت في طريق أفراثه التي هي بيت لحم (20) فنصب يعقوب عموداً على قبرها وهو عمود قبر راحيل إلى اليوم).
قبر راحيل عند جغرافيي العرب
وهذه أقوال جغرافيي العرب ورحالتهم عن قبر راحيل بحسب سنتي وفاتهم: قال المقدسي المتوفي بعد سنة 375هـ 985م.
(أقليم الشام جليل ديار النبيين ومركز الصالحين ومعدن البدلاء ومطلب الفضلاء به القبلة الأولى إلى أن يقول (وقبر مريم وراحيل).
وأورد الشريف الإدريسي بعد سنة 548هـ 1153م.
وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه المسيح بينه وبين القدس ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف وأم أبن يامين ولدي يعقوب عليهم السلام. وهو قبر عليه اثنا
عشر حجراً وفوقه قبة معقودة بالصخر).
وذكر بهاء الدين أبن عساكر المتوفي سنة 600هـ 1203م بين قبور إبراهيم وأسحق ويعقوب ويوسف قبر راحيل وقال عن تلك القبور أنها جميعاً
ظاهرة بفلسطين.
وقال السائح الهروي المتوفي سنة 611هـ 1214م الطريق من القدس إلى مدينة الخليل عليه السلام. قبر راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام وعن يمين الطريق بيت لحم. وفي نسخة أخرى وهي أصح عبارة من الأولى.
(الطريق إلى مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام، قبر راحيل أم يوسف الصديق عن يمين الطريق والله أعلم).
وقال أبن فضل الله العمري المتوفي سنة 748هـ 1347م: (قبر راحيل أم يوسف. عن يمين الطريق السالك من القدس إلى الخليل).
وقال سراج الدين أبن الوردي المتوفي نحو سنة 850هـ 1446م:
(وبينه (أي بين الموضع ولد فيه المسيح وبين بيت المقدس) ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام.
وقال غرس الدين الظاهري المتوفي سنة 782هـ 1467م.
وبأواخر كرومها (أي كروم بيت المقدس) قبر السيدة راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام. وأقام والدي المرحوم شاهين الظاهري قبة وصهريجاً ومسقاة للسبيل وبيمين الطريق بيت لحم.).
وقال مجير الدين الحنبلي المتوفي سنة 927هـ 1521م:
(وبين بيت المقدس وبيت لحم قبة راحيل والده سيدنا يوسف الصديق عليه السلام وهي إلى جانب الطريق بين بيت لحم وبيت جالا في قبة موجهة لجهة الصخرة
وهي مشهورة تزار).
وقال القرماني المتوفي سنة 1019هـ 1610م: وبيت لحم قرية على فرسخين من بيت المقدس وبقرب هذه القرية قبر راحيل والدة يوسف الصديق عليه السلام.
وقال عبد الغني المتوفي سنة 1143هـ 1710م: (فمررنا على قبة راحيل وهي أم يوسف الصديق عليه السلام. فوقفنا عند ذلك القبر العظيم وقابلناه بالإجلال والتكريم وقرأنا الفاتحة
ودعونا الله بما تيسر لنا من الدعاء والله بصير بسعي من سعى).
قبر راحيل عند جغرافيي الإفرنجة
هذا ما أطلعنا عليه من أقوال العرب وقد نقل الأب مايسترمان في دليله أن المؤرخين الثلاثة أوريجانس واوسابييوس والقديس هيرونمس قالوا بوجود قبر راحيل بجوار بيت لحم. وأن الزائر البرديلي (نسبة إلى مدينة بردو بفرنسة الذي زار هذا القبر سنة 333 المسيحية أي قبل الهجرة المحمدية ب 289 عاماً يصف ذلك الأثر التذكاري المبني فوق ضريح يقع على مسافة أربعة أميال جنوبي بيت المقدس ونحو ميلين شمالي كنيسة ولادة السيد المسيح عليه السلام الكائنة في بيت لحم. وأن ثيودوسيس وجد حجراً تذكارياً فوقه سنة 530م أي قبل الهجرة باثنين وتسعين عاماً. وأن أركلف ذكر أن ذلك البناء كان في سنة 670م 48هـ على شكل هرم وأن كلا من ثيودوريك والرباني بنيامبن التطيلي والشريف الإدريسي يقول أن ذلك الهرم كان من أثني عشر حجراً يمثل أبناء يعقوب الاثنين عشر أي أسباط بني إسرائيل. وأن المؤرخين ذكروا أن الصليبيين بنوا فوقه مربعاً قائماً على أربعة أعمدة كل منها يتصل بالآخر بقنطرة
ارتفاعها 21 قدماً وعرضها 12 قدماً وجعلوا فوق ذلك قبة. وأن الحجارة التي كان يتألف منها الهرم فقدت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد أي في القرنين التاسع والعاشر للهجرة.
وزاد الأب مايسترمان على ذلك بقوله أن ذلك الضريح جدد بناؤه غير مرة قلنا ويتضح من أقوال الأب مايسترمان أن أول قبة على قبر راحيل هي التي بنيت في زمن الصليبيين في حين أن غرس الدين بن شاهين الظاهري يقول أن الذي بناها والده كما تقدمت الإشارة إليه.
ويجوز أن تكون القبة التي بناها هؤلاء في زمن استيلائهم على بيت المقدس وما إليه - وكان ذلك من سنة 492هـ 1099م إلى سنة 583هـ 1187م - قد هدمت فأعاد شاهين الظاهري بناءها.
وهنا مجال لأن ننبه إلى دقة وصف الإدريسي فقد كان أول رحالة عربي ذكر أن قبر راحيل يتألف من أثني عشر حجرا كما اعترف له بذلك الأب مايسترمان.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب: تتمة معربة عن معلمة التوراة لفيغورو 9:
926)
لما بلغ يعقوب إلى ديار كنعان توجه إلى ممرا ليلاقي فيها والدة إسحاق ولما غادر بيت أيل كان على مسافة محدودة من أفراثه ولما طلقت راحيل في المخاض سمعتها قابلتها فقالت لها أنها تلد أبناً. إلا أن راحيل كانت تحتضر وسمعت ابنها بن أوني (أي وجعني أو ابن أنيني) ثم صحفها يعقوب وقال: بنيمين (أي أبن اليمين) وقضت راحيل أنفاسها في مثيرها بالقرب من بيت لحم. فشاد يعقوب على قبرها بناية كانت تشاهد إلى العهد الذي كتبت هذه الآية من سفر الخلق.
أما اليوم فهو (في سنة 1922م) مقام مربع حسن عليه قبة بنين في سنة 1679 بذيل طويل ذاهب إلى الشرق بناه السر موزس منتفيوري والقبر في
داخل المدفن. وهو بناء بهيئة مزدوج كسقف من سقوفنا (أي في ديار الإفرنجة) سمكة من ثلاثة إلى أربعة أمتار وقد غشني وجهه بالنقوش العربية وكلها بالستوق. والبناء حديث إلا أن موقعه يقابل كل المقابلة ما جاء في نص سفر الخلق. فقد ذكر هناك القبر كان موجوداً في عهد موسى الكليم. وبعد سبعة قرون ذكره سموئيل لشاول (1 - سفر الملوك 10: 2) والقديس هيرونمس ذكره مراراً عديدة ووصفه أركلف في المائة السابعة للميلاد وقال: عليه هرم ويذكر نصباً إقامة يعقوب والإدريسي العربي من وصاف البلدان في المائة الثانية عشرة يقول. على هذا القبر اثنا عشر حجراً وكلها وقوف ذكرى للأسباط الإثني عشر. فترى من هذا أن التواتر ثابت بين الناس من يهود ونصارى ومسلمين أن في ذلك الموضوع دفنت امرأة يعقوب الحسناء.
بيت عراقي قديم
مرتضى أفندي المؤرخ الشهير أبن نظمي البغدادي
5 -
أن العراق من زمن العباسيين وإلى اليوم كتب عنه مؤرخون كثيرون. وحاولوا في كتاباتهم سلسلة حوادثه ووصلها بعضها ببعض بحيث يكمل الواحد ما قام به الآخر. ولكن نظر للطوارئ الكونية والحوادث الحربية والسياسية حصل انقطاع في بعض هذه الحوادث ولم يتيسر إيصالها بعضها ببعض ولا تسلسل حوادثها إلى اليوم. ولم يتيسر أن كتب أحد تاريخا مستقلاً للعراق تصل حوادثه إلى أيامنا سوى مترجمنا مرتضى أفندي آل نظمي. فهو بحق (مؤرخ العراق).
قد كتب عن أحوال العراق جماعة من رجال الأمم الأخرى التي استولت عليه أو المجاورة له في عصور تدوره هذه إلا أنها لم تدون من الوقائع إلا ما كان متعلقاً بحروب بين المجاورتين أو ماله مساسا بأمورنا الداخلية وعلاقته بنظامها فلم تذكر غير وقائع الفتح والفتن وحوادث الثورات على الحكومة. . . وأهملت
أمر الأمة فلم يحرص على هذا المحيط وبيان أحواله الحقيقية والموسعة سوى أبنائه.
أن الذين كتبوا صاروا يراعون سياستهم وأغراضهم وقد قيل (الغرض مرض) لذا لم يتح ذلك إلا لمؤرخ عراقي معروف. ولكنه لا يزال باقياً في جهالة عن الكثيرين من أبناء قطرنا في حين أنه مشتهر لدى الترك والعلماء الغربيين. وله مكانته الممتازة عندهم. وللغة العرب الغراء وصديقنا يعقوب أفندي سركيس الفضل في التنويه عنه.
ولولا هذا المؤرخ الكبير لبقيت حوادث كثيرة مبهمة بل مجهولة عنا. فلا تجد صلة بيننا وبين ماضينا وقومنا على ما كانوا عليه من بؤس وشقاء أو نعيم وقتي وأن كان لا يستحق الاطراد وهذا المؤرخ سد فراغاً لم يستطيع أحد سده إلى زمنه فحفظ لنا وقائع هذا القطر وأنه شاهد عيان فيما كتبه عن زمنه. فهو ثقة وعارف بالمجرى التاريخي خصوصاً بعد أن نعلم أنه من موظفي الحكومة. أما غيره فيصح أن يطلق على أكثرهم لقب مداحين بل مداجين مرائين. وأن لم يخل هو نفسه من إطراء ومدح لحكومته وبعض ولاتها
المعاصرين ولكن على كل حال لم يزاحمه مزاحم ولا عارضة معارض إلى الآن. فله الفضل الكبير على العراق فيما مضى في عمله وسيأتي الكلام على تاريخه (كلشن خلفا) عند مؤلفاته.
وهنا أقول أنه أديب شاعر وناثر معاً كتب بعض البيورلديات (الأوامر السامية) للولاة المعاصرين وأدرجها وعهدت إليه كتابة الديوان. والظاهرة أنه خلف أباه في كتابة الديوان فضلاً عن أنه مؤرخ. وأن نفس مؤلفاته تدل على علو كعبة في الآداب واقتداره المكين فيها. أرتضع الأدب من أسرة عريقة فيه متأصلة في العلم. وهو أبن محمد نظمي البغدادي الذي هو أبن بنت عهدي البغدادي ولا يعول على ما جاء في السجل العثماني من أنه أبن السيد علي البغدادي بعد أن ذكر كلشن شعراء أنه أتخذ أسمه لقباله كما أن تذكرة سالم تؤيد أنه أبن نظمي، وكذا نفس أسرته تعتقد أنها لم تكن من نجار هاشمي أو قرشي كما تحققتة منهم. ولا يزالون يحفظون أنهم من أصل تركي. ولعل ما وقع فيه صاحب السجل من الغلط ناشئ من بعض أبيات قالها ابن مرتضى أفندي
وهو عبد الله أفندي المفتي كما يأتي الكلام عليه.
وقد ذكر السجل أنه توفي سنة 1136 وأنه ولد في بغداد. أما ذهابه إلى الآستانة فلم يذكره سوى صاحب السجل. وأظن أنه ليس بصحيح. وإلا لذكر ذلك معاصره سالم أفندي قاضي العسكر الذي شاهد مؤلفه وهو (كلشن) ومؤلف أخيه (شرح وصاف) المار ذكره. ويظهر من تدقيق النظر في مؤلفاته أنه عاش بعد سنة 1130 ومن المتيقن أن الالتباس في تاريخ وفاته ناشئ من أن أخاه توفي سنة 1130 فحصل بسبب ذلك الاشتباه وعلى كل حال أن مرتضى أفندي شاعر وأبياته في مؤلفاته كثيرة وكاتب مجيد فهو من الكتاب القديرين وأن كتبه كلشن وذيل سيرنابي وتذكره الأولياء وتاريخ تيمور تدل على مهارة أدبية وقابلية كبيرة وقدرة على الإنشاء. وغاية ما يقال عنه أنه رجل اختصاصي في التاريخ العراقي والتاريخ الإسلامي الذي له علاقة به فالعراق بحق يفتخر به. وقد أطراه صاحب الدوحة اطراءاً وكذا صاحب مرآة الزوراء ووصفة بما يليق به.
مؤلفاته:
1 -
تذكره الأولياء المسمى (جامع الأنوار في مناقب الأبرار)
أن مرتضى أفندي لم يكشف ببيان تاريخ هذا المحيط من الوجهة السياسية والحربية وتسلط الحكومات عليه بل أنه كتب التاريخ الإسلامي بتمامه تقريباً من نقطة علاقته بالعراق وموضحاً لجراه ولذا نراه قد ذيل سيرنابي وكتب كلشن خلفاء وترجم تيمور. ولكنه توسع من ناحية أخرى فذكر مشاهير رجال العراق المشهورين بالصلاح والتقوى. ويظهر لأول وهلة أنه ألفها بعد التاريخ إلا أن مراجعة نفس الأثر تبين أنه قبل سائر مؤلفاته المعروفة.
ذكر مشاهير رجال العراق في الصلاح والتقوى فبعد أن ذكر بعض الأنبياء مثل يوشع وذي الكفل عليهما السلام تقدم لبيان الأولياء والمشاهير من الفقهاء والمتصوفة والزهاد واعتمد على كتب معروفة كالنفحات للجامي وطبقات الشعراني وابن خلكان والصواعق وروضة الصفا إلى غيرها وعلى حكايات وروايات منقولة مما وصل إليه.
وفي هذا الكتاب كشف اللثام عن قسم مبهم لو لم يوضح عنه ولم يكتب لما
كان تمكن أحد من الوقوف على أحوال الكثيرين ولبقبت أحوالهم في عماء عنا كتبه في بادئ الأمر مختصراً ومجملاً في زمن السلطان محمد خان العثماني للوالي ببغداد آنئذ وهو إبراهيم باشا الطويل (أوزون إبراهيم) سنة 1077 هـ. وكان هذا الوالي راغباً كثيراً في تحقيق الأولياء والأبرار فطلب من المؤلف أن يقوم بتأليف يوضح أحوالهم ويبين مناقبهم.
ثم أنه بعد ذلك ورد لبغداد وال آخر وهو إبراهيم باشا أيضاً فدخلها في جمادي الثانية سنة 1092 فاستطاع هذا أيضاً أخبار الأخبار فطلب من المؤلف إكمال الكتاب المذكور. وحينئذ راجع المؤلف المصادر المذكورة وغيرها فأكمل نقصه ونقح وذيل فأبرزه بشكله الموجود.
ومن هذا الأثر نسخة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد تحت رقم 2442 من موقوفات سليمان باشا على مدرسة السليمانية وقفها سنة 1198 وهي خطية سطور الصفحة منها 19 سطراً وطولها 21 سنتيمترا وعرضها 15 سنتيمترا وصحائفها 178 كتبت في 15 صفر سنة 1155 وأظن أنها الخطية الوحيدة فلم أعثر على غيرها. وأولها: أي دوست علم وأجب الوجود أو لان اسم جلال سرسورة أسماء جلال وجمال الخ. وقد كتب في أعلى الصفحة الأولى (كتاب تذكرة الأولياء ومراقد الأصفياء في أطراف بغداد دار السلام). أما المؤلف فأنه سماها في صلب مقدمة الكتاب (جامع الأنوار في مناقب الأخيار).
وهذه النسخة تنقد من جهة أن الإعلام كان يكتبها ناسخها أحمر ولكنه تركه أخيراً وتهاون
في الخط أيضاً. ومع كل هذا فهي مما يعول عليه. لأنها كتبت في وقت قريب من زمن المؤلف فهي ثمينة من هذه الجهة ولم تدخلها أغلاط النساخ العديدة.
ونظراً لأهمية هذا الأثر اضطر علماؤنا إلى نقله وتعريبه إلى لغة الضاد فكان ذلك نصيب اثنين لا يدري أحدهما بالآخر على ما يظهر وهما:
1 -
السيد أحمد أفندي أبن السيد حامد آل الفخري الموصلي بإشارة من سعد الله بك نجل الوزير الحاج حسين باشا ترجمه عن التركية والأصل لمرتضى
أفندي الشهير بنظمي زاده لما كان والياً على بغداد سنة 1092 وهي بخط المعرب (كذا) قال صاحب مخطوطات الموصل في الصحيفة 122 تحت عنوان (ترجمة أولياء بغداد) والحال أن المؤلف لم تعهد إليه ولاية بغداد فالقول بذلك غلط تاريخي لا يغتفر من الفخري. ومن هذا التعريب نسخة في المتحفة البريطانية أيضاً.
2 -
عيسى صفاء الدين أفندي البندنيجي المتوفي ليلة الأحد 17 رجب سنة 1283 والأصل لمرتضى أفندي نظمي زاده أوله: الحمد لله الذي بذاته في منصة الأحدية الخ. وقد شاهدت نسخة منه خطية عند حفيدة صفاء الدين أفندي قبل بضعة أشهر وأخرى في مكتبة الأب انستاس الكرملي وصحائفها 606 ولم يبين مؤلفها تاريخ تعريبها إلا أنه يقول كان هذا التعريب إنما تم بالحاج من السيد محمود أفندي النقيب والسيد محمود أفندي الالوسي وكانا معاصرين له سوى أنه لم يذكر أنها لمرتضى أفندي وأظن أن النسخة الموجودة لدى الصديق لدى الصديق صفاء الدين أفندي شيخ التكية البندنيجية هي الأصل. وقد قال عنه المرحوم شكري الالوسي: أجاد فيه غاية الإجادة حتى شهد له بالفضل أهل العلم واستحسنه الأباء. انتهى.
نعم أن نقل هذا الكتاب إلى العربية كان نصيب اثنين لا يدري أحدهما بالآخر على أقوى احتمال سوى أن هاتين الترجمتين لم يجر تدقيق النظر فيهما لتحصل المقابلة بينهما فينتقي الأحسن وينبه على مواطن الغلط أو السهو في كل منهما. ومن السهل الحصول على النسختين المذكورتين لمن هو راغب في إذاعة الصحيح واختيار الأصلح بإضافة بعض التعليق لإتقان العمل وإكماله.
ويهمنا في هذا المقام بيان مكانة هذا الرجل الذي يكاد يكون قد وقف حياته الطويلة في
تدوين تاريخ العراق وإيضاح الكثير من صفحاته وغوامضه المبهمة.
2 -
ذيل (درة التاج في سيرة صاحب المعراج)
أن درة التاج في سيرة الرسول (ص) معتبرة لدى الترك القدماء. وهي للمرحوم ويسي أفندي (أويس أفندي أبن محمد) المتوفي سنة 1037هـ حينما كان حاكما في أسكوب. وهو شاعر وناثر مشهورة بالهجو وكان أبوه قاضياً. وهو من قصيدة (الأشهر) بخلاف ما جاء في كشف الظنون كما نبه على ذلك في قاموس
الإعلام. ولما توفي كان عمره 68 عاماً. تولى القضاء في أسكوب سبع مرات ولذا توهم صاحب الكشف أنه من أهليها. وهو أبن أخت (مقالي) الشاعر المتوفي سنة 992هـ وقد تحدى الأدباء تحريره مدة طويلة ونثره معتبر أكثر من نظمه إلا أنه لا يروق أهل هذه الأزمان لما فيه من التأنق واستخدام المحسنات اللفظية والتراكيب الصناعية مما أدى إلى تعقيده بحيث يحتاج فيه المرء إلى ترجمان ويقال لسيرته هذه (سيرة ويسي) أيضاً كما يقال لها (مكي ومدني) وله رسالة في الانتصار للجوهري على صاحب القاموس وأخرى في نوادر اللغة العربية.
صدر كتابه ببيتين فارسيين وفي أثناء تحريره غزوة بدر الكبرى عاجلته المنية وهذه السيرة مطبوعة في الآستانة وعندي منها نسخة خطية مجموعة مع ذيولها الآتية. وهي:
ذيل سير نابي: قد كتب يوسف نابي أفندي ذيلاً على هذه السيرة (درة التاج) المذكورة طبع في مصر في جمادي الثانية سنة 1240 وهذا المؤلف يعد من أعاظم الشعراء العثمانيين. وله ديوان مطبوع. وهو من أهل أرفا (أورفه أي الرها) وفي زمن السلطان محمد الرابع ذهب إلى الآستانة فتولى عدة مناصب وتوفي سنة 1124 ويحكى أنه قال قبيل الوفاة (نابي بحضور أمد) فصار تاريخاً لوفاته، وله هذه السيرة المعروفة (بذيل سيرنابي) أو (سيرحبيب اكرم).
(ذيل مرتضى أفندي): وهذا هو الذيل الثاني لسيرة ويسي. فرغ منه مؤلفه سنة 1121 كما صرح به في النسخة الخطية الموجودة عندي المحتوية على الأصل (درة التاج) وذيل سيرنابي (المذكورتين وهذه الثالثة أقدم على إكمالها مرتضى أفندي بعد أن أحجم كثيرون عن الجري وفق نهجها وقد أطرى مرتضى أفندي صاحب الأصل وصاحب الذيل الأول وذكر أنه ألقى دلوه في الدلاء وأن كان لا يدرك شأو من سبقه. ولما كانت بلسان أدبي
أحجم عن إكمالها غيره وتمت على يده. وهذا ينم عن مقدرة وتفوق وقال: أن هذا عمل شاق ووضع صعب بالنظر للأدب العصري في زمنه. وأما اليوم فقد تغير الوضع وتوجهت
الاستقامة الأدبية إلى نهج جديد من مراعاة الترسل واتباع قاعدة التبليغ عن المرام بأسهل طريقة. ولم أجد ضرورة أجد تدعوا إلى وصف هذه النسخة لمبذولية هذا الأثر وشيوعه. وعندي نسخة أخرى مجدولة ومكتوب في صدرها (تأليف مرتضى جلبي نظمي زاده) وهي نسخة نفيسة لولا أنها مخرومة الصفحة الأخيرة وقد أكملت بخط آخر.
3 -
كلشن خلفا
أن هذا المؤلف هو واسطة اشتهار مرتضى أفندي: أوله مطلع أنوار كلام قديم ميمنة أفزاي أمور جهان الخ وقد أحله الترك مكانة سامية وطبعوه في مقدمة الكتب التي نشروها في الآستانة في مطبعة إبراهيم متفرقة سنة 1143 وصحائفه 260 واشتهر عندهم وعرف أكثر مما عندنا والذين يقدرون عندنا هذا المؤلف قليلون. وأكبر مشجع للترك في طبعة هو أنه يروج سياستهم في الخارج وفي العراق ويجعل لهم المكانة العليا مما لم يحلم به الترك أنفسهم من بيان الدواعي والأسباب حتى أنه لم يقتصر على ترويجها عند ذكر العثمانيين فحسب بل روجها في جميع صفحات تاريخه حتى عند ذكر هلاكو وانتقال الخلافة إلى مصر، فنراه يندد بالخلفاء المتأخرين ويحط من سياستهم ويعد ظهور العثمانيين نعمة لحماية الخلاقة ويبتدئ تاريخه من أوائل العباسيين وينتهي في سنة 1130هـ.
كتب هذا التاريخ سنة 1100 هـ زمن الوالي عمر باشا السلحدار وذكر في نفس التاريخ لهذا الوالي أبياتا وعارضها بنظم له لطيف راجع (الورقة 107) من الكتاب وتسلسلت حوادثه إلى سنة 1130 وهو على اختصاره لا نجد في غيره من الحوادث ما يجلو عنها أو يكشف الستار عن حقائقها إلا قليلاً. فلولاه لما أمكن للناس الإطلاع التام على الحوادث كما ذكرها هو فأن كتابة يضم في مطاويه مباحث كبيرة عن حالة العراق وجباية أمواله والتبدل الحاصل فيها وذكر وزرائه وعماراته. وبالأخص أن تاريخ العثمانيين غامض من أوائل دخولهم العراق إلى زمن السلطان مراد الرابع وما يليه. فما وجد في غيره مقطوع غير موصل. وقد أثنى صاحب تذكرة سالم على هذا التاريخ إلا أنه
نقده في أن تركية قديمة لا تأتلف هي واللغة الدارجة (في ذلك الزمن).
وهذا التاريخ اعتنى به المؤرخون العراقيون بعدة وإلى اليوم لكني لم أر له نسخة خطية سوى نسخة واحدة مخرومة الأول والآخر والمظنون أنها كتبت في زمان المؤلف. شاهدتها وهي من كتب الصديق الفاضل يعقوب أفندي سركيس ومن أهم الكتب التي ذيلت به (دوحة الوزراء) لرسول حاوي أفندي تتضمن حوادث أكثر من مائة سنة تبتدئ من حيث انتهى وتمتد إلى سنة 1237 الهجرية وفي هذا الذيل تفصيل أكثر وسعة في المباحث وسأفرد له مقالاً خاصاً.
وعلى هذا الذيل ذيل آخر وهو (مرآة الزوراء) مكمل للدوحة ومعقب لحوادثها. كتب بقلم أكبر العارفين بتاريخ هذا المحيط للمدة الأخيرة وهو (سليمان فائق بك) أبن الحاج طالب كهية ووالد حكمت بك سليمان ومحمود شوكت باشا، وسأفرد لهذا الفاضل أيضاً مقالاً أثر الكلام على صاحب الدوحة ومن الله المعونة.
ثم تقف الحوادث ولم توصل بذيل ولا بغير ذيل ولكن أوراق الحوادث (الجرائد) أخذت تنتشر فلم يبق خفاء. وقد بان المبهم ووضع الصبح لذي عينين فتكاثرت المباحث عن أحوال هذا المحيط.
ومع هذا فأن مجاهله الكثيرة لا تزال غامضة ولم يتكلم عنها أحد. وعلى أي الأحوال بقيت غوامض وفي الإطلاع عليها شوق وأن النفوس تتطلبها.
(لغة العرب: وصف كلشن خلفا والمخطوط الذي في خزانتنا).
ذكر حضرة الصديق العزيز الأستاذ عباس أفندي أنه لم يجد من (كلشن خلفا) سوى نسخة واحدة خطية مخرومة الأول والآخر وهي للصديق الفاضل يعقوب أفندي سركيس وعندنا نحن أيضاً نسخة خطية ودونك وصفها:
(طول الكتاب 32 سنتيمترا في عرض 19. وعدد صفحاته 250 ما عدا المقدمة التي في 11 صفحة وكلها مجولة بالأزرق جدولاً مزدوجاً تبتدئ بالهمزة وتنتهي بالكاف. ورق النسخة كله أزرق مسطر من أصل وضعه. وفي كل صفحة 25 سطراً دقيق الكتابة بخط الرقعة طول المكتوب منها 23 سنتيمترا في عرض 14. وتبتدئ المقدمة بقوله: (محامد ذاكيات أول مبدع كائنات وموجود مصنوعات جنابنك إتحاف كرده معلا. . . إلى آخر ما
هناك. وفي صفحة ك نقش عربي أزرق. وفي ص 1 نقش آخر بالأخضر والأزرق
والأبيض والأحمر يمثل جنبذة حمراء وعن يمينها ويسارها غصنان أخضران من أغصان الورد. وعناوين الفصول موضوعه بين خطين مزدوجين أعلى وأسفل مرسومين بالأزرق وتنتهي النسخة بقول الناسخ ما هذه حروفه بنصها: (تم الكتاب بعون الملك الوهاب في عشرين رمضان المباركة سنة ثنين وتسعين بعد المائتين والألف على يد أفقر العباد آمين مصطفى البندتيجي) والسطر الأخير الذي يبتدئ: (بعد المائتين يختلف خطه عن خط سائر الكتاب والظاهر أن أسم الناسخ الصحيح محي بإمرار إصبع مبلولة على السطر الأخير وإبداله بهذا السطر الجديد وبوضع اسم غير الاسم الحقيقي. وهذا ما يجعل النسخة نفيسة في عينينا لأن هذا العمل يدل دلالة صريحة على أن هناك أناساً يريدون أن يبقى أسمهم معروفاً عند الأجيال الجديدة من غير أن يكلفوا نفوسهم عناء النسخ والكتابة اهـ. كلامنا.
4 -
تاريخ تيمورلنك
هذا ترجمة مرتضى أفندي إذ نقل من اللغة العربية إلى اللغة التركية كتاب (عجائب المقدور في نوائب تيمور) لأحمد بن محمد بن عربشاه الحنفي المتوفي سنة 854هـ. وقد قال صاحب كشف الظنون: ترجمه الفاضل الأديب المرتضى المعروف بنظمي زاده البغدادي. وكان حياً سنة 1130 وهذا التاريخ كما يظهر من بيانات صاحب الكشف أنه هو المسمى (تيمور نامة) وهو النسخة الأولى التي ترجمها مرتضى أفندي بوضعها الأصلي وتسجيعها وبديع إنشائها أي نسخة طبق الأصل المنقولة عنه. وقد كتبت هذه النسخة وهي النسخة الأولى لوالي بغداد علي باشا سنة 1110هـ وأما هذه النسخة وهي (تاريخ تيمورلنك) فأنها كتبت للوزير الحاج إسماعيل باشا والي بغداد الذي تولى بغداد (سنة 1110: 1111) بعد تلك النسخة قال في سنة 1131 والظاهر أن هذا غلط من الناسخ وصحيحها سنة 1111 وبناء على طلبه جعلها خالية من السجع وبلسن اعتيادي خلاف النسخة الأولى كما أوضح ذلك في مقدمة هذه النسخة. وفيها زيادات عن أولاد تيمور ولوحق مهمة لا يستغني عنها. وقد ماتت النسخة الأولى فلم نجد لها خبراً وانتشرت الثانية وقد طبعت في الآستانة في مطبعة الجريدة سنة 1277 ولهذا التاريخ علاقة بحوادث العراق فلذا أقدم مترجمنا على نقله إلى
التركية. أما الأصل وهو (عجائب المقدور) فقد طبع في أوربة ومصر مراراً عديدة واعتقد أن الأصل لا يغني عن الترجمة لمقابلة الإعلام بعضها ببعض والتوثق من
صحتها زيادة على ما مر بيانه وأول الترجمة لمرتضى أفندي: الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد الخ.
والحاصل أن هذه الآثار التاريخية تبدو قيمتها لأول نظرة. ومن دقق النظر فيها قدر أتعاب الرجل وخدماته لهذا المحيط فهو من أكابر أبنائه البررة في العلم والفضل والأدب، وقد قال إبراهيم فصيح أفندي الحيدري في كتابه (عنوان المجد في بيان بغداد والبصرة ونجد): ومنها أي بيوت بغداد بيت نظمي زاده وهو من البيوت القديمة الرفيعة. وكانوا أصحاب قلم) اهـ إلا أنه لم يذكر أحداً من أفراد هذا البيت ومشاهيرهم (راجع: ص 124 من النسخة الخطية) حتى أنه لم يعلم أن عبد الله أفندي المفتي أبن مرتضى أفندي منهم ولذا ذكره بعنوان بيت مستقل ولم يشر إلى هذا (راجع ص 116) واعتقد أن الذي أوقعه في الغلط عدم معرفته البيوت وحقيقة شهرتها وإنما أخذ أنباءه من أناس مختلفين فدون ما سمعه دون ترو وتحقيق. وبمرتضى أفندي هذا انقطع الانتساب إلى نظمي زاده وغطت شهرة مرتضى أفندي كل من سبقه.
ومن معاصريه ومعاصري أخيه من أدباء الترك العراقيين:
1 -
يوسف عزيز المؤرخ العراقي وهو من بغداد.
2 -
الفتي. واسمه حسين أفندي كان يستخدم كاتباً لكهيات بغداد. وقد ائتلف مع الكتخدا لمصطفى باشا دال طبان وصحبه إلى الآستانة مغتراً بهذه الصحبة فلم ينل مرغوبه وعاش عيشة منغصة (راجع تذكرة سالم).
وأرى في هذا كفاية. والمقال الآتي يتعلق بمن يليه من أولاد مرتضى أفندي الذين هم من هذه الأسرة ومنه تعالى المعونة.
المحامي: عباس العزاوي
(لغة العرب) هذا البحث المفيد لصديقنا عباس أفندي العزاوي يتصل بالمقال الذي دبجه حضرة الأديب يعقوب أفندي نعوم سركيس في هذه المجلة (7: 518 إلى 527).
محلة المأمونية وباب الأزج والمختارة
-
أن تعيين المحلات والاقرحة والشوارع والعقود والقصور القديمة في بغداد من أصعب تحقيقات التاريخ والجغرافية وأبعدها عن التثبت والإيمان غير أن التقريب والاسترجاح والاستدلال تخفف من هذه الصعوبة وتقرب من الإيقان أو نصف الإيمان، وما قول القارئ ونحن نريد أن نعين محلة المأمونية في الجانب الشرقي من بغداد وذلك بعد أحد عشر قرناً ونصف لتسميتها وإبتناء أولها؟.
كنا قد ذكرنا في مقالتنا عن قصر المأمون شيئاً من أخباره (8: 343) نقلاً عن مادة (التاج) من معجم البلدان وتصرفنا فيه رعاية للمراد والآن ننقل بعض النص لتعلقه بمحلة المأمونية قال ياقوت عن القصر: ثم انتقل إلى المأمون فكان من أحب المواضع إليه وأشهاها لديه وأقتطع جملة من البرية عملها ميداناً لركض الخيل واللعب بالصوالجة وحيزاً لجميع الوحوش وفتح له باباً شرقياً إلى جانب البرية وأجرى فيه نهراً ساقية من نهر المعلى وابتنى مثله قريباً منه منازل برسم خاصته وأصحابه سميت (المأمونية) وهي إلى الآن (الشارع الأعظم) في ما بين عقدي (المصطنع) و (الزرادين). فعقد الزرادين آخر المأمونية جنوباً على ما يأتي وقال ياقوت في مادة (المأمونية) من معجمه ما مثاله: (المأمونية منسوبة إلى المأمون أمير المؤمنين عبد الله بن هرون الرشيد وقد ذكرت سبب استحداث هذه المحلة في التاج والقصر الحسني وهي: محلة كبيرة طويلة عريضة ببغداد بين نهر المعلى وباب الأزج عامرة آهلة) قال أبن خلكان في وفياته (2: 355) عن ياقوت (وتوفي يوم الأحد العشرين من شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة في الخان بظاهر مدينة حلب) فالمأمونية قبل وفاته عامرة وطالما دعا في معجمه لإطالة بقاء الناصر لدين الله.
قال ياقوت في مادة (الريان) ما عبارته والريان أيضاً محلة مشهورة ببغداد
كبيرة عامرة إلى الآن بالجانب الشرقي بين (بابا الأزج) و (باب الحلبة) و (المأمونية) قلنا: وهذا التحديد كأنه يشمل اليوم غربي (الصدرية) ويشمل (العوينة) لأن المأمونية طويلة عريضة فيرجح انتهاؤها إلى (جامع شيخ سراج الدين) اليوم.
وقال في مادة (منظرة) ما نصه (منظرة الحلبة موضع مشرف ينظر منه وهي منظرة
محكمة البنيان في وسط السوق في آخر محلة المأمونية ببغداد قرب الحلبة كان أول من بناها المأمون وكانت في أيامه تشرف على البرية والآن فهي في وسط البلد ثم أمر المستنجد بالله بنقضها وتجديدها على ما هي اليوم، جعلت لمجلس (كذا أي ليجلس) فيها الخليفة ويستعرض الجيوش في أيام الأعياد) وقال في مادة (الحلبة) ما نقله:(والحلبة محلة كبيرة واسعة في شرقي بغداد عند باب الأزج وفي مواضع آخر) ولا يبعد من ذهن القارئ أنه ذكر أن منظرة الحلبة في وسط بغداد على عهده وعد وسط بغداد آخر محلة المأمونية ووسط بغداد لا يتجاوز محلة العوينة اليوم.
ويقرب من محلة (الريان) قطيعة العجم فقد قال ياقوت في مادة (قطيعة) ما صورته (قطيعة العجم ببغداد في طرف المدينة بين باب الحلبة وباب الأزج والريان محلة كبيرة عظيمة فيها أسواق كأنها مدينة برأسها). قلنا: ولكونها في طرف بغداد الشرقي يظهر أنها كانت بين الباب الشرقي الآن وباب الطلسم اليوم وشمال الريان قديماً كانت بموضع محلة الفناهرة اليوم إلى محلة الأرامنة التي استحدثوها في زماننا بين الباب الشرقي وبابا الطلسم مما خندق سور بغداد المهدم.
والذي يطالع تحديد ياقوت يصعب عليه المطابقة لأن تعظيمه المحلات مبالغة واقتصاره على حدود بعيدة قليلة يهز العقل هزاً عند التحقيق لأن ذلك الوصف يظهر المحلات متداخلة بعضها في بعض كل التداخل.
عقد المصطنع في شمال المأمونية
وقال ياقوت في مادة (قرح) ما عبارته (وذلك أنك تخرج من رحبة جامع القصر مشرقاً حتى تتجاوز عقد المصطنع وهو بابا عظيم في وسط
المدينة، فهناك طريقان أحدهما ذات اليمين إلى ناحية المأمونية وباب الازج والآخر يأخذ ذات الشمال مقدار رمية سهم إلى درب يقال له درب النهر). وكأنه يشير إلى الطريق الذي يتجه اليوم من مركز الشرطة المذكور إلى (سوق حنون) شمال عقد المصطنع ولإثباتنا أن المأمونية جنوب عقد المصطنع وأن هذا العقد هو اليوم قرب عقد القشل من الشمال تكون محلة المأمونية من عقد القشل إلى الريان وبابا الأزج ويبطل قول المؤلف لكتاب عمران بغداد في ص 104 منه ما عبارته:(محلة المختارة أي عقد القشل الحالي). والعجب أنه ذهب إلى هذا مع قوله
في أول الصفحة المذكورة (ومن الأمور التي يجب الإشارة إليها في هذا الباب هي (كذا) اعترفنا بالعجز في تعيين المواضع الحقيقية لمحال بغداد السابقة وتطبيقها على المحلات الحالية) وذكر في ص 56 من الحوادث الجامعة تحارب أهل المأمونية وأهل باب الأزج ومن ذلك قوله (وكان ابتداء المصاف من عقد المصطنع).
باب الأزج
قال ياقوت في مادة (ازج) ما نصه: (باب الازج: محلة كبيرة ذات أسواق كثيرة ومحال كبار في شرقي بغداد فيها عدة محال كل واحدة منها تشبه أن تكون مدينة) وذكر العلامة (لسترنج) في خارطة ص 263 من كتابه تاريخ بغداد محلة (باب الازج) في ما يقابل اليوم مسجد السيد سلطان على ممتدة إلى ما يقابل القنصلية الإنجليزية ولكنه أبعدها عن دجلة. وذكر (المدرسة النظامية) قبر قصر النقيب على شاطئ دخلة بالباب الشرقي وهذا غريب منه لأمرين أولهما أن محلة باب الازج ممتدة إلى دجلة وثانيهما أن هذا الموضع ليس بموضع المدرسة
النظامية وإنما يترجح أنه محل (مدرسة الأصحاب) فقد نقل أبن خلكان في (1: 245) من تاريخه عن علي بن محمد بن يحيى المعروف بثقة الدولة أبن الأنباري ما صورته: (كان من الأماثل والأعيان واختص بالإمام المقتفي لأمر الله وكان فيه أدب ويقول الشعر وبنى مدرسة لأصحاب الشافعي على شاطئ دجلة بباب الازج وإلى جانبها رباطا للصوفية ووقف عليها وقفاً حسناً وسمع الحديث).
وقال ابن العبري في ص 363 من تاريخه ما اصله: (وفي سنة أربع وخمسينئ (أراد بعد الخمسمائة) ثامن ربيع الآخر كثرت الزيادة في دجلة وخرج القروج فوق بغداد فامتلأت الصحاري وخندق البلد ووقع بعض السور فغرق بعض القطيعة وباب الازج والمأمونية ودب الماء إلى أماكن فوقعت) اهـ. قلنا: وقد وضع العلامة لسترنج (القطيعة) جنوب باب الحلبة الذي سمته العامة في هذا العهد (باب الطلسم) فصارت في شرق المأمونية وجعل في جنوب المأمونية (محلة الريان) وفي غربها دار الخلافة وفي داخل المأمونية قبر الشيخ عبد القادر الجيلي مع أن القبر في محلة باب الازج والمأمونية لا تصل إلى قبر الشيخ المذكور والدليل على ما قلنا ما ورد في ص 27 من نسختنا الخطية للحوادث الجامعة ونصه (وفيها (أراد وفي سنة 633) توفي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد الرزاق أبن أبي محمد
عبد القادر الجيلي الفقيه الحنبلي الواعظ شيخ وقته ومقدم مذهبه. ودرس في مدرسة جدة بباب الازج) وجد دفن في مدرسته. أما محلة الريان فقد حصرها ياقوت بين باب الازج وباب الحلبة ومحلة المأمونية وسيأتي ذكرها.
وورد في ص 98 من الحوادث عن الغرق: (وصلى أهل باب الازج في مصلى العيد بعقد الحلبة) وذكر في حوادث سنة 640 ما نصه: (في يوم الخميس خامس عشر رجب ركب المستعصم بالله في شبارة ومعه شرف الدين إقبال الشرابي وعز الدين مرشد الهندي المستعصي واصعد في دجلة إلى مشرعة الكرخ وعاد منحدراً إلى باب الازج ثم عاد إلى داره) وفي ص 56 منه (فجاء قوم من رجال المأمونية ليجتازوا في باب الازج فمنعهم أهل باب الازج أن يعبروا عليهم وسيوفهم مشهورة) وذكر في حوادث سنة 629هـ ما عبارته
(وفيها جرت فتنة بين أهل باب الازج وأهل المختار وتراموا بالبندق والمقالع والأجر وتجالدوا بالسيوف فقتل من الفريقين وجرح جماعة فتقدم في عشية اليوم التالي بخروج الجند وكفهم عن ذلك فخرج نائب باب النوبي ومعه جماعة من الجند فكفهم وقبض على جماعة منهم فضربهم وقط أعصابهم وحبسهم فسكنت الفتنة واتصال الأزجيين بالمختاريين يستوجب الإيضاح.
المختارة
أما المختارة التي مر ذكرها جعلها العلامة لسترنج في خارطته المذكورة غرب باب الظفرية (أي الباب الوسطاني اليوم) ممتدة إلى السور في شرق باب السلطان (أي باب المعظم) فما أبعد المسافة بين باب المعظم وباب الشيخ فهذا يؤكد الغلط المرتكب في كتاب عمران بغداد من أن محلة المختارة هي (عقد القشل اليوم) ونحن لا نشك في أن أهل المحلتين تزاحفوا خارج السور من شرقي بغداد فتحاربوا وقد أوضح ياقوت الطريق من عقد المصطنع إلى المختارة في مادة (قراح) بقوله: (والآخر يأخذ ذات الشمال (أي شمال الماشي من جامع سوق الغزل إلى مركز شرطة قاضي الحاجات في هذا العصر) مقدار رمية سهم. . . ثم يمتد قليلاً ويشرق فحينئذ يقع في قراح (ابن رزين) فإذا صار في وسطه فعن يمينه درب النهر واللوزية وعن يساره المحلة المقتدية التي استحدثها المقتدي بالله ثم يمر في هذه المحلة (أعني قراح أبن رزين) نحو شوط فرس جيد فحينئذ ينتهي إلى عقد
هناك وباب فإذا خرج منه وجد طريقين أحدهما يأخذ ذات الشمال يفضي إلى المحلة المعروفة (بالمختارة) اهـ ويظهر لنا مما مضى أيضاً أن الواقف في وسط قراح أبن رزين يكون عن يمينه درب النهر واللوزية وقد تحققنا أن لسترنج وضع محل اللوزية بخريطته شرقي محلة قنبر علي وعباس
أفندي اليوم.
وورد في حوادث سنة 640 من الحوادث الجامعة: (ويعقب ذلك وقوع فتنة أخرى بين أهل المختارة وسوق السلطان وقتل بينهما جماعة) وسوق السلطان على ذكره لسترنج هو سوق الثلاثاء ويمتد من باب المعظم إلى الجنوب مخترقاً ما يسمى اليوم (الميدان) فالمختارة في شرق محلة سوق السلطان والتباسها بمحلة القشل من أقابح الأغلاط وأفاظعها.
مصطفى جواد
أسرة الحاج الميرزا تقي السبزواري
الحاج الميرزا تقي هو أحد علماء الشيعة الأتقياء الذين قضوا أعمارهم في خدمة الدين والعلم. وهو أبن الميرزا كاظم أبن الميرزا أبي القاسم أبن الميرزا رضي أبن السيد محمد وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.
الحاج الميرزا تقي من أسرة نبيلة كانت أقامتها في (باشتن) من قرى سبزوار ثم هاجر جده الأدنى الميرزا أبو القاسم إلى (فوشتك) من قرى سبزوار فكانت أسرته فيها إلا أن حفيده الحاج الميرزا تقي بعد أن ترعرع وشب تحول إلى سبزوار وأقام فيها مدة ليستقي العلوم من مدارسها ثم أرتحل إلى النجف في عهد الشيخ مرتضى الأنصاري فتتلمذ له برهة من الزمن.
لبث الحاج الميرزا تقي في النجف مدة ثلاثين عاماً ثم أقفل إلى سبزوار وقد أخذ نسيبه من العلوم ولم يزل دأبه خدمة الدين وشعاره التقوى حتى مات وكان بعد رجوعه من العراق إماماً في مسجد الجامع بسبزوار.
زار الحاج الميرزا تقي وقام برحلات عدة إلى العراق وفي عودته من رحلته الأخيرة (في سنة 1310هـ - 1893م أو في سنة 1311هـ 1894م) توفي بشاهرود ودفن فيها وله مؤلفات في علم أصول الفقه (تحوي محاضرات أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري) لم تزل مخطوطة.
عميد هذه الأسرة اليوم هو الحاج الميرزا حسين المعروف بالصغير وهو من مشاهير المجتهدين والفقهاء وهو ختن السيد محمد مهدي العلوي (حموة).
ولد الحاج الميرزا حسين هذا أبن الحاج الميرزا تقي (المذكور آنفاً) في سبزوار في عام 1396هـ - 1879م وقرأ مبادئ العلم فيها وفي سنة 1308هـ 1891م سافر إلى العراق فتلقى فيها علمي الفقه والأصول من بعض أعلام النجف وفي سنة 1324هـ - 1906م آب إلى وطنه سبزوار ولم يزل مثابراً على الإمامة بمسجد الجامع بسبزوار والتدريس وخدمة الدين الحنيف حتى كتابه هذه السطور. حج أم القرى مرتين الأولى في عام 1338هـ - 1920م والثانية في عام 1341هـ - 1923م وهو الآن على أهبة السفر إليها للمرة الثالثة.
السيد خبير المازندراني
نسختنا الخطية لدوحة الوزراء
في خزانتنا نسخة خطية من هذا الكتاب مفتتحة بهذه العبارة (أشبو كتاب مستطاب ذيل كلشن خلفاء المسمى دوحة الوزراء تاريخ وقائع بغداد الزوراء أثر أديب كامل وتحرير فاضل كركوكلي الشيخ رسول أفندي عليه الرحمة (رحمة) المعيد المبدي.
وفي آخرها: قد تم وبالخير عم يوم الاثنين في 13 شوال سنة 1336 أو في 22 تموز سنة 1918م.
مكتوب بعد ذلك ما هذا بحرفة (قال الأب انستاس ماري الكرملي مستنسخ هذا الكتاب: نقلت هذه النسخة عن السفر الذي خط على نسخة المؤلف. وكانت محفوظة عند حضرة الشيخ الجليل محمود شكري الآلوسي فأعارني إياها على ما عهد فيه من حب العلم ونشر أعمال السلف ومؤلفاتهم وكانت هذه النسخة الآلوسية بحجم هذه ولهذا اخترت لها ورقاً بقدر ورقها وعدد سطورها كعدد هذه. وكذلك قل عن عدد الصفحات. ولله الحمد أولاً وأخراً.
فوائد لغوية
الإنكار وأدواته ومرادفاته وأصلها
من أدوات الإنكار عندنا: (لا) وفي لغات الغرب - و (لا) من أدوات النهي أيضاً. وللنفي يستعمل في لغتنا (ما) تقول مثلاً: ما عندنا دراهم وأنت تريد أن تنفي وجودها عنك فما أصل هاتين الأداتين؟.
الذي عندنا أنهما من أصل واحد هو (نا) كما في اللغة اللاتينية وما تفرع منها. وكانت (نا) عندنا في قديم العهد تقوم مقام (لا) الناهية و (ما) النافية قم نقلها السلف في واغل القدم إلى صورتين متقاربتين في اللفظ والمعنى هما الأداتان اللتان ذكرناهما. والدليل على رأينا هذا أن الفرس جيراننا اتخذوا (نا) في لغتهم بهذا المعنى. والثاني أننا نحتنا منها أفعالاً تدل على نحن في صدده من ذلك:
(نفي) فأنها مركبة عندنا من النون المقطوعة من (نا) النافية والفيء الذي يعني تحول الظل من موطن إلى موطن والوجود في ظل الشمس أو مطلق الوجود كأنك تريد في قولك: نفيت فلاناً من البلد: إزالته عنه ولم يبق في فيئه.
و (نهى) منحوتة من النون المذكورة و (هو) التي أصلها (هوة يهوه) أي وجد يوجد. فالنهي أيضاً من هذا القبيل وهو الزجر عن إتيان الشيء والمنع عنه والأمر بما يخطر عمله. فإذا نهيت امرءواً عن كذا فأنك تمنعه عن إتيانه أو عن تحقيقه في حيز الوجود.
و (نكر) الشيء داخل في هذا الباب، وهو عندنا منحوت من نون الإزالة و (كر) الدالة على إعادة الشيء مراراً. فإذا أنكرت الدين الذي عليك لصاحبك فكأنك تقول له: نا، نا، نا (أي لا مكررة) أي لا دين لك علي وأنت تكرر عليه هذا الأمر. ومن الغريب أن نكر يشبه اللاتينية معنى ومبنى.
وعلماؤهم يقولون أن الكلمة الرومانية مركبة من (أي لا أو ما أو (نا)) (أي عمل) فيكون معناها لا عمل أي لا تعمل، وتوجيهنا لها أوضح وأبين أي أن الكلمة مركبة من حرف الإزالة ومادة (كر) الدالة على إعادة أداة الإزالة مراراً عديدة.
و (نزع) مركبة من النون ومن مادة الزوع الدالة على الحركة فإذا نزعت حياة الأثيم فقد أزلت عنه حركة حياته.
وهناك أفعال عديدة تبتدئ بهذه وكلها تفيد الإزالة أو ما هو من هذا القبيل. ولا يمكن أن تؤول ويعرف معناها على التحقيق إلا من بعد أن نحللها هذا التحليل اللغوي. من ذلك:
(نبأ) أرتفع أي من بعد أن أزلته من مكانه الخفي (الباءة كالمباءة) وهي متبوئ الولد في رحم أمه. وهو من أخفى المواضع ثم توسعوا في معناه. ومنه التنبؤ لإخراج الأخبار عن مدافنها أو مخابئها.
(نبتت) الأرض: أخرجت ما كان مدفوناً في بطنها من الزرع الذي هو بمنزلة الزاد والجهاز والبتات هو الزاد. أي كأنك تقول: لم يبق في الأرض زادها أو متاعها إذ أخرجته إلى وجهها أو سطحها ولم تبقه مدفوناً في بطنها.
و (النيتل)(كجعفر) الصلب الشديد وهو مركب من النون النافية ومن البتل مخفف البتيلة وهي كل عضو مكتنز ولا يكون مكتنزاً إلا ويكون رخصاً فقولك نبتل كقولك (غير رخص).
و (نبث) البئر استخراج ترابها ومثلها (نبشها). وأصل الثاء شين، واللفظة مأخوذة من النون ومن البشيشة التي هي ملك اليد، فإذا نبشت البئر فكأنك لم تبق فيها ملكها وهو ترابها.
و (نبجت) القبجة خرجت من وكرها أو مكمنها، وهي من النون ومن البجيج الذي هو الزق أو ظرف الشيء فإذا قلت مثلا نبجت القبجة فكأنك قلت: لم تبق في مكمنها.
و (نبذ) الشيء إلقاء أو طرحه من يده كأنه يقول في نفسه. (لا بذ (أي لا مثل) له في قبحه يرميه من يده.
و (نبر) رفعه كأنه في رفعه إياه يشير إلى أنه لم يبق في البر بل وضع على مرتفع حتى يتمكن من رؤيته كل امرئ.
ولا نريد أن نضجر القراء بأكثر من هذه الشواهد إذ هي لا تحصى وتطرد كلها على هذا القياس.
ومن أغرب ما يمر بخاطر الباحث اللغوي كلمة (نعم) وفيها لغات بالتحريك (وبإسكان الآخر) وبالفتح والكسر وبكسرتين وبالتحريك ومد الحركة الثانية و (نحم) بالحاء وبالتحريك أي يقال فيها: نعم ونعم ونعم ونعام ونحم. وهي عندنا مركبة من النون النافية و
(مين) أي كذب. أي لا كذب في ما أقول وبعبارة أخرى: لا جرم. ومن غريب الأمر أن هذه الكلمة يقابلها في اليونانية وفيها أيضاً لغات أخرى والحركة التي ترى بين الميم والنون في تدل على حرف خفيف محذوف أي مين، مما يثبت في نظرنا أن الأقدمين منا كانوا يقولون في أول الأمر (نامين) أي لا كذب ولا غش في ما أقول ثم حذف الحرفان الأخيران من الآخر لاعتبارهم إياهما كاسعتين والكواسع قد تحذف كما قد تزداد فصارت (نام) ثم فخموا الألف وجعلوها عينا على لغة شائعة بين ظهرانيهم فصارت كما ترى أي نعم.
ما بسطناه لك في هذا المقال دليل على أن لغتنا من إبداع لغات الدنيا وفيها من دفائن الأسرار وكنوزها ما لو وضعت في كفة ووضعت سائر اللغات في كفة أخرى لرجحت لغتنا وفاقتهن محاسن وعجائب ونفائس وغرائب وعسى أن لا ينالها ما يفسدها، وهو وحده الحافظ الواقي.
تصحيح أعلام وردت في مجلة الكلية
ذكرت مجلة الكلية في (16: 293) مدينة أوبس والصواب (هوفية) كما وردت في الرقم المسمارية. وذكرت ص 294 سبار (أبو حلبا) وكررت مراراً هذا الوهم والصواب أبو حبة (بفتح فتشديد) وذكرت أكتيزيفون والصواب طيسفون (راجع ياقوت الحموي) ووهمت مراراً لا تحصى في ذكر السومريين (ص 295) والصواب الشمريين (بضم الشين المعجمة وفتح الميم غير المشددة) وذكرت ص 296 بالينيوس والصواب بلينيوس إلى غيرها مما يطول ذكره.
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرة في الحاشوش
وقفت على ما جاء في (لغة العرب 8: 367) عن ليلة الحاشوش لجمعة الآلام أو لغيرها من الليالي وما نسبه بعض كتاب العرب في القرون الوسطى إلى النصارى في تلك الليلة من المنكرات، وعندي أن سبب نسبة هذه الأمور إليهم آتية من عادة دينية لأغلب المسيحيين الشرقيين هي أنهم كانوا يحيون تلك الليلة بالتهجد ولا يتخذون من الأنوار إلا شيئاً طفيفاً. وفريق منهم كانوا يطفئون تلك الأضواء الضئيلة ولا يبقون منها سوى شمعة واحدة. بل هذه الشمعة نفسها يخفونها مديدة ذكرى للحزن الذي شمل الطبيعة كلها حداداً على موت المسيح وإشارة إلى هرب تلاميذه والقبض على المسيح نفسه.
فهذه العادة الدينية هي التي دفعت بعض الجهلة أو غير المطلعين على حقائق الشعائر الدينية أو يعزوا تلك الفظائع إليهم - كما كان الوثنيون من يونان ورومان - ينسبون إلى المسيحيين أنفسهم أموراً في القرون الأولى أي أنهم كانوا يذبحون طفلاً في اجتماعاتهم ومجالسهم الدينية ويأكلونه.
وقد بنوا هذا الوهم على اجتماع النصارى الأولين على كسر الخبر المقدس وتناوله وهو الخبز الذي سماه العرب الأولون الشبر (راجع كتاب أخبار الكنيسة في القرون الأولى).
دير نرسيس صائغيان
معنى القوصوني
أطلعت على ما جاء في لغة العرب (8: 164 إلى 167) عن القوصوني وزدتم في الآخر ص167 قولهم: (لم نجد معنى لهذه النسبة في أي كتاب كان. وعلى كل حال فهي ليست منسوبة إلى مدينة قوصوة في يوغوسلافية في بلاد السرب القديمة وقد أصبتم في رأيكم هذا والذي عندي أن القوصوني منسوب إلى الأمير
قوصون ولفظها التركي بواوين فرنسيتين أي والأمير قوصون هو أحد السلاطين الجراكسة في مصر وكان من مألوف العادة أن المماليك يتخذون اسامي مواليهم في النسبة وأظن أن هذا التأويل الوحيد الذي يرضى به
العقل. أما قوصون أسم فليس معروفاً.
جامعة عليكره (الهند): الدكتور ف كرنكو
(لغة العرب) نشكر لحضرة الأستاذ المحقق تأويله هذا بقي علينا أن نعلم معنى التركية لتتم الفائدة والذي يبدو لنا أن الكلمة مصحفة عن قوصغون أو قوزغون التي معناها الغراب وفي أعلام الترك أسماء رجال كثيرين هي في الأصل أسماء حيوانات.
جمع مفعول على مفاعيل
نقل المحقق الزيات حفظه الله كلام عصبة من حملة العلوم العربية في جمعهم مشهوراً على مشاهير (راجع هذه المجلة 7: 769 وما يليها) وقد وجدت نصوصا عديدة لفطاحل العلماء ولما استكثرتها عدلت عن إيرادها.
وهناك كلمات آخر على وزن مفعول مجموعة على مفاعيل من ذلك:
أ - مأثور ومآثير ومنه السيف المأثور وهو السيف الذي يقال أنه من عمل الجن، قال أبو تمام الطائي في (نفخ الأزهار ص 99):
قد كانت البيض المآثير في الوغى
…
بواتر فهي الآن من بعده بتر
- مأكول ومأكيل في اصطلاح العامة بالعراق.
ج - مجروح ومجاريح (بمعنى الجريح في كلام العامة في العراق، وفي كتاب شريف أفندي العمري الموصلي المغتال سنة 1338هـ 1920م إلى الملك حسين بن علي ملك الحجاز سابقاً): (فطلبت المذاكرة مع القائد الإنكليزي لأجل أن نرفع المجاريح وندفن القتلى)(راجع تاريخ مقدرات العراق السياسية 1: 220).
- مجرور ومجارير في اللغة العامية المصرية بمعنى البالوعة.
ح - محبوب ومحابيب (كنز اللغة ص 255) وهو أسم مفعول من الحب.
د - مدلول ومداليل: مدلول اللفظ هو ما يفيده، قال السيد محمد باقر الموسوي
الخونساري المتوفي سنة 1313هـ 1896م: (وتشخيص مداليك ما كانت هي الخ)(روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات 4: 564).
ذ - مذبوح ومذابيح في كلام العامة في العراق.
ص - مصلوب ومصاليب (أي المقتول صلباً) في عرف العامة بالعراق.
ط - مطروح ومطاريح في اصطلاح العامة بالعراق وهو بمعنى الطريح.
- مطرود ومطاريد في كلام العامة في العراق وهو بمعنى المبعد.
ع - معذول ومعاذيل ذكره السيد محمود شكري الآلوسي في جواب الاستفتاء الوارد إليه (راجع لغة العرب 4: 14 وإعلام العراق ص 191): وهو بمعنى الملوم.
- معروف ومعاريف بمعنى المشهور: قال السيد محمد باقر الموسوي الخونساري: (بل أحبط ما أفرطوا فيه من تسمية الكتب المعاريف)(روضات الجنات (1: 1) وهذا الجمع شائع بين بعض فضلاء المستعربين ولا سيما عند عوام العراق.
ف - مفهوم ومفاهيم في اصطلاح علم المنطق وعلم أصول الفقه ويراد به ما يستفيده المرء من منطوق اللفظ، قال الشيخ جعفر بن خضر الجنابي النجفي المتوفي سنة 1243هـ 1827م في كتبه كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ص 28 (والمفاهيم كثيرة كما يظهر من أحوال المخاطبات في جميع اللغات).
ق - مقرود ومقاريد في كلام العامة في العراق إلا أنهم ينطقون بلقاف كافاً فارسية فيقولون مكرود ومكاريد، والمقرود المخدوع والمظلوم والمرزوء.
ك - مكبون ومكابين يقال للفرس القصير القوائم الرحيب الجوف الشخت العظام (القاموس في نادة كبن).
ن - منصور ومناصير علم رجل. قال الشريف الداودي في كتابه عمدة الطالب (ص 329 من طبعة لكنهو): (أما مالك بن الحسين بن المهنا فعقبه من عبد الواحد أبن مالك له عقب يقال لهم الوحاحدة وقد انقسموا على ساقين الحمزات ولد حمزة بن علي بن عبد الواحد المذكور والمناصير ولد منصور بن عبد الله بن عبد الواحد المذكور).
وموقوت ومواقيت ذكره السيد محمود شكري الالوسي (راجع لغة العرب 4: 14 وأعلام العراق ص 191).
2 -
ما يجمع على مفاعيل
أن مفعول (بالفتح) ومفعول (بالضم) ومفعال (بالكسر) ومفعال (بالفتح) ومفعيل (بالكسر) ومفعل ومفعل (بالتخفيف) ومفعل (بضم الميم وكسر العين) ومفعل (بكسر الميم وفتح العين) ومنفعل ومنفعيل ومفعلة (بفتح الميم وكسر العين) ومفعلة (بكسر الميم وفتح العين)
وفاعل ومفاعل وفعول وفعال ومفتعل ومفعلل كلها تكسر على مفاعيل كمشهور ومشاهير ومغثور ومغاثير ومصباح ومصابيح وميدان وميادين ومسكين ومساكين ومقيد ومقاييد ومسند ومسانيد ومضجر ومضاجير ومدقيس ومداقيس ومنسحق ومساحيق ومنجنيق ومجانيق ومعذرة ومعاذير وميضنة ومواضين وداعر ومداعير ومجالح ومجاليح ونسوف ومناسيف ومراد ومراريد ومؤتمر ومأمير ومقعس ومقاعيس.
وفي هذا المقدار كفاية لمن رزق الفهم والدراية.
سبزوار في 15 رمضان 1348:
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) هذه القاعدة غير مطردة في جميع الأوزان المذكورة إنما مطردة في بعضها. ومسموعة في أوزان آخر وغير مقيسة في كثير منها، فما كان منها مقيساً يؤخذ به كان مسموعاً يبقى محصوراً في ما سمع منه. وما كان غير مقيس تراعي حقوقه.
نهر دجيل
ورد في (8: 325) من لغة العرب قول الأثري أرنست هرتسفلد: (لما تحولت دجلة عن مجراها في صدر خلافة المستنصر وغادرت مسيلها في أعيلي (حربي) لتجري في موطن نهر القاطول أبي الجند وهو مجرى دجلة اليوم شرع الخليفة في أعمال الكري ليسقي من جديد دياراً عطشى ومن أعماله نهر دجيل الحالي الذي حفره هو بلا أدنى شك وحفر أيضاً نهر المستنصر في أعلى حربي وبني القنطرة العظمى القريبة من حربي) اهـ. قلنا: أن قوله (دجيل الحالي) يفيد أن (دجيل القديم) غير دجيل الآن وبذلك يصح له أن ينسب حفرة إلى
المستنصر بالله، غير أنه لم يذكر لنا مصدر هذا الحدث، والذي ذكره (ابن الطقطقي) في فخرية عن هذا الأمر قوله في المستنصر: (وله الآثار الجليلة مها - وهي أعظمها - المستنصرية وهي أعظم من أن توصف وشهرتها تغني عن وصفها ومنها خان حربي وقنطرتها وخان نهر سابس بأعمال واسط.
أما دجيل فنهر قديم وقد ورد في مادة (بغداد) من معجم ياقوت: (ومد المنصور قناة من نهر دجيل الأخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الأخذ من الفرات وجرهما إلى مدينته) وفي ص 11 من مناقب بغداد فقال (أي المنصور) تتخذ الساعة قني بالساج من باب خراسان حتى
تجيء إلى قصري، فمدت قناة من نهر دجيل الأخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الأخذ من الفرات وجرهما (كذا) إلى المدينة) وفي ص 19 منه ما نصه:(وقد كان نهر يأتي من دجيل ويأتي إلى الحربية في قنوات) فهل من مطالع يميز لنا أحد الدجيلين المزعومين عن الآخر؟.
مصطفى جواد
أعلام (البستان)
علم الناس أن (البيتان) معجم الشيخ عبد الله البستاني معجم لغة، لكن ما معنى إدخاله فيه أعلام مدن ورجال ونساء. ثم لو فرضنا أن تدوينها في سفرة هو تنبيه الناس على ما يجب أن يعرفوه فلماذا أتخذ أسامي بعض الأعلام وترك أسامي أخرى؟ والذي نعلمه أن دواوين اللغة يجب أن لا تحوي إلا مفرداتها كما يفعل الغربيون. أما إذا أرادوا اتخاذ الأعلام فيفرزون لها ملحقاً خاصاً بها ويذكرون فيه سني الولادة والوفاة أو لا أقل من ذكر المائة التي طوى فيها الرجل أيامه وإذا ذكرت المدينة ينبه ثم على موقعها فلماذا لم يفعل المؤلف كل ذلك؟.
ب. ب. م
(لغة العرب) لا نعلم السبب وكان يجب عليكم أن تلقوا هذا السؤال على صاحبة حينما كان حياً لا علينا.
أسئلة وأجوبة
الضامة والضونة
س - تبريز (إيران) - السيد. م ح. ك - هل كان العرب يتخذون ألقاب التعظيم للنساء والبنات وما كانت تلك الألقاب؟.
ج - كانت آداب العرب في منتهى السماحة وإذا كلموا رجلاً أو امرأة أرفع منهم مقاماً سموه باسمة مثلاً كانوا إذا كلموا ملكا من ملوكهم قالوا: يا نعمان (إذا كان اسمه نعمان) ويا حارث إذا كان أسمه الحرث إلى غير ذلك. وكذلك كانوا يفعلون إذا كلموا النساء والبنات. على أننا وجدنا في معاجم اللغة ألفاظاً تدل على ألقاب للتعظيم للرجال والنساء. أما للرجال فهي أكثر من أن تحصى. وأما للنساء فهي أقل منها. وقد رأينا بين هذه الألقاب ما يوافق مصطلح الإفرنج. فقد جاء في تاج العروس في مادة ض ي م: (ومما يستدرك عليه: الضامة: مخففة، الحاجة زنة ومعنى. ومنه المثل: (تأتي بك الضامة عريس الأسد، فسروها، بالحاجة وبالمرأة. وقالوا: هي من الضيم كما في أمثال الميداني، نقله شيخنا اهـ). والضامة بمعنى المرأة تظر إلى الفرنسية المعدلة عن اللاتينية والفرنسيون لم يستعملوها إلا بعد المائة الثالثة عشرة. أما قبل ذلك فكانوا يقولون والمثل العربي الذي ذكره التاج نقله عن الميداني. والميداني من أبناء المائة الثانية عشرة (إذ توفي 27 ت 1 سنة 1124م) أفأخذ الفرنسيون هذه اللفظة عن اللاتين (أي الرومان) أم أخذوها عن العرب لأن البروفنسيين (وهم أهالي جنوبي فرنسة) يقولون كالعرب والبزوفنسيون خالطوا العرب في تلك الأرجاء ردحاً من الزمن واقتبسوا منهم ألفاظاً كثيرة وعوائد شرقية فلا يبعد أن تكون هذه الكلمة من جملة تلك الأوضاع المستعارة من السلف.
أما لقب الابنة فكان للعرب كلمة أخرى هي الضونة فقد جاء في العباب للصاغاني (ومثله في تاج العروس والقاموس وسائر كتب للغة): الضونة بفتح فسكون: الصبية الصغيرة، وهو يقابل الأسبانية أو ومعناها الآنسة أي والصاغاني ولد سنة 577هـ وتوفي في سنة 660 هـ فيرى من هذا أن استعمال السلف لهذين الحرفين بالمعنيين الشائعين اليوم في أوربة كان قبل استعمال الإفرنج لهما فإذا عاد الناطقون بالضاد إلى اتخاذهما فلا لوم عليهم ولا
تثريب إذ سبقوا سواهم في هذا الوضع ومراجعة الأمهات التي ذكرناها أثبت دليل على ما نقول.
إذن معنى الضامة ومعنى الضونة على أن الكلمتين العربيتين لا صلة لهما بالمواد العربية ولهذا نرجع أنهما من وضع الغربيين في الأصل ثم خففهما العرب عند تعريبهما ومن يخالف رأينا فليثبته لنا بالدليل البات الجازم ونشكره سلفاً على عمله.
ابن ماري أبو العباس
س - البصرة. م. ع - هل تعرفون شيئاً عن يحيى أبن المشهور بابن ماري أبي العباس؟.
ج - أحسن من ذكره أبن القفطي في كتاب تاريخ الحكماء إذ قال في (ص 360 وما يليها من طبعة الإفرنج): أبن ماري أبو العباس الطبيب النصراني المعروف بالمسيحي صاحب المقامات الستين، عالم بالطب والأدب، يطب بمدينة البصرة في زماننا أدركنا من روى عنه. فممن روى عنه في من أدركناه أبو حامد محمد أبن محمد بن حامد بن آلة الأصفهاني العماد رحمه الله. ورأينا من الرواة عنه البصري المعلم الحضي وكان يروي عنه مقاماته وكان للمسيحي هذا معرفة بالأدب صادقة وربما امتدح بالشعر أجلا الواردين على البصرة وكان أصله من (الطيب) من موضع يقال له (الدوير) وكان فاضلاً في علم الأوائل وعلم العربية والشعر يرتزق بالطب، وأنشأ وصنف المقامات الستين وأحسن فيها. وكان أبوه قد انتقل عن الدوير إلى البصرة وولد ولده هذا بها وتوفي أبو العباس يحيى بن سعيد بالبصرة لعشرة بقين من شهر رمضان سنة تسع وثمانين وخمسمائة
(19 أيلول 1193م). ومن شعره في الشيب:
نفرت هند من طلائع شيبي
…
واعترتها سآمة من وجومي
هكذا عادة الشياطين ينفر
…
ن إذا ما بدت نجوم الرجوم أهـ
وذكرت لبن العبري في كتابه مختصر الدول (في ص 415 من طبعة بيروت) قال: وفي هذه السنة (أي سنة 589) توفي يحيى بن سعيد بن ماري الطبيب النصراني صاحب المقامات الستين، صنفها وأحسن فيها وكان فاضلاً في علوم الأوائل وعلم العربية والشعر يرتزق بالطب. ومن شعره في الشيب (البيتان).
وذكره ياقوت في كتابه إرشاد الأريب 7: 265 من طبعة مرغليوث فقال: يحيى بن يحيى
بن سعيد المعروف بابن ماري المسيحي من أهل البصرة كان كاتباً أديباً شاعراً عارفاً بالطب، عالماً بالنحو واللغة، متفنناً، وكان يتكسب بالكتابة والطب ويمتدح الأكابر والأعيان روى عنه جماعة من الأفاضل: منهم: أبو حامد المعروف بالعماد الكاتب الأصبهاني وغيره وصنف المقامات الستين أحسن فيها وأجاد وكانت وفاته بالبصرة في شهر رمضان سنة 589 ومن شعره:
نعم المعين على المروءة للفتى
…
مال يصون عن التبذل نفسه. . .
وإذا رمته يد الزمان بسهمه
…
غدت الدراهم دون ذلك ترسه
وله أيضاً:
لاموا على صب الدموع كأنهم
…
لا يعرفون صبابتي وولوعي
كفوا فقد وعد الحبيب بزورة
…
ولذا غسلت طريقة بدموعي
ثم ذكر البيتين اللذين ذكرهما أبن القفطي فكانا خاتمة كلامه عليه.
وقال أستاذنا محمود شكري الآلوسي حين أراد نشر هذه المقامات في مقدمة (أما بعد فقد أقدمت على نشر هذه المقامات وشرح الألفاظ الغريبة التي فيها لا قدمها لأخواني تذكاراً وأحياء لهذا الأثر النفيس الذي هو من احسن الكتب الدبية والطف الأسفار الفكرية العربية المسماة بالمقامات المسيحية لناسخ وشيها المفوف الزاهر، على منوال البلاغة وحائك بردها المطرف الباهر، بنير الفصاحة يحيى بن يحيى بن سعيد البصري الطبيب المسيحي أحد رجالات القرن السادس للهجرة ولا جرم فأن أحياء أثر الغابرين من احسن ما يتصدى له لما فيه
من الفوائد التي ربما لا يجدها المستفيد في غيرها. فضلاً عن أهمية نشر الآداب وحسن تأثيرها على الأخلاق. لأنها قد تغرس حب الفضيلة بالنفوس وتطبع الرجولية في القلوب ولا سيما مثل هذا الأثر الذي طالما بحث عنه العلماء وبذلوا جهدهم وراء الحصول عليه فلم يسمح لهم الزمن برؤيته. وكنا نتمنى لو ظفرنا بنسخة من هذا الكتاب حتى عثرتا على الضالة المنشودة في إحدى خزائن الوقف في بغداد فأحببنا أن نتحف بها إخواننا لأنها من الطرائف النفسية والكنوز الثمينة. . .) اهـ.
وذكر أيضاً صاحب كشف الظنون قال: المقامات المسيحية لأبي العباس يحيى بن سعيد بن ماري النصراني البصري الطبيب. مات في رمضان سنة 589 نسج فيها من منوال
الحريري قال ياقوت: أجاد فيها. وقال الصفدي: ما أجاد ولا قارب الإجادة. أهـ
وكل من جاء بعد أبن القفطي نقل عنه عبارته باختصار والظاهر أن أبن القفطي نفسه يقف على المقامات بنفسه وكذلك قل عن أبن العبري وعن غيره ولو رأوها لذكروا منها شيئاً من شعره ونثره ولم يكتفوا بما روي عنه ودونك مقالاً من نثره (المقامة الخامسة والخمسون وتعرف بالسرنديبية أو ريحانة الناشق وسلوة العاشق حكى يحيى بن سلام قال: رحلت عن البصرة عام نحيت، براحلة ونحيت وفرس وجنيت، أقصد سرنديب، لأشيم أديب. فلم تزل تضمني الفلاة في ضميرها، وترضعني بظئرها، حتى علقت بنواصيها. وجريت في ميدان نواصيها، فمذ امتزجت بربربها توخيت دار الحاكم بها. فحين مثلت بحضرته، رشفت ضرب جدله ومناظرته، فبينما القاضي يرأب شعب الخصماء ويسد خلة الغرماء، ورد شيخ يعثر بخطاه قد أحد ودب مطاه وتلوه فتى قوي الشظاظ مشتعل الشواظ فما لبث الشيخ أن قال مقالة من أعال وعال) ودونك مثالاً من نظمه:
أفدي التي أسهر في حبها
…
وجدا كما أسهرها حبي
تنهبها الأعين أني بدت
…
فحجبها من خفيفة النهب
وسنانة الإلحاظ، معسولة ال
…
ألفاظ تبدو نزهة القلب
ما لاط بي كرب وضاق المدى
…
إلا وكانت فرجة الكرب
صفحت فأضحى حبها خالصاً
…
محض الصفا في البعد والقرب
فيرى من هذين المثالين أن ابن ماري كان يجيد الصناعتين وأن الذين قالوا: (ما أجاد ولا قارب الإجادة) لم يطلعوا على شيء مما وشته يراعته بل تكلموا عن سماع.
أما سبب (ماري) في نسبة فهو لأنه كان نسطورياً والنساطرة كثيراً ما اتخذوا اسم ماري لأولادهم تفاؤلاً باسم الرسول الذي بشر بالنصرانية في ديار العراق وكان تلميذاً للقديس أدي وأدي كان أحد تلاميذ المسيح الاثنين والسبعين.
وتلفظ ماري بفتح الميم يليها ألف فراء وياء مشدودة في الآخر. وصاحب كشف الظنون ذكره باسم هاري بهاء في الأول. وهو خطأ ظاهر.
هذا مجمل ما يقال في هذا الرجل. وربما عدنا في فرصة أخرى إلى وصف المقامات المسيحية مرة ثانية. التي عندنا منها نصف نسخة لا غير.
ترجمة التوراة إلى العربية نقل اليسوعيين
س - طنطا - ي م هل التوراة التي عني بتعريبها الأباء اليسوعيون في بيروت خالية من الغلط؟.
ج - ترجمة التوراة للأباء أليس وعيين حسنة الطبع والضبط والورق لكنها لا تخلو من أغلاط متنوعة وأحسن منها التوراة التي طبعها الأباء الدمنكيون في الموصل. ثم تليها في الجودة التوراة المطبوعة في رومة. وأما أسقم ما نشر منها فتوراة الأميركيين في بيروت فأنك لا تجد فيها عبارة صحيحة ولا تكاد تفهم منها شيئاً أن نظرت إلى ما فيها إذ هي خالية من مناحي العرب نعم يقال أن الشيخ يوسف الأسير والشيخ إبراهيم الأحدب والمعلم بطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي عنوا بتصحيح عبارتها لكن ذلك كله لم يغير شيئاً من سقم البعارة وإغلاقها وفساد تركيبها وتعقيدها، ولا بد من أن نبسط ذلك في مقالة طويلة أن أتسع لنا المجال.
غير أن يضخم تصنيفه.
ثالثا يستند إلى بعض المؤلفين الضعيفة في نقل بعض الألفاظ العربية. فقد قال مثلاً في ص 74 ما هذا معناه بحروفه: (وفي أسم آخر عربي فصيح من أسماء الأرملة: (أجالة) وفي الكلمة أصل هو (أجل) وقد فئم الثنائي (جل) بهمزة في الأول. ومعنى (جل)(جرد)(بالمجهول المضعف)) اهـ. قلنا: ليس في لغتنا العربية فصيحها وعاميها كلمة (أجال)(بتشديد الجيم) أو أجالة (بمعنى أرمل وأرمل) إنما الكلمة من بلاد البربر في بلاد المغرب فكيف جوز لنفسه أن يقول هذا القول؟. وأين وجد أن اجالة بمعنى أرملة فصيحة؟. وكيف خرجها بعد ذلك على وجه هو (الجل) وقال معناه التجريد؟ تلك أمور لا نفهمها ولا ندري من دهوره في هذه الهاوية البعيدة القعر.
رابعاً كثيراً ما يجهل الألفاظ العربية المقابلة للكلم اليافثية ففي ص 59 مثلاً يقول: (يرى
في الهندية الأوربية من الديار الشمالية الغربية كلمة ومعناها (السمكة) في معناها المطلق. . .) فلو درى العربيات المقابلة لها لذكر (الفسيخ) المولدة في لغتنا وتعني كل سمك صغير مملح. والكلمة معروفة في الثغور الحجازية إلى عهدنا هذا وكذلك في الثغور الشامية ولا جرم أنها من اللاتينية وعند العراقيين ضرب من السمك ضخم لا حسك فيه بل فيه عظام يكون في الفراتين وأسمه البز (بكسر الباء وتشديد الزاي) ويسميه الإفرنج عندنا أي سمك طوببا وهو من الرومية أيضاً أما الكلمة العربية المشابهة للاتينية فهي بياح (كشراع) وبياح (كشداد) وهو سمك صغار أمثال شبر وهو أطيب السمك والكلمة تنظر إلى الرومية المذكورة سمك أن الباء الموحدة التحتية كثيراً ما يكون بازائها في لغات الغربيين الباء المثلثة التحتية - والحرفان المزدوجان يقابلان في أغلب الأحيان الحاء ومثل هذا الجهل - جهل الألفاظ العربية المقابلة للكم الغربية - شيء كثير. مما يدل على أن الغربيين لم يوغلوا في درس لغتنا كل الإيغال وهم - على ما هم عليه من قلة هذه البضاعة العربية - لم ترسخ فيها أقدامهم إلا أننا نعتقد أن مداركة بحثهم في اللغات على أصول وأحكام وقواعد مقررة تسوقهم إلى وصولهم
إلى الضالة المنشودة وهناك غير هذه المعايب يطول ذكرها.
على أن هذه الأمور لا تطعن بما في هذا السفر الجليل من الفوائد فلا جرم أنه من احسن ما يمكن أن يطالع في هذا الموضوع.
97 -
التذكار المئوي لظهور الأيقونة العجائبية للمكرمة
كاترين لابورة راهبة المحبة (1830 - 1930)
تأليف الأب يوسف علوان اللعازري، طبع بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت 1930 في 24 ص بقطع 12.
هذه لمعة تاريخية حسنة في هذه الأيقونة مسبوكة العبارة العربية كأنها الذهب البريز فنوصي المسيحيين باقتنائها ومطالعتها.
98 -
الحث على التجارة والصناعة والعمل (هدية)
لأبي بكر أحمد بن محمد بن هرون الخلال المتوفي في عام 311 هـ.
هذه الرسالة من منشورات مكتبة القدسي والبدير وهي 35 ص بقطع الثمن. ومفيدة لمن
يريد أن لا يتكل إلا على الله وحده ولا يريد أن يسعى بنفسه تبريرا لكسله.
99 -
الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون (هدية)
لحافظ الشام ومؤرخة في القرن العاشر شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن طولون الصالحي الدمشقي الحنفي عام 953 هـ.
رسالة في ترجمة أبن طولون وقد عني بطبعها القدسي والبدير منقولة عن مبيضة المؤلف وهي في 54 ص بقطع الثمن الصغير وقد نرجم أبن طولون نفسه وعدد مؤلفاته فذكرها على حروف المعجم فوقعت أسماؤها في 23 صفحة وعمت مواضيعها جميع العلوم والفنون وأنواع المعارف البشرية من قديمة وحديثة إلى زمن المؤلف ولو فرضنا أن كل صفحة حوت - على أقل تقدير - أسامي ثلاثين كتاباً من مصنفاته فيكون مجمل ما ألفه أبن طولون ما يناهز 700 كتاباً أو رسالة. ومع كل ذلك نرى في عبارته من السقم والركاكة ما يدل على مبلغ تلك المدونات. وعلى كل حال فالترجمة هذه مفيدة لمن يريد من العلماء العصريين درس عقلية بعض الرجال من الأقدمين.
100 -
الشمعة المضية في أخبار القلعة الدمشقية (هدية)
لابن طولون المذكورة ومن نشر مكتبة البدير والقدسي
وهي في 28 ص بقطع الثمن جزيلة الفائدة للوقوف على أخبار قلعة دمشق الشهيرة في التاريخ.
101 -
المعزة فيما قيل في المزة (هدية)
لابن طولون المذكور ومن نشر القدسي والبدير أيضاً
المزة بكسر الأول وتشديد الزاي قرية من غوطة دمشق وهي من احسن قراها. وهذه الرسالة موقوفة على تعريفها وأخبارها وهي في 26 ص بقطع الثمن ومما لا يستغني عنها محبو تاريخ الشام.
102 -
تبييض الطرس بما ورد في السمر ليالي العرس
(هدية)
لابن طولون المذكور ولناشريها القدسي والبدير
كراسة صغيرة في 7 صفحات بقطع 16 لا تخلو من فائدة لغوية وأدبية.
103 -
خمسة أعوام في شرقي الأردن
بقلم الارشمندريت بولس سلمان، طبع بمطبعة القديس بولس في حريصا سنة 1929 في 286 ص بقطع الثمن.
آداب الأعراب وأخلاقهم واحدة في جميع الربوع التي يحتلونها. ومع وحدتها هذه لا ترى من كتابها الأقدمين والمعاصرين من بوب أبوابها لتسهل على من يراجعها الوقوف عليها ولا سيما لم نر من أجاد تنسيقها على المناحي العلمية العصرية وقد ألف حضرة الارشمندريت هذا السفر الجليل وأحكم فيه وصف أخلاق العرب وعاداتهم وآدابهم عجيباً ولهذا أصبح اقتناء كتابنا وأدائنا له من أفرض الفرائض لأن بلادنا هذه بلاد عربية وفيها عشائر كثيرة مختلفة السكنى ومن الواجب أن نعرف أساليبهم في الحل والترحال ومن مميزات هذا التأليف البديع أنه حوى مباحث أخلاقية وقضائية ودينية وزينة صاحبه بالتصاوير البديعة عبارته صياغة تحبب قراءته ثم بث في مطاوية قصصاً وحكايات وروايات مما جعله أنيساً لكل أديب وأديبة أيا كان تخصصه فعسى
أن يقتنيه أبناء العراق على اختلاف طبقاتهم وأخص بينهم أصحاب الصحف والتاريخ والباحثين عن الأعراب إلى غيرهم. ومن أراد اقتناء فليراجع إدارة هذه المجلة أو حضرة الخوري مكسيموس حكيم في محلة الكنائس في بغداد وثمنه 3 ربيات.
104 -
ميامر ثاودروس أبي قرة أسقف حران
أقدم تأليف عربي نصراني، عني بطبعه الخوري فسطنطين الباش أحد رهبان دير المخلص وطبع في بيروت.
يظن أن ثاودروس أبا قرة من أبناء المائة الثامنة للمسيح وأنه عرف القديس يوحنا الدمشقي وقد وضع هذا التأليف ليفند به آراء النساطرة واليعاقبة وموحدي الإرادة في المسيح، وهو من أجل التصانيف الدينية القديمة وعبارته محكمة السرد والحبك وكان بعض النساخ قد أفسدوه بما أدخلوا فه من بعض التراكيب التي لم يفهموها فأعادها إلى نصابها حضرة
الخوري قسطنطين الباشا وهو من الرهبان المعروفين بحرصهم على آثار السلف لمولعين بنشر ما لهم من المآثر الجليلة. ولهذا جاء طبعه لهذا السفر من احسن ما يخلد به ذكره. وقد وقع في 200 ص بقطع 12 فعسى أن يروج بين محبي آثار السلف ويقتنيه أدباء المسيحيين لما فيه من الآراء السديدة المطبوعة بطابع العلم والتحقيق.
105 -
الثروة
جريدة تنشر في دمشق وتطبع بمطبعة الطرائف
لم يتيسر لنا أن نعرف أهي أسبوعية أم يومية والعدد الذي وصل إلينا هو السابع من السنة الأولى. وقد ظهر في شهر نيسان (ولم يعين اليوم منه) من سنة 1930 فعسى أن يكتب لها السلامة بعمر طويل.
106 -
بيان قدامة بن جعفر
رسالة في 16 ص باللغة الروسية للمحقق الأستاذ أغناطيوس كراجكوفتسكي وقد بين فيها منزله الكاتب العربي ومقامه من البلاغة فهي من أنفس ما يعالج
في هذا الموضوع.
107 -
تبيين الكذب المفترى فيما إلى الإمام أبي الحسن
الأشعري
تصنيف أبن عساكر الدمشقي المتوفي سنة 571، عني بنشرة القدسي وهو في 458 ص بقطع الثمن.
طبعت هذه النسخة عن نسخة السيد عبد الباقي الحسني الجزائري ونسخة الخزانة الفيضية في الآستانة والنسخة النورية في القاهرة مع المقابلة بنسخة الخزانة التيمورية وفي آخر الكتاب فهارس أعلام الرجال وفي مطاويه تراجم عدة رجال من الأقدمين فهو سفر ثمين لما حوى من الفوائد التاريخية والحقائق الدينية وتراجم كثير من العلماء
108 -
كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (هدية)
تأليف الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفي سنة 324، الجزء الأول في الجليل من اللام عني بتصحيحه ونشره: هـ. ريتر في 300 ص بقطع الثمن الكبير طبع في
استنبول بمطبعة الدولة سنة 1929.
كل من صنف في الأديان والفرق والمذاهب اعتمد كتاب الملل والنحل للشهرستاني. والشهرستاني هذا ورد هذه الشرعة في كل ما أجاد تفصيله عن الفرق الإسلامية ولا سيما الفرق القديمة ونسخة كتاب الاشعري أصبحت أندر من الكبريت الأحمر وقد وفق صديقنا هـ. ريتر للحصول على خمس نسخ منه في عدة مواطن وقابل الواحدة بالأخرى كما يرى ذلك من الحواشي المطرزة بها جميع صفحات هذا السفر الجليل فجاء من أفخر ما يقتني للوقوف على الفرق الدينية. وأبو الحسن الاشعري لم يتعرض إلا للبحث عن الفرق الإسلامية لا غير وهذا الجزء الأول يبحث عن (الجليل من الكلام) ويرصد الجزء الثاني (للدقيق من الكلام) وقد كابد الأمرين لإخراج هذا السفر بهذه الصورة البديعة، ولا جرم أن هذا الديوان الجليل يكون من أمس الأسفار لمن يريد أن يعالج موضوع المذاهب في الديار الإسلامية.
109 -
المتوكلي (هدية)
في ما ورد في القرآن بالحبشية والهندية والفارسية والتركية والزنجية والنبطية والقبطية والسريانية والعبرانية والرومية والبربرية وهي للسيوطي. وفي آخرها رسالة في أصول الكلمات في اللغة له أيضاً.
هذه رسالة لواحد من أكابر علماء الإسلام وهو يذكر ما في بعض الآيات من الألفاظ الداخلية، والوقوف عليها يفحم أولئك الذين ينكرون ورود كلم أعجمية في اللغة العدنانية فليراجعوها ليستفيدوا منها.
110 -
نظام الغريب
إملاء الشيخ الأديب عيسى إبراهيم بن محمد الربيعي استخرجه وصححه الدكتور بولس برونلة، طبع بمطبعة هندية بالموسكي بمصر في 311 ص بقطع 12 مع فهرسين.
نشر كتب اللغة للأقدمين من أنفع الأعمال لأننا نرى بها سير اللغة مع الزمن لكن لا يتم نفعها إلا إذا تولى إصلاح ما أفسده النساخ رجال أكفاء جهابذة. أما إذا نشرها أناس غير واقفين على غريب اللغة فالضرر عظيم يصعب تلافيه بعد ذلك ولا يكتفي بطبع الكتاب
وحده بل يجب أن يذكر لنا تاريخ النسخة التي أخذ عنها واسم كاتبها - أو بعبارة وجيزة - أن يذكر لنا نسبها لو جاز لنا هذا التعبير ويوضح لنا ترجمة مؤلف السفر إلى غير هذه الأمور التي أصبحت اليوم من أمس حاجاتنا الأدبية.
وقد اشترى لنا هذا الكتاب أحد الفضلاء وطلب منا أن ننقده لكي يصح اعتماد عليه أم لا. وقد طالعناه فلم نر فيه شروط نشر كتب الأقدمين متوفرة فيه. فليس فيه كلام عن النسخة الأم. ولا عن النسخ الأخرى التي عارض بها النسخة الأولى ولا صرح لنا بملحمة عن ترجمة المؤلف ولا. . . ولا. . . ولا ولعل الناشر كتب ذلك في ولم الألمانية ولم نقف عليه على أنه كان من الواجب عليه أن يذكر لنا شيئاً في لغتنا وإلا لغتنا وإلا فأن هذا الكتاب يبخس في نظر القارئ العربي.
والمؤلف توفي في سنة 408 للهجرة وهو وحاظي الأصل (أي من وحاظة
من ديار اليمن قال ياقوت في معجمه (6: 100) ولا أعرف حالة إلا أنه مصنف كتاب (نظام الغريب) في اللغة حذا فيه حذو كفاية المتحفظ، وأجاده وأهل اليمن مشتغلون به. اهـ.
وقد ذكر لنا الدكتور داود أفندي الجلبي أن في المكتبة الأحمدية نسخة منه إلا أنه مخروم من الأول والآخر ولهذا لم يهتد إلى أسمه وظن أنه رسالة في اللغة (راجع مخطوطات الموصل ص 35).
هذا من جهة التأليف نفسه والمؤلف. أما طبعة بالهيئة التي ظهر فيها فكثير السقط والوهم والخطأ والخطل. فكان يحسن بالناشر أن يعرض مسودته على أحد أبناء العرب الضلعاء قبل أن يبرزه بذلك الهدم المترقع.
نعم أننا لم نطالعه من أوله إلى آخره إذ هذا عمل شاق إلا أننا ألقينا عليه نظرات هنا وهناك وحيثما وقع بصرنا وقع بصرنا على غلط. فقد جاء مثلاً في ص 170 عقاب عبنقات. . . والضاري الصقر. . صئبان المطر. والصواب: عقاب عبنقاة. . . والمضرحي الصقر. . . صئبان المطر (بصاد مهملة جمع صؤاب وهذه جمع صؤابة) وفي ص 174 والغظاظ طائر يرد الماء سحرا قبل طلوع الفجر واحدتها غظاظة. . . قلنا: ليس في لغتنا غظاظ ولا غظاظة بل غظاظة بل غطاط وغطاطة أي بالطاء المشالة المهملة وفي ص 175: والبعر (كذا بباء موحدة تحتية) المعز قلنا: لا يصحف مثل هذا التصحيف
الشنيع إلا أجنبي وأي أجنبي. فيا حضرة الأستاذ كيف تريد أن يكون البعر معزا؟ إنما هو اليعر (بياء مثناة تحتية). وفي ص 173 والسبد طائر من طير الماء (كذا). . . إذا وقع عليه الماء ويبتل لشدة ملوسته. . . وهذا كلام يقرب من الهندية، والصواب طائر من طير المساء. . . إذا وقع عليه الماء لم يبتل (من الابتلال لا من الابتال كما ضبطها الناشر) وهذا الطائر يسمى بلسان العلم أي راضع المعز لأن الأقدمين كانوا يذهبون إلى أنه يرضع المعزي وهو يشبه الخطاف وأكثر ظهوره يكون عند المساء واسمه بالفرنسية أي بلاع الريح. وبالإنكليزية - أي راضع العنز أو - أي يوم السرخس لكثرة التجائه إلى السرخس.
وفي ص 215 ذكر بين الرياحين: الأس (وضبطه بفتح الأول والثاني) والأبهر والأقحوان وهو الخزامي. . والتمام (وضبطها كسحاب) وقال هو السنبر (كذا) والنشرين (بفتح النون): المنثور والسفسج (بفتح السين الأول وكسر الثانية) والنينونر ويقال اللينوفر (بفتح النونان في الأول وبفتح اللام والنون والفاء في الثاني) والآذريون (وضبطها بفتح الهمزة وتشديد الذال وفتح الراء). . . والحوذان) والصواب في كل ذلك: الأس (نمد الهمزة) والعبهر (بالعين) والأقحوان والخزامي (لأنه هو الخزامي لأنه ليس به) والنمام (بالنون وبتشديد الميم) هو السيسنبر (بفتح السينين يتخللهما ياء ساكنة وفي الأخر راء يسبقها باء موحدة تحتية ونون وذكره بعض اللغويين في سبر وآخرون في سنبر وفريق في سيسنبر) والنسرين (بنون (مكسورة فسين مهملة. وذكرها اللغويون في نسر) وفي جعل المنثور بلا عاطف يتوهم القارئ أن النسرين هو المنثور وهو خطأ واضح فاضح والصواب (والمنثور) ليكون من عداد الرياحين من غير أن يكون ريحاناً. ولا وجود للسفسج والصواب والسمسق (بسينين مهملتين وزان جعفر وزبرج وقنفد وجندب أو السفسف كجعفر. أما السفسج فلا وجود له). وكأنه لم يكشف بهذا الخطأ فزاده خطأ آخر بأن وزن بفتح السين الأولى وكسر السين الثانية وهو وزن لا وجود له في لغتنا إنما عندنا أفعل بفتح الهمزة وكسر العين. وليس في سفسج همزة في الأول. ولم يذكر أحد النينونر (بثلاث نونات) ولا اللينوفر. إنما ذكروا بعد مادة ن ف ر: النيلوفر بفتح النون واللام والفاء ويقال النيوفر بقلب اللام نوناً (التاج) والأذريون (بعد الهمزة وفتح الذال المعجمة وإسكان الراء
وضم الياء المثناة التحتية يليها واوفنون) والحوذان بحاء مهملة.
فهذه أثنتا عشرة غلطة أو أزيد في صفحة واحدة. فهل يقال بعد هذا: أن هذا كتاب لغة يعتمد عليه؟ ألا يحق لمؤلفه لو بعث أن يتبرأ من ولده هذا الممسوخ؟. فأنا لله وأنا إليه راجعونّ فهل يجوز لمنتم إلى العروبة أن يشتري هذا الكتاب ويطالع فيه؟ ذلك ما نحكم فيه كل عاقل منصف ولو لم يكن من الناطقين بالضاد.