المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة في النابتة - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٨

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 76

- ‌سنتنا الثامنة

- ‌يا للمصيبة

- ‌الآمال الهاوية

- ‌الدواخل والكواسع في العربية

- ‌اليأمور

- ‌رسالة في النابتة

- ‌مندلي

- ‌لواء الكوت

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 77

- ‌خزائن بسمى القديمة

- ‌أعلام قصيدة أخت الوليد بن طريف

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌القفص والغرشمارية والكاولية

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌الحروف العربية الراسية

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌تاريخ اليهود

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهرة في العراق وما جاوره

- ‌العدد 78

- ‌رسالتان تاريخيتان

- ‌من هو القرصوني

- ‌لواء العمارة

- ‌اليحمور واليامور

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌نظم شمس الدين عبد الله محمد بن جابر الأندلسي

- ‌عني بنشرها صديقنا المذكور

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 79

- ‌الفتوة والفتيان قديما

- ‌لواء البصرة

- ‌محمود العنتابي الأمشاطي

- ‌القريض في فن التمثيل

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌الدولة القاجارية وانقراضها

- ‌دار شيعان

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 80

- ‌إلى عكبرى وقنطرة حربي

- ‌القصر الذي بالقلقة

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها

- ‌الأسر المنقرضة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 81

- ‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية

- ‌لواء كركوك

- ‌مصطلحات حقوقية

- ‌قبر راحيل

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌محلة المأمونية وباب الأزج والمختارة

- ‌أسرة الحاج الميرزا تقي السبزواري

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌111 - كتاب التيجان في ملوك حمير

- ‌عن وهب بن منبه رواية أبن هشام

- ‌طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيين في

- ‌حيدر آباد الدكن

- ‌سنة 1347 في ص496 ص بقطع الثمن الصغير

- ‌تاريخ وقائع الشهرية في العراق وما جاوره

- ‌العدد 82

- ‌أحمد باشا تيمور

- ‌نظرة في المجلة الألمانية ومجاوراتها الساميات

- ‌تحققات تاريخية

- ‌القمامة أو كنيسة القيامة

- ‌البرثنون في كتب العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌ألفاظ يافثية عربية الأصل

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاورها

- ‌العدد 83

- ‌دار المسناة

- ‌رسالة لأبي عثمان

- ‌تحققات تاريخية

- ‌الفلحس

- ‌صفحة من مؤرخي العراق

- ‌القرب في اللغة

- ‌لواء أربل

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌الحكومة العراقية والمخطوطات

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 84

- ‌نقد لسان العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌ترجمات التوراة

- ‌بيت الشاوي

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌رسالة إلى أبي عبد الله

- ‌القيالة عند العرب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 85

- ‌إلى شبيبة العراق

- ‌المائن أو الممخرق

- ‌آلتون كوبري في التاريخ

- ‌لواء السليمانية

- ‌أرض السليمانية في التاريخ القديم

- ‌تذنيب في تخطئة معلمة الإسلام

- ‌نظرة في المقاومات العراقية

- ‌نقد لسان العرب

- ‌الأسناية ومعناها

- ‌قبر العازر

- ‌كوت العمارة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاروه

الفصل: ‌رسالة في النابتة

‌رسالة في النابتة

هذه رسالة لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ إلى أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود في النابتة:

حضرة صديقي الأب أنستاس الكرملي المحترم:

كنت بعثت لكم بأرجوزة في الظاء والضاد منسوبة لأبن قتيبة وجدتها في مجموعة خطية في مدرسة الحجيات في الموصل فأدرجتموها في مجلتكم في جزئها السادس من سنتها السابعة. ووجدت قد وقع فيها أغلاط مطبعية لابد أنكم أشرتم إلى تصحيحها. وأطلعت بعد ذلك على مقال للفاضل ف كرنكو ينكر نسبة الأرجوزة المذكورة لأبن قتيبة، أما أنا فلا أؤيد هذه النسبة ولا أنكرها إنما أقول أني نقلتها بأمانة كما وجدتها.

والآن أقدم لكم رسالة للجاحظ منقولة من المجموعة نفسها اجتهدت بتصحيح بعض أغلاطها وذكرت الخطأ كما هو لأمانة النقل وذكرت تصحيحي عقبه بين عضادتين. أرجو نشرها في مجلتكم الغراء أن وجدتم في نشرها فائدة وأقبلوا مني فائق الاحترام.

الموصل: الدكتور داود الجلبي

بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون

أطال الله بقاءك وأتم نعمته عليك وكرامته لك. أعلم أرشد اله أمرك أن هذه الأمة قد صارت بعد إسلامها والخروج من جاهليتها إلى طبقات متفاوتة ومنازل مختلفة. فالطبقة الأولى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وست سنين من خلافة عثمان (رض) كانوا على التوحيد الصحيح والإخلاص المخلص مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسنة وليس هناك عمل قبيح ولا بدعة فاحشة ولا نزع يد من طاعة ولا حسد ولا غل ولا تأول حتى كان الذي كان من قتل عثمان وما أنتهك منه ومن خبطهم إياه بالسلاح وبعج بطنه بالحراب

ص: 32

وفري أوداجه بالمشاقص وشدخ هامته بالعمد مع كفه عن البسط ونهيه عن الامتناع (كذا ولا يستقيم له معنى) مع تعريفه لهم قبل ذلك من كم وجه لا يجوز قتل من شهد الشهادة وصل القبلة (لعلها إلى القبلة) وأكل الذبيحة ومع ضرب نسائه بحضرته وإقحام الرجال على حرمته مع ايقاء (لعله اتقاء) نائلة بنت الفرافصة بيدها حتى أطنوا (أي

قطعوا) إصبعين من أصابعها وقد كشفت عن قناعها ورفعت عن ديلها (ذيلها) ليكون ذلك ردعاً لهم وكاسراً من (لعله عنتهم) مع وطئهم في أضلاعه بعد موته وإلقائهم على المزبلة بعد سحبه وهي الجزرة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وأياماه وعقائله بعد السب والتعطيش والحصر الشديد والمنع من القوت مع احتجاجه عليهم وإفحامه لهم ومع اجتماعهم على أن دم الفاسق حرام كدم المؤمن إلا من أرتد بعد الإسلام أو زنى بعد إحصان أو قتل مؤمنا على عمد أو رجل عدا على الناس بسيفه فكان في امتناعهم منه عطبه ومع اجتماعهم على أن لا يقبل (يقتل) من هذه الأمة مولى ولا يجهز منها على جريح ثم مع ذلك كله دفروا (وفضوا) عليه وعلى أزواجه وحرمه وهو جالس في محرابه ومصحفه يلوح في حجره أن يرى أن موحداً يقدم على قتل من كان في مثل صفته وحاله لا جرم لقد اجتلبوا به ذما (دما) لا تطير رغوته ولا تسكن فورته ولا يموت ثائره ولا يكل طالبه. وكيف يضيع دم الله وليه والمنتقم؟ وما سمعنا بدم بعد دم يحيى بن زكريا (عم) غلا (غلى) غليانه وقتل سافحه وأدرك بطائله وبلغ كل محبته (؟؟) كدمه رضي الله عنه ورحمه.

ولقد كان لهم في أخذه وفي إمامته (؟) للناس والاقتصاص منه وفي بيع ما ظهر من رياعه وحدائقه وسائر أقواله (أمواله) وفي حبسه بما بقي عليه وفي ظهره (طرده) حتى لا يحس بذكره ما يغنيهم عن قتله أن كان قد ركب كلما قدموه (كل ما قذفوه) به أو أودعوه وهذا كله بحضرة جله المهاجرين والسلف المتقدمين والأنصار والتابعين ولكن الناس كانوا على طبقات مختلفة ومراتب متباينة من قاتل ومن شاد على عضده ومن خاذل عن نصرته والعاجز ناصر بإرادته ومطيع بحسن نيته. وإنما الشك منا فيه وفي خاذله ومن أراد

ص: 33

عزله والاستبدال به فأما القاتل والمعين على دمه والمريد لذلك منه فضلال لا شك فيهم ومراق لا إمتراء في حكمهم على هذا لم يعد منهم الفجور أما على سواء تأويل وأما على تعمد للشقاء.

ثم ما زالت الفتن متصلة والحروب مترادفة كحرب الجمل وكوقائع صفين وكيوم النهروان وقبل ذلك يوم الزابوقة وفيه أسر أبو حيف وقتل حكيم بن جبلة إلى أن قتل أشقاها علي بن أبي طالب رض فأسعده الله تعالى بالشهادة وأوجب لقاتله النار واللعنة. إلى أن كان من اعتزال الحسن رض الحروب وتخليه الأمور عند انتشار وكثرة تلونهم عليه فعندها استوى

معاوية على الملك واستند على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة. وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا والخلافة عضبا (غصبا) قيصريا ولم يعد ذلك اجمع الضلال والفسق ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا حتى رد قضية رسول الله ص ردا مكشوفا وجحد حكمه جحدا ظاهرا في ولد الفراش وما يجب للعاهر مع إجماع الأمة أن سمية لم تكن لأبي سفين (سفيان) فراشا وانه إنما كان بها عاهرا. فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفار وليس قتل حجر بن عدي وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع والاستئثار بالعي (بالفيء) واختبار (واختيار) الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس حد الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة وسواء في باب ما يستحق من الأكفار حجر الكتاب ورد السنة إذا كانت السنة في شهرة الكتاب وظهوره. إلا أن أحدهما اعظم وعقاب الآخرة عليه أشد فهذه أول كفرة كانت في الأمة.

ثم لم يكن إلا فمن (لم تكن إلا ممن) يدعي إمامتها والخلافة عليها على أن كثيرا من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك اكفاره وقد أربت عليهم ثابتة (نابتة) عصرنا ومبتدعة دهرنا فقالت لا قوة (لا تسبوه) فان له صحبة وسب معوية (معاوية) بدعة. ومن يبغضه فقد خالف السنة فزعمت أن من السنة ترك البراءة ممن ترك السنة. ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل

ص: 34

نصرته ثم غزو مكة واستباحة المدينة وقتل الحسين رض في اكثر أهل بيته مصابيح الظلام وأوتاد الإسلام بعد الذي أعطا (أعطى) من نفسه من تفريق اتباعه والرجوع إلى داره وحرمه أو الذهاب في الأرض حتى لا يحس به أو المقام حيث أحر (أمر) به فأبوا إلا قتله والنزول على حكمهم وسواء قتل نفسه بيده أو أسلمها إلى عدوه وخير فيها من لا يبرد غليله إلا بشرب دمه فاحسبوا قتله ليس بكفر وإباحة المدينة وهتك الحرمة ليس بحجة. كيف يقول (تقولون أو يقال) في رمي الكعبة وهدم البيت الحرام وقتله المسلمين فان قلتم ليس ذلك أرادوا بل إنما أرادوا المتخرب به والمتحصن بحيطانه. أفما كان في حق البيت وحريمه أن يحصروه فيه إلى أن يعطي بيده وأي شيء بقي من رجل قد أخذت عليه الأرض إلا موضع قدمه واحسب مما رووا عليه من الأشعار التي قولها

شرك والتمثيل (التمثل) بها كفرا وشيا (شيئا) مصنوعا كيف يصنع بنقر القضيب بين ثنيتي الحسين عم وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حواسر على الاقتاب العارية والإبل الصعاب والكشف عن عورة علي بن الحسين عند الشك في بلوغه على انهم أن وجدوه وقد انبت قتلوه وان لم يكن انبت حملوه كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين. وكيف يقول في قول عبيد الله بن زياد لاخوته وخاصته دعوني اقتله فانه بقية هذا النسل فاحسم به هذا القرن وأميت به هذا الداء واقطع به هذه المادة.

خبرونا على ما يدل هذه القسوة وهذه الغلظة بعد أن شفوا نفوسهم بقتلهم ونالوا ما احبوا فيهم (منهم) أيدل على نصب وسوء رأي وحقد وبغض ونفاق وعلى يقين مدخول وإيمان ممزوج أم يدل على الإخلاص وعلى حب النبي (عم) والحفظ له وعلى براة (براءة) الساحة وصحة السريرة. فان كان على ما وصفنا لا يعدوا (لا يعدو) الفسق والضلال وذلك أدنى منازلة فالفاسق ملعون ومن نهى عن لعن الملعون فملعون.

وزعمت نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا أن سبب ولاة السوء فتنة ولعن الجورة بدعة وان كانوا يأخذون السمي بالسمي والولي بالولي والقريب بالقريب وأخافوا الأولياء وآمنوا الأعداء وحكموا بالشفاعة والهوى وإظهار القدرة والتهاون بالأمة

ص: 35

والقمع للرعية وانهم في غير مدارة ولا تقية وان عدا ذلك إلى الكفر وجاوز الضلال إلى الجحد فذاك أضل لمن كف عن شيمتهم (شتمهم) والبراة (والبراءة) منهم على انه ليس من استحق اسم الكفر بالقتل كمن استحقه برد السنة وهدم الكعبة. وليس من استحق اسم الكفر بذلك كمن شبه الله بخلقه وليس من استحق الكفر بالتشبيه كمن استحقه بالتجويز. والنابتة في هذا الوجه اكفر من يزيد وأبيه وابن زياد وأبيه ولو ثبت على يزيد انه تمثل بقول ابن الهعري (الزبعري):

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لاستطاروا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يد زيد لا تشل

قد قتلنا الغر من سادتهم

وعدلناه ببدر فعدل

كان تجويز النابتي (؟) لربه وتشبيهه بخلقه اعظم من ذلك وافظع على انهم مجمعون على انه ملعون من قتل مؤمنا متعمدا أو متأولا. فإذا كان القاتل سلطانا جائرا أو أميرا عاصيا لم يستحلوا سبه ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبه وان أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء وأجاع الفقير

وظلم الضعيف وعطل الحدود والثغور وشرب الخمور واظهر الفجور. ثم ما زال الناس يتشكعون (يتشكون) مرة ويداهنونهم مرة ويقاربونهم مرة ويشاركونهم مرة إلا بقية ممن عصمه الله تعالى حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد وعاملهما الحجاج بن يوسف ومولاه يزيد بن أبي سلمة فأعادوا (الكرة) على البيت بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة وحولوا قبلة واسط وأخروا صلاة الجمعة إلى مغيربان الشمس. فان قال رجل لأحدهم اتق الله فقد أخرت الصلوة عن وقتها قتله على هذا القول جهارا غير ختل وعلانية غير سر. ولا يعلم القتل على ذلك إلا اقبح من إنكاره (؟) فكيف يكفر العبد بشيء ولا يكفر بأعظم منه. وقد كان بعض الصالحين ربما وعظ الجبابرة (الجبار) وخوفه العواقب واراه أن في الناس بقية ينهون عن الفساد في الأرض حتى قام عبد (الملك) بن مروان والحجاج بن يوسف فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه وقتلا فيه فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه فاحسب تحويل القبلة كان غلطا وهدم البيت كان تأويلا واحسب

ص: 36

ما رووا من كل وجه انهم كانوا يزعمون أن خليفة المرء في أهله ارفع عنده من رسوله باطلا ومصنوعا موكدا. واحسب وسم أيدي المسلمين ونقش أيدي المسلمات وردهم بعد الهجرة إلى القرى وقتل الفقهاء وسب أئمة الهدى والنصب لعترة رسول الله ص يكون كفرا كيف نقول في جمع ثلاث صلوات ولا يصلون أولاهن حتى تصير الشمس على أهالي الجدران كالملا فان نطق مسلم خبط بالسيف وأخذته العمد وشك بالرماح، وان قال الله أخذته العزة بالآثم ثم لم يرض إلا (بنثر) دماغه على صدره وبصلبه حتى يراه عياله.

ومما يدل على أن القوم لم يكونوا إلا في طريق التمرد على الله عز وجل والاستخفاف بالدين والتهاون بالمسلمين والابتذال لأهل الحق أكل أمرائهم الطعام وشربهم الشراب على منابرهم أيام جمعهم وجموعهم فعل ذلك حسن بن دلجة وطارق مولى عثمان والحجاج بن يوسف وغيرهم وذلك أن كان كفرا كله فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا وروافض دهرنا لان جنس كفرها ولا غبر كفر أولئك. كان اختلاف الناس في القدر على أن طائفة تقول كل شيء بقضاء وقدر وتقول الطائفة الأخرى كل شيء بقضاء وقدر إلا المعاصي ولم يكن أحد يقول أن الله يعذب الأبناء ليغيط (ليغيظ) الأباء وان الكفر والإيمان مخلوقان في الإنسان مثل العمى والبصر. وكانت طائفة منهم تقول أن الله لا يرى لا تزيد على ذلك فان خافت

أن نظى (يظن) بها التشبيه قالت يرى بلا كيف تعريا من التجسيم والتصوير حتى نبت (نبتت) هذه النابتة وتكلمت هذه الرافضة فقالت جسما وجعلت له صورة وحدا وأكفرت من قال بالرؤية على غير الكيفية. ثم زعم أكثرهم أن كلام الله حسن وبين وحجة وبرهان وان التوراة غير الزبور والزبور غير الإنجيل والإنجيل غير القرآن والبقرة غير آل عمران. وان الله تولى تأليفه وجعله برهانه على صدق رسوله وانه لو شاء أن يزيد فيه زاد ولو شاء أن ينقص منه. ولو شاء تبدله (تبديله) بدله ولو شاء أن ينسخه كله بغيره نسخه. وانه نزله تنزيلا وانه فصله تفصيلا وانه بالله كاف دون غيره ولا يقدر عليه إلا هو. عير أن الله مع ذلك كله لم يخلقه فأعطوا جميع صفات

ص: 37

الخلق. والعجب أن الخلق عند العرب إنما هو التقدير نفسه فإذا (فلذا) قالوا خلق كذا وكذا. ولذلك قال احسن القائلين وقال يخلقون افكا. وقال وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فقالوا صنعه وجعله وقدره وأنزله وفصله وأحدثه ومنعوا خلقه وليس تأويل خلقه اكثر من قدره ولو قالوا بدل قولهم قدره ولم يخلقه خلقه ولم يقدره ما كانت المسألة عليهم إلا من وجه واحد والعجب أن الذي منعه بزعمه أن يزعم انه بمخلوق انه لم يسمع ذلك من سلفه وهو يعلم انه لم يسمع أيضاً عن سلفه انه ليس مخلوق وليس ذلك بهم. ولكن لما كان الكلام من الله تعالى عندهم على مثل خروج الصوت من الجوف وعلى جهة تقطيع الحروف وأعمال اللسان وللشفتين وان ما كان على هذه الصورة والصفة فليس بكلام ولما كنا عندهم على غير هذه الصفة وكنا لكلامنا غير خالقين وجب أن الله عز وجل لكلامه غير خالق إذ كنا غير خالقين لكلامنا. فإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا بين كلامنا وكلامه فرقا وان لم يقروا بذلك بألسنتهم فذلك معناهم وقصدهم.

وقد كانت هذه الأمة لا تجاوز معاصيها الإثم والضلال إلا ما جلبت (حكيت) لك عن بني أمية وبني مروان وعمالها ومن لم يدن باكفارهم حتى بحمت (نجمت) النوابت وتابعتها هذه العوام. فصار الغالب على هذا القرن الكفر وهو التشبيه والجبر. فصار كفرهم اعظم من كفر من مضى في الأعمال التي هي الفسق وشركاء من كفر منهم بتوليهم وترك اكفارهم. قال الله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم. وأرجو أن يكون الله قد أغاث المحقين ورحمهم وقوى ضعفهم وأكثر قلتهم حتى صاروا ولاة امرنا في هذا الدهر الصعب والزمن الفاسد اشد استبصارا في التشبيه من عليتنا واعلم بما يلزم فيه منا واكشف للقناع من رؤسائنا

وصارفوا الناس وقد انتظموا معاني الفساد اجمع وبلغوا غايات البدع ثم قرنوا بذلك العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم والحمية التي لا تبقى دينا إلا أفسدته ولا دنيا إلا أهلكتها. وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية وما قد صار إليه الموالي من الفخر على العجم والعرب. وقد نجمت من الموالي ناجمة ونبتت منهم نابتة تزعم أن المولى بولائه قد صار عربيا لقول النبي عليه

ص: 38

السلام مولى القوم منهم ولقوله الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال (قالوا) فقد علمنا أن العجم حين كان فيهم الملك والنبوة كانوا اشرف من العرب وان الله لما حول ذلك إلى العرب صارت العرب اشرف منهم قالوا فنحن معاشر الموالي تقديمنا (بقديمنا) في العجم اشرف من العرب وبالحديث الذي صار لنا في العرب اشرف من العجم. وللعرب (الحديث دون القديم وللعجم) القديم دون الحديث. ولنا خصلتان جميعا وافرتان فينا. وصاحب الخصلتين افضل من صاحب الخصلة. وقد جعل الله الموالي (المولى) بعد أن كان عجميا عربيا بولائه كما جعل حليف قريش من العرب قرشيا بحلفه وبعد أن جعل اسمعيل بعد أن كان أعجميا عربيا. ولولا قول النبي صلى الله عليه وسلم أن إسماعيل كان عربيا ما كان عندنا إلا أعجميا لان الأعجم لا يصير عربيا. كما أن العربي لا يصير أعجميا. فإنما علمنا أن إسماعيل صيره الله تعالى عربيا بعد أن أعجميا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك حكم قوله مولى القوم منهم. وقوله الولاء لحمة. قالوا وقد جعل الله إبراهيم ع م أبا لمن لم يلد كما جعله أبا لمن ولد. وجعل أزواج النبي أمهات المؤمنين ولم يلدن منهم أحدا. وجعل الجار والدمن لم يلد في قول غير هذا كثير وقد آتينا عليه في موضعه. وليس ادعى إلى الفساد ولا اجلب للشر من المفاخرة. وليس على ظهرها إلا فجور إلا قليل. وأي شيء اعبظ (أغيظ) من أن يكون عبدك يزعم انه اشرف منك وهو مقر انه صار شريفا بعتقك إياه.

وقد كتبت مد الله في عمرك كتبا في مفاخرة قحطان وفي تفضيل عدنان وفي رد الموالي إلى مكانهم من الفضل والنقص وإلى قدر ما جعل الله تعالى لهم بالعرب من الشرف. وارجوا أن يكون علا بينهم وداعية إلى صلاحهم ومنبهة إلى ما عليهم ولهم. وقد أردت أن أرسل بالجزء الأول إليك ثم رأيت إلا يكون إلا بعد استئذانك واتئمارك والانتهاء في ذلك إلى رغبتك فرأيك فيه موفقا أن شاء عز وجل وبه الثقة.

تم كتاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في النابتة والحمد لله أولا وأخرا والصلوة على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين آمين.

ص: 39