الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها
1 -
المقدمة
كل من وقف على جزء من أجزاء هذه المجلة (مجلة المجمع العلمي العربي) عرف ما لها من صدق الجد وخدمة اللغة العربية خدمة لا يمكن أن ينكرها أن ينكرها إلا من أعمته الغايات وحطته إلى اسفل الدركات وفي كل جزء يصدر منها جواهر نفسية ينظمها في عقدها المتزايد قيمة جماعة من أفاضل الشرف والغرب والجميع يتنافسون في قتو هذه الملكة - ملكة اللغات طرا - فينقلب القارئ بعد وقوفه على ما فيها من بديع المقالات حافل الوطاب مفتخراً بما في اللغة الضادية من دفائن الكنوز التي لا يقف الطرف على طرفها وأن صرف عمره بل أعماراً في هذا السبيل.
ومما نستحسنه في القائمين بشؤون تحبيرها وتحويرها أنهم لا يستنكفون من نشر ما يخالف آراءهم الخاصة، ولا سيما ما يخالف رئيسيها الجليلين:(محمد كرد علي والمغربي) وهذا أدل دليل على أنهما ومن معهما يتوخون الحقيقة والصدق في كل ما يقولون أو يقولون به ولهذا لا ينكرون الحقيقة على من يجاريهم في هذا الصراط إذا كان من يخالفهم في آرائهم يخلصون النية وخدمة اللغة ونشد الضالة المطلوبة.
وقد بدأت المجلة المذكورة سنتها العاشرة بطبع الجزء الثامن من كتاب نشوار المحاضرة تلك الدرة البديعة التي أتحفنا بها القاضي التنوخي. وقد ظفر به الأستاذ الإنكليزي الشهير د. س. مرجليوث كما ظفر بالجزء الأول ونشره في مصر في سنة 1921 ومجلة المجمع لم تفعل هذا الأمر إلا إجابة لطلب الأستاذ مرجليوث الذي طلب إلى أعضاء المجمع أن ينشروا هذا الجزء الذي وجده مخروماً في متحفة لندن وأن يكون النشر تباعاً في مجلتهم ثم يفرد على حدة بعد أن يعلق عليه بعض التصحيحات منها للأستاذ مرجليوث ومنها للمجمع نفسه فاستحسنا هذا
العمل ولا جرم أن جميع أبناء العرب ومحبيهم يرحبون بهذا الأثر وبناشريه لما ينجم منه من الفوائد الجليلة.
وفي الجزء المزدوج من هذه السنة وهو الجزء الأول والثاني مقالات أخرى فاخرة نمقها جماعة من علماء الشرق والغرب ومن جملتها مقالة الأستاذ كركو نلينو العلامة الإيطالي
عنوانها (تصحيفات غريبة في معجمات اللغة العربية) فحمدنا الله على ما جاء وما يجئ من القلائد الحسان في هذه المجلة الجليلة الثمينة.
وفي أثناء مطالعتنا لصفحات نشوار المحاضرة ومقالة الأستاذ نلينو وقع في خلدنا خواطر شتى فأحببنا أن نضبطها بتدويننا إياها في هذه السطور لعل ما ينقدح منها من الشرر الضعيف يكون سببا لنار شديدة تنبعث منه أضواء رائعة فيستفيد منها من به حاجة إليها. وعلى كل حال ليس في تقييدها أدنى ضرر ولهذا نعرضها هنا للقارئ:
2 -
نقد كتاب نشوار المحاضرة
لما كنا نود أن كل ما يبرز باسم المجمع العلمي - الذي نتشرف بانتسابنا إليه يكون مطبوعاً بطابع العلم والتحقيق وأن يصدر قليل المعايب ألم يصدر منزهاً عنها نذكر هنا ما نظنه خطأ ولعله غير صواب في نظر من هو أعرف منا بدقائق اللغة وأسرارها.
جاء في الصفحة الأولى من هذه السنة من المجلة (1: 10) ذكر القاضي. . . التنوخي المتوفي سنة 384 وجاءت الباء منقوطة بثنتين ونحن أن هذا التنقيط صادر من المنضد لأن الصحيح المتوفي بألف مقصورة في الأخر.
وورد في حاشية 7 تعليقاً على كلمة (المغزى) المكتوبة بصورة (المغزا) قول المجلة: (كذا في الأصل) - قلنا: ولو يزاد على ذلك أن الأبياري قال في كتابه (سعود المطالع، لسعود المطالع) جماعة من النحويين مشوا على كتابة اليائي كله بالألف حملاً للخط على اللفظ) - لكان حسناً. ولا جرم أن الذين يرسمون اليائي بالألف يجارون الأرميين الذين يلفظون ويرسمون بالألف القائمة ما كان مقصوراً وغير مقصور لخلو لغتهم من اصطلاح في الكتابة مثل اصطلاح لغويينا أو كتابنا أو علمائنا ولا سيما أنهم يلفظون ما كان منتهياً عندنا بالألف
القائمة كلفظهم ما كان مختوماً بالألف الجالسة بلا أدنى فرق بخلاف علمائنا فانهم ينطقون بالإمالة ما كان مرسوماً آخره بالياء وبالفتح المشبع ما كان مرسوماً بألف قائمة.
وفي ص 10 س 13 (وليس هو بعد وزير) ونظن أن المعنى يتطلب أن يكون: (وليس هو بعد وزيراً).
وفي ص 11 س 4 (ولا يقدر له على نكبة) ونظن أن الصواب هو: (ولا يقدر له على نكبة) بهاء الضمير في الأخر. وأن كان للأول وجه في المعنى.
وفي ص 12 س 14: (فأن أفصى هذا الأمر إلي) ولعل الصواب (فأن أفضى بالضاد المنقوطة.
وجاء في ص 13 س 10: (فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف بالحسيني) والمذكور في التاريخ هو (الحسني) نسبة إلى الحسن بن سهل وهو الذي جاور التاج وكان به منازل الخلفاء في بغداد (راجع التاج في معجم البلدان لياقوت وراجع هذا الجزء من مجلتنا ص 343).
وجاء في ص 13 س 5: والله (لا قسمت الارتفاع) وفرق بين (لا) و (أقسمت) والظاهر أنها لا قسمت كالكلمة الواحدة أي أن الكلمة مركبة من اللام، لام جواب القسم ومن أقسمت.
وعلقت المجلة على كلمة إيوان زمام الخراج قولها: هكذا جاءت في الأصل اه. ولم نفهم سبب هذا التعليق في حين أن ديوان زمام الخراج هو الديوان الذي يضبط فيه ما يجمع من الخراج. راجع معجم دوزي في مادة زمام.
وورد في ص 77 س 6: (وكان يتقلد الذاب) والصواب الزاب بالزي وهو أشهر من أن يذكر ومثل هذا الغلط يرى في ص 79 س 2 حين يقول الكاتب: لا تهلكي جذعاً فأني واثق برماحنا. . . والمعروف الصحيح: (لا تهلكي جزعا).
وفي ص 82 س 6: ما رأيت الفعلة شبيها إلا ما عمله أبي الفرات) فلعلها (أبن الفرات) على ما هو مشهور.
وعلق على العلم (يوسف بن فنحاس) قول المجلة: (في تاريخ الوزراء
فيجاس) ولم يصحح إحدى الروايتين والصواب هو أنه فنحاس بالحاء المهملة لا فنحاس بالجيم. وفنحاس من أعلام اليهود المعروفة في جميع ديارهم.
وجاء في حاشية ص 83 تعليقه على ما ورد في النص وهو قوله (فأن أبن الفرات فاز بجمعها) ما حرفه (لعله بجميعها) ونحن لا نرى فرقاً بين اللفظتين بين الجمع والجميع إذ الواحدة تعني الأخرى.
وفي ص 84 س 10 كلمة (أزيل) مضبوطة بالهمزة المفتوحة للمتكلم المفرد من فعل أزال والأفصح أنها بضم الهمزة.
وعلق على كلمة تنائها من هذه العبارة (ص 87 س 6): (صرفت ما كنت جمعته من
ضياع وبستاين بالبردان وصاهرت بعض تنائها) ما هذا حرفة (كسكان جمع تانئ وهو المقيم ببلدة. راجع ص 28 من المجلد المجمع العلمي). قلنا: والذي عندنا أن التناء هنا جمع تان من إتاوة أو التناية وهي الفلاحة والزراعة كما قاله ابن الأثير في مادة ت ن و: فيكون المعنى: وصاهرت بعض فلاحيها أو زراعيها والكلمة في الأصل مشتقة عندنا من التناية اليائية لا من لا من التناوة الواوية. والتناية تعني بالأرمية الفلاحة والكراب (بكسر الكاف وهو قلب الأرض وحرثها وشقها).
وفي تلك الصفحة س 9: وليس معه من أصحاب كثير أحد. وعلق بكثير في الحاشية: (م. ع (أي مجلة المجمع العلمي العربي) كذا في الأصل: ولعل صوابه الكثيرين أحداً. اه ونحن نقول. لعل الأصل هو: وليس معه من أصحابه كبير أحد.
وفي ص 89 علقت المجلة على القارية التي شرحت في المتن بقول المؤلف: (والقارية ساجة عظيمة تستعمل صحيحة) بقولها (لم نعثر على القارية بهذا المعنى) اه. قلنا: القارية بتخفيف الياء تعريب اليونانية أي السارية أو الصاري.
وضبطت أرمينية في ص 91 س 5 بفتح الهمزة والذي أثبته علماء البلدان وفقهاء اللغة بكسرها.
وقال مصطفى جواد ورد في ص 1 س 10 من مجلة المجمع قولهم عن
مؤلف النشوار.
1 -
فهو لم يسرد وقائع التاريخ وأخبار رجاله كما سرده غيره. ولم نعرف صاحبا للضمير المتصل ب (سرد)(وقائع) والمعطوف عليه (أخبار) فالصواب (سردها) أو (سردهما).
2 -
وقالوا في ص 3 س 11 (ولكنها كانت أحياناً تصطدم بجمل وتعابير) فوقع في هذا التعبير غلط بين لأن (اصطدام) فعل مشترك كتصادم لا يصدر إلا من أثنين أو أكثر منهما لفظاً أو معنى بشرط التضاد فلذلك تقول العرب والفصحاء من غيرها (اصطدام هذا وذاك) و (هذان قد اصطدما) و (اصطدمت أنا وجمل وتعابير) وفي أساس البلاغة (وتصادم الفحلان والجيشان واصطدما) وفي ص 439 من تاريخ أبن خلكان قول راجع بن اسمعيل الحلي الأسدي:
ولا اصطدمت عند الحتوف كماته
…
ولا ازدحمت بين الصفوف جنائبه
فالصواب (تصطدم هي وجمل وتعابير).
3 -
وورد في ص 7 س4 قول مؤلف النشوار (فتلقطت هذا الفن وأثبته وخلطت به ما حدث وتحدث من مليح شعر لمن ضمنا وإياه دهر) وعلق الأستاذ مرجليوث ب (تحدث) قوله (لعل صوابه: ويحدث) قلنا (أنه قال: وأثبته وخلطت به ما حدث) فكيف يثبت (ما يحدث) في المستقبل؟ وقد تقدم خلطه بين الكل؟ فالأصل الذي نراه (ما حدث وتحدث به من مليح شعر) ولو كان تعليق الأستاذ مرجليوث محتملا للزم ذكر اسم وصول ثان ليحصل التباين بين (ما حدث) و (ما يحدث) فحذفه يوجب أن يكون الماضي والمستقبل سواء وهو محال قال تعالى في سورة البقرة (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) بتكرير (ما) الموصولة لتباين المنزلين في الكيفية والوقت.
4 -
وفي ص 8 س 6 و 7 جاءته رسالة الراضي يستدعيه ليقرر معه أمر الوزارة ويوليه إياها فقال: (الآن!!) بمدة فوق الهمزة الأولى وبعلامة التعجب مكررة وذلك خطأ لأن همزة أل في (الآن) همزة وصل فتسقط إذا سبقتها كلمة وتبقى همزة الاستفهام وحدها وهذا الاستفهام استنكاري فلا موجب لعلامة التعجب فضلاً عن تكريرها.
5 -
وفي ص 9 س 8 وما يليه (كان سبب رفعة عبيد الله بن يحيى طلب المتوكل لحدث من أولاد الكتاب. . . فأسمى له جماعة فاختار) وقد تركوا (أسمى) مبنياً للمعلوم خلاف قاعدتهم مع أن المسمي غير مذكور فالصواب عندهم (أسمي) بياء مثناة منقوطة من تحت وكانوا جدراء بان يلحظوا ورودها في ص 91 هكذا (فأمر أن يطلب له حدث من أولاد الكتاب ينصبه لذلك فسمي له جماعة) ببناء (سمي) للمجهول.
6 -
وفي 11 س 8 (وقوي أمر عبيد الله حتى حذف بنفسه من غير أمر اسم وصيف من التاريخ) وطبع هذه الجملة مضطرب وتصعب قراءتها بفهم فالمسهل لفهمها الفصل كما يأتي (حتى حذف بنفسه من غير أمر (اسم وصيف) من التاريخ).
7 -
وفيها س 12 (وبطأ حوائجه) وقد علق عليه علماء المجمع ما عبارته (المعروف: أن أبطأ وبطأ يتعديان بحرف الجر وفي مستدر كاتنا أن (بطأ) ورد متعدياً بنفسه فسألنا عن ذلك الأب انستاس ماري الكرملي فإذا تعديه بنفسه من مستدركات التاج على القاموس.
8 -
ورد فيها س 13 (فقتله على يد إسحاق بن إبراهيم الظاهري ببغداد) بالظاء المشالة المعجمة من الظاهري، والمشهور في ذلك العصر (الطاهري) بالطاء المهملة نسبة إلى
(الحريم الطاهري) وهي محلة ببغداد.
9 -
وورد في ص 15 س 7 (مدة تقلد عبد الرحمن. . . ثم مدة أيام أبي العباس. . . لديوان الخراج) وعلق به مرجليوث الأستاذ (الصواب: تقلد) قلنا إذا صار الكلام (بديوان الخراج) كان ذلك أولى من إضافة (تقلد).
10 -
وفي ص 77 س 8 (وأخذ خطة يصححها فصحح خمسمائة وأربعين) وعلق به الأستاذ المذكور (ولعله بتصحيحها) قلنا: أن كان ذلك موافقاً فيفسد قول (فصحح خمسمائة وأربعين) بعد أخذ خطة بتصحيحها فالموافق لمقتضى الحال (وأخذ خطة لتصحيحها) بوضع اللام بدلاً من الباء لأنه لا يفيد حصول تصحيحها كما تفيد الباء التي للمصاحبة.
11 -
وورد في ص 82 س 10 (بيت المال العامة والخاصة) وعلق عليه علماء المجمع ما نصه (كذا في الأصل، وذكر بعضهم أن المال يؤنث ولكن في تاريخ الوزراء: بيت مال الخاصة والعامة) قلنا فانظروا إلى ص 83 ففيها (بيت مال العامة) فلا شك في أن الصواب ما ورد في تاريخ الوزراء وأن (ال) في المال من زيادة السهو.
12 -
وورد في ص 83 س 3 (وكان مبلغه فيما ظنه الكتاب وكانوا يتعاودونه نحو ألف دينار) فعلق المجمعيون ما نصه (كذا في الأصل ولعله: يتعاورونه أي يتداولونه بالعد أو التخمين) قلنا ليس ذلك بشيء وغنما هو متكلف ظاهر لأن قوله (ظنه الكتاب) ينفي عدة ولان التعاور لا يكون بالعد ولا بالتخمين فمعنى (تعاوروا المال أخذه بعضهم بعد بعض أو بعضهم مرة وبعض أخرى) وعلى ذلك قول أعشى بكر:
دمنة قفرة تعاورها الصي
…
ف بريحين من صبا وشمال
وقول عنترة العبسي:
إذ لا أزال على رحالة سابح
…
نهد تعاوره الكماة مكلم
فالأصل المذكور (يتعاودونه) هو الصواب ومعناه (تشاركوا في معاودته لتفقده).
13 -
وفيها س 9 (فأمر بحبسها وتهديهما ففعلت ذلك، فأحضراني حسابا مبتورا) والصواب (فأحضرا لي حساباً مبتورا) لأنهما استجلبا له الحساب.
14 -
وفي ص 87 س 6 قد صرفت ما كنت جمعته من ضياع وبساتين بالبردان) وقد علق به مرجليوث (الصواب: في) وقد أراد في (ضياع وبساتين) وليس في هذا الإصلاح
صلاح والصواب الأصل سواء أكانت (من) بيانية أم سببية.
15 -
وورد فيها س 9 (وليس معه من أصحابه كثير أحد، فاجتاز في الطريق) فعلق به المجمعيون ما عبارته (كذا في الأصل ولعل صوابه: الكثيرين أحد) قلنا لا وجوب في جمع الكثير عند ترجيح الصحيح فأنه يستعمل للمفرد والجمع على غرار قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم) وقوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا).
16 -
وورد فيها س 14 (قلت لم لا أخلف على هذا القائد وأضيفه عندي على هذا الطعام المعد) فانشب فيه ابروه من المجمع ما نصه (أخلف عليه: عوضه. ولعله: أحلف بمعنى أقسم، وهو الأظهر) قلنا: دعواهم أن هذا هو الأظهر تسند الحماقة إلى المضيف لأن مبادرته المار عليه بالقسم ليست من كرم الأخلاق ولا من العادات المألوفة وفي مختار الصحاح (وأخلف فلان لنفسه من: إذا كان قد ذهب له شيء فجعل مكانه آخر) فذاك من هذا النوع والتقدير (أخلف لنفسي على هذا القائد) لأن ضيفه المنتظر لم يحضر.
17 -
وفي ص 88 س 1 (فنحن نشرب أس الجيش في طلبه وعرفوا خبرة وأحاطوا بالدار) وعلق به مرجليوث (لعله إذ أتى) وهو مقبول صحيح ولكن الحق به المجمعيون ما نصه (الظاهر: أنه أنبث الجيش أي تفرق) قلنا ليس هذا بظاهر لأن إنبثاث الجيش يجوز لو لم يعرفوا خبره أحاطوا بالمنزل فالصواب أذن (إذ أتى الجيش في طلبه وعرفوا خبره وأحاطوا بالدار) ولأن جهلهم خبره وموضعه يسبب إنبثاثهم.
18 -
وفي ص 89 س 3 (فوعدته بها وأدفعه أياماً ثم حملتها إليه) فعلق به علماء المجمع ما نصه (الظاهر: ودافعته) وما زال إصلاحهم مباءة للغرائب مدعاة للاستغراب، قال تعالى (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) باتخاذ المصارع بدلاً من الماضي لأنه يفيد الاستمرار بالماضي إذا أقحم مع الأفعال الماضية وهذا أسلوب العرب فيجب أن يعرف ذلك من يتصدى لمثل هذه الأمور. انتهى كلام مصطفى جواد.
وما عدا ما ذكر ناه هنا فالحواشي والتصحيحات من أنفس ما جاء في إعادة نص المؤلف إلى نصابه ولو بعث اليوم لشكر لناشري تصنيفه ومصححيه فضلهم أصدق الشكر. فأثابهم الله على هذه الخدمة العظيمة.
3 -
الفقنس والققنس والقوق
وقرأنا في الجزء الثاني مقالة نفيسة للأستاذ الإيطالي كرلو نلينو (10 من 65 إلى 76) مقالة وسمها (تصحيفات غريبة في معجمات اللغة) حقق فيها هذا العلامة الجهبذ أصل هذه الألفاظ المذكورة وهي الفقنس والقوقيس والقوق
والمقوقس، وكنا قد سبقنا حضرته فكتبنا في المشرق سنة 1899 في 2: 926 و 927 نبذة في تصحيفات كلمة فنقس وأثبتنا أنها وردت في أسفار مختلفة بصور شتى منها، فنقس وفقنس وقوقيس وققنوس وقوقش. ومن بعد أن نشرنا مقالتنا المذكورة عثرنا في كتاب البلدان لأبن الفقيه (وقد ألف في سنة 289هـ 902م) على البنجس قال (ص 207)(وزعم طمياث (لعله طمستيوس) الحكيم في كتاب له في الحيوان أن في المشرق طيراً يقال له (بنجس) في مدينة يقال لها مدينة الشمس ليس له أنثى ولا شكل في فعله وأهل المدينة يعبدون الشمس وتسمى المدينة أغفطوس، قال: فيطير هذا الطائر فيجمع بمنقاره عيدان الدار صيني ثم يضطرب عليها بجناحيه حتى يشعل نارا من تلك العيدان فتأكله حتى يصير رماداً ثم ينشأ من ذلك الرماد دودة فلا تزال تنمي وتزيد حتى تكون طيراً كما كان وذلك في خمسمائة عام) اه. فهذا كلام واضح على أن البنجس هو الفنقس أو الفقنس أو القفنس
4 -
الققنس والقوق
ونحن نوافق الأستاذ نلينو على أن الققنس (كهدهد) أو الققنوس أو القوقفوس أو القوقيس (بقافين في الأول) هو لكننا لا نوافقه على أن القوق هو الققنس (بقافين كهدهد) ولا أنه الفنقس (بفاء ونون وقاف) بل هو طائر ثالث. وقد جاء ذكره في التوراة العربية التي نقلها سعيد بن يعقوب الفيمومي المشهور عند الغربيين باسم سعديا (راجع هذا الجزء من المجلة ص 326). وقد سبقه إلى ذكره أيضاً التلمود المؤلف في المائة الثانية للمسيح أي قبل الهجرة بأربعمائة سنة إذ جاء فيه اسم هذا الطائر (قوق) مبني ومعنى وذلك في عدة مواطن. فالكلمة إذن ليست يونانية الأصل وأن ورد ما يشبهها في الإلياذة المؤلفة في نحو السنة الألف قبل الميلاد لأن المذكور في الإلياذة هو الققنس (كهدهد وبقافين) لا القوق الذي هو وليس القوق عبرياً لأن اسمه في هذه اللغة (قأت)(مهموزة الوسط وكسبب).
ولعلك تقول أنها أرمية. قلنا: قد يكون ذلك محتملاً لكننا لا نقول به بل نذهب إلى اللفظة عربية النجار لأن في أصول مادتها ما يؤيد معناها ويوجه
سبب اشتقاق اسم منها أحسن توجيه لطلاقها على الطائر فمادة قوق (وفيه روايات (قاق وقيق) تدل على البياض مثل (يقق) وفيه قلب الأحرف. ومنه قولهم أبيض يقق والقوق طائر يغلب عليه البياض لأنه المسمى بلسان العلم ومن مادة ق وق: القوقة وهي الصلعة لظهور جلدة الرأس بيضاء إذا ذهب عنها الشعر - والقيقية وهي القشرة الرقيقة من تحت القيض من البيض ولا تكون إلا بيضاء وجاءت في بعض نسخ القاموس القيقة وهي خطأ ومنها أيضاً: القئقئ كزبرج وهو بياض البيض. ومنها أيضاً القيقاة والقيقاءة والقيقاية لوعاء الطلع لاشتماله على النضيد أو الكفري الذي هو أبيض اللون. ومنها القويقية وهي البيضة.
وقد ترقق القاف فيقال. الكيكة وهي البيضة وقد تبدل إحدى القافين فيقال القيض الذي هو قشر البيض من باب إبدال القاف الأخيرة من الضاد ولو تتبعنا هذه المادة إبدالا ونقلاً وقلبنا لطال البحث طولاً يمله القارئ فنكتفي بالإشارة إليه.
ومما ننكره على حضرة الأستاذ (أن الفقنس والققنس والقوقنش والقوقيس وما أشبه ذلك. . . غير معروف بالبلاد الشرقية)(ص 72) قلنا: أن الققنس - ومن أسمائه في العربية التم (عن الدميري) والأوز العراقي) - طائر معروف في بلادنا العراقية ومنه اسمه عند أهل الشام الوز العراقي، وهو يطير في أيام الربيع والخريف رفوفاً ويحلق في الجو ويجلب فيه جلبة يسمعها القاصي والداني وطيرانه لا يكون إلا بعد غروب الشمس بنحو من ساعة أو ساعة ونصف وهو أشهر من أن يذكر لكنه لا ينزل في جوار المدن بل يقيم في البطائح الكثيرة في جنوبي العراق ويذهب أيضاً إلى ديار إيران. وأسمه بالفارسية قو أو غو وبالتركية قوغو وهو ليس بالمسمى (كي) فهذا هو الحوصل أي ضرب من القوق.
5 -
المقوقس
وذهب حضرة الأستاذ نلينو أن المقوقس تصحيف القوقنس وهذه عبارته (ص 76): (أما الكلمة الأخرى التي أظنها أيضاً تحريفاً (للققنس) أدخل غلطاً في بعض معاجم اللغة فالمقوقس حيث يزعم أنه اسم طائر ولا ذكر لهذا المعنى في الصحاح ولا في لسان العرب ولكن أتى به صاحب القاموس وشارحه) اه.
قلنا: عدم ذكر الصحاح ولسان العرب لفظة لا يدل أنها لم ترد في كلام الأقدمين. فكم من لفظة ترى في شعر الجاهلية ولا ذكر لها في معاجم اللغة كبيرها وصغيرها. وما ذلك إلا دليلاً على أن دواوين اللغة على سعتها لا تحوي جميع ما نطق به الأقدمون فقد يذكر بعضهم ألفاظاً نسيها الفريق الآخر وهذا أمر يبقى على هذا النقص إلى انقضاء الدهر من غير أن يحصر حصراً تاماً.
وتعريف المقوقس لا يوافق تعريف القوقنس أو الققنس، فالمقوقس على ما جاء في تاج العروس:(طائر مطو طوقاً سوادة في بياض كالحمام) عن أبي عمرو) اه. وأما الققنس فقد عرفه حضرته بقوله هو من جنس الأوز إلا أنه اشد منه بياضاً جميل الصورة ذو عنق طويل جداً ظريف للغاية كان يضرب به المثل في صفاء البياض عند اليونان والرومان ولم يزل يضرب عند الإفرنج (كذا. لعلها يضرب به عند الإفرنج) اه. فأين هذه التحلية من تلك التحلية؟ فالققنس بحجم الأوز أو أكبر والمقوقس بحجم الحمام ومطوق. فأين هذا من ذاك؟. والذي عندنا أن المقوقس هو اسم لطائر معروف في ديار فارس وتركستان وهو المسمى بلسان العلم أو الككم (أي الككو أو الكوكو) المطوق وهو بحجم الحمام وبقية وصفه يوافق اللفظ العلمي كل الموافقة.
أما أنه كيف سمي العرب طائراً ليس في بلادهم. فمثل هذا كثير فهذا الكركدن والفيل والببر والسمور والببغاء والطاوس والغرغر وغيرها أسماء حيوانات وطيور غير موجودة في ديارهم لكنهم نقلوها عن لغات أصحاب الربوع التي ترى فيها تلك المخلوقات فليحفظ.
6 -
السمندر أو السميدر أو السمند
وذكر حضرته في حاشية 7 السمندر فقال عنه: (الظاهر من هذا الوصف (وصف بر بهلول لعنقاء مغرب أو فونيكس أو فنخس) أن فونيكس بهذا المعنى (بمعنى أنه يعمل من ريشه مناديل فإذا اتسخت يلقونها في النار فتنظف وتنقي وهي تصلح للملوك) لفظ مرادف للفظ الآخر السرياني سلمندر وهي ما يسمى في كتب العرب السمندر أو السميدر أو السمند أو السمندل أو
السبندل. تقول العرب أنه طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار وإذا أنقطع نسله وهرم ألقى نفسه في الجمر فيعود إلى شبابه وزعموا أيضاً أن المنسوجات غير المؤثرة بالنار المجلوبة من أقاصي البلاد الآسيوية كانت من وبره أو ريشه والحقيقة أن كل هذه
الألفاظ محرفة عن كلمة سلمندرا اليونانية. . . وهو نوع من الحرذون موجود باوربا كان القدماء يولون أنه لبرودة طبيعية يستطيع أن يجتاز بالنار بدون احتراق. . .) إلى آخر ما قال.
فكل ذلك مأخوذ من تحقيقاتنا بيناها في المشرق 6: 9 في سنة 1903 أي قبل 27 سنة. فوقع المقال في ست صفحات بحجم هذه المجلة مع تصاوير السمندل فنتعجب من حضرة الأستاذ كيف استعمل تحقيقاتنا - بل في بعض الأحيان - عباراتنا ولم يشر إليها، ونحن نعلم أن ليس هناك من سبقنا إلى هذا البحث والإمعان في تدقيق النظر فيه. ولا يمكن أن حضرة الأستاذ لم يطلع عليه وهو ذاك النقابة البحاثة دعيميص الرمل في آداب العرب.
هذا بعض ما أردنا تعليقه على ما جاء في مجلة الجمع العلمي العربي. ويعلم الله أننا ى نريد إلا نخل الحقائق مما يشوبها من الشوائب وعلمه فوق كل ذي علم.
7 -
تتمة في أوضاع بقطر ودوزي
وهنا لا يمكننا أن نسكت عن الأوضاع التي أدخلها اليأس بقطر في معجمه الفرنسي العربي ونقلها عنه كل من ألف معاجم إفرنجية عربية وقد نقرنا في معجم بقطر عما يقابل كلمة من الألفاظ العدنانية فرأيناه يضع للفرنسية (أردف - فون - بجع - قوغى) ونقلها دوزي في معجمه الكبير ولم يضبط الأردف ولا الفون ولا القوغي لأن بقطر لم يضبطها. أما الأب بلو اليسوعي فأنه نقل ألفاظ بقطر في المادة المذكورة وضبط الأردف كالأحمر ضبط حركات. وشكل فوق بضم الأول وأهمل البجع والقوغي. فمن أين أتى بقطر بهذه الأسماء التي لا اثر لها في المصنفات العربية التي ألفت قبل خلقة في العالم؟.
قلنا: كان بقطر (اليأس) ترجمانا خاصاً بحملة نابليون على مصر ثم عين ترجاناً في وزارة الحربية الفرنسية في باريس والرجل ما كان يحسن العربية، إنما كان يعرف قليلاً من العامية المصرية، إذ كان من أسيوط (ولد فيها سنة
1784) وكانت المصرية يومئذ كثيرة الكلم التركية لمكث الترك في ديار النيل مدة طويلة فكانت تلك اللغة البقطرية ملونة بألوان قوس قزح القومية. فأردف تصحيف اردق لغة في أردك التركية أو أوردك أب البطة. وفون (بالفاء) صوابها قون (بالقاف المضمونة) وهي مقطوعة من قوق (نس) وهو الاسم اليوناني للطائر المسمى بالعربية التم أو الإوز العراقي وأما القوغي فهو القوغو أو القوغى
(وتلفظ بضم القاف والعين) وهو أسم التم بالتركية.
فهذه هي حقيقة أصول الألفاظ التي أدخلها بقطر في لغتنا وتبعه متأثراً إياه كل من نقل عنه كدوزي والأب بلويو وسف حبيش وشركائهم، على أني أقول أن معجم يوسف حبيش الفرنسي العربي هو أحسن الكتب اللغوية الفرنسية العربية، إذ هو قليل الغلط بالنسبة إلى غيره، ومن العجيب أنه وضع بازاء بجعة ج بجع (طائر) يسمى أيضاً ردف (كذا) اه. فكان كلامه كله غلطاً لأن البجعة هي كما ذكرها في مادتها. وردف لا وجود لها إنما هي الأردف التي تعني البطة لا الإوزة العراقية. وأما قوله الردف فالذي ساقه إليه هو أن في الدجاجة التي هي من صور السماء تسمى بلسان العلماء نجما هو ذنب الدجاجة أي المسمى بالإفرنجية أو فسمي الكل باسم الجزء. وهو في غير محله هنا إذ هو من قبيل وضع الشيء في غير موطنه.
فأنت ترى من الجهة الواحدة صعوبة السقوط على الألفاظ الصحيحة العربية للأوضاع الإفرنجية في أي علم أو فن كان. ومن الجهة الثانية أن المعاجم العلمية في حاجة إلى إصلاح دقيق فعسى أن ينهض الأدباء والعلماء في هذا العصر ويضعوا لنا معجماً صحيحاً لتطمئن إليه النفوس فيحسن النقل من اللغات الغربية إلى لغتنا العربية. أننا لا نكر أن صاحب السعادة محمد شرف بك أدى خدمة لا بينة للعالم العربي بوضعه ذلك المعجم الجليل الإنكليزي العربي إلا أنه فاته ألفاظ كثيرة في علم النبات والحيوان والجماد وفي بعض المواطن يحتاج إلى تصحيح. وفي مواضع آخر إلى حذف أو إلى زيادة. ومع هذا كله يبقى تأليفه جبار في اللغة لأنه فاق به جميع من تقدمه في هذا البحث. فعسى أن يعاد النظر فيه مرة ثالثة ليكون أوفى بالموضوع.