الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدواخل والكواسع في العربية
1 -
باب البحت
الدواخل جمع داخل وداخلة، فإن قدرت كلمة (حرف) ذكرت اللفظة وان قدرت (أداة) أنثت وقلت في جمعيها:(دواخل) والمراد بالدواخل كل حرف يدخل على الكلمة فيتصل بها ويصير كلاهما واحدا أو كالواحد وكلمة الداخل مأخوذة من كلام النحاة والصرفيين واللغويين. قال ابن قتيبة في (أدب الكاتب) في باب الألف واللام للتعريف (ص 226 من طبعة الإفرنج): (كل اسم كان أوله لاما ثم أدخلت عليه لام التعريف كتبته بلامين نحو قولك اللهم. . .) وقال في باب التاريخ بالعدد (ص297): (فأما ما ميزت به فلا تدخل فيه الألف واللام. . . وكذلك. . . تدخل في الأول الألف واللام) ومن هذا يتضح لك انك تقول: أدخلت (على) الكلمة الحرف الفلاني أو أدخلته (فيها) كما رأيت. فالدواخل تقابل الإفرنجية
وأما الكواسع فهي ما يزيد من الحروف على آخر الكلمة. وقد بينا صحة هذا اللفظ في مجلتنا هذه (4: 33 إلى 43) وبالإفرنجية وما يزاد في قلب الكلمة يسمى محشيا أو محشية وأما الزوائد فكلمة تقع على ما يراد في أول الكلمة ووسطها وآخرها وبالإفرنجية
2 -
شيوع الزوائد في اللغات الآرية
إن الزوائد بأقسامها الثلاثة معروفة في اللغات الآرية كالهندية واليونانية واللاتينية وجميع بناتها كالألمانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية إلى غيرها. أما في اللغات السامية فان المستشرقين قد أنكروها في مواطن وأثبتوها في مواطن. أما المواطن التي أثبتوها فهي مواطن أحرف الزيادة العشرة وأحرف المضارع الأربعة. وقد أنكروا علينا نحن العرب وجود الدواخل والكواسع والمحشيات في لغتنا اللهم إلا في ما ندر. والنادر كالعدم، وغايتنا من مقالنا هذا أن نثبت للقراء وجود الدواخل والكواسع وان الآريين جاروا العرب في اتخاذها في
لغاتهم بل نذهب إلى أبعد من هذا ونقول: أن دواخلهم وكواسعهم من أصل عربي لا من أصل آري.
3 -
دواخل اللغات اليافثية عربية النجار
في اللغة الرومانية وفروعها دواخل عديدة لم يهتد لغويوهم إلى إرجاعها إلى معنى مقبول حتى اليوم هذا. هذه داخلتهم التي تزاد في أول الكلم المبتدئة بحرف ساكن في مبتدأ الكلم الصائتة وتفيد معنى حرمان الحال أو العمل في الكلمة التي تتوج بها ويراد بها أيضاً أصل العمل وبدؤه وقد حاول لغويوهم رجعها إلى لفظة قطعت منها هذه الداخلة فلم يفلحوا في عملهم إلا أنهم يقولون أنها مقطوعة من كلمة وعددوا حروفا عديدة وكلها لم تقنع علماءهم الإثبات.
أما نحن فنقول إنها مقطوعة من (ضد) فاخذ السلف من هذه الكلمة - التي هي في أصلها هجاء واحد بحرفين - مرة الضاد فادخلوها على المضاعف الثلاثي في نظرهم (وهو في نظرنا لفظ ثنائي) حينما يكون أول الحرفين رقيقا ومرة (الدال) حينما يكون أول الحرفين فخما فمثال الدال على الأول قولك دحض حجته بمعنى أزالها وأبطلها وهو عكس قولك حضه: إذ معناه حثه على الشيء وأحماه عليه، ولا يكون ذلك إلا بإثبات الأمر فيه بان تقنعه بالأدلة أو الترغيب أو الوعد أو بنحو ذلك، فأنت ترى أن معنى دحض بعكس معنى حض فتكون الدال هنا للإزالة والحرمان - وتقول دحقت فلانا بمعنى طردته وأبعدته وهو ضد معنى حققته أي أثبته - وتقول: دحس الشيء ملأه والسنبل امتلأت أكمته من الحب وهو عكس قولك حسه أي قتله واستأصله. ففي الأول ترى ملء الحياة وفي الثاني انطفاء جذوتها وهناك غير هذه الأمثلة هذا في إدخال الدال في الأول.
وأما في إدخال الضاد فكقولك: رس البئر حفرها وضرسها طواها بالحجارة وهو عكس الأول. وتقول رب فلان بالمكان: إذا لزمه وأقام به وضرب في الأرض خرج تاجراً أو غازياً أو أسرع أو ذهب. وضرب بنفسه أقام وسافر ضد، فمن قال بان معنى ضرب بنفسه: أقام فانه يعتبر الراء زائدة فيكون اصله (ضب) بمعنى لصق بالأرض. ومن قال أن معنى ضرب بنفسه سافر فيكون
اصله رب ثم ادخل الضاد ليعكس المعنى فقال: ضرب - وقالوا: رب الأمر أصلحه وأتمه - وضرب بين القوم: افسد فأنت ترى في معنى الأول الإصلاح وفي الثاني عكسه أي معنى الإفساد. ولو تتبعت هذا البحث وأمعنت في قلبه لتجلت لك هذه الحقيقة بكل محاسنها وفتنتك بجمالها.
هذا في الداخلة المنقولة عن (ضد) وهناك دواخل عديدة في اللغتين الآرية والسامية تجري
كلها على هذا المنحى من تحويل المعاني الأصلية إلى معان فرعية جاءتها من الدواخل عليها - دونك الآن الأداة في اللغة الرومانية وفروعها أو بناتها فإنها تعني التكرير والإعادة والمقابلة والمقاومة والعودة إلى حالة قديمة ولغويو الغرب قالوا لنا أنها مقطوعة من الرومانية راجع ص644 من تأليف - معجم أصل الألفاظ اللاتينية وبالألمانية
قلنا: أما الكلمة اللاتينية فتدعي بعربيتها (رد) والأصل واضح وقد قلنا أن كاسعتهم من زيادتهم والعربية خالية منها محتفظة بالأصل على وضعه الذي خلق فيه، فإذا كان كذلك فنحن العرب نفتخر بذلك. إلا أن القول بأنها من أصل (رد) لا يوجه جميع المعاني التي ذكرناها فويق هذا. والذي نذهب إليه هو أن الأصل مقطوع من راع يريع بمعنى نما وزاد وبمعنى رجع. وبذلك يصح توجيه جميع المعاني الناشئة في الألفاظ الداخلة عليها الراء المقطوعة من (راع) وأنت تعلم أن الأجوف المقلوب عن الياء كان يلفظه بالإمالة إلى الياء. زد على ذلك أن ليس في اللغات الغربية حرف العين فكان من المحتم أن تلفظ راع بالأحرف الإفرنجية لا غير.
أما في لغتنا الشريفة المحبوبة ألفاظا متوجة بالراء فهذا واضح من كلم كثيرة ترى في لساننا. من ذلك قولهم جس الشيء مسه بيده، والأخبار تفحصها وتقول: رجس الماء: قدره بالمرجاس ولا جرم أن معنى رجس الماء مأخوذ من مسه بالآلة المرة بعد المرة كما أن تفحص الأخبار لا يكون إلا بعد إعادة السؤال مرارا عديدة ولهذا نقول أن الرجس بهذا المعنى مأخوذين من الجس بزيادة الراء الداخلة عليه - وقال السلف: مث يده: مسحها بيده ورمث الشيء مسحه بيده، وقالوا:
الرحامس: الجريء الشجاع وهو عندنا مشتق من الحمس وزيدت الراء في أوله لتفيد عمل الجريء الذي يتكرر في كل مرة تظهر فيها شجاعته. ومن لا يتكرر فيه العمل لا يقال له رحامس. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى وكلها تؤيد مذهبنا هذا الذي لم يذكره أحد قبلنا.
ومما يدل على أن الداخلة الآرية أو اليافثية بحسب اصطلاح اللغويين الجدد مقطوعة من (راع) أن العرب سلفنا اتخذوا العين داخلة في بعض الأحيان بدلاً من الراء فقد قالوا مثلاً (عصفور) ويريدون به كل طائر صغير يكثر من الصفير ولا جرم أن الأصل هو (صفر) وأصل صفر هو (صف) وهو حكاية صوت الصفير في أبسط تركيبه ومنه في الإفرنجية
وكذلك في الرومانية وولما أرادوا الدلالة على أن هذا الطائر يكرر الصفير أدخلوا عليه العين المقطوعة من (راع) الذي تفيد الترجيع فصار معناه الطائر الذي يردد الصفير كثيراً، لكنهم زادوا اللفظة معنى آخر هو التصفير ومن صيغ التصغير عند الأقدمين (فعلول) فقالوا إذن (عصفور) الذي غدا معناه: طائر صغير يصفر صفيراً بل يعيد الصفير مراراً. وهذا معنى دقيق يكشفه لنا الإمعان في استكشاف أسرار اللغة.
نعم أن بعض الأقدمين من لغويينا إنما سمي العصفور عصفوراً لأنه عصا وفر. قاله حمزة ونقله صاحب التاج والدميري وغيرهما. أي أن هذا الطويئر سمي كذلك لأنه لما كان في الجنة عصى الله ففر منها. ونحمل ذلك على سبيل المزاح لا على سبيل الجد إذ العصفور كان يستطيع أن يفر قبل أن يدخل الجنة وليس العصفور وحده بل جميع الطيور على اختلاف أنواعها.
ومن الغريب أن لفظ العصفور يشبه الرومانية (أي قصر بقلب في الحروف) أما اليونانيون فانهم ابتعدوا عنا وعن مجاوريهم بقولهم (ستوثوس) والإنكليز يقربون منا في اللفظ إذ يقولون ويقاربنا أيضاً في الكلام الصكصون الأقدمون والغوط والدانيون والأسلنديون والجرمنيون وكل من تفرع من هذه الرسوس - ولا نريد أن نسترسل في هذه الداخلة لأن البحث طويل عريض ونكتفي بما ذكرنا.
وهناك (أي عند الغربيون) داخلة أخرى هي وتفيد الدخول أو الإدخال فقولهم مثلاً مركب من (في) المشتقة من التي معناها الأرض والتراب. فيكون معنى فعلهم (أنهمر) أدخل الشيء في الأرض أي دفنه فمن أين أتتهم داخلتهم هذه أي (أن)؟ - أن لغويي الغربيين ذكروا عدة ألفاظ وكلها لا تفيد المطلوب إذ يرى فيها التكلف ظاهراً أو كما يقول الفرنسيون ترى أنها مجذوبة بالشعر أو مستخرجة بالقوة والعنف لا باللطف والعقل.
والذي عندنا أن (إن) مأخوذة من العربية (عند) ومعناها عند الفصحاء الأقدمين من القلب (بمعنى الفؤاد) وداخل الشيء، فقول الفرنسيين معناه: وضعه في عند الأرض أو قلبها أو داخلها أي وضعه في باطنها، فيكون معناه دفن أو أودع بطن الأرض ولما لم يكن عندهم حرف العين قلبوه همزة كما هو مألوف عادتهم وحذفوا منها الدال تخفيفاً، وقد تجيء الدال بصورة التاء ومنها عندهم أي داخل الشيء و (عنده) أي قلبه. فأنظر محاسن لغتنا وكيف
أنها تكشف لك ما في سائر الألسنة من الخبايا والمغلقات والطلاسم.
أما أن سلفنا أما أن سلفنا أستعمل (عند) داخلة في بعض كلامهم، فهذا واضح من النظر إلى بعض الألفاظ فأنك ترى في أوائلها مرة العين ومرة النون ومرة الدال إذ لا يمكن أن يستعملوها كلها بحذافيرها لكي لا تجتمع كلمتان تامتان في كلمة.
فاستعمال الدال في كلامهم ظاهر في (دخل) فأن أصلها (خل) يقال: خل الشيء: ثقبه ونفذه. (ودخل) إذا مضى في باطن الشيء المثقوب أو المنفوذ فيه أو ما يضاهي المثقوب بأن يكون له باطن يتمكن من الذهاب فيه. ومثال اتخاذ النون من (عند) داخلة قولهم: نفذ فأن أصله فذ أي طرد طرداً شديداً فإذا قلت نفذت هذا الشيء الآخر فكأنك قلت: طردته في عنده أو في قلبه أو داخله أي خرقته وجزئه. - ومثال دخول (عين) عند على بعض الألفاظ لأفادت المضي في بطن الشيء أو باطنه قولك: عقرت بفلان: حبسته وهو في الأصل مأخوذ من (قر) في المكان أي ثبت فيه وسكن، فأدخلت العين عليه لكي تفيد إيلاجه وقصره فيه. هذا الذي نراه نحن، أما غيرنا من اللغويين فأنهم يزعمون أن
عقر بفلان بمعنى: حبسه مشتق من قولهم عقر بعيره فلم يقدر على السير. قلنا: ولم يقولوا هذا إلا للمشاكلة التي ترى بين عقر البعير وعقر بفلان. على حد ما قالوا أن العصفور مشتق من عصى وفر وأن الخندريس مشتق من خدر العروس وإبليس من بلس والإسطرلاب من أسطر ولأب! ولأب أسم علم عندهم، مع أنه لم يكن له وجود في العالم.
ولا نقف عند هذا الحد من ذكر الدواخل ففي لغات الأجانب لغات أخرى متوجة لمفرداتهم وهي في نظرنا مأخوذة من لغتنا. ومن هذا القبيل الداخلة أو فأم معناها عكس أي أنها تدل على الخروج والإخراج وقد حاولوا أن يجدوا لها لفظاً من لسانهم دالاً على المكان الخارج أو ما هو في خارج المحل فلم يعودوا إلا بما عاد به حنين. أما نحن فنقول أنها مقطوعة من (عقوة) التي تعني في لغتنا (ما حول الدار وساحتها ومحلتها وما كان خارجا عنها) وهذا لا تجده في لغتهم. فقد قلنا فويق هذا أن معنى (أنهمر) مثلاً مركب من (أن تخفيف عند) وهمس (كعنق) أي تراب أو أرض فيكون معنى الفعل وضع في الأرض. والآن إذا أرادوا أن يقولوا أخرج الشيء من مكانه الذي تحت الأرض يقولون (أكسهمر) بفتح الآخر أي نبشه أو أخرجه من القبر وعندنا أن أصل معناه: أخرجه إلى عقوة القبر أي
إلى خارجه أو إلى حوله أو ساحته.
أما أن السلف استعملوا قاف العقوة أو عينها أو كليهما معاً فظاهر من استقراء بعض المفردات الواردة في لغتهم، هذه كلمة العقنفس (كسفرجل) التي تعني العسر الأخرق واللئيم، فمن أين أتتنا؟ أتتنا من كلمتين من عق (وة) (ال) نفس أي خارج على النفس ولا يخرج عليها إلا كل عسر الأخلاق واللئيم ثم أبدلت الفاء من الباء على لغة فقالوا العقنبس. فأنت ترى أنهم استعملوا العين والقاف معاً. وفي قولهم عنشط الرجل استعملوا العين فقط ومعنى عنشط الرجل غضب ومعنى نشط طابت نفسه للعمل والغضب يخرج النفس من صاحبها لو أمكن لنا هذا التعبير من باب المجاز. أما إدخالهم القاف في الأول فكقولهم: القداحس الذي هو الشجاع والسيء الخلق وأصله عندنا الداحس أسم فاعل من دحس أي دس الشر من حيث لا يعلم وهو صفة ملازمة للسيء الخلق. فأنت
ترى من هذا أن العربية غنية بنفسها تجود على غيرها بخيراتها وآلائها ومحاسنها فتكسبها رشاقة وجمالاً وثروة.
ومن الدواخل الرائجة في أسواق لغاتهم وتفيد معنى إذا وإلى وحتى ونحو ما يقارب هذه المعاني وتدخل في ألفاظ كثيرة من كلامهم وقد تتغول بصور أخرى مثل: ولم يذكروا لنا الكلمة الأصلية التي قطعت منها. والذي عندنا أنها مقطوعة من (حتى) وهي الكلمة العربية التي تفيد جميع معاني الداخلة اللاتينية التي انتقلت إلى جميع اللغات الغربية. فإذا أرادوا أن يقولوا: قاد إلى. . . عبروا عنها بقولهم وهي منحوتة من أي حتى أي قاد ومحصل المعنى: قاده إلى حيث أراد، أو قيد أي صار مقوداً. ولما كانت الحاء ثقيلة في دخولها على الألفاظ ولا وجود لها عندهم أبدلوها من الهمزة ولذا ترى كثيراً من الأفعال الواردة على أفعل هي في الأصل من هذا العنصر فقد قال السلف أهزل الرجل إذا أصاب ماله الهزال، وأجرب إذا أصابه الجرب وأرغد إذا صار في رغد من العيش. على أننا لا ننكر أن بعض همزات أفعل ليست مقطوعة أو مبدلة من (حتى) بل من مفردات أخرى. ومن هذا القبيل ورود الداخلة الإفرنجية بمعنى جعل للرجل شيئاً وهو يقارب المعنى السابق. فقد قالت العرب أجدادنا قبلهم أقبرت الرجل أي جعلت له قبراً يدفن فيه وأحلبت الرجل أي جعلت له ما يحلبه، وأركبته جعلت له ما يركبه، وأرعى الله الماشية
أي أنبت لها ما ترعاه، إلى غير هذه الأفعال. ومن دواخلهم وهي غير التي ذكرناها في الأول، وهذه تعني إزالة الشيء ونزعه أو نفيه أو خلطه بشيء آخر وموقفاً أعلى أو أسفل وقد تنتقل إلى أمام أصل يبتدأ باللام أو أمام الباء أو الميم أو الباء المثلثة وتنتقل إلى أمام أما أصل هذه لداخلة قلم يتوقفوا أيضاً للعثور عليه، وذهب كل فريق إلى رأي دون رأي الآخر.
والذي عندنا أن أصلها (لا) أو (ما) إذ الواحدة في الأصل لغة في الأخرى فإذا قالوا فأنها مركبة من (أن) أي لا أو ما و (فين) أي نهاية فيكون معناه اللانهاية له. وعندنا أن (ما) العربية التي نشأت منها اللاتينية أو ما يجانسها مقطوعة من (محو) فقالوا: (مو) ثم جعلوا الواو كما هو كثير
الورود في لغات بعض القبائل فصارت (ما) فقول الأجانب (انفني) الممحو منه النهاية أو الغاية أو الآخر. هذا هو رأينا، وهذا الرأي يوجه الأداة الداخلة المذكورة أحسن توجيه.
أما اليوم فإذا أردنا أن نترجم ما يبتدئ بالأداة الداخلة الإفرنجية المذكورة فلا يجوز لنا إلا أن ننقله بقولنا اللانهاية أو اللاغاية له. أو أن نقول: غير منته. أما الوجه الأول فقد عرفه أجدادنا منذ أقدم العهد فقد قال عامر بن الظرب العدواني - وهو من خطباء الجاهلية -: أني أرى أموراً شتى وحتى، فقيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً، ويعود (اللاشيء) شيئاً أه. ومن ذلك اصطلاحات فلاسفة العرب كقولهم: اللاأدرية واللانهاية واللادوام واللابقاء. وقد قال أبن عابدين بخصوص هذه (اللا) في كتابه (الفوائد العجيبة في أعراب الكلمات الغريبة) ما هذا نصه: (قولهم: هو كلا شيء ووجوده كلا وجود)، صارت (لا) مع ما بعدها كلمة واحدة واجري الأعراب على الآخر وعرفت باللام في مثل (اللآخر) وقيل: هو بمعنى (غير) إلا أن إعرابها ظهر ما بعدها لكونها على صورة الحرف، كما في (إلا) بمعنى (غير). انتهى كلامه.
فأنت ترى من هذا النقل أن تركيب (لا) مع غيرها من الكلم يصيرها في المعنى كالكلمة الواحدة المنحوتة ولأن هذا الضرب من النحت قديم في لغتنا من عهد الجاهلية - إذا كانت هذه الرواية التي نقلها صاحب العقد الفريد - صحيحة لا دس فيها ولا وضع ولا تزوير.
وهناك غير هذه الدواخل في لغات الأجانب ولجميعها وجه وتخريج في لغتنا اليعربية، مما
يطول تفصيله، وإنما أردنا الآن بهذا الإجمال إشارة إلى أن في لغتنا من النشاط والتجدد مالا مثيل له في سائر اللغات السامية والحامية واليافثية، فهي من أجمل اللغات وأطوعها لمبتدعات الفكر على أتساع أفقه في الخيال والمثال.
4 -
الكواسع
أما الكواسع فكنا قد عقدنا لها باباً واسعاً في السنة الرابعة من مجلتنا (33: 7 إلى 44) فلتراجع.
5 -
الزوائد
إن المستشرقين ولغويي الغرب يسلمون للعرب أن في لسانهم زوائد تدخل على الأفعال وما يتصرف منها من المشتقات، وقد تكسع بها بعض الأفعال والأسماء المشتقة. على أن لغويينا ولغويي المستشرقين لا يعترفون أن هناك حروفاً تزاد في الكلم غير أحرف (سألتمونيها) التي تدخل على المزيد فيها والتي أربعة أحرف منها وهي - أحرف (نأيت) تدخل على المضارع أيضاً أما نحن فقد رأينا أن جميع حروف الهجاء قد تزداد فتكون دواخل وكواسع ومحشيات (أي تدخل في باطن الكلمة) وقد جمعنا شيئاً كثيراً من هذا القبيل ولا بد من ذكر بعض منها وقد دخلت عليها حروف غير أحرف الزيادة المعهودة ومنها ما قد كسعت بها ومنها ما قد حشيت بها.
6 -
أمثلة الباء الداخلة
بجل من باب عظم أي صار بجيلا أي عظيماً وأصله جل بمعناه، وتبغنجت المرأة بالغت في التغنج وأصله تغنجت وبزمخ الرجل تكبر وأصله زمخ بمعناه وبخذعه وأصله خذعه أي قطعه إلى غيرها.
7 -
أمثلة الباء المحشية أو المتوسطة
الحبر قصة الناقة الكريمة وأصلها الحرقصة بمعناها خبرق الشيء: ثقبه وأصله خرقه. وقد يقع القلب في خبرق فيقال خبرقه والمعنى يبقى واحداً. وتقول: ما عليها خربصيصة كما تقول: ما عليها خرص أي شيء من الحلي. وقد زيد فيها وياء وصاد ثانية طلباً للمبالغة في المعنى.
8 -
أمثلة الكسع بالباء
العقرب وأصله العقر أي العض ثم كسعت بالباء زيادة لمعنى الألم، وقالوا خذعب الشيء أي قطعه وأصله خذعه، والسعابيب ما يمتد شبه الخيوط من العسل ونحوه وأصله السعب وقد زادوا في الكسع: الباء وتضعيف المثل الأخير كما زادوهما في الخربصيصة، وقالوا في جرع جرعب. وفي الدعب (أي الدعابة) الدعبب كقنفذ، إلى غيرها.
9 -
أمثلة الحاء الداخلة
الحرقصة هي الرقص، والحضوضاة هي الضوضاء والحثفل كقنفذ وهو الثفل وهو شيء يكون في أسفل المرق من حثاث الطعام، وكذلك هو من اللحم
ومن سائر المآكل وما يشبهها. والحنتوف وهو الذي ينتف لحيته من هيجان المرار به وهو من النتف. وحبك عنقه دقها مثل بكها وقد ذكرنا في هذا المقال أن دحض من حض ودحق من حق وثم ألفاظ لا تحصى.
10 -
أمثلة الحاء المحشية
بحثر اللبن تقطع وحبب وهو مشتق من البثر كأنه صار فيه شيء كالبثر - جحدله صرعه ومثله جدله أي صرعه على الجدالة وهي الأرض - والجحرش كجعغر الفرس الغليظ المجتمع الخلق والأصل فيه الجش يقال موضع جش أي خشن الحجارة فكأنك تقول عن الفرس هو الخشن الأخطاء الغليظها وقد قال اللغويون بعد أبن فارس: أن أصل مادة الجش الخشونة والجحرش من الجش بزيادة الحاء والراء، وقد وقع القلب في الجحرش فقالوا الجحشر وأصل المعنى باق فيه وأن أختلف في مؤداه شيء للدلالة على هذا الاختلاف والجحرش كجعفر وقنفذ والجحاشر كعلابط: الضخم الحادر الجسيم العبل المفاصل العظيم الخلق، إلى غير هذه المفردات وهي كثيرة.
11 -
أمثلة الحاء الكاسعة
قالوا ما في الدار دبي أي أحد ومثله دبيح وجزح من ماله جزحة أي قطع له منه قطعة وأصله جز، وفلح الشيء شقه وقطعه وهو من فله.
12 -
أمثلة العين الداخلة
علبوب القوم: خيارهم مثل لبهم، وقد زادوا فيه أيضاً الواو وضعفوا الباء كما مر مثل هذا في السعبيب والخربصيص - وعكر على الشيء مثل كر عليه - والعمرس: القوي. قال أبن فارس في كتاب المقاييس: هذا ما زيدت فيه العين وإنما هو من الشيء المرس وهو الشديد الفتل، وعلد الشيء (كعلم) صلب وأشتد وهو من لدن فلان: اشتدت خصومته. والعلس ما يؤكل ويشرب، وهو من اللس الذي هو الأكل.
13 -
أمثلة العين المحشية
معس الشيء مأخوذ من المس - ماج البحر مثل معج أي هاج - القعموط: القمط أو القماط وهناك غيرها كثيرة.
14 -
أمثلة العين الكاسعة
جزع من المال جزعة أي قطع له منه قطعة، هو من جز الشعر والحشيش قطعه - الجمع مأخوذ من الجم وهو الكثير من كل شيء - جرع الماء بلعه وهو مأخوذ من الجر كأن معدته جرتها إليها، جدع أنفه أو أذنه أو يده أو شفته مأخوذة من الجد وهو القطع وزيدت العين في الآخر للدلالة على قطع (عضو) من - قطع الشيء مأخوذ من قط وهو حكاية صوت قطعة.
15 -
أمثلة الفاء في الأول
فصح اللبن: أخذت عنه الرغوة، وهو مأخوذ من صحت السماء: إذا ذهب الغيم عنها، الفدوكس مثل الدوكس وهو الأسد، فرتك الرجل: مشى مشية متقاربة ورتك البعير قارب خطوة في رملانه، ومؤدى فرتخ كمعنى رتخ.
16 -
أمثلة فاء التحشية
كن الشيء: ستره وغطاه وأخفاه وكفن الخبزة في الملة واراها بها. - كفت الطائر وغيره: أسرع في الطيران والعدو. وهو من كت فلان قارب الخطوة في سرعة.
17 -
أمثلة فاء الكسع
نشف الغدير مأخوذة من نش. خطرف البعير مثل خطر. - الخذروف كالخذرة وهو طين
يلعب به الصبيان - الخنطرف كالخنطير.
18 -
كلمات فيها القاف الداخلة
القلب (بالضم) كاللب (بالضم) القرقفة الرعدة وهي مأخوذة من أرقف (راجع اللسان والتاج ففيهما فوائد لا يحتمل سردها هنا لضيق المقام).
19 -
كلمات فيها القاف زائدة في الحشو
الزحنقف: الزاحف على أسته والقياس من جهة الاشتقاق أن يكون بفاءين من زحف (القاموس) العقنقل: النون والقاف فيه زائدتان.
20 -
كلمات فيها القاف زائدة في الآخر
زل وزلق. حذ وحذق إلى غيرهما
وفي كل هذه الحروف وأمثالها ألفاظ لا تحصى ونحن لا نريد أن يمتد نفسنا إلى ما وراء ما ذكرنا لأن الموضوع متسع الأرجاء ولا تكفيه المقالة والمقالتان بل لا يوفيه حقه إلا كتاب قائم برأسه وإنما أردنا أن نشير إلى المبحث إشارة عجلان لكي لا يتوهم الغافل أن لغتنا قاصرة عن مجاراة لغات الدنيا قاطبة وبهذا القدر كفاية لمن يريد أن يستهدي.
21 -
تذييل في الكواسع
كتب الأستاذ بندلي جوزي من جامعة باكو في روسية مقالاً في (الكلية 1: 16 إلى 8) يفند على زعمه ما حبرناه في الهلال بعنوان: اللغة العربية مفتاح اللغات (206: 37) وكنا نتوقع أن يكون في هذا الرد ما يدل على ذكاء صاحبه وإذا هو أظهر الخلاف ونحن نرجئ التفصيل ريثما يتسع لنا المقام في هذه المجلة لتزييف مزاعمه الواهنة الواهية إلا أننا نذكر هنا ما قاله عن الكواسع (ص6 في الحاشية) وهذا نصه بحروفه (اصطلحنا أن نؤدي كلمة بالملحقة وبالمقحمة وبالمضافة أو المصدرة. فاحفظ ذلك ولا تستهوك كلمة (كاسعة) التي أختارها حضرة الأب لتأدية معنى وهي من قولهم كسمت (كذا بالميم ولا جرم أنها من غلط الطبع والصواب كسعت) الخيل بأذنابها أي أدخلتها بين أذنابها (كذا، ومن يشك فليرجع إلى الأصل) فقد حان لنا أن نقيم ولو قليلاً على بعد من البعر والجمال وأذناب الخيل. . .).
قلنا: فكم من غلط في هذه الكليمات! ثم كم يكون عدد تلك الهفوات لو أردنا أن نبين ما في رده كله من الشنائع؟
وأول أوهامه هنا أنه أتخذ أسم المفعول للدلالة على هذه الأدوات، وكان عليه أن يصوغها على أسم الفاعل وهذا الأمر لا يظهر في قوله الملحقة والمقحمة لأنه لم يضبطهما، إلا أنه يتضح في (المصدرة) إذ ضبطها بفتح الدال المشددة وذلك لأن السلف ينسبون إلى الأداة ما ينسب إلى الرجل العاقل لأنها تتوب عنه ولهذا لا ترى بين أسماء الأدوات ألفاظا مفرغة بصيغة المفعول بل بصيغة الفاعل (راجع لغة العرب 16: 5 إلى 22) وسوف ترى دليلاً آخر فيما يأتي:
والثاني أنه سمى الحرف الداخل في الحشو (مقحمة) وهو ليس كذلك إنما الحرف يوضع في قلب الكلمة بمنزلة حشو لها لأحداث معنى خاص بها ولا يقحم فيها إقحاما ولهذا كان عليه أن يسميه (محشية أو حاشية) إلا أن (محشية) أحسن لأن لفظ (الحاشية) أنصرف إلى طرة الكتاب، ولهذا يحسن بنا أن نتخذ للمعنى الجديد وضعاً خاصاً به.
والثالث أن قوله إننا سمينا كلسعة من محض بهتانه لنا إنما أردنا
بالكلسعة وما عليه إلا مراجعة ما كتبناه ليتحقق صدق ما نقول. فبالكالسعة أذن حرف يوضع في مؤخر الكلمة لإنشاء معنى جديد في تركيبها وقد سميناها أيضاً (اللاحقة والمذيلة)(راجع لغة العرب 33: 4 إلى 38 المقالة المعنونة (حروف الكسع في الألفاظ العربية والمعربات).
والرابع ظنه إيانا الواضعين لهذه اللفظة والتحقيق أننا نقلناها عن كلام بلغاء الأقدمين كما سترى (راجع لغة العرب 33: 4).
والخامس أنه أدعى كون الكاسعة مشتقة من كسعت الخيل (بأذنابها) أي أدخلتها بين (أذنابها) فلم نفهم هذا الكلام، اللهم إلا أن يكون بالروسية إذ كيف تدخل الخيل (أذنابها) بين (أذنابها) فهل يستطيع أن يوضح لنا ذلك وبأي صورة يكون؟ والصواب: أدخلت (أذنابها) بين (أرجلها) كما يتضح بأقل تأمل لمن لا يشرب الفودكة.
والسادس قوله أن الكاسعة مشتقة من كسع الخيل وهو وهم ظاهر والصحيح أن كسع لغة في كسأ بهمزة في الآخر وكسأ (بهمزة بعد السين) كل شئ مؤخره فيكون معنى كسأه تبعه أو أتبعه. فالكاسعة أداة تتبع آخر حرف الكلمة أو تكون في مؤخرها.
والسابع قوله: (فقد حان لنا أن نقيم ولو (قليلاً) على بعد من البعر) لا معنى له، ولعل مراده (نقيم بعض الأحيان) ليصح أن يكون على بعد من البعر في أحيان الحاجة إلى الابتعاد إذ يجوز لبعض الناس أن يترددوا إليه من غير أن يقيموا بجانبه دائماً، وإلا فلو أقاموا (قليلاً) على بعد منه رجعوا إليه من جديد مجاورين له بعد مضي هذا (القليل). أفهمت يا مولاي الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في الآداب؟.
والثامن جهله أن الإقامة بين الجمال والخيل عند الحاجة هي من الضروريات فهؤلاء متمدنو هذا العصر يبحثون في (البعر) ودحاريج الجعلان عن الحقائق العلمية التي تتعلق بالدويبات التي تعيش فيها فلماذا يأنف صاحبنا من مثل هذا الأمر لو فرضنا جدلاً أنه محق في اشتقاق الكاسعة؟.
والتاسع: أننا لم نضع هذه الكلمة أي الكاسعة بل سبقنا إليها اللغويون الكبار الأقدمون فاتبعناهم وشهرنا اللفظة في هذا الأوان. قال الأزهري في كتابه التهذيب في مادة عندل: (العندليب رباعي أصله العندل، ثم مد بياء وكسعت (بصيغة ما لم يسم فاعله) بلام مكررة ثم قلبت باء) اهـ (وراجع التاج في مادة عندل). وقال في التاج في مادة ددد في شرحه كلام الطرماح (. . . آل الضحى ناشطا من داعب ددد، قال الليث: وإنما قال ددد لأنه لما جعله نعتاً لداعب كسعه أي أتبعه (هذا معنى كسعه لا ما قال الخصم. وأصل ددد: (دد أو ددا)) بدال ثالثة وإنما عبر بالكسع إغراباً وإيماء إلى وقوع مثله في كلام بعض الأقدمين من الصرفيين. قاله شيخنا.) اهـ كلامه، وقال في رخد:. . . قال أبو الهيثم: الرخود: الرخو زيدت فيه دال وشددت مكسوعا بها كما يقال فعم وفعمل. اهـ عن التاج واللسان وهناك غير هذه الشواهد فاجتزأتا بما ذكرنا.
أفرأيت الآن من واضع الكاسعة وأنها يجب أن تكون بصيغة الفاعل لا بصيغة المجهول إذ الأداة كاسعة والكلمة مكسوعة؟ فإذا علمت يا أيها الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في العلوم الأدبية (؟) عرفت أنك واهم تسعة أوهام في ثلاثة أسطر من مجلة الكلية - وتبين لك أن مقالك كله من هذا النسيج، نسيج العنكبوت، نسيج الخطأ والخطل وأن سكوتك كان أشرف لك من أن تعلن على رؤوس الملا جهلك هذا الشائن الفظيع فكيف تكون حالك حين نزيف مقالك كله وما فيه من الآراء السخيفة وقد وقع في ثماني صفحات؟
(الخلاصة)
أن لغتنا من أرقى اللغات ومن أتمها وضعا وأحسن تركيبا، وفيها الدواخل والكواسع والمحشيات كما في اللغات اليافثية، بخلاف ما ينكره علينا علماء الغرب من المستشرقين وبعض الشعوبية من العرب، وأن الألفاظ الدواخل والكواسع زعمه بعض المغفلين المتقعرين وما سواها من الأسماء يعد من سقط المتاع.